المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أما المأذون فيه كالسواك والاكتحال فغير داخل في المنع (1) - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: أما المأذون فيه كالسواك والاكتحال فغير داخل في المنع (1)

أما المأذون فيه كالسواك والاكتحال فغير داخل في المنع (1) والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.

هذا. ومقاصد الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة.

(أ) الوضوء

هو بضم الواو (لغة) مأخوذ من الوضاءة. وهي الحسن والنظافة. وبفتح الواو أسم لما يتوضأ به ويقال بالفتح وبالضم فيها (وشرعا) طهارة مائية تتعلق بالأعضاء الأربعة وهي: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان (وهو مشروع) بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} {6} المائدة (وعن أبي هريرة) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي (2){135} .

وعليه انعقد الإجماع فصار معلوما علما ضروريا للعام والخاص. فمن أنكر مشروعيته كفر (والمعتمد) أنه ليس من خصائص هذه الأمة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لابد منها. ومن توضأ اثنين فله كفلان. ومن توضأ ثلاثا فلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلى. أخرجه أحمد وابن حبان وفيه زيد العمي ضعيف وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح (3){136} .

(1) انظر ص 273 ج 5 مناوي الجامع الصغير.

(2)

انظر رقم 9979 ص 452 ج 6 فيض القدير.

(3)

انظر ص 49 ج 2 - الفتح الرباني.

ص: 232

وإنما المختص بهذه الأمة، الغرة والتحجيل، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (1)[137] ويأتي بيان الغرة والتحجيل في متسحبات الوضوء. هذا. وسبب وجوب الوضوء، وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بالطهارة كصلاة ولو نافلة أو سجدة تلاوة. ثم الكلام ينحصر في اثنى عشر فرعا.

1 -

شروط الوضوء

شروطه ثلاثة أقسام. (أ) شروط وجوب: وهي التي لو فقد واحد منها لا يجب الوضوء وإن كان صحيحا. وهي أربعة.

1 -

البلوغ. فلا يجب على صبي ولو مميزا، لكن أن توضأ صح منه وأجزأه عن الواجب إذا بلغ وهو متوضئ.

2 -

الحدث. فلا يجب على متطهر قبل الوقت تجديده بعد دخول الوقت.

3 -

القدرة على استعمال المطهر. فلا يجب على فاقد الماء ولو حكما، بأن احتاجه لشرب ونحوه ولا على من لم يقدر على استعماله كمريض يضره استعماله، وأقطع لا يجد من يؤضئه ومكره على تركه.

4 -

ضيق الوقت. فلا يجب ما دام في الوقت سعة. فإن ضاق وجب الوضوء وجوبا مضيقا، كما لو أراد الدخول في الصلاة ولو نفلا (وهذه) الشروط يجمعها شرط واحد هو قدرة المكلف بالوضوء عليه.

(ب) شروط صحة: - وهي التي لو عدم واحد منها لا يصح الوضوء، وإن كان واجبا. وهي أربعة:

(1)

عدم الحائل المانع من وصول الماء إلى

(1) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. وص 167 ج 1 - فتح الباري (فضل الوضوء) وص 135 ج 3 نووي مسلم (استحباب أطالة الغرة والتحجيل في الوضوء).

ص: 233

البشرة كشمع ودهن وعجين. ومنه قذى العين والأوساخ المتجمدة على العضو. (2) عدم حصول ناقض حال الوضوء في حق غير المعذور. فلا يصح الوضوء حال حصول ما يبطله إلا في حق صاحب العذر كالاستحاضة وسلس البول على ما يأتي بيانه إن شاء الله في (وضوء المعذور). (3) أن يكون الماء طهورا على ما تقدم بيانه. (4) ويشترط أيضا عند الشافعية تمييز الفرض من غيره في حق من اشتغل بالعلم حتى عرف ذلك. أما العامي فيشترط في حقه ألا يعتقد الفرض نفلا.

(جـ) شروط وجوب وصحة معا: وهي التي إذا فقد واحد منها لا يجب الوضوء ولا يصح. وهي خمسة. (1) الإسلام عند الشافعية والحنابلة، فلا يجب على الكافر لأنه لا يطالب به إلا بعد الإسلام. وإن عوقب على تركه. ولا يصح منه الوضوء لتوقفه على النية. وهي لا تصح من الكافر (وعند) الحنفيين الإسلام شرط وجوب فقط. فلا يجب الوضوء على الكافر، لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المشهور عندهم. ويصح وضوءه قبل إسلامه لعدم توقفه على النية (وعند) المالكية الإسلام شرط صحة فقط، فيجب على الكافر لأنه مخاطب بفروع الشريعة على المعتمد عندهم. ولا يصح منه إلا بعد الإسلام لتوقفه على النية ومن شرطها الإسلام. (2) العقل، فلا يجب الوضوء على مجنون ومصروع ومغمي عليه ومعتوه وصبي غير مميز ولا يصح منهم. (3) عدم المنافي من حيض ونفاس وجنون وصرع وإغماء. (4) عدم النوم والغفلة. فلا يجب على حائض ولا نفساء ولا نائم ولا غافل. ولا يصح منهم.

(5)

بلوغ دعونة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن لم يبلغه أن الله أرسل رسولا يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، لا يجب عليه الوضوء، ولا يصح منه عند غير الحنفيين. ويصح وضوءه عندهم وإن لم يجب عليه.

ص: 234

2 -

فروض الوضوء

هي جمع فرض. وهو لغة التقدير. وشرعا المطلوب فعله طلبا جازما، فيثاب على فعله ويعاقب على تركه عند غير الحنفيين. وعندهم الفرض ما ثبت لزومه بدليل قطعي وهو قسمان. (أ) فرض قطعي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة "أي لا يحتمل التأويل" ويكفر منكره كأصل الغسل والمسح في الوضوء. (ب) فرض اجتهادي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت ظني الدلالة "أي يحتمل التأويل" ولا يكفر منكره كغسل المرفقين والكعبين، ومسح ربع الرأس في الوضوء. (وفرائضه) منها المتفق عليه والمختلف في فرضيته. وهي ثمانية.

1 -

النية: وهي لغة القصد. وإصطلاحا قصد الشيء مقترنا بفعله (ووقتها) عند غسل الوجه ويغتفر تقديمها عليه بزمن يسير خلافا للشافعية حيث قالوا: لابد من مقارنتها لأول غسل الوجه. ولا يغتفر تقدمها ولو يسيرا. ولابد عندهم من استصحابها إلى فراغ الوضوء (ومحلها) القلب (وكيفيتها) أن ينوى المتوضئ طاعة لا تصح إلا بالطهارة، أو ينوي الوضوء، أو رفع الحديث، ولا يسن التلفظ بها. "لأنه" لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه "التلفظ" بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، ولا عن الأئمة الأربعة (1).

(وشرطها) الإسلام والتمييز والعلم بالمنوى والجزم. فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا صبي غير مميز ولا من متردد كأن يقصد الوضوء أن كان قد أحدث.

ومن شروطها عدم الإتيان بمناف للمنوي بينه وبينها، إلا في حق المعذور كما تقدم.

(1) انظر ص 80 ج 1 رد المحتار على الدر المختار (محل النية).

ص: 235

ويشترط عند الشافعية ألا ينوي نحو تبرد أو نظافة فقط. أما لو نوي الوضوء مع التبرد والنظافة، فإنه يصح (وحكمها) أنها ركن من أركان الوضوء عند المالكية والشافعية. وشرط صحة عند الحنابلة، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى "(الحديث) أخرجه السبعة (1){138} .

(وقال) الحنفيون: النية سنة مؤكدة في الضوء بغير سؤر الحمار ونبيذ التمر. وشرط في صحة الوضوء بهما احتياطان كما أنها شرط في كون الوضوء عبادة. فإذا قصد التبرد أو النظافة بدون نية الوضوء، فله أن يصلي به وأن لم يثب عليه، لأنه لا ثواب إلا بالنية. وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن تركها بلا عذر مع الإصرار أثم أثما يسيرا.

(وأجابوا) عن الحديث بأنه حديث آحاد يقبل التأويل، فيفيد السنية لا الوجوب (وقد) اختلف العلماء في تأويله. فذهب القائلون بلزوم النية، كمالك والشافعي وأحمد على أن المعنى: إنما صحة الأعمال بالنية. ومن لم يجعلها شرطا كالحنفيين والثوري، قالوا: المعنى إنما ثواب الأعمال وكمالها بالنية (ورجح) الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة، لأن ما كان ألزم للشيء، كان أقرب إلى خطورة بالبال (وسبب) اختلافهم تردد الوضوء "بين" أن يكون عبادة محضة، أعني غير معقولة المعنى. وإنما يقصد بها القربة فقط كالصلاة وغيرها "وبين" أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة. ولا خلاف في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية. والوضوء فيه شبه من العبادتين. وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة. والفقة أن ينظر بأيهما هو

(1) أنظر ص 136 راموز الأحاديث.

ص: 236

أقوى شبها فيلحق به (1). وفي قوله في الحديث "وإنما لا مرئ ما نوى" تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فهون مؤكد لما قبله (وقيل) معناه أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه. ومعنى الجملة الأولى. أن العمل يتبع النية ويصاحبها، فالثانية مؤسسة.

2 -

غسل الوجه: هو فرض في الوضوء ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي إذا أردتم القيام لها وأنتم محدثون حدثا أصغر، بقرينة قوله تعالى. (وإن كنتم جنبا فاطهروا)(وعن ابن عباس) أنه توضأ فغسل وجهه. فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق. ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها على يده الأخرى فغسل بها وجهه. ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى. ثم مسح برأسه. ثم أخذ غرفة من ماء فرض بها على رجله اليمنى حتى غسلها. ثم أخذ غرفة من ماء مغسل بها رجله اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه البخاري (2)[139].

(هذا) وحد الوجه طولا ما بين منبت شعر الرأس المعتاد واسفل الذهن، وعرضا ما بين شحمتي الأذنين. (اختلفوا) في البياض الذي بين الأذن والعذار من الوجه (فعند) الشافعية وأكثر الحنفية يجب غسله مطلقا. وهو مشهور مذهب المالكية. (وقال) أبو يوسف: يجب غسله على الأمرد دون الملتحي وهو قول للمالكية. هذا ويطلب عند غسل الوجه تتبع المواضع التي ينبو عنها

(1) انظر ص 6 ج 1 بداية المجتهد (شروط الوضوء).

(2)

انظر ص 170 ج 1 فتح الباري (غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة).

ص: 237

الماء كالغضون أو تكون محلا للقذى كموق العين (1)، لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وكان يمسح الماقين من العين (الحديث) أخرجه أحمد (2){140} .

"والغضون" وهي ما تعطف من الوجه "تقاس" على الماقين.

3 -

غسل اليدين مع المرفقين: هو فرض في الوضوء بالإجماع، لقوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ (3)} فيفترض غسل المرفقين بالإجماع.

(وقال) نعيم بن عبد الله: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه مسلم (4){141} .

(قال) الشافعي رضي الله عنه: فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل (5).

وعليه "فمن" قال بعدم فرضية غسلهما، وهو زفر وأبو بكر ابن داود الظاهري "محجوج" بالإجماع قبله. وبأن "إلى" في الآية بمعنى "مع" كما في قوله

(1)(الموق) مجرى الدمع من العين، أو مقدمها أو مؤخرها الذي يلي الأنف.

(2)

انظر ص 28 ج 2 - الفتح الرباني.

(3)

(المرافق) جمع مرفق بكسر الميم وفتح القاف وعكسه وهو المفصل الذي بين العضد والساعد. وإنما جمع لأن العرب إذا قابلت جمعا بجمع حملت كل مفرد من هذا على كل مفرد من هذا. وعليه قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم" أي فليغسل كل شخص وجهه.

(4)

انظر ص 134 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل).

(5)

انظر ص 22 ج 1 - الأم.

ص: 238

تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} {25} سورة هود. وقال زفر: إنها للغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها (ورد) بأن محله إذا لم يكن ما بعدها من جنس ما قبلها. أما إذا كان كما هنا فإنه يدخل اتفاقا. واليد عند أهل اللغة من المنكب على أطراف الأصابع.

وإذا كان المتوضئ مقطوع بعض اليد غسل ما بقى مع المرفقين، فإن كان مقطوعا من فوقهما غسل ما بقى منهما، وإن كان مقطوعا ولم يبق شيء من المرفقين فلا غسل عليه.

هذا. وإذا كان المتوضئ لابسا خاتما ضيقان لزمه تحريكه ليصل الماء إلى ما تحته عند الثلاثة (وقالت) المالكية: لا يجب تحريك الخاتم المباح وإن كان ضيقا لا يصل الماء إلى ما تحته. فإن نزعه بعد الطهارة، لزمه غسل ما تحته أن ظن أن الماء لم يصل إليه. أما المحرم أو المكروه الضيق (1) فيجب نقله من موضعه ليتمكن من ذلك ما تحته. ويكفي تحريك الواسع وإن لم تصل اليد إلى ذلك ما تحته اكتفاء بالدلك به. ومثل الخاتم في ذلك حلي المرأة من أساور وخلاخل ونحوها.

4 -

مسح الرأس: هو فرض في الوضوء بالإجماع لوروده في القرآن وثبوته من فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}

(وعن) عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم

(1)(المباح) للرجل خاتم واحد من فضة لا يزيد عن درهمين، ومثله في الحكم الحلي المباح للمرأة (والمحرم) للرجل ما كان من ذهب، أو من فضة زائدا على درهمين، أو متعددا (والمكروه) وما كان من نحاس أو حديد أو رصاص.

ص: 239

مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه أخرجه الجماعة (1){142} .

والمعنى أنه بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بيديه إلى القفا. ثم ردهما إلى المكان الذي بدا منه وهو مبتدأ الشعر. ويؤيد هذا قوله "بدأ بمقدم رأسه" ولا يشكل عليه قوله "فأقبل بهما وأدبر" لأن الواو لا تقتضي الترتيب. وعند البخاري من حديث عبد الله بن زيد بلفظ: فأدبر بيديه وأقبل.

والحديث يدل على مشروعية مسح جميع الرأس، والمسح شرعا إصابة بلل غير مستعمل عضوا أو شعرا، سواء أكانت الإصابة بيد أم غيرها، حتى لو أصاب المطر قدر المفروض من رأسه أجزأه وإن لم يمسحه باليد.

هذا. والآية لا تقتضي تعميم الرأس بالمسح، لأن الباء في قوله "وامسحوا برءوسكم" للإلصاق. فالمعني ألصقوا المسح بها. وماسح الكل والبعض كلاهما ملصق المسح بها. ولذا اختلف العلماء في قدر المفروض مسحه. (فأخذ) مالك وأحمد والمزني بالاحتياط، فأوجبوا مسح كل الرأس عملا بالحديث، وعن بعض المالكية أنه يكفي مسح الثلث والثلثين. (وأخذ) الشافعيون باليقين. فأوجبوا أقل ما يطلق عليه أسم المسح. وقالوا: يكفي مسح شعرة أو بعضها بحد الرأس "لما صح" من مسحه صلى عليه وعلى آله وسلم على ناصيته وعمامته. وهو يدل على الاكتفاء بمسح البعض، ولأن الباء الداخلة على متعدد كما في قوله "وامسحوا برءوسكم" للتبعيض.

(وقال) الحنفيون: المفروض في مسحها قدر الربع، لأن باء الإلصاق إذا دخلت على المحل تعدي الفعل إلى الألة، فيكون التقدير: وامسحوا أيديكم

(1) انظر ص 306 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء) وص 34 ج 2 - الفتح الرباني.

ص: 240

برءوسكم. وهذا يقتضي استيعاب اليد دون الرأس واستيعابها ملصقة بالرأس لا يستغرق غالبا غير الربع، فتعين مرادا من الآية. ويؤيده قول أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة ومسح مقدم رأسه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي. وفي سنده أبو معقل مجهول (1){143} .

فإن ظاهرة استيعاب مقدم الرأس وهو لا ينقص عن الربع. وأما استيعاب مسح الوجه في التيمم، فليس من الآية بل من السنة كحديث أبي جهيم بن الحارث قال: أقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. أخرجه أبو داود والبخاري (2){144} .

هذا. والاحتياط مسح جميع الرأس. ولم يصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذ مسح بناصيته كمل على العمامة (3).

المسح على العمامة: اختلف العلماء في جواز الاقتصار على مسح العمامة

(1) انظر ص 98 ج 2 - المنهل العذب (المسح على العمامة) وص 61 ج 1 بيهقي (إيجاب المسح بالرأس .. ) و (قطرية) بفتح فسكون، أي من حلل جياد تصنع بالقطرية ناحية اليمامة.

(2)

أنظر ص 168 ج 3 - المنهل العذب "التيمم في الحضر" وص 302 ج 1 فتح الباري (التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء)(0 فلقيه رجل) وهو أبو الجهيم الراوي.

(3)

انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات).

ص: 241

بلا ضرورة (فقال) بجوازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. منهم أبو بكر وعمر وأنس (1)، وهو مروي عن الحسن وقتادة ومكحول. (واستدلوا) بحديث أبي أمامة قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين وعلى العمامة في غزوة تبوك. أخرجه الطبراني (2){145} .

(وقال) المغير بن شعبة: توضأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الخفين والعمامة. أخرجه الترمذي وصححه (3){146} .

وعند الأكثر: لا يشترط لبسها على طهارة، ولا توقيت في مسحها، لاطلاق الأدلة.

(وقال) الجمهور: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة بلا ضرورة. قل الترمذي: وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي (4). وكذا الحنفيون (واحتجوا) بأن الله فرض المسح على الراس، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس. (وبحديث) أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قالك سألت جابر ابن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يلبن أخر. وسألته عن المسح على العمامة فقال: مس الشعر بالماء. أخرجه الترمذي (5){147} .

(1) انظر ص 105 ج 1 تحفة الأحوذي "المسح على الجوربين والعمامة".

(2)

انظر ص 257 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين).

(3)

(انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة).

(4)

(انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة).

(5)

انظر ص 105 منه (المسح على الجوربين والعمامة) ومس بضم فشد أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة وحدها فعليك أن تمس الشعر.

ص: 242

(وسئل جابر) عن المسح على العمامة. فقال: لا حتى يمسح الشعر بالماء. أخرجه مالك (1)[11].

(وأجابوا) عن أدلة الفريق الأول، بأنها أحاديث آحاد لا تعارض الكتاب الموجب مسح الرأس، أو أنه حكاية حال فيجوز أن تكون العمامة صغيرة مسح عليها بعد مسح مقدم الرأس (ويدل) لهذا حديث المغيرة بن شعبة أن

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين. أخرجه مسلم (2)[147].

(وقال) بعضهم: أن أحاديث المسح على العمامة منسوخة. فقد روي ملك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد تتوضأ وتنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء. أخرجه مالك (3)[12].

وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار. فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار وليمسحا على رؤوسهما. أخرجه مالك (4)[13].

وقال محمد بن الحسن: بهذا نأخذ. لا مسح على خمار ولا على عمامة. بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك (5).

(5)

غسل الرجلين مع الكعبين: هو فرض في الوضوء باتفاق الأئمة وأكثر أهل العلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم، لقوله تعالى: (وامسحوا

(1) انظر ص 69 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين).

(2)

انظر ص 174 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين ومقدم الرأس).

(3)

انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين).

(4)

انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين).

(5)

انظر ص 109 ج 1 شرح العناية على الهداية هامش فتح القدير.

ص: 243

برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) بنصب الأرجل عطفا على الوجوه، أي واغسلوا أرجلكم مع الكعبين وهما العظمن الناتئان عند مفصل الساق والقدم (ولما) ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلا وقولا. (أما) الفعل فقد ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسل رجليه في الوضوء (قال) النووي: ذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما. ولا يجب المسح مع الغسل. ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع (1).

(وقال) الحفظ: لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس. وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك.

(قال) عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على غسل القدمين (2).

(وأما) القول فمنه قول عبد الله بن عمرو: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادي بأعلى صوته:"ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا. أخرجه الشيخان (3)[149].

"أما" من قال: أن الواجب مسح الرجلين. ومن قال بالتخيير بين الغسل والمسح "فقد خالفوا" الكتاب والسنة، ولم يأتوا بحجة ناهضة "وأما حديث" رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تتم صلاة لأحد

(1) انظر ص 129 ج 3 شرح مسلم (وجوب غسل الرجلين).

(2)

انظر ص 187 ج 1 فتح الباري الشرح (غسل الرجلين).

(3)

انظر ص 187 فتح الباري: وص 131 ج 3 نووي مسلم (وجوب غسل الرجلين).

ص: 244

حتى يسبغ كما أمره الله. وفيه: ويمسح برأسه ورجليه الك الكعبين. أخرجه الدارقطني (1)[150]. "فهو ضعيف" لأن في سنده يحيى بن علي بن خلاد. قال ابن القطان مجهول.

"وحديث" أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى كظامة قوم "يعني الميضأة" فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (2)[151]. "لا يصلح" للاحتجاج به لأن فيه اضطرابا في السند والمتن (3).

والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قد بين للأمة أن المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما. فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها مصرحة بالغسل، ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين (فإن) كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح، فالواجب الغسل بما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البيان المستمر جميع عمره. وإن كانت غير مجملة، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل ورودا ظاهرا. ومنه الأمر بتخليل الأصابع، فإنه يستلزم الأمر بالغسل، لأنه المسح لا تخليل فيه، بل يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ.

(1) انظر ص 35 سنن الدارقطني (باب وجوب غسل القدمين والعقبين).

(2)

انظر ص 8 ج 4 مسند أحمد. وص 139 ج 2 - المنهل العذب و (كظامة) بكسر ففتح الظاء المخففة، آبار تحفر متناسقة ويباعد ما بينها. ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة "وتفسيبرها" بالميضأة (بكسر فسكون وبهمز مقصورة وقد تمد) لم نقف عليه في كتب اللغة. ولعل الراوي فسرها بها لقرينة علمها.

(3)

انظر ص 142 ج 2 - المنهل العذب المورود.

ص: 245

(فالحق) ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الغسل وعدم أجزاء المسح. (قال) في حجة الله البالغة: ولا عبرة بقوم تجارت بهم الأهواء فأنكروا غسل الرجلين متمسكين بظاهرة الآية. فإنه لا فرق عندي بين من قال بهذا القول، وبين من أنكر غزوة بدر وأحد مما هو كالشمس في رابعة النهار (1).

(6)

الترتيب في الوضوء: (قال) الشافعي وأحمد: الترتيب في الوضوء كما في الآية فرض لأن الله تعالى أدخل ممسوحا بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، وهي هنا الدلالة على الترتيب. والآية ما سيقت إلا لبيان الواجب، ولأن كل من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكاه مرتبا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه توضأ إلا مرتبا.

(وقال) الحنفيون ومالك والثوري: الترتيب في الوضوء سنة مؤكدة على الصحيح وليس بواجب وروى عن أحمد واختاره ابن المنذر، لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس. وعطف بعضها على بعض بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، فكيفما غسل كان ممتثلا. ووضع الممسوح بين مغسولين، لا يدل على أن الترتيب فرض بل فائدته الدلالة على استحباب الترتيب. وعن علي وابن مسعود: ما أبالي بأي أعضائي بدأت وقال ابن مسعود: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء. ذكره ابن قدامة (2)[14]. (وأجاب) أحمد عنه بأن المراد به تقديم اليسرى على اليمني. وقال حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه أن عليا سئل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيئ؟ قال لا حتى يكون كما أمر الله تعالى. ذكره ابن قدامة [15] وقال: والرواية الأخرى عن

(1) انظر ص 175 ج 1 - حجة الله البالغة "صفة الوضوء".

(2)

انظر ص 127 ج 1 مغنى ابن قدامة (وجوب الترتيب في الوضوء).

ص: 246

ابن مسعود لا يعرف لها أصل (1)(والظاهر) من الأدلة وجوب الترتيب بين الأعضاء المذكورة في الآية.

(ويؤيده) حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف سبعا رمل ثلاثا ومشي أربعا ثم استلم الركن ثم خرج فقال: إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدءوا بما بدأ الله به. أخرجه النسائي والدارقطني من عدة طرق وصححه ابن حزم (2)[152].

وهو بعمومه شامل للوضوء وأن ورد في الحج فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولأن العرب إذا ذكرت متعاطفات بدأت بالأقرب فالأقرب. فلما ذكر في الآية الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دلت على الأمر بالترتيب.

(7)

الموالاة في الوضوء: وهي التتبع بأن يطهر العضو اللاحق قبل جفاف السابق مع اعتدال الهواء والزمان والمكان والبدن بلا عذر. وقد اختلف العلماء في حكمه (قال) الأوزاعي ومالك وقتادة والليث وأحمد في رواية والشافعي في القديم: الموالاة في الوضوء فرض (لحديث) خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والحكم والبيهقي بسند فيه بقية في الوليد. مدلس غير أنه صرح بالتحديد عنه أحمد والحاكم (3)[153].

(1) انظر ص 128 ج 1 مغنى ابن قدامة.

(2)

يأتي رقم 166 ص 103 ج 9 - الدين الخالص طب 3 (شروط السعي).

(3)

انظر ص 46 ج 2 - الفتح الرباني. وص 173 ج 2 - المنهل العذب (تفريق الوضوء) و (اللمعة) الموضع الذي لا يصيبه الماء.

ص: 247

(وقال) الحنفيون وسفيان الثوري وأحمد في رواية والشافعي في الجديد: الموالاة سنة لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ولم يوجب موالاة.

(وعن) نافع أن ابن عمر توضأ في السوق، فغسل يديه ووجهه وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه، ثم دعى إلى جنازة فدخل المسجد ومسح على خفيه بعد ما جف وضوءه وصلي. أخرجه مالك والبيهقي. وقل: هذا صحيح عن ابن عمر، ومشهور عن قتيبة. وكان عطاء لا يرى بتفريق الوضوء بأسا (1)[16]. وهذا دليل حسن، فإن ابن عمر فعله بحضره حاضري الجنازة ولم ينكر عليه (2).

(وعن) عبيد بن عمير الليثي أن عمر بن الخطاب رأى رجلا وبظهر قدمه لمعة لم بصبها الماء، فقال له عمر: أبهذا الوضوء تحضر الصلاة؟ فقال يا أمير المؤمنين البرد شديد وما معي ما يدفئني، فرق له بعد ما هم به، فقل له أغسل ما تركت من قدمك وأعد الصلاة وأمر له بخميصة. أخرجه البيهقي (3)[17].

(وعن) عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أرجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى. أخرجه أحمد ومسلم (4)[154].

فلو كانت الموالاة فرضا، لقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أرجع فأعد

(1) انظر ص 73 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح على الخفين). وص 84 ج 1 سنن البيهقي (تفريق الوضوء).

(2)

انظر ص 455 ج 1 مجموع النووي.

(3)

انظر ص 84 ج 1 سنن البيهقي.

(4)

(أنظر ص 45 ج 2 - الفتح الرباني. وص 132 ج 3 نووي مسلم/ استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة).

ص: 248

وضوءك وإنما قال: أحسن وضوءك. وإحسان الشيء لكماله. وهذا هو الراجح لقوة أدلته.

(8)

الدلك: وهو امرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرض في الوضوء والغسل عند المالكية والمزني لحديث عبد الله ابن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك. أخرجه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلي وابن حبان (1)[155].

(وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: الدلك سنة لعدم التصريح به في الأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل فهو قرينة على صرف الأمر بالدلك للندب. ودعوى أنه من مسمى الغسل أو شرط فيه محل نظر. والمقرر أن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الفرضية.

(تنبيه) علم مما تقدم أن أركان الوضوء عند الحنفيين أربعة. غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس (وعند) الشافعية ستة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة ومسح بعض الرأس، والترتيب (وعند) الحنبلية ستة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة. وأما النية فشرط صحة (وعند) المالكية سبعة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة، ومسح الرأس، والدلك والموالاة للذكر القادر فلو كان ناسيا بني على ما فعل مع تجديد النية. وكذا العاجز غير أنه لا يلزمه تجديد النية، لعدم ذهابها.

(1) انظر ص 31 ج 2 - الفتح الرباني. وص 148 مسند الطيالسي.

ص: 249

3 -

سنن الوضوء

السنن جمع سنة وهي لغة الطريقة. وشرعا الطريقة المسلوكة في الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها، وليست خصوصية. وهي قسمان:

(أ) مؤكدة. وهي ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا إنكار على تاركها.

(ب) غير مؤكدة. وهي ما تركها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحيانا.

وسنن الوضوء كثيرة. المذكورة منها هنا عشرة:

1 -

التسمية في أوله: بأن يقول: باسم الله والحمد لله (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأت نقل: باسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تبرح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء" أخرجه الطبراني في الصغير بسند حسن (1)[156].

(وقد) اختلف العلماء في حكمها (قال) الحنفيون والشافعية: أنها سنة مؤكدة وهو المشهور عن أحمد (لحديث) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من توضأ وذكر اسم الله عليه، كان طهورا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه، كان طهورا لأعضاء وضوئه" أخرجه الدارقطني والبيهقي من عدة طرق في كل منها مقال (2)[157].

ومشهور مذهب مالك أن التسميه في الوضوء مندوبة.

(1) أنظر ص 220 ح 2 مجمع الزوائد (التسميه عند الوضوء).

(2)

انظر ص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء). و (طهورا

) أي مطهرا من صغائر الذنوب.

ص: 250

(وقال) إسحاق بوجوبها في حق العالم الذاكر وروي عن أحمد. فإن تركها عمدا لم تصح طهارته. وإن تركها سهوا أو جهلا فوضوءه صحيح. وإن ذكرها في أثنائه سمي وبني (ودليله) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف (1)[158].

وأخرج الترمذي الجملة الأخيرة من طريق رباح بن عبد الرحمن عن سعيد بن زيد وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وقال إسحاق: أن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه. وقال البخاري: أحسن شيء في هذا الباب، حديث رباح بن عبد الرحمن (2).

(والراجح) أنها سنة مؤكدة "والنفي" في حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "محمول" على نفي الكمال، جمعا بين الأحاديث. ويؤيده قول ابن سيد الناس في شرح الترمذي: قد روى في بعض الروايات: لا وضوء كاملا. فإن ثبتت هذه الزيادة من وجه معتبر فلا أصرح منها في إفادة مطلوب القائل بعدم وجوب التسمية (3).

2 -

غسل اليدين إلى الرسغين: الرسغ، بضم فسكون أو بضمتين: مفصل الكف بين الكوع والكرسوع. وأما البوع فهو عظم يلي إبهام الرجل. قال بعضهم:

(1) انظر ص 19 ج 2 - الفتح الرباني. وص 320 ج 1 - المنهل العذب (التسمية على الوضوء). وص 81 ج 1 - ابن ماجه. وص 43 ج 1 سنن البيهقي.

(2)

انظر ص 39 ج 1 تحفة الأحوذي (التسمية عند الوضوء).

(3)

انظر ص 168 ج 1 نبل الأوطار (غسل اليدين قبل المضمض).

ص: 251

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي

لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

وعظم يلي إبهام رجل ملقب

ببوع فخذ بالعلم وأحذر من الغلط

والكلام في حكم غسلهما وكيفيته:

(1)

الحكم ذهب الجمهور إلى أنه يسن غسل الكفين الطاهرتين ثلاثا في ابتداء الوضوء قبل المضمضة وإن لم يكن مستيقظا من نوم، لأن من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكر أنه غسل كفيه ثلاثا أولا من غير تقييد بكونه عن نوم (روي) حمران أن عثمان دعا بماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما. ثم أدخل يديه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا (الحديث) وفيه. ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ نحو وضوئي هذا. أخرجه الشيخان وكذا أبو داود بلفظ: "أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين"(1)[159].

وهو في حق من استيقظ من نوم ليلا أو نهارا، أكد (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قل:"إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". أخرجه الجماعة (2)[160].

(ويدل) على عدم الوجوب حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله

(1) انظر ص 205 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء).

(2)

انظر ص 22 ج 2 - الفتح الرباني. وص 310 ج 2 تيسير الوصول (غسل اليدين).

ص: 252

فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويسمح برأسه ورجلين إلى الكعبين" (الحديث). أخرجه أبو داود والبيهقي (1)[161] ولم يذكر فيه غسل اليدين قبل المضمضة.

(وقالت) الحنبلية: يسن غسل الكفين في ابتداء الوضوء لغير قائم من نوم ليل ناقض للوضوء، بأن لم يكن نائما، أو كان نائما بالنهار أو بالليل نوما لا ينقض الوضوء، كنوم يسير من جالس أو قائم "أما للقائم" من نوم ليل ناقض للوضوء "فيجب" عليه غسل كفيه ثلاثا في ابتداء وضوئه تعبدا، لحديث الاستيقاظ فإن تركه عامدا عالما فوضوءه صحيح مع الإثم. ويسقط بالنسيان، لأنه طهارة مفردة لا من الوضوء، ومقتضاه أنه لا يستأنف ولو تذكر في الأثناء، بل ولا يغسلهما بعد. بخلاف التسمية في الوضوء لأنها منه (2).

(فقد حمل) الحنبلية الأمر في الحديث على الوجوب في نوم الليل خاصة، "لكن" التعليل بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده "يقتضي" الحاق نوم النهار بنوم الليل. وذكر البيات نظرا للغالب.

(وحمل) الجمهور الأمر في الحديث على الندب، لما تقدم، ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية، يدل على الندبية. وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن هذا. ومحل الخلاف إذا شك في طهارتهما كما إذا استيقظ من النوم ليلا

(1) انظر ص 304 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه). وص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء).

(2)

انظر ص 67 ج 1 كشاف القناع (صفة الوضوء).

ص: 253

أو نهارا. أما إذا تيقن طهارتهما فيكون غسلهما سنة اتفاقا (وينوب) عن فرض غسل الكفين بعد غسل الوجه عند الحنفيين بل قيل: هو فرض وتقديمه سنة وإن تيقن نجاستهما، وجب غسلهما اتفاقا.

(ب) كيفية غسل الكفين: هي أنه- إذا كان يصب عليه- أن يغسلهما مع الدلك وتخليل الأصابع ثلاثا. وإن كان يغسلهما من إناء صغير كالكوز أو كبير ومعه إناء صغير، فإنه يصب منه على اليمنى ويغسلها ثلاثا مع دلك الأصابع، ثم يفعل باليسرى كذلك، وهذا مستحب مراعاة للتيامن. فلو غسلهما معا ثلاثا أجزأه بلا كراهة. وإن كان الإناء كبيرا لا يمكن رفعه وليس معه إناء صغير، أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة ورفع الماء بها وصبه على يده اليمنى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على اليسرى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. فإن خالف ما ذكر بأن أدخل يده في الإناء الصغير أو الكبير ومعه إناء صغير، أو أدخل كفه اليسرى مع الأصابع عند عدم الإناء الصغير، كره تنزيها عند بعض الفقهاء.

(3، 4) المضمضة والاستنشاق: المضمضة لغة التحريك. وإصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم ولو بلا إدارة ولا مج. والأكمل مجه.

(والاستنشاق) لغة جذب الماء ونحوه بريح الأنف إليه. واصطلاحا إيصال الماء إلى ما لأن من الأنف. ثم الكلام ينحصر في أربعة مباحث.

(أ) حكمها: فيهما ثلاثة مذاهب (1) هما سنة في الوضوء عند الحنفيين ومالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري وسفيان الثوري وغيرهم لقوله تعالى: "فاغسلوا وجوهكم" الآية، ولما في حديث رفاعة بن رافع من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتوضأ كما أمرك الله. أخرجه أبو داود

ص: 254

وهو حديث صحيح (1)[162].

وموضع الدلالة أن الله إنما أمر بغسل الوجه دون باطن الفم والأنف. وهذا الحديث من أحسن الأدلة، لأن الأعرابي المخاطب به، صلي ثلاث مرات فلم يحسنها، فعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها، فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال: توضأ كما أمرك الله. ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء. فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبين لعلمه أياهما، فإن حكمهما مما يخفي لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد، فكيف الوضوء الذي يخفي (2).

(وقال) عبد الله بن زيد بن عاصم رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا. أخرجه الترمذي (3)[163].

وتقدم أن المضمضة والاستنشاق من سنن الفطرة وقد حمل الجمهور فيهما على السنية جمعا بين الأدلة.

2 -

(وقال) أحمد في رواية وداود الظاهري وابن المنذر: المضمضة سنة في الوضوء لما تقدم (أما الاستنشاق) فواجب لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر. أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (4)[164].

(1) انظر ص 306 ج 5 - المنهل العذب المورود (صلاة من لا يقيم صلبه

).

(2)

انظر ص 164 ج 1 مجموع النووي.

(3)

انظر ص 41 ج 1 تحفة الأحوذي (المضمضة والاستنشاق من كف واحد). وتقدم مطولا عند أحمد والشيخين رقم 16 ص 158 (الماء).

(4)

انظر ص 310 ج 2 تيسير الوصول (الاستنثار والاستنشاق والمضمضة). وص 25 ج 2 الفتح الرباني (المضمضة والاستنشاق).

ص: 255

وفرقوا بينهما، لأن المضمضة ثابتة بفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأمره بخلاف الاستنشاق فإنه ثابت بهما. ومجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الوجوب (ورد) بورود الأمر بالمضمضة أيضا. ففي حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فمضمض. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح (1)[165].

فلا وجه للتفرقة بين المضمضة والاستنشاق، وقد علمت أن الأمر بهما محمول على الندب.

3 -

(وقال) إسحاق بن راهوية: إنهما فرض في الوضوء والغسل. وهو المشهور عند أحمد لأنهما من تمام غسل الوجه، فالأمر بغسله أمر بهما (ولحديث) لقيط بن صبرة المذكور.

(والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من أن الأمر في هذه الأحاديث محمول على الندب (ومن المقرر) أن المواظبة لا تفيد الوجوب إلا إذا صاحبها إنكار على التارك. وهو لم يثبت هنا.

(ب) الترتيب بينهما: اتفق العلماء على أن المضمضة مقدمة على الاستنشاق. وهل هو شرط أو مستحب؟ ذهب إلى الأول أحمد وبعض الشافعية. وإلى الثاني الحنفيون ومالك والأوزاعي والثوري وغيرهم (أما) تقديمهما على غسل الوجه، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه ليس بواجب، لأنهما من أجزائه (ويستحب) تقديمهما عليه لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أنه بدأ بهما (وكذا) يستحب تقديمهما على سائر الأعضاء غير والوجه

(1) انظر ص 92 ج 2 - المنهل العذب (الاستنثار). وص 52 ج 1 سنن البيهقي (تأكيد المضمضة والاستنشاق).

ص: 256

عند الأئمة الثلاثة والجمهور وهو رواية عن أحمد (لحديث) المقدام بن معد يكرب قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا. ثم غسل ذراعية ثلاثا. ثم مضمض واستنشق ثلاثا. ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. أخرجه أبو داود بسند صالح وأحمد بزيادة: وغسل رجليه ثلاثا (1)[166].

فهو يدل على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه واليدين (وعن أحمد) أنه يجب تقديمهما على غسل اليدين لأنهما من الوجه. لكنه تعليل في مقابلة النص فلا يعول عليه. والأحاديث الكثيرة الدالة على تقديمهما على غسل الوجه، تدل على أنه سنة، وهو متفق عليه (والحكمة) في تقديمهما على الفروض، اختيار أوصاف الماء لأن لونه يدرك بالبصرن وطعمه بالفم وريحة بالأنف. وقدمت المضمضة لشرف منافع الفم.

(جـ) كيفيتهما: المضمضة والاستنشاق يحصلان بإيصال الماء على أي صفة إلى الفم والأنف. والأفضل عند غير الحنفيين أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها، لما تقدم عن عبد الله ابن زيد (2) والأفضل عند الحنفيين أن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات (لحديث) كعب بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا. أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه ليث بن أبي سليم ضعيف. ومصرف بن عمرو فيه مقال (3)[167].

(1) انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق).

(3)

انظر ص 17 ج 1 نصب الراية (أحاديث المضمضة والاستنشاق).

ص: 257

(ويؤيده) ما في حديث ابن عباس قال: أتيت خالتي ميمونة فبت عندها فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم دخل بيته فوضع رأسه على وسادة فجئت فوضعت رأسي على ناحية منها فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى حاجته ثم جاء إلى قربة على مشجب فيها ماء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا (الحديث) أخرجه أحمد (1)[168].

هذا وأحاديث الوصل أقوى من أحاديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق.

(د) ما يسن فيهما: يسن في المضمضة والاستنشاق أمور ستة:

(1)

أن يكونا باليمين. (2) أن يكونا ثلاثا. (3) الاستنثار باليسرى (لحديث) علي رضي الله عنه أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ثم قال: هكذا طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه النسائي (2)[169].

(4 و 5) مج الماء في المضمضة واستنثاره في الاستنشاق. (6) المبالغة فيهما لغير الصائم (لحديث) لقيط بن صبرة أنه قال: أخبرني يا رسول الله عن الوضوء فقال "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي (3)[170].

والمبالغة في المضمضة ترديد الماء في الحلق وفي الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى أعلى الأنف.

(1) انظر ص 369 ج 1 مسند أحمد. و (المشجب) بكسر فسكون، خشبة منصوبة.

(2)

انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والاصابع).

(3)

انظر ص 31 ج 1 بدائع المنن (مسح الرأس وإسباغ الوضوء .. ) وص 25 ج 2 - الفتح الرباني. وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

ص: 258

(5)

السواك عند المضمضة: قد تقدم الكلام عليه في بحث خاص (1).

(6)

تخليل اللحية: وهو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق بعد تثليث غسل الوجه "واللحية" أما خفيفة، ترى البشرة تحتها، فحينئذ يجب إيصال الماء على ما تحتها اتفاقا، لأنه من مسمى الوجه "وأما كثيفة" وهي التي لا ترى منها البشرة (وقد) اختلف العلماء في حكم تخليلها حينئذ (فقالت) المالكية: يجب تحريكها ليصل الماء بين ظاهر الشعر وإن لم يصل للبشرة (وقالت) الشافعية والحنبلية وأبو يوسف: أنه سنة (وقال) أبو حنيفة ومحمد: أنه مستحب.

والأدلة ترجح أنه سنة (أمثلها) حديث عصمان أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخلل لحيته. أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه والحاكم والدارقطني (2)[171].

(وعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته. وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (3)[172].

(وقال) إسحاق بن راهوية وأبو ثور والحسن بن صالح والظاهرية: يجب تخليلها أخذا بظاهر قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث أنس: هكذا أمرنى ربى (وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه وفى نحوه للندب. نعم، الاحتياط والأخذ بالأوفق أولى، لكن بدون مجارأة على الحكم بالوجوب.

(1) انظر ص 188 وما بعدها إلى ص 191 وفيه ستة مباحث.

(2)

انظر ص 85 ج 1 ابن ماجه (تخليل اللحية). وص 43 ج 1 تحفة الأحوذي.

(3)

انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية). وص 54 ج 1 بيهقي.

ص: 259

(7)

تخليل الأصابع (قال) الجمهور: يسن في الوضوء تخليل أصابع اليدين والرجلين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن. وحسنه البخاري (1)[173].

(وعن) لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل الأصابع. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححاه (2)[174].

(وقالت) المالكية: يجب في أصابع اليدين، ويندب في أصابع الرجلين لأن أصابع اليدين مفرقة. فكل إصبع بمنزلة عضو مستقل. وهم يوجبون التدليك في كل عضو. أما أصابع الرجلين فلشدة اتصالها، اعتبرت كعضو واحد، فلا يلزم تخليلها. ومحل الخلاف إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع بلا تخليل. أما إذا لم يصل إلا به، فإنه يجب التخليل لا لذاته، بل لأداء فرض الغسل.

(والأكمل) في تخليل أصابع اليدين أن يكون بالتشبيك بينهما جاعلا ظهر أحدهما لبطن الأخرى. وفي أصابع الرجلين يكون بخنصر اليد اليسرى بادئا بخنصر رجله اليمين خاتما بخنصر رجله اليسرى (لقول) المستورد بن شداد: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره. أخرجه البيهقي والأربعة إلا النسائي. وفي سنده ابن لهيعة. وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القطان (3)[175].

(1) انظر ص 50 ج 1 تحفة الأحوذي (تخليل الأصابع).

(2)

أنظر ص 49 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 31 ج 2 - الفتح الرباني.

(3)

انظر ص 77 ج 1 سنن البيهقي (كيفية التخليل) وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

ص: 260

وإنما كان تخليل الرجلين بخنصر اليسرى، لأنهما محل الوسخ. وكان بالكيفية المذكورة، لما فيها من السهولة والمحافظة على التيامن.

(8)

التيامن في الوضوء: وهو البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من كل عضوين لا يسن تطهيرهما معا كاليدين والرجلين. وهو سنة عند الشافعية وأحمد ومستحب عند المالكية. وهو مشهور مذهب الحنفيين. لكن حقق الكمال ابن الهمام أنه سنة، لثبوت المواظبة (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة (1)[176].

(فهو) يدل على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال وفي تسريح الشعر، وفي الوضوء والغسل. وأن التيامن سنة في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب فيه التياسر. وأجمع أهل السنة على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه (وقالت) الشيعة: يجب تقديم غسل اليمين قبل اليسار في الطهارة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (2)[177].

(وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه محمول على الندب. فقد اشتمل الحديث

(1) ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. وص 189 ج 1 فتح الباري (التيمن في الوضوء والغسل) وص 161 ج 3 نووي مسلم (حبه صلى الله عليه وسلم للتيامن) ورقم 6995 ص 207 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(2)

انظر ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. ورقم 843 ص 436 ج 1 فيض القدير. وص 86 ج 1 سنن البيهقي (البداءة باليمين).

ص: 261

على الأمر بالتيامن في اللبس. والشيعة لا يقولون بوجوبه. فهذا يصلح قرينة لصرف الأمر إلى الندب. ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة، لكنها لا تقتصر عن الصلاحية للصرف (ويعضدها) ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا أكملت الوضوء. أخرجه الدارقطني والبيهقي (1)[18] ونحوه عن ابن مسعود.

(9)

تثنية الغسل وتثليثه: اتفق العلماء على أن الغسلة الأولى المستوعبة فرض في الأعضاء الثلاثة "الوجه واليدين والرجلين" وأن الثانية والثالثة سنتان (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. أخرجه البيهقي (2)[178].

وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين. والاختلاف دليل على جواز ذلك وأن الثلاث هي الكمال. والواحدة تجزئ. (والأحاديث) الصحيحة في هذا كثيرة. وكلها تدل على ثبوت التوضؤ ثلاثا ثلاثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا خلاف (وخرج) بالغسل المسح. فلا يسن تكريره عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور بل السنة مسح الرأس، مرة واحدة. لقول أبي حية: رأي عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما. ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين. ثم قال:

(1) انظر ص 87 ج 1 بيهقي (البداءة باليسار). وص 23 سنن الدارقطني.

(2)

انظر ص 80 ج 1 سنن البيهقي (فضل التكرار في الوضوء).

ص: 262

أحببت أن أريكم كيف كان طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الترمذي وصححه (1)[179].

(وعن عبد الله) بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرة. أخرجه ابن ماجه (2)[180].

(وعن ابن عباس) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود (3)[181].

(وقال) الشافعي وعطاء: يستحب تثليث مسح الرأس (لقول) عثمان رضي الله عنه: ألا أريكم وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تم توضأ ثلاثا ثلاثا. أخرجه مسلم (4)[182].

ولم يستثن الرأس (وأجيب) بأن المطلق يحمل على المقيد فلا ينتهض للاحتجاج به على طلب تثليث مسح الرأس (وقال أبو داود) أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا وقالوا فيها: ومسح برأسه. ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره (5).

(والإنصاف) أن أحاديث الثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة "فالوقوف" على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين

(1) انظر ص 53 ج 1 تحفة الأحوذي (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر ص 83 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء ثلاثا ثلاثا).

(3)

انظر ص 66 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي).

(4)

انظر ص 113 ج 3 نووي مسلم (فضل الوضوء والصلاة عقبه).

(5)

انظر ص 23 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 263

وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما "هو المتعين" لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة (وقال) الحافظ في الفتح يحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح ابن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الأدلة (1). وعن الربيه بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه (الحديث) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود (2)[183] وقد قال بهذا الحديث بعض الكوفيين منهم وكيع بن الجراح "وما" تقدم في حديث عبد الله ابن زيد (3) من قوله: مسح صلى الله عليه وسلم رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر "لا يعد" تكرارا للمسح، لأن الرد لم يكن بماء جديد اتفاقا.

10 -

مسح الأذنين: الأذنان من الرأس عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور (لقول) أبي أمامة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال "الأذنان من الرأس" أخرجه الترمذي. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: الأذنان من الرأس، وكان يمسح رأسه مرة (4)[184].

(وقال) الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن بعدهم. وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق (ويسن) عند الحنفيين مسحهما ولو بماء الرأس (لما تقدم) عن

(1) انظر ص 208 ج 1 فتح الباري (مسح الرأس مرة).

(2)

انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (باب ما جاء في مسح الرأس).

(3)

تقدم رقم 142 ص 241 (مسح الرأس).

(4)

انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 87 ج 1 - ابن ماجه (الاذنان من الرأس).

ص: 264

ابن عباس من قوله: ومسح "يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم" برأسه وأذنيه مسحة واحدة (1).

(وقالت) الحنبلية: يجب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما لأنهما من الرأس ويسن مسحهما بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد الآتي.

(ومن) الرأس البياض فوق الأذنين فيجب مسحه مع الرأس (2) وعن أحمد أنه لا يجب مسح الآذنين وهو ظاهر المذهب لأنهما من الرأس على وجه التبع (3).

(وقال) المالكية والشافعية: يسن مسح ظاهرهما وباطنهما بعد مسح الرأس بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح (4)[185].

(وأجاب) الحنفيون بأنه إنما أخذ لهما ماء جديدا لعدم بقاء بلل على اليد بعد مسح الرأس، جمعا بينه وبين الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح الرأس والأذنين بماء واحد.

(ومنه) تعلم ما في قول ابن القيم في الهدى: ولم يثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ لهما ماء جديدا. وإنما صح ذلك عن ابن عمر (5).

(1) تقدم رقم 181 ص 241 (مسح الأذنين).

(2)

انظر ص 73 ج 1 كشاف القناع (فصل ثم يمسح جميع ظاهر رأسه).

(3)

انظر ص 138 ج 1 - الشرح الكبير لابن قدامة (فصل ويجب مسح الاذنين).

(4)

انظر ص 65 ج 1 سنن البيهقي (مسح الأذنين بماء جديد).

(5)

انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العبادة).

ص: 265

هذا. والسنة عند الجمهور مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهر ما وباطنهما. أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي بلفظ "ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه"(1)[186].

(وعن) المقدام بن معديكرب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح برأسه وأنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصبعيه في ضماخي أذنيه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والطحاوي بسند حسن (2)[187].

4 -

مستحبات الوضوء

هي جمع مستحب. وهو لغة المحبوب. وشرعا ما لم يواظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء فعله مرة وتركه أخرى، أو رغب فيه. وهو المندوب سواء. وللوضوء مستحبات كثيرة المذكور منها سبعة عشر.

1 -

استقبال القبلة: يستحب عند الحنفيين ومالك استقبال القبلة حال الوضوء. ويسن عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خير المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه ابن جرير (3)[188].

2 -

تقديمه على الوقت لغير المعذور.

3 -

ترك لطم الوجه وغيره من الأعضاء. وهو مستحب عند الجمهور، لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله

(1) انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي (باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما).

(2)

انظر ص 52 ج 2 - المنهل العذب. و 86 ج 1 - ابن ماجه (مسح الأذنين).

(3)

انظر ص 281 راموز الأحاديث.

ص: 266

عليه وعلى آله وسلم لم يذكر أنه ضرب وجهه بالماء (وقال) إبراهيم النخعي: لم يكونوا يلطمون وجوههم بالماء في الوضوء. أخرجه سعيد بن منصور [19].

(وقال) بعضهم: يستحب للمتوضئ ضرب الوجه بالماء، لما في حديث على رضي الله عنه قال: يا بن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحديث) وفيه: ثم تمضمض واستنثر. ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها وجهه (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي. وفي رواية أحمد وابن حبان: فصك بها على وجهه (1)[189].

وذكره ابن حبان تحت ترجمة "استحباب صك الوجه بالماء للمتوضئ عند غسل الوجه"(وأجاب) الجمهور بأن الحديث متكلم فيه. وعلى فرض صحته فيحمل الضرب أو الصك فيه على صب الماء وإفاضته على الوجه جمعا بين الأحاديث. ولأن لطم الوجه بالماء لا يتفق والكمال.

4 -

عدم التكلم حال الوضوء: هو مستحب إلا لحاجة تفوته، كأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد ضال ورد سلام "وأما حديث" عبد الرحمن ابن البيلماني قال: رأيت عثمان بن عفان جالسا بالمقاعد (2) يتوضأ فمر به رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه ثم دخل المسجد فوقف على الرجل فقال: لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني سمعت رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وسلم يقول: من توضأ فغسل يديه، ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا،

(1) انظر ص 35 ج 2 - المنهل العذب. وص 54 ج 1 بيهقي (التكار في غسل الوجه).

(2)

المقاعد، بفتح الميم والقاف، موضع مرتفع قرب مسجد المدينة اتخذه عثمان للقعود فيه لقضاء مصالح الناس.

ص: 267

وغسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم لم يتكلم حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين. أخرجه أبو يعلي "فهو شعيف" لأن في سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى وهو مجمع على ضعفه. قال الهيثمي (1)[190].

"وكذا" حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حضين ابن المنذر عن المهاجر بن قنقذ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه. فلم يرد علي، فلما فرغ قال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء. أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين (2)[191].

"ورد" بأنه معلول. فقد قال ابن دقيق العيد: سعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط في آخره. ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن مهاجر منقطعا. وعلى فرض صحته، فهو لا يدل على عدم مشروعية رد السلام من المتوضئ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم ينه من سلم عليه حال الوضوء عن السلام بل أخر الرد على ما بعد الوضوء اختيارا للأكمل، ولأنه لم يخش فوات رد السلام.

5 -

تحريك الخاتم: يستحب عند الحنفيين ومالك للمتطهر تحريك الخاتم الواسع إذا علم وصول الماء إلى ما تحته بدون تحريك. ويسن عند الشافعية

(1) انظر ص 239 ج 1 مجمع الزوائد (ما يقول بعد الوضوء).

(2)

انظر ص 15 ج 1 مجتبي (رد السلام بعد الوضوء) وص 74 ج 1 - ابن ماجه (الرجل يسلم عليه وهو بيول).

ص: 268

والحنبلية (لحديث) أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده معمر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه. وهما ضعيفان (1)[192].

ومثل الخاتم في ذلك ما يشبهه من الأساور والخلاخل ونحوها.

6 -

البداءة بتطهير مقدم الأعضاء: قالت المالكية وبعض الحنفيين: يستحب للمتوضئ البداءة بأعلى الوجه، وبأصابع اليدين والرجلين، وبمقدم الرأس.

(وقالت) الحنبلية وبعض الحنفيين: أنه سنة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن الله تعالى جعل المرافق والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل (وقالت) الشافعية: يسن ما ذكر في الوجه والرأس مطلقا، وفي اليدين والرجلين أن اغترف الماء بيده، أما أن توضأ من حنفية أو إبريق أو وضأه غيره بدأ في اليدين من المرفق، وفي الرجلين من الكعبين. ولم نقف لهذا التفصيل على دليل.

7 -

إطالة الغرة والتحجيل: (الغرة) في الأصل بياض في جبهة الفرس. والمراد بها هنا غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدا على المفروض غسله. (والتحجيل) في الأصل بياض في رجل الفرس. والمراد به هنا غسل ما فوق المرفقين والكعبين بان يغسل الذراعين لنصف العضدين، والرجلين لنصف الساقين. هذا. وقد اتفق الأئمة على أنه يفترض غسل جزء زائد من محل الفرض إذا لم يتم الفرض إلا به. أما الزيادة على ما ذكر فمستحبة عند غير المالكية

(1) رقم 6622 ص 114 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

ص: 269

(لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (1)[193].

(وقال) أبو حازم: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ وهو يمر الوضوء إلى إبطه. فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ قال أني سمعت خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء. أخرجه أحمد ومسلم (2)[194].

(وقالت) المالكية: يكره غسل ما زاد عما لا يتم الواجب إلا به. وتأولوا إطالة الغرة والتحجيل بإدامة الوضوء (ويرده) فعل أبي هريرة مستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء والمراد بالحلية التحجيل.

8 -

كونه في مكان طاهر: اتفق العلماء على أنه يستحب كون الطهارة في محل طاهر شأنا وفعلا. فتكره في موضع متنجس بالفعل، وفي موضع شأنه النجاسة ولو لم يتنجس كبيت الخلاء، صونا للعبادة عن محل القذارة (ولحديث) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال: أن عامة الوسواس منه. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه

(1) تقدم رقم 137 ص 317 ص 216 (الوضوء) و (غرا محجلين) أي على وجوههم وفي أيديهم وأرجلهم نور. سمي غرة وتحجيلا تشبيها له بغرة الفرس.

(2)

انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. ص 140 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل) و (تبلغ الحلية .. ) يعني أن حلية المؤمن في الجنة تبلغ منه حيث يبلغ الوضوء.

ص: 270

والترمذي (1)[195] فالنهي عن البول في المغتسل يتضمن أن تكون الطهارة في مكان طاهر.

9 -

البدء ببعض السنن: (قالت) المالكية: يستحب تقديم غسل اليدين إلى الكوعين، والمضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وقال غيرهم: أنه سنة.

10 -

الاقتصاد في الماء: (قال) الحنفيون ومالك: يستحب تقليل ماء الطهارة بحسب الأماكن بعد تعميم العضو بالماء. (وهو) سنة عند الشافعي وأحمد (وقد) أجمعوا على عدم التقدير في ماء الوضوء والغسل، لأنه لم يرد في ذلك تحديد صريح. ولأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. ولكن يطلب التوسط والاعتدال. فلا يقتر ولا يزيد على قدر الكفاية اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وقد ورد) في ذلك أحاديث (فعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قال: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء. أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك (2)[196].

(وعنه) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ برطلين، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال. أخرجه الدارقطني وقال: تفرد به موسى بن نصر. وهو ضعيف الحديث (3)[197].

(1) انظر ص 84 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر).

(2)

انظر ص 4 ج 2 - الفتح الرباني. و (شريك) أبو عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظله، وشيخه عبد الله بن عيسى ضعيف.

(3)

انظر ص 35 سنن الدارقطني (ما يستحب للمتوضئ والمغتسل).

ص: 271

(وعن) عبيد الله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد. قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع. فقال الرجل لا يكفيني. فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير. ورجاله ثقات (1)[198].

(وعن) أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ بنحو ثلثي مد. أخرجه أبو داود والنسائي. وصححه أبو زرعة (2)[199].

11 -

مسح الصدغين: هما تثنية صدغ بضم فسكون. وهو ما بين العين والأذن. ويطلق على الشعر المتدلي على هذا الموضع. ومسحة مشروع تكميلا لمسح الرأس لا أنه منه، بل هو من الوجه. وفرضه الغسل (ودليله) حديث الربيع بنت معوذ قالت: رأيت رسول الله صلى الله علبيه وعلى آله وسلم يتوضأ فمسح رأسه ومسح ما أقبله منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي. وقال: حسن صحيح (3)[200]. وفى سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال. لكن وثقه أحمد والنسائي. وللحديث عدة طرق يقوي بعضها بعضا.

12 -

مسح الرقبة: (قال) الحنفيون وبعض الشافعية: يستحب للمتوضئ مسح الرقبة بظهر يديه، لعدم استعمال بلتهما (لقول) وائل بن حجر: حضرت

(1) انظر ص 3 ج 2 - الفتح الرباني وص 218 ج 1 مجمع الزوائد (ما يكفي للوضوء والغسل) و (لا أم لك) هو ذم وسب، أي أنت لقيط لا تعرف لك أم.

(2)

انظر ص 307 ج 1 - المنهل العذب (ما يجزئ من الماء في الوضوء).

(3)

انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (مسح الراس مرة) وص 359 ج 6 مسند أحمد. وص 59 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 272

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أتى بإناء فيه ماء فأكفأ على يمينه ثلاثا (الحديث) وفيه: ثم مسح على رأسه ثلاثا ومسح ظاهر أذنيه ومسح رقبته وباطن لحيته بفضل ماء الرأس. أخرجه الطبراني في الكبير والبراز. وفيه سعيد ابن عبد الجبار. قال النسائي: ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات. وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف (1)[201].

(وروى) طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عمرو بن كعب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق. أخرجه أحمد وأبو داود وقال: سمعت أحمد يقول: ابن عيينة كان ينكره، ويقول: أيش هذا طلحة عن أبيه عن جده، وليث بن أبي سليم ضعيف تركه يحيى بن القطان وابن معين وأحمد، لكن أخرج له مسلم (2)[202].

(وقال) الجمهور: لا يستحب مسح الرقبة لأنه لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن (وتعقبه) ابن الرفعة بأن لا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر، لأن هذا لا مجال للقياس فيه. والأحاديث السابقة وإن كان في بعضها مقال، إلا أنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا. وبها تعلم أن "قول" النووي: مسح الرقبة بدعة وأن حديثه موضوع "مجازفة" وأعجب من هذا قوله: لم يذكره الشافعي،

(1) انظر ص 232 ج 1 مجمع الزوائد (ما جاء في الضوء).

(2)

انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 62 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم و (القذال) بفتحتين، مؤخر الراس. و (أيش) بفتح فسكون فكسر. اصله أي شيء وهو استفهام إنكاري أي لا شيء هذا الحديث لأنه من رواية طلحة عن أبيه عن جده وهما مجهولان.

ص: 273

ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة. فقد قال الروياني من أصحاب الشافعي في كتابه البحر: قال أصحابنا هو سنة (1). أما مسح الحلقوم وهو مقدم العنق فبدعة اتفاقا.

13 -

عدم الاستعانة بالغير: اتفق العلماء على أنه يستحب للقادر أن يتولى تطهير الأعضاء بنفسه من غير معاونة (لقول) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده علقمة ابن أبي جمرة مجهول. ومظهر ابن الهيثم وهو ضعيف متروك (2)[203].

(أما الاستعانة) لإحضار الماء وصبه فقد اتفق الأئمة وعلماء السنة على إباحته (لقول) المغيرة بن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر فقال: يا مغيرة خذ الإداوة، فأخذتها ثم خرجت معه، وانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه ثم صلى. أخرجه الشيخان والنسائي (3)[204].

(وأما) ما قيل: بادر عمر ليصب الماء على يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أنا لا استعين في وضوئي بأحد (فباطل) لا أصل له (4).

(1) انظر ص 204 ج 1 نيل الأوطار (مسح العنق).

(2)

انظر ص 219 ج 1 نيل الأوطار (المعاونة في الوضوء).

(3)

انظر ص 323 ج 1 - فتح الباري (الصلاة في الجبة الشامية) وص 169 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين) و (الإداوة) بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ للماء.

(4)

انظر ص 239 ج 1 مجموع النووي.

ص: 274

وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء. وهو قول مالك والشافعي، وقد جود حسين المعلم هذا الحديث وهو أصح شيء في هذا الباب (1) وقال ابن مندة: هذا إسناد متصل صحيح (2)[225].

(ب) - (والقلس) بفتحتين أو بفتح فسكون، ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه ولم يعد فإن عاد فهو القيء (3)، وهو ناقض للوضوء كالقيء عند الحنفيين (لحديث) إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"من إصابة قيء أو رعاف أو قلس أو مذي: فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته. وهو في ذلك لا يتكلم". أخرجه الدارقطني (4)[226] وأعله غير واحد، بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة. وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه مرسلا. قال أحمد: الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذا ضعفه ابن معين.

(وقال) أحمد: القلس لا ينقض الوضوء لضعف الحديث (وقالت) المالكية

(1) انظر ص 315 ج 2 تيسير الوصول (القيء). وص 89 ج 1 تحفة الأحوذي (الوضوء من القيء والرعاف).

(2)

انظر ص 143 ج 1 - الجوهر النقي على البيهقي.

(3)

كذا في النهاية ص 272 ج 3، وقال في المصباح: القلس طعام أو شراب خرج إلى الفم- سواء ألقاه أو أعاده إلى بطنه- إذا كان ملء الفم أو دونه فإذا غلب فهو قيء.

(4)

انظر ص 56 الدارقطني (في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة).

ص: 290

والشافعية: القيء والقلس لا ينقضان الوضوء عملا بالبراءة الأصلية (ولقول) معاذ ابن جبل: ليس الوضوء من الرعاف والقيء ومس الذكر وما مست النار بواجب. أخرجه البيهقي. وفيه مطرف ابن مازن تكلموا فيه وهو ضعيف (1)[22].

(وأجابوا) عما استدل به الأولون بأنه ضعيف (ومنه) تعلم أن الأدلة لا تنهض للزوم الوضوء من القيء والقلس ولا لعدمه، ولكن يطلب الوضوء خروجا من الخلاف.

(جـ)(الدم الخارج من الجسد) هو ناقض للوضوء إذا سال إلى ظاهر الجسد عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق، لحديث ابن جريج المتقدم (ولقول) عائشة: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت: يا رسول الله إني ارماة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم توضئ لكل صلاة حتي يجيء ذلك الوقت. أخرجه السبعة (2)[227].

وجه الدلالة أنه علل وجوب الوضوء بأنه دم عرق وكل الدماء كذلك.

(وعن) ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع فبني على ما صلى ولم يتكلم. أخرجه مالك والبيهقي وصححه (3)[23].

(1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم).

(2)

انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 230 ج 1 فتح الباري (باب غسل الدم) وص 16 ج 4 نووي مسلم (المستحاضة وغسلها) وص 78 ج 3 المنهل العذب (المرأة تستحاض) وص 64 ج 1 مجتبي (ذكر الاستحاضة

). وص 118 ج 1 تحفة الأحوذي (في المستحاضة).

(3)

انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الرعاف). ص 141 ج 1 الجوهر النقي على البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم).

ص: 291

(وقال) مالك والشافعي: الدم الخارج من الجسد لا ينقض الوضوء (لحديث) أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه. أخرجه الدارقطني والبيهقي. وفيه صالح بن مقاتل ضعيف (1)[228].

(وعن) ابن عباس أنه كان يرعف فيخرج فيغسل الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلى. أخرجه مالك (2)[24].

وقد تواترت الأخبار على أن المجاهدين كانوا يذوقون آلام الجراحات فلا يستطيع أحد أن ينكر سيلان الدم من جراحاتهم. وأنهم كانوا يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمرهم بإعادة وضوئهم للصلاة من أجل ذلك. وهذا هو الراجح (وحديث) ابن جريج الذي استدل به الأولون (ضعيف) باتفاق الحفاظ كما علمت (وحديث) فاطمة بنت أبي جيش خاص بأرباب الأعذار كسلس البول.

والناقض الحكمي ثمانية أمور:

(أ) النوم- وقد اختلف فيه على سبعة مذاهب:

(الأول) لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهو قول ابي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب. واستدلوا (أ) بحديث أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه مسلم وابو داود وقال: زاد شعبة عن قتاده على

(1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث).

(2)

انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني الموطأ الرعاف.

ص: 292

عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبيهقي والدارقطني وقال صحيح (1)[229].

(قال) ابن المبارك هذا عندنا وهم جلوس، وعلى هذا حمله الجمهور.

(ب) وبحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا، ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم. أخرجه الشيخان وأبو داود (2)[230].

وهو محمول علىة النوم الخفيف عند الجمهور.

(الثاني) أن النوم ينقض الوضوء بكل حال قليله وكثيره وهو مذهب الحسن البصري وإسحاق بن راهوية. وقول غريب للشافعي (قال) ابن المنذر: وبه أقول (لحديث) علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني. [231].

(1) انظر ص 317 ج 2 - تيسير الوصول (النوم والإغماء .. ) وص 242 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). وص 119 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من النوم قاعدا).

(2)

انظر ص 34 ج 2 فتح الباري (النوم قبل العشاء لمن غلب). وص 139 ج 5 نووي مسلم (وقت العشاء). وص 237 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). و (شغل) بالبناء للمفعول (عنها) أي عن صلاة العشاء الأخرة.

ص: 293

(قالوا) أمر بالوضوء من النوم، ولم يفرق فيه بين قليل النوم وكثيره (ورد) بأن الحديث ضعيف، لأنه من رواية بقية عن الوضين ابن عطاء، قال الجوزجاني: واه. وعلى فرض صحته فهو محمول على نوم غير المتمكن.

(الثالث) أن النوم الثقيل ينقض مطلقا، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية، لمفهوم قوله في حديث أنس المتقدم:"حتى تخفق رءوسهم" فإن خفقان الرأس يكون في النوم الخفيف، ومعه يشعر الناعس بالخارج منه، بخلاف الثقيل (ومشهور) مذهب مالك أن النوم الثقيل الطويل ينقض اتفاقا، وكذا القصير على المشهور، أما الخفيف فغير ناقض إلا أنه يستحب الوضوء من طويله.

(الرابع) إذا نام على هيئة من قيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينقض وضوء. وسواء أكان في الصلاة أم لم يكن. وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه، أنتقض. وهو مذهب الحنفيين وداود الظاهرى وقول للشافعي (لحديث) يزيد الدلاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضم جنبه فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله". أخرجه البيهقي وقال: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء. ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس

ص: 294

من قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية. ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة (1)[232].

"ورده" في الجوهر النقي بأن صاحب الكمال ذكر أنه "أي الدالاني" سمع عن قتادة، وصحح الحديث ابن جرير الطبري وقال الدالاني: لا ندفعه عن العدالة والأمانة. والأدلة تدل على صحة خبره، لنقل العدول من الصحابة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه. ومن اضطجع فعليه الوضوء (2). (وعن) يزيد بن قسيط قال سمعت أبا هريرة يقول: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع إذا اضطجع توضأ. أخرجه البيهقي بسند جيد وقال هذا موقوف (3)[25].

(الخامس) أنه لا ينقض إلا بنوم الراكع والساجد. وهو رواية عن أحمد. ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض (السادس) أنه لا ينقض إلا نوم الساجد. ويروي أيضا عن أحمد. ولعل وجهه أن مظنة الانتقاض في السجود أكثر منها في الركوع (السابع) أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الارض لا ينقض، سواء أقل أم كثر، وسواء أكان في الصلاة أم خارجها. وهذا مذهب الشافعية لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيرها من الحالا، بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو بغيرها متمكنا. وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب، فلا ينقض الوضوء بشيء من ذلك (4)(واستدلوا).

(1) انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد).

(2)

انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد).

(3)

أنظر ص 122 منه.

(4)

انظر ص 17 ج 2 مجموع النووي.

ص: 295

(أ) بحديث أنس السابق في المذهب الأول (1).

(ب) وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه فغذا وضع جنبه فعليه الوضوء". أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري ضعفه البخاري وغيره. وقال ابن عدى له أحاديث صالحة ولا يتعمد الكذب (2)[233].

وقال النووي: حديث ضعيف جدا (3).

وهذا أقرب المذاهب وبه يجمع بين الأدلة. والأحوط لمن نام على أي هيئة كانت أن يتوضأ خروجا من الخلاف (فوائد)(الأولى) خرج بالنوم النعاس وهو قسمان ثقيل وهو كالنوم. وخفيف وهو لا ينقض الوضوء اتفاقا (لقول) ابن عباس: قام رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم يصلي في الليل فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلني في شقة الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمه أذني، فصلي احدى عشرة ركعة. أخرجه الشيخان (4)[234].

(والفرق) بين النوم والنعاس أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها. والنعاس لا يغلب على العقل، وإنما تفتر به الحواس بغير سقوط حاسة. ومن علامات النعاس أن يسمع كلام من بجواره وغن لم يفهم معناه، ومن علامات النوم الرؤيا. (الثانية) لوشك أنام أم نعس؟ فلا وضوء عليه ويستحب أن يتوضأ (ولو) تيقن النوم وشك أنام متمكنا أم لا؟ لم ينتقض وضوءه

(1) تقدم رقم 229 ص 265 (النوم).

(2)

انظر ص 247 ج 1 مجمع الزوائد (في الوضوء من النوم).

(3)

انظر ص 13 ج 2 مجموع النووي.

(4)

انظر ص 242 ج 1 نيل الأوطار (الوضوء من النوم). و (أغفى) أي نام نوما خفيفا.

ص: 296

ويستحب الوضوء (ولو) نام جالسا ثم زالت أليتاه أو إحداهما عن الارض فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه لمضي لحظة وهو نائم غير متمكن (وإن) زالت بعد الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوءه حتى ولو نام متمكنا مستندا على حائط أو غيره لم ينتقض وضوءه ولو كان بحيث لو أزيل المستند لسقط. ولو نام محتبيا (1) لا ينتقض وضوءه كالمتربع وقيل ينتقض كالمضطجع وقيل أن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق أليتاه على الأرض انتقض وضوءه وإن كان سمينا بحيث ينطبقان لم ينتقض (2).

(الثالثة) ثبت أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. ولذا لا ينتقض وضوءهم بالنوم على أي حال. (قالت) عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم صلي ثلاثا، قالت فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال يا عائشة: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. أخرجه الجماعة (3)[235]. وأخرجه البيهقي وقال: قال أنس وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (4)(وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلي ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (5)[236].

(1)(الاحتياط) وضع الاليتين على الأرض ونصب الساقين منضمين إلى البطن.

(2)

انظر ص 74 ج 4 شرح مسلم (نوم الجالس).

(3)

انظر ص 221 ج 1 زرقاني الموطأ (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر)(. وص 16 ج 5 - الدين الخالص طب 3 عدد ركعات التراويح).

(4)

انظر ص 122 ج 1 سنن البيهقي (نوم المساجد).

(5)

انظر ص 80 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه).

ص: 297

(وعن) عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى سمع له غطيط، فقام فصلى ولم يتوضأ. فقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظا. أخرجه أحمد والبيهقي وصححه النووي (1)[237].

(وقد) نقل منلا على قارئ في شرح الشفاء الإجماع على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نواقض الوضوء كالأمة إلا ما صح من استثناء النوم. "وأما ما قيل" من أنه لا نقض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مطلقا، وإنما وضوءهم تشريع للأمم "فلم نقف" له على دليل.

2 -

غياب العقل: بإغماء أو جنون أو سكر ولو بمباح (كينج أو دواء) وهو ناقض للوضوء اتفاقا قل أو كثر متمكنا أو غير متمكن.

(أ) أما الإغماء فهو مرض يزيل القوى ويستر العقل وهو أشد من النوم، فلذا كان ناقضا مطلقا بالإجماع (لقول) عائشة: ثقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أصلي الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب. ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فأرسل إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس (الحديث). أخرجه الشيخان (2)[238].

(1) انظر ص 81 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه).

(2)

انظر ص 318 ج 2 تيسير الوصول (النوم والإغماء). و (ثقل) اشتد مرضه. و (المخضب) بكسر فسكون ففتح، إناء واسع. و (ينوء) أي ينهض بجهد كيقوم وزنا.

ص: 298

(ب) والجنون مرض يزيل العقل ويزيل القوى وهو ناقض للوضوء اجماعا لأنه أشد من الإغماء.

(جـ) والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء، وهو سرور يغلب على العقل بمباشرة ذلك ولا يزيله، ويظهر أثره بالتمايل وتلعثم الكلام، وهو كالإغماء اتفاقا.

3 -

لمس المرأة: قال ابن مسعود وابن عمر والزهري والشافعية وغيرهم: لمس المرأة غير المحرم ينقض الوضوء لقوله تعالى: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) من آية (6) سورة المائدة. (قالوا) صرحت الأية بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء، وهو حقيقة في لمس اليد وألحق به الجس بباقي البشرة. ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقي، قراءة "أو لمستم" فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع (ولحديث) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه رجل وقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا وقد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل (الحديث). أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي (1)[239].

وفيه انقطاع لأن ابن أبي ليلي لم يسمع من معاذ. فقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السائل بالوضوء من لمسه المرأة.

(وعن) سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه كان يقول: قبلة الرجل ارمرأته

(1) انظر ص 49 - الدارقطني. وص 125 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة).

ص: 299

وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده، فعليه الوضوء. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي. ورواه عن ابن مسعود بلفظ:"القبلة من اللمس وفيها الوضوء واللمس مادون الجماع (1) "[26].

(وقال) الحنفيون: لا ينقض من اللمس إلا المباشرة الفاحشة. وهي أن يتماس الفرجان بلا حائل مع الانتشار ولو كانت بين رجلين أو امرأتين أو رجل وغلام فيبطل وضوءهما وإن لم يوجد بلل عند أبي حنيفة وابي يوسف لأنها لا تخلوا غالبا عن خروج مذي (وعن) محمد: لا تنقص ما لم يظهر شيء. أما لمس الرجل امرأة ولو غير محرم بلا مباشرة قاحشة فلا ينقض الوضوء عند الحنفيين (لحديث) عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال عروة: قلت لها من هي إلا أنت؟ فضحكت. أخرجه أحمد والأربعة والدارقطني بسند رجاله ثقات. وأخرجه الزار بسند حسن (2)[240].

وقال ابن عبد البر: صححه الكوفيون وأثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له.

(1) انظرص 81 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الوضوء من قبلة الرجل امرأته). وص 34 ج 1 بدائع المنن. وص 124 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة).

(2)

انظر ص 89 ج 2 - الفتح الرباني. وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس المرأة). وص 93 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من القبلة) والحديث صحيح "وأما قول الترمذي" سمعت محمد بن إسماعيل- يعني البخاري- يضعف هذا الحديث.

وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة. انظر ص 88 ج 1 تحفة الأحوذي (ترك الوضوء من القبلة)"فغير مسلم" فإن سماع حبيب من عروة ثابت. قال أبو داود: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثا صحيحا .. انظر ص 189 ج 2 المنهل العذب (وحديث) حمزة عن حبيب هو ما رواه عن عروة أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. أخرجه الترمذي في الدعوات وقال: حسن غريب [241]

ص: 300

(وأجابوا)(أ) عن الأية بأن المراد بالملامسة فيها الجماع مجازا بقرينة هذه الأحاديث الصريحة في عدم النقض باللمس. وهو تفسير على وابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه (ب)(وعن حديث) معاذ، بأن أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل بالوضوء يحتمل أنه لأجل المعصية. فإن الوضوء من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروجد المذي فهي من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروج المذي فهي من المباشرة الفاحشة (جـ) وعما روى عن ابن عمر وبان مسعود، بأنه لا حجة فيه، لأنه قول صحابي لا سيما وأنه وقع معارضا لما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(وقال) مالك والليث بن سعد وأحمد في المشهور عنه: إن اللمس إن كان بشهوة نقض وإلا فلا، جمعا بين الأية والأحاديث. فحملوا اللمس في الآية على ما إذا كان بشهوة، وفي الأحاديث على ما إذا كان بدونها، فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد لمس عائشة وهو في الصلاة وهي ليست حال شهوة.

(وهذا) التفصيل عند مالك في غير القبلة في الفم. أما القبلة فيه فتنقض مطلقا ما لم تكن لوداع أو رحمة. واللامس والملموس عند مالك في ذلك سواء. وللشافعي في الملموس قولان: أشهرهما نقض الوضوء (وعلى الجملة) ففي نقض الوضوء وعدمه باللمس خلاف. والقول بعدم النقض أقوى دليلا، فهو الراجع.

4 -

مس الذكر- قال مالك والشافعي وأحمد واسحاق: مس الذكر ناقض للوضوء، لا فرق بين مسه عمدا أو نسيانا (لحديث) بسرة بنت صفوان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ

ص: 301

أخرجه مالك وأحمد والأربعة، وصححه الترمذي والدارقطني، وقال البخاري: هو اصح شيء في الباب (1)[242].

(وعن) عائشة أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه الدارقطني (2)[243].

والدعاء بالشر لا يكون إلا على ترك واجب (وقالت) أم حبيبة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ. أخرجه ابن ماجه وكذا أحمد عن زيد بن خالد (وقال) ابن السكن: لا أعلم له علة (3)[244].

ولفظ (من) يشمل الذكر والأنثى، ولفظ (الفرج) يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة. وهو حجة على المالكية حيث خصصوا نقض الوضوء بمس الرجل ذكره وأنه لا ينقض بمسه الأنثيين والدبر، ولا بمس المرأة فرجها على الصحيح (4)، ويرده أيضا حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالك أيما رجل مس ذكره فليتوضأ. وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ. أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي في العلل وقال عن البخاري: وهذا عند صحيح (5)[245].

(وقد اختلفوا) فيما يكون به المس الناقض (فقالت) المالكية: المس الناقض

(1) انظر ص 86 ج 2 - الفتح الرباني. وص 317 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر) وص 91 ج 1 - ابن ماجه. وص 53 سنن الدارقطني (ما روى في لمس القبل والدبر).

(2)

انظر ص 54 منه (ما روي في لمس القبل والدبر .. ).

(3)

انظر ص 91 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من مس الذكر). وص 84 ج 2 - الفتح الرباني.

(4)

انظر ص 136 ج 1 - الفواكه الدوانب.

(5)

انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 54 سنن الدارقطني.

ص: 302

يكون بباطن الكف أو جنبه، أو بباطن الأصابع أو بجنبها أو برءوسهاز لا بظفر ولا بظهر كف، ولا ذراع (وقالت) الحنبلية: يكون بباطن الكف وظاهرها وجوانبها، لا بظفر (وقالت) الشافعية: يكون بباطن الكف فقط، لا برءوس الاصابع ولا بجوانبها ولا بظهر الكف (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من افضى بيده على ذكره ليس دونه ستر، فقد وجب عليه الوضوء. أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط (1)[246].

وفي سندهيزيد بن عبد الملك ضعيف. لكن أخرجه ابن حبان من طريق نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك، كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقال: احتججنا في هذا بنافع دون يزيد. ولذا صحح الحديث وصححه أيضا الحاكم وابن عبد البر من هذا الوجه.

(قال) الحافظ في التلخيص: احتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف، لما يعطيه لفظ الأفضاء، ومفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض، فيكون تخصيصا لعموم المنطوق. لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف غير واحد (قال) ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلا فلان وصل إليه. والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف وباطنها (2).

(وقال) علي وابن مسعود والثوري والحنفيون: إن مس الذكر غير ناقض للوضوء. (لقول) طلق بن علي: جاء رجل كأنه بدوى فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال بضعة منه. أخرجه أحمد والبيهقي والطحاوي والثلاثة. وقال الترمذي: هذا

(1) انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 131 ج 1 سنن البيهقي (الالوضوء من مس الذكر).

(2)

انظر ص 46 - التلخيص الجير.

ص: 303

الحديث أحسن شيء يروي في هذا الباب. وقال علي بن المديني: هو أحسن من حديث بسرة. وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم (1)[247].

(ورد) بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي لأن فيه قيس بن طلق مجهول ولا تقوم به حجة (وادعي) نسخة ابن حبان والطبراني وغيرهما. (وقال) البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة احتجا بجميع رواته. (ويؤيد) حديث بسرة أن حديث طلق موافق لما كان عليه الأمر من قبل. وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه وبأنه أرجح، لكثرة طرقه وصحتها، وكثرة من صححه من الائمة، وكثرة شواهده، ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوفرون. (وقد روى) طلق بن علي نفسه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ أخرجه الطبراني في الكبير وقال: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة الأحماد بن محمد (2)[248].

وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد وهما عندي صحيحان ويشبه أن يكون طلق سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة (3). (فالظاهر) ما ذهب إليه الأولون.

(1) انظر ص 88 ج 2 - الفتح الرباني بلفظ: إنما هو بضعة. وص 134 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من مس الفرج) وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر). و (مضغة) بضم فسكون (وبضعة) بفتح فسكون، أي قطعة لحم منه، فكما لا ينقض الوضوء بمس الجسد، لا ينتقض بمس الذكر، لأنه جزء منه.

(2)

انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه).

(3)

انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه).

ص: 304

5 -

أكل لحم الإبل: (قال) إسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وأحمد: ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ولو نيئا أو تناوله جاهلا. وروى عن الشافعي واختاره البيهقي (لحديث) جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتعوضأت، وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل (الحديث). أخرجه أحمد ومسلم. وهذا لفظه (1)[249].

(وقال) الجمهور: أن الوضوء لا ينقضه أكل لحم الإبل. وبه قال الحنفيون ومالك والشافعي (لقول) جابر: كان آخر الأمرين للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بأسانيد صحيحة. ولذا صححه النووي (2)[250].

(ويشهد) له حديث محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل آخر أمريه لحما ثم صلى ولم يتوضأ. أخرجه الطبراني في الكبير، قال

(1)(انظر ص 93 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 4 نووي مسلم) الوضوء من لحوم الإبل (والسر في إيجاب الوضوء من أكلها على قول من قال به، إنها كانت محرمة في التوراة. واتفق جمهور أنبياء بني إسرائيل على تحريمها. فلما أباحها الله لنا شرح الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا. و (ثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من أباحتها بعد ما حرمها الأنبياء من بني إسرائيل، فإن النقل من التحرم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم. أنظر ص 141 ج 1 حجة الله البالغة (موجبات الوضوء).

(2)

انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار). وص 40 ج 1 مجتبي (ترك الوضوء مما غيرت النار).

ص: 305

الهيشمي: وفيه يونس بن أبي خالد ولم أر من ذكره (1)[251].

(وهو) عام في لحم الإبل وغيرها. والأصل البراءة فلا يصار إلى غسرها إلا بناقل صريح ولم يوجد. وهذا هو الراجح لقوة أدلته (وأجابوا) عن أدلة المخالف بأن المراد بالوضوء فيها الوضوء اللغوي لا الشرعي (قال الخطابي) وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة. كما روى: توضئوا من لحوم الإبل فإن له دسما. ومعلموم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم. فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفا إلى غسل اليد، لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث، لعدم سببه أهـ بتصرف (2).

6 -

القهقهة في الصلاة: (قال) مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ودواد الظاهرى والجمهور: ان القهقهة في الصلاة تبطلها دون الوضوء (لقول) أبي سفيان الواسطي: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يضحك في الصلاة، فقال: يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء. أخرجه البيهقي من عدة طرق (3)[27].

(وقال) الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الصوري والحنفيون: أن الوضوء ينقضه قهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود إذا سمعه جيرانه وإن لم تبد أسبابه (لقول) معبد بن أبي معبد الخزاعي: بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية، فاستضحك

(1) انظر ص 252 ج 1 مجمع الزوائد (ترك الوضوء مما مست النار).

(2)

انظر ص 67 ج 1 معالم السنن (الوضوء من لحوم الآبل).

(3)

انظر ص 144 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من القهقهة في الصلاة).

ص: 306

القوم حتى قهقهوا، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه أبو حنيفة في مسنده والدارقطني وأبو يوسف في الآثار (1)[252].

"وما قيل" من أن معبدا لا صحبة لا فالحديث مرسل "رد" بأن معبدا الذي لا صحبة له هو معبد الجهني. ومعبد هذا خزاعى ذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة (2)(وقال) عطية بن بقية: حدثني أبي حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عطاء عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من ضحك في الصلاة قهقة فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه البيهقي وابن عدى في الكامل (3)[253].

(وقول) ابن الجوزى فى العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح فإن بقية من عادته التدليس وكأنه سمعه من بعض الضعفاء فحذف اسمه (مردود) بأن بقية صدوق قد صرح بالتحديث. والمدلس الصدوق إذا صرح بذلك زالت تهمة تدليسة (4) قال فى الجوهر النقى ثم ذكر البيهقى عن الشافعى أنه لو ثبت حديث الضحك فى الصلاة لقلنا به. (قلت) مذهبه أن المرسل إذا أرسل من وجه آخر أو أسند يقول به. الحديث أرسل من وجوه، وأسند كما مر فيلزمه أن يقول به. (قال) ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواترة عن عدد من أرسله.

(1) انظر ص 51 ج 1 نصب الراية. وص 65 سنن الدارقطني. و (زبية) كحفرة وزنا ومعنى.

(2)

ولو سلم أنه معبد الجهني فلا نسلم أنه لا صحبة له فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح. أنظر ص 146 ج 1 - الجوهر النقي (الوضوء من القهقهة).

(3)

انظر ص 147 منه. وص 48 ج 1 نصب الراية.

(4)

انظر ص 48 منه. وص 147 ج 1 - الجوهر النقى.

ص: 307

(قلت) ويلزم الحنبلية أيضا لأنهم يحتجون بالمرسل. وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به، فأقل أحواله أن يكون ضعيفا. والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذى اعتمدوا عليه فى هذه المسألة (فإن قيل) القياس يقضى ألا نقض بالقهقهة، لأنها ليست حدثا ولا سبب حدث (قلنا) لزم الوضوء بها بالنص عقوبة وزجرا وهو موافق للقياس.

لأنها ليست حدثا. وعليه يجوز مس المصحف بعدها بلا طهارة. وينبغى ترجيحه لموافقته والأحاديث (1). ومنه تعلم رد قول النووى: أما ما نقلوه عن أبى العالية ورفقته فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث ولم يصح فى هذه المسالة حديث (2).

7 -

الشك فى الحدث: (قالت) المالكية فى المشهور عنهم: أن الوضوء ينتقض بالشك فى الحدث قبل الدخول فى الصلاة. ولا يجوز له الدخول فيها إلا بطهارة متيقنة. أما من شك فى أثناء الصلاة، فإنه يتمادى ولا يقطعها لحرمتها ما لم يتبين حدثه. فإن تبين طهره بعد فلا شئ عليه. وأن دام على شكه أو تبين حدثه، أعاد الوضوء والصلاة، لظاهر حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: شكى إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ " أى الحدث " فى الصلاة. قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (3){254} .

(قالوا) ولافرق بين من كان فى الصلاة وغيره أن من دخل الصلاة دخل بوجه جائز فلا تبطل الصلاة التى دخل فيها إلا بيقين، وهو ما نص عليه فى

(1) انظر ص 42 ج 1 - البحر الرائق (نواقض الوضوء).

(2)

انظر ص 61 ج 2 - مجموع النووى.

(3)

انظر ص 78 ج 2 - الفتح الربانى. وص 168 ج 1 فتح البارى (لا يتوضأ من الشك حتى يستقين) وص 49 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث فله أن يصلى بطهارته). وص 175 ج 2 - المنهل العذب (إذا شك فى الحدث).

ص: 308

الحديث بخلاف من كان خارج الصلاة فلا يدخلها إلا بطهارة متيقنة (وقالت) الحنفية والشافعية والحنبلية والجمهور: أن الشك فى الحدث لا ينقض الوضوء. ولو كان الشك خارج الصلاة (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا وجد أحدكم فى بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ". أخرجه مسلم والترمذى (1){255} .

(والمراد) بسماع الصوت ووجدان الريح، تيقن وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع (والحديث) يدل على طرح الشكوك العارضة لمن فى الصلاة والوسوسة التى أخبر عنها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأناه من تسويل الشيطان، وعدم الانصراف من الصلاة إلا بناقض متيقن كسماع الصوت وشم الريح ورؤية الخارج (قال) النووي: وهذا الحديث أصل من أصل الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الدين. وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك. ولا يضر الشك الطارئ عليها. فمن ذلك ما ورد فيه الحديث وهو أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة. ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارجها. هذا مذهب الجمهور. وعن مالك روايتان. أحدهما أنه يلزمه الوضوء أن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة. الثانية يلزمه الوضوء مطلقا ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقع الحدث وعدمه، أو يترجح أحدهما أو يغلب على ظنه، فلا وضوء عليه بكل حال. ويستحب له أن يتوضأ احتياطا (وأما) إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين (ومن) مسائل

(1) انظر ص 151 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث له أن يصلى بطهارته).

ص: 309

القاعدة المذكورة، أن من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس، أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا أم أنه ركع وسجد أم لا، أو أنه نوي الثلاة أو الصوم أو الوضوء أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات. وما اشبه هذه الأمثلة. فكل هذه الشكوك لا تاثير لها والأصل عدم هذا الحادث (1). (والراجح) مذهب الجمهور: وهو أن الطهارة لا تبطل بالشك مطلقا (وأجابوا) عن حديث عبد الله بن زيد التقييد فيه بالصلاة، إنما وقع في سؤال السائل فلا مفهوم له.

8 -

الردة: (قال) الأوزاعي ومالك في المشهور عنه وأحمد: يبطل الوضوء بالردة. وهي الاتيان بما ينافي الإسلام (أ)"نطقا" بإجراء كلمة الكفر على اللسان مختارا. (ب)"أو اعتقادا" مخالفا لما علم من الدين بالضرورة. (جـ)"أوشكا" في عقيدة من العقائد (فمن ارتد) وعاد إلى الإسلام، فليس له الصلاة حتى يتوضأ وإن كان متوضئا قبل ردته لقوله تعالى:(لئن أشركت ليحبطن عملك) من آية 65 - الزمر وقوله تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) من آية 5 - المائدة. والطهارة عمل باق حكما فيجب أن تبطل بالردة، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فيفسدها الشرك كالصلاة والتيمم ولأن الردة حدث (لقول) ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج وأشدها حدث اللسان. ذكر ابن قدامة (2){28} وإذا أحدث لا تقبل صلاته بغير وضوء (لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تقبل

(1) انظر ص 49 و 50 ج 4 شرح مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث).

(2)

انظر ص 172 ج 1 مغنى ابن قدامة (نقض الردة للوضوء).

ص: 310

صلاة من أحدث حتى يتوضأ". أخرجه أحمد والشيخان (1){256} .

(وقال) الحنفيون والشافعي: لا ينتقض الوضوء بالردة، لأنه يصح من الكافر ابتداء، فلا ينافيه الكفر بقاء. (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"لا وضوء إلا من حدث أو ريح". أخرجه أحمد وهذا لفظه وابن ماجه والترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح. روى من عدة طرق (2){257} .

ولأنه طهارة فلا يبطل بالردة كالغسل من الجنابة (وأجابوا) عن الآية بأن الاحباط فيها مقيد بالموت على الردة، لقوله تعالى:(ومن يرتدد منكم عن دينه. فيمن وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) 217 - البقرة (أما الكافر) الأصلي إذا توضأ أو تيمم ثم أسلم، فعليه إعادة الوضوء أو التيمم للصلاة عند مالك والشافعي وأحمد، لأن الطهارة عبادة متوقفة على النية، فلا تصح من مشرك (وقال) الحنفيونك يعيد التيمم دون الوضوء. لأن التيمم مفتقر إلى النية. ونية العبادة لا تصح من مشرك والوضوء غير متوقف صحته على نية. فإذا وجد من المشرك حكم بصحته.

9 -

تغسيل الميت: (قال) أكثر الحنبلية: يجب الوضوء من غسل الميت. سواء أكان المغسول صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا. وهو قول اسحاق. وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء (وقال) أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة، ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت، فكان مظنة

(1) تقدم رقم 223 ص 261 (نواقض الوضوء).

(2)

انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (في الوضوء من الربح) وص 79 ج 1 تحفة الأحوذي (في الوضوء من الربح).

ص: 311

ذلك قائما مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحديث (1). (وقال) الجمهور: لا وضوء لتغسيل الميت. وهو الصحيح لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه. فبقى على الأصل، ولأنه غسل آدمي فأشبه فأشبه غسل الحي. وما روى عن أحمد في هذا، يحمل على الاستحباب دون الإيجاب. فإن كلامه يقتضي نفي الوجوب. فإنه ترك العمل بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"من غسل ميتا فليغتسل". أخرجه أحمد والثلاثة وزاد الترمذي ومن حمله فليتوضأ (2){258} .

وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف قال البيهقي: والصحيح أنه موقوف. وعلل أحمد ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولي وأحرى (3).

(تنبيه) علم أن مجمل نواقض الوضوء (أ) عند الحنفيين سبعة: كل ما خرج من أحد السبيلين حال الصحة. وكل نجس خرج من البدن أن سال على مكان يلزم تطهيرة. والقئ ملء الفم. والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى ما لو أزيل لسقط. وغلبة العقل بالإغماء أو الجنون أو السكر. وقهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود. ومباشرة فاحشة (ب) وعند المالكية نواقضه ستة: الخارج المعتاد من أحد السبيلين حال الصحة ومنه الريح والهادي على المعتمد "وهو ماء أبيض يخرج قرب الولادة" وغيبة العقل بجنون أو إغماء

(1) انظر ص 190 ج 1 مغني ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت).

(2)

انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه).

(3)

انظر ص 191 ج 1 مغنى ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت).

ص: 312

أو سكر أو نوم ثقيل. ولمس مشتهاة أن قصد اللذة أو وجدها على ما تقدم بيانه. ومس الذكر بشرطه والشك في الحدث أو سببه. والردة. (جـ) وعند الشافعية نواقضه أربعة: كل ما خرج من أحد السبيلين إلا المني. وغلبة العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو صرع أو نوم لم تتمكن فيه المقعدة. ولمس رجل يشتهي امرأة أجنبية تشتهي بلا حائل. ومس قبل أو دبر آدمي بلا حائل. (د) وعند الحنبلية نواقضه ثمانية: كل ما خرج من أحد السبيلين. وكل نجس كثير خرج من سائر الجسد. وغلبة العقل بما تقدم عند الشافعية. ومس فرجه أو فرج آدمي بلا حائل. ولمس ذكر أو أنثى بشرة الآخر على ما تقدم بيانه. والردة وأكل لحم الإبل. وتغسيل الميت على ما تقدم.

10 -

وضوء المعذور

تقدم أن الوضوء ينتقض بالخارج من أحد السبيلين حال الصحة "أما الخارج لمرض" كاستحاضة، وسلس بول أو غيره، واستطلاق بطن، وانفلات ريح ورعاف دائم، وجرح لا يسكن دمه ولم يمكن حبسه بحشو من غير مشقة ولا بجلوس وكذا بإيماء في الصلاة عند الحنفيين "فصاحبه معذور" لا يبطل وضوءة به. بل بدخول الوقت عند أبي حنيفة ومحمد وأحمد وكذا بخروجه عند أبي يوسف إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء او بعده. أما لو توضأ المعذور مع الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل وضوءه بخروج الوقت ما لم يحدث حدثا آخر.

(ودليله) ما تقدم في حديث عائشة من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمستحاضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (1).

(1) تقدم رقم 227 ح 263 (الدم الخارج من الجسد).

ص: 313

(واللام)(في قوله لكل صلاة للتوقيت كما في قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس) من آية 78 - الإسراء. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في بحث الاستحاضة (وإلى هذا) ذهب الحنفيون والحنبليون فقالوا: إن المعذور بسلس ونحوه يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي به ما شاء من فرض ونقل، ما لم يطرأ حدث غير العذر. فلو طرأ آخر في الوقت لا تبقى الطهارة كما إذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من الآخر فعفليه الوضوء، لأنه حدث جديد. هذا (ويشترط) في ثبوت العذر استمراره وقتا كاملا بغير انقطاع زمنا يسع الطهارة والصلاة. بأن لم ينقطع أصلا أو انقطع زمنا لا يسعهما (ويشترط) لدوامه عند الحنفيين وجوده في كل وقت بعد ذلك ولو مرة واحدة ويشترط لانقطاعه خلو وقت كامل عنه وبه يخرج الشخص عن كونه معذورا (وشرطه) عند الحنبلية. (أ) دخول الوقت. فلو توضأ قبل دخوله لم يصح وضوءه عندهم إلا إذا توضأ لفائتة أو صلاة جنازة. فإنه يصح. (ب) وداوم الحدث وعدم انقطاعه زمنا يسع الطهارة والصلاة. أما إذا اعتاد انقطاع حدثه زمنا يسع ذلك، لزمه تأدية الصلاة فيه ولا يعد معذورا. (ولو) عرض هذا الانقطاع في أثناء الوقت، بطل الوضوء أن استمر الانقطاع، لأن الحدث مبطل للطهارة وقد عفى عنه للعذر. فإذا زالت الضرورة. وإن عاد العذر فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الانقطاع. فإذا توضأت المستحاضة وقد انقطع الدم ثم سال قبل الصلاة لا تعيد الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل والعذر يجري وينقطع. واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه يشق. وإيجاب الوضوء بسببه حرج لم يرد الشرع به. قال الله تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج) من ىية 78 - الحج. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه هذا

ص: 314

التفصيل (1)

(وقالت) المالكية: السلس. (أ) ان تمكن صاحبه من التداوي منه لزمه التداوي ولا تغتفر له الصلاة بلا طهارة منه إلا مدة التداوى. (ب) وإن لم يتمكن من الداوي منه والعمل على قطعه ففليه تفصيل.

1 -

إن استمر كل أقوات الصلاة أو استمر غالبه أو نصفه ولم ينضبط وقت انقطاعه، لا ينقض الوضوء. ولكن يستحب الوضوء منه لكل صلاة فيما إذا استمر غالب الزمن أو نصفه (ودليله) حديث عروة ابن الزبير: أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشكت إليه الدم فقال: إنما ذلك عرق فانظري إذا اتى قرؤك فلا تصلي. فإذا مر القرء تطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (2){259} .

(وجه) الدلالة أنه لم يأمرها بالوضوء، ولأن مثل هذا العذر لم ينص على الوضوء منه، ولا هو في معنى المنصوص، لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد. وهذا ليس بمعتاد. وأيضا فإن إيجاب الوضوء منه لكل صلاة فيه مشقة وحرج لم يرد به الشرع (وأجاب) الأولون بأن الحديث مطلق يحمل على المقيد وهو ما رويناه ففيه "ثم صلي وتوضئ لكل صلاة (3) " وللمالكية أن يقولوا أن الأمر بالوضوء فيه للاستحباب دفعا للحرج وجمعا بين الأدلة.

2 -

وإن انضبط انقطاع السلس "بأن كان في أول الوقت أو آخره، لزم

(1) انظر ص 361 ج 1 مغنى ابن قدامة (المستحاضة التي انقطع دمها) ..

(2)

انظر ص 170 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه (المستحاضة).

(3)

تقدم رقم 227 ص 263 (الدم الخارج من الجسد).

ص: 315

الوضوء منه. وكذا ينقض الوضوء أن استمر أقل من نصف أوقات الصلاة لعدم الحرج وصيرورته كالمعتاد حينئذ وعلى صاحبه أن يتطهر ويصلي وقت الانقطاع.

(وقالت) الشافعية: ما خرج على وجه السلس كالاستحاضة والبول والمذي والودي يجب على صاحبه التحفظ والتحرز من خروج شيء بأن يحشو محل الخروج ويعصبه ثم يتوضأ، فإن خرج منه شيء لا يمنع الصلاة وغيرها ان استوفى ما يأتي.

(أ) تقدم الاستنجاء على الوضوء.

(ب) الموالاة بين الاستنجاء والتحفظ وبين التحفظ والوضوء، وبين أفعال الوضوء، وبين الوضوء والصلاة.

(جـ) أن تكون هذه الأعمال كلها بعد دخول الوقت، ولا يضر تأخير الصلاة عن الوضوء لمصلحتها كالذهاب إلى المسجد وانتظار الجماعة. ويصلي بهذا الوضوء فرضا واحدا وما شاء من النوافل قبله أو بعده. وينوي به الاستباحة لا رفع الحديث، لأنه لا يرفعه بل تباح به العبادة وعليه أن يكرر هذه الأعمال لكل فريضة (ودليل) ذلك حديث حبيب ابن ابي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: أني استحضت فقال دعى الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وأن قطر الدم على الحصير. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي وابن حبان (1){260} وحبيب مدلس وقد عنعن (فظاهر) قوله وتوضئ لكل صلاة، يقتضي أن لا يصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية. وقد تقدم أن الحنفيين والحنبلية، قالوا: اللام في قوله لكل صلاة للتوقيت. قال

(1) انظر ص 171 ج 2 - الفتح الرباني. وص 115 ج 3 - المنهل العذب المورود (من قال تغتسل من طهر إلى طهر) وص 111 ج 1 - ابن ماجه. وص 344 ج 1 بيهقي (المستحاضة تغسل عنها أثر الدم .. ).

ص: 316

الطحاوي: فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لوقت كل صلاة (1) ورد بأنك عرفت من الحديث السابق أن الرواية: لكل صلاة لا لوقت كل صلاة. فالحق أنه يجب على المعذور بسلس ونحوه الوضوء لكل فرض.

1 -

أقسام الوضوء

هي أربعة عند الأئمة الثلاثة، وخمسة عند أبي حنيفة (الأول) فرض على المحدث للصلاة ومس المصحف ونحوهما مما لا يصح إلا بالطهارة وهو.

(أ) الطهارة للصلاة: يشترط لصحة الصلاة الطهارة من الحدث إجماعا لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) الآية- 6 - المائدة (وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول. أخرجه مسلم والأربعة وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب (2){261} .

(قال) القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة (فذهب) ابن الجهم إلى أن الوضوء كان في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم.

(وقال الجمهور) بل كان قبل ذلك فرضا (واختلفوا) في الوضوء. أهو فرض

(1) انظر ص 62 ج 1 شرح معاني الآثار.

(2)

انظر ص 102 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة) وص 8 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 60 ج 1 - ابن ماجه (لا يقبل الله صلاة بغير طهور). وص 207 ج 1 - المنهل العذب المورود (فرض الوضوء) عن ابي الملح عن أبيه. وص 33 ج 1 مجتبي كذلكز و (الغلول) بضم المراد به غير الحلال أخذ خفية أو جهرا.

ص: 317

على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة؟ (فقال) جماعة من السلف: الوضوء لكل صلاة فرض لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) الآية (وقال) الجمهور: إن ذلك كان ثم نسخ وبقى لأمر فيه على الندب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم خلاف. ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين (لحديث) عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسلوك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. أخرجه أحمد والدارمي بسند جيد. وصححه ابن خزيمة (1){262} .

(وقال بريدة) كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة. فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والدارمي (2){263} .

وقال: فدل فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن معنى قول الله تعالى: (إذا قمتم على الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية لكل محدث ليس للطاهر. ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا وضوء إلا من حدث".

(1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن الدارمي (قوله إذا قمتم إلى الصلاة .. ) و (أمر بالسواك) فكان واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم وسنة في حقنا.

(2)

انظر ص 177 ج 3 نووي مسلم (جواز الصلوات بوضوء واحد). وص 165 ج 2 المنهل العذب (الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد). وص 63 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 169 ج 1 سنن الدارمي (ما جاء في الطهور).

ص: 318

(ب) الطهارة لمس المصحف: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: تجب الطهارة لمس المصحف. لظاهر قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78)(لا يمسه إلا المطهرون)(79) الواقعة. (ولقول) حكيم ابن حزام: لما بعثني النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم إلى اليمن قال: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر. أخرجه الدارقطني والحاكم وقال صحيح الإسناد والطبراني في الكبير والأوسط. وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي ووثقه ابن معين في رواية (1){264} .

(فيحرم) على المحدث مس القرآن أو بعضه بيد أو غيرها ولو في لوح أو درهم أو حائط، أو كان كتوبا بغير العربية من غير حائل منفصل، لأن النهي إنما ورد عن مسه. ومع الحائل إنما يكون المس له دون المصحف.

(ومثل) القرآن في ذلك باقي الكتب السماوية (ويكره) تحريما مسه بالكم ونحوه على الصحيح عند الحنفيين (ويحل) تقليب أوراق المصحف بعود ونحوه واختلفوا في مسه بما غسل من الأعضاء والصحيح عدم الجواز إلا بطهارة كاملة (وكذا) يحرم على المحدث حمل القرآن إلا بغلاف منفصل عن القرآن والماس كالكيس والمنديل والصندوق، لأن الحمل أبلغ من المس. نعم يجوز مسه وحمله لضرورة كخوف عليه من حرق أو غرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة (ويحل) حمله في متاع تبعا إذا لم يكن مقصودا بالحمل (ولا يحرم) توسد حقيبة فيها مصحف ولا ركوب عليها في السفر إذا كان للحفظ، والإحرام (ورخص) مالك في مس المصحف للمعلم والمتعلم إذا خشيا النسيان (وقال)

(1) انظر ص 276 ج 1 مجمع الزوائد (مس القرآن). وص 45 سنن الدارقطني (نهى المحدث عن مس القرآن).

ص: 319

داود الظاهري وابن حزم: يجوز مسه بدون طهارة (لحديث) ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أنه كان عند هرقل فدعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقلف فقرأه فإذا فيه "بسم الله الرحمن الرحيم" من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم* سلام على من اتبع الهدى (أما بعد) فإني أدعوك بدعاية الإلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك أثم الاريسيين (ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضا بعضا أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون). أخرجه البخاري (1) {

265}.

(قال) ابن حزم في المحلي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى. وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (2)(ورد) بأن الذي كان في الخطاب آية واحدة فلا تسمى مصحفا على أن الحالة ضرورة، فلا يقاس عليها. وقياس المس على القراءة قياس مع الفارق. فإن القراءة يشق معها الطهارة دائما. فالاحتياط عدم مس المصحف إلا على طهارة.

(1) انظر ص 28 ج 1 فتح الباري (بدء الوحي) والآية 64 - آل عمران. واولها قل يا أهل الكتاب تعالوا و (الأريسيين) بفتح فكسر وشد الياء الأولى جمع أريسي وهو الفلاح. وفي رواية البريسيين. والمراد بهم رعيته لأن كل من يزرع فهو فلاح وإن لم يل ذلك بنفسه، أي أن عليه مع اثمه اثم رعاياه إذا لم يسلموا تبعا له ولا ينافيه قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزرة أخرى) لأن وزر الاثيم لا يتحمله غيره .. ولكن الفاعل المتسبب يتحمل أثم فعله وتسببه.

(2)

انظر ص 83 ج 1 - المحلي (مس المصحف).

ص: 320

(الثاني) من أقسام الوضوء الواجب- يجب الوضوء للطواف بالكعبة ولو نفلا عند الحنفيين ورواية عن أحمد. ويفترض عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم قال: "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم فيه إلا بخير". أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد والبيهقي. وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن حبان (1){266} .

(وعن) طاوس عن صحابي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما الطواف بالبيت صلاة، فإذا طفتم فأقلوا الكلامز أخرجه أحمد والنسائي (2){267} .

(فيحرم) الطواف مع الحديث اتفاقا، ولا يصح عند الثلاثة، لأن شرطه الطهارة، ويصح عند الحنفيين، وروى عن أحمد ويلزمه شاة أو بدنة على ما بين في الحج (3).

(تنبيه) علم أنه يحرم على المحدث حدثا أصغر أربعة أشياء (أ) الصلاة ولو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر، فلا تصح ويحرم أداؤها مع الحدث إجماعا (ب، ج) مس شيء من القرآن وباقي الكتب السماوية، وحمله إلا بغلاف منفصل من القرآن على ما تقدم بيانه (د) الطواف بالكعبة ولو نفلا على ما تقدم تفصيله.

(1) انظر رقم 5346 ص 293 ج 4 فيض القدؤر شرح الجامع الصغير.

(2)

انظر ص 68 ج 12 - الفتح الرباني (ما يقال في الطواف). وص 36 مجتبي (إباحة الكلام في الطواف).

(3)

انظر ص 101 (إرشاد الناسك)(شروط الطواف) وص 265 منه (الجناية على الطواف) طبعة ثانية.

ص: 321

(الثالث) من أقسام الوضوء المندوب- يندب الوضوء في مواضع، المذكور منها عشرة:

1 -

الوضوء لكل صلاة: اتفق العلماء على أنه يندب تجديد الوضوء لكل صلاة (لقول) أنس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصوات بوضوء واحد ما لم نحدث. أخرجه الجماعة إلا مسلما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1){268} .

(وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند ضعيف (2){269} .

(وإنما) يندب تجديده عند الحنفيين إذا صلى بالأول أو تبدل المجلس. وعند المالكية إذا صلى بالأول أو طاف. وعند الشافعية إذا صلى بالأولى غير سنة الوضوء (ففي) الحديثين دليل على استحباب الوضوء لكل صلاة. ويحمل عليه حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "لولا أن أشق

(1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 269 ج 1 فتح الباري (الوضوء من غير حدث) وص 162 ج 2 - المنهل العذب (يصلي الصوات بوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذى (الوضوء لكل صلاة) وص 95 ج 1 - ابن ماجه.

(2)

انظر ص 220 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يجدد الوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 95 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء على الطهارة) و (بسند ضعيف) لأن فيه (أ) عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف مدلس (ب) وأبا غطيف (بالتصغير) الهذلي مجهول.

ص: 322

على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك" أخرجه أحمد بسند صحيح (1){270} .

2 -

الوضوء لذكر الله تعالى: أجمع المسلمون على أنه يجوز للمحدث أن يذكر الله تعالى بكل أنواع الذكر ما عدا القرآن للمحدث حدثا أكبر. وفي كل الأماكن والأحوال ما عدا محل القاذورات وحال الجماع. فإنه يكره فيهما. واصل ذلك (قول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه. أخرجه أحمد ومسلم وابو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. وقال في العلل: سألت عنه البخاري فقال صحيح (2){271} .

(وقال) على رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن السكن (3){272} .

(واتفقوا) على أنه يندب الوضوء لذكر الله تعالى "لما روى" المهاجر ابن قنفذ: أنه سلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه وقال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت

(1) انظر ص 56 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء لكل صلاة وجواز الصلوات بوضوء واحد).

(2)

انظر ص 71 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر). وص 95 ج 1 سبل السلام (حديث 12 بنواقض الوضوء)(وهو يبول) فمعنى قوله في الرواية الأولى (وهو يتوضأ) أي وهو في مقدمات الوضوء.

(3)

انظر ص 121 ج 2 - الفتح الرباني. وص 120 ج 1 سبل السلام (حديث 8 بالغسل).

ص: 323

أن أذكر الله إلا على طهارة. أخرجه أحمد وابن ماجه. وكذا أبو داود والنسائي بلفظ: وهو يبول بدل "وهو يتوضأ (1) "{273} .

3 -

الوضوء لتناول ما مسته النار: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: لا ينتقض الوضوء بتناول ما مسته النار. وعليه أجمع العلماء بعد الصدر الأول (لقول) ميمونة: أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (2){274} .

(وقال) جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي (3){275} .

(هذا) وقد اتفق الائمة الأربعة والجمهور على أنه يندب الوضوء مما مست النار. وعليه تحمل الأحاديث الواردة بالأمر بالوضوء منه جمعا بين الأحاديث (كحديث) إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط أكلتها، لأني سمعت رسول الله

(1) انظر ص 264 ج 1 - الفتح الرباني. وص 171 ج 3 - المنهل العذب عن ابن عمر (التيمم في الحضر) والحديث تقدم مطولا منسوبا للنسائي وابن ماجه رقم 191 ص 245 (عدم التكلم حال الوضوء).

(2)

انظر ص 106 ج 2 - الفتح الرباني، وص 216 ج 1 فتح الباري عن ابن عباس (من لم يتوضأ من لحم الشاة).

(3)

انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار) وص 319 ج 2 تيسير الوصول (في ترك الوضوء) أي من أكل ما مسته النار.

ص: 324

صلى الله عليه وعلى أله وسلم يقول: توضئوا مما مست النار. أخرجه السبعة إلا البخاري (1){276} .

(وحديث) أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "توضئوا مما غيرت النار لونه" أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقاب (2){277} .

4 -

الوضوء للنوم- يستحب عند الأئمة الأربعة والجمهور لمن أراد النوم أن ينام على طهارة كاملة (لحديث) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم أضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة. واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت ورسولك. قال لا. ونبيك الذي أرسلت. أخرجه السبعة (3){278} .

(والحديث) وإن كان خطابا للبراء، فالمراد منه العموم فيشمل جميع المكلفين.

(1) انظر ص 95 ج 2 - الفتح الرباني. وص 318 ج 2 تيسير الوصول (أكل ما مسته النار) وص 44 ج 4 نووي مسلم عن ابن عباس (الوضوء مما مست النار) و (الأثوار) جمع ثور وهو القطعة من الأقط. وهو لبلن مخيض يطبخ ويترك حتى يجمد.

(2)

انظر ص 96 ج 2 الفتح الرباني. وص 248 ج 1 مجمع الزوائد (الوضوء ما مست النار).

(3)

انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 248 ج 1 فتح الباري (فضل من بات على وضوء) وص 18 ج 2 تيسير الوصول (أدعية النوم) مقتصرا على الدعاء.

ص: 325

(فقد) قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة أخرجه السبعة (1){279} .

(وقالت) الظاهرية وابن حبيب المالكي: يجب على الجنب الوضوء إذا أراد النوم لظاهر الأمر بذلك. ورد بأنه محمول على الندب (والحكمة) في الوضوء أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل (ويؤيده) قول شداد ابن أوس الصحابي: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة. أخرجه ابن أبي شيبة {29} (وقيل) الحكمة في الوضوء أنه ينشط إلى العودة، أو إلى الغسل.

5 -

وضوء الجنب للأكل أو الشرب- (قالت) الشافعية وجماعة: بستحب للجنب الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب (لقول) عائشة. كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ. أخرجه أحمد ومسلم (2){280} .

(وعن) عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءة للصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (3){281} .

(1) انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 271 ج 1 فتح الباري (الجنب يتوضأ ثمن ينام) وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية).

(2)

أنظر ص 142 ج 2 - الفتح الرباني. وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة).

(3)

انظر ص 291 ج 2 - المنهل العذب (من قال الجنب يتوضأ) وص 271 ج 1 نيل الأوطار (مشروعية الوضوء للجنب).

ص: 326

(ولذا) يكره للجنب النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء الكامل. ولا يستحب هذا الوضوء للحائض والنفساء لأنه لا يؤثر في حدثهما ولا يصح الوضوء مع استمراره. أما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع (1)(وقال) الحنفيون ومالك وأحمد لا يستحب الوضوء لمن اراد أن يأكل أو يشرب وإنما يغسل يديه فقط (لقول) عائشة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب. أخرجه أحمد والنسائي. وهو حديث صحيح رجاله ثقات (2){282} .

(وقال) سعيد بن المسيب: إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض فاه (وأجابوا) عن حديث عمار بأن فيه الترخيص بالوضوء للجنب إذا أراد الأكل وهو لا يفيد الاستحباب (ويمكن) الجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان تارة يتوضأ وضوءه للصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين ولا يخفي حسن التأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. د

6 -

الوضوء لمعاودة الجماع- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: يستحب لمن جامع أهله واراد المعاودة أن يتوضأ (لحديث) أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ

(1) انظر ص 156 ج 2 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 50 ج 1 مجتبي (اقتصار الجنب على غسل يديه إذا اراد أن يشرب).

ص: 327

بينهما. أخرجه الخمسة (1){283} (والأمر) عند الجمهور محمول على الاستحباب (لقول) عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء. أخرجه أحمد. ولأبي داود والترمذي عن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء"(2){284} قال أحمد: ليس بصحيح وقال أبو داوود: هو وهم (3).

(وقالت) الظاهرية وابن حبيب: يجب الوضوء على المعاود إبقاء للأمر على ظاهره. لكن قد علمت أنه محمول على الاستحباب (وحمله) أبو يوسف على الإباحة (وحمله) المالكية على الوضوء اللغوي وهو غسل الفرج. والأظهر قول الجمهور.

7 -

الوضوء قبل الغسل- اتفق العلماء على أنه يستحب الوضوء قبل الغسل ولو مسنونا. غير أن الأفضل عند الحنفيين اكماله إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء كأن يغتسل على مرتفع أو بالوعة (وعليه) يحمل قول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة (الحديث) أخرجه الجماعة (4){285} .

(وإن كان) يغتسل في مكان يجتمع فيه الماء كطشت فالأفضل تأخير غسل القديمن (وعليه) يحمل قول ميمونة: سترت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فوجه وما أصابه

(1) انظر ص 330 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية).

(2)

انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلال غسل).

(3)

انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلا غسل).

(4)

انظر ص 128 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية).

ص: 328

ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. أخرجه السبعة والبيهقي (1){2086} .

(وقال) مالك: والأفضل تقديم غسل الرجلين إلا إذا كان المكان غير نظيف فالأفضل التأخير (وقالت) الشافعية والحنبلية: الأفضل تتميم الوضوء على الأصح المختار عندهم عملا بظاهر الروايات المستفيضة عن عائشة في تقديم وضوء الصلاة فإن ظاهره كمال الوضوء والأمر في هذا واسع فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقدم غسل رجليه تارة ويؤخره أخرى.

8 -

الوضوء من حمل الميت- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يندب الوضوء من حمل الميت. وقال ابن حزم بوجوبه (لحديث) عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وقال: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث وليس بالمشهور. وأخرجه عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة. وقال: صالح مولى التوءمة: ليس بالقوى ثم قال: والروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم. والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفا (2){287} .

(ولذا) قال المزني: الوضوء من مس الميت وحمله غير مشروع لأنه لم يصح

(1) انظر ص 129 ج 2 - الفتح الرباني. وصدره: وضعت النبي صلى الله عليه وسلم غسلا. وص 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة) وص 303 ج 1 بيهقي (الغسل من غسل الميت).

(2)

انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه).

ص: 329

فيهما شيء (ورد) بأن الحديث قد روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا. ولذا حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن حزم معترض. قال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء.

9 -

الوضوء للغضب- (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: يستحب الوضوء للغضب (لحديث) عطية العوفي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ان الغضب من الشيطان وأن الشيطان خلق من النار. وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. أخرجه أحمد وأبو داود (1){288} .

(وقال) بعض الحنفيين: لو كان متوضئا واشتد غضبه ندب له الغسل.

10 -

الوضوء للخروج من خلاف العلماء- (يندب) للحنفي أن يتوضأ إذا لمس امرأة أو مس ذكره أو أكل لحم جزور وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند بعض العلماء (ويندب) للمالكي وغيبره أن يتوضأ من القيء وحروج نجس من غير السبيلين وقهقهة في الصلاة، وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند غيرهم على ما تقدم بيانه.

(الرابع) من أقسام الوضوء- الوضوء الحرام، كالوضوء من ماء مغصوب وموقوف لغير الطهارة.

(الخامس) الوضوء المكروه كالوضوء على الوضوء قبل الصلاة أو الطواف أو تبدل المجلس على ما تقدم بيانه.

(1) انظر رقم 2080 ص 377 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

ص: 330

12 -

المسح على الخفين

المسح لغة امرار اليد على الشيء. وإصطلاحا: إصابة اليد المبتلة أو ما يقوم مقامها أعلى الخف في المدة الشرعية (1). والخف الشرعي هو الساتر للكعبين الممكن تتابع المشي فيه عادة (والمسح) على الخفين من خصائص هذه الأمة. وهو رخصة قد أجمع من يعتد به على جوازه للمتوضئ في السفر والحضر ولو بغير حاجة فيجوز ولو للمرأة الملازمة بيتها والزمن والذي لا يمشي (2).

(قال) الحسن البصري: حدثني سبعون رجلا من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين. أخرجه ابن المنذر وغيره (3){289} . (وقال) أبو حنيفة رحمة الله: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهارز وأخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر (4).

(ومما) ورد فيه حديث إبراهيم عن همام النخغي قال: بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هذا وقد بلت؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي. وقال حسن صحيح (5){290} .

(1) المدة الشرعية، سيأتي أنها يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.

(2)

(الزمن) بفتح فكسر: المريض مرضا طال زمنه.

(3)

انظر ص 162 ج 1 نصب الراية (المسح على الخفي).

(4)

انظر ص 99 ج 1 فتح القدير لابن الهمام.

(5)

انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 321 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

ص: 331

(وقال) ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته "وما روى" عن عائشة أنها قالت: لأن اقطع رجلي أحب إلى من أن أمسح عليهما {30} "ففيه" محمد بن مهاجر. قال ابن حبان: كان يضع الحديث (1)(وقال أحمد) لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح.

هذا، وسبب المسح ليس الخف (وثمرته) الدنيوية حل مالا يصح إلا بالطهارة في مدة المسح. والأخروية الثواب ان قصد به اتباع السنة.

ثم الكلام ينحصر في عشرة مباحث:

1 -

حكمه- هو رخصة للمتوضئ ولو امرأة لما تقدم، وغسل الرجلين أفضل من المسح عند الأئمة الثلاثة، لأن الغسل عزيمة وقد واظب عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معظم الأوقات (والمشهور) عن أحمد أن المسح أفضل (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه. أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وصححاه (2){291} . ولأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ولأن فيه مخالفة أهل البدع. وأحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه (وأجاب) الأولون بأن محبة فعل الرخصة وكونها أيسر لا يقتضي تفضيلها على العزيمة (وقد) يجب المسح في مواضع (منها) إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه لا يكفي وضوءه. لو مسح على الخفين يكفيه (ومنها) ما لو خاف

(1) انظر ص 223 ج 1 نيل الأوطار (المسح على الخفين).

(2)

انظر رقم 1879 ص 292 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

ص: 332

خروج الوقت لو غسل رجليه، أو خاف فوات فرض آخر كالوقوف بعرفه.

2 -

شروط المسح على الخفين- يشترط لجواز المسح على الخف ثمانية شروط:

1 -

لبسه على وضوء تام قبل حصول حدث بعده عند الحنفيين وسفيان الثوري والمزني وأبي ثور وداود الظاهري (لقول) المغيرة ابن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة في مسيرة فأفرغت عليه من الأداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما. أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وحسنه وأبو داود (1){292} .

(فلو بدأ) بغسل رجليه ثم لبس الخفين ثم كمال الوضوء، أو توضأ فغسل رجلا ولبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها (صح له المسح) إذا تمم الوضوء قبل الحدث (وقال) مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق: يشترط للمسح على الخفين لبسهما على طهارة كاملة وقت اللبس (لحديث) أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. أخرجه الدارقطني وابن خزيمة بسند صحيح (2){293} .

(فلو) غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم لبس الخف أو لبسه قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء أو غسل إحدى رجليه ثم لبس قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء او غسل إحدى رجليه ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها لم يصح المسح على الخف حتى ينزعه ويلبسه بعد كمال الطهارة (3).

(1) انظر ص 63 ج 2 - الفتح الرباني وص 320 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

(2)

انظر ص 71 الدارقطني (المسح على الخفي).

(3)

انظر ص 512 ج 1 مجموع النووي.

ص: 333

2 -

أن يكون الخف طاهرا، فلا يصح المسح على نجس أو متنجس.

3 -

أن يكون ساترا للرجلين مع الكعبين من الجوانب فلا يضر نظرهما من أعلى خف واسع أو قصير الساق. ومالا يستر الكعبين كالمركوب إذا خيط به ثخين يسترهما كجوخ، صح المسح عليه (لقول) راشد بن نجيح: رايت أنس بن مالك دخل الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز فمسح عليهما. أخرجه البيهقي (1){31} .

4 -

استمساكه على الرجل بلا شك لثخاذته، فلا يصح المسح على رقيق لا يستمسك على الرجل بنفسه كجورب من قطن أو صوف.

5 -

منعه وصول الماء إلى الرجل لئلا يشف الماء.

6 -

خلو الخف من خرق كبير يمنع المسح عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

أن يكون الخف قويا يمكن متابعة المشي فيه عادة فرسخا (2) فأكثر. فلا يصح المسح على متخذ من زجاج أو خشب أو حديد (والمراد) كونه صالحا لقطع المسافة من غير لبس حذاء.

8 -

أن يبقى بكل رجل من مقدم القدم قدر المفروض مسحه عند الحنفيين، وهو مقدار ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد، فإذا قطعت رجله فوق الكعب صح مسح خف الأخرى وإن قطعت من تحت الكعب ولم يبق من مقدم القدم قدر المفروض مسحه لا يمسح خف الأخرى.

4 -

مدة المسح على الخفين- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد وسفيان

(1) أنظر ص 285 ج 1 بيهقي (ما ورد في الجوربين).

(2)

الفرسخ ثلاثة أميال أو 5565 مترا خمسة وستون وخمسمائة وخمسة آلاف متر.

ص: 334

الثوري والجمهور: مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر سفرا لا تقصر فيه الصلاة يوم وليلة، وللمسافر سفر قصر ثلاثة أيام ولياليها. فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالغسل في هذه المدة (لحديث) خزيمة ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوما وليلة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (1){294} .

(وقال) شريح بن هانئ: سألت عليا عن المسح على الخفين فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، وأخرجه البيهقي وقال: هو أصح ما روى في هذا الباب (2) {295].

(وقال) صفوان بن عسال: أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا قمنا. ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جناية. أخرجه أحمد والنسائي بسند صحيح وصححه الترمذي (3){296} .

(وقال) الشعبي وربيعة والليث ومالك: لا يوقت المسح على الخفين، بل يمسح عليهما ما شاء (لقول) أبي بن عمارة: يا رسول الله أمسح على الخفين؟

(1) انظر ص 66 ج 2 - الفتح الرباني. وص 323 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين) وص 276 ج 1 بيهقي (التوقيت في المسح على الخفين).

(2)

انظر ص 64 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول. وص 275 ج 1 بيهقي.

(3)

انظر ص 65 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

ص: 335

قال: نعم. قال يوما، قال يوما، قال: يومين قال: ويومين، قال: وثلاثة، قال: نعم وما شئت. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (1){297} .

وقد اتفق أهل السنن على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به وسننه

(4 - 6) فرض المسح وسنته وكفيته- (قال) الحنفيون: فرضه مسح قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر أعلى الخف من كل رجل. فلا يصح على اسفله وعقبه وساقه وجوانبه (لقول) على رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظاهر خفيه. أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني بسند صحيح (2){298} .

(وسننه) مد الأصابع مفرجة بادئا من رءوس اصابع القدم إلى الساق (لقول) جابر: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم برجل يتوضأ، فغسل خفيه، فنخسه برجله وقالك ليس هكذا السنة، أمرنا بالمسح على الخفين هكذا وأمر بيديه على خفيه. أخرجه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به بقية. وهو متكلم فيه، وأخرج ابن ماجه نحوه، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطط بالاصابع (3){299} .

(وكيفية) المسح المستحبة عندهم أن يضع أصابع يمينه على مقدم خفه الأيمن

(1) انظر ص 130 ج 2 - المنهل العذب. وص 279 ج 1 بيهقي (ترك التوقيت في المسح على الخفي).

(2)

انظر ص 145 ج 2 - المنهل العذب (كيف المسح) وص 292 ج 1 بيهقي. (المسح على ظاهر الخفين).

(3)

انظر ص 256 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

ص: 336

وأصابع يساره على مقدم خفه الأيسر ويمدهما إلى أصل الساق فوق الكعبين مفرفا أصابعه. وإن وضع الكف مع الأصابع كان أحسن (لقول) الممغيرة بن شعبة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين. أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة (1){300} .

(ويستحب) الجمع بين الظاهر والباطن في المسح (لحديث) المغيرة ابن شعبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخف وأسفله. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث معلول لم يسنده غير الوليد بن مسلم (2) عدم مسح الأسفل بقول على: لو كان الدين بالرأي الخ "غير ظاهر" لأنه لنفي الافتراض على معنى لكان أسفل الخف أولي بفريضة المسح إذ المقصود أنه لو كان بالرأي لأعطى وظيفة ظاهر الخف للباطن، ووظيفة الظاهر فريضة المسح أهـ.

(والمشهور) عند المالكية أن يجب مسح جميع أعلى الخف إلى الكعبين. ويسن مسح أسفله (وقال) أشهب: الفرض مسح أسفل الخف وأن مسحه دون

(1) انظر صفحة 292 ج 1 بيهقي (الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين).

(2)

انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الخفين أعلاه) وص 322 ج 2 تيسير الوصول، وص 290 ج 1 بيهقي (كيف المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

ص: 337

ظاهره أجزأه (وكيفية) المسح المندوبة عندهم أن يضع يده اليمنى على أطراف أصابع رجله اليمنى، ويده اليسري تحت أطراف الأصابع ويمرهما إلى الكعبين وفي اليسرى يضع اليد اليمنى تحت القدم من أطراف الأصابع اليسرى من فوقها (والمشهور) عند الشافعية أنه يجب مسح جزء من ظاهر أعلى الخف من محل الفرض. وقالوا يسن مسح أعلاه وأسفله خطوطا (والأفضل) أن يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه (وقالت) الحنبلية: الواجب مسح أكثر أعلاه، فلا يجزئ الاقتصار على مسح أسفله وعقبه. ولا يسن مسحهما مع الأعلى، ويسن أن يكون المسح باليد اليسرى مفرجة الاصابع مبتدئا من رءوس أصابع الرجل منتهيا إلى الساق.

7 -

مكروهات المسح- يكره تكرار المسح على الخف وترك سنة من سننه، وعن عطاء يسن مسحه ثلاثا ونلا دليل عليه. وسكره غسل الخفين، ويكفي عن المسح وإن لم ينوه عند الحنفيين. وقال غيرهم لا يكفي إلا إذا نوى بالغسل رفع الحدث.

8 -

ما يبطل المسح على الخفين- يبطل بواحد من ثلاثة:

(أ) ما يبطل به الوضوء اتفاقا لأن المسح على الخف بعض الوضوء.

(ب)"ويبطل" أيضا عند القائلين فيه بالتوقيت بمضي المدة للمقيم والمسافر إن لم يخف بغلبة الظن تلف رجله من البرد ونحوه إذا نزعه. فإن خاف ذلك لا يلزمه النزع، ويمسح دائما بلا توقيت حتى يأمن، دفعا للحرج. وحينئذ يصيري الخف كالجبيرة فيستوعبه أو أكثره بالمسح.

(جـ)"ويبطل أيضا" عند الحنفيين والشافعي والجمهور بنزع الخف أو انتزاعه ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف في الأصح. ولا عبرة بخروج عقبه ودخوله. وهو رواية عن أحمد (لما روى) سعيد بن ابي مريم عن

ص: 338

رجل من أصحاب النبي صلى الله عيه وعلى آله وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما قال: يغسل قدميه. أخرجه البيهقي (1){32} .

(وقال) عبد الرحمن بن أبي بكرة: كان أبي ينزع خفيه ويغسل رجليه. أخرجه البيهقي (2){33} .

(وعليه) فإذا مضت المدة أو نزع الخف وهو متوضئ غسل رجليه فقط لسراية الحدث إليهما فإن صلى قبل غسلهما لم تصح صلاته لنقصان طهارته (وقال) الحسن وقتادة والظاهرية: نزع الخف لا يبطل المسح فلا يلزم منه غسل القدمين قياسا على من حلق رأسه أو قلم أظفاره بعد الطهارة، فإنه لا يلزمه إعادة مسح الرأس ولا غسل مكان تقليم الأظفار (ورد) بأنه قياس مع الفارق لأن شعر الرأس والأظفار متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف.

(وقالت) الحنبلية والأوزاعي متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف.

(وقالت) الحنبلية والأوزاعي وإسحاق: نزع الخف يبطل الوضوء وهو أحد قولي الشافعي ومالك (وهذا) الاختلاف مبنى على وجوب الموالاة في الوضوء. فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة. ولم يبق إلا غسل قدميه، فإذا غسلهما كمل وضوءه. ومن منع التفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة، فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن يديه أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما (3)(ومشهور) مذهب المالكية أنه إذا خلع خفيه لزمه غسل قدميه فورا. وإن أخره استأنف الطهارة لأن الطهارة كانت صحيحة في كل الأعضاء إلى حين نزع الخف. وإنما بطلت في القدمين خاصة فإذا غسلهما عقب النزع لم تفت الموالاة، لقرب غسلهما من

(1) انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف).

(2)

انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف).

(3)

انظر صفحة 295 ج 1 مغنى ابن قدامة (خلع الخفين الممسوحين).

ص: 339

الطهارة الصحيحة في بقية الأعضاء، بخلاف ما إذا تراخى غسلهما (وفيه) نظر فإن المسح قد بطل حكمه بالنزع. والاعتبار في الموالاة إنما هو بقرب الغسل من الغسل لا من حكمه فإنه متى زال حكم الغسل بطلت الطهارة ولا يفيد قرب الغسل شيئا لكون الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد (1).

9 -

الخف المخرق: اتفق العلماء على جواز المسح عليه ما لم يكن الخرق مانعا (وقال) الثوري: كانت خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم (2)(وقد) اختلفوا في الخرق المانع من صحة المسح على الخف (فقال) الحنفيون: يجوز المسح عليه ما دام خاليا من خرق كبير. وهو ما يبدو منه قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل إذا كان الخرق على غير الأصابع والعقب. أما إذا كان على الأصابع فالمعتبر ظهور ذات ثلاث الأصابع. فلا يضر كشف الإبهام مع جاره. وإذا كان على العقب لا يمنع ما لم يظهر أكثره (وتجمع) الخروق في خف لا في خفين حتى لو بلغ مجموع ما فيهما قدر ثلاث أصابع لا يمنع (وأقل) خرق يجمع ما تدخل فيه المسلة (وقال) الشافعي وأحمد: أن ظهر من القدم شيء من الخرق لم يجز المسح على الخفين وإلا جاز.

(وقالت) المالكية: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا بأن كان أقل من ثلث القدم ولم ينفتح أو انفتح وكان يسيرا جدا بحيث لا يصل بلل حال المسح لما تحته من الرجل. ولا يصح المسح عليه إذا كان الخرق ثلث القدم سواء أكان منفتحا أم ملتصقا بأن فتقت خياطته مع التصاق الجلد بعضه ببعض. وكذا

(1) انظر صفحة 296 ج 1 مغنى ابن قدامة.

(2)

انظر صفحة 16 ج 1 بداية المجتهد (صفة الخف).

ص: 340

إذا كان الخرق دون الثلث وانفتح بأن ظهرت الرجل منه (وقال) قوم منهم الثوري وداود الظاهري واسحق ابن راهويه: يجوز المسح على الخف المتخرق ما دام يسمى حفا وإن تفاحش خرقه.

10 -

المسح على الجوربين- (الجورب) بفتح الجيم ما يصنع من قطن أو كتان أو صوف على هيئة الخف (وقد) اختلف العلماء في المسح على الجوربين. (قال) الحنفيون وأحمد: يجوز المسح عليهما سواء أكان (أ)"مجلدين" وهما ما وضع الجلد أعلاهما وأسفلهما (ب)"أم منعلين" وهما ما وضع الجلد أسفلهما كالنعل. (جـ)"أم ثخينين" يمكن المشي فيهما فرسخا فأكثر، ويثبتان على الساق من غير ربط ولا يرى ما تحتهما، ولا ينفذ إليه الماء. وهو الصحيح عند الشافعية (لقول) المغيرة بن شعبة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الجوربين والنعلين. أخرجه أحمد والطحاوي والبيهقي والأربعة إلا النسائي (1){302} . وفيه (أ)(أبو قيس) عبد الرحمن الأودي وثقه ابن معين والعجلي وقال ثبت (ب)(وهذيل) بن شر حبيل وثقه العجلي وأخرج لهما البخاري في صحيحه ولذا صحح ابن حبان الحديث وقال الترمذي: حسن صحيح. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحق قالوا: يمسح على الجوربين وأن لم يكونا نعلين إذا كانا ثخينين. "وقولهوالنعلين" أي مسح عليهما والجوربان تحتهما قاصدا مسح الجوربين لا النعلين، فكان تطهره بالمسح على الجوربين (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال:

(1) انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الجوربين والنعلين) وص 134 ج 2 - المنهل العذب وصفحة 102 ج 1 - ابن ماجه.

ص: 341