المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌2 - السؤر

د - ولا تصح الطهارة بما تغير بطاهر كماء الورد والزعفران والصابون والأشنان (1)، فهو طاهر غير مطهر عند الأئمة الثلاثة، لزوال اسم الماء المطلق عنه. (وقال) الحنفيون: انه طاهر مطهر وان تغير بعض أوصافه ما دام باقيا على رقته وسيلانه، لقول عائشة رضى الله قعنها: كان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه بالخطمى وهو جنب فيجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أخرجه أبو داود والبيقهى بسند حسن (2)[17].

ومعناه أنه كان يكتفى بالماء الذى يزيل به الخطمى، ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيمن سقط عن راحلته فمات - " اغسلوه بماء وسدر ". أخرجه السبعة من حديث ابن عباس (3)[18].

والميت لا يغسل الا بما يصح التطهير به للحى. أما ما تغيرت كل أوصافه أو خرج عن رقته وسيلانه، فلا يصح التطهير به اتفاقا.

‌2 - السؤر

هو بالهمز فى الأصل ما بقى فى الإناء بعد شرب الحيوان وهو المراد هنا. ثم عم استعماله فى الباقى من كل شئ (وقد اتفق) العلماء على طهارة سؤر المسلم

(1)(الأشنان) بضم الهمزة وكسرها وسكون الشين، دقاق الترمس نافع للحكة والجرب.

(2)

انظر ص 33 ج 3 - المنهل العذب (الجنب يغسل رأسه بالخطمى) وص 182 ج 1 سنن البيهقى. (الخطمى) بكسر أو فتح فسكون. نبت طيب الرائحة ينظف به الرأس وغيره.

(3)

انظر ص 88 ج 3 فتح البارى (الحنوط للميت) وهو بعض حديث يأتى بالجنائز رقم 407 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (غسل الميت) و (السدر) بكسر فسكون، ورق النبق.

ص: 164

وبهيمة الأنعام. واختلفوا فيما عدا ذلك (فقال) مالك والأوزاعى وداود الظاهرى بطهارة سؤر كل حيوان. وعن ماتلك أنه استثنى الخنزير فقط (واستثنى) الشافعى وأحمد سؤر الكلب والخنزير. واستثنى ابن القاسم المالكى سؤر السباع عامة (وقال) الحنفيون: سؤر كل شئ كعرقة. وهو أربعة أقسام:

(الأول) طاهر غير مكروه استعماله. وهو سؤر الآدمى الطاهر الفم ولو كافرا أو جنبا، وما يؤكل لحمه من الدواب والطيور التى تتوفى النجاسة غالبا، لقول عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيضع فاه على موضع فى فيشرب. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (1)[19].

ولأن لعاب مأكول اللحم متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه.

(الثانى) نجس وهو سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم، وهى كل ناب يعدو به كالأسد والذئب والثعلب والهر البرى، لما سيأتى عن أبى هريرة وابن عمر.

(الثالث) طاهر يكره استعماله تنزيها عند وجود غيره. وهو سؤر الهرة الأهلية والدجاجة التى تجول فى القاذورات ولم تعلم حال منقارها، وسباع الطير. وهى كل ذى مخلب يصيد به كالحدأة والصقر، اذا لم يعلم طهارة منقارها وسواكن البيوت مما له دم سائل كالحية والفأرة، لحديث أبى قتادة الآتى.

(الرابع) متوقف فى طهوريته، وهو سؤر البغل والحمار الأهلى، فان لم يجد

(1) انظر ص 210 ج 3 نووى مسلم (طهارة سؤر الحائض) وص 23 ج 1 مجتبى (سؤر الحائض).

ص: 165

ماء غيره تطهر به، وتيمم احتياطا (وأما) سؤر المشرك (فقيل) انه نجس (وقيل) مكروه اذا كان يشرب الخمر. وهو قول ابن القاسم ومثله عنده جميع آسار الحيوانات التى لا تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج والابل والجلالة والكلاب (وسبب) اختلافهم الآثار بعضها بعضا (اما القياس) فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة سبب نجاسه عين الحيوان بالشرع، وجب أن تكون الحياة سبب طهارة عين الحيوان، وحيث كان كذلك فكل حى طاهر العين، وكل طاهر العين سؤره طاهر (وأما) ظاهر الكتاب فانه عارض هذا القياس فى الخنزير والمشرك. وذلك أن الله تعالى (قال) فى الخنزير:(فانه رجس) أى نجس، وما هو رجس فى عينه فهو نجس لعينه، ولذلك استثنى قوم من الحيوان الخنزير فقط، ومن لم يستثنه حمل قوله رجس على جهة الذم (وقال) الله تعالى فى المشرك:(انما المشركون نجس)(28) سورة التوبة. فمن حمل هذا أيضا على ظاهرة استثنى من مقتضى القياس المشركين. ومن أخرجه مخرج الذم لهم وأن المراد نجاسه العقيدة، طرد قياسه (وأما) الأحاديث فانها عارضت هذا القياس فى الكلب والهر والسباع (أما) فى الكلب فقد تقدم عن أبى هريرة أنه روى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" اذا ولغ الكلب فى الاناء فاغسلوه سبع مرات " أخرجه أبو داود وابن ماجه (1)[20].

(وأما) فى الهر فقد روى قرة عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين ". أخرجه الطحاوى (2)[21].

(1) تقدم رقم 6 ص 159 (الماء).

(2)

انظر ص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر).

ص: 166

(وأما) فى السباع فقد تقدم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " اذ كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " أخرجه الشافعى وأحمد والأربعة (1)[22].

(فهذا الحديث) يدل على نحاسه سؤر السباع، والا لكان التحديد بالقلتين " فى جواب السؤال عن ورودها على الماء " عبثا. (وأما) تعارض الأحاديث (فمنها) حديث أبى هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحياض التى تكون بين مكة والمدينة، فقيل ان الكلاب والسباع ترد عليها فقال: لها ما أخذت فى بطونها ولنا ما بقى شراب وطهور. أخرجه الدار قطنى (2)[23].

(ومنها) حديث كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآنى أنظر اليه فقال: أتعجبين يابنة أخى؟ فقلت نعم. فقال ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: انها ليست بنجس، انها من الطوافين عليكم والطوافات. أخرجه مالك وأحمد والدارمى والأربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح. وصححه البخارى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنى (3)[24].

(ومنها) حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصغى

(1) تقدم رقم 8 ص 159 (الماء).

(2)

انظر ص 11 سنن الدارقطنى (باب الماء المتغير).

(3)

انظر ص 26 منه، وص 222 ج 1 - الفتح الربانى. وص 187 ج 1 سنن الدرامى (الهرة اذا ولغت فى الاناء) وص 264 ج 1 - المنهل العذب (سؤر الهرة) وص 63 ج 1 مجتبى.

ص: 167

الى الهرة الاناء حتى تشرب. ثم يتوضأ بفضلها. أخرجه الدارقطنى والطحاوى (1)[25].

(وقد) اختلف العلماء فى تأويل هذه الأحاديث ووجه جمعها مع القياس المذكور. فذهب مالك فى الأمر باراقة سؤر الكلب وغسل الاناء منه، الى أن ذلك أمر تعبدى لم تعقل علته. وأن الماء الذى يلغ فيها الكلب فى المشهور عنه. وقال: لا يفهم منه أن الكلب نجس العين، والا عارضه ظاهر قوله تعالى:(فكلوا مما أمسكن عليكم)(4) سورة المائدة. قال: لو كان نجس العين لنجس الصيد بماسته. وأيد هذا التأويل بما جاء فى غسله من العدد والنجاسات لا يشترط فى غسلها العدد بل المدار فى ذلك على ازالتها. فالقياس عنده باق على عمومه. ولم يعول على سائر هذه الأحاديث لضعفها عنده.

(قال) ابن رشد: قال القاضى: قد ذهب جدى الى أن هذا الحديث معلل معقول المعنى، ليس من سبب النجاسه، بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الذى وله فى الإناء كلبا فيخاف من ذلك السم، ولذلك جاء هذا العدد الذى هو السبع فى غسله، فان هذا العدد قد استعمل فى الشرع فى مواضع كثيرة فى العلاج والمداواة من الأمراض وهذا وجه حسن فانه إذا قلنا: أن ذلك الماء غير نجس، فبيان علة غسله أولى من أن يقال أنه غير معلل (2).

(1) انظر ص 25 سنن الدارقطنى (باب سؤر الهرة). وص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر).

(2)

انظر ص 24 ج 1 بداية المجتهد. و (كلب) بفتح الكاف وكسر اللام أى عقور.

ص: 168

(هذا) والذى يشهد له الدليل (ا) أن سؤر الكلب نجس وهو قول الحنفيين والشافعى وأحمد ومالك فى رواية ابن وهب عنه، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه. فالحديث يقتضى نجاسة سؤره وأن لعابه نجس، وأنه يجب أن يغسل الصيد منه ومثله الخنزير عند الشافعى وأحمد لقوله تعالى:(فانه رجس).

(ب) وأن سؤر السنور وباقى السباع والحيوان غير هالكلب والخنزير طاهر ويؤيده قول جابر: سئل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها. أخرجه الشافعى والدارقطنى. وقال البيهقى فى المعرفة: له أسانيد اذا ضم بعضها الى بعض كانت قوية (1)[26].

(ولعل) الأرجح أن يستثنى من طهارة أسار الحيوان " الكلب والخنزير والمشرك " لصحة الآثار الواردة فى الكلب، ولأن ظاهر الكتاب أولى أن يتبع فى القول بنجاسه عين الخنزير والمشرك، من القياس. وكذلك ظاهر الحديث نجاسه سؤر الكلب. وعليه أكثر الفقهاء، فان الأمر باراقة ما ولغ فيه الكلب مناسب فى الشرع لنجاسه الماء الذى ولغ فيه. أعنى أن المفهوم بالعادة فى الشرع من الأمر باراقة الشئ وغسل الاناء منه هو لنجاسة الشئ "وما اعترضوا به " من أنه لو كان ذلك لنجاسة الاناء، لما اشترط فيه العدد " فغير نكير " أن يكون الشرع يخص نجاسه دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا لها (2).

(1) انظر ص 21 ج 1 بدائع المنن (أسآر السباع .. ) وص 23 سنن الدارقطنى.

(2)

انظر ص 23 ج 1 (بداية المجتهد).

ص: 169