المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على الخفين والجوربين. أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة. وابن أبي ليلى مستضعف صدوق (1){303} .

(وكان) أبو حنيفة لا يجوز المسح على الجورب الثخين، ثم رجع إلى الجواز قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة ومسح على جوربيه الثخيني في مرضه وقال لعواده: فعلت ما كنت أني عنه (وقالت) المالكية: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا مجلدين من أعلاهما وأسفلهما، لأنهما حينئذ كالخف.

(ب) الغسل

الغسل بفتح الغين مصدر غسل. وبالضم أسم مصدر لا غتسل وهو تعميم الجسد بالماء. وبالكسر اسم لما يغسل به من صابون وأشنان (3) ونحوهما. والمشهور في اسعمال الفقهاء "الفتح" إذا أضيف إلى المغسول كغسل الثوب والإناء "والضم" إذا أضيف إلى السبب كغسل الجنابة والجمعة. وهو لغة: الإسالة وشرعا إيصال الماء إلى جميع الجسد. ودليله قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة. والكلام ينحصر في عشرة مباحث:

1 -

شروطه- هي كشروط الوضوء غير أنه (أ) لا يشترط الإسلام في صحة غسل الكتابية بعد انقطاع دم الحيض أو النفاس عند من يرى لزوم النية في الطهارة المائية وهو غير الحنفيين (فيجوز) لزوجها وطؤها بعد غسلها ولو بلا نية عند المالكية والحنبلية (وعند) الشافعية لا يصح غسلها إلا بالنية وإن لم تكن أهلا لها بالضرورة (وعند) الحنفيين يحل للزوج وطء امرأته

(1) انظر ص 185 ج 1 نصب الراية (المسح على الجوارين).

ص: 342

ولو مسلمة بلا غسل إذا انقطع الدم لأكثر مدة الحيض أو النفاس كما سيأتي في أحكام الحيض إن شاء الله. (ب) لا يشترط التمييز في صحة غسل المجنونة عند الشافعية. ولذا يحل لزوجها وطؤها بعد غسلها من حيض أو نفاس. وينوي عنها من يغسلها.

موجبات الغسل (أسبابه)(1) - يفترض الغسل لأمور ستة:

(الأول) خروج المني وبرزوه من حشفة الرجل. وإلى فرج المرأة الظاهر بلذة ولو حكما كمحتلم رأى بللا ولم يدرك الشهوة "لما تقدم" عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فقال: من المذي الوضوء. ومن المني الغسل. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح (2){304} .

وفي رواية لأحمد فقال: إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل. (وحذف) يروي بالحاء والخاء ومعناه رمي. وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة (وعن) عائشة أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرأة الغسل إذا احتملت؟ قال نعم إذا رأت الماء فقالت عائشة تربت يداك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعيها يا عائشة وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الرجل أخواله.

(1)(الموجبات) هي في الواقع مبطلات للغسل. عبر عنها الفقهاء بالموجبات أو الأسباب توسعا لسهولة التعليم. وإلا فسببه إراداة ما لا يحل مع الحدث الأكبر إلا بالغسل.

(2)

تقدم رقم 224 صفحة 295 (نواقض الوضوء).

ص: 343

وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الرجل أعمامه. أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (1){305} .

وقوله "إذا رأت الماء" أي المني بعد الاستيقاظ فإن لم تره فلا شيء عليها (لحديث) خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل. أخرجه أحمد وابن ماجه وفي سنده على بن زيد بن جدعان. ضعيف (2){306} .

(وعن) أنس أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ارمأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال من رأت ذلك منكن فأنزلت فلتغتسل. قالت أم سلمة: أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال نعم. ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا أشبه الولد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي (3){307} .

وهذا موجب للغسل اتفاقا. واختلفوا في أمور:

(أ) إذا خرج المني بلا شهوة بأن خرج لمرض أو برد مثلا (قالت) الشافعية أنه موجب للغسل أيضا (وقال) الأكثرون: أنه غير موجب له (وعلى) الأول

(1) انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (تربت يداك) أي افتقرت والصقت بالتراب. والمراد به الزجر لا الدعاء.

(2)

انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 108 ج 1 - ابن ماجه (المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل).

(3)

انظر ص 108 منه. وص 119 ج 2 الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن البيهقي. وص 221 ج 3 نووي مسلم (وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها).

ص: 344

لو خرج من الرجل منيه بعد اغتساله بدون لذة وجب عليه إعادة الغسل وما صلاة بالغسل الأول (أما) لو خرج مني من المرأة بعد غسلها فإن كانت أنزلت قبل الغسل لزمها إعادته لاختلاط منيها بمني الرجل. وإن لم تكن أنزلت قبل الغسل فلاى يلزمها إعادته، لأن هذا مني الرجل لا منيها (ب) إذا انفصل المني عن مقره "صلب الرجل وترائب المرأة (1) " بلذة ولم يخرج إلى ظاهر فلا غسل عليه عند الجمهور وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وجوب الغسل لأن الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فيجب الغسل (وللجمهور) أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم علق الاغتسال على الرؤية أو الحذفل كقوله "إذا رأيت الماء وقوله إذا حفت الماء فاغتسل" فلا يثبت الحكم بدونه وفي إيجابه بمجرد الإنفصال حرج. والحرج مرفوع. وما ذكره من الاشتقاق لا يصح لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه منه (2). (جـ) هل يشترط استمرار اللذة إلى خروج المني إلى ظاهر الجسد؟ (فعند) الجمهور لا يشترط (وعند) أبي يوسف يشترط (وثمرة) الخلاف تظهر في أمور (منها) ما لو احتلم فوجد اللذة ولم ينزل حتى توضأ وصلى يلزمه الغسل عند الجمهور خلافا لأبي يوسف. ولا يعيد الصلاة إلا عند أحمد فقد قال يعيدها لوجوب الغسل عليه بمجرد انفصال المني عن مقره بشهوة (وكذا) لو احتلم في الصلاة ولم ينزل حتى أتمها أو احتلم فأمسك ذكرة حتى سكنت شهوته ثم خرج المني.

(ومنها) ما لو اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول أو المشي الكثير ثم سال منه بقية المني بلا شهوة، فإنه يلزمه إعادة الغسل عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي ورواية عن أحمد (وقال) مالك وأبو يوسف: لا غسل عليه وهو المشهور عن

(1)(الصلب) بضم فسكون عظام ظهر الرجل. و (الترائب) عظام صدر المرأة.

(2)

انظر صفحة 202 ج 1 مغنى ابن قدامة (خروج المني).

ص: 345

أحمد (أما) لو خرج بقية المني بعد البول أو النوم أو المشي فلا يعاد الغسل عند الحنفيين ومالك (وقالت) الشافعية: يلزمه إعادة الغسل لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الماء من الماء. ولأنه نوع حدث فنقضمطلقا كالجماع وسائر الأحداث (1)(وقالت) المالكية: إذا خرج المني بعد لذة معتادة بلا جماع لزمه إعادة الغسل (وإن) كانت اللذة ناشئة من جماع بأن أولج ولم ينزل ثم أنزل بعد ذهابها، فلا يزلمه إعادة الغسل (2)(وقالت) الحنبلية. إذا نزل المني بلذة بعد الغسل لزمه إعادته وإن نزل المني بلا لذة بعده نقض الوضوء فقط.

(فائدة) من قام من نومه فوجد بللا (أن تيقن) أنه مني لزمه الغسل اتفاقا وإن لم يتذكر احتلاما. (وإن شك) في كونه منيا أو مذيا يلزمه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد ومالك وأن لم يتذكر احتلاما (لقول) عائشة: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. قال يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا. قال لا غسل عليه. فقالت أم سليم هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال نعم إنما النسائ شقائق الرجال. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر (يعني العمري) عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر

(1) انظر صفحة 139 ج 2 مجموع النووي.

(2)

وللمالكية تفصيل يأخذ من قول الشيخ الدردير في الصغير: يجب على المكلف الغسل (أ) يخروج مني بنوم ولو بلا لذة وبخروجه يقظة إن كان بلذة معتادة من نظر او نكر في جماع أو مباشرة وإن حصل الخرج بعد ذهاب اللذة فإنه يجب الغسل. (ب) وإن لم يكن خروج المني بلذة معتادة بأن خروج لمرض أو طربة أو كان بلذة غير معتادة كحكة لجرب أو هزة دابة- ففيه الوضوء فقط. كمن غيب الحشفة في الفرج فاغتسل ثم خرج منه مني بعد الغسل فعليه الوضوء فقط لأنه اغتسل للجنابة. أنظر صفحة 52 و 53 ج 1 - الشرح الصغير (فصل الغسل).

ص: 346

احتلاما. وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه لكن وثقه أحمد ويحيى ابن معين (1){308} .

(وقال) أبو يوسف: لا غسل على من شك في البلل ولم يتذكر احتلاما، لأن الأصل براءة الذمة فلا يجب الغسل إلا بيقين (ومشهور) مذهب الشافعية أن من شك بعد النوم في البلل لا يلزمه الغسل وأن تذكر احتلاما. بل له أن يحمله على المني فيغتسل أو أن يحمله على المذي فيغسل محله ويتوضأ (2) ويرده إطلاق الحديث (وقالت) الحنبلية: إن انتبه بالغ أو مراهق ووجد بللا جهل كونه منيا (فإن تقدم) نومه سبب لهذا البلل كبرد أو نظر أو فكر أو ملاعبة فلا يلزمه الغسل. لاحتمال أنه مذي وقد وجد سببه ولا يجب مع الشك. ويلزم غسل ما أصابه من ثوب وبدون (وإن) لم يتقدم نومه سبب لهذا البلل، لزمه الغسل (لحديث) عائشة رقم 308 لأن الظاهر أنه احتلام. ويلزمه غسل ما أصابه من ثوب وبدن احتياطا (3).

(الثاني) من موجبات الغسل، التقاء. الختانين، ويتحقق (أ) عند الحنفيين بتوارى حشفة آدمي حي غير خنثى مشتهى أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر آدمي حي يطيق الجماع بلا حائل يمنع اللذة وحرارة الفرج، فيلزمهما الغسل لو كان مكلفين ولو بلا إنزال (ويلزم) بوطء صغيرة لا تشتهي وإن لم يفضها على الصحيح (ولو لف) ذكره بخرقة وأولجه ولم ينزل، فإن وجد حرارة الفرج واللذة لزمه الغسل وإلا فلا على الأصل. والأحوط لزومه.

(1) انظر صفحة 116 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 324 ج 2 - المنهل العذب (الرجل يجد البلة في منامه). - وصفحة 112 ج 1 تحفة الأحوذي (فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما). و (الحديث) معلول بعلتين: ضعف عبد الله العمري وتفرده به لذا قصر عن درجة الحسن. انظر صفحة 327 ج 3 - المنهل العذب.

(2)

انظر ص 146 ج 2 مجموع النووي (الوجه الثالث).

(3)

انظر ص 104 ج 1 كشاف القناع (ما يوجب الغسل).

ص: 347

(ب)(وعند) المالكية يتحقق بتغييب الحشفة بلا حائل يمنع اللذة في قبل أو دبر آدمي أو بهيمة ولو الموطء ميتا. فيجب الغسل على الفاعل المكلف إن كان المفعول مطيقا، وعلى المفعول إن كان الفاعل مكلفا، فمن وطئها صبي لا يلزمها غسل إلا إذا أنزلت.

(جـ)(وعند) الشافعية يتحقق بتواري حشفة أو قدرها ولو بحائل يمنع حرارة المحل من آدمي مميز واضح في قبل غير خنثى أو دبر آدمي أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، ولو غير بالغين أو كان المفعول غير مطيق، فعلى ولي الصبي أن يأمره بالغسل. ولا يجب بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالانزال.

(د)(وعند) الحنبلية يتحقق بتوارى حشفة أو قدرها بلا حائل ولو رقيقا من آدمي غير خنثى مطيق الجماع في قبل أو دبر آدمي مطيق أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كانا بالغين أو مراهقين. (ولا يجب) بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالإنزال لعدم تغييب الحشفة الأصلية بيقين (وأن) تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليهما الغسل (وأن) وطيء خنثى امرأة وجامعه رجل في قبله، فعلى الخنثى الغسل وعلى الرجل والمرأة أن يتطهرا احتياطا.

(والدليل) على لزوم الغسل بالتقاء الختانين (حديث) عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل. أخرجه أحمد ومسلم (1){309} .

(1) انظر صفحة 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 41 ج 4 نووي مسلم (ما يوجب الغسل). و (الشعب) جمع شعبة وهي القطعة من الشيء والمراد يداها ورجلاها. وقيل رجلاها وفخذاها. وقبل فخذاها وشفراها. و (الختان) موضع الختن. والختن في المرأة قطع جلدة في أعلى الفرج مجاورة لمخرج البول كعرف الديك ويسمى الخفاض. وفي الرجل قطع الجلدة الكاسية للحشفة.

ص: 348

(وقالت) عائشة: إذا التقى الختانان وجب الغسل. فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واغتسلنا. أخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان وابن القطان. وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه (1){310} .

(والمراد) بالتقاء الختانين ومسهما، تغييب الحشفة في الفرج. وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة. لأن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع (وقد) أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على أحد منهما. فلابد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله ابن عمرون بن العاص بلفظ: إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه. وفي سنده حجاج ابن أرطأة. قال الحافظ صدوق كثير الخلط والتدليس (2){311} .

(والأحاديث) صريحة في أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال، بل يجب بمجرد الإيلاج (ففي) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهد نفسه فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (3){313} .

(1) صفحة 36 ج 1 بدائع المنن. وص 109 ج 1 سنن ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان).

(2)

انظر ص 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه.

(3)

انظر ص 114 ج 2 - الفتح الرباني. وص 39 ج 4 نووي مسلم (الغسل يجب بالجماع). وص 109 ج 1 - ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان).

ص: 349

والمراد بالإجهاد إيلاج الحشفة (ونقل) ابن عبد البر إجماع الصحابة على إيجاب الغسل من التقاء الختانين وقال: إن الجمهور من بعدهم انعقد إجماعهم على ذلك أيضًا. (وقال) أبو سعيد الخدري والظاهرية: لا يجب الغسل إلا مع الإنزال (لحديث) أبي سعيد مرفوعا: "إنما الماء من الماء" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي {313} .

أي إنما يجب الغسل من نزول المني (ورد) بأن الحديث محمول على حالة النوم كما فسره ابن عباس وغيره جمعا بين الروايات. وعلى فرض عمومه فهو منسوخ بحديث أبي هريرة السابق (ويؤيده) قول أبي بن كعب: أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها. أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والترمذي وصححه (1){314} .

(الثالث) انقطاع دم الحيض والنفاس- أجمع الصحابة ومن بعدهم على وجوب الغسل لانقطاع دم الحيض والنفاس (لما تقدم) عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي. أخرجه الشيخان وغيرهما (2){315} .

(1) انظر صفحة 110 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 327 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة).

(2)

تقدم مطولا رقم 227 صفحة 296 (نواقض الوضوء الدم الخارج من الجسد).

ص: 350

(وعن) معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل. أخرجه البيهقي (1){316} .

(الرابع) الولادة بلا دم (قالت) الحنفية والمالكية والشافعية: يجب الغسل على من ولدت ولم تر دما احتياطا، لأنها لا تخلو من أثر دم (وقال) أبو يوسف ومحمد والحنبلية: لا غسل عليها لعدم الدم، ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص.

(الخامس) الموت- أجمع العلماء على أنه يفترض على الأحياء فرض كفاية تغسيل الميت المسلم الذي لم يقع به ما يمنع الغسل كالشهادة في المعركة والبغي والقتل ظلما (لما يأتي) عن ابن عباس قال: فبينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة فوقصته ناقة فمات. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه. أخرجه السبعة (2){317} .

هذا، وسبب لزومه عند الحنفيين الحدث على الأصح، لأن الموت سبب للاسترخاء وزوال العقل (وهو) عند الشافعية للنظافة، وروى عن مالك فلا تلزم فيه النية. ويصح من الكافر والمجنون. و (عند) الحنبلية سببه الموت تعبدا. لا عن حدث، لأن لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم ولا عن نجس، لأنه لو كان عنه لم يطهر مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت (3). وهو المشهور عن مالك.

(السادس) إسلام الكافر- يجب الغسل على كافر ولو مرتدا أسلم ولو

(1) انظر ص 342 ج 1 سنن البيهقي (النفاس).

(2)

يأتي رقم 407 صفحة 227 ج 7 - الدين الخالص طب 2 (غسل الميت).

(3)

انظر ص 108 ج 1 كشاف القناع (الرابع من موجبات الغسل الموت).

ص: 351

صبيا مميزا، وإن اغتسل قبل إسلامه، أو لم يوجد من حال كفره ما يوجب الغسل عند أحمد وروى عن مالك (لقول) قيس بن عاصم: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه ابن السكن (1){318} .

(وقالت) الشافعية: يجب الغسل على من أجنب حال كفره اغتسل أم لا، لعدم صحة غسله وقتئذ لتوقف صحة الغسل على النية المتوقفة على الإسلام. ويستحب لمن لم يأمر كل من أسلم بالغسل، ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة صرف الأمر إلى الندب (وأما) وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم (وقال) الحنفيون: يجب على من أجنب ولم يغتسل حال كفره. فإن اغتسل لا يجب لما تقدم من الأدلة، ولا يصح قياسه على الصلاة والزكاة، لأنهما لا يصحان بدون النية لعدم الغيمان. بخلاف اغتساله، لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية (والظاهر) الأول، لأن ظاهر الأحاديث وجوب الغسل على كافر أسلم مطلقا.

(فائدة) إذا اجتمع شيئان موجبان للغسل كالحيض والجنابة وتغيب الحشفة والإنزال، يكفيه عنهما غسل واحد عند الأئمة الأربعة والجمهور لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا غسلا واحدا وهو يتضمن شيئين إذ هو لازم للإنزال غالبا.

3 -

ما لا يوجب الغسل- لا يلزم الغسل لأربعة أنواع (أ) لا يفترض الغسل

(1) انظر ص 148 ج 2 - الفتح الرباني. وص 338 ج 2 تيسير الوصول (غسل الإسلام).

ص: 352

اتفاقا لمذي ولا لودي ولا لاحتلام بل بلل. لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فإذا احتلمت بلذة ولم يخرج ماؤها إلى فرجها الظاهر، فلا غسل عليها.

(ب) ولا يفترض بتغيب بعض الحشفة ولا بوطء في غير قبل ودبر، ولا بسحاق- وهو اتيان المرأة المرأة بلا إنزال- ولا بالتصال الختانين بلا إيلاج.

(جـ) ولا يفترض عند غير الشافعية بخروج مني بلا لذة ولو حكما على ما تقدم.

(د) ولا يجب عند المالكية بمني خرج بلذة غير معتادة كأن خرج لنزوله في ماء حار ولحك جرب وتحريك دابة إن لم يتماد فيهما. فإن تمادى بعد شعوره باللذة من حك الجرب وتحريك الدابة ويجب الغسل.

4 -

فرائض الغسل- هي عند المالكية خمسة- النية وتعميم الجسد بالماء، والدلك، وتخليل الشعر، والموالاة مع الذكر والقدرة (وعند) الشافعية: النية وتعميم الشعر والبشرة بالماء (وعند) الحنفيين- غسل الفم والأنف وتعميم سائر الجسد بالماء (وعند) الحنبلية- تعميم الجسد بالماء حتى داخل الفم والأنف وظاهر الشعر وباطنه وحشفة أغلف أن أمكن تشميرها بلا مشقة (وأما) النية فشرط صحة إلا في غسل المجنونة والذمية فلا تشترط. وينوي عن المجنونة من يغسلها. ويلزم عند الكل إزالة ما على الجسد من نجاسة وغيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة.

وهاك بيان الفرائض مفصلة:

(أ) النية- تكون عند غسل أول جزء من الجسد، ولا يضر عند غير الشافعية تقدمها بزمن يسير. وعند الشافعية: يشترط مقارنتها لأول مغسول،

ص: 353

فلا يجزي تقدمها بزمن يسير. ومحلها القلب. والتلفظ بها غير مشروع. وتقدم تمام الكلام عليها في فرائض الوضوء (1).

(ب) تقميم الجسد بالماء- اتفق العلماء على أنه يفترض في الغسل إيصال الماء إلى جميع ما يمكن وصوله إليه بلا حرج كظفر وأذن وسرة وبشرة لحية وفرج خارج- وهو ما يظهر عند قعود المرأة لقضاء الحاجة- حتى لو بقيت لمعة لو يسيرة لم يصلها الماء لا يكفي الغسل، لقوله تعالى:(وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 - المائدة. وهو أمر بتطهير جميع الجسد فيدخل كل الماء إلى ما تحته كعجين وطين وشمع ودهن متجمد وقذي عين (وكذا) يلزم عند غير المالكية نزع خاتم ضيق لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بنزعه. وعلى المرأة تحريك قرطها الضيق (وقالت) المالكية: لا يلزم المغتسل نزع خاتمه الضيق المبالح استعماله ومثله حلي المرأة على ما تقدم بيانه في الوضوء (وإذا) كان بأذن المرأة أو الرجل ثقب لزم إيصال الماء إلى داخله خلافا للشافعية حيث قالوا لا يلزم غيصال الماء داخل الثقب الذي لا قرط فيه، لأن الواجب عندهم غسل البدن فقط. واختلفوا في أمور:

1 -

نقض الشعر في الغسل- (قال) الحنفيون: لا يجب على المرأة نقض ضفيرتها إن بل أصلها (لحديث) أم سلمة أنها قالت " يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت. أخرجه

(1) انظر صفحة 218 (النية- فروض الوضوء).

ص: 354

أحمد ومسلم والأربعة. وقال الترمذي حسن صحيح (1){319} .

(وعن) عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن. فقالت: يا عجبا لابن عمرو وهو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رءوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد كنت أغتسل أن ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. أخرجه أحمد ومسلم (2){320} .

أما الرجل فيلزمه نقض ضفائره ولو وصل الماء أصول الشعر على الصحيح، (لحديث) ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الغسل من الجنابة، فقال: أما الرجل فينثر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفهاز أخرجه أبو داود (3){321} .

(والحكمة) في التفرقة بين الرجل والمرأة أن عليها في النقض حرجا. وفي الحلق مثلة. فسقط عنها النقض بخلاف الرجل فيجب عليه النقض مطلقا لعدم الحرج.

(وقالت) المالكية: إن الشعر إذا كان مضفورا بنفسه واشتد وجب نقضه

(1) انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 11 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة) وصفحة 52 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ). وصفحة 108 ج 1 تحفة الأحوذي. وصفحة 108 ج 1 سنن ابن ماجه (غسل النساء من الجنابة).

(2)

انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 12 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة).

(3)

انظر صفحة 31 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ).

ص: 355

في الغسل دون الوضوء (وإن) كان مضفورا بخيوط ثلاثة فأكثر وجب نقضه في الغسل والوضوء اشتد أم لا (وإن) شد بخيط أو خيطين واشتد نقض وإلا فلا. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين غسل الجنابة وغيرها (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة. أخرجه أبو داود والبيهقي والترمذي. وفي سنده الحارث بن وجيه ضعيف منكر الحديث. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه غلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك (1){322} .

(وقالت) الشافعية والنخعي: إن وصل الماء إلى باطن الشعر بدون نقض لو يجب وإلا وجب. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الجنابة والحيض والنفاس، مستدلين بما استدل به المالكية. وقد علمت أنه ضعيفن فلا يعارض أحاديث وعائشة وثوبان.

(وقالت) الحنبلية: يجب نقضه في الحيض والنفاس دون الجنابة إن بلت أصوله (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان. وإن اغتسلت من جنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته. أخرجه الدارقطني والطبراني وكذا البيهقي وفيه: وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ولم تغتسل بالخطمي والأشنان وقد تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد بن سلمة (2){323} .

(ولكن) الأمر فيه محمول على الندب لأن الغسل بالخطمى والأشنان لم يقل

(1) انظر صفحة 228 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة).

(2)

انظر صفحة 182 ج 1 سنن البيهقي (ترك المرأة نقض قرونها). وصفحة 273 ج 1 مجمع الزوائد (الغسل من الجنابة).

ص: 356

بوجوبه أحد، فهو قرينة على أن الأمر بالنقض للندب، بخلاف حديث أم سلمة فإنه محمول على الإيجاب، لقوله إنما يكفيك. ولذا ذهب بعض الحنبلية إلى أنه لا يجب على المرأة نقض الشعر في الغسل مطلقا وهو الراجح لقوة أدلته.

2 -

المضمضة والاستنشاق في الغسل- (قال) مالك والشافعي والليث بن سعد: إنهما سنتان فيه كالوضوء (لقول) ميمونة: سترت النبي صلى عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. وهذا غسله من الجنابة. أخرجه الشيخان والثلاثة (1){324} .

(وهو) لا يدل على وجوب المضمضة والاستنشاق لأن مجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقتضي الوجوب (وقال) الحنفيون والحنبلية والثوري: إنهما فرضان في الغسل، لقوله تعالى:(وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة فإنه أمر بتطهير جميع البدن إلا ما تعذر إيصال الماء إليه، وداخل الفم والأنف لا يتعذر إيصال الماء إليه (ورد) بأن الآية مجملة بينت (بحديث) أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين. فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك. أخرجه أبو داود (2){325} .

قال أهل اللغة: البشرة ظاهر الجلد. وداخل الأنف والفم من الباطن لا من الظاهر.

(1) انظر صفحة 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة).

(2)

انظر صفحة 175 ج 3 - المنهل العذب (الجنب بتيمم).

ص: 357

3 -

الدلك في الغسل- هو سنة عند الأئمة الثلاثة والجمهور وفرض عند المالكية والمزني كما تقدم في الوضوء (1)(والسبب) في اختلافهم، اشتراك أسم الغسل ومعارضة ظاهر الأحاديث- الواردة في صفة الغسل- لقياس الغسل في ذلك على الوضوء. وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله عليه الصلاةة والسلام من حديث عائشة وميونة الآتية (2) ليس فيها ذكر التدلك، وإنما فيها إفاضة الماء فقط. وفي حديث أم سلمة السابق (3)"إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي على سائر جسدك. فإذا أنت قد طهرت"(وهو) أقوى في أسقاط التدلك من الأحاديث الأخر. لأنه يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك. وأما ها هنا فإنما حصر لها شروط الطهارة.

(فذهب) قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث. وغلبوا ذلك على قياس الغسل على الوضوء فلم يوجبوا التدلك (وغلب) آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر هذه الأحاديث. فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء. فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك. ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى أساقط التدلك (4) وهذا هو الظاهر.

4 -

سنن الغسل: للغسل سنن كثيرة المذكور منها هنا ثلاث عشرة:

1 -

التسمية في أوله- بأن يقول باسم الله والحمد لله. كما تقدم في الوضوء

(1) أنظر صفحة 229 (الدلك) الثامن من أركان الوضوء.

(2)

(الآتية) في (كيفية الغسل) رقم: 348، 349، 350.

(3)

(تقدم رقم 319 ص 313 نقض الشعر في الغسل).

(4)

انظر صفحة 34 ج 1 بداية المجتهد (الغسل).

ص: 358

(وهي) سنة عند الحنفيين والشافعي ومندوبة عند مالك، وواجبة على العالم الذاكر عند الحنبلية فإن تركها عندا لم يصح غسله قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى غير أن حكمها هنا أخف، لأن حديث التسمية إنما يتناول بصريحه الوضوء لا غير (1).

2 -

غسل الكفين- يسن للمغتسل أن يبدأ بغسل كفيه ثلاثا كالوضوء (لقول) عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها فى الماء ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة. أخرجه السبعة (2). [236].

والحكمة فى ذلك أنهما آلة التنظيف فيطهران أولا.

3 -

غسل الفرج- يسن لمريد الاغتسال أن يبدأ بغسل قبله ودبره وإن لم يكن عليهما نجاسة (لما) فى حديث ميمونة قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما. أخرجه البخارى (3)[237].

4 -

إزالة ما على جسده من نجاسة- يسن للمغتسل أن يبدأ بإزالة ما على جسده من نجاسة ولو قليلة. أما أصل إزالتها فلابد منه لأنه لا يرتفع حدث ما تحتها حتى تزال.

(1) انظر صفحة 115 ج 1 كشاف القناع (الغسل المجزئ).

(2)

انظر صـ 126 ج 2 - الفتح الربانى. وصفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة).

(3)

انظر صفحة 251 ج 1 - فتح البارى (الوضوء قبل الغسل).

ص: 359

5 -

السواك: يسن للمغتسل التسوك كما يستحب للمتوضئ (1).

6 -

الوضوء: يستحب لمريد الاغتسال الوضوء قبل الغسل كما تقدم بيانه فى الوضوء قبل الغسل (2).

7 و 8 - إفاضة الماء والتيامن: يسن للمغتسل بعد الوضوء أن يفيض الماء على رأسه ثلاثا يروى بها أصول الشعر. ثم يفيضه على سائر جسده بادئا بشقه الأيمن (لما) يأتى فى حديث عائشة قالت: حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم افاض على سائر جسده (3) وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى شأنه كله.

9 -

تخليل اللحية والشعر - يلزم المعتسل إيصال الماء إلى أصول شعره على ما تقدم في بحث نقض الشعر (4) وإيصاله إلى ما تحت لفحيته الخفيفة. ويسن له تخليل شعر اللحية والرأس أن وصل الماء إلى أصول الشعر بلا تخليل. والإلزم عند الحنفيين (وعند) الشافعية والحنبلية: يسن تخليل الشعر إن وصل الماء إلى البشرة بدونه والالزم (والمعتمد) عند المالكية أنه يجب تخليله مطلقا ولو كثيفا وصل الماء على ما تحته (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شرعة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة أخرجه أبو داود والترمذي (5){327} .

(1) انظر صفحة 188 (حكم السواك).

(2)

انظر صفحة 292 (الوضوزء قبل الغسل)

(3)

انظر رقم 348 صفحة 326 (كيفية الغسل).

(4)

انظر صفحة 213 (نقص الشعر في الغسل).

(5)

انظر صفحة 20 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجناية). وصفحة 109 ج 1 تحفة الأحوذي (إن تحت كل شعرة جنابة).

ص: 360

وقال: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذلك. وقال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف. والتخليل الواجب عندهم تخليل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر (1).

10 -

تخليل الأصابع: يسن للمغتسل تخليل أصابع الدين والرجلين عند غير المالكية. وهو فرض عند المالكية في أصابع اليدين والرجلين على ما تقدم بيانه في الدلك (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خلل أصابع يديك ورجليك يعني إسباغ الوضوء. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف لكن حسنه البخاري لأنه من رواية موسى ابن عقبة عن صالح وسماع موسى عنه قبل أن يختلط (2){329} .

11 -

التثليث- يسن في الغسل تثليث غسل الرأس اتفاقا لما تقدم وكذا باقي الجسد عند غير المالكية (لحديث) أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسل أحدكم فليغتسل كل عضو ثلاثا. أخرجه الديلمي {330} .

(ومنه) تعلم رد قول المالكية: لا يطلب تثليث غير الرأس لعدم وروده.

12 -

التستر حال الغسل- يطلب من المغتسل ستر العورة حال الاغتسال وأن يغتسل بمكان لا يراه فيه من لا يحل له النظر إلى عومرته (لحديث) يعلي بن

(1) يأتي رقم 348 صفحة 326 (حديث عائشة في كيفية الغسل).

(2)

انظر صفحة 44 ج 7 - الفتح الرباني (تخليل الأصابع).

ص: 361

أمية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "إن الله عز وجل حيى ستير يحب الحياء والستر. فإذا أراد أحدطم أن يغتسل فليستتر. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح (1){331} .

(وظاهره) وجوب التستر حال الغسل ولو في الخلوة. وإليه ذهب ابن أبي ليلى وبعض الشافعية (وقال) الجمهور: أنه سنة وتركه مكروه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم أم عليا فوضع له غسلا ثم أعطاه ثوبا فقال استرني وولني ظهرك. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (2){332} .

(وقالت) أم هانئ: ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب. أخرجه أحمد والشيخان (3){333} .

فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتستر في بعضها على الأفضل. قال البخاري: باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة. ومن تستر فلتستر أفضل (4).

(1) انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 39 ج 4 سنن أبي داود (النهي عن التعري). وصفحة 70 ج 1 مجتبي (الاستتار عند الاغتسال. و (بسند صحيح) رد بأن فيه عبد الملك بن أبي سليمان قال أحمد: ثقة يخطئ. و (البراز) بفتح الباء وقد تكسر، الفضاء الواسع.

(2)

انظر صفحة 269 ج 1 مجمع الزوائد (التستر عند الاغتسال).

(3)

انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 267 ج 1 فتح الباري (التستر في الغسل).

(4)

انظر صفحة 266 منه. وصفحة 167 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 140 ج 3 - المنهل العذب (الاغتسال من الحيض).

ص: 362

3 -

استعمال السدر ونحوه- يسن في الغسل استعمال سدر ونحوه كأشنان وصابون (لحديث) عائشة أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله أخبرني عن الطهور من الحيض فقال: نعم لتأخذ أحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (1){334} .

والنفاس كالحيض. وعلى الجملة يسن في الغسل ما يسن في الوضوء.

5 -

مندوباته- يندب في الغسل ما يندب في الوضوء سوى استقبال القبلة، لأنه يكون غالبا مع كشف العورة.

6 -

مكروهاته: يكره فيه ما يؤدي إلى ترك سنة من سننه، وما يكره في الوضوء على ما تقدم بيانه. د

7 -

أقسام الغسل- هي ثلاثة: فرض وسنة ومندوب.

(أ) فيفترض في حالتين:

1 -

لواحد من الاسباب المتقدمة. وهي إنزال المنى بشهوة ولو حكما، وتغييب حشفة في قبل أو دبر ولو من كافر ثم أسلم وانقطاع حيض أو نفاس ولو من كافرة ثم أسلمت، وولادة ولو بلا دم، وموت فيفترض تغسيل الميت على ما تقدم بيانه.

2 -

يلزم الغسل لإزالة نجاسة أصابت كل البدن أو بعضه وخفي مكانها.

(ب) ويسن الغسل لخمسة أشياء:

(1) انظر صفحة 166 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 334 ج 2 تيسير الوصول بلفظ: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها (الحديث)(في غسل الحائض والنفساء).

ص: 363

1 -

غسل الجمعة- يطلب الغسل ممن يريد صلاة الجمعة وإن لم تلزمه (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. أخرجه مالك وأحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذي (1){335} .

(وعن عمر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم إلى الجمعة فليغتسل. أخرجه الجماعة وهذا لفظ أبي داود (2){336} .

(ولظاهر الحديثين) قالت الظاهرية بوجوب غسل الجمعة. وحكاه الخطابي عن الحسن البصري (وقال) جمهور العلماء: أنه سنة وهو المعروف من مذاهب الأئمة الأربعة. وقالوا: المراد بالوجوب في الحديث الأول تأكد الاستحباب. والأمر في بعض الأحاديث مصروف عن الوجوب لحديث الحسن عن سمرة ابن جندب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل. وأخرجه أحمد وابن خزيمة والأربعة بسند جيد لكن اختلف في سماع الحسن من سمرة (3)

(ويعضده) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من

(1) انظر صفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وصفحة 48 ج 6 - الفتح البرباني. وصفحة 132 ج 6 نووي مسلم (غسل الجمعة).

(2)

انظر صفحة 198 ج 3 - المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة). وصفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (في غسل الجمعة والعيدين).

(3)

انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وص 50 ج 6 - الفتح الرباني. و (اختلف في سماع الحسن .. ) قال النسائي: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. أنظر صفحة 205 ج 1 مجتبي (الرخصضة في ترك الغسل يوم الجمعة).

ص: 364

توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. أخرجه مسلم (1){338} .

(وهذا) من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة.

(وهو) الراجح. والأحوط المحافظة على غسل الجمعة كالمحافظة على اداء الواجبات (ومحل) الخلاف إذا لم يترتب على تركه أذى، وإلا فالغسل واجب اتفاقا، لأن الضرر حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة (وفي) وقت غسل الجمعة ثلاثة أقول:

(أ)(قال) مالك والليث والأوزاعي: يدخل وقته عند إرادة الرواح إلى المسجد (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل" أخرجه مسلم (2){339} .

(ب) وقال الجمهور: وقته يدخل بطلوع الفجر، ولا يشترط اتصاله بالرواح، بل يستحب. وينتهي وقته بصلاة الجمعة. للأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة. ولأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة. والمقصود عدم تأذي الحاضرين. وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة.

(جـ) وقال الحسن بن زياد ومحمد بن الحسن والظاهرية: وقته كل اليوم. فلا يشترط تقديمه على صلاة الجمعة. بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأه للأحاديث المطلقة (واستبعده) ابن دقيق العيد وقال: يكاد يجزم ببطلانه. وأدعى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة. ووجهه أن الغسل

(1) انظر صفحة 146 ج 6 نووي مسلم (فضل من استمع وأنصت للخطبة).

(2)

انظر صفحة 130 منه (غسل الجمعة).

ص: 365

للصلاة لا لليوم (لحديث) عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أتى الجمعة فليغتسل. أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وزاد: من لم يأتها فلا يغتسل (1){340} .

2 -

غسل العيدين: اتفق العلماء على أنه سنة (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى. أخرجه ابن ماجه والبيهقي. وفيه جبارة بن المغلس وحجاج ابن تميم ضعيفان (2){341} .

(وقال) في البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أحاديث غسل العيدين ضعيفة. وفيه آثار عن الصحابة جيدة (ومنها) ما روى نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي أخرجه مالك والبيهقي (3){34} .

(واختلفوا) في وقته وفي أنه للصلاة أو اليوم.

(أ) قال أبو يوسف والحنبلية: هو سنة للصلاة. ويدخل وقته بطلوع الفجر فلا يجزئ قبله ولا بعد صلاة العيد. وعن أحمد أنه يصح قبل الفجر وبعده.

(ب) وقالت المالكية والشافعية: هو سنة اليوم. وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنفية. فيطلب ممن يحضر الصلاة ومن لا يحضرها، لأن الغرض منه إظهار الزينة، ويجوز قبل الفجر وبعده. والأفضل أن يكون بعده (ويدخل)

(1) انظر صفحة 295 ج 1 سنن البيهقي (الغسل يوم الجمعة سنة اختيار).

(2)

انظر صفحة 204 ج 1 - ابن ماجه (الاغتسال في العيدين).

(3)

انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل العيدين). وصفحة 299 ج 1 سنن البيهقي (الاغتسال للأعياد).

ص: 366

وقته عند المالكية بالسدس الأخير من الليل وينتهي بغروب شمس يومه (وعند) الشافعية يدخل وقته بنصف ليلة العيد إلى غروب شمس يومه.

(فائدة) يكفي غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة إذا نوي الكل ويحصل للمغتسل ثواب ما نوى، لحديث "وإنما لا مرئ ما نوى".

3 -

غسل من غسل ميتا- يطلب ممن غسل ميتا أن يغتسل.

(لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل. ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي (1){342} .

(وبظاهره) أخذ على وأبو هريرة والإمامية فقالوا: إن من غسل ميتا وجب عليه الغسل (وقالت) الشافعية والحنبلية: هو سنة (وقال) الحنفيون والمالكية يندب لمن غسل ميتا أن يغتسل (وحملوا) الأمر في الحديث على الندب (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه أن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم". أخرجه البيهقي وقال: هذا ضعيف (2){343} .

(ولقول) عمر: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. أخرجه الخطيب بسند صحيح (3){35} .

(وقال) الليث: لا يجب ولا يستحب لحديث ابن عباس.

(والقول) باستحباب الغسل هو الراجح، وفيه الجمع بين الأدلة.

(1) تقدم رقم 87 (الوضوء من حمل الميت).

(2)

انظر صفحة 306 ج 1 سنن البيهقي (الغسل من غسل الميت).

(3)

انظر صفحة 298 ج 1 نيل الأوطار (الغسل من غسل الميت).

ص: 367

4 -

غسل الإحرام: يطلب الغسل ممن أراد الإحرام بحج أو عمرة أو بهما ولو حائضاً أو نفساء، لأنه للنظافة (وهو) سنة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لحديث) زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجرد لاهلاله واغتسل. أخرجه الدارقطني والترمذي وحسنه (1){344} .

(ويأتي) أن عائشة قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد ابن أبى بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (2){345} .

5 -

غسل الوقوف بعرفة - يطلب من الحاج ان يغتسل للوقوف بعرفة (وهو) سنة عند الثلاثة مندوب عند مالك (لحديث) الفاكه بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند (3){346} وفي سنده يوسف بن خالد كذبه غير واحد (ويدخل) وقته بالزوال عند الحنفيين ومالك. وبطلوع الفجر عند الشافعية والحنبلية (جـ) ويندب الغسل لأمور المذكور منها أحد عشر:

1 -

دخول مكة: يستحب الغسل من أراد دخول مكة (وهو) للنظافة عند الحنفيين (ونسك) لا فدية في تركه عند الشافعي وأحمد فيستحب ولو للحائض والنفساء (لما روي) عن ابن عمر أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوي

(1) انظر صفحة 256 سنن الدارقطني (الحج). وصفحة 85 ج 2 تحفة الاحوذي (الاغتسال عند الإحرام).

(2)

يأتي في الحج رقم 59 صفحة 44 (إرشاد الناسك).

(3)

انظر صفحة 144 ج 2 - الفتح الرباني.

ص: 368

حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. أخرجه مسلم (1){347}

(وقد) أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت أن تفعل ما يفعل الحاج إلا الطواف (وقالت) المالكية: يطلب هذا الغسل لدخول المسجد والطواف فلا يطلب من الحائض والنفساء (والظاهر) قول الجمهور. قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه فدية ويجزيء منه الوضوء (وقال) ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة. وإنما ذكروه للطواف. والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف ملخص من شرح العسقلاني (2).

2 -

الأفاقة: ويستحب الغسل لمن أفاق من جنون أو إغماء أو سكر ولم يجد بللاً (لما) تقدم في حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أغمى عليه في مرض موته. ثم أفاق فقال أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. فقعد فاغتسل (الحديث)(3). أما من أفاق مما ذكر فوجد بللاً (فإن) تيقن أنه منى لزمه الغسل اتفاقاً (وكذا) إن شك في أنه مني أو مذي عند الحنفيين ومالك (وعند) الشافعية والحنبلية تفصيل تقدم فيما إذا قام من نومه ووجد بللاً (4)(وان) شك أنه مذي أو ودي فلا غسل عليه اتفاقاً.

(1) انظر صفحة 5 ج 9 نووي مسلم (استحباب الاغتسال لدخول مكة). وذو طوي بضم الطاء وفتحها، موضع قرب مكة في طريق التنعيم على فرسخ من مكة.

(2)

انظر صفحة 281 ج 3 فتح الباري (الاغتسال عند دخول مكة).

(3)

تقدم رقم 238 صفحة 269 (غلبة العقل).

(4)

تقدم صفحة 307 (فائدة من قام من نومه فوجد بللاً).

ص: 369

(3 - 11) ويستحب الغسل للمبيت بالمزدلفة ولرمي جمار وطواف زيارة وطواف وداع، ولصلاة كسوف واستسقاء وفزع وظلمة نهاراً وريح شديدة، لأن هذه عبادات يجتمع لها الناس مزدحمين فيعرقون فيؤذي بعضهم بعضاً، فاستحب الغسل للنظافة ودفع الأذى كالجمعة.

(فائدة) اختلفوا في أنه هل يقوم التيمم عند العذر مقام ما ذكر من الغسل المسنون والمندوب؟ (قال) الحنفيون: لا يقوم لأن المقصود منها غالباً النظافة (وقالت) الشافعية والحنبلية: يقوم التيمم مقام ما ذكر عند العذر كما يقوم مقام الغسل المفروض للضرورة (قال) الشيخ منصور ابن إدريس: ويسن التيمم- لعذر يبيحه- لما يسن له الوضوء كالقراءة والذكر والآذان، ورفع الشك والكلام المحرم (1).

8 -

كيفية الغسل - الغسل مجزئ وكامل (أ) فالجزيء هو المشتمل على الفرائض والواجب وهو التسمية عند الحنبلية. وكيفيته: أن يزيل ما على جسده من نجاسة أو غيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة إن كان، ويعمم جسده بالماء على ما تقدم ناوياً لزوماً عند غير الحنفيين ومسمياً عند الحنبلية.

(ب) والكامل. هو المشتمل على الفرائض والسنن والمندوبات. وكيفيته: أن ينوي المغتسل بقلبه رفع الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة ونحوها. ثم يقول باسم الله والحمد لله. ثم يغسل كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى. ثم يتوضأ وضوءه للصلاة على ما تقدم. ثم يدخل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه

(1) انظر صفحة 113 ج 1 كشاف القناع (الاغسال المستحبة).

ص: 370

ولحيته. ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. ثم يفيض الماء على سائر جسده يبدأ بالشق الأيمن. ثم الأيسر. يتوعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الآليين (1) وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك- فيوصل الماء إلى جميع ذلك- ويدلك ما تصل إليه يداه من بدنه (وإن) كان يغتسل في نهر أو نحوه انغمس حتى يصل الماء إلى جميع بشرته وشعره ظاهره وباطنه وأصول منابته (ويستحب) أن ينوي الغسل من أول شروعه فيه ويستصحب النية إلى الفراغ منه. ويكفي الظن في تعميم الجسد بالماء. ثم يتحول من مكان غسله فيغسل قدميه إن لم يكن غسلهما أولاً.

(ودليل) ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثلاثاً ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه. أخرجه الشيخان. وفي رواية لهما: ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات (2){348} .

(وعن) ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً. ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده أرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده فذكرت

(1)(الآليين) بحذف التاء على غير قياس وبإثباتها في لغة على القياس.

(2)

انظر صفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (استبرأ) أي أوصل الماء إلى البشرة وكذا (أروى).

ص: 371

ذلك لإبراهيم (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي (1){349} .

(وأجمع) حديث في كيفية غسل الحائض والنفساء "حديث عائشة" أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن غسل المحيض فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. قالت أسماء وكيف تطهر بها؟ قال سبحان الله تطهري بها. فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك تتبعي أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة. قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحساء أن يتفقهن في الدين. أخرجه مسلم (2){350} .

(وفي) الحديث دليل على أنه يسن في حق المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئاً من مسك وتضعه في قطنة أو خرقة وتدخله فرجها بعد الغسل، ومثلها النفساء.

(1) انظر صفحة 12 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابة). وصفحة 177 ج 1 بيهقي (إفاضة الماء على سائر الجسد)(ثم ضرب بيده الأرض .. ) فيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب عقب الاستنجاء باناء لكمال الانقاء (فذكرت ذلك لإبراهيم) في رواية البيهقي قال الاعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إنما كره ذلك مخافة العادة اهـ أي قال سليمان الاعمش ذكرت لإبراهيم التيمي رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنديل. فقال: لا بأس بالتمسح بالمنديل، وإنما رده صلى الله عليه وآله وسلم مخافة أن يصير عادة.

(2)

انظر صفحة 334 ج 2 تيسير الوصول (غسل الحائض والنفساء)(فتطهر) أي تتوضأ. و (شئون رأسها) أصول شعرها. و (فرصة) بكسر فسكون، أي قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. و (ممسكة) أي مطيبة بالمسك. و (تخفي ذلك) أي تسربه إليها.

ص: 372

فإن لم تجد مسكاً استعملت أي طيب وجدت (والحكمة) في ذلك تطيب المحل ودفع الرائحة الكريهة.

9 -

مقدار ماء الغسل: لم يرد في ذلك تحديد صريح، لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ولكن يطلب التوسط والاعتدال (والمقدار) المجزئ في ذلك ما يحصل به تعميم أعضاء الوضوء والبدن في الغسل على الوجه المعتبر شرعاً. وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه. فمتى حصل ذلك تأدى الواجب. وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أو يتوضأ به بقدر معلوم (ويستحب) ألا ينقص في الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مد. وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة. وذلك لاختلاف الأوقات والحالات. (روي) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد. أخرجه الشيخان وأبو داود (1){351} .

(وعن) عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك. أخرجه مسلم (2){352} .

(وفي هذا) رد علي ابن شعبان المالكي وبعض الحنفيين في تقديرهم الوضوء بالمد والغسل بالصاع تمسكاً بظاهر حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه (3){353} .

(1) انظر صفحة 312 ج 2 تيسير الوصول (مقدار الماء). أي في الغسل والوضوء.

(2)

انظر صفحة 5 ج 4 نووي مسلم (القدر المستجب من الماء في الغسل).

(3)

انظر صفحة 125 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 312 ج 2 تيسير الوصول.

ص: 373

(وحمل) الجمهور هذا على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصحابة قدرهما بذلك (وهذا) إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضاً في حق من يكون خلقه معتدلاً.

(فائدتان)(الأولى) الصاع مكيال يسع أربعة امداد بمد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والمد) مختلف فيه (فقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف: هو رطل وثلث رطل عراقي فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثاً (وقال) أبو حنيفة ومحمد: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال (والرطل) العراقي عند الحنفيين ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف. وبه يقول الرافعي من الشافعية (وقالت) الحنبلية: هو ثمانية وعشرون ومائة درهم وأربعة أسباع درهم. ورجحه النووي (وقالت) المالكية هو ثمانية وعشرون ومائة درهم (1).

(الثانية) دلت أحاديث المبحث على كراهة الإسراف في الغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد (وقد) أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء. ولو كان على شاطئ النهر (والأظهر) عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه ما لم يؤد إلى ضرر أو ضياع مال وإلا فيحرم (وقال) الحنفيون: الإسراف مكروه تحريماً لو تطهر بماء مباح أو مملوك. أما الموقوف على الطهارة ومنه ماء المساجد، فالإسراف فيه حرام كما تقدم (2). هذا ويتصل بالغسل أمران:

1 -

ما يحرم على الجنب

يحرم على الجنب (أ) ما يحرم على المحدث حدثاً أصغر وهو الصلاة والطواف

(1) انظر أدلة كل وبيان أن الخلاف لفظي في "باب ما يجزيء من الماء في الوضوء" من المنهل العذب المورود ص 303 ج 1.

(2)

تقدم ص 254.

ص: 374

ومس القرآن وحمله الا بغلاف منفصل (ب) ويحرم عليه أيضاً قراءة شيء من القرآن بقصده ولو بعض آية (لقول) عبد الله بن سلمة: دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان ثم دخل المخرج فقضى حاجته ثم خرج فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن قال فكأنه رآنا أنكرنا ذلك ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود (1){354} .

(وعن) ابن عمر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي (2){355} .

وفي سنده إسماعيل بن عياش. وروايته عن الحجازيين ضعيفة. وهذا منها.

(وبهذا) قال جمهور الصحابة والتابعين والائمة الأربعة إلا أن الأصح عند الحنفيين جواز القراءة بقصد الذكر أو الثناء أو الدعاء أو افتتاح أمر إن اشتمل على ذلك (وجوز) المالكية القراءة للجنب للتعوذ والرقية والاستدلال (وجوز) الشافعية القراءة بقصد الذكر لا بقصد التلاوة (وجوز) أحمد قراءة بعض آية غير طويلة ومثل الجنب في ذلك الحائض، إلا أن المالكية أجازوا لها قراءة القرآن ما لم ينقطع الدم مخافة النسيان لطول مدة الحيض بخلاف الجنابة (وذهب) ابن عباس وابن المنذر والظاهرية إلى جواز قراءة الجنب والحائض

(1) انظر رقم 9983 صفحة 453 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. من قراءة القرآن. وصفحة 301 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يقرأ القرآن) و (المخرج) موضع قضاء الحاجة. و (الجنابة) خبر ليس واسمها ضمير يعود على البعض المفهوم من شيء أي ليس بعض الشيء الجنابة.

(2)

انظر صفحة 120 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 52 ج 1 مجتبي (حجب الجنب).

ص: 375

(لقول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه. أخرجه مسلم والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذي في العلل (1){356} .

(والقرآن) ذكر ولأن الأصل عدم التحريم (لكن) هذا مردود بما تقدم من الأدلة (والمراد) بالذكر في حديث عائشة ما عدا القرآن، جمعاً بين الروايات.

(جـ) ويحرم على الجنب دخول المسجد ولو عبورا بلا مكث إلا لضرورة (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب. أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ (2){357} . وفي سنده (أ) أفلت بن خليفة وثقه ابن حبان وقال أحمد لا بأس به. وروي عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وهو مشهور ثقة (ب) وجسرة بنت دجاجة قال العجلي تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. وإذا صحح الحديث ابن خزيمة وحسنه ابن القطان وسكت عليه أبو داود فلا حجة لابن حزم في رده.

(وبهذا) قال الحنفيون والمالكية، لإطلاق الأحاديث (ومحله) إن لم يكن ثمة ضرورة. فإن كانت كأن يكون باب البيت إلى المسجد ولم يمكن تحويله

(1) انظر رقم 7026 صفحة 214 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(2)

انظر صفحة 309 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يدخل المسجد). و (شارعة) أي أبوابها مفتحة (في المسجد).

ص: 376

ولا السكنى في غيره، فلا مانع من دخوله دفعاً للحرج (ولقول) يزيد بن أبي حبيب: إن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: (ولا جنباً إلا عابري سبيل). أخرجه ابن جرير الطبري (1){36} .

(ولو أجنب) في المسجد تيمم وخرج من ساعته إن لم يقدر على استعمال الماء. وكذا لو دخله جنباً ناسياً ثم تذكر. وإن خرج مسرعاً بلا تيمم جاز. وإن لم يقدر على الخروج تيمم ومكث، ولكنه لا يصلي به ولا يقرأ. وقالوا في قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل) من آية 43 - النساء. معناه ولا عابري سبيل على حد قوله تعالى:(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ) من آية - 92 - النساء. أي ولا خطأ (وقال) ابن مسعود وابن عباس والشافعية والحنبلية يجوز المرور للجنب في المسجد بوضوء وبغيره ولو لغير حاجة لقوله تعالى: (ولا جنباً الا عابري سبيل) والعبور إنما يكون في محل الصلاة. وحملوا الاحاديث السابقة على منع المكث فقط، للاية المذكورة (ولقول) جابر: كنا نمر في المسجد ونحن جنب. أخرجه ابن المنذر (2){37} .

(وعن) زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب. أخرجه ابن المنذر (3){38} .

(ومثل) الجنب في ذلك الحائض ان امن التلويث بمرورها (وأجاب) الاولون عن الاية بما تقدم او بحملها هي وحديث عائشة على حالة الضرورة كما يدل

(1) انظر صفحة 64 ج 5 تفسير الطبري (القول في تأويل قوله: ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).

(2)

انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد).

(3)

انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد).

ص: 377

أثر يزيد بن ابي حبيب جمعاً بين الادلة (وقالت) الحنبلية واسحاق يجوز للجنب المكث في المسجد بالوضوء (لقول) زيد ابن اسلم: كان اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء. وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث. أخرجه حنبل بن اسحاق من أصحاب أحمد (1){39} .

وهذا اشارة الى أن هذا كان من الكل فكان اجماعاً (وقال) عطاء بن يسار: رأيت رجالاً من اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون اذا توضئوا وضوء الصلاة. أخرجه سعيد بن منصور والاثرم بسند صحيح (2){40} .

(ورد) بأن الأثرين ضعيفان فإن في سنديهما هشام بن سعيد. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه ابن معين وأحمد والنسائي. وعلى تسليم الصحة لا يكون ما وقع من الصحابة حجة "ولا سيما إذا خالف الممنوع" إلا أن يكون اجماعاً.

(فائدة) ذكر أبو العباس بن القاص وبعض الفقهاء: أن من خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز مكثه في المسجد مع الجنابة ومثله سيدنا علي كرم الله وجهه (لما روي) على بن المنذر بالسند إلى أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعلي: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك. أخرجه الترمذي وقال: حسن

(1) انظر صفحة 138 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد).

(2)

انظر صفحة 111 ج 1 كشاف القناع (فصل: من لزمه الغسل حرم عليه الاعتكاف).

ص: 378

غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث واستغربه (1){358} .

(ورد) بأنه ضعيف لا يحتج به ولا تثبت به الخصوصية. وتحسين الترمذي له غير مسلم، لأن مداره على سالم بن أبى حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان جداً شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث. وقد أجمع العلماء على تضعيف سالم وغلوه في التشيع (2).

2 -

دخول الحمام

الحمام- بشد الميم- مؤنث وقد يذكر وهو مكان معد للغسل يجوز دخوله للرجال إذا أمن النظر إلى العورة وكشفها، ولا يجوز للنساء الا للضرورة مع غض البصر وستر العورة (لحديث) عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. ومن كانت تؤمن بالله واليوم الأخر، فلا تدخل الحمام. أخرجه أحمد وفيه أبو خيرة قال الذهبي لا يعرف (3){359} .

(وقالت عائشة): نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال والنساء عن دخول الحمام. ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المازر ولم يرخص للنساء. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وفي سنده أبو عذرة مجهول وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم (4){260} .

(1) انظر صفحة 330 ج 4 تحفة الاحوذي (مناقب علي).

(2)

انظر صفحة 162 ج 2 مجموع النووي (مكث الجنب في المسجد).

(3)

انظر صفحة 150 ج 2 - الفتح الرباني (حكم دخول الحمام).

(4)

انظر صفحة 149 ج 2 - الفتح الرباني (حكم دخول الحمام). وصفحة 338 ج 2 تيسير الوصول (الحمام). وصفحة 20 ج 4 تحفة الاحوذي (دخول الحمام).

ص: 379

(وقالت) لنسوة دخلن عليها من نساء الشام: لعلكن من الكورة التي يدخل نساؤها الحمام؟ قلن نعم. قالت أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها الا هتكت ما بينها وبين الله من حجاب. أخرجه أبو داود والترمذي بسند رجاله رجال الصحيح وحسنه الترمذي (1){361} .

(وشدد) في أمر النساء، لأنه مبني على المبالغة في الستر (وعن) عبد الله ابن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار. وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء. أخرجه أبو داود. وفي سنده عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم تكلم فيه غير واحد (2){362} .

(وقال) المنذري: أحاديث الحمام كلها معلولة. وإنما يصح منها عن الصحابة أي إنما صح منها الموقوف. ومنه ما روي عن علي وابن عمر قالا: بئس البيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء هذا والمعول عليه أن دخوله في زماننا حرام للرجال وللنساء، لتحقق كشف العورة منهن ومن فسقة الرجال، ولما فيه من كثير من المفاسد. فقد خلعن برقع الحياء لدخولهن الحمام مكشوفات العورات. وإن قدر أن امرأة منهن سترت شيئاً من عورتها عبن ذلك عليها وأسمعنها

(1) انظر صفحة 338 ج 2 تيسير الوصول (الحمام). و (الكورة) بضم الكاف البلد او الناحية. وفي رواية ابن ماجه من أهل حمص وهي بلدة في الشام (والا هتكت) لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من ان يراها اجنبي فليس لهن ان يكشفن عورتهن حتى في الخلوة الا عند ازواجهن فاذا كشفت عورتها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر التي أمرها الله به. انظر صفحة 69 ج 4 عون المعبود.

(2)

انظر صفحة 39 ج 4 سنن أبي داود (الحمام).

ص: 380

قوارص الكلام حتى تزيل السترة. (وهناك) محرم آخر أشد وهو رؤية اليهودية والنصرانية عورة المسلمة. ونظر الذمية إلى بدن المسلمة حرام كنظر الأجنبي لها. فلا يجوز لمسلم أن يأذن لأحد من أهله في دخول الحمام إلا إذا كانت خلوة لا ترى فيها المرأة ولا يدخل عليها أحد. وهذا متعسر بلا متعذر. وبيت المرأة هو الحصن والستر المنيع المانع لها من المفاسد "روي" ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وإنها "أقرب ما تكون إلى الله تعالى وهي في قعر بيتها". أخرجه الطبراني في الكبير. ورجاله موثقون (1){363} .

(والمرأة) إذا أرادت دخول الحمام تأخذ أفخر ثيابها وأنفس حليها وتتبرج وتتزين بعد الغسل. فإذا ما رأتها امرأة أخرى اقل منها شأناً في ذلك طالبت زوجها بمثله وقد يكون معسراً لا قدرة له على إجابة طلبها، فتتولد المفاسد والشحناء وتتزايد البغضاء (وليحذر) الرجل أيضاً من دخول الحمام، لأن الفسقة- وكثير ما هم- لا يتورعون عن كشف العورة داخل الحمام. ولا يجوز اجتماع مستور العورة مع مكشوفها تحت سقف واحد (فمن) علم أو ظن شيئاً من هذه المفاسد حرم عليه دخوله ومن توهم كره له (أما) من أمكنه غض بصره بحيث لا يرى عورة أحد ولا يكشف عورته لأحد ولا يقر منكراً، فيباح له دخوله. (ويجوز) للحمامي أخذ أجرة الحمام وان لم يعلم مقدار ما يستعمل من الماء ولا مقدار المكث فيه، لأن جهالة المنفعة في مثل هذا مغتفرة للتعارف وإن كان القياس يأباه، لوروده على إتلاف العين مع الجهالة.

(1) انظر صفحة 35 ج 2 مجمع الزوائد (خروج النساء إلى المساجد).

ص: 381