المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - الدباغ - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌3 - الدباغ

‌3 - الدباغ

بكسر الدال مصدر دبغ- من بابي نصر وكتب- ويطلق على ما يدبغ به. والمراد هنا تطهير الجلد بما يزيل منه النتن والرطوبة ويمنع عود الفساد له إذا استعمل في الماء. هذا وجلد الميتة يطهر بالدبغ وينتفع به عند الجمهور لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر" أخرجه الشافعي والسبعة إلا البخاري، وقال الترمذي: حسن صحيح (1){27} .

والإهاب: الجلد إذا لم يدبغ (وفيما يطهر) بالدبغ ستة أقوال.

1 -

(قال) الحنفيون: كل جلد دبغ بما يمنع النتن والفساد يطهر ظاهرا وباطنا، فيصح الوضوء منه والصلاة فيه وعليه.

(واستثنوا) من ذلك (أ) مالا يحتمل الدباغ كجلد الحية والفأرة والطيور، فلا يطهر بالدبغ لعدم إمكانه. (ب) وجلد الخنزير لأنه نجس العين. لقوله تعالى:(قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس)(145) سورة الأنعام، بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه. فإذا لم تقده الحياة الطهارة، فالدباغ أولى.

(1) انظر ص 23 ج 1 بدائع المنن. وص 230 ج 1 - الفتح الرباني. وص 53 ج 4 نووي مسلم (طهارة جلود الميتة بالدباغ) وص 191 ج 2 مجتبي (جلود الميتة) وص 66 ج 4 سنن أبي داود (أهب الميتة) ولفظه إذا دبغ الإهاب. وص 198 ج 2 - ابن ماجه (ليس جلود الميتة إذا دبغت) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت).

ص: 170

(وما يطهر به) يطهر بالذكاة الشرعية وهي الصادرة من ذي دين سماوي غير محرم ولا متعمد ترك التسمية، فذكاة المجوسي والمحرم بحج أو عمرة وتارك التسمية عمدا، غير مطهرة.

2 -

وقالت الشافعية: كل جلد يطهر بالدباغ، لما تقدم.

"واستثنوا" من ذلك (أ) جلد الخنزير، لما تقدم (ب) جلد الكلب قياسا عليه بجامع النجاسة في كل (جـ) جلد ما تولد من أحدهما مع حيوان آخر (1).

3 -

والمشهور عن مالك أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لكن يجوز استعماله في اليابس والماء دون غيره من المائعات، لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه.

4 -

والمشهور عند الحنبلية أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ولا يستعمل. واستدل المالكية والحنبلية بحديث عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إلى جهينة: اني كنت رخصت لكم في جلود الميتة. فإذا جاءكم كتابي هذا، فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه الدارقطني (2){28} .

(وعنه) قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل وفاته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه أحمد والأربعة ولم يذكر الشهر إلا أحمد وأبو داود (وذكر) الترمذي في رواية قبل وفاته بشهرين وقال هذا حديث حسن (3){29} .

(1) انظر ص 217 و 221 ج 1 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 78 ج 1 نيل الأوطار (نسخ تطهير الدباغ) و (الأهاب) الجلد ما لم يدبغ (والعصب) بفتحتين، العروق التي تشد المفاصل.

(3)

انظر ص 237 ج 1 - الفتح الرباني. وص 67 ج 4 سنن أبي داود (من روى أن لا ينتفع باهاب الميتة) وص 192 ج 2 مجتبي (ما يدبغ به جلود الميتة) وص 198 ج 2 سنن ابن ماجه (لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت- أبواب اللباس).

ص: 171

(وقال) كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: كان آخر أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم وقال عن عبد الله ابن عكيم عن أشياخ من جهينة.

(قالوا) هذا الحديث ناسخ للأحاديث السابقة لأنه كان قبل الموت بشهر أو شهرين (وأجاب) الجمهور عنه (أ) بأنه حديث ضعيف لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس بصحابي فهو مرسل لعدم سماع ابن عكيم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومنقطع لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من ابن عكيم. ومضطرب سندا ومتنا (1). وروى عن مشيخة مجهولين لم تثبت صحبتهم. وتحسين الترمذي له غير مسلم فقد بين هو وغيره وجه ضعفه فلا يقاوم الأحاديث السابقة لصحتها واشتهارها. (ب) وبأنه لا نسخ لإمكان الجمع بأن الإهاب الجلد قبل دباغة (قال) أبو داود: فإذا دبغ لا يقال له أهاب إنما يسمى شنا وقربة فلا يعارض الأحاديث السابقة فإن النهي فيه لما قبل الدباغ، والإباحة في غيره لما بعد الدباغ.

(1) فقد رواه الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عكيم. ورواه خالد الحذاء عن الحكم وقال: أنه لم يسمعه من ابن عكيم ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا وأخبروه كما في سند لأبي داود. وتارة رواه عن مشيخة من جهينة وتارة عمن قرأ الكتاب. (أما) اضطراب المتن فرواه الأكثر من غير تقييد بمدة. ومنهم من رواه بتقييد شهر أو شهرين أو أربعين يوما أو ثلاثة أيام. أنظر ص 79 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في نسخ تطهير الدباغ).

ص: 172

5 -

(وقال) الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض الحنبلية: يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره. لحديث ابن عباس أن داجنا لميمونة ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألا انتفعتم باهابها؟ ألا دبغتموه؟ فإنه ذكاته. اخرجه أحمد (1){30} .

6 -

(وقال) داود والظاهري وسحنون وابن الحكم: يطهر جلد الميتة مطلقا بالدبغ وروى عن أبي يوسف لعموم الأحاديث السابقة. فيجوز استعماله في اليابسات والمائعات، لا فرق بين ماء وغيره. وهذا هو الراجح، لأن الأحاديث لم يفرق بين مأكول اللحم وغيره.

هذا (واحتجاج) الشافعية بقوله تعالى: "أو لحم خنزير فإنه رجس" على إخراج الخنزير، وقياس الكلب عليه (لا يتم) إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون المضافن وهو محل نزاع، ولا أقل من الاحتمال أن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحا. والمحتمل لا يكون حجة على الخصم. وأيضا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير- على تسليم شمولها لجميعه لحما وشعرا وجلدا وعظما- مخصصة بأحاديث الدباغ (2).

(مسائل): 1 - لو دبغ الجلد بنجس أو بمجتنس أو بماء نجس فهل يحصل به الدباغ؟ فيهوجهان أصحهما الحصول، لأن الغرض تطيب الجلد وإزالة الفضول

(1) انظر ص 232 ج 1 - الفتح الرباني. و (الدواجن) في الأصل، المقيم بالمكان، ومنه الشاة إذا ألفت البيت.

(2)

انظر ص 76 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في تطهير الدباغ).

ص: 173

وهذا حاصل بالنجس كالطاهر ويجب غسله بعد الدباغ ولو دبغه بطاهر لا يجب غسله على الأصل.

2 -

لا يفتقر الدباغ إلى نية ولا إلى فاعل فلو أطارت الريح جلد ميتة فألقته في مدبغة فاندبغ صار طاهرا.

3 -

لو أخذ شخص جلد ميتة لغيره فدبغه طهر. ولمن يكون؟ "قيل" يكون لدبغ "وقيل" لصاحب الميتة لتقدم حقه. والأصح أنه إن كان صاحبها رفع يده عنها ثم أخذه الدابغ فهو له وإن كان غصبه للمغصوب منه (1).

4 -

أجمع العلماء على أنه لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة إذا لم يدبغ. وعليه يحمل النهي في حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "نهى عن جلود السباع" أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم. وزاد الترمذي: أن تفترش (2){31} .

(وعن) المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال نعم. أخرجه أبو داود والنسائي بسند صالح (3){32} .

(دل) الحديثان على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها (وقد) اختلف في حكمة النهي (فقال) البيهقي: يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من

(1) انظر ص 235 ج 1 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 69 ج 4 سنن أبي داود (جلود السباع) وص 192 ج 2 مجتبي (النهي عن الانتفاع بجلود السباع) وص 66 ج 3 تحفة الأحوذي (في النهي عن جلود السباع).

(3)

انظر ص 68 ج 4 سنن أبي داود (جلود النمور والسباع) وص 192 ج 2 مجتبي.

ص: 174