المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالىمن واجب ومستحيل وجائز - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالىمن واجب ومستحيل وجائز

أن يعتقدها. فيجب عليه أن يعرف الصفات الواجبة لله تعالى والمستحيلة والجائزة فى حقه تعالى. وأن يعرف الصفات الواجبة للأنبياء والرسل والمستحيلة عليهم والجائزة فى حقهم عليهم الصلاة والسلام. وأن يعرف ما جاء فى الكتاب والسنة من أحوال الموت والقبر وما بعدهما. ومن لم يعرف ذلك فليس بمسلم ويخلد فى نار جهنم (والمعرفة) هى الإدراك الجازم المطابق للواقع عن دليل (والواجب) الأمر الثابت الذى لا يقبل الانتفاء ككون الجسم متحركا أو ساكنا وكونه صغيرا أو كبيرا وكونه ناعما أو خشنا. ونحوه ما لابد للجسم متحركا ساكنا أو طويلا قصيرا، أو حيوانا جمادا فى آن واحد (والجائز) ما يقبل الثبوت والانتفاء ككون الجسم صغيرا فى وقت كبيرا فى وقت آخر، وكونه قصيرا فى وقت طويلا فى آخر، وكونه حيا فى وقت ميتا فى آخر.

هذا. والكلام هنا فى ثلاثة أصول: إلهيات، ونبويات، وسمعيات.

(1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالى

من واجب ومستحيل وجائز

(أ) الواجب فى حقه تعالى: يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بالصفات الجليلة القديمة الثابتة بالأدلة التفصيلية وهى ثلاث عشرة:

1 -

الوجود - فهو تعالى موجود بلا ابتداء قبل وجود جميع الحوادث من عرش وكرسى وسموات وسائر العالم (والدليل) على ذلك خلقه تعالى السموات وما فيها من الكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والرمال والأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجمادات، لأن الصنعه لابد لها من صانع

ص: 15

موجود. وقد قال الله عز وجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (62) غافر. وقال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} (1) الأنعام. وقال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} أى خلق كل شئ فسوى خلقه. وقال {أقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق} وقال {وخلق كل شئ فقدره تقديرا} (2) الفرقان. ومن البدهى أن موجد الشئ لا يكون معدوما، لأن المعدوم لا يعطى الوجود.

2 -

القدوم - ومعناه انه لا لأول لوجوده تعالى، وأنه لم يسبقه عدم، لقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (62) الزمر. إذ معناه أن كل شئ غير الله مخلوق لله، فلا يجوز أن يكون غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتجا لغيره كيف وهو ذو الغنى غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتاجا لغيره كيف وهو ذو الغنى المطلق. وفقر كل شئ إليه محقق؟ (وعن عمران) بن حصين رضى الله عنه قال: انى عند النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذ جاءه قوم من من بنى تميم فقال " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن. فقال:" اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا: قبلنا. جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال قال: كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شئ " أخرجه البخارى (1){13} .

(1) ص 317 ج 13 فتح البارى (وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم) و (أقبلوا البشرى) المراد بها أن من أسلم نجا من الخلود فى النار ثم يجازى على وفق عمله. وذكر بعضهم فى هذا الحدث " كان الله ولا شئ معه وهو الأن على ما عليه كان " وهى زيادة ليست فى شئ من كتب الحديث. ذكره العينى على البخارى. فى بدء الخلق (وكان عرشه على الماء) أى لم يكن تحت العرش الا الماء الذى خلق قبله (وكتب فى الذكر كل شئ). أى قدر كل الكائنات وأثبتها فى اللوح المحفوظ.

ص: 16

3 -

البقاء - ومعناه أنه لا انتهاء لوجوده تعالى، وانه لا يلحقه عدم، لقوله تعالى:(ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(27) الرحمن، وقوله:(كل شئ هالك إلا وجهه)(88) القصص، ولأن من ثبت قدمه استحال عدمه. فهو الأزلى القديم بلا بداية والأبدى الباقى بلا نهاية (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم)(3) الحديد.

4 -

مخالفته تعالى للحوادث - ومعناها عدم مماثلته لشئ منها لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال، لقوله تعالى:(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)(11) الشورى، ولأنه لو ماثل شيئا منها لكان حادثا مثلها. والحدوث مستحيل فى حق الخالق عز وجل.

5 -

قيامه تعالى بنفسه - ومعناه أنه تعالى موجود بلا موجد وغنى عن كل ما سواه، وانه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، لقوله تعالى:(يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد)(15) فاطر، وقوله تعالى:(والله الغنى وأنتم الفقراء)(38) محمد، ولأنه لو احتاج إلى شئ لكان حادثا وحدوثه محال لما تقدم فاحتياجه محال.

6 -

الوحدانية فى الذات والصفات والأفعال - ومعناها أن ذاته ليست مركبة، وليس لغيره ذات تشبه ذاته، وانه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها اختياريها واضطراريها مخلوقة لله وحده بلا شريك ولا معين. قال الله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (163) البقرة، وقال:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (22) الأنبياء، وقال:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) الصافات، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ

ص: 17

عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (3) فاطر، وقال تعالى:(قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) أى قل يأيها النبى - لمن سألك عن صفة ربك جل وعلا - هو المعبود بحق المتصف بكل صفات الكمال، الواحد فى ذاته وصفاته وأفعاله، المقصود فى قضاء حوائج الخلق على الدوام، الذى ليس بوالد ولا مولود ولا شبيه له ولا نظير.

(دلت) السورة على أمور:

(أ) إثبات ألوهية الله تعالى المستلزمة لا تصافه بكل صفات الكمال كالعلم والقدرة والإرادة.

(ب) إثبات أحديته الموجبة تتنزهه تعالى عن التعدد والتركيب وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة فى الخلقه وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة.

(جـ) إثبات صمديته تعالى المقتضية استغناءه عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه فى الوجود والبقاء وسائر الأحوال.

(د) إبطال زعم من زعم أن له ولدا كاليهود والنصارى بقوله: (لم يلد) لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد ولا يجانس أحدا، ولا يفتقر إلى من يعينه أو يخلفه لا متناع احتياجه وفنائه.

(هـ) إثبات قدمه بقوله: (لم يولد) أى لم يفصل عن غيره. وهذا لا نزاع فيه. وإنما ذكر لتقرير ما قبله إذ المعهود أن ما لا يولد لا يلد.

(و) نفى مماثلة شئ له تعالى فى أى زمان كان " ومن زعم " أن نفى الكفء فى الماضى لا يدل على نفيه فى الحال والكفار يدعونه " فقد غفل " لأن ما لم يوجد فى الماضى لا يكون فى الحال ضرورة أ، الحادث لا يكون كفئا للقديم.

ص: 18

7 -

الحياة - وهى صفة قديمة قائمة بالذات العلية تصحح لموصوفها الاتصاف بالعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر، وما إلى ذلك من الصفات الأئقة به تعالى (وحياته) ليست بروح. ودليلها قوله:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} (2) آل عمران، وقوله:{وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ} (111) طه، وقوله:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (58) الفرقان.

8 -

العلم - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود: واجبا كان أو جائزا، وبكل معدوم: مستحيلا كان أو ممكنا. فهو تعالى يعلم وجود ذاته وصفاته وأنها قديمة لا تقبل العدم. ويعلم أنه لا شريك له، وأن وجود الشريك محال. ويعلم جواز حدوث الممكن وعدمه. ويعلم فى الأزل عدد من يدخل الجنة ومن يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد فى ذلك العدد ولا ينقص منه. ويعلم أفعالهم وكل ما يكون منهم. ويعلم أنه عالم بكل الأمور لا تخفى عليه خافية. قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} (14) الملك، وقال:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (98) طه. وقال: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} (12) الطلاق، وقال:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} (255) البقرة، وقال:{هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة} (22) الحشر، وقال:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (19) غافر، وقال:{إن الله بكل شئ عليم} (75) الأنفال.

(وعن) ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفى يده كتابان، فقال:" أتدرون ما هذان الكتابان " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذى فى يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على أخرهم،

ص: 19

فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " وقال للذى فى شماله: " هذا كتاب من رب العالمين. فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم اجمل على أخرهم فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله أن كان الأمر قد فرغ منه؟ قال: " سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أى عمل. وان صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وان عمل أى عمل " ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " بيديه فنبذهما " ثم قال: " فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير " أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث حسن غريب صحيح (1){14} .

ولأنه تعالى لو لم يكن عالما لكان جاهلا، ولو كان جاهلا لكان حادثا، وحدوثا محال لما سبق. فالجهل عليه تعالى محال.

هذا. وعلم الله تعالى ليس كسبيا ولا يوصف بكونه ضروريا أو نظريا أو بديهيا أو يقينيا أو تصوريا أو تصديقيا، لأنه صفة قديمة لا تعدد فيها ولا تكثر.

9 -

الإرادة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه كوجود المخلوق فى زمن دون غيره. وفى مكان دون آخر وهكذا، لقوله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص، وقوله تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} (49) الشورى، وقوله تعالى:(فعال لما يريد)(16) البروج، وقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ

(1) ص 138 ج 1 - الفتح الربانى. وص 169 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (اجمل) الحساب جمع آحاده وكمل أفراده. والمراد احصاهم حتى اتى على آخرهم فلا زيادة ولا نقصان. و " السداد " الصواب فى القول والعمل. والمقاربة القصد فيهما.

ص: 20

لِلإِسْلامِ} (25) الأنعام. وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر} (185) البقرة.

10 -

القدرة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه، لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ} (58) الذاريات. وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} (عجز 50) الروم. وقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً)(45) الكهف. ولأنه لو لم يكن قادرا لكان عاجزا، وعجزه محال، كيف وهو خالق كل شئ.

(تنبيه) علم أن الإرادة والقدرة يتعلقان بكل ممكن من أفعالنا الاختيارية. وما له سبب كالإحراق عند مماسة النار. وما لا سبب له كخلق السماء. وتعلق القدرة فرع تعلق الإرادة الذى هو فرع تعلق العلم إذ لا يوجد الله تعالى شيئا ولا يعدمه إلا إذا أراد وجوده أو إعدامه وقد سبق فى علمه انه يكون أولا يكون.

11 -

السمع - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود واجبا أو ممكنا صوتا أو لونا أو ذاتا أو غيرها، فهو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء فى الليلة الظلماء بلا أذن ول صماخ.

12 -

بصر - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بالذات العلية تحيط بكل موجود - واجبا أو جائزا جسما أو لونا أو صوتا أو غيرها بلا حدقة - إحاطة غير إحاطة العلم والسمع. والدلي على انه تعالى سميع بصير قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (56) غافر. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} عجز 57 الحج و 28 لقمان، ولأنه تعالى لو لم يكن سميعا بصيرا لكان أصم أعمى وهو نقص. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ص: 21

13 -

الكلام - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تدل على كل موجود واجبا أو جائزا، وعلى كل معدوم محالا أو جائزا. وليس كلامه تعالى بحرف ولا صوت، ولا يوصف بجهر ولا سر ولا تقديم ولا تأخير ولا وقف ولاسكوت ولا وصل ولا فصل، لأن هذا كله من صفات الحوادث، وهى محالة علية تعالى. ودليله قوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (164) النساء، ولأنه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى. القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وباقى الكتب المنزلة، تدل على بعض ما يدل عليه الكلام القديم، قال تعالى:{قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (109) الكهف. وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (27) لقمان. وله تعالى صفات غير ذلك كالجلال والجمال والعزة والعظمة والكبرياء والقوة وهى القدرة، والوجه والنفس والعين واليد والأصابع والقدم (1) والمحبة والرضا والفرح والضحك والغضب والكراهة والعجب والمكر ونحو ذلك مما ورد فى الكتاب والسنة. فيجب الإيمان به بلا كيف فنقول: له تعالى يد لا كالأيدى.

ونفوض معرفة ذلك، وتفصيله إلى الله تعالى ولا نؤول أن يده تعالى قدرته أو نعمته وأمثال ذلك، لأن فيه إبطال الصفة التى دل عليها الكتاب والسنة، ولكن نقول يده صفة له بلا كيف وهكذا. وغضبه ومكره واستهزاؤه غير انتقامه وغير إرادة الانتقام. بل من صفاته بلا كيف. وهذا مذهب السلف فى المتشابهات. وبه نقول. وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

هذا ما يلزم اعتقاده ومعرفته تفصيلا من الواجب فى حقه تعالى.

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوى الى بعض (الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى عن أنس [15] ص 240 ج 3 تسير الوصول. وفيه (وقدم رب العزة) كفاية عن اهل النار الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه و (فيزوى) اى يضم ويجمع.

ص: 22

(وأما الواجب معرفته إجمالا فهو أن يعتقد المكلف أن الله تعالى. متصف بكمالات موجودة تليق به تعالى لا نهاية لها يعلمها الله تعالى تفصيلا ويعلم أنها لا نهاية لها، لأنه لو انتفى عنه تعالى شئ من الكمال الذى يليق به لكان ناقصا والنقص محال فى حقه لا ستلزامه الحدوث المحال عليه تعالى.

(ب) المستحيل فى حق الله تعالى: يستحيل فى حقه تعالى بالأدلة التفصيلية السابقة ثلاث عشرة صفة مقابلة للصفات الواجبة له تعالى على الترتيب السابق. وهى العدم والحدوث " وهو الوجود بعد عدم " والفناء، ومماثلته تعالى للحوادث " فى الذات " بأن يكون جسما مركبا أو حالا له شبيه " وفى الصفات " بأن يكون حياته كحياة الحوادث وعلمه كعلمهم وهكذا " وفى الأفعال " بألا يكون مؤثرا فى شئ، وإنما له مجرد الكسب. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فهو لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود، ولا يحده مقدار ولا تحويه أقطار، لقوله تعالى:(ليس كمثله شئ)(ومن المستحيل) فى حقه تعالى احتياجه لموجد أو ذات يقوم بها. والتعدد " فى ذات " بأن يكون مركبا يقبل الانقسام أو يكون هناك ذات كذاته " وفى الصفات " بأن يكون له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، أو يكون لغيره صفة كصفته " وفى الأفعال " بأن يكون لغيره تأثير فى شئ من الأشياء بطبعه أو بقوة مودعه فيه. فليست النار محرقة بطبعها ولا بقوة خلقت فيها. وإنما الخالق للإحراق هو الله تعالى عند خلقه النار. ولو شاء خلق النار دون الإحراق لكان. كما حصل لخليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وليس الماء مرويا بطبعه ولا بقوة خلقت فيه وإنما الخالق للرى الله تعالى عند شرب الماء. وليس الملبوس ساترا وواقيا البرد أو الحر بنفسه ولا بقوة خلقت فيه. بل الخالق لما ذكر هو الله تعالى عند لبس الثياب. فمن يعتقد تأثير شئ من الأسباب فى مسببه بطبعه فهو كافر أو بقوة خلقها الله فيه فهو فاسق. ومن

ص: 23

اعتقد عدم تأثيرها وأن الله هو المؤثر ولكن يستحيل خلق السبب بدون مسببه أو عكسه فهو مؤمن يخشى عليه إنكار معجزات الأنبياء فيكفر، أو إنكار كرامات الأولياء فيفسق.

والاعتقاد الصحيح اعتقاد أن المؤثر فى السب والمسبب هو الله تعالى مع إمكان تخلف أحدهما عن الآخر خرقا للعادة (ومن المستحيل) فى حقه تعالى الموت وما فى معناه كالنوم والإغماء. قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (ومنه) الجهل وما فى معناه كالظن والشك والوهم والغفلة والذهول والنسيان، (ومنه) وجود شئ من الحوادث بلا إرادته تعالى بأن يكون بطريق الطبع أو العلة. فلا يقع فى الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر إلا بقضائه وقدره. (ومنه) العجز عن ممكن ما والصمم وما فى معناه كسمعه الجهر دون السر، وكاختصاصه بالأصوات دون الذوات وسائر الموجودات (ومنه) العمى وما فى معناه كالعشى - بفتحتين مقصورا - وهو عدم الإبصار ليلا - والجهر - بفتحتين وهو عدم الإبصار نهارا (ومنه) البكم وهو الخرس وما فى معناه كالفهاهه والعى والسكوت، وكون كلامه تعالى بحروف وأصوات. هذا ما دلت على استحالة فى حق الله تعالى الأدلة التفصيلية، وهى أدلة الواجب التفصيلى ويجب على كل مكلف أن يعتقد بعد ذلك أن الله تعالى منزه عن كل نقص كما أنه متصف بكل كمال.

(جـ) الجائز فى حق الله تعالى: يجوز فى حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه فهو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والأنعام والإحسان لا عن وجوب ولا إيجاب. فلا يجب عليه شئ مما ذكر. ولا يستحيل عليه تعالى فعل ما يضر عباده، بل يجوز أن يفعله بهم بطريق العدل، إذ للمالك أن يتصرف فى ملكه بما يشاء. فهو الخالق للإيمان والطاعة والسعادة والعافية، وسائر النعم فضلا

ص: 24

منه وإحسانا (1). وهو الخالق للكفر والمعاصى والشقاوة والأمراض والفقر ونحو ذلك عدلا منه فى مملوكه، قال تعالى:{وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} عجز آية (105) البقرة. وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص. وقال: (فعال لما يريد)(16) البروج. وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} (93) النحل. وقال: {من يضلل الله فلا هادى له} (86) الأعراف. وقال: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (23) الأنبياء. فيجوز فى حقه تعالى عقلا (تعذيب) المطيع عدلا منه لأنه الخالق للطاعة مع تنزهه عن الانتفاع بها. وإنما ينتفع بها العبد الذى وفقه الله لكسبها، (وإثابة) العاصى فضلا منه لأنه الخالق للمعصية مع تنزهه عن التضرر بها. وإنما يتضرر بها من خذله الله باكتسابها عدلا منه.

قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49) الكهف. وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) فصلت (2) وقال: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} عجز (384) البقرة. وقال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ

(1) قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) عجز (185) البقرة وقال تعالى (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز آية 31 غافر. وفى الحديث القدسى " يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " أخرجه مسلم عن أبى ذر [16] عجز حديث 782 ص 163 - الاتحافات السنية.

(2)

و (ظلام) صيفة تدل على النسب كتمار، ولبان أى ليس منسوبا للظلم. وليس المراد انتفاء كثرة الظلم عن الله تعالى فحسب بل المراد انتفاء الظلم عنه تعالى وأبلغ منه انتفاء ارادته عنه تعالى كما قال سبحانه (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز 31 غافر.

ص: 25

وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (17) فاطر. وفى الحديث القدسى " يا بنى آدم ما خلقتكم لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستعين بكم من وحدة على أمر عجزت عنه، ولا لجر منفعة، ولا لدفع مضرة. بل خلقتكم لتعبدونى طويلا وتشكرونى كثيرا وتسبحونى بكرة وأصيلا. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، اجتمعوا على طاعتى مازاد فى ذلك ملكى مثقال ذرة. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، أجتمعوا على معصيتى ما نقص ذلك من ملكى مثقال ذرة (1) "{17} وقال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِين} (6) العنكبوت. وهم الفقراء إليه وهو الغنى الحميد (ومن الجائز) رؤيته تعالى بالأبصار وغيرها خرقا للعادة بلا اتصال الأشعة به تعالى ولا كيفية ولا انحصار فى جهة.

قال الله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (23) القيامة. وسيأتى تمامه فى بحث الرؤية إن شاء الله تعالى.

(ومن الجائز) إنزال الكتب وإرسال الرسل مبينين للناس ما نزل إليهم مبشرين الطائعين بالجنة والنعيم، ومنذرين العاصين بالنار والعذاب الأليم. قال تعالى:(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه. وأنزل التوراة والإنجيل (3)(من قبل هدى للناس، وأنزل على عبده الكتاب) وقال: (تبارك الذى الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) النحل. وقال: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (165) النساء.

(1) لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ.

ص: 26

(وعن) أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة" أخرجه أحمد وابن حبان (1)[220].

7 -

هدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوضوء

كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، وربما صلى الصلوات بوضوء واحد (وكان) يتوضأ بالمد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيد منه تارة (وكان) من أيسر الناس صبا لماء الوضوء (وكان) يحذر أمته من الإسراف فيه. وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وفي بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا (وكان) يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث (وكان) يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه. ولا يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان والثلاث، فيمكن فيهما الفصل والوصل، إلا أن هده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان الوصل بينهما كما تقدم عن عبد الله ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة. فعل ذلك ثلاثا. وفي لفظ تمضمض واستنثر بثلاث غرفات (2). فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق (وكان) يستنشق بيده اليمني ويستنثر باليسري (وكان) يمسح راسه كله. وتارة يقبل بيديه ويدبر. والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء، أفرد مسح الرأس. هكذا جاء عنه صريحا.

(1) انظر ص 306 ج 1 الفتح الرباني (فضل الوضوء والمشي إلى المساجد).

(2)

تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق).

ص: 15

ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض راسه ألبته. ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة (ولم يتوتضأ) صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا تمضمض واستنشق. ولم يحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة (وكذلك) كان وضوءه مرتبا متواليا لم يخل به مرة واحدة ألبته (وكان) يمسح على راسه تارة، وعلى العمامة تارة وعلى الناصبة والعمامة تارة (وأما) اقتصاره على الناصية مجردة، فلم يحفظ عنه كما تقدم (وكان) يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفين ولا جوربين. ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين (وكان) يمسح أذنيه مع رأسه.

وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما (ولم) يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية في أوله وقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" في آخره. ومما يقال بعد الوضوء أيضا: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك (ولم) يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة. ولا هو ولا أحد من أصحابه ألبته. ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا باسناد صحيح ولا ضعيف (ولم) يتجاوز الثلاث قط (1).

8 -

كيفية الوضوء

أجمع حديث في هذا ما روى عن سيدنا عثمان وعلي رضي الله عنهما:

(أ) قال حمران بن أبان: دعا عثمان رضي الله عنه بماء فسكب على يمينه فغسله. وفي رواية "فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما" ثم أدخل يمينه في الإناء فغسل كفية ثلاثا. ثم غسل وجه ثلاث مرار، ومضمض واستنشق واستنثر. وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاث مرات. ثم مسح رأسه. وأمر بيديه على ظهر أذنيه. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات. ثم قال: سمعت رسول الله

(1) انظر ص 48 ج 1 زاد المعاد.

ص: 16

صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما، غمر له ما تقدم من ذنبه". وفي روايه "غفر له ما كان بينهما وبين صلاته بالأمس" أخرجه أحمد والشيخان (1)[221].

(ب)(وقال عبد خير): جلس علي رضي الله عنه بعد ما صلى الفجر، ثم قال لغلامه ائتني بطهور، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست ونحن جلوس ننظر إليه. فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه. ثم أخذ بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرار، كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث ثم أدخل يده اليمنى في الإناء

فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى. فعل ذلك ثلاث مرات وفي رواية: فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يديه اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة. وفي رواية "ثبدأ بمقدم راسه إلى مؤخره"، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليمنى، ثم غسلها بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى فغرف بكفه فشرب فضل وضوئه. ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود، والنسائي بسند جديد (2)[222].

(1) انظر ص 6 ج 2 - الفتح الرباني. وص 182 ج 1 فتح الباري (الوضوء ثلاثا ثلاثا). وص 109 ج 3 نووي مسلم (صفة الوضوء وكماله).

(2)

انظر ص 7 ج 2 - الفتح الرباني. وص 26 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. و (الطست) بفتح الطاء فسكون السين المهملتين. وحكي بالشين المعجمة، إناء من نحاس.

ص: 17

9 -

نواقض الوضوء

نواقض جمع ناقض، والمراد به ما يخرج الوضوء عن إفادة المقصود منه، وهو استباحه ما لا يحل بدونه (والناقض) قسمان: حقيقي وهو ما كان حدثا بنفسه وحكمي وهو ما يعد سببا للحدث غالبا.

(فالأول) كل ما خرج من السبيلين على وجه الصحة، سواء أكان معتادا كالبول، أم غير معتاد كالحصاة، نجسا أو غيره كريح من الدبر، لقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط)(1)، وذلك أن الغائط في الأصل المطمئن من الأرض يقصد للحاجة، والمجئ منه ليس ناقضا، فهو كناية عما يلزمه من الخارج (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا ابا هريرة قال: فساء أو ضراط. أخرجه أحمد والشيخان (2)[223].

والحدث يشمل كل خارج من السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك، تنبيها بالأخف على الأغلظ، ومنه:

(أ)"الودي" بسكون الدال المهملة. وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالبا.

(ب)"والمذي" بسكون الذال المعجمة: وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند

(1) سورة المائدة: آية 6.

(2)

انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء من الربح). وص 166 ج 1 - فتح الباري (لا تقبل صلاة بغير طهور). وص 104 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة).

ص: 18

ملاعبة من يشتهي أو النظر إليه والفكر ونحوهما من كل من يؤدي إلى نزول المذي فهما ناقضان للوضوء (لقول) ابن عباس: المني والودي والمذي. أما المني فهو الذي منه الغسل، وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك، أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة. أخرجه البيهقي (1)[21].

(وقال) على كرم الله وجهه: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:"من المذي الوضوء، ومن المني الغسل" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح (2)[224].

وما تقدم ناقض للوضوء اتفاقا (واختلفوا) في القيء والقلس والدم يخرج من الجسد.

(أ)(أما القيء) فقال الحنفيون وأحمد وإسحاق: أنه ينقض الوضوء إذا كان ملء الفم، بأن لم يقدر على إمساكه، سواء أكان ماء أم طعاما لم يتغير أو مرة صفراء أو علقا وهو ما اشتدت حمرته وجمد. وأما ما نزل من الرأس فإن كان علقا لم ينقض، وإن كان سائلا نقض ولو قل (لحديث) معدان ابن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاء فتوضأ. قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت ذلك له، فقال: صدق أنا صببت له وضوءه. أخرجه أبو دواد والترمذي وقال: قد رأى غير واحد من أهل العلم الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد

(1) انظر ص 169 ج 1 سنن البيهقي (المذي والودي لا يوجبان الغسل). و (المذاكير) الذكر والأنثيان.

(2)

انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من المذي). وص 112 ج 1 تحفة الأحوذي (في المني والمذي).

ص: 19