المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذا. ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: هذا. ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن

هذا. ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بصفات الجلال والكمال التى تليق بعظمة تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المطهرة. وأنه تعالى منزه عن كل نقص، وعن مشابهة الحوادث، تعالى الله عن ذلك.

‌المتشابه

أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة، فقد أجمع السلف والخلف رضى الله عنهم على أنها مصروفه عن ظاهرها، لقوله تعالى:(قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى (ثم اختلفوا) فى بيان معانى تلك الآيات والأحاديث (فالسلف) يفوضون علم معانيها إليه تعالى. فيقولون أن الاستواء فى آية {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (5) طه - لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى اله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذى منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على العرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج الى مكان يحل فيه. بل هو غنى عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التى كان عليها (والخلف) يقولون فيها: الاستواء لأنه معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك، ومذهب السلف أسلم، لأنه يحتمل أن الله عز وجل أراد معنى فى الآية غير ما فسرها به الخلف.

(ووجه) صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربى. والقرآن عربى (وحملهم) على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف

ص: 27

(وجود) المشبهة والمجسمة فى زمانهم زاعمين أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول فى الأمكنة. وقد اغتر بعض العوام بقولهم فاعتقدوا أن الله تعالى جالس على العرش وحال فى السماء. فكفروا والعياذ بالله تعالى، والنفس أمارة بالسوء، والشياطين تحسن لها ارتكاب ما تخلد به فى النار (فوجب) عليهم أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة - حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية - بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعلموا عليه ويتركوا الباطل وأهله فلا يكفرون. فجزاهم الله تعالى خير الجزاء (وقد) نقل العلامة أحمد زروق عن أبى حامد أنه قال: لا خلاف فى وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به أهـ (والحاصل) أن الخلف لم يخالفوا السلف فى الاعتقاد وإنما خالفوهم فى تفسير المتشابه للمقتضى الذى حدث فى زمانهم دون زمان السلف كما علمت. بل اعتقادهم واحد، وهو أن الآيات والأحاديث المتشابهات مصروفه عن ظاهرها الموهم تشبيهه تعالى بشئ من صفات الحوادث وأنه سبحانه وتعالى مخالف للحوادث، فليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا مستقر على عرش ولا فى سماء ولا يمر عليه زمان وليس له جهة إلى غير ذلك مما هو من نعوت المخلوقين (فمن اعتقد) وصفه تعالى بشيء منها فهو كافر بإجماع السلف والخلف. نسأل الله تعالى حسن الاعتقاد أن الله تعالى استقر على العرش وحل فى السماء وأنه فى جهة من الجهات، وأن له مكانا ونحو ذلك مما هو من صفات المخلوق (وجود) بعض مؤلفات لبعض من ينتسبون إلى العلم مال وله جهة ويتصف بالتحول والانتقال إلى غير ذلك من الضلال والإضلال.

تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (واطلع) عليها من لا علم عنده بأصول الدين الصحيحة فاعتقد أن ما ذكر فيها حق وعقائد صحيحة، وأعانه على ذلك الاعتقاد المكفر من

ص: 28

كفر قبله بسبب هذا الاعتقاد (ويقولون) لهم: هذه كتب أكابر العلماء المحققين. وهذه العقيدة عقيدة السلف، ومن لم يعتقدها يكون كافرا مخلدا فى النار معطلا لصفات الله غير ذلك من البهتان الفظيع (1)(ومن) جهلهم استدلالهم على دعواهم الباطلة أن الله تعالى استقر على العرش، بقول بعض السلف كمالك بن أنس رضى الله تعالى عنه جوابا للسائل عن معنى (الرحمن على العرش استوى) الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا. ثم أمر به فأخرج. ولا دليل فيها، فان معنى الاستواء معلوم أنه مصرح به فى القرآن. ففى رواية تأتى للشافعى عن مالك (2): الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة يعنى لا نعلم معناه، لأنه لا يعلم معنى المتشابه الا الله تعالى. فهو ناطق بأنه لا يتعرض لبيان معناه لعدم علمه به. فكيف يدعى عليه أنه فسر الاستواء بالاستقرار والجلوس؟ سبحانك هذا بهتان عظيم (والأدهى) دعوى هذه الشرذمة أن من لم يعتقد أن لله تعالى جهة، وأنه فى مكان، فهو كافر لانكاره وجود الله عز وجل. ويقولون لمن حضرهم من العوام بسطاء العقول: اذا كان الله تعالى ليس فى جهة فوق ولا تحت ولا أمام ولا خلف ولا يمين ولا شمال، فهو غير موجود. فيجب الكفر بالاله الذى لا جهة له ولا مكان. (فهذه)(الدعوى) ناطقة بأنهم يعتقدون أن الله تعالى جسم كالأجسام شبيه بالحوادث.

وهو كفر صريح نعوذ بالله تعالى من الكفر وأهله (فقد) عكسوا الحقائق لانعكاس بصيرتهم وفظيع مركب جهلهم. قال الله تعالى (ومن يضلل الله فما له من هاد) عجز (33) الرعد (اذ لو كانوا) يسمعون أو يعقلون وتأملوا

(1) وقد نوه الشيخ الامام فى كتاب " اتحاف الكائنات " عن هذه الكتب وذكر نصوص بعض الائمة المحققين الذين تعرضوا للرد على أربابها وبيان فساد عقيدتهم الزائفة.

(2)

يأتى ص 36 ان شاء الله تعالى (عبارة الفقه الأكبر).

ص: 29

قليلا (لعرفوا) أن (دعواهم) أن الاله القديم يتوقف وجوده على كونه فى جهة من الجهات وله مكان (صريحة) فى اعتقادهم عدم وجود الله سبحانه وتعالى لأنه لا مكان له ولا جهة، مع انه كان موجودا قبل خلق الجهات والأمكنة، وكان موجودا ولا شئ معه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وذلك من صفات الألوهية. كما أن الاحتياج الى المكان والجهة من صفات الأجسام الحادثة. (وكيف) يتوهم من عنده شائبه عقل أن وجود الاله القديم يتوقف على اتصافه 8 بصفات المخلوق. أن هذا لمن أشنع الخبال والبهتان (والأغرب) أنهم يعتقدون أنهم سلفيون وهم كاذبون وبغيهم جاهلون.

(ومن خرافاتهم) دعواهم أن من لم يعتقد أن الله عز وجل جالس ومستقر على العرش أو فى السماء، معطل لصفات الإله (مع العلم) الضرورى أن ذلك ليس من صفات الله تعالى، بل هو ضد صفاته سبحانه وتعالى، ناف للألوهية بالكيلة كما علمت.

(وأما) السلف والخلف فانهم مجمعون على ثبوت صفات الله تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المحمدية. وإنما خلافهم فى تفويض معنى المتشابه وهو مذهب السلف. وفى بيان معناه وهو مذهب الخلف (قال الإمام) السلفى الجليل ابن كثير فى تفسيره ما نصفه: أما قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف فلنا فى هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هنا موضوع بسطها. وإنما نسلك فى هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعى والثورى والليث ابن سعد قديما وحديثا. وهو أمراها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطليل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفى عن الله تعالى، فإن الله لا يشبهه شئ من خلقه و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى. بل الأمر كما قاله

ص: 30

الأئمة. منهم نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه (فمن أثبت) لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى (ونفى) عنه تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى أهـ (وقال) العلامة إسماعيل حقى فى تفسيره روح البيان: من قال أن الله فى السماء، أن أراد به المكان كفر. وان أراد به الحكاية عما جاء فى الظاهر الأخبار لا يكفر، لأنها مؤولة. والأذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات إلا عين التنزيه أهـ (ولذا) لم يتعرض السلف لتأويل المتشابهات لكون العقول إذ ذاك كانت سليمة لا تفهم من المتشابه إلا تنزيه الله عز وجل عن صفات الحوادث. (وتعرض) الخلف للتأويل لفساد عقول كثير من أهل زمانهم ففهموا من ظاهر المتشابهات أن الله سبحانه وتعالى جسم يحل فى العرش أو السماء أو الجهة.

وقد تقدم التنبيه على ذلك (قال) فى روح البيان: يقال لمن قال أن لله تعالى مكانا: أين كان قبل خلق هذه العوالم؟ ألم يكن له وجود متحقق؟ فان قالوا: لا، فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال، فكذلك، لأن الواجب لا يقارن الحادث إلا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته، لكن لا من حيث انه حادث مطلقا بل من حيث أن وجوده مستفاض منه، فافهم أهـ (وقال) أيضا: من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة. ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بأنه تعالى فى كل مكان، ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف أهـ.

(والعلماء) الزائغون عن الحق هم الذين ذمهم الله تعالى بقوله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} (7) آل عمران. وأى فتنة أفظع من كونهم كفروا بالله تعالى

ص: 31

لاعتقادهم أن الله تعالى جالس على العرش أو له مكان أو حل فى جهة زعما منهم أن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على ذلك وكفر بسببهم كثير من جهلة العوام ضعفاء العقول كما شاع وذاع فى كثير من البقاع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

(وقال) البيضاوى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: استوى أمره أو استولى وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف. والمعنى أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذى عناه منزهتا عن الاستقرار والتمكن اهـ.

(وقال) العلامة الخطيب: الله تعالى لا يتصف بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام ولأنه تعالى خلق الأمكنة وهو غير متحيز، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان اهـ.

(وقال) العارف الصاوى فى تفسير قوله تعالى: {يخالفون ربهم من فوقهم} (5) النحل: المراد بالفوقية القهر لا الجهة لأنها مستحيلة عليه تعالى أهـ (وقال) الإمام القرطبى فى تفسير قوله تعالى {أمنتم من فى السماء} (16) الملك: المراد بها توقيره وتنزيه تعالى عن السفل والتحت ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها من صفات الأجسام، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان أهـ.

(وقال): أبو حيان فى تفسيره: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له ولا يشبه بشئ من خلقه ولا يكيف ولا يتحيز ولا تحله

ص: 32

الحوادث أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (3) الأنعام: إنما ذهب أهل العلم إلى الخروج عن ظاهر (فى السموات وفى الأرض) لما قام عليه العقل من استحالة حلول الله تعالى فى الأماكن ومماسة الأجرام ومحاذاته لها وتحيزه فى جهة أهـ.

(وقال) الامام النيسابورى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: يقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة أهـ.

(وقال) عماد الدين الكندى فى تفسير قوله تعالى (وهو الله فى السموات وفى الأرض): حلول الله تعالى فى الأماكن مستحيل، وكذلك ممارسة الأجرام أو محاذاته لها، أو تحيزة فى جهة، لا متناع جواز التغير عليه تبارك وتعالى، وقد استقرت القواعد على أن الله تبارك وتعالى لا يجوز عليه الجهة ولا الظرفية اهـ. بتصرف (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (61) الأنعام: الفوقية تمثيل للقهر لا للقاهر. وما أغبى الحشوية وأجمدهم حيث الترموا فوقية الجهة والجسمية فيمن يستحيل عليه ذلك. فما بالحشوية الا مكايدة المعقول ومكابرة المنقول أهـ.

(وقال) العلامة ابن العادل الدلجى فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} (84) الزخرف: ابن الخطيب: وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر فى السماء، لأنه تعالى بين فى هذه الآية أن نسبته بالهية السماء كنسبته بالهية الأرض. فلما كان الها للأرض مع أنه غير مستقر فيها، فكذلك وجب أن يكون الها للسماء مع انه لا يكون مستقرا فيها أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى (وهو معكم): لابد فيه من التأويل. فاذا جوزنا التأويل فى موضع وجب تجويزه فى سائر المواضه اهـ فيجب التأويل فى آية

ص: 33

{الرحمن على العرش استوى} (5) طه - بصرفها عن ظاهرها. وهو الاستقرار والجلوس. وكذلك سائر المتشابهات من الآيات والأحاديث (وقال) أيضا فى تفسير قوله عز وجل (ءأمنتم من فى السماء) قال ابن الخطيب: هذه الآية لا يمكن اجرؤاها على ظاهرها باتفاق المسلمين، لأن ذلك يقتضى احاطة السماء به من جميع الجوانب، فيكون أصغر منها. والعرش أكبر من السماء بكثير. فيكون حقيرا بالنسبة الى العرش وهو باطل بالاتفاق. ولأنه قال {قل لمن ما فى السموات والأرض؟ قل لله} (13) الأنعام. فلو كان فيهما لكان مالكا لنفسه. فالمعنى اما من فى السماء عذابه. واما من فى السماء سلطانه وملكه وقدرته، كما قال الله تعالى {وهو الله فى السموات وفى الأرض} (3) الأنعام. فان الشئ الواحد لا يكون دفعه فى مكانين. والغرض من ذكره السماء تفخيم فى شرح صحيح البخارى فى تفسير الاستواء على العرش: قالت المجسمة: معناه الاستقرار. وهو قول فاسد، لأن الاستقرار من صفات الأجسام. ويازم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات اهـ.

(وقال) العلامة النووى فى شرح صحيح مسلم: مذهب السلف فى أحاديث الصفات أنه يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى مع اعتقادنا أن الله ليس كمثله شئ وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز فى جهة وعن سائر صفات المخلوق اهـ (وقال) القاضى عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبه فقيههم ومحدشهم ومتكلمهم ومجتهدهم ومقلدهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى كقوله تعالى:{ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض} ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم اهـ (وقال) العلامة الأبى فى شرح صحيح مسلم. قال القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم أنه

ص: 34

تعالى في السماء كقوله تعالى: (ءأمنتم من في السماء) وقد أطلق الشرع أنه القاهرة فوق عباده، وانه استوى على العرش " فالتمسك " بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذى لا يصح فى العقل غيره وهى قوله تعالى (ليس كمثله شئ)" عصمة " لمن وفقه الله تعالى اهـ.

(وقال) العلامة أحمد زروق فى شرحه على رسالة ابن أبى زيد القيروانى. قال أبو حامد: انه تعالى مستو - على العرش على الوجه الذى قاله، وبالمعنى الذى أراده - استواء منزها عن الممارسة هو الاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بمحض قدرته ومقهورون فى قبضته أهـ. وهو مذهب السلف الصالح. ومنهم الأئمة المجتهدون أبو حنفية ومالك والشافعى وأحمد وغيرهم.

(وقال) العلامة الكبير الشيخ زين الدين الحنفى فى كتابه البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ا) ويكفر " بقوله " يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه، وباثبات المكان لله تعالى فان قال: الله فى السماء. فان قصد حكاية ما جاء فى ظاهر الخبار لا يكفر. وان أراد المكان كفر. وان لم يكن له نية، كفر عند الأكثر وهو الأصح. وعليه الفتوى (ب)" وبقوله " الله جلس للانصاف أو قام له وبوصفه تعالى بالخوق أو بالتحت اهـ بحذف.

(وقال) الامام الشافعى فى كتابه الأكبر: فصل واعلموا أن البارئ لا مكان له. والدليل عليه هو أن الله تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفته الأزلية كما كان قبل خلقه المكان. لا يجوز عليه التغيير فى ذاته والتبديل فى صفاته، ولأن من له مكان وله تحت يكون متناهى الذات محدودا. والمحدود مخلوق. تعالى الله عن ذلك. ولهذا المعنى استحال عليه الزوجة والولد، لأن ذلك

ص: 35

لا يتم الا بالمباشرة والاتصال والانفصال. فكذلك الزوجة والولد فى صفته تعالى محال (فان قيل) قال الله تعالى (الرحمن على العرش استوى)(يقال) له ان هذه الآية من المتشابه التى يحار فى الجواب عنها وعن أمثالها من لا يريد التبحر فى العلم، أى يمر بها كما جاءت ولا يبحث عنها ولا يتكلم فيها، لأنه لا يأمن الوقوع فى الشبة والورطة اذا لم يكن راسخا فى العلم. ويجب أن يعتقد فى صفة البارئ ما ذكرناه. وأنه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان منزه عن الحدود والنهايات، مستغن عن المكان والجهات ليس كمثل شئ. ويتخلص عن هذه المهالك (ولهذا) زجر مالك السائل حين سأله عن هذه الآية فقال: الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ثم قال: فان عدت الى مسألتك أمرت بضرب رقبتك. أعذانا الله تعالى واياكم من التشبيه اهـ كلام الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه (ونحوه) للامام أبى حنيفة فى الفقه الأكبر وشرحه (وقال) العلامة الجليل سعد الدين التفتازانى فى كتابه تهذيب الكلام (والقول) بانه تعالى جسم على صورة انسان أو غيره وفى جهة العلو مماسا للعرش أو محاذيا له تمسكا بأن كل موجود جسم أو جسمانى ومتحيز أو حال فيه ومتصل بالعلم أو منفصل عنه (جهالة) والنصوص مؤولة اهـ.

(قال) محشية محمد وسيم: وأما ما تقرر فى فطرة العقلاء مع اختلاف آرائهم من التوجه الى العلو فى الدعاء ورفع الأيدى الى السماء فليس من جهة اعتقادهم أنه فى تلك الجهة بل من جهة أن السماء قبلة الدعاء، منها تتوقع الخيرات والبركات وهبوط الأنوار ونزول الأمطار المحيى للأقطار اهـ.

(وقال) المحقق الدوانى على العقائد العضدية: ويستحيل عليه تعالى التحيز والجهة ولا يصح عليه الحركة والانتقال أ. هـ (قال) القدوة السنوسي في عقيدة أهل التوحيد الكبرى: ومن هنا - يعنى من وجوب قدمه تعالى وبقائه -

ص: 36

تعلم وجوب تنزهه تعالى عن أن يكون جرماً أو قائماً أو محاذياً له أو في جهة له أو مرتسماً في خياله، لان ذلك كله يوجب مماثلته للحوادث، فيجب له ما وجب لها. وذلك يقدح في وجوب قدومه وبقائه، بل وفي كل وصف أوصاف ألوهيته أهـ. (وقال) العلامة الدسوقي في حاشيته على أم البراهين: أنه يستحيل عليه تعالى أن يكون له جهة، لأن الجهات من عوارض الجسم، والله تعالى يستحيل أن يكون جسماً أهـ. (وقال) العلامة الهدهدي في شرحه على السنوسية: وكذا يستحيل عليه أن يكون في جهة، لأنه لو كان في جهة لزم أن يكون متحيزا أهـ. أي وكونه تعالي متحيزا محال عليه عز وجل.

(وقال) اعلامة الفخر الرازي في كتابه اساس التقديس: ظاهر قوله تعالي: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} (16) ق. وقوله: {وهو معكم اينما كنتم} (4) الحديد. وقوله: {وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله} (84) الزخرف. ينفي كونه مستقرا علي العرش وليس تأويل هذه الايات اولي من الايه التي تمسكوا بها يعني (الرحمن علي العرش استوي) أهـ.

(وقال) أيضا في كتابه المذكور: ان الدلائل العقلية القاطعة التي قدمنا ذكرها تبطل كونه تعالي مختصا بشئ من الجهات. واذا ثبت هذا ظهر انه ليس المراد من الاستواء الاستقرار. فوجب ان يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الاحكام الالهية. وهذا مستقيم علي قانون اللغة، وتمامه فيه.

(وقال) العلامة جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه " دفع شبهة التشبيه ": الحق سبحانه وتعالي لا يوصف بالتحيز، لانه لو كان متحيزا لم يخل اما ان يكون ساكنا في حيزه او متحركا عنه، ولا يجوز ان يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، ومن جاور او بين فقد تناهي ذاتا، والتناهي اذا اختص بمقدار استدعي مخصصا، وكذا ينبغي ان يقال ليس بداخل

ص: 37

في العالم وليس بخارج منه، لان الدخول والخروج من لوازم المتحيزات. فهما كالحركة والسكون وسائر الاعراض التي تخص الاجرام اهـ. (وقال) ايضا: قال القاضي ابو يعلي في كتابه المعتمد: ان الله عز وجل لا يوصف بالمكان اهـ. (وقال) ومن الايات قوله تعالي (ءامنتم من في السماء) قد ثبت قطعا ان الاية ليست علي ظاهرها لان لفظة " في " للظرفبة. والحق سبحانه وتعالي غير مظروف. واذا منع الحس ان ينصرف الي مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الحق أهـ.

(وقال) المحقق الجليل علي القاري في شرح المشكاة: قال جمع من السلف والحلف: ان معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي انه قول لابي حنيفة ومالك والشافعي والاشعري والباقلاني اهـ. ومحل الخلاف في كفره ان اعتقد جهة العلو لله تعالي مع اعتقاد انه تعالي لا مكان له ولا تحيز ولا اتصال بعرش ولا سماء ولا غيرهما من الحوادث، والا فهو كافر باجماع عقلاء المسلمين.

(وجملة القول) ان الادلة القطعية والبراهين النقلية ناطقة بانه تعالي ليس له جهة وليس في جهة، وليس جالسا علي العرش ولا حالا السماء ولا غيرها، ولا يتصف بالتحول والانتقال، وليس جسما ولا جوهرا ولا عرضا، ولا غير ذلك من صفات الحوادث (1)

(1) وقد افتي الشيخ سليم البشري رحمه الله بان من اعتقد الجهة لله تعالي من التجسيم فهو كافر ومن اعتقدها مع التنزيه فهو فاسد العقيدة ضال فيها. قال: الي حضرة الفاضل الشيخ احمد علي بدر ببلصفورة: قد ارسلتم بتاريخ 22 محرم سنه 1325 هـ مكتوبا مصحوبا بسؤال عن حكم من يعتقد ثبوت الجهة له تعالي. فحررنا لكم الجواب =

ص: 38

(ومن الآيات المتشابهات) قوله تعالى: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون

= الاتي وفيه الكفاية لمن اتبع الحق وانصف: اعلم ان مذهب الفرقة الناجية وما عليه اجمع السنيون أن الله تعالى منزه عن مشابهة الحوادث مخالف لها فى جميع سمات الحدوث ومن ذلك تنزهه عن الجهة والمكان دلت على ذلك البراهين القطعية فان كونه فى جهة يستلزم قدم الجهة أو المكان وهما من العالم - وهو ما سوى الله تعالى - وقد قام البرهان القاطع على حدوث كل ما سوى الله تعالى باجماع من أثبت الجهة ومن نفاها ولأن المتمكن يستحيل وجود ذاته بدون المكان مع أن المكان يمكن وجوده بدون المتمكن لجواز الخلاء فيلزم امكان الواجب ووجوب الممكن وكلاهما باطل ولأنه لو تحيز لكان جوهرا لاستحالة كونه عرضا ولو كان جوهرا فاما أن ينقسم واما الا ينقسم وكلاهما باطل فان غير المنقسم هو الجزء الذى لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء - تعالى الله عن ذلك علوال كبيرا - والمنقسم جسم وهو مركب .. والتركيب ينافى الوجوب لذاته غنى عن كل ما سواه مفتقر اليه كل ما عداه سبحانه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير هذا وقد خذل الله أقواما أغواهم الشيطان وأذلهم اتبعوا أهواءهم وتمسكوا بما لا يجدى فاعتقدوا ثبوت الجهة تعالى الله عن ذلك هلوا كبيرا واتفقوا على أنها جهة فوق الا أنهم افترقوا (فمنهم) من اعتقد أنه جسم مماس للسطح العلى من العرش. وبه قال الكراميةاليهود وهؤلاء لا نزاع فى كفرهم (ومنهم) من أثبت الجهة مع التنزية وأن كونه فيها ليس ككون الاجسام وهؤلاء ضلال فساق فى عقيدتهم واطلاقهم على الله ما لم يأذن به الشارع. ولا مرية أن فاسق العقيدة أقبح وأشنع من فاسق الجارحة بكثير سيما من كان داعية أو مقتدى به (وممن نسب) اليه القول بالجهة من التأخرين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحنبلى. وقد انتدب بعض تلامذته للذب عنه وتبرئته مما نسب اليه وساق له عبارات أوضح معناها وأبان غلط الناس فى فهم مراده واستشهد بعبارات له أخرى صريحة فى دفع التهمة عنه وأنه لم يخرج عما عليه الاجماع وذلك هو المظنون بالرجال لجلالة ورسوخ قدمه. وما تمسك به المخالفون عليه وما تمسكوا به ظواهر =

ص: 39

الله يد الله فوق أيديهم) (10) الفتح (والسماء بنيناها بأيد)(7) الذرايات.

= آيات وأحاديث موهمة كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله (اليه يصعد الكلم الطيب) وقوله (تعرج الملائكة والروح اليه) وقوله (ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض) وقوله (وهو القاهر فوق عباده) وكحديث " أنه تعالى ينزل الى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ " وكقوله للجارية الخرساء (1) أين الله؟ " فأشارت فى السماء " حيث سأل بأين التى للمكان ولم ينكر عليها الاشارة الى السماء بل قال: انها مؤمن (ومثل) هذه يجاب عنها بأنها ظواهر ظنية لا تعارض الأدلة القطعية اليقينية الدالة على انتفاء المكان والجهة. فيجب تأويلها وحملها على محامل صحيحة لا تاباها الدلائل والنصوص الشرعية اما تأويلا اجماليا بلا تعيين للمراد منها كما هو مذهب السلف، واما تأويلا تفصيليا بتعيين محاملها وما يراد منها كما هو مذهب الخلف كقولهم: ان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما فى قول القائل:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وصعود الكلم الطيب اليه قبوله اياه ورضاه به لأن الكلم عرض يستحيل صعوده. وقوله من فى السماء أى أمره وسلطانه أو ملك من ملائكته موكل بالعذاب، وعروج الملائكة والروح اليه صعودهم الى مكان يتقرب اليه فيه، وقوله: فوق عبادة أى بالقدرة والغلبة فان كل من قهر غيره وغلبيه فهو فوقه أى عال عليه بالقهر والغلبة كما يقال: أمر فلان فوق فلان أى أنه أقدر منه وأغلب. ونزوله على سبيل التمثيل وخص الليل لانه مظنة الخلوة والخضوع وحضور القلب، وسؤاله للجارية (بأين) استكشاف لما يظن به اعتقاده من أينية المعبود كما يعتقده الوثنيون. فلما أشارات الى السماء فهم أنها أرادت خالق السماء فاستبيان أنها ليست وثنية وحكم بايمانها. وقد بسط العماء فى مطولاتهم تأويل كل ما ورد من أمثال ذلك عملا بالقطعى وحملا للظنى عليه فجزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء وان العجيب أن يدع مسلم قو جماعة المسلمين وأئمتهم ويتمشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم. أما سمع قول الله تعالى (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) فليتب الى الله تعالى من تلطخ بشئ من هذه القاذورات ولا يتبع =

ــ

(1)

كذا قال العلامة عضد الدين عبد الرحمن فى المواقف. ولم تر كونها خرساء لغيره وظاهر الحديث يرده أنها قالت (فى السماء) وقالت: أنت رسول الله.

ص: 40

(وقد) اتفق علماء السلف والخلف المعول عليهم على أن اليد فى هذه الآيات ونحوها مصروفه عن ظاهرها، لأن الله تعالى منزه عن الجارحة لقوله تعالى:(ليس كمثله شئ)(11) الشورى. (واختلفوا) فى بيان المراد منها (فالسلف) يفوضون علم المراد منها الى الله تعالى. لقوله عز وجل (وما يعلم تأويله الا الله)(والخلف) يقولون: المراد منها القدرة والنعمة، بناء على أن الوقف فى الآية على قوله تعالى:(والراسخون فى العلم) ولكل وجهة.

(ومن الايات) المتشابهات (ويبقى وجه ربك)(27) الرحمن. و (لا اله الا هو كل شئ هالك الا وجهه)(88) القصص. (فالسلف) يقولون: له وجه لا كوجوهنا لا يعلمه الا هو سبحانه وتعالى (1)(والخلف) يقولون: المراد بالوجه الذات. وعبر عنها بالوجه على عادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. يقول أحدهم: فعلت لوجهك أى لك، وقس على هذا باقى الآيات المتشابهة.

(ومن) الأحاديث المتشابهة حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعونى فأستجب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى

= خطوات الشيطان فانه يآمر بالفحشاء والمنكر ولا يحملنه العناد على التمادى والاصرار عليه فان الرجوع الى الصواب عين الصواب والتمادى على الباطل يفضى الى أشد العذاب (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.

(1)

أثبتوا الوجه لله تعالى وقوفا مع كلامه الذى لا ريب فيه كما صرح به فى الآيتين المذكورتين - وقالوا له تعالى وجه لا كالوجوه فرارا من تشبيهه بالحوادث التى يتنزه - الله تعالى عن مماثلتها واتباعا لقوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وكذلك القول فى المتشابه من اليد والرجل والساق والذات وغيرها من بقية المتشابهات الواردة كتابا وسنة.

ص: 41

فأغفر له؟ أخرجه مالك والخمسة الا النسائى (1){18} .

وهو مصروف عن ظاهره باجماع السلف. (قال) العلامة ابن جماعة فى كتابه " ايضاح الدليل " ما ملخصه: اعلم أن النزول الذى هو الانتقال من علو الى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه لوجوه: (الأول) أن النزول منصفات المحدثات، ويتوقف على ثلاثة أجسام. منتقل. ومنتقل عنه. ومنتقل اليه. وذا محال على الله تعالى. (الثانى) لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض شيئا فشيئا. فيلزم انتقاله فى سماء الدنيا ليلا ونهارا من قوم الى قوم، عوده الى العرش فى كل لحظة على رأى المجسمة القائلين بأنه تعالى ينزل بذاته ونزوله من العرش الى سماء الدنيا. ولا يقول ذلك ذو لب. (الثالث) أن القائل بأنه تعالى فوق العرش، وأنه ملأه، كيف يرى أن سماء الدنيا تسعه تعالى؟ وهى بالنسبة الى العرش كحلقة فى فلاة. فيلزم عليه أحد أمرين اما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدسة عند ذلك حتى تسعها السماء ونحن نقطع بانقاء الأمرين. ولذا ذهب جماعة من السلف الى عدم بيان المراد من النزول مع قطعهم بأن الله منزه عن الحركة والانتقال. وذهب المؤولن الى أن المراد بالنزول هنا الاقبال بالرحمة والاحسان واجابة الدعاء (وقيل) فى الكلام مضاف مقدر والمعنى ينزل أمر ربنا أو ملك ينزل بأمره. وهو فى القرآن كثير منه قوله تعالى:(قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد)(26) النحل. ومعلوم أن حامد الحنبلى المجسم: فى الحديث ما يتعالى الله عنه. وهو أنه ينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وأحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى برئ منه، ولقد تأذى

(1) ص 3 ج 2 تيسير الوصول (فضل الدعاء ووقته).

ص: 42

الحنابلة بسوء كلامه واعتقاده أهـ.

(فأنت) ترى أن اعتقاد ابن حامد الحنلى وأحزابه دليل واضح على أنهم ما عرفوا أن الله سبحانه وتعالى اله قديم لا يتصف بالجسمية ولا التحول والانتقال، لأن ذلك كله من صفات الحوادث. وأن الامام أحمد رضى الله تعالى عنه برئ منهم (ولو كانوا) يسمعون أو يعقلون، لعرفوا أن الله تبارك وتعالى اله قديم موجود قبل خلق العالم يستحيل عليه الحركة والسكون وغيرهما من صفات المخلوق. قال الله تعالى:{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) غافر (وقال) الامام فخر الدين الرازى فى كتابه أساس التقديس ص 134 ما حاصله: فاما الحديث المشتمل على النزول الى سماء الدنيا فالكلام عليه أن النزول قد يستعمل فى غير الانتقال. وذلك لوجوه (منها) قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر. ونحن نعلم بالضرورة أن الجمل أو البقر ما نزل من السماء الى الأرض على سبيل الانتقال. وقوله تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} (6) الفتح. والانتقال على السكينة محال (ومنها) أنه ان كان مقصود من النزول من العرش الى سماء الدنيا أن يسمع نداؤه فهذا لم يحصل. وان كان المقصود مجرد النداء وان نسمع فهذا مما لا حاجة فيه الى النزول. وهذا عبث غير لائق بحكمة الله تعالى. (ومنها) أن من يقول بظاهر الحديث يرى أن كل السموات بالنسبة للكرسى كقطرة فى بحر والكرسى بالنسبة للعرش كذلك. ثم يقول ان العرش مملوءه منه والكرسى موضع قدمه. فاذانزل الى سماء الدنيا فكيف تسعه؟ فاما أن يقال بتداخل أجزائه فى بعض، وهذا يقتضى أنها قابلة للتفرق ويقتضى جواز تداخل جملة العالم فى خردلة واحدة وهو محال. واما أن يقال ان تلك الأجزاء فنيت عند النزول الى سماء الدنيا. وهذا مما لا يقوله عاقل فى حق الله تعالى (فثبت) أن القول بالنزول على الوجه الذى قالوه باطل.

وانه يتعين حمل هذا النزول على نزول رحمته الى الأرض فى ذلك الوقت. وخص هذا الوقت بذلك لوجوه (منها) أن التوبة التى يؤتى بها فى جوف الليل شأنها أن

ص: 43

تكون خالية عن شوائب الدنيا خالصة لوجه الله تعالى، لأن الأغيار لا يطلعون عليها، فتكون أقرب الى القبول (ومنها) أن الغالب على الانسان فى جوف الليل الكسل والنوم، فلولا الرغبة الشديدة فى نيل الثواب العظيم لما تحمل مشاق السهر، ولما أعرض عن اللذات الجسمانية، ولذا احتيج فى الترغيب فى الطاعة والعبادة بالليل الى مزيد أمور تؤثر فى تحريك دواعى الاشتغال بالطاعة والتهجد لتكون الدواعى اليه أتم وأوفر، ويكون الثواب أكمل. ولذا أثنى الله تعالى على من تحلى بالطاعة فى الليل. قال تعالى {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) (وبالأسحار هم يستغفرون) (18) الذرايات. وقال:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (17) السجدة. (وقيل) النزول فى الحديث كناية عن المبالغة فى الاكرام والاحسان. وذلك أن نزل من الملوك عند انسان لاصلاح شأنه والاهتمام بأمره يكون وجوده عنده مبالغة فى اكرامه فلما كان النزول مستلزما لغاية الاكرام وكمال الاحسان، اطلق اسم النزول على الاكرام المذكور. (وقيل) ان " ينزل " فى الحديث بضم الياء من الانزال، أى أن جمعا من أشراف الملائكة ينزلون فى ذلك الوقت بأمر الله تعالى اهت. (وقال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 46: روى حديث النزول عشرون صحابيا وقد تقدم انه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير فيبقى الناس رجلين (أحدهما) المتأول بمعنى أنه يقرب رحمته. وقد وصف أشياء بالنزول فقال: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (25) الحديد. وان كان معدنه فى الأرض.

وقال: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر ومن لم يعرف الجمل فكيف يتكلم فى نزوله (1)(والثانى) الساكت عن الكلام فى ذلك مع اعتقاد التنزيه.

(1) الجمل من الأنعام وهى فى الأرض فالانزال بمعنى الخلق.

ص: 44

والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة، وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان يحتاج الى ثلاثة أجسام: جسم عال هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو الى سفل. وهذا لا يجوز على الله عز وجل (قال) ابن حامد: هو على العرش بذاته مماس له وينزل وينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله (وقال) أبو يعلى: النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال، وهذا مغالط (ومنهم) من قال يتحرك اذا نزل. وما يدرى أن الحركة لا تجوز على الله تعالى. وقد حكوا عن الامام أحمد ذلك. وهو كذب عليه. ولو كان النزول صفة ذاتية لذاته لكانت صفته كل ليلة تتجدد. وصفاته قديمة كذاته أهـ.

(وقال) العلامة ابن أبى جمرة فى كتابه " بهجة النفوس " ص 39 ردا على المجسمة (وأما) ما زعموا من الجسمية وتعلقوا فى ذلك بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا " الى غير ذلك من الأحاديث التى جاءت فى هذا المعنى (فليس) لهم فى ذلك حجة أيضا، لأن ذلك فى اللغة محتمل لأوجه عديدة كقولهم: جاء زيد، يريدون ذاته ويريدون غلامه ويريدون كتابه ويريدون خبره. والنزول مثله كقولهم: نزل الملك، يريدون ذاته ويريدون أمره ويريدون كتابه ويريدون نائبه. فاذا ارادوا أن يخصصوا الذات قالوا: نفسه، فيؤكدونه بذلك أو بالمصدر. وحينئذ ترتفع تلك الاحتمالات ولذلك قال عز وجل فى كتابه (وكلم الله موسى تكليما) فأكده بالمصدر رفعا للمجاز (فلو قال) الشارع عليه الصلاة والسلام هنا: ينزل ربنا نفسه أو ذاته أو أكده بالمصدر (لكان) الأمر ما ذهبوا اليه. ولكن لما أن ترك اللفظ على عمومه ولم يؤكده، دل على أنه لم يرد الذات، وانما أراد نزول رحمة ومن فضل وطول على عباده وشبه هذا معروف عند الناس، لأنهم يقولون: تنازل الملك لفلان، وهم يريدون

ص: 45

كثرة احسانه وافضاله اليه لا أنه نزل اليه بذاته وتقرب اليه بجسده. فهذا مشاهد فى البشر، فكيف بمن ليس كمثله شئ؟ لقد أعظموا على الله الفرية اهـ (ومما تقدم) تعلم بطلان ما زعمه المجسمة كابن حامد وأبى يعلى وأضرابهما من انه تعالى على العرش بذاته ويزنل منه وينتقل الى سماء الدنيا (وأن) ما فى مختصر الصواعق لابن القيم من أن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفرج ابن الجوزى صرحوا بأ، هـ تعالى ينزل الى سماء الدنيا بذاته (كذب) وافتراء عليهم. فقد تقدم لك قول ابن الجوزى أنه يستحيل على الله تعالى الحركة والنقلة والتغير. والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة. وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان لا يجوز على الله سبحانه وتعالى.

وقد رد ما ذهب اليه ابن حامد وأبو يعلى قال ومن نسب ذلك الى الامام أحمد فقد كذب عليه (ومنه) تعلم أيضا كذب ما نسب فى مختصر الصواعق الى حماد بن زيد من قوله: ان الله فى مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء. وعلى فرض ثبوته عنه فيحرم التمسك به لمنافاته صريح الآيات القرآنية كقوله تعالى (ليس كمثله شئ) واجماع سلف الأمة وخلفها على أن الله تعالى يستحيل عليه أن يكون له مكان لأنه يستلزم المماثلة والاحتياج وهما محالان فى حقه تعالى (وكذا) ما نسبه الى ابن عبد البر من أن أهل السنة مجمعون على حمل المتشابهات على الحقيقة لا على المجاز، فهو كذب وافتراء. فهاهى ذى كلمتهم متفقة على انه يجب صرف المتشابه عن ظاهرة لقيام الأدلة القطعية عقلية ونقلية على استحالة ظاهرها فى حق الله تعالى.

(ومن) هذا القبيل ما زعمه ابن تيمية فى كتابه " شرح حديث النزول " من أن اسحاق بن راهوية وعبد الله بن طاهر وجمهور المحدثين وأحمد بن حنبل يقولون: ان الله ينزل الى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش (فانه) علاوة على ما فيه من التناقض يلزم عليه اثبات المكان لله تعالى. وقد ثبت بالدليل القاطع والنقلى استحالة

ص: 46

كون الاله سبحانه وتعالى فى مكان والا لزم احتياجه تعالى وانقسامه، وكل منقسم مركب وكل مركب ممكن، وكل ممكن حادث. فكيف ينسب ذلك الى قادة الأمة. سبحانك هذا بهتان عظيم (ومن هنا) تزداد علما ببطلان قول ابن تيمية أيضا فى كتابه المذكور: والصواب المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أنه لا يزال فوق العرش ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله الى سماء الدنيا ولا يكون العرش فوقه أهـ. (فانه) مع كونه افتراء على سلف الأمة وأئمتها خرفات ومناقضات لا يصح صدورها ممن عنده شائبه تمييز. وهل يتصور من عنده أدنى عقل أن الله سبحانه وتعالى يكون فى سماء الدنيا بذاته مع بقاء ذاته على العرش؟ فضلا عن علماء المسلمين سلفا وخلفا على انه تعالى يستحيل عليه المكان والتحول والانتقال. وعلى انه يجب صرف المتشابهات عن ظاهرها (ومن) تمسك بظاهرها فهو مخالف للمعقول والمنقول مارق من الدين قائل بالتشبيه والتجسيم مبتغ سبيلا غير سبيل المؤمنين. قال الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} (7) آل عمران (ومن غفلتهم) اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالتحول والانتقال والنزول الى سماء الدنيا. ويستدلون على معتقدهم الفاسد بأحاديث الآحاد. مع أنها لا يصح ان يستدل بها فى العقائد.

وانما يستدل بها فى الفروع باجماع أئمة الدين (قال) الامام الرازى فى كتابه اساس التقديس: (أما) التمسك بخبر الواحد فى معرفة الله تعالى فغير جائز لوجوه (الأول) أن أخبار الآحاد مظنونة، فلا يجوز التمسك بها فى معرفة الله تعالى وصفاته. وانما قلنا انها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين. وانما لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزا والكذب عليهم جائزا. فحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا فثبت أن خبر الواحد مظنون ووجب ألا يجوز التمسك بع فى العقائد لقوله تعالى فى شأن الكفار {ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا} (28) النجم. وقوله تعالى:{وان تقولوا على الله مالا تعلمون} (169) البقرة. فترك

ص: 47

العمل بهذه العمومات فى فروع الشريعة، لأنه يكتفى فيها بالدليل الظنى. ووجب ان يبقى العمل بتلك العمومات فى العقائد فقط. والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز، لأن تعيين ذلك التأويل مظنون، والقول بالظن فى القرآن لا يجوز. ثم انهم يتكلمون فى ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد مع أنها فى غاية البعد من القطع واليقين. واذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون، فلأن يمتنعوا عن الكلام فى ذات الحق تعالى وفى صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى اهـ. (ومن هذا) القبيل استدلالهم على دعواهم الباطلة " أن الله تعالى فىالسماء " بحديث معاوية بن الحكم قال: كانت لى جارية ترعى غنما لى قبل أحد، فاطعت ذات يوم فاذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم فصككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعظم ذلك على فقلت افلا أعتقها؟ قال ائتنى بها. فأتيته بها فقال لها أين الله؟ قالت: فى السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال. أعتقها فانها مؤمنة.

أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (1){19} .

(فمع) كونه حديث آحاد لا يصح الاستدلال به على معرفة العقائد (هو) مصروف عن ظاهره باجماع السلف والخلف (قال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 45 بعد أن روى الحديث ما نصه: قلت قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا تحويه السماء ولا الأرض ولا تضمه الأقطار. وانما عرف باشارتها تعظيم الخالق جل جلاله عندها أهـ. (وقال) الامام أبو عبد الله الأبى فى شرح صحيح مسلم فى الكلام على حديث الجارية ص 241 ج 2: أراد

(1) ص 447 ج 5 مسند أحمد. وص 23 ج 5 نووى مسلم (تحرير الكلام فى الصلاة) وهو عجز حديث ياتى صدره رقم 5 ص 3 ج 4 دين (مبطلات الصلاة).

ص: 48

معرفة ما يدل على ايمانا، لأن معبودات الكفار من صنم ونار بالأرض. وكل منهم يسأل حاجته من معبوده. والسماء قبلة دعاء الموحدين، فأراد كشف معتقدها وخاطبها بما تفهمه فأشارت الى الجهة التى يقصدها الموحدون. ولا يدل ذلك على جهته ولا انحصاره فى السماء كما لا يدل التوجه الى القبلة على انحصاره فى الكعبة (وقيل) انما سألها باين عما تعتقده من عظمة الله تعالى. واشارتها الى السماء اخبار عن جلاله تعالى فى نفسها (وقال) القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم انه تعالى فى السماء كقوله (ءأمنتم من فى السماء) أهـ. (فقد) بين هذان الامامان معنى حديث الجارية بما يصح اطلاقه على الله تعالى. ونقلا الاجماع على تأويل كل ما يوهم أنه تعالى فى السماء أو جالس على العرش أو نحو ذلك من صفات الحوادث، لقوله تعالى (ليس كمثله شئ) فمن اعتقد خلاف ذلك فهو ضال مضل هالك.

(وقال) الامام النووى: هذا الح 0 ديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان (أحدهما) الايمان به من غير خوض فى معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات (الثانى) تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية (ا) هل هى موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده؟ وهو الذى اذا دعاه الداعى استقبل السماء؟ كما اذا صلى المصلى استقبل الكعبة، ليس ذلك لأنه منحصر فى السماء كما انه ليس منحصرا فى جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين (ب) أو هى من عبدة الأوثان التى بين أيديهم؟ فلما قالت: فى السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان اهـ ص 25 ج 5 شرح مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة).

وقد أفردت هذا المبحث بكتاب (اتحاف الكائنات، ببيان مذهب السلف

ص: 49