الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للعدة فالمعتبر وضع الحمل (وقالت) الشافعية: ما تراه الحامل حيض إن كان لا ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يوماً، لأنه دم لا يمنعه الرضاع فلا يمنعه الحمل. وهذا بالنسبة لغير العدة. وأما هي فتعتبر بوضع الحمل. والله الموفق للصواب.
(د) تطهير محل النجاسة
هذا هو المقصد الرابع من مقاصد الطهارة: وتطهير محل النجاسة بالماء من خصائص هذه الأمة. والكلام ينحصر في خمسة مباحث.
(الأول) صفة التطهير- (قال) أكثر العلماء يشترط: لصحة الطهارة طهارة ثوب المصلي ومكانه وبدنه من كل نجاسة غير معفو عنها عند القدرة من غير ارتكاب ما هو أشد منعاً فإن لم يتمكن من تطهير جسده مثلاً- الا بإبداء عورته لمن لا يحل له نظرها- صلى بالنجاسة ولا إعادة عليه لأن من ابتلى بأحد محظورين لزمه ارتكاب الأخف وكشف العورة أشد منعاً من الصلاة بالنجاسة (ودليل) لزوم تطهير ما ذكر أمر به في الكتاب والسنة (أما الثوب) فقد قال تعالى (وثيابك فطهر)(4 - المدثر) أي طهر ثيابك الملبوسة من النجاسة على الأرجح في تفسيرها.
(وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" أخرجه الدارقطني وقال: المحفوظ مرسل (1){449} .
وتقدم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للمستحاضة: فإذا أقبلت حيضتك
(1) انظر ص 47 سنن الدارقطني (نجاسة البول والأمر بالتنزه منه).
فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم توضئي لكل صلاة (1). (وقال) جابر بن سمرة: سمعت رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال نعم إلا ان ترى فيه شيئاً فتغسله. أخرجه أحمد وابن ماجه ورجاله ثقات (2){450} .
(وقال) معاوية: قلت لأم حبيبة هل كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت نعم إذا لم يكن فيه أذى. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ورجاله ثقات (3){451} .
والمراد بالشيء في حديث جابر والأذى في حديث معاوية، النجس (فهما) يدلان على عدم صحة الصلاة في الثوب المتنجس وهو مذهب غير مالك في حق القادر. (أما) من عجز عما يزيل النجاسة الحقيقية ولو حكماً بأن وجد المزيل لكنه لم يقدر على استعماله لمانع فإنه يصلي مع النجاسة ولا يعيد الصلاة إذا وجد المزيل ولو في الوقت (وعن مالك) ثلاث روايات (الأولى) أن إزالتها شرط في صحة الصلاة مطلقاً كالجمهور (الثانية) أن إزالتها شرط في صحة الصلاة مع الذكر والقدرة. وهي أشهرها. فإن صلى عالماً بها قادراً على إزالتها لم تصح صلاته. ووجب عليه إعادتها أبداً. وهو قول قديم للشافعي (لقول) عائشة: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال رجل يا رسول الله: هذه لمعة من دم فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما يليها فبعث بها إلى مصرورة في يد الغلام فقال:
(1) تقدم رقم 227 ص 263 (الدم الخارج من الجسد- نواقض الوضوء).
(2)
انظر ص 112 ج 3 - الفتح الرباني. وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة في الثوب يصيب أهله فيه).
(3)
انظر ص 112 ج 3 - الفتح الرباني. وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة في الثوب يصيب أهله فيه).
اغسلي هذه وأجفيها وأرسلي بها إلى فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه. (الحديث) أخرجه أبو داود (1){452} .
(ففيه) أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالنجاسة غير عالم بها. فلما علم بها أزالها ولم يستأنف الصلاة (الثالثة) أن إزالتها سنة مع الذكر والقدرة وليست بشرط (2).
(وأجابوا) عن الأدلة السابقة بأنها لا تقتضي الشرطية، لأن الأمر بالشيء نهى عن ضده. والنهي يقتضي الفساد "لأن ها هنا" مانعاً يمنع من الاستدلال بها على الشرطية، وهو عدم إعادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة التي صلاها في الكساء المتنجس بالدم، "فبناؤه" صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما فعله من الصلاة "دليل" على عدم الشرطية وهذا هو الراجح.
(وأما) المكان فلأمره عليه الصلاة والسلام بصب دلو من ماء على بول
(1) انظر ص 269 ج 3 - المنهل العذب (الإعادة من النجاسة تكون في الثوب). و (مصرورة أي مجموعة مشدودة (فأحرتها) بالحاء المهملة والراء أي رددتها.
(2)
حاصل مذهب مالك ما قال العلامة الدردير في الصغير: يجب شرطاً إزالة النجاسة بالماء عن محمول المصلي من ثوب أو عمامة أو نعل أو حزام أو منديل وعن بدنه وعن مكان قدميه وركبتيه وجبهته فلا يضر نجاسة ما تحت صدره وما بين ركبتيه ولو تحرك بحركته. (ومحل) كون الإزالة شرط صحة للصلاة إن ذكر وقدر. فإن صلى بنجاسة ناسياً لها أو لم يعلم بها حتى فرغ من صلاته فهي صحيحة. ويندب له إعادتها في الوقت. (وكذا) من عجز عن إزالتها ولم يجد ثوباً غير متنجس فإنه يصلي بالنجاسة وصلاته صحيحة. (وهذا) أحد المشهورين في المذهب. وعليه فإن صلى بالنجاسة عامداً قادراً على إزالتها أعاد الصلاة أبداً وجوباً لبطلانها (والمشهور) الثاني أن إزالتها سنة إن ذكر وقدر فإن لم يذكرها أو لم يقدر على إزالتها أعاد بوقت كالأول. وأما العالم القادر فيعيد ندباً على الثاني. انظر ص 22 ج 1 - الشرح الصغير (إزالة النجاسة).
الأعرابي الذي بال في المسجد (قال) أنس بن مالك: بينما نحن في المسجد مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مه مه. فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم دعاه، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه. أخرجه مسلم (1){453} . ومنه يعلم لزوم تطهير جسد المصلي بالأولى.
(ب) أقسام النجاسة- هي عند الحنفيين مغلظة ومخففة فما ورد النص بنجاسته بلا معارض ولا حرج في اجتنابه كالدم وفضلة الإنسان وما لا يؤكل لحمه ولعاب الكلب والخنزير فهو مغلظ عند الإمام، وإن عارض نصان في نجاسته وطهارته كبول ما يؤكل لحمه والفرس وخرء طير لا يؤكل لحمه فهو مخفف عنده (وقال) الصاحبان: ما اتفق على نجاسته ولم يكن في إصابته بلوى فهو مغلظ كالمتفق على نجاسته فيما تقدم وإلا فمخفف كالمختلف في نجاسته ما عدا المني. فالتخفيف عند الإمام كما يكون بالتعارض يكون بعموم البلوى بالنسبة إلى جنس المكلفين وإن ورد نص واحد في نجاسته من غير معارض، وكذا عندهما كما يكون التخفيف بالاختلاف يكون بعموم البلوى في إصابته وإن اتفق على نجاسته. وإذا كان النص الوارد في نجاسة شيء يضعف حكمه باختلاف العلماء في عندهما فيثبت به التخفيف فضعفه بما إذا ورد نص آخر
(1) انظر ص 193 ج 3 نووي مسلم (الأرض تطهر بالماء). و (مه) اسم فاعل مبني على السكون معناه اكفف. و (لا تزرموه) بضم التاء الفوقية واسكان الزاي بعدها راء، أي لا تقطعوا عليه بوله (فشنه) يروي: بالشين المعجمة والسين المهملة ومعناه صبه. وفرق بعض العلماء بينهما فقال: هو بالمهملة الصب بسهولة. وبالمعجمة التفريق في صبه.
يخالفه أولى فيكون التخفيف بتعارض النصين اتفاقاً، وإنما الخلاف في ثبوت التخفيف بالاختلاف في النجاسة.
ولا يظهر خلاف بينهم إلا في فضلة ما يؤكل لحمه لثبوت الخلاف فيها مع عدم تعارض النصين ويرد على قول الإمام سؤر الحمار والبغل فقد تعارض النصان مع أنه لم يقل بنجاسته أصلاً بل قال: إنه مشكوك في طهوريته. وعلى ولهما المني فإنه مغلظ اتفاقاً مع ثبوت الخلاف في نجاسته.
هذا، وخفة النجاسة تظهر في الثياب إلا في الماء (1).
(جـ) ما يعفي عنه من النجاسة- يعفي عند الحنفيين (1) عن قدر الدرهم الكبير (وزناً) في الثخينة كالعذرة وهو ما يبلغ وزنه مثقالاً (2)(ومساحته) في الرقيقة، وهو قدر مقعر الكف من نجاسة مغلظة كالدم المسفوح غير دم الشهيد والمراد أن يكون شأن السيلان، فلو جمد المسفوح ولو على اللحم فهو نجس، ومنه ما يبقى في المذبح ودم الحيض والنفاس والاستحاضة وكل دم ينقض الوضوء وإنما عفي عن قدر الدرهم مما ذكر لعدم إمكان التحرز عن القليل فقدر به اعتباراً لموضع الاستنجاء.
(2)
يعفي عما دون ربع الثوب الكامل والجسد كله على الصحيح من نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه. والعفو إنما ظهر في غير المائع. أما المائع فيتنجس متى أصابته نجاسة وإن قلت أو خفت.
هذا. وما زاد على الدرهم في الغليظة أو بلغ الربع في الخفيفة لا يعفي عنه لعدم الضرورة.
(1) انظر ص 240 وما بعدها ج 1 - البحر الرائق (الأنجاس).
(2)
المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.
(3)
ويعفي عن دم السمك لأنه ليس بدم عندهم حقيقة، وإنما هو دم صورة لأنه إذا يبس يبيض والدم يسود.
(4)
ويعفي عن لعاب البغل والحمار على القول بنجاسته. وظاهر الرواية طهارته ويعفي عن بول انتشر قدر رؤوس الابر للضرورة وإن امتلأ الثوب.
(وقال) غير الحنفيين: يعفي عن يسير دم وقيح وصديد وماء قروح في الصلاة لأن الإنسان غالباً لا يسلم منه ولأن يشق التحرز منه فعفي عن يسيره. كأثر الاستجمار وإنما يعفي عن ذلك إذا كان من حيوان طاهر او آدمي من غير سبيل.
(5)
ويعفي عن يسير طين شارع تحققت نجاسته، وعن يسير سلس بول مع كمال التحفظ منه للمشقة وعن يسير دخان نجاسة وغبارها وبخارها ما لم تظهر له صفة في الشيء الطاهر، وقيل: ما لم يتكاثف لعسر التحرز عن ذلك (1) ويعفي عن يسير ماء تنجس بما عفي عن يسيره لأن كل نجاسة نجست الماء فحكم هذا الماء المتنجس بها حكمها، ويعفي عن نجاسة أصابت العين للتضرر بغسلها، وعن حمل نجس كثير في صلاة الخوف، ويعفي عن أثر دم على جسم صقيل بعد المسح لأن الباقي بعده يسير وإن كثر محله (2)، ولا يعفي عن يسير مذي وقي وودي وبول وغائط من آدمي وما لا يؤكل وعرق بغل وحمار وسباع البهائم وجوارح الطير وأبوالها وأرواثها وبول الخفاش والخطاف والجلالة، لأن الأصل عدم
(1) هذا على مذهب الشافعي وأحم من نجاسه ما ذكر (وقال) الحنفيون ومالك: دخان النجاسة وغبارها طاهر لأن النار مطهرة عندهم.
(2)
انظر ص 138 ج 1 كشاف لقناع. (ولا يعفي عن يسير نجاسة) وما ذكر في العفو عن أثر المسح مبني على أن مسح الصقيل لا يطهره وهو مذهب الشافعي وأحمد.
العفو عن النجاسة إلا ما خصه الدليل. وعن أحمد في المذي والقيء ولعاب البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش أنه كالدم يعفي عن يسيره لمشقة الاحتراز عنه (1).
(د) المطهرات - كل نجاسة يطهر محلها ثوباً وجسداً وإناء وغيرها. ولو مأكولاً أمكن تطهيره بأمور.
(1)
بالماء المطلق اتفاقاً. وكذا المستعمل عند غير الشافعية.
(2)
وبكل مائع طاهر مزيل للنجاسة كالخل وماء الورد والريق عند الحنفيين. ورواية عن أحمد فإذا قاء الولد على الثدي. يطهر إذا رضعه حتى زال أثر القيء. ولو تنجس الأصبع ونحوه يطهر بلحسة حتى يذهب الأثر (لحديث) مجاهد أن عائشة قالت: ما كانت لإحدانا الا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها فمصعته بظفرها. أخرجه البخاري وأبو داود (2){454} .
ولكن تكره إزالة النجاسة عندهم بنحو الخل لغير ضرورة.
(3 - 12) ومن المطهرات الدبغ والذكاة والدلك والفرك والمسح والجفاف والاستحالة والنار والنحت والتراب وغيرها.
(هـ) كيفية تطهير المتنجس- النجاسة قسمان مرئية وهي ما ترى بعد الجفاف وغير مرئية وهي ما لا ترى بعده. والكلام ينحصر في ستة وعشرين بحثاً.
(1) انظر ص 139 ج 1 كشاف القناع.
(2)
انظر ص 283 ج 1 فتح الباري (هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟ ). وص 227 ج 3 - المنهل العذب (المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها). (المصع) التحريك والفرك.
(1)
كيفية التطهير بالماء - يلزم غسل المتنجس بنجاسة مرئية كالدم حتى تزول عينها فلو زالت بمرة طهر عند الجمهور (وقال) الطحاوي: لا يطهر الا بالغسل مرتين بعد زوال العين ويعفي عن لون او ريح شق زواله بأن احتاج في إزالته الى نحو صابون او ماء حار. أما طعم النجاسة فلابد من زواله (والمتنجس) بنجاسة غير مرئية كبول يطهر بالغسل حتى يغلب على الظن أنه قد زال ولا يشترط عدد على المفتي به عند الحنفيين وهو مذهب مالك والشافعي والراجح عند أحمد (لقول) ابن عمر: كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار وغسل البول من الثوب سبع مرار فلم يزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة وغسل البول من الثوب مرة. أخرجه أحمد وأبو داود وهذا لفظه. والبيهقي (1){455} وفي سنده أيوب ابن جابر وعبد الله بن عصم ضعيفان.
(وعليه) لو جرى الماء على ثوب نجس وغلب على الظن أنه قد طهر جاز استعماله وإن لم يحصل غسل ولا عصر.
(ولو) كان الماء غير جار فلابد من العصر في كل مرة عند أحمد هو ظاهر الرواية عند الحنفيين (وقيل) يكفي العصر مرة وهو أرفق (وعن) أبي يوسف: العصر ليس بشرط وهو الأصح عند الشافعي.
(2 - 6) تقدم كيفية تطهير جلد الميتة بالدباغ. وتطهير ما تنجس بدم الحيض ونحوه والمذي ولعاب الكلب والمني (2).
(1) انظر ص 198 ج 2 الفتح الرباني. وص 18 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابة).
(2)
جلد الميتة تقدم ص 166. ودم الحيض قدم ص 377 والمذي ص 360. ولعاب الكلب ص 365. والمني ص 366.
(7)
تطهير الماء النجس- الماء ثلاثة أقسام (أ) أن يكون قليلاً (أقل من قلتين) فيطهر بماء كثير طاهر يصب عليه او ينبع فيه يجري اليه فيزيل تغيره إن كان متغيراً وإلا طهر بمجرد صب الماء الكثير لأن الماء الكثير لا يحمل الخبث ولا ينجس الا بالتغيير فكذا إذا ورد على النجاسة ولم يتغير فيحكم بطهارة ما خالطه (ب) أن يكون قلتين غير متغير بالنجاسة فيطهر بمجرد صب الماء الكثير وإن كان متغيراً يطهر بالمكاثرة إن زالت تغيره او بتركه حتى يزول تغيره بطول المكث (جـ) أن يكون زائداً عن قلتين متنجساً بغير التغير فيطهر بالمكاثرة وإن كان متغيراً يطهر بالمكاثرة او بزوال تغيره بالمكث او ينزح منه ما يزول به التغير ويبقى قلتان فأكثر فإن بقي أقل منهما قبل زوال تغيره ثم زال تغيره لم يطهر لأن التنجس في القليل لمجرد ملاقاة النجاسة فلم تزل العلة بزوال التغير فلا يطهر إلا بالمكاثرة ولا يعتبر فيها صب الماء دفعة واحدة بل تكون بالمتابعة من ساقية او دلو فدلو او ماء المطر او النبع قليلاً قليلاً حتى يبلغ قلتين فيحصل به التطهير. وإن كوثر بقليل فزال تغيره أو طرح فيه تراب او مائع غير الماء فزال تغيره فقيل لا يطهر بذلك لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى ولأنه ليس بطهور فلا يطهر غيره (وقيل يطهر) لأنه علة النجاسة التغير وقد زال كما لو زال بمكثه واختار بعضهم هذا لأنه أيسر (1).
(8)
تطهير المائع غير الماء- لا يطهر غير الماء من المائعات عند مالك والشافعي على الأصح وهو المشهور عن أحمد الا الزئبق فإنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد (لحديث) سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها
(1) انظر ص 34 و 35 ج 1 مغنى ابن قدامة (تطهير الماء النجس).
وإن كان مائعاً فلا تقربوه. أخرجه أحمد وأبو داود (1){456} .
(ولو) كان إلى تطهيره سبيل لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن قربانه.
(وقال) الحنفيون: يطهر الزيت ونحوه بصب الماء عليه سواء أكان قدره ام لا على المختار ورفعه عنه ثلاثاً او يوضع في إناء ذي ثقب يصب عليه الماء فيعلو الزيت ويحركه ثم يفتح الثقب إلى ان ينزل الماء (واختار) ابن سريج الشافعي وأبو الخطاب الحنبلي أن ما يتأتى تطهيره كالزيت يطهر بالماء لأنه أمكن غسله فيطهر كالجامد وطريق تطهيره جعله في ماء كثير ويخاض فيه حتى يصيب الماء جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وإن تركه في جرة فصب عليه ماء فخاضه به وجعل لها ثقباً ليخرج معه الماء جاز (قالوا) والحديث ورد في السمن والظاهر أنه لا يمكن تطهيره لأنه يجمد في الماء ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الأمر بتطهيره لمشقة ذلك وقلة وقوعه (2).
(9)
تطهير السمن والدهن - ما ذكر أما أن يكون جامداً او مائعاً.
(أ) فإن كان جامداً يطهر برفع النجاسة وما حولها اتفاقاً (لحديث) ابن عباس عن ميمونة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم. أخرجه البخاري والثلاثة وأحمد وزاد هو والنسائي في سمن جامد (3){457} .
(1) انظر ص 239 ج 1 - الفتح الرباني. وص 429 ج 3 عون المعبود (الفأرة تقع في السمن- الأطعمة).
(2)
انظر ص 35 ج 1 مغنى ابن قدامة.
(3)
انظر ص 239 ج 1 فتح الباري (ما يقع من النجاسات في السمن). وص 429 ج 2 عون المعبود (الفأرة تقع في السمن). وص 80 ج 3 تحفة الاحوذي (الفأرة تموت في السمن). وص 240 ج 1 - الفتح الرباني.
(ب) وإن كان مائعاً لا يطهر عند الجمهور ولا يستصبح به ولا يباع لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في
حديث أبي هريرة: وإن كان مائعاً فلا تقربوه (1)(وقال) مالك والشافعي وأحمد: يجوز الاستصباح به في غير مسجد والانتفاع به في كل شيء الا الأكل والبيع. اما الأكل فمجمع على تحريمه وأما حرمة البيع فلقول ابن عباس: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة الم يعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها. أخرجها الشيخان وابن ماجه (2){458} .
(وقال) الحنفيون والليث: يجوز بيعه والانتفاع به في غير الأكل لقول ابن عمر: إن كان السمن مائعاً انتفعوا به ولا تأكلوه. أخرجه البيهقي (3){61} .
(وعن) نافع عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت قال: استصبحوا به وادهنوا به أدمكم. أخرجه البيهقي بسند على شرط الشيخين إلا أنه موقوف (4){62} .
(وأما قوله) في حديث ابن المسيب: وإن كان مائعاً فلا تقربوه، فيحتمل أن يراد به الأكل. وقد أجرى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التحريم في شحوم الميتة من كل وجه ومنع الانتفاع بها وقد أباح في السمن تقع فيه الميتة
(1) تقدم رقم 456 ص 402 (تطهير المائع غير الماء).
(2)
انظر ص 281 ج 4 فتح الباري (لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه). وص 7 ج 11 نووي مسلم (تحريم بيع الخمر والميتة). وص 172 ج 2 - ابن ماجه (التجارة في الخمر). (وجملوها) بفتحتين أي أذابوها.
(3)
انظر ص 530 ج 9 فتح الباري الشرح (إذا وقعت الفأرة في السمن). (والادم) بضمتين جمع أديم وهو الجلد.
(4)
انظر ص 530 ج 9 فتح الباري الشرح (إذا وقعت الفأرة في السمن). (والادم) بضمتين جمع أديم وهو الجلد.
الانتفاع به فدل على جواز وجوه الانتفاع به غير الأكل. وأيضاً فإن شحوم الميتة محرمة العين والذات.
وأما الزيت ونحوه تقع فيه الميتة فإنما ينجس بالمجاورة وما ينجس بها فبيعه جائز كالثوب تصيبه النجاسة من الدم وغيره (1)(ويطهر) مائع السمن عند الحنفيين وابن سريج وأبي الخطاب كما يطهر الزيت المتنجس.
10 -
تطهير العسل والربس- (بكسر فسكون) عسل الرطب والعنب- وما ذكر يكون جامداً ومائعاً فإن كان جامداً يطهر- اتفاقاً كالسمن- بإلقاء النجاسة وما حولها. وإن كان مائعاً لا يطهر عند الجمهور (وقال) الحنفيون: يطهر بصب الماء عليه وغليه ثلاثاً حتى يعود كما كان.
11 -
تطهير اللحم- اللحم المطبوخ بنجس حتى نضج لا يطهر أبداً عند مالك والنعمان وأحمد (وقال) أبو يوسف: يغلي ثلاثاً كل مرة بماء طاهر ويجفف كل مرة بتبريده ومرقته تراق لا خير فيها. وعلى هذا الدجاج وغيره المغلي قبل إخراج أمعائه أما لو وضعه بقدر انحلال المسام لنتف الريش فيطهر بالغسل اتفاقاً.
(وقال) الشافعي: يطهر اللحم المطبوخ بنجس بالغسل ولو بماء غير مغلي ثم العصر. وقيل يشترط ان يغلي اللحم مرة أخرى بماء طهور (2).
12 -
تطهير الحبوب- لو طبخ البر والذرة ونحوهما في نجس لا يطهر عند النعمان ومالك إلا إذا جعل في خل (وقال) أحمد: لا يطهر باطن حب تشرب
(1) انظر ص 162 ج 3 عمدة القاري (ما يقع من النجاسة في السمن والماء).
(2)
انظر ص 60 ج 2 مجموع النووي (النجاسة).
النجاسة ولا عجين تنجس لأنه لا يمكن غسله ولا لحم تنجس وتشرب النجاسة (1).
(وقال) أبو يوسف: يطهر بالطبخ ثلاثاً في الماء والتجفيف في كل مرة. (وقال) الشافعي: يطهر بالغسل بماء ولو غير مغلي ثم العصر. وقيل يشترط أن يغلي مرة أخرى بماء طهور.
13 -
تطهير السكين ونحوها- السكين ونحوها من كل صقيل لا مسام له كالسيف والمرآة والظفر والزجاج والأواني المدهونة والخشب المخروج إذا تنجس يطهر بالغسل اتفاقاً وكذا بالمسح عند الحنفيين ومالك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقاتلون بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون بها (وقال) الشافعي وأحمد: لا يطهر ما ذكر ولو صقيلاً فلا يطهر إلا بالغسل اتفاقاً. وإذا سقيت السكين ونحوها ماء نجساً ثم غسلت طهر ظاهرها لا باطنها عند الحنفيين وهو قول الشافعي وعنه أنه يطهر باطنها أيضاً (وقال) أحمد: لا يطهر إناء تشرب نجاسة ولا سكين سقيت ماء نجساً او بولاً او نحوه من النجاسات (2). وإن سقيت بعد بماء طاهر طهرت ظاهراً وباطناً عند الحنفيين والشافعي (قال) في الأم: ولو أحمى حديدة ثم صب عليها شيئاً نجساً او غسلها فيه فتشربته الحديدة ثم غسلت بالماء طهرت لأن الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف (3) وإذا غسل السكين طهر ظاهره دون باطنه ويجوز استعماله في الأشياء الرطبة كما يجوز في اليابسة لكن لا تصح الصلاة وهو حامله وإنما جاز استعماله في الرطب مع قولنا بنجاسة باطنه لأن
(1) انظر ص 136 ج 1 كشاف القناع (وتطهر أرض متنجسة بمائع).
(2)
انظر ص 136 ج 1 كشاف القناع (وتطهر ارض متنجسة بمائع).
(3)
انظر ص 195 ج 1 - الأم (صلاة الخوف).
الرطوبة لا تصل باطنه إذ لو وصلت لطهرت بالماء (1).
(وقال) العلامة منصور بن إدريس: ولا يكفي مسح المتنجس ولو كان صقيلاً كسيف ومرآة لعموم الأمر بغسل الأنجاس والمسح ليس غسلاً فلو قطع بالسيف المتنجس ونحوه قبل غسله ما فيه بلل كبطيخ ونحوه نجسه لملاقاة البلل للنجاسة فإن كان ما قطعه به رطباً لا بلل فيه كجبن ونحوه فلا بأس به كما لو قطع به يابساً لعدم تعدي النجاسة إليه (2).
14 -
تطهير الخف ونحوه- يطهر الخف والنعل ونحوهما- إذا أصابته نجاسة ولو رطبة لا جرم لها كالبول - بالدلك بالأرض عند الأوزاعي واسحق والظاهرية والشافعي في القديم (وروي) عن أحمد لعموم حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم بسند جيد (3){459} .
وهو بعمومه يتناول الرطب واليابس. وما لا جرم له يصير باختلاطه بالتراب ونحوه ذا جرم.
(وقال) أبو يوسف: إذا تنجس الخف ونحوه بنجاسة ذات جرم ولو مكتسباً كتراب أصاب الخف قبل جفافه من نجاسة مائعة يطهر- ولو قبل الجفاف- بدلكه بالأرض او التراب حتى يذهب أثر النجاسة لعموم حديث أبي هريرة أن
(1) انظر ص 600 ج 3 مجموع النووي (النجاسة).
(2)
انظر ص 134 ج 1 كشاف القناع (إزالة النجاسة).
(3)
يأتي رقم 207 ص 162 ج 3 - الدين الخالص طب 2 (الصلاة في النعل والخف).
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا وطئ أحدكم الأذى بنعله او خفيه فطهورهما التراب. أخرجه الطحاوي وابن حبان والحاكم وصححه (1){460} وفي سنده محمد بن كثير ضعيف ومحمد بن عجلان ضعفه ووثقه الأكثر.
فهو يتناول الرطب واليابس (وخص) أبو حنيفة ذلك بالنجاسة الجافة لأن الرطبة تزداد بالدلك انتشاراً وتلوثاً (وعلى) قول أبي يوسف أكثر العلماء وهو المختار لعموم البلوى ونعلم أن الحديث يفيد طهارتها بالدلك مع الرطوبة إذ ما بين المسجد والمنزل ليس مسافة تجف في مدة قطعها ما أصاب الخف رطباً فلإطلاق الحديث مساعد بالمعنى وأما مخالفته في الرقيق فقيل هو مأخوذ من قوله "فإن التراب له طهوره" أي مزيل نجاسته ونحن نعلم أن الخف إذا تشرب البول ونحوه مما لا جرم له لا يزيله المسح ولا يخرجه من أجزاء الجلد فإطلاق الحديث مصروف الى الأذى الذي يقبل الإزالة بالمسح. ولا يخفي ما فيه إذ معنى طهور مطهر واعتبر ذلك شرعاً بالمسح المصرح به في حديث أبي سعيد وكما لا يزيل ما تشربه من الرقيق كذلك لا يزيل ما تشربه من الكثيف حال الرطوبة على المختار للفتوى .. والحاصل فيه بعد إزالة الجرم كالحاصل قبل الدلك في الرقيق فإنه لا يشرب إلا ما في استعداده قبوله وقد يصيبه من الكثيفة الرطبة مقدار كثير يشرب من رطوبته مقدار ما يشربه من بعض الرقيق (2).
(وقال) مالك ومحمد بن الحسن والشافعي في الجديد وأحمد في المشهور عنه: لا يطهر الخف والنعل ونحوهما إلا بالغسل كسائر النجاسات. وحملوا الأذى في
(1) انظر ص 31 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 166 ج 4 مستدرك (ومحمد ابن كثير ضعيف) لكن تابعه غير واحد من الثقات.
(2)
انظر ص 136 ج 1 فتح القدير لابن الهمام (الأنجاس).
الحديثين على النجاسة اليابسة التي تزول بالدلك. وهو تأويل بعيد لا يتفق وإطلاق الحديث. وحمل النووي الأذى على ما يستقذر ولا يلزم منه النجاسة كمخاط ونخامة ونحوهما مما هو طاهر أو مشكوك فيه (1) وحمله بعض الحنبلية على يسير النجاسة يكون على أسفل الخف والحذاء بعد الدلك فإنه يعفي عنه (2).
(والراجح) القول بعدم الفرق بين النجاسة الرطبة واليابسة والمرئية بعد الجفاف وغيرهما لعموم الأحاديث ودعوى التخصيص بالجافة أو المرئية لا دليل عليها.
(والظاهر) أن الحديثين محمولان على الأرض الرملية الصحراوية والجبلية كجزيرة العرب فإن النعال بها لا تتشرب النجاسة وإذا علقت بها يزيلها الدلك وإن بقي منها أثر كان يسيراً يعفي عنه. أما النعال والأحذية يوطأ بها أرض المدن والأمصار والقرى غير الرملية فتتشرب النجاسة وتعلق بها فلا يزيلها الدلك وإن أزال بعض ما علق بها لا يزيل ما تشربته بحال فلا تطهر به.
(ويؤيده) صدر حديث أبي سعيد قال: بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً (الحديث (3)).
(1) انظر ص 599 ج 2 مجموع النووي.
(2)
انظر ص 137 ج 1 كشاف القناع (ولا يعفي عن يسير نجاسة).
(3)
(الحديث) تقدم تمامه رقم 459 ص 406 (تطهير الخف ونحوه) ومما ذكر يعلم بطلان ما يقع من بعض الناس يدخلون بيوت الخلاء ويسيرون في الطرقات الممتلئة بالقاذورات وقد تلوثت نعالهم وتشربت النجاسات ثم يأتي أحدهم مكان الصلاة ويدلك أسفل النعل ثم يصلي به زاعماً أنه يعمل بالحديث وصاحب الحديث منه بريء فحسبنا الله ونعم الوكيل.
(فهو) صريح في أنه لا تصح الصلاة بالنعل وفيه قذر.
15 -
الأواني- هي ثلاثة: خزف وخشب وحديد ونحوها.
وتطيرها على أربعة أوجه: حرق ونحت ومسح وغسل. فإذا كان الإناء من خزف او حجر وكان جديداً ودخلت النجاسة في أجزائه يحرق. وإن كان عتيقاً يغسل وإن كان من خشب وكان جديداً ينحت وإن كان قديماً يغسل. وإن كان من حديد او نحاس او رصاص او زجاج وكان صقيلاً يمسح وإن خشنا يغسل (1).
16 -
تطهير ما أصابه بول الغلام - (قال) الشافعي وأحمد واسحاق والثوري وداود الظاهري: يكفي رش ما أصابه بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ولابد من غسل ما أصابه بول الصبية وإن لم تأكل الطعام. وروي عن مالك (لحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح والترمذي وحسنه (2){461} وفي رواية لأحمد وأبي دود (قال قتادة)
(1) انظر ص 186 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح.
(2)
انظر ص 244 ج 1 - الفتح الرباني. وص 253 ج 3 المنهل العذب (بول الصبي يصيب الثوب). وص 97 ج 1 - ابن ماجه (بول الصبي الذي لم يطعم) و (الرضيع) صفة للغلام. وهو قيد أيضاً للفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث (وقد شذ ابن حزم) فقال أنه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد الذي يجب مل المطلق عليه كما تقرر في الأصول.
أحد رجال السند وهذا ما ل يطعما، فإذ طعما غسلا جميعاً. وعن أبي السمح خادم رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم (1){462} .
(والأحاديث) في ذلك كثيرة. والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة (وعند) أحمد يلحق ببول الغلام- الذي لم يأكل الطعام- قيئة فيكفي نضحه لأنه أخف من البول ولا يكفي نضح قيء الأنثى (2).
(وقال) الحنفيون ومالك: بول الغلام والجارية سواء في وجوب الغسل (لحديث) عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمذي والمني والدم والقيء. أخرجه البيهقي والدارقطني والبزار وأبو يعلي (3){463} وفي سنده ثابت بن حماد متهم بالوضع. وهو عام يشمل كل بول. لكن الحديث ضعيف.
(قال) البيهقي فهذا باطل لا أصل له وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد وهذا غير محتج به. وثابت متهم بالوضع وعلى فرض صحته، فهو مخصوص بالأحاديث الدالة على أنه ينضح من بول الصبي.
(1) انظر ص 251 ج 3 - المنهل العذب (بول الصبي يصيب الثوب). وص 57 ج 1 مجتبي (بول الجارية). وص 97 ج 1 ابن ماجه (بول الصبي الذي لم يطعم).
(2)
انظر ص 126 ج 1 كشاف القناع (إزالة النجاسة).
(3)
انظر ص 14 ج 1 سنن البيهقي (إزالة النجاسة بالماء). وص 47 سنن الدارقطني. وص 283 ج 1 مجمع الزوائد (ما يغسل من النجاسة).
17 -
تطهير الأرض- (قالت) المالكية والشافعية والحنبلية: الأرض المتنجسة رخوة أو صلبة، تطهر بصب ماء كثير عليها (لقول) أبي هريرة: قام أعرابي فبال في المسجد. فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء. فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعوا معسرين. أخرجه أحمد والبخاري والأربعة (1){464} .
(وتقدم) نحوه عن أنس (2)(وقال) الحنفيون: تطهر الأرض:
(أ) بأن يصب عليها الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة بخرقة طاهرة.
(ب) يصب ماء كثير عليها يزيل لون النجاسة وريحها (لحديث) أبي هريرة.
(جـ) وتطهر الأرض أيضاً وما اتصل بها اتصال قرار كالشجر والبناء بالجفاف، أي ذهاب الندوة ولو بريح، وذهاب أثر النجاسة كلون وريح، بالنسبة للصلاة لا للتيمم، عند الحنفيين وبه قال الشافعي في التقديم (3) فتصح الصلاة عليها ولا يصح التيمم منها (لقول) أبي قلابة: جفاف الأرض طهورها. أخرجه عبد الرازق (4){63} .
(1) انظر ص 224 ج 1 فتح الباري (صب الماء على البول في المسجد). وص 255 ج 3 - لمنهل العذب (الأرض يصيبها البول). وص 98 ج 1 - ابن ماجه (الأرض يصيبها البول .. ) و (السجل) بفتح السين المهملة وسكون الجيم، هي والذنوب، الدلو العظيمة ملأى.
(2)
تقدم رقم 453 ص 397 (دليل لزوم تطهير مكان المصلي).
(3)
انظر ص 596 ج 2 مجموع النووي.
(4)
انظر ص 52 ج 1 نيل الاوطار (تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة).
(وقال) ابن عمر: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك. أخرجه البخاري وأبو داود (1){465} .
(فلولا) اعتبارها تطهر بالجفاف، لكان ذلك إبقاء لها على وصف النجاسة، وهو ينافي الأمر بتطهير المسجد. فلزم كونها تطهر بالجفاف (وقال) مالك وأحمد والشافعي في الجديد: لا تطهر الأرض ولا غيرها بشمس ولا ريح ولا جفاف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسل أمر بغسل بول الأعرابي ولو كان يطهر بذلك لاكتفى به (2)(وأجابوا) عن الحديث باحتمال أن الكلاب كانت تبول في غير المسجد ثم تقبل وتدبر فيه وعلى فرض أنها كانت تبول فيه، فيحتمل أن عدم الرش لخفاء محل بولها، أو لكونه معفواً عنه لعلة.
18 -
تطهير اللبن- هو بكسر الباء الطوب النيء وهو قسمان:
(أ) مختلط بنجاسة جامدة كالروث والعذرة وعظام الميتة فهو نجس لا طريق إلى تطهيره عند مالك والشافعي وأحمد لأن الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل وإن أحرق لا يطهر عند الجمهور (وقال) بعض الشافعية: يطهر ظاهره بالغسل وتصح الصلاة عليه مع الكراهة ويكره أن يبنى به مسجد. وعلى الأول لا يجوز بناء مسجد به ولا يصلي عليه فإن بسط عليه شيء صحت صلاته مع الكراهة. ولو حمله مصل ففي صحة صلاته الوجهان فيمن حمل قارورة فيها نجاسة وسد رأسها
(1) انظر ص 196 ج 1 فتح الباري (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم). وص 260 ج 3 - المنهل العذب (طهور الأرض إذا يبست).
(2)
انظر ص 135 ج 1 كشاف القناع (وتطهير أرض متجسة بمائع). وص 596 ج 2 مجموع النووي.
بنجاس ونحوه. الصحيح أنه لا تصح صلاته (1)(وقال) الحنفيون: يطهر الطوب النجس بالإحراق وبه قال بعض الشافعية بناء على أن الأرض تطهر بالشمس. والنار أبلغ. (ب) وغير المختلط بنجاسة جامدة كالمعجون ببول او بماء نجس فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل الى جميع أجزائه عند الحنفيين وبعض الشافعية ولا يطهر عند مالك وأحمد والشافعي في الجديد. ولو أحرق هذا اللبن طهر ظاهره وباطنه عند الحنفيين وبعض الشافعية (وقال) غيرهم: يطهر ظاهره بالغسل بعد الحرق ولا يطهر باطنه إلا أن يدق حتى يصير تراباً ثم يفاض عليه الماء. ولو كان بعد الحرق رخواً لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الحرق أي يطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع أجزائه عند بعض الشافعية (2).
19 -
الاستحالة - هي تحول الشيء إلى شيء آخر مخالف له في اللون والطعم والريح كصيرورة العذرة رماداً. وهي مطهرة عند محمد بن الحسن وعليه الفتوى. فيطهر زيت نجس أو متنجس بجعله صابوناً. ويطهر حيوا ألقى في مملحة حتى صار ملحاً او ترابا أو أطروناً أو احترق بالنار حتى صار رماداً لأن زوال الحقيقة يستتبع زوال الوصف ولا بأس بالخبز في تنور رش بماء نجس. ويطهر طين تنجس صنع منه كوز او قدر ثم أحرق ولم يظهر فيه أثر النجاسة بعد الحرق. ويطهر قذر وقع في بئر فصار طيناً لانقلاب العين (وقال) أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد: الاستحالة لا تطهر إلا جلد الميتة يطهر بالدبغ، والخمرة إذا تخللت بنفسها كما يأتي، والدم إذا استحال مسكاً، والعلقة إذا صارت حيواناً فإنها
(1) انظر ص 597 ج 2 مجموع النووي (اللبن النجس ضربان).
(2)
انظر ص 597 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).
تصير طاهرة كالماء المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره بالمكاثرة (وزاد) مالك وأبو يوسف النجس إذا استحال رماداً بالإحراق فإن النار مطهرة عندهما.
20 -
تطهير التراب- إذا اختلطت عين النجاسة بتراب نجس ولم يتميز لا يطهر بصب الماء عليه لأن العين النجسة لا تطهر بالغسل وطريقه أن يزال التراب الذي وصلت اليه النجاسة او يطرح عليه تراب طاهر يغطيه فلو طرح على النجاسة تراب طاهر جازت الصلاة عليه مع الكراهة كما لو دفن ميتة وسوى فوقها التراب الطاهر تصح الصلاة مع الكراهة لأنه مدفن النجاسة (1) ولو وقع بول او نحوه على أرض فرفع التراب الذي أصابه البول حتى ظهر ما لم يصبه البول طهر الموضع وصحت الصلاة عليه (2).
21 -
تطهير الفم- إذا غسل شخص فمه النجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما هو في حد الظاهر ولا يبتلع طعاماً ولا شراباً قبل غسله لئلا يكون أكل نجاسة (3).
22 -
تطهير المصبوغ- لو غمس شخص يده في دهن نجس أو اختصبت المرأة بالحناء النجس أو صبغ الثوب بنجس يطهر كل بالغسل ثلاثاً حتى تزول العين ولا يضر بقاء اللون على الصحيح لأنه لا يضر بقاء لون شق زواله (وقال) بعض الحنفيين: ينبغي غسله حتى يصفو الماء. وأثر الوشم يطهر بالغسل ثلاثاً عند الحنفيين (وقيل) يغسل حتى يسيل الماء صافياً ولا يضر بقاء اللون لأنه يشق زواله وكذا المصبوغ بالدم.
(1) انظر ص 600 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).
(2)
انظر ص 601 و 603 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).
(3)
انظر ص 601 و 603 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).
23 -
ويطهر المتنجس بالتصرف في بعضه كما لو بالت دواب على نحو حنطة تدوسها فقسم أو غسل بعضه أو ذهب بهبة أو أكل أو بيع فإنه يطهر الباقي والذاهب لاحتمال أن تكون النجاسة في الباقي أو الذاهب فلم يحكم على احدهما بعينه ببقاء النجاسة (1).
24 -
تطهير السكر- هو أن تنجس قبل أن ينعقد بأن تنجس مائعاً ثم طبخ سكراً لا يطهر عند الثلاثة (وقال) أبو يوسف: يطهر كالعسل بالغلي ثلاثاً حتى يعود كما كان وإن تنجس بعد أن انعقد طهر بغمره في الماء عند الحنفيين والشافعي فإن تنجس مائعاً لم يطهر عند الثلاثة (وقال) أبو يوسف: يطهر بالغلي ثلاثاً حتى يصير كما كان.
25 -
تطهير الدقيق- هو إذا عجن بماء نجس يجفف او يضم إليه دقيق حتى يجمد ثم ينقع في الماء فيطهر وإن كان جامداً فأصابته نجاسة يغمر في الماء فيطهر.
26 -
تخلل الخمر- الخمر ما اتخذ من عصير العنب وشرعاً كل مسكر ولو متخذاً من نبيذ التمر أو القصب أو العسل او غيرهما (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. أخرجه مالك والخمسة (2){446} .
وهي قسمان (أ) محترمة وهي ما عصرها غير المسلم او عصرها مسلم لا بقصد الخمرية (ب) وغير محترمة وهي ما عصرها مسلم بقصد الخمرية. وهي بقسميها تطهر بالتخلل أي بصيرورتها خلا بنفسها فيجوز الانتفاع بها اجماعاً.
(1) انظر ص 602 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).
(2)
انظر ص 103 ج 2 تيسير الوصول (تحريم المسكر).
(وإن) صارت خلال بطرح شيء فيها كالماء والخبز والبصل او بنقلها من شمس إلى ظل وعكسه، او بفتح رأس الدن تطهر عند الحنفيين والأوزاعي والليث بن سعد، لأن العصير غالباً لا يتخلل الا بعد التخمر. فلو لم نقل بالطهارة لتعذر اتخاذ خل من الخمر وهو حلال اجماعاً. ولعموم حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: نعم الادام الخل. أخرجه السبعة الا البخاري (1){467} .
وهو بعمومه يتناول أنواع الخل ولأن التخليل إصلاح كدبغ الجلد بإزالة صفة الاسكار فلا يكره لأن التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل الآدامي كتطهير الثوب والبدن والأرض وغيرها. ويطهر دنها معها للضرورة. ولو صب ماء في خمر او بالعكس ثم صار خلا كان طاهراً على الصحيح عند الحنفيين اما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت فهو نجس على الصحيح لأنها تنجست بعد التخلل بخلاف ما لو أخرجت قبله وقبل التفسخ. وكذا لو وقعت في العصير او ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر في المختار.
(وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر به (لقول) أنس: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال: لا. أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح (2){468} .
(1) انظر ص 9266 ص 285 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير.
(2)
انظر ص 152 ج 13 نووي مسلم (تحريم تخليل الخمر). وص 263 ج 2 تحفة الاحوذي (بيع الخمر) ولفظه عند أبي داود: عن أنس ان ابا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال: أهرقها قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال لا. انظر ص 317 ج 3 عون المعبود (الخمر تخلل).
(وهذا) نهى يقتضي التحريم ولو كان إلى إصلاحها سبيل لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم كما صرح به في رواية أبي داود. (أما) إذا نقلت من الشمس إلى الظل او العكس، ففي طهارتها وجهان عند الشافعي وأحمد أصحهما تطهر. وإن نقلها بقصد التخلل لم تطهر عند أحمد. ودنها يطهر بطهارتها (وعن) مالك في تخليلها ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام ولو خللها أثم وطهرت.
(عشر فوائد)(الأولى) قد يصير العصير خلا من غير تخمر في ثلاث صور:
(أ) أن يصب العصير في الدن المعتق في الخل فينقلب خلاً.
(ب) أن يصب عليه خل أكثر منه او مساو له فيصير الجميع خلا.
(جـ) أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملأ منها الدن ويغطي رأسه بغطاء محكم حتى يصير خلا.
(الثانية) يجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها إذا غسلت وإمساك ظروف الخمرة المحترمة لتصير خلا وغير المحترمة يجب إراقتها فلو لم يرقها فتخللت لأن النجاسة للشدة وقد زالت (1).
(الثالثة)(قال) الحنفيون وأحمد في رواية "العصير" والخل وماء الورد ونحوها من كل مائع مزيل للنجاسة "حكمه" حكم الماء في أنه تزال به النجاسة الحقيقية وأنه إذا كان كثيراً لا ينجس الا بظهور أثر النجاسة فيه.
(الرابعة) لو طرح شخص في العصير بصلاً او ملحاً واستعجل به الحموضة قبل الاشتداد فصار خمراً ثم انقلبت بنفسها خلاً، والبصل فيها يطهر عند الحنفيين. وبه قال غيرهم لأنه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن. والأصح
(1) انظر ص 577 ج 2 مجموع النووي (الرابعة متى عادت الطهارة بالتخلل طهرت اجزاء الظرف للضرورة).
عند غيرهم أنه لا يطهر لأن المطروح ينجس بالتخمر فتستمر نجاسته بخلاف أجزاء المدن للضرورة (1). (الخامسة) التصرف في الخمر حرام على أهل الذمة عند مالك لأنهم مخاطبون عنده بفروع الشريعة على المعتمد. وكذا عند الشافعي لأنهم معذبون على تركها وإن لم يخاطبوا بأدائها في الدنيا (وقال) الحنفيون: يجوز لهم التصرف فيها لأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة.
(السادسة) الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة، فإن سائر الأطعمة تفسد بطول المكث ولا تنجس، لكن يحرم الأكل في هذه الحالة للإيذاء لا للنجاسة كاللحم إذا أنتن يحرم أكله ولا يصير نجساً، بخلاف السمن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن. وكذا الأشربة لا تحرم بالتغير، ويتفرع على حرمة أكل اللحم إذا أنتن للإيذاء لا للنجاسة حرمة أكل الفسيخ لما ذكر. وفي تذكرة داود عند ذكر السمك قال: والمقدد الشهير بالفسيخ رديء يولد السداد والقوالنج والخصي والبلغم الحصى وربما أوقع في الحميات الربعية والسل ويهزل (2).
والفسيخ أيضاً حرام عند مالك والشافعي للضرر والنجاسة (فقد) سئل العلامة الشيخ محمد عليش المالكي: ما قولكم في حكم أكل الفسيخ المعروف.
(1) انظر ص 577 و 578 ج 2 مجموع النووي. (وقال النووي): أما الكافر الاصلي فاتفق اصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة وغيرهما من فروع الاسلام. وفي كتب الاصول قال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كأصل الايمان. وقيل: لا يخاطب بالفروع. وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والخمر والربا دون المأمور به كالصلاة. الصحيح الاول وليس هو مخالفاً لما في الفروع لأن مرادهم أنهم لا يطالبون بها في الدنيا. والمراد بما في كتب الاصول انهم يعذبون في الاخرة زيادة على عذاب الكفر. انظر ص 4 ج 3 مجموع النووي.
(2)
انظر ص 22 حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (الاستحالة الى فساد لا توجب نجاسة- فصل في مسائل الابار).
(فأجاب) بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. حكمه الحرمة لنجاسته بشربه من الدم المسفوح الذي يسيل منه حال وضع بعضه على بعض (قال) في المجموع: ودم مسفوح وإن من سمك فما شربه من المملح بعد انفصاله نجس (1).
(وقال) العلامة أحمد الحلواني الشافعي: قد أجمع المسلمون على طهارة ميتة السمك. نعم الفسيخ المعروف متنجس لختلاطه بدمه وصديده وما في جوفه فلو أخرج ما في جوفه قبل تفسيخه وغسل ثم فسخ فمتنجس، إذ مجرد اختلاطه بصديد نفسه المنبث فيه كاف في التنجس، فلا يجوز أكله ولا بيعه ولا التصرف فيه لا فرق بين الفسيخة الواحدة تفسخ وحدها وبين الأكثر ولا بين الطبقة العليا والطباق السفلى. فألف سيخ في عين من يحلل الفسيخ عندنا (وكذا) عند الحنفية فإنهم حرموه لكونه يضر. وقيل: إذا اشتد تغيره تنجس وعليه فحرمة الفسيخ عندهم للضرر والنجاسة فإنه شديد التغير والنتن. وظاهر قولهم لكونه يضر أن المعتبر فيه الشأن فيحرم ولو على من لا يضره مس اعتاده كالأصحاء الأقوياء الذين لا يظهر لهم ضرره. وهذه العلة وحدها ناهضة بالتحريم عندنا (وأما) المالكية فقد ذكروا أنه إن تحقق ضرر ميتة البحر حرمت للضرر. وأما مذهبهم في خصوص الفسيخ فالمشهور أنه نجس (وأما) بطارخ الفسيخ فالمعتمد عندنا فيها الحل لأن غلافها ولو رقيقاً يمنع الصديد والدم وهو مذهب المالكية أيضاً كما نص عليه العلامة الأمير (2).
(السابعة) البيضة الطاهرة إذا استحالت دماً ففي نجاستها وجهان. الأصح
(1) انظر 134 ج 1 فتح العلي المالك على مذهب الامام مالك.
(2)
انظر ص 36 و 37 - الوسم في الوشم.
النجاسة كسائر الدماء. والثاني الطهارة كاللحم وغيره من الأطعمة إذا تغيرت. ولو صارت مذرة وهي التي اختلط بياضها بصفرتها فطاهرة اتفاقاً وكذا
اللحم اذا انتن فطاهر على الصحيح (1).
(الثامنة) إزالة النجاسة التي لم يعص الشخص بالتطلخ بها في بدنه واجبة لا على الفور بل عند إرادة الصلاة ونحوها. لكن يستحب تعجيل إزالتها (2).
(التاسعة) لا ينجس الماء بوروده على محل النجاسة بل يبقى مطهراً فلو صبه على موضع النجاسة من الثوب فانتشرت الرطوبة فيها لا يحكم بنجاسة موضع الرطوبة ولو صب الماء في إناء نجس ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور فإذا إدارة على جوانبه طهرت وهذا قبل الانفصال فلو انفصل الماء متغيراً وقد زالت النجاسة عن المحل. فالماء نجس وكذا المحل على الصحيح لأن الماء المنفصل نجس. وقد بقيت منه أجزاء في المحل. ولو وقع بول على ثوب فغسل بماء موزون فانفصل زائد الوزن. فالزيادة بول والماء نجس كما لو تغير ولا يطهر المحل على الصحيح (3).
(العاشرة) لو رأى شخص في ثوب غيره نجاسة مانعة فإن غلب على ظنه أنه لو أخبره أزالها وجب أخباره وإلا فلا. والأمر بالمعروف على هذا. وإن علم انه لا يتعظ ولا ينزجر بالقول ولا بالفعل ولو بإعلام سلطان أو زوج او والد له قدرة المنع لا يلزمه ولا يأثم بتركه. لكن الأمر والنهي افضل وإن غلب على ظنه أنه يضربه أو يقتله لأنه يكون شهيداً قال تعالى (أقم الصلاة وأمر
(1) انظر ص 556 ج 2 مجموع النووي (البيضة اذا استحالت دماً ففي نجاستها وجهان
…
).
(2)
انظر ص 599 منه (مسائل تتعلق بالباب).
(3)
انظر ص 600 ج 2 مجموع النووي (للماء قوة عند الورود على النجاسة).
بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (1)(17 - لقمان).
(تنبيهات)(الأول) اشتمل (التوحيد) بهذا الجزء - أصل وهامش- على 184 - أربعة وثمانين ومائة دليل من السنة (منها) 170 سبعون ومائة حديث (ومنها) 14 - أربعة عشر أثراً.
(الثاني) اشتمل (الفقه) بهذا الجزء- أصل وهامش - على 531 أحد وثلاثين وخمسمائة دليل من السنة (منها) 468 ثمانية وستون وأربعمائة حديث المكرر منها 15 خمسة عشر حديثاً (ومنها) 63 ثلاثة وستون أثراً.
(الثالث) قد بين بالهامش أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أحاديث هذا الجزء ومراجع النصوص العلمية فلينظر بيانها بصفحتي 375، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد السادات وآله الأطهار وصحابته الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تم بعون الله تعالى الجزء الأول من الدين الخالص
ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى
وأوله (الصلاة)
(1) انظر ص 257 ج 1 رد المختار على الدر المختار (باب الانجاس)(وعزم) مصدر بمعنى المفعول أي الامر بالمعروف من مفروضات الامور.