المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - إعفاء اللحية: - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌6 - إعفاء اللحية:

(فائدة) يستحب نتف الإبط، وحلق العانة وقص الأظافر وتنظيف البدن بالاغتسال في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل أسبوعين مرة، ولا عذر في تركه وراء الأربعين، لحديث أنس قال: وقت لنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وتنف الإبط وحلق العانة، ألا يترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (1){53} .

معناه ألا يترك ما ذكر تركا يتجاوز الأربعين. فلا يجوز تجاوزها. ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء الأربعين.

‌6 - إعفاء اللحية:

هو إرسالها وتوفيرها حتى تعفو وتكثر، من عفا الشيء إذا زاد وكثر، وعفاه وأعفاه إذا كثره. ويجب توفير اللحية ويحرم على الرجل حلقها، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال جزوا الشوارب، وأرخوا اللحي، وخالفوا المجوس. أخرجه أحمد ومسلم (2){54} .

(وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللحي، وأحفوا الشوارب. أخرجه أحمد ومسلم والبخاري، وزاد "وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (3) "{55} .

والأحاديث الصحيحة الصريحة في أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتوفير اللحية كثيرة والأصل في الأمر الوجوب ولا يصرف عنه إلا لدليل ولا دليل. وأمر يتضمن النهي عن حلقها وقصها. والأصل في النهي التحريم ولا يصرف

(1) تقدم رقم 45 ص 174 (وقت إزالة العانة).

(2)

انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة).

(3)

انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم. وص 272 ج 10 فتح الباري (تقليم الأظفار).

ص: 189

عنه إلا لدليل ولا دليل. وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عدم إعفائها من فعل المجوس والمشركين. وكفي بذلك زجرا عن حلقها وعدم توفيرها. ومن القواعد المجمع عليها أن كل قول أو رأى أو هوى لا يوافق كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا قياسا صحيحا، فهو باطل. وليس بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم. قال الله تعالى:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)(65)(سورة النساء، وقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) عجز (7) سورة الحشر "وقوله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خالفوا المشركين، خالفوا المجوس "دليل" على حرمة حلق اللحية (وروى ابن عمر) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم. أخرجه أبو داود. ورواه الطبراني في الأوسط عن حذيفة وقال: وفيه على ابن غراب وثقه غير واحد وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات (1){56} .

وهو دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة. فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد، ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال لا يكفر ولكن يؤدب (2). هذا، وقد نص أئمة المذاهب على حرمة حلق اللحية. قال العلامة السفاريني:"قال" في الإقناع وشرح المنتهى وغيرهما: لا يكره أخذ ما زاد على القبضة من

(1) انظر رقم 8593 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(2)

انظر ص 237 ج 4 سبل السلام (يحرم التشبه بالكفار في زي وغيره).

ص: 190

لحيته (1)، ولا أخذ ما تحت. وأخذ الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه من حاجبيه وعارضيه لفعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر. رواه البخاري (2). (والمعتمد) في المذهب حرمة حلق اللحية (3).

(وقال) في شرح العباب (فائدة) قال الرافعي والنووي: يكره حلق اللحية. واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم (قال) الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة: وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها (4).

وقال العلامة النفرواي: وفي قص الشوارب وإعفاء اللحي مخالفة لفعل الأعاجم فإنهم كانوا يحلقون لحاهم ويعفون الشوارب فما عليه الجند في زماننا من امر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة (5). وقال العلامة العدوي في حاشيته على شرح أبي الحسن على رسالة ابن أبي زيد (تتمة) نقل عن مالك كراهة حلق ما تحت الحنك حتى قال: أنه من فعل المجوس. ونقل عن بعض الشيوخ أن حلقه من الزينة، فتكون إزالته من الفطرة ويجمع بحمل كلام الإمام علي ما لم يلزم على بقائه تضرر الشخص ولا تشوبه خلقته. وكلام غيره

(1) القبضة بضم القاف ما قبضت عليه من شيء وربما جاء بالفتح.

(2)

تقدم رقم 55 ص 189.

(3)

انظر ص 376 ج 1 غذاء الباب (إعفاء اللحي).

(4)

انظر ص 376 ج 9 حاشيتي الشرواني وابن قاسم على شرح التحفة. قبيل كتاب الأطعمة.

(5)

انظر ص 218 ج 3 - الفواكه الدواني (باب الفطرة).

ص: 191

على ما يلزم على بقائه واحد من الأمرين. واختار ابن عرفة جواز إزالة شعر الخد وندب قص شعر الأنف لا نتفه، لأن بقاءه أمام من الجذام، ونتفه يورث الأكله (1). (ويحرم) إزالة شعر العنفقة كما يحرم إزالة شعر اللحية. وإزالة الشيب مكروهة كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموس تحسينا وتزيينا (2).

(وقال) في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للسادة الحنفية في "باب الحظر والإباحة" ويحرم على الرجل قطع لحيته (3) يعني حلقها (وقال) في كتاب الصوم: وأما الأخذ منها "يعني اللحية" وهي دون ذلك "يعني دون القبضة" كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال، فلم يبحه أحد. وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم (4) (وقال) العلامة الحاج رجب في شرح الطريقة المحمدية (مسألة) هل يجوز حلق اللحية كما يفعله الجوالفيون؟ الجواب: لا يجوز. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي (5) أي قصوا الشوارب واتركوا اللحي كما هي، ولا تحلقوها ولا تنقصوها عن القدر المسنون. وهو القبضة (6).

(ومما تقدم) تزداد علما بفساد رأي بعض المتأخرين الذين ي قولون: لا شيء في حلق اللحية لا حرمة ولا كراهة. ينعون على الملتحين والمعممين. وبصرحون بأن الدين ليس عمامة ولا لحية إلى غير ذلك. وهذا حق. لكنهم لم يريدوا به إلا تحقير شان اللحية والعمامة والمتحلين بهما. ولا جرم أن هؤلاء ينطبق عليهم

(1) الأكلة بفتح فكسر، داء في العضو يأتكل منه بكسر الكاف.

(2)

انظر ص 290 ج 2 حاشية العدوى. والعنفقة الشعيرات بين الشفة السفلى والذقن.

(3)

انظر ص 269 ج 5 رد المحتار.

(4)

انظر ص 116 ج 2 رد المحتار.

(5)

تقدم رقم 50 ص 177.

(6)

انظر ص 208 ج 4 الوسيلة الأحمدية.

ص: 192

ما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من رغب عن سنتي فليس مني. أخرجه مسلم والنسائي (1){57} .

ومنهم من زاد الطين بلة فزعم إباحة حلقها أن لم ترض النساء بإعفائها وبعضهم يزعم أن إعفاء اللحية من القوميات والعادات ولا مدخل لدين فيه. "ولئن سلمنا" جدلا أنه من العادات فقط "فلم" لا نتأسى بعادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخلفاء الراشدين، والصالحين من الأمة المحمدية.

(وقد) روى العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة (الحديث). أخرجه الأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح (2){58} .

وقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)(115) سورة النساء. فهؤلاء الذين يشاقون الشريعة وينبذونها، قد توعدهم الله تعالى "فهم" وإن مد الله لهم في الدنيا ولم يعجل فيها عقوبتهم "سينالهم" في أخراهم ما هم به جديرون من عذاب. قال تعالى:(والذين كذبوا بأياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم أن كيدي متين)(182، 183) سورة الأعراف، نسأل الله تعالى السلامة من الفتن.

(1) انظر رقم 15 ص 46 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من ترك السنة) والمعنى أن من رغب عن السنة أعراضا عنها معتقدا أرجحية عمله فليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك كفر وأن كانت الرغبة عنها بنوع من التأويل فمعناه ليس على طريقتي السمحة.

(2)

هذا بعض الحديث رقم 3 بالتوحيد ص 4.

ص: 193

هذا، وأما المرأة إذا نبت لها لحية فيجب عليها إزالتها عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعي: يستحب لها إزالتها. ويتصل بإعفاء اللحية ثلاثة أمور:

(أ) نتف الشيب: هو مكروه عند الأئمة الأربعة والجمهور لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة، ورفعه بها درجة، وحط عنه خطيئة. أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان بأسانيد حسنة، وحسنه الترمذي (1){59} .

(وقال) أنس بن مالك: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الأثر). أخرجه مسلم (2){70} . وهذا متفق عليه.

(وعن طارق) بن حبيب أن حجاما أخذ من شارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرأى شيبة في لحيته. فأهوى بيده إليها ليأخذها، فأمسك صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده وقال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة. أخرجه الخلال في جامعه (3){60} .

(وذهبت) الظاهرية إلى تحريم نتف الشيب، لأنه مقتضى النهي حقيقة.

(قال النووي) لو قيل يحرم النتف للنهي الصريح لم يبعد، ولا فرق

(1) انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (نتف الشيب). وص 278 ج 2 مجتبي. وص 480 راموز الأحاديث.

(2)

انظر ص 96 ج 15 نووي مسلم (شيبه صلى الله عليه وسلم.

(3)

انظر ص 75 ج 1 مغنى ابن قدامة (نتف الشيب).

ص: 194

بين نتفه من اللحية والرأس والشارب والحاجب والعذار، ومن الرجل والمرأة "وفي تعليله" بأنه نور المسلم، ترغيب بليغ في إبقائه، وترك التعرض لإزالته "وتعقيبه" بقوله: ما من مسلم يشيب في الإسلام "والتصريح" بكتب الحسنة، ورفع الدرجة، وحط الخطيئة "نداء" بشرف الشيب وأهله، وأنه من أسباب كثرة الأجور، وإيماء إلى أن الرغبة عنه ينتفه أعراض عن الثواب العظيم.

(قال) ابن العربي: وإنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغييرا للخلقة من أصلها بخلاف الخضب، فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه (1).

(ب) تغيير الشيب: يستحب خضاب شعر الراس واللحية بالصفرة والحمرة عند الأئمة الأربعة. ويحرم بالسواد عند أبي حونيفة ومحمد، وهو الصحيح عند الشافعية. وصوبه النووي قال: يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد (2).

ودليل تحريمه حديث جابر بن عبد الله قال: أتى بأبي قحافة يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد. أخرجه أحمد والأربعة إلا الترمذي (3){61} .

(1) انظر ص 293 ج 1 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 294 منه.

(3)

انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 278 ج 2 مجتبي (النهي عن الخضاب بالسواد). وص 199 ج 2 سنن ابن ماجه. و (ابو قحافة) هو عثمان والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهاغ. و (الثغامة) بثاء مفتوحة وغير معجمة مخففة: نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه به بياض الشيب.

ص: 195

(وعن أبي الدرداء) أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من خضب بالسوداء، سود الله وجهه يوم القيامة. أخرجه الطبراني في الكبير وفي سنده الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات (1){62} .

(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يكون في آخر الزمن قوم خضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. أخرجه أبو داود والنسائي (2){63} .

(وقالت) المالكية والحنبلية: يكره الخضاب بالسواد. وهو قول للشافعية مالم يكن لغرض شرعي كإرهاب العدو. وإلا فلا كراهة بل يؤجر عليه. لحديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: أن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم. أخرجه ابن ماجه بسند حسن (3){64} .

ولإطلاق الحديث قال أبو يوسف: يجوز الخضاب بالسواد مطلقا، وروى عن عثمان.

(1) انظر ص 163 ج 5 مجمع الزوائد (الشيب والخضاب).

(2)

انظر ص 87 ج 4 سنن أبي داود (في خضاب السواد). ص 278 ج 2 مجتبي و (لا يريحون) بفتح الباء، أي لا يشمون، من راح يريح ويراح، أو بضم الباء من أراح.

(3)

انظر ص 199 ج 2 - ابن ماجه (الخضاب بالسواد). و (لهذا) بفتح اللام. و (أرغب الخ) بيان لكون السواد أحسن فإنه يصير المرء به كالشاب الجميل فترغب فيه امرأته ويهابه العدو.

ص: 196

واتفق الأئمة على جواز خضاب الشعر بالحناء والصفرة والكتم (1)، وهل الأفضل الترك أو الفعل؟ روايتان عن مالك، وقال غيره: الفعل أفضل لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن اليهود والنصارى لا يصبغون "يعني شهورهم" فخالفوهم. أخرجه الستة، ولفظ الترمذي: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود (2){65} .

(وحديث أبي ذر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم. أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي (3){66} .

(قال) القاضي عياض: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه. فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل. وروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النهي عن تغيير الشيب (4).

ولأنه صلى الله عليه

(1) الكتم بفتحتين، نبت بخلط بالوسمة يختضب به.

(2)

يأتي رقم 19 ج 5 (المواسم الأجنبية). طب 3.

(3)

انظر ص 147 ج 5 مسند أحمد. وص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 279 ج 2 مجتبي (الخضاب بالحناء والكتمر) والكتم بفتحتين نبات يمني يخرج صبغا بين السواد والحمرة.

(4)

لعله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة يعني الخلوق بفتح الخاء (طيب مركب من زعفران وغيره تغلب عليه الحمرة) وتغيير الشيب (الحديث) أخرجه أبو داود ص 89 ج 4 "خاتم الذهب" والنسائي ص 279 ج 2 (الخضاب بالصفرة) من كتاب الزينة {67} . (وحمل) بعضهم تغيير الشيب على تغييره بالسواد جمعا بين الأحاديث.

ولو فرض عدم اختضابه لما كان قادحا في سنية الخضاب لورود الإرشاد إليه بالقول في الأحاديث الصحيحة.

ص: 197

وعلى آله وسلم لم يغير شيبه. روى هذا عن عمر وعلي وأبي بكر وآخرين. (وقال) آخرون: الخضاب أفضل. وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، للأحاديث الواردة في ذلك (ثم اختلف) هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة. منهم علي وابن عمر وأبو هريرة وآخرون. وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم، وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد.

(قال) الطبراني: الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتغيير الشيب وبالني عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض. بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب ابي قحافة. والنهي لمن له شمط فقط. واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه (1).

وما تقدم من النهي عن التخضيب بالسواد، عام في الرجال والنساء وحكى عن إسحاق بن راهوية أنه رخص فيه للمرأة، لتتزين به لزوجها.

هذا. وللخضب فائدتان: أحداهما تنظيف الشعر مما يعلق بهن الثانية: مخالفة أهل الكتاب.

(جـ) ما يكره في اللحية: يكره فيها ثماني خصال بعضها اشد قبحا من بعض:

1 -

خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد إرهابا للعدو بإظهار الشباب والقوة فلا بأس إذا كان بهذه النية كما تقدم.

2 -

تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة وطلب الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم وإيهام أنه من المشايخ.

(1) انظر ص 80 ج 14 نووي مسلم (خضاب الشيب) ..

ص: 198

3 -

خضابها بصفرة أو حمرة تشبها بالصالحين ومتبعي السنة لا بنية اتباع السنة.

4 -

نتفها في أول طلوعها وتخفيفها بالموسى إيثرا للمرودة واستصحابا للصبا وحسن الوجه. وهذا حرام من أقبح الخصال.

5 -

نتف الشيب وتقدم بسطه.

6 -

الزيادة فيها عن القبضة وعدم الأخذ من طولها العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه.

7 -

النقص منها بالقص ونتف جانبي العنفقة وحلق أعلى العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه.

8 -

عقدها في الحرب لأنها من زي الأعاجم ومنه معالجة الشعر حتى يتجعد. لحديث رويفع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه برئ. أخرجه أبو داود والنسائي بسند جيد (1){68} .

(فائدة) خضاب اليدين والرجلين بالحناء مستحب للمتزوجة من النساء، وحرام على الرجال إلا لحاجة كالتداوي لحديث عائشة قالت: أومأت امرأة من وراء ستر- بيدها كتاب- إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده فقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل ارمأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء. أخرجه النسائي وأبو داود (2){69} .

(1) انظر ص 133 ج 1 - المنهل العذب (ما ينهي عنه أن يستنجى به). وص 277 ج 2 مجتبي (عقد اللحية). و (الوتر) بفتحتين ما يشد بين طرفي القوس. كانت العرب تزعم أن التقلد بالوتر يرد العين ويدفع المكاره فنهوا عن ذلك. وقد طالت الحياة برويفع حتى مات سنة ثلاث وخمسين بغفريقية، وهو آخر من مات بها من الصحابة.

(2)

انظر ص 77 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب للنساء).

ص: 199