المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذى أَنزل على عبده الكتاب، - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذى أَنزل على عبده الكتاب،

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذى أَنزل على عبده الكتاب، والصلاة والسلام على سَيَّد الأَحباب وعلى آله والأَصحاب. هذا والكلام هنا في أَربعة أَصول وبعض الخامس.

(الأول) الأضحية

هي بضَمّ الهمزة وكَسْرها وتخفيف الياءِ وتشديدها (1). وهى لُغة اسْمُ لِمَا يُذْبح أَيام الأَضْحَى. وشَرْعاً اسْمُ لِمَا يُذْبح أَيام الأَضْحَى. وشَرْعاً اْسمُ لِمَا يُذْبح من الإِبل أَو البقر أَو الغنم في أَيام النَّحْر تَقَرُّباً إلى تعالى بِنِيَّة الأُضْحِية، وشروط يأْتى بيانها.

(شُرعَتْ) فى السنة الثانية من الهجرة. وهى ثابتة بالكتاب والسُّنة وإِجماع الأُمَّة. قال الله تعالى: " فَضَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ". على أَنَّ المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنَّحْر نَحرِ الأُضْحِيَة. (وقال) أَنَس بن مالك: ضَحَّى النبىّ صلى الله عليه وسلم بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن ذبحهما بيده وسَمَّى وكَبَّر ووضع رِجْله على صِفَاحهما. أَخرجه السبعة والدارمى. وقال الترمذى: هذا حديث حَسَنُ صحيح (2){1} .

(1) أصله أضحوية، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما ساكنة، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الحاء لمناسبة الياء. ويقال: ضحية بفتح الضاد وكسرها مع شد الياء. وأضحاة بفتح الهمزة وكسرها، ففيها ثماني لغات.

(2)

ص 62 ج 13 الفتح الربانى، وص 17 ج 10 فتح البارى (التكبير عند الذبح) وص 19 ج 13 نووى مسلم (استجباب الضحية .. ) وص 11 ج 3 تكملة الالمنهل (ما يستحب من الضحايا) وص 204 ج 2 مجتبى، وص 353 ج 2 تحفة الأحوذى، وص 140 ج 2 سنن ابن ماجه، وص 75 ج 2 سنن الدارمى (السنة في الأصحية). و (أملحين) تثنية أملح، وهو الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل هو النقى البياض (وسمى وكبر (أى قال باسم الله والله أكبر قبل الذبح. و (الصفاح) بكسر ففتح: جمع صفح بفتح فسكون وهو الجانب. واتفقوا على أنه يسن إضجاعها على الجانب الأيسر فيضع رجله اليمنى على الجانب الأيمن ليكون أسهل عليه في أخذ السكين باليمين وإمساك رأس الذبيحة بيده اليسرى.

ص: 3

(وحِكْمة) مشروعيتها شُكْر الله ومُوَاساةِ الغنىّ للفقير وإِحياءِ سُنَّة سِيِّدنا إِبراهيم عليه وعلى نبينا الصَّلاة والسلام. والتذكِير بنعمة فِدَاءِ وَلَدِه بِذِبحٍ عظيم (وإِلى) هذا يُشِير حديث زَيْدُ بن أَرْقَم قال: قال أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله، ما هذه الأَضَاحِى؟ قال: سُنَّة أَبيكُم إِبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بِكلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَة. قالوا: فالصُّوف يا رسول الله. قال: بكلَّ شَعْرَةٍ من الصُّوف حَسَنة. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والحاكم. وقال: صحيح الإِسناد (1){2} .

(ورد) بأَنَّ في سنده عائذ الله المجاشعى. قال البخارى: لا يَصِحّ حديثه ووثقه ابن حبان. وفيه أَيضاً أَبو داود نُفَيْع بن الحارث، متروك ضعيف متهم بالوضع.

هذا. والكلام فى الأُضْحِيَة ينحصر في ستة عشر فرعاً.

1 -

فضلها:

قد وَرَدَ فى فَضْل الأُضْحِية عدة أَحاديث (منها) حديث عائشة: أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ما عَمِلَ آدمىَّ من عمل يوم النَّحْرِ أَحَبَّ إِلى الله من إِهْرَاقِ الدم، إِنه ليأْتى يوم القيامة بقرونها وأَشعارِها وأَظلافِها وإِنَّ الدَّمَ ليقعُ من الله بمكانٍ قبل أَن يقع من الأَرضِ، فَطِيبُوا بها نَفْساً. أَخرجه ابن ماجه والحاكم. وقال: صحيح الإِسناد. وردّ بأَنَّ فيه سُليمان ابن يزيد. قال الذهبى: واهٍ وبعضهم تركه. وأَخرجه الترمذى وقال:

(1) ص 57 ج 13 الفتح الربانى، وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (ثواب الأضحية)، وص 389 ج 2 مستدرك.

ص: 4

ها حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن عُروة إِلَاّ من هذا الوجه (1){3}

(وحديث) ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال فى يوم أَضْحَى: ما عَمِلَ آدمىّ فى هذا اليوم أَفْضَلَ من دَمٍ يُهْرَاق إِلَاّ أَنْ يكون رَحِماً تُوصَل. أَخرجه الطبرانى في الكبير. وفى سنده يحي بن حسن الخشنى، وهو ضعيف وقد وثقه جماعة (2){4} .

(والأَحاديث) فى هذا كثيرة، وهى وإِنْ كانت ضعيفة (3) يُقَوِّى بعضها بعضاً، وهى تدل على فَضْل التَّضْحِية، وأَنها أَحَبُّ الأَعمال إلى الله يوم النَّحْر، وأَنها تأْتى يوم القيامة على الصِّفَة التى ذُبحت عليها، ويقَعُ دَمُها بمكانٍ من القبول أَن يقَعَ على الأَرض، وأَنها سُنَّة سيِّدنا إِبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأَنَّ للمُضَحِّى بكل شَعَرَاتِ أُضْحِيَتِه حَسَنة.

2 -

حكم التضحية:

هى سُنَّة مؤكَّدَة فى حق الموسِر عند الجمهور (منهم) مالك والشافعى

(1) ص 141 ج 2 سنن ابن ماجه (ثواب الأضحية) وص 221 ج 4 مستدرك. ولفظه: ما تقرب إلى الله يوم النحر بشئ هو أحب

وص 352 ج 2 تحفة الأحوذى (فضل الأضحية) و (إنه ليأتى) أى الحيوان المذبوح. وأنث الضمير في قرونها وما بعده باعتبار أن المذبوح أضحية (وإن الدم ليقع من الله .. إلخ) كناية عن قبول الله تعالى عمل المضحى. والمعنى أنه يؤتى بالأضحية يوم القيامة كما كانت في الدنيا، فتوضع في ميزان حسنات صاحبها فيكون له بكل عضو منها أجر (وعن) على كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها، فإن وقع في الأرض فإنه الدم وقع الأرض فإنه يقع في حرز الله عز وجل. أخرجه الطبرانى في الأوسط، وفى سنده عمرو بن الحصين العقيلى وهو متروك الحديث [5] ص 17 ج 4 مجمع الزوائد (فضل الأضحية).

(2)

ص 18 منه.

(3)

قال ابن العربى فى شرح الترمذى: ليس فى فضل الأضحية حديث صحيح. اه.

ص: 5

وأَحمد وإِسحاق. وروى عن أَبى يوسف، لما تَقَدَّم " ولحديث " أُمّ سَلَمة: أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِذا دَخَلَت العشر وأَراد أَحَدكُم أَن يُضَحَّى فلآ يمسّ من شَعْره وبَشَره شيئاً. أَخرجه الشافعى وأَحمد والنسائى ومسلم وابن ماجه (1){6} ، وأَخرجه الترمذى بلفظ: مَنْ رَأَى هِلآل ذِى الحِجَّة وأَن يُضَحَّى فلآ يأْخُذَنَّ من شَعْره ولا من أَظفاره. وقال: هذا حديث حسن (2){7} . قال الشافعى: هذا دليل على أَن التَّضْحية ليست بواجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم (وأراد) فجعله مفوضاً إِلى إِرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلآ يمسّ من شَعْره حتى يُضَحِّى.

(وعن) حَجَّاج عن جَبلة بن سُحَيم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابن عمر عن الأُضْحية أَوَاجِبَةُ هى؟ فقال: ضَحَّى رسول الله عليه وسلم والمسلمون، فأَعادها عليه. فقال أَتعقل؟ ضَحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون. أَخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن. والعمل على هذا عند أَهل العِلْم أَنَّ الأُضْحِيَة ليست بواجبة ولكنها سُنَّة

من سُنن النبىّ صلى الله عليه وسلم يُسْتَحَبَّ أَنْ يُعْمَل بها (3){8} .

(وقال) أَبو حنيفة ومحمد والأَوْزاعى والليث: الأُضْحِية واجبة عملاً

(1) ص 83 ج 2 بدائع المنن، وص 289 ج مسند أحمد (حديث أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم وص 138 ج 13 نووى مسلم، وص 202 ج 2 مجتبى (الضحايا)، وص 144 ج 2 سنن ابن ماجه.

(2)

ص 365 ج 2 تحفة الأحوذى (باب) آخر الأضاحى.

(3)

ص 358 منه، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن الضحايا أواجبة هى؟ قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وجرت به السنة. وتحسين الترمذى للحديث مردود بأن فى سنده الحجاج بن أرطاة وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة.

ص: 6

لا اعتقاداً على المسِر. وروى عن مالك: ورخَّص للحاجّ فى تركها بمنى. واستدلوا على وجوبها:

(ا)" بحديث " أَبى هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كان له سعة ولم يُضَحّ فلآ يَقْرَبَنَّ مصلانا. أَخرجه أحمد وابن ماجه والدار قطنى والحاكم وصححه. ورد بأَنَّ فى سنده عبد الله بن عياش تَكَلَّم فيه بعض الحفَّاظ (1){9} . وقال الترمذى: الصَّحيح أَنه موقوف على أَبى هريرة (وقال) الحافظ: رجاله ثقات، لكن اختلف فى رفعه ووقفه. والموقوف أَشبه بالصواب، ومع ذلك فليس صريحاً فى الإِيجاب (2).

(ب)" بحديث " أَبى رملة عن مِخْنَف بن سُلَيم قال: كنَّا وُقُوفاً عند النبىِّ صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: يأَيُّهَا الناس إِنَّ على كل أَهل بَيْتٍ فى كل عام ضحية (الحديث) أَخرجه أَحمد والأَربعة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب (3){10} . وقال الخطابى: هذا الحديث ضعيف، وأَبو رملة مجهول. وقال الحافظ: لا حُجَّة فيه لأَنَّ الصيغة ليست صريحة فى الوجوب المطلق. وقد ذكر مع الضحية العتيرة. وليست بواجبة عند مَنْ قال بوجوب الأُضْحِية (4).

(جـ)" بحديث " جُنْدب بن عبد الله بن سفيان البجلى قال: شَهِدْتُ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم النَّحْر فقال: مَنْ ذَبَحَ قبل أَن يُصَلَّى

(1) ص 58 ج 13 الفتح الربانى، وص 141 ج 2 سنن ابن ماجه (الأضاحى واجبة هى أم لا؟ ) وص 541 سنن الدارقطنى، وص 389 ج 2 مستدرك.

(2)

ص 2 ج 10 فتح البارى. الشرح (سنة الأضحية).

(3)

ص 116 ج 13 الفتح الربانى، وص 2 ج تكملة المنهل (إيجاب الأضاحى)، وص 189 ج مجتبى (الفرع والعتيرة) ويأتى بيانهما إن شاء الله تعالى، وص 141 ج 2 سنن ابن ماجه، وص 363 ج 2 تحفة الأحوذى.

(4)

ص 3 ج 10 فتح البارى.

ص: 7

فليعد مكانها أُخْرَى، ومَنْ لم يَذْبَح فَلْيَذْبَح. أَخرجه الشيخان (1){11} . (وجه) الدلالة أَنه أَمْر. والأَمْر للوجوب.

(وأَجاب) الجمهور بأَنَّ الحديثين الأَوَّلين ضعيفان، فلا يحتج بهما، والأَمر في الحديث الشيخين محمول على الاستحباب جمعاً بين الأَدِلَّة.

(قال) الإِمام محمد الصَّنعانى: ولضعف أَدِلَّة الوجوب قال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاءِ: إِنها سُنَّة مؤكَّدَة، بل قال ابن حزم: لا يصحّ عن أَحد من الصحابة أَنها واجبة (2).

3 -

شروط الأضحية:

هى قسمان: شرط طلب، وشرط صحة:

(ا) فشروط طلبها المتفق عليها: الإِسلام والحرية واليسار، فلا تطلب من كافر، لأَنها قربة وهو ليس من أَهْلها، ولا من رقيق ولو مكاتباً، لأَنه ليس أَهلاً للملك، وهى قربة مالية لا تتأَدَّى إِلَاّ بالملك، ولا تطلب من غير مُسِر، لأَنَّ العبادة لا تُطْلَب إِلَاّ من قادِرٍ عليها:

" لآ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُ سْعَهَا ".

هذا، والموسِر الذى تُطْلَب منه التَّضْحِية، هو عند الحنفيين مَنْ يملك نِصَاباً من أَنْصِبة الزكاة أَو قيمته فاضِلاً عن حوائجه الأَصلية من مسكن وملبس ومحوهما. ولو كان له عقار يستغلَّه، فَقِيلَ: تلزمه التَّضْحِية لو قيمته نِصَاباً. وقيل: لو يدخل منه قوت سَنَة. وقيل: لو فضل منه

(1) ص 15 منه (من ذبح قبل الصلاة أعاد)، وص 111 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى).

(2)

ص 122 ج 4 سبل السلام (باب الأضاحى).

ص: 8

نِصَاب بعد قوتِ شهر. وإِن كان العقار وقفاً تلزمه الأُضْحية إِنْ دخل له منه قيمة النصِّاب وقت التَّضْحية.

(وقالت) المالكية: الموسِر الذى تُطْلَبُ منه التَّضْحِية هو الذى لا يحتاج إِلى ثمنها فى ضَرُوريَّاته فى عامِه. فإِذا احتاجَ إِلى ثمنها فى عامِه فلا تُسَنَّ. وإِن استطاع أَن يستدين استدان. وقيل: لا يَسْتَدِين.

(وقالت) الشافعية: الموسِر هو مَنْ يَقْدِر على ثمنها فاضِلاً عن مئُونَتِه ومئُونة مَنْ تلزمه نفقتهم يوم الْعِيد وأَيام التشريق.

(وقالت) الحنبلية: الموسِر هو مَنْ يَقْدِر على ثمنها ولو بالدَّيْن إِذا كان يقدر على وفاءِ دَيْنِه.

(ويشترط) لوجوبها عند الحنفيين أَيضاً الإِقامة، فلا تَجِبُ على المسافر دفعاً للمشقة، وإِن تَطَوَّع بها أَجْزَأَتْهُ، وإِذا اشتراها ثم سافر قبل العيد فله بَيْعها. وكذا لو سافر بعد دخول وقتها قبل أَن يذبح. وتَجِبُ على الحاجّ المكى.

(وقال) غير الحنفيين: لآ يُشْتَرَط لِسُنيتها الإِقامة، لكن يُشْتَرط عند المالكية أَلَاّ يكُون حَاجَّا، فلا تُسَنّ للحاجّ عندهم ولو كان مكِّيًّا، واستدل مَنْ لم يشترط الإِقامة بأَدِلَّة (منها) ما روى جبير بن نفير عن ثوبان قال: ذَبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَحِيَّته، ثم قال: يا ثوبان أَصْلِحْ لحم هذه، فلم أَزَلْ أُطْعمه منها حتى قَدِمَ المدينة. أَخرجه أَبو داود وأَحمد ومسلم (1){12} .

(ويشترط) لطلبها عند الشافعية ومحمد بن الحسن التكليف، فلا تُطْلَب فى مال الصَّغير والمجنون.

(1) ص 39 ج 3 تكملة المنهل (المسافر يضحى) وباقى المراجع بهامش (1) ص 40 منه.

ص: 9

(وقال) غيرهم: تُطْلَبُ فى ما لهما إِن كان وإِلَاّ فلا تُطْلَب من وليهما. قال أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: روى عن أَحمد في اليتيم يُضَحَّى عنه وَلِيِّه إِذا كان موسِراً. وهذا على وجه التَّوسِعَة عليه لا على سبيل

الإِيجاب، فإِنْ نَذرَها وَجَبَتْ لقول النبىّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذرَ أَن يُطِيع الله فَلْيُطِعْه وهذا نذر طاعة (1){13} .

(وعن) أَبى حنيفة أَن الأُضْحِية تَجِبُ على الوالد لولده غير المكلف وكذا وَلَد ولده عند فَقْد أَبيه. والفَتْوَى على الأَوَّل. ولو ضَحَّى عن أَولاده المكلفين وزوجته لا يجوز إِلَاّ بإِذنهم (وعن) أَبى يوسف أَنه يَجُوز استحسانً، لجريان العادة بتضْحِية الأَب عنهم (قال النووى) فى المجموع: مذهبنا أَنه لا يجوز لولىّ اليتيم والسَّفيه أَن يُضَحِّى عنهما من مالهمَا، لأَنه مأْمور بالاحتياط لمالهما، ممنوع من التبرع به. والأُضْحِية تبرع (وقال) أَبو حنيفة: يُضَحّى من مال اليتيم والسّفِيه. (وقال) مالك: يُضَحّى عنه - إِن كان له ثلاثون دِيناراً - بشاة بنصف دينار ونحوه (وأَنكر) ابن المنذر على أَبى حنيفة فقال: يَمْنع خروج الزكاة التى فرَضَها الله من مال اليتيم، ويأْمُر بإِخراج الأُضْحِية التى ليست بفرض. اهـ.

(ب)(ويُشْتَرط) لصِحة الأُضَحِية خمسة شروط:

(الأَوَّل) النِّيَّة لقوله تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ". " ولحديث " إِنمَا الأَعمال بالنيات (قال) النووى فى المجموع

(1) ص 581 ج 3 الشرح الكبير (الأضحية سنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر) والحديث أخرجه السبعة إلا مسلماً عن عائشة. وتمامه: ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ص 36 ج 6 مسند أحمد، وص 464 ج 11 فتح البارى (النذر فى الطاعة) وص 232 ج 3 سنن أبى داود (النذر فى المعصية) وص 142 ج 2 مجتبى، وص 33 ج 1 - ابن ماجه.

ص: 10

والنِّيَّة شرط لصِحَّة التضَّحِية، والأَصَحّ جواز تقديمها على وقت الذَّبح كما فى الصَّوْم والزكاة. واوقال: جعلت هذه الشاة ضَحِيَّة، فلا يكفيه هذا التعيين عن النِّيَّة عند الأَكْثر، لأَنَّ التَّضْحِية قُربة فى نفسها فوجبت فيها النِّيَّة (ورجح) إِمام الحرمين والغزالى الاكتفاءَ لتضمن التعيين النِّية، حتى لو ذبحها يعتقدها شاةَ لحم، أَوْ ذبحها لِصّ، وقعت الموقع. والمذهب الأَول. اهـ بتصرف (1)، (ثم قال): إِذا اشترى شاة ونواها أُضْحِية ملكها ولا تَصِير أُضْحِية بمجرد النِّيَّة، بل لا يلزمه ذبحها حتى ينذره بالقول. هذا مذهبنا وبه قال أَحمد وداود (وقال) أَبو حنيفة ومالك: تَصِير أُضْحِية ويلزمه التَّضْحية بها بمجرد النِّية (2).

(الثانى) يُشْتَرط أَن يكون المضَحَّى به من النَّعَم (أَى الإِبل والبقر والغنم) لقوله تعالى: " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَى مَارَزَقَهُمْ مِنْ بَهيمَةِ اْلأَنْعَام "(3). ولقول ابن شهاب: ما نَحَرَ النبىّ صلى الله عليه وسلم عنه وعن أَهل بيته إِلَاّ بَدَنة واحدة، أَوْ بقَرَة واحدة. أَخرجه مالك (4){14} . ولحديث أَبى سعيد الخدرىّ أضنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُضَحَّى بكَبْش أَقْرَنَ فَحِيل، يأْكُل فى سَوَاد ويمشِى فى سَوَاد وينظر فى سَوَاد. أَخرجه الأَربعة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب (5){15} .

(1) ص 405 ج 8 شرح المهذب.

(2)

ص 425 منه.

(3)

سورة الحج: الآية 34. و (منسكاً) بفتح السين مصدر، أى ذبحاً، وقرئ بكسر السين، يعنى مذبحاً وهو مكان الذبح.

(4)

ص 350 ج 2 زرقانى الموطإ (الشركة فى الضحايا وعن كم تذبح البقرة؟ ).

(5)

ص 13 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقي المراجع بهامش (1) ص 14 منه. و (فحيل) أى كريم منجب كامل الخلقة لم تقطع أنثياه (يأكل فى سواد) أى فمه أسود (ويمشى فى سواد) أى قوائمه سود مع بياض سائره (وينظر فى سواد) أى حوالى عينية سواد.

ص: 11

(فلا تجزئُ) التَّضْحِية بغير النَّعم عند الجمهور (قال النووى) أَجمع العلماءُ على أَنه لا تُجزئ الضحية بغير الإِبل والبقر والغنم، إِلَاّ ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تَجُوزُ التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظَّبى عن واحد. وبه قال داود فى بقرة الوحش (1). (روى) عُبيد الله بن عُمير عن ابن عباس أَنه أَعطى مَوْلًى له دِرْهَمَيْن فقال: اشْتَرِ بِهما لحماً ومَنْ لَقِيَكَ فقُلْ له هذه أُضْحِية ابن عباس (2){1} . (وقال) سويد بن غفلة قال لى بلال: ما كنت أُبالى لو ضحيت بديك. (الأَثر) أَخرجهما سعيد بن منصور (3){2} ومثله روى عن أَبى هريرة. والروايات عن الصحابة فى هذا المعنى كثيرة.

(الثالث) يُشترط فى المضَحَّى به اَلَاّ يكون جذعاً من غير الضأْن، فيجزئُ فيها الجذع من الضأْن وهو ما تم له ستة فأَكثر وكان سميناً بحيث لو خلط بالثنايا لا يمكن تمييزه من بُعد " لقول " عقبة بن عامر الجهنى: ضَحَّيْنَا مع النبى صلى عليه وسلم بجذع من الضَّأْن. أَخرجه النسائى بسند قوى (4){16} " ولحديث " أَبى هريرة أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: نعمت الأُضْحِية الجِذْع من الضَّأْن. أَخرجه أَحمد والترمذى وقال: هذا حديث غريب. وقال الحافظ: فى سنده ضعف (5). {17}

(ويجزئُ) فيها أَيضاً الثنى من الكل وهو ابن خمس من الإِبل اتفاقاً وابن حولين من البقر والجاموس عند الثلاثة (وقالت) المالكية: الثنى من البقر ماله ثلاث سنين ودخل فى الرابعة.

(1) ص 117 ج 13 شرح مسلم (سن الأضحية).

(2)

ص 358 ج 7 المحل لابن حزم (الأضاحى).

(3)

ص 358 ج 7 المحل لابن حزم (الأضاحى).

(4)

ص 204 ج 2 مجتبى (المسنة والجذعة).

(5)

ص 72 ج 13 الفتح الربانى، وص 355 ج 2 نحفة الأحوذى (الجذع من الضأن فى الأضاحى).

ص: 12

(والثنى) من الضَّأْن ماله سنة ودخل فى الثانية اتفاقاً، وكذا من المعز عند الثلاثة خلافاً للشافعية حيث قالوا فى المشهور عنهم: الثنى من من المعز ماله سنتان ودخل فى الثالة.

(ودليل) ذلك حديث جابر بن عبد الله أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تَذْبَحُوا إِلَاّ مُسِنَّة إِلَاّ أَنْ يُعْسَر عليكُم فتذبحوا جذعة من الضَّأْن. أَخرجه أَحمد ومسلم والأَربعة إِلَاّ الترمذى (1){18} . وفى سنده أَبو الزبير مدلس.

(وظاهره) أَن الجذع مِنَ الضَّأْن لا يُجْزئُ إِلَاّ إِذا تَعَسَّرَت المسِنَّة. وليس كذلك، بل الجذع من الضأْن مجزئُ مع وجود المسنَّة، لإِطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: نعمت الأُضْحِية الجذع من الضَّأْن (2)" ولحديث " أُمّ بلال بنت هلال عن أَبيها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجوز الجذع من الضَّأْن ضَحِيَّة. أَخرجه الشافعى وأَحمد وابن ماجه (3){19} . وفى سنده أُمّ محمد بنت أَبى يحي مجهولة.

(ولقول) عقبة بن عامر: قَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أَصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة. فقلت: يا رسول الله أَصابنى جذع. فقال: ضَحّ به. أَخرجه أَحمد والشيخان والنسائى (4){20} . ولذا قال عامة العلماءِ: الجذع من الضَّأْن يجزئُ مع تيسر الثنى.

(1) ص 14 ج 3 تكملة المنهل وباقى المراجع بها مش 2 ص 16 منه.

(2)

تقدم رقم 17 ص 12.

(3)

ص 84 ج 2 بدائع المنن، وص 75 ج 13 الفتح الربانى، وص 143 ج 2 ابن ماجه (ما يجزئ من الأضاحى).

(4)

ص 72 ج 13 الفتح الربانى، وص 3 ج 10 فتح البارى (قسمة الأضاحى بين الناس)، وص 119 ج 3 نووى مسلم (سن الأضحية)، وص 204 ج 2 مجتبى (المسنة والجذعة).

ص: 13

(وأَجابوا) عن حديث جابر بأَنه محمول على الأَفْضَل والاستحباب. ويكون تقديره مُستحب لكُم اَىَّ تذبحوا إِلَاّ مُسِنَّة، فإِنْ عجزتُم فجذعة ضأْن. هذا (وقال) الجمهور: لا يُجْزِئُ من غير الضأَن إِلَاّ الثنى، لظاهر حديث جابر.

(ولقول) البراءِ بن عازب: ضَحَّى خالى أَبو بُرْدَة قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: شَاتُكَ لَحْم. فقال: يا رسول الله، إِنَّ عندى داجنا جذعة من المعز. قال: اذبحها ولا تصلح لغيرك (0 الحديث) أَخرجه أَحمد وأَبو داود والبخارى والدارمى (1){21} .

(فوائد):

(الأُولى) اختلف العلماءُ فى أَفضل الضحايا. والأصَل فيه عند الحنفيين أَن أَفضلها أَطيبها لحماً إِن استويا فى اللحم والقيمة، وإِذا اختلفا فيهما فالأَكثر قيمةً أَوْ لحماً أَفْضَل. ولذا قالوا: الشاة أَفْضَل من سُبع البدنة إِذا استويا فى القيمة واللحم. وكذا الشاه السمينة التى تُسَاوى البقرة قيمةً ولحماً أَفْضَل منها. والكبش أَفْضَل من النَّعْجَة إِذا استويا فيهما. والأُنثى من المعز والإِبل والبقر أَفضل من الذكَر إِذا استويا قيمة. وقاله فى الدر المختار (2)(وقال) ابن وهبان: الذكَر من المعز أَفْضَل من الأُنثى إِذا كان خصياً.

(ومشهور) مذهب مالك: أَنَّ الأَفْضَل التَّضْحية بالضأْن، لما تقدم عن أَنَس أَنَّ صلى عليه وسلم ضَحَّى بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن (3).

(1) ص 90 ج 13 الفتح الربانى، وص 20 ج 3 تكملة المنهل (ما يجوز فى الضحايا من السن) وباقى المراجع بهامش 5 ص 22 منه، و (قبل الصلاة) أى صلاة العيد. و (الداجن) ما يعلف فى البيت من الغنم والمعز.

(2)

ص 223 ج 5 هامش رد المحتار.

(3)

تقدم رقم 1 ص 3.

ص: 14

ولأَنَّ الضأْن أَطْيَب لحماً. ويلى الضأْن المعز ثم البقر ثم الإِبل. وذكر كل نوع أَفْضَل من أُنثاه.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: الأَفْضَل الإِبل ثم البقر ثم الضأْن ثم المعز، لما تقَدَّم عن أَبى هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ك مَن اغْتَسَل يَوْمَ الْجُمْعَةِ غُسْلَ الْجَنَابة ثم راحَ فى الساعةِ الأُولَى فَكَأَنما قَرَّب بَدَنَةِّ، ومَنْ راحَ فى الساعة الثانية فكَأَنما قَرَّبَ بقرةً، ومَنْ راحَ فى الساعة الثالثة فكَأَنما قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ (الحديث)(1){22} .

قال أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: والشَّاة أَفْضل من شرْك فى بَدَنَةَ لأَنَّ إِراقةَ الدَّم مقصود فى الأُضْحِية. ز والمنفرد يتقرب بأَراقته كله. والذكَر والأُنثى سواء، لأَنَّ الله تعالى قال:"ط لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَارَزَقَهُمْ مِنْ بَهيمَةِ الأَنْعامِ ". وقال: "ط وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائر اللهِ ". ولم ويقل ذكَراً ولا أُنثى، ولأَنَّ القصد اللحم، ولحم الذكر أَوْفَر، ولحم الأُنثى أَرْطَب فتساويا. وقال أَحمدد: الخصى أَحَبّ إِلينا من النَّعْجَة، لأَنَّ لحمه أَوْفَر وأَطْيب. والكبش فى الأُضْحِية أَفْضَل النعم، لأَنَّهَا أُضْحِيَة النبىَّ صلى اله عليه وسلم. والضَّأْن أَفْضَل من المعز لأَنه أَطيب لحماً (وقال) القاضى: جذع الضَّأْن أَفْضَل من ثنى المعز لذلك، ولما روى أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: نعمت الأُضْحِية الجذع من الضَّأْن. ويتحمل أَن يكون الثنى من المعز أَفْضَل من الجذع، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تَذْبَحُوا إِلَاّ مُسِنَّة، فإِنْ عسر عليكُم فاذبحوا الجذع من الضَّأْن. رواه مسلم (2).

(1) تقدم رقم 142 ص 136 ج 4 الدين الخالص.

(2)

تقدم عن جابر رقم 18 ص 13.

ص: 15

(وهذا) يدل على فَضْل الثنى عى الجذع، لكونه جعل الثنى أَصلاً والجذع بدلاً لا ينتقل إِليه عند عدم الثنى. اهـ بحذف (1).

(الثانية) البقر والجاموس فى التضحية سواءُ، والضَّأْن ولمعز سواءُ، والمتولد بين الأَهلىّ والوحشىّ العبرةَ فيه للأُم، عند الحنفيين، لأَنها الأَصْل وقال غيرهم: لا تُجْزئُ التضحية بالمتولد من الظباءِ والغنم، لأَنه ليس من الأَنعام.

(الثالثة) تجوز التَّضْحِية بالخصى، بل هو أَفْضَل، لأَنَّ لحمه أَلَذَّ وأَطْيَب " ولقول " جابر بن عبد الله: ذَبَح النبىُّ صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْر كَبْشَيْن أَقْرَنَيْن أَمْلَحَيْن مَوْجُوءَيْن (الحديث) أَخرججه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمى (2){23} . وفى سنده (ا) محمد بن إِسحاق مدلس، وقد رواه بالعنعنة. (ب) أَبو عياش. ضعيف.

وهذا متفق عليه. (ولا عبرة) بما شَذَّ به ابن كج حيث حكى فى الخصى قولين، وجعل المنع من إِجزائه قول الشافعى فى الجديد (قال النووى) فى المجموع: وهذا ضعيف منابذ للحديث الصحيح.

(الرابع) يُشْترط أَن تكون الأُضْحِية سليمة من عَيْبٍ ينقص اللحم أَو الشحم أَو غيرهما، كالْعور والعرج لبَيَّنَيْن، والمرض الشديد، فلا يجزئُ فيها لمعيب بما ذكر " لحديث " لبراءِ بن عازب أَنَّ لنبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: أَربع لا يحزن فى الأَضاحى: العوراء البَيَّن عورها، والمريضة البَيَّن مرضها، والعرجاء البين ظلعُها، والكَسِيرة التى لا تنقى. أَخرجه

(1) ص 532 ج 3 لشرح الكبير (أفضل الأضحية).

(2)

ص 12 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقى المراجع بهامش (3) ص 13 منه. وموجوءين: مشى موجوء وهو المخصى.

ص: 16

مالك وأَحمد والأَربعة، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح، والدارمى والحاكم وقال: صحيح الإسناد (1){24} .

(قال) الخطابى فى الحديث دلالة على أَنَّ الْعَيْب الخفيف فى الضَّحَايا مَعْفُوُّ عنه، أَلآ تراه يقول: ك بَيَّن عورها، وبَيِّن مرضها، وبَيِّن ظلعُهَا. وفالقليل غير بَيِّن، فكان مَعْفُوًّا عنه. اهـ. (وقال) النووى: أَجمعوا على أَنَّ العيوب الأَربعة المذكورة فى حديث البراءِ، وهى المرض والْعَجَف والْعَوَر والْعَرَج الْبَيِّن، لا تُجْزئُ التَّضْحِية بها. وكذا ما كان فى معناها أَوْ أَقْبَح، كالْعَمَى وقطع الرِّجْل (2).

(وكذا) لا يُجْزئُ فى التَّضْحِية مقطوع الأُذن أَو الذنب أَو الأَلية والذاهب أَكثر نُور عَيْنه (3)" لحديث " قتادةَ عن جُرَى بن كُليب قال: سمعتُ عَلِيًّا يحدِّثُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن يُضَحَّى بأَعْضَب القرن والأُذن، أخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والطحاوى والنسائى. وزاد: قال قتادة: فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيب قال: نعم الأَعْضَب النصف وأَكثرَ من ذلك (4){25} ، وقال أَحمد: العضباءُ:

(1) ص 22 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) وباقى المراجع بهامش (3) 9 ص 24 منه. (ولا يحزن) من الجواز. والمراد به الإجزاء. و (الظلع) بفتح فسكون وبفتحتين: العرج (0 والكسيرة) المنكسرة الرجل التى لا تقدر على المشى. و (لا تنقى) ممن الإنقاء، أى التى لا نقى لها بكسر فسكون، أى لا مخ لعظمها لضعفها.

(2)

ص 120 ج 13 شرح مسلم (استحباب الضحية وذبحها مباشرة .. ).

(3)

يعرف مقدار الذاهب من نور العين بأن تشد العين المعيبة بعد ترك علف الشاة ونحوها يوماً أو يومين، ثم يقرب إليها العلف قليلا قليلا. فإذا رأته من مكان يعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما. فإن كان ثلثاً فالذاهب الثلث وإن كان نصفاً فالنصف.

(4)

ص 27 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) وباقى المراجع بهامش 3 ص 28 منه. و (جرى) مصغر جرو. وأعضب القرن: مكسوره. وأعضب الأذن: مقطوعها. و (الأعضب) المقطوع. و (النصف) مفعول به.

ص: 17

ما ذهب أَكثر أُذنها أَوْ قَرْنها " ولقول " عتبة بن عبد السلمى: إِنما نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصْفَرَّرةِ وَالمسْتَأْصَلةِ وَالبَخْقَاءِ وَالمشَيَّعَةِ وَالكَسْراءِ. فالمصْفَرَّةُ التى تُسْتَأْصَلُ أُذُنها حتى يَبْدُوَ صِماخها. والمستأْصَلةُ التى يُسْتَأْصَلُ قَرْنها من أَصله. والبخْقاءً التى تُبْخَق عَيْنُهَا. والمشَيَّعةُ التى لا تتبع الغنم عَجَفاً وضَعْفًا. والكَسْرَاءُ الكَسِيرة. أَخرجه أَحمد وأَبو داودد والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد (1) {

26}.

(وبهذا) قال أَبو يُوسُف ومحمد، وعليه الفتوى عند الحنفيين. وإِليه رجع الإِمام. وفى مقطوع نصف الأُذن وما بعدها روايتان عندهم. والاجتياط إِلحاقه بالأَكثر.

(وقالت) المالكية: لا تَصِحّ التضحية بمقطوعة ثلث الذنب فأَكْثر، ولا مقطوعة أَو مشقوقة أَكثر من ثلث الأُذن، ولا بذاهبة جزءٍ منها وَلَوْ خِلْقياً غير الخصية.

(وقالت) الشافعية: لا تَصِحّ بمقطوعة بعض الأُذن ولا مقطوعة الأَلية غير طرفها. ز

(وقالت) الحنبلية: لا تَصِحّ بمقطوع أَكثر أَلْيَتِه أَوْ أُذُنِهِ أَوْ قَرْنِه أَوْ مُنْكَسِر غلاف قرْنِه وهو الأَعْصَم. ولا يضرّ قطع الذنب.

(قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: وأَما العضب فهو دَهاب

(1) ص 24 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) 9 وباقى المراجع بهامش 1 ص 25 منه. و (المصفرة) اسم مفعول، المقطوعة الأذن من أصلها. وسميت بذلك لأن صماخها صار صفراً، أى خلواً من الأذن، وقيل: هى المهزولة لخلوها عن السمن .. و (تبخق عينها) أى يذهب بصرها وتبقى العين قائمة (قال) فى القاموس: البخق محركة، أقبح العور (والمشيعة) بفتح الياء مشددة: التى تحتاج إلى من يتبعها الغمّ لضعفها. وروىى بكسر الياء على صيغة اسم الفاعل. وهى التى تمشى وراء الغنم لضعفها (والكسيرة) فعيلة بمعنى مفعولة، أى المنكسرة الرجل.

ص: 18

أَكثر من نِصْفِ القَرْن أَو الأُذُن، وذلك يمنعُ الإِجزاءَ أَيضاً. وبه قال النخعىّ وأَبو يُوسُف ومحمد.

(وقال) أَبو حنيفة والشافعى: تُجْزِئُ مكسورة القْرن. وروى نحو ذلك عن علىّ وعمار وابن المسيَّب والحسن (وقال) مالك: إِنْ كان قَرْنها يُدْمى لم تُجْزِئ، وإِلَاّ أَجْزَأَت. وعن أَحمد: لا تُجْزِئ ما ذَهَبَ ثلث أُذنها. وهو قول أَبى حنيفة (وقال) عطاءُ ومالك: إِذا ذهبت الأُذن كلها لم تُجْزِئ، وإِن ذهب يَسِيرها أَجْزَأَت، واحتجوا " بأَنَّ قول " النبىِّ صلى الله عليه وسلم: أَربع لا تجوز فى الأَضَاحِى " يدل " على أَن غيرها يُجْرِئ، ولأَنَّ فى حديث البراءِ عن عَبيد بن فيروز قال: قلت للبراءِ: فإِنى أَكْرَه النقص من القرن والذنب. قال: اكْرَهُ لنفسك ما شِئُتَ ولا تضيِّق على الناس، ولأَنَّ المقصود اللحم. وهذا لا يؤثر فيه (ولنا) ما تقدم عن علىّ رضى الله عنه قال: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يُضَحَّى بأَعُضَبُ الأُدُن والقرْن. قال قتادة: فسأُلْتُ سعيد بن المسيب فقال: نعم الأَعْضَبُ النصفَ وأَكثرَ من ذلك (1)(وعن) علىّ رضى الله عنه قال: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستشرف العَيْن والأُذُن. رواه أَبو داود والنسائى (2){27} .

وهذا منطوق يقدم على المفهوم (3).

(وقالت) الظاهرية: لا يَضُرّ قطع الأَلية ولا الذنب مطلقاً " لقول "

(1) تقدم رقم 25 ص 17. وقتادة هو راوى الحديث عن جرى بن كليب عن على.

(2)

هذا صدر حديث أخرجه أيضاً أحمد وباقى الأربعة والدارمى وصحة الترمذى والحاكم انظر ص 26 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا)، وباقى المراجع بمامش 6 ص 27 منه.

(3)

ص 544 ج 3 الشرح الكبير (مالا يجزئ فى الأضحية).

ص: 19

أَبى سعيد الخدرى: اشتريْتُ كبشاً لأُضَحِّى به، فعدا الذئب فأَخَذَ منه الأَلية، فسأَلْتُ النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: ضَحّ به. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والبيهقى (1){28} ، وفى سنده جابر الجعفى وهو ضعيف. وشيخه محمد بن قرَظة فيه مقال " ولقول " يزيد ذى مِصْرٍ: أَتَيْتُ عُتْبة بن عبد السلمى فقلت: يا أبا الوليد، إِنى خرجت أَلتمسُ الضَّحايا فلم أَجِدْ شيئاً يعجبنى غير ثرْمَاءَ فكرهتها، فما تقول؟ فقال: أَفلا جئتنى بها؟ قلت: سُبحان الله، تجوز عنك ولا تجوز عنِّى؟ قال: نعم، إِنك تَشُكُّ ولا أَشُكَّ، إِنما نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصْفرَّرة (الحديث) أَخرجه أَحمد وأَبو داود والحاكم وصححه (2).

هذا. ولا تَصِحّ التَّضْحِية بالهتْماءِ التى ذهب أَكثر أَسْنَانها عند الثلاثة وقال مالك: لا تُجْزِئُ التضحية بمكسورةِ السنين، ولا بالسكاءِ وهى التى لا أُذُن لها خِلْقة عند الثلاثة. وقال أَحمد: تصحّ بالسكاءِ فلولها أُذُن صغيرة أَجْزَأَتْ عند الثلاثة خلافاً لمالكِ وهى الصمعاءِ ولا بالجذاءِ وهى مقطوعة الضَّرْع، ولا بالجدعاءِ وهى مقطوعة الأَنف، ولا بالتى لا أَلية لها خلقة عند الحنفيين ومالك.

وقال الشافعى وأَحمد: تَصِحّ بالبتراءِ كالمخلوقة بلا أَلية ولا ضِرْع لها خلقة، ولا بالمصَرَّمة وهى التى لا تستطيع أَن تُرْضع فصيلها، ولا بالحداءِ بالحاءِ المهملة وهى التى تأْكُلْ العذرة ولا تأْكُل غيرها. ولا بالخنثى عند الحنفيين لأَنَّ لحمها لا يَنْضُج، وقال غيرهم: تَصِحّ بالخنثى بل هى أَوْلى من الأُنثى عند مالك.

(1) ص 80 ج 13 الفتح الربانى، وص 144 ج 2 سنن ابن ماجه (من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شئ).

(2)

هذا صدر الحديث رقم 26 ص 17. وذو مصر: لقب ليزيد.

ص: 20

هذا. وجُمْلة القول فيما لا يجزئُ فى الأُضْحِية ما ذكره النووى بقوله: أجمعوا على أَن العمياءَ لا تجزئَ وكذا العوراءَ البَيِّن عورها، والعرجاءَ البَيِّن عرجها، والمريضة البَيِّن مرضها، وَالعجفاءَ (وَاختلفوا) فى ذاهِبة القرْن وَمكسورته. فمذهبنا أَنها تجزئ. وَقال مالك: إِنْ كُسِر قرْنها وَهُوَ يدمى لم تجزْ وَإِلَاّ فتجزئه. (وقال) أَحم: إِنْ ذهب أَكثر من نِصْف قَرْنها لم تجزه سواءُ دميت أَمْ لا. وإِنْ كان دُونَ النِّصْف أَجْزَأَتْه.

(وأَما) مقطوعة الأُذُن، فمذهبنا أَنها لا تجزئ سواءُ أَقطع كلها أَمْ بعضها، وبه قال مالك وداود (وقال) أَبو يُسُف ومحمد وأَحمد: إِنْ قُطِع أَكثر من النِّصْف لم تجزه وإِلا فتجزئه (وقال) أَبو حنيفة: إِن قُطِع أَكثر من الثلث لم تجزه.

(وأَما) مقطوعة بعض الأَلية، فلا تجزئ عندنا، وبه قال مالك وأَحمد (وعن) أَبى حنيفة: إِنْ بقى الثلث أَجْزَأَت (وقال) صاحباه: إِنْ بقى أَكثرها أَجْزَأَت. وقال داود: تجزئ بكل حال. اهـ بتصرف (1).

وهذا إِذا كانت هذه العيوب وَقْتَ الشِّرَاءِ، فلو اشتراها سليمة ثم تعيبتْ بعيبٍ مانع إَنْ كان غَنِيًّا فعليه غيرها. وإِنْ كان فقيراً أَجْزَأَتْه التَّضْحية بها، لأَنَّ الوجوب على الغَنّى بالشرع ابتداءً فلم تتعَيَّن بالشِّرَاءِ، نقصانها كما فى نِصَابِ الزكاة.

(وعن) هذا الأَصْل قالوا: إِذا ماتَت المشتراة للتَّضْحِية، فَعَلَى الموسِر أُخرى ولا شَئَ على الفقير، ولو ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فاشترى أُخرى ثم ظهرت الأُولى فى أَيام النحر فَعَلَى الموسِر ذَبْح إحداهما وعلى الفقير ذبحهما.

(1) ص 404 ج 8 شرح المهذب (المذاهب فى عيوب الأضحية).

ص: 21

(ولا يَضُرّ) تعيبها من اضطرابها عند الذبح، فلو أَضجعها فاضطربت فانكَسَرْت رِجْلَهَا فذبحها أَجْزَأَتْهُ استحساناً، لأّنَّ حالة الذبح ومقدماته ملحقة به، فكأَنّض العيْبَ حَصَل بالذبح، وكذا لو تعيبَتْ فى هذه الحالة فانفلتَتْ ثم أَخذت من فوره وكذا بعد فوره عند محمد، لأَنَّهُ حَصَلَ بمقدماتِ الذبح. وهذا مذهب الحنفيين والحنبلية.

(وقالت) الشافعية والمالكية: حُدوث العيب وقت الذبح يمنع من إِجزائها، لأَنها عرجاءَ عند الذبح فأَشبه مالو انكَسَرَت رِجْل شاةٍ فبادَرَ إِلى التَّضْحية بها فإِنها لا تجزئ.

4 -

ما يكره التضحية به:

تُكْرَه التَّضْحِية بمعيبٍ عيباً غير بَيِّن كالْجَمم بفتحتين وهو عدم القرْن. والجرَب اليسير. والثوَل وهو استرخاء فى أَعصاب الشاة أَو جنونٍ لا ينعها من العلف (فتكره) بالجمّاءِ بشد الميم وهى التى لا قَرْن لها خِلْقة، وكذا العظماءَ التى كُسِرَ قرْنها، فإِذا ذهب الكَسْر إلى المخ لم تجزئ (وتُكْرَه) بالجرباءِ السمينة التى لم يُتْلِفَ اجرب جِلْدها، لأَنَّهُ حينئذٍ لا يخل بالمقصود وهو كثرة اللحم. أَما المهزولة فلا تجزئ، وكذا ما أَتْلَفَ الجرب جلدها (وتُكْرَه) بالثولاءِ أَى المجنونة إِذا منعها عن العلف تجزئ (وهذا) مذهب الحنفيين والحنبلية، والمستحب أَن تكون الأُضْحِية سليمة عن العيوبِ الظاهرة. فما جُوِّزَ ههنا جُوِّزَ مع الكراهة.

(وقالت) الشافعية: لا تجزئ الجرباءَ ولو سمينة. والجرب عندهم يمنع الإِجزاءَ كثيرة وقليلة وما يُرْجَى زواله وَما لا يُرْجَى، لأَنَّهُ يفسد

ص: 22

اللحم والشحم (وتُكْرَه) التَّضْحِية بمشقوقة الأُذُن ومخروقتها وما تَسَاَقَطَ بعض أَسنانها (1) ونحوها " لقول " عبيد بن فيروز: قلت للبراءِ: إِنِّى أَكْرَهُ أَن يكون فى القرن نَقْصُ أَو فى الأُذُن نقص أَو فى السِّن نقص. قال: ما كرِهْتَهُ فَدَعْهُ ولا تحرمه على أَحد. أَخرجه أَحمد والدارمى والنسائى (2){3} .

(قال) أَبو محمد عبد الله بن قدامة: ويُكْرَهُ أَن يُضَحَّى بمقشوقة الأُذن أَو بما قُطِعَ منها شَئّْ، أَو ما فيها عَيْبٌ من هذه العيوب التى لا تمنع الإِجزاءَ " لقول " علىّ رضى الله عنه: أَمَرَنَا رسول الله أَن نَسْتَشْرِفَ العَيْن والأُذُن ولا نُضَحَّى بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاءَ ولا شرقاءَ. قال زهير: قُلْتُ لأَبى إِسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأُذُن. قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخر الأُذُن. قلت: فما الخرقاءُ؟ قال: تُخْرَق أُذُنها للسِّمة. قلت: فما الشَّرْقاءُ؟ قال: تُشَقَّ أُذُنها. أَخرجه أَبو داود والنسائي (3){29} . قال القاضى: الخرقاءُ التى انثقبت أُذُنها. والشرقاءُ التى تشق أُذُنها. وهذا نَهْى تنزيه ويحصل الإِجزاءُ بها، لا نعلم فى هذا خلافاً (4).

(1) هذا مذهب الثلاثة. وتقدم عن مالك أنها لا تجوز بمكسورة سنين فأكثر.

(2)

هذا أثر ذكره أحمد ومن معه بعد الحديث المتقدم رقم 23 ص 16.

(3)

انظر باقى من الله عليه وسلم أن نختار فى الأضحية ذات العين والأذن الكاملتين (والمقابلة) بفتح الياء: هى التى قطع من مقدم أّنها شئ وترك معلقاً (والمدابرة) ما قطع من مؤخر أذنها شئ وترك معلقاً (والخرقاء) المثقوبة الأذن ثقباً مستديراً (والشرقاء) مشقوقة الأذن. و (زهير) هو ابن معاوية بن حديج بالحاء مصغراً، رواى الحديث عن أبى إسحاق (عمرو بن عبد الله السبيعى بفتح السين) عن شريح بن النعمان عن على. و (السمة) العلامة.

(4)

ص 585 ج 3 مغنى (ما يكره أن يضحى به).

ص: 23

5 -

وقت التضحية:

ويُشْترط لِصحَّتها أَن تَكُون فى أَيَّام النحر، وهى يوم العيد ويمان بعده لما روى ابن حزم عن وكيع عن شُعْبه عن قتادة عن أَنَس قال: الأَضْحَى يوم النحر ويومان بعده (1){4} " ولقول " ابن عُمر رضى الله عنهما: الأَضْحَى يومان بعد يوم الأَضْحَى. رواه ابن أَبى شيبة ومالك وقال: بلغنى عن علىّ رضى الله عنه مثله (2){5} .

(فَوَقْتها) ينتهى بغروب شمس اليوم الثانى عشر من ذِى الحجَّة.

(وبهذا) قال الحنفيون ومالك وأَحمد والثَّوْرى.

(وقالت) الشافعيةُ وعطاءٌ والحسن: أَيام النَّحْرِ أَربعة: يوم العيد وأَيام التشريق الثلاثة (فآخر) وقت الذبح عندهم: غُروب شمس آخر أَيامَ التشريق " لحديث " جُبير بن مُطعم أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: كُلَّ عرفات موقف وارفعوا عن عُرَنة، وكُلَّ مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر، وكُلّ فجاج منى منْحَر وكُلّ أَيام التشريق دَبْح. أَخرجه أَحمد والبزار والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (3){30} .

(وقال) ابن سِيرين: لا يجوزُ الذَّبْح إِلَاّ فى يوم النَّحْر خاصَّة، أَنه وظيفة عيد، فاختص بيوم العيد كالصلاة وأَداءِ زكاة الفطر يوم الفطر (وعن) أَبى سَلَمة بن عبد الرحمن وعطاءِ بن يسار: تجوزُ التَّضْحِية إِلى هلال المحرم" لما روى " أِبو أُمامة سهل بن حنيف رضى الله عنه قال:

(1) ص 377 ج 7، المحلى (مسألة 982).

(2)

ص 350 ج 2 زرقانى الموطإ (الضحية عما فى بطن المرأة).

(3)

ص 122 ج 12 الفتح الربانى، وص 25 ج 3 مجمع الزوائد (الخروج إلى منى وعرفة) و (عرنة) بضم ففتح: واد غرب عرفة (ومحسر) يضم ففتح فكسر مشدداً: موضع بين منى ومزدلفة، سمى بذلك لأن الفيل حسر فيه، أى منع عن عن الذهاب إلى الكعبة.

ص: 24

كان الرَّجُل من المسلمين يَشْتَرِى أُضْحِيته فيسمنها حتى يكون آخر ذِى الحجة فيُضَحَّى بها. أَخرجه أَحمد {6} . وقال: هذا أَثر عجيب. وقال: أَيام الأَضْحَى التى أَجمع عليها ثلاثة أَيام. ذكَرَهُ أَبو الفرج عبد الرحمن ابن قدامة (1) هذا. ولا تُذْبَح الأُضْحِية قبل طلوع فجر يوم النَّحْر إِجماعاً ولا تُذْبَح عند الحنفيين فى بَلَدٍ تُقَامُ فيه الجُمعة، قبل صلاة العيد أَو قبل مُضِىّ وقتها بزوال الشمس إِنْ لم تُصَلّ لِعُذْر " لحديث " أَنَس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كان ذَبَح قبل الصلاة فَلْيُعدْ. أَخرجه الشيخان (2){31} .

(وتُذْبَح) فى القُرَى التى لا تَصِحّ فيها الجُمْعة بعد طلوع فجر يوم النَّحْر، لعدم وجُوبِ صلاةِ العيد عليهم، فلا يفوتهم بالاشتغالِ بالذبح واجب.

(وقالت) المالكية: لا تُذْبَح الأُضْحِية إِلَاّ بعد صلاة الإِمام العيدِ وذَبْحِه إِنْ ذَبَح، وإِلَاّ فبعد مُضِىَّ مقدار الذَّبْح " لقول " البراءِ بن عازب: خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأَضْحَى بعد الصلاة فقال: مَنْ صَلَّى صلاتنا ونَسَكَ نُسُكَنَا فقد أَصَابَ النُّسُك، ومَنْ نَسَكَ قبل الصَّلاة فتلك شَاةٌ لَحْم (الحديث) أَخرجه أَبو داودد والشيخان (3) {32} " ولقول " أَنَس: قال النبى صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَبَحَ قبل الصلاة فإِنما ذَبَحَ.

(1) ص 555 ج 3 الشرح الكبير (آخر وقت الذبح).

(2)

ص 15 ج 10 فتح البارى (من ذبح قبل الصلاة أعاد) وص 116 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى).

(3)

ص 18 ج 3 تكملة المنهل (ما يجوز فى الضحايا من السن) وباقى المراجع بهامش 4 ص 20 منه. و (نسك نسكنا .. إلخ) أى من ضحى مثل ضحيتنا، فقد وافق طريقتنا، ن ومن ذبح قبل صلاة العيد فلا يعتد به.

ص: 25

لِنَفْسِه، ومَنْ ذَبَحَ بعد الصلاة فقد تمَّ نُسُكُه وأصَابَ سُنَّةَ المسلمين. أَخرجه البخاري (1){33} .

(وهذان) الحديثان إنما يَدُلَّانِ على مَنعْ الذَّبْح قبل صلاة العيد بلا توقف على ذبح الإمام.

(وقالت) الحنبلية: لا تُذْبح الأُضْحِية في حق أهل المصر إلَّا بعد صلاة الإمام ولو قبل الخطبة، وفي حق أَهل البوادِي ونحوهم ممن لا تُصَلّي العيد في موضعهم، يدخل وقت الذبح بمضِيّ قدر صلاة العيد بعد دخول وقتها لما تقدَّم "ولما روى" عبد الله بن عمرو: أن رَجُلا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي ذبَح ضَحِيَّتَهُ قبل أن يُصَلَّى. فقال النبئُ صلى الله عليه وسلم: قُلْ لأبيك يُصَلِّي ثم يَذبَح. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، وفي سنده حييّ بن عبد الله الماقري، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح (2){34}

(قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: وظاهر كلام آحمد أن من شَرْطِ جواز التَّضْحِية في حق أهل المصر، صلاة الإمام وخُطْبته. وعلى قياس قوله: كل موضع يُصَلَّى فيه العيد. وظاهر حديث البراء اعتبار نفس الصلاة، فإن ذَبَح بعد الصلاة وقيل الخطبة أجْزَأ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره، ولأنَّ الخطبة غير واجبة فلا تكُون شرطًا. وهذا قول الثوري وهو الصحيح (3).

(وقالت) الشافعية والظاهرية وغيرهم: يدخل وقت التَّضْحِية بمضِيّ

(1) ص 3 ج 10 فتح الباري (سنة الأضحية).

(2)

ص 94 ج 13 الفتح الرباني، وص 23 ج 4 مجمع الزوائد (من ذبح قبل الصلاة).

(3)

ص 553 ج 3 الشرح الكبير (وقت الذبح يوم العيد).

ص: 26

قدر صلاة العيد وخُطْبَتِه بعد طلوع الشمس، سواءٌ أَصَلَّى الإمام أَمْ لا، وسواءٌ أصَلَّى المضَحِّي أمْ لا، وسواءٌ أكَانَ مِن أَهل القُرَى أَو البوادِي أَو من الأمصار أو من المسافرين، والأَفْضَلَ أَلَّا يَذْبَح إلَّا بعد صلاتِه مع الإِمام، محتجِّين بما تقَدَّم عن البراءِ وأَنَس وغيرهما قالوا: المراد بها التقدير بالزَّمان لا بفعل الصلاة، لأَنَّ التقدير بالزَّمان أَشْبه بمواقيت الصلاة وغيرها، ولأَنه أضْبَطَ للناس في الأَمصار والقُرَى والبوادِي.

(وهو) تَأْويل بَعِيد (قال) العلامة الشوكاني: وقد تَأَوَّل هذه الأحاديث من لم يعتبر صلاة الإِمام وذبحه بأَنَّ المراد بها الزَّجْر عن التعجيل الذي يُؤَدِّي إلى فِعْلَهَا قبل وقتها، وبأَنه لم يكُن في عصره صلى الله عليه وسلم مَنْ يُصَلِّي قبل صلاتِه، فالتعليق بصلاتِه في هذه الأَحاديث ليس المراد به إلَّا التعليق بصلاةِ المضَحِّي نفسه، لَكِنَّها لما كانت تقَعُ صلاتهم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير متقَدِّمة ولا مُتَأخِّرَة، "وَقَعَ التعليق بصلاتِه صلى الله عليه وسلم، بخلافِ العصر الذي بعد عصْره، فإنها تُصَلَّى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة (ولا يخفى) بعد هذا: فإنه لم يثبت أنَّ أهْل المدينة ومَنْ حولهم كانوا لا يُصَلونَ العيد إلَّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم. "وأَمَّا" قوله صلى الله عليه وسلم: يوم النَّحْر يوم ذَبْح "فلا" يصلح متمسكاً لمن جَوَّزَ الذبح من طلوع الشمس أَوْ من طلوع الفجر، لأَنه كالعام. والأَحاديث المذكورة خاصَّة، فيبني العام على الخاص (1).

(فالراجح) مذهب غير الشافعية (قال) النووي: ينبغي أَن يذبح أُضْحِيَته بعد صلاتِه مع الإمام وحينئذٍ تُجْزئه بالإِجماع (2).

(1) و (2) ص 215 ج 5 نيل الأوطار (وقت التضحية) وص 110 ج 13 شرح مسلم.

ص: 27

(وإِذا) لم يكُن فى البلد إِمام فالظاهر أَنه يعتبر لكل مُضَحّ صلاته.

(السادس) ويُشْترط أَن يكون ذَبْح الأُضْحِية نهاراً عند مالك، وهو رواية عن أَحمد، فلا يجزئ ذبحها ليلاً " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن يُضَحّى ليلاً. أَخرجه الطبرانى فى الكبر. وفى سنده سليمان بن أَبى سلمة الجنايزى وهو متروك. قاله الهيثمى (1){35} . وفى سنده أَيضاً مبشر بن عبيد وهو ضعيف متهم بالْوَضْع. ولأَنَّ ليالى التشريق تُشْبهُ ليلَةَ النَّحْر، وأَيامها تُشْبه يومه، فكما أَنه لا يجزئ الذبح فى ليلة النحر لا يجزئ فى لياليها.

(وقال) الحنفيون والشافعيون والجمهور: يَصِحّ ذبحها ليالى التشريق مع الكراهة. وروى عن أَحمد (أَما الجواز) فلأَنَّ الليل زمن يَصِحّ فيه الرمى فأَشْبه النهار، ولأَنَّ الليل داخل فى مدة الذَّبْح، فجاز الذَّبْح فيه كالأَيام.

(وأَما) الكراهة، فلا حتمال الغلط ليلاً.

(وأَجابوا) عن الحديث بأَنه ضعيف فلا يحتجّ به. فالراجح قول الجمهور.

(فائدتان):

(الأُولى) من ضَحَّى بعددٍ من الماشية، فالسُّنة ذبحها فى اليوم الأَول مُسَارَعةً إِلى الخير " وما قيل " من أَنه يُسْتَحَبّ تفريقها على أَيام النحر، لأّنه أَرْفَق بالمساكين " فهو " ضعيف مخالف للسُّنة الصحيحة (فقد) ثبت أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نَحَرَ مائَةَ بدنة أَهْدَاها فى يوم واحد وهو يوم النحر، فَنَحَرَ بيده ثلاثاً وسِتِّينَ، وأَمَرَ عَلِيًّا رضى الله عنه ينحَرُ عنه تمام المائة.

(1) ص 23 ج 4 مجمع الزوائد (النهى عن التضحية بالليل).

ص: 28

(الثانية) التَّضْحِية فى أَيام النَّحْر أَفْضَل من التَّصَدُّق بثمن الأُضحية عند الأَئِمة الأَربعة، لأّنَّ القربة فى هذه الأَيام إِنما تكون بإِراقة الدم.

6 -

مكان التضحية:

(قال) النووى فى المجموع: محل التَّضْحِية موضع المضَحِّى، سواءٌ أَكَانَ بلده أَمْ مَوْضِعه من السفر. وفى نقل الأَضْحِية وَجْهان، حكاهما الرافعىّ وغيره تخريجاً من نقل الزكاة. اهـ.

(وقال) الحنفيون: يجوزُ نقلها بلا كراهة لقريبٍ أوْ أَخْوَج كالزكاة.

7 -

الأشترك قى الأضحية:

تُجزئ الشاُه من الضَّأْن أَو المعز عن واحد اتفاقاً. وتُجزئ عنه وعن أَهْل بيتِه وإِن كَثُروا عند مالك والليث والشافعى وأَحمد وإسحاق " لقول " أَبى أَيوب الأَنصارىّ: كُنَّا نُضَحِّى بالشَّاةِ يذبحها الرَّجُل عنه وعن أَهل بَيْتِه، ثم تَبَاهَى الناس بعد فصارت مُبَاهَاةً. أَخرجه مالك وابن ماجه. وكذا الترمذى وصححه عن عطاءِ بن يسار قال: سأَلْتُ أَبا أَيوب: كيف كانت الضَّخَايا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرَّجُل يُضَحِّى بالشَّاةِ عنه وعن أَهل بيته يأْكُلُون ويُطْعمون حتى تَبَاهَى الناس فصارت كما تَرى (1){36} .

" ولحديث " أَبى عقيل زهرة بن معبد عن جَدِّه عبد الله بن هشام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بالشَّاةِ الواحدة عن جميع أَهْله. أَخرجه أَحمد والطبرانى فى الكبير والحاككم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (2){37} .

(1) ص 349 ج 2 زرقانى الموطإ (الشركة فى الضحايا) وباقى المراجع بهامش 7 ص 32 ج 3 تكملة المنهل (الشاة يضحى بها جماعة).

(2)

ص 85 ج 13 الفتح الربانى. وباقى المراجع بهامش 2 ص 33 ج 3 تكملة المنهل.

ص: 29

" ولقول " عائشة: أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكَبْش أَقْرَن يَطَأُ فى سوادٍ ويبرك فى سوادٍ وينظر فى سوادٍ، فأَتى به لِيُضَحِّى به، فقال: يا عائشة، هَلُمِّى المدية، ثم قال: اشْحِذيِها بحَجَر، ففعلَتُ، ثم أَخذها وأَخذ الكَبْش فأَضْجَعَةُ ثم ذَبَحَهُ، ثم قال: باسْم الله، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ ومن أُمَّةِ محمدٍ، ثم ضَحَّى به. أَخرجه أَحمد ومسلم وأَبو داود (1){38} .

(وقال) الحنفيون والثورى: لا تُجزئ الشَّاةُ إِلَاّ عن نَفْس واحدة، ولا تُجزئ عن أَهل بَيْتٍ، لآَنّض الاشتراك فى الأُضْحِية خلاف القياس، لأَنَّ القربة فيها إِراقة الدم وهى لا تحتمل التجزئة لأَنَّهَا ذبح واحد. وإِنما جَازَ الاشتراك فى الإِبل والبقر بالنص، فبقى الأَمر فى الغَنَم على القياس.

(وأَجابوا) عن الأَحاديث السابقة ونحوها (بأَنها) محمولة على الاشتراك فى الثواب (وردّ) بأَنه لا دليلَ على هذا الحمل، ولذا قال الزَّيْلعى: ويُشكَّل على المذهب فى منعهم الشَّاة لأَكثر من واحد بالأَجاديث المتقدمة أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكَبْش عنه وعن أُمَّتِه (2).

(ومنه) يعلم أَنَّ النص وَرَدَ فى اشتراك أَهل البيت وإِن كَثُروا فى شاةٍ واحدة، فلم يبق الأَمْر فى الغنم

على القياس " وما قاله " الطحاوى من أَنَّ هذه الأَحاديث مخصوصة أَو منسوخة " فمسلم " أَن تَضْحِيَته صلى الله عليه وسلم عن أُمَّتِه وإِشراكهم فى أُضْحِيَتِه مخصوصٌ به صلى الله عليه وسلم.

(1) ص 9 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 3 ص 10 منه (ما يستحب من الضحايا) و (يطأ فى سواد .. إلخ) يعنى أَن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، وإشحاذها: تقوية حدها ليسهل الذبح بها (وأخذ الكبش فأضجعه .. إلخ) فيه تقديم وتأخير. والأصل: فأضجعه ثم أخذ فى ذبحه قائلا: باسم الله، اللهم تقبل من محمد .. إلخ.

(2)

ص 210 ج 4 نصب الراية (كتاب الأضحية).

ص: 30

وأَمَّا تَضْحِيَته عن نَفْسِه وآلِه فليس مخصوصاً به صلى الله عليه وسلم ولا منسوجاً، لأَنَّ الصحابةَ رضى الله عنهم كانوا يُضَحُّون بالَّةِ الواحدة يَذْبَحُهَا الرَّجُل عنه وعن أَهْل بَيْتِهِ كما تقَدَّم.

ولم يثبت عن أَحَدٍ منهم التَّضْحِية عن الأُمَّة وإِشراكها فى أُضْحِيته أَلبتة (فالراجح) القول بإجزاءِ الشَّاةِ عن أهل بَيْتٍ واحِدٍ لقوة أَدِلَّتِه.

(قال) الخطابى: قوله صلى الله عليه وسلم: تقَبّضل من محمدٍ وآل محمدٍ دليلُ على أَنَّ الشَّاةَ الواحدةَ تُجزئ عن الرَّجُل وعن أَهله وإِن كَثُروا. وروى عن أَبى هريرة وابن عمر أَنَّهما كانا يفعلان ذلك (1).

هذا. وتُجزئ الْبَدَنَةُ وهى ناقَةٌ عن سبعةٍ فَأَقَلُ " لقول " جابر: نَحَرْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالْحُدَيبية الْبَدَنَةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعةٍ. أَخرجه الجماعة إِلَاّ البخارى. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (2){39} .

وهو مذهب الحنفيين (فالبدنة) تُجزئ عندهم عن سبعة إِذا كان كل منهم يُريد بِنَيبه - الذى لا ينقص عن السُّبْع - القربة وهو من أَهلها بالإسلام، فلو أَراد أَحدهم بنَصِيبه اللَّحم أَو كان كافراً، أَو نقص نَصِيبه عن سُبْع، لآ تُجزئ عن واحد. ويُقَّم اللَّحم بينهم وَزْناً لا جُزَافاً إِلَاّ إِذا كان معه شَئْ مِنَ الأَكارع أَو الْجِلْد (ولو) اشترى بدنة ثم أَشْرَك معه ستة صَحّ استحساناً. ويندب كون الاشتراك قبل الشِّرَاءِ، فإِن الاشتراك بعده مَكْرُوه.

(1) ص 228 ج 2 معالم السنن (ما يستحب من الضحايا).

(2)

ص 30 ج 3 تكملة المنهل (البقر والجزور عن كم تجزئ) وباقى المراجع بهامش 3 ص 31 منه. والحديبية: بئر قرب مكة، سمى به الموضع، وهو أبعد أطراف الحرم عن البيت.

ص: 31

(وقالت) الشافعية والحنبلية والجمهور وبعض المالكية: يجوزُ اشتراكَ سبعة فى البدنة، سواءٌ أَكَاُنوا كلهم أَهل بيت أَم متفرِّقين، أَو بعضهم يُريد اللَّحم، فيجزئُ عن المتقرب، وسواءٌ أَكَانَتْ أُضْحِية مَنْذُورَة أَمْ تَطَوُّعاً.

(ومشهور) مذهب المالكية أَن البدنة لا تُجزئُ إِلَاّ عن واحدٍ كالشَّاةِ، ولا يجوز أَن يُشْرك المضَحِّى غيره معه فى الأُضْحِية إِلَاّ فى الأَجْر، فيجوز مهما بلغ العدد بشرط أَن يكون المقصود تَشْريكه قريباً أَوزَوْجاً ساكِناً معه فى نَفقَتِه، سواءٌ أَكَانتْ واجبة كالابن والأَبَوَيْن الفقيرين، أَم غير واجبة كالأَخ وابن العم. فتسقُطُ الأُضْحِية عنه ولو كان غَنِيًّا. وفى اشتراط إِعلامِه بالتشريك قَوْلآن (وردّ) بأَنَّ الدَّليل صريح فى جواز التَّشْريك ولو فى الثمن (فقد قال) ابن عباس: كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فاشتركْنَا فى البقرةِ عن سبعة، وفى البَعِير عن عشرة. أَخرجه أَحمد والأَربعة إِلَاّ أَبا داود. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إِلَاّ من حديث الفضل بن موسى (1){40} .

(ولهذا) قال إِسحاق بن راهويه وابن حزيمة: تُجزئُ البقرةُ عن سبعة والبدنة عن عشرة فى الضَّحِية

(وأَجابوا) عن حديث جابر بأَنه إِنما ورد فى الهدايا. وقياس الضَّحِية على الهدْى قياس فى مقابلة النَّص، وهو حديث ابن عباس، فلا يعول عليه (وهذا) هو الحق فى الضحايا، لحديث ابن عباس.

(1) ص 205 ج 13 الفتح الربانى، وص 84 ج 2 مجتبى (ما تجزئ عنه البدنة فى الضحيات) وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ ) وص 356 ج 2 تحفة الأحوذى (الاشتراك فى الأضحية).

ص: 32

8 -

مصرف الأضحية:

يُسَنُّ للمُضَحِّى أَنْ يأْكُلَ من لحم أُضْحِيَتِه ويُطْعِم منها غَنِيًّا إِنْ لم تكُن منذورة، ويُبَاح أَنْ يدَّخِر " لقول " جابر بن عبد الله: كُنَّا لا نَأْكُلُ من لُحوم بُدُنِنَا فوق ثلاث، فأَرْخَصَ لنا صلى الله عليه وسلم فقال: كُلُوا وتَزَوَّدُوا. أَخرجه أَحمد ومسلم والنسائى، وزاد: وادَّخِروا (1){41} .

" ولحديث " سُليمان بن بُريدة عن أَبيه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن لُحوم الأَضَاحِى فوق ثلاث ليتَّسع ذَوُو الطول على مَنْ لا طول له، فكُلُوا ما بَدَا لَكُم، وأّطْعِمُوا وادَّخِرُوا. أَخرجه أَحمد ومسلم والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (2){42} .

" ولحديث " نُبَيْشَة أَنَّ النبىَّ صلى عليه وسلم قال: إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُم عن لحومها أَنْ تأْكُلُوا وادَّخِرُوا، أَلآ وإِنَّ هذه الأَيام أَكْل وشْرْب وذِكْر الله تعالى. أَخرجه الشافعى وأَحمد وأَبو داود. وأَخرج صدره ابن ماجه والدارمى (3){43} .

(والأَمر) فى هذه الأَحاديث للإِباحة، لأَنه وَقَع بعد النَّهْى عن الادَّخَار فوق ثلاث، لجهدٍ أَصاب الناس كما ترى فى الأَحاديث (ولهذا) قال الأَئِمَّة الأَربعة والجمهور: يُسَنّ الأَكل من الأُضْحِية غير المنذورة، ويُبَاح الادَّخار منها بعد ثلاث.

(1) ص 106 ج 13 الفتح الربانى، وص 131 ج 13 نووى مسلم (النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث ونسخة) وص 208 ج 2 مجتبى

(2)

ص 106 ج 13 الفتح الربانى، وص 134 ج 13 نووى مسلم، وص 360 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى أكلها بعد ثلاث).

(3)

ص 37 ج 3 تكملة المنهل (حبس لحوم الأضاحى) وباقى المراجع بهامش 4 ص 39 منه (وأتجروا) بالهمزة، أى وتصدقوا طالبين من الله الأجر.

ص: 33

" وما روى " عن علىّ وابن عُمر وجماعة من الظاهرية من تحريم إِمساك لُحُوم الأَضَاحِى فوق ثلاث " مَرْدُود " بالأَحاديث السابقة. وكذا القول بأَنَّ الأَكل والادخار فوق ثلاث مَكْرُوه. والصحيح أَنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخِّار فوق ثلاث والأَكْل مَتَى شَاءَ، لصريح حديثِ بُريدة وغيره. ولعل عَلِيَّا وابن عُمر رضى الله عنهما لم يبلغهما الناسخ. ومَنْ حَفِظَ حُجَّة على مَنْ لم يَحْفّظ.

هذا. والأَفْضَل عند الحنفيين أَن يَتَصَدَّق بالثُّلُث ويأْكُل الثُّلُث، ويَدَّخِر الثُّلُث، لِمَا تَقَدَّم فى حديث بُريدة من قوله عليه الصلاة والسلام: فكُلُوا ما بَدَا لكُم وأَطْعِمُوا وادَّخِروا (1)، " ولحديث " سَلَمة بن الأَكْوع أَنَّ النبىَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَنْ ضَحَّى مِنْكُم فلا يُصْبِحَنَّ بعد ثالثة ويقى فى بَيْتِه منه شَئْ، فلمَّا كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فَعَلْنَا العام الماضى؟ فقال: كُلُوا وأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا فإِنَّ ذلك العام كان بالناس جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَن تعينوا فيها. أَخرجه الشيخان (2){44} .

ولو حبس الكُلّ لنفْسِه جاز، لأَنَّ القربة فى الإراقة. والتَّصَدُّق بالَّحم تطوع، ويُنْدَب ترك التَّصَدق لذِى

عِيالٍ تَوْسِعَةً عليهم (وقالت) الحنبلية: يُستحبُّ أَن يأْكُل ثُلُثها. ويَتَصَدَّق بثُلُثها، وإِنْ أَكَلَ أَكْثَر جازَ.

(قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: قال أَحمد: نحن نذهب إِلى حديث عبد الله " يعنى ابن مسعود " يَأْكُل هُوَ الثُّلُث، ويُطْعِم مَنْ أَراد الثُّلُث، ويتَصَدَّق على المساكين بالثُّلُث (قال) علقمة: بَعَثَ معى

(1) تقدم رقم 42 ص 33.

(2)

ص 18 ج 10 فتح البارى (ما يؤكل من لحوم الأضاحى) وص 133 ج 13 نووى مسلم (النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث ونسخه).

ص: 34

عبد الله بهديه فأَمرنى أَن آكُلَ ثُلُثها، وأَن أُسِل إِلى أَهل أَخيه بثُلُث، وأَن أَتَصدَّق بِثُلُث {7}. (وعن) ابن عُمر قال: الضحايا والهدايا، ثُلُث لك، وثُلُث لأَهلك، وثُلُث للمساكين {8}. وهذا قول إِسحاق وأَحد قولى الشافعى. وقال فى الآخر: يجعلها نِصْفَيْن يأْكُل نِصْفها ويتَصَدَّق بنصف " لقول " الله تعالى: " فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير "(1)(ولنا) ما روى ابن عباس فى صفة أُضْحِية النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: ويُطْعم أَهل بيته الثُلُث ويُطْعم فقراءَ جِيرانِه الثُّلُث، ويتَصَدَّق على السُّؤَّالى بالثُّلُث. رواه الحافظ أَبو موسى فى الوظائف. وقال: حديث حسن (2){45} .

ولأَنَّ الله تعالى قال: " فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ "(3)، والقانع: السائل. والمعتر: الذى يعتَرِيك، أَى يتعرض لك لتطعمه ولا يسأَل. فذكر ثلاثة أَصناف، فينبغى أَن يقسم بينهم أَثلاثاً (وأَما الآية) التى احتجَّ بها أَصحاب الشافعى فإِنَّ الله تعالى لم يُبَيِّن قَدْر المأْكُول منها والمتصدق به، وقد نُبِّه عليه فى آيتنا وفسره النبى صلى الله عليه وسلم بفِعْله وابن عُمر بقوله. (والأَمر) فى هذا واسع. فلو تَصَدَّق بها كُلها أَوْ بأَكثرها جاز. وإِنْ أَكلها كُلها إِلَاّ أُوقية تصَدَّقَ بها، أَجْزَأَ، لأَنَّ الله تعالى أَمر بالأَكْل والإِطعام منها ولم يقيده بشئٍ. فمتَى أَكَل وأَطْعَم فقد أَتَى بما أُمر (وقال) بعض أَهل العلم: يجب الأَكْل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأَمر بالأَكْل (ولنا) أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نَحَرَ خمس بَدَنَاتٍ وقال: مَنْ شَاءَ فليقتطع ولم يأْكُل منهنَّ {46} ولأَنها

(1) سورة الحج، من آية 28، وصدرها:" ليشهدوا منافع لهم ".

(2)

ص 582 ج 3 الشرح الكبير (يستحب أن يأكل ثلثها .. ).

(3)

سورة الحج، من آية 36، وصدرها:" والبدن جعلناها لكم ".

ص: 35

ذَبِيحة يُتَقَرَّب بها إِلى الله تعالى فلم يجب الأَكْل منها كالعقيقة، فيكون الأَمر للاستحباب أَو للإِباحة، كالأَمر بالأَكل من الثَّمار والزُّرُوع (1).

(وقالت) المالكية: يُستحبُّ أَن يأْكُل المضَحِّى من أُضْحِتهِ ويَتَصَدَّق ويُهْدِى من غير تحديد بثُلُثٍ ولا غيره.

(وقالت) الشافعية: يُسَنُّ الأَكْل منها وإطعام أَغنياءَ، ويجب التَّصَدُّق بِشَئ من لحمها. وقيل: لا يجب التَّصَدُّق، بل يُستحبّ.

(وجملة) القول فى هذا ما قاله النووى: الأَكْل من أُضْحِية التَّطَوُّع سُنَّة ليس بواجب. هذا مذهبنا ومذهب مالك وأَبى حنيفة والجمهور، وأَوْجَبَهُ بعض السَّلَف، وهو وجه لنا. ومَنْ أَكَلَ بعض الأُضْحِية وتَصَدَّق ببعضها، هل يُثَاب على جميعها أَمْ على ما تصدَّقَ فقط؟ وجهان كالوجين فيمن نَوَى صَوْم التطوع ضَحْوَة، هل يُثَاب من أَول النهار أَمْ من وقت النِّيَّة فقط؟ قال الرافعىّ: ينبغى أَن يقال: له ثواب التَّضْحِية بالجميع وثواب التَّصَدُّق بالبعض. وهذا هو الصوَّاب الذى تَشْهَد به الأَحاديث والقواعد (2).

(وهذا) كله فى أُضْحِية التَّطَوُّع وكذا الواجبة بلا نَذْر عند الحنفيين. (أَمَّا) المنذورة فقد اختلف العلماءُ فى حُكْم أَكْل المضَحّى منها (قال) الحنفيون: لا يأْكُل منها شيئاً ولا يُطْعِم غَنِيًّا، سواءٌ أَكَانَ النَّاذِر غَنِيَّا أَمْ فقيراً، ولا يَدَّخِر، بل يجب عليه التَّصَدُّق بجميعها، لأَنه سبيلها وليس

(1) ص 582 ج 3 الشرح الكبير (يستحب أن بأكل ثلثها

).

(2)

ص 419 ج 8 شرح المهذب (الأكل من الأضحية) والمراد بأضحية التطوع عند الحنفيين أَحية المسافر والفقير الذي لم يوجد منه نذر ولاشراء للأضحية، لعدم سبب الوجوب وشرطة. ثم ظاهر كلام بعضهم أن الواجبة على الفقير بالشراء له الأكل منها. وذكر أبو السعود أن شراء ولها بمنزلة النذر، فعليه التصدق بها كلها.

ص: 36

للمتَصَدِّق أَن يأْكُل من صدقَتِه، ولا أَنْ يُطْعِم منها غَنِيًّا، فلو فعل ذلك لَزِمَهُ قيمة ما أَكَله أَوْ أَطْعَمه. وروى عن الشافعى وأَحمد (ومشهور) مذهبهما أَنَّ له أَنْ يأْكُلَ منها، لأَنَّ النذر محمول على المعهود والمعهود ذبحها والأَكْل منها. والنذر لا يغير من المنذور إِلَاّ الإِيجاب، بخلاف الهدْى الواجب فإِنه لا يجوزُ الأَكْل منه، لأَنَّ أَكْثر الهدايا لا يجوزُ الأَكْل منها فحمل النذر عليها

(فائدة) يجوز عند الجمهور إِطعام الفقير الذمىّ من أُضْحِية التطوع.

(قال) النووى: قال ابن المنذر: أَجمعت الأُمة على جواز إِطعام فقراءِ المسلمين من الأُضْحِية. واختلفوا فى إِطعام فقراءِ أَهْل الذمة. فرخَّص فيه الحسن البصرىّ وأَبُو ثَوْر. وقال مالك: غيرهم أَحَبّ إِلينا. وكَرِهَ مالك أَيضاً إِعطاءَ النَّصْرَانىّ جِلْدَ الأُضْحِية أَوْ شَيْئاً من لحمها، وكَرِهَهُ الليث قال: فإِنْ طُبخ لحمها فلا بأْس بأَكْل الذمىّ مع المسلمين منه، ومقتَضَى المذهب أَنه يجوزُ إِطعامه من أُضْحِية التَّطَوع دون الواجبة (1).

(وقال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ويجوز أَن يُطْعِمَ منها كافراً. وبهذا قال الحسن وأَبُو ثَوْر وأَصحاب الرأْى، وكَرِه مالك والليث إِعطاءَ النَّصْرانىّ جِلْدَ الأُضْحِية (ولنا) أَنَّهُ طعام له أَكله فجاز إَطعامه الذمى كسائر طعامه، ولأَنه صدقة تَطَوُّع فأُشبه سائر صدقة التَّطَوُّع، وأَمَّا الصَّدقة الواجبة منها، فلا يُجزئُ دفعها إلى كَافِر، لأَنَّها واجبة فأُشْبهت الزكاة وكَفَّارة اليمين (2).

(1) ص 425 ج 8 شرح المهذب (المسألة التاسعة) وص 583 ج 3 الشرح الكبير.

(2)

ص 425 ج 8 شرح المهذب (المسألة التاسعة) وص 583 ج 3 الشرح الكبير.

ص: 37

9 -

التصرف فى الأضحية:

يُنْدَبُ التَّصَدُّق بِجِلْدِها وجلالها وخطامها. ولا يجوز أَن يُعْطَى الجزَّار منها أُجْرته عند الأَئِمَّة الأَربعة والجمهور " لحديث " قتادةَ بن النعمان أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قام فى حجَّة الوداع فقال: إِنِّى كُنْتُ أَمَرْتُكُم ألَاّ تَأْكُلُوا الأَضَاحى فوق ثلاثة أَيام لتسعكُم، وإنِّى أُحِلَّه لَكُمْ، فَكُلُوا منه ما شِئْتُم، ولا تَبِيعُوا لُحوم الهدْى والأَضَاحى، فكُلُوا وتَصَدَّقوا واستمتعوا بجلودِها. وإِنْ أُطْعِمّم من لُحومها شيئاً فكُلُوه إِنْ شِئْتُم. أَخرجه أَحمد. وفى سنده رَاوٍ لم يُسَمّ. قاله الهيثمى (1) {47}. ولقول علىّ رضى الله عنه: أَمَرَنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن أَقوم على بُدُنِه، وأَنْ أَتَصَدَّقَ بلحمِها وجُلودها وأَجِلَّتها. وأَلَّ أُعْطى الجزَّار منها شيئاً، وقال: نحن نُعْطِيه من عِنْدِنا. أَخرجه أَحمد والشبخان وأَبو داود وابن ماجه (2){48} .

(وهذا) الحديث وإِن كان فى الهدْى فالأُضْحِية مثله فى الحكم.

وظاهر حديث علىّ أَنه لا يُعْطِى الجزَّار شيئاً منها أَلبتة. وليس هذا مراداً، بل المراد أَنه لا يُعْطى منها لأَجْل الجزارة، لأَنَّ ذلك فى حُكْم البيع.

ويجوز أَن ينتفع بجِلْد الأُضحية بجميع وُجُوه الانتفاع، فيتَّخِذَ منه خُفَّا أَوْ نَعْلاً أَوْ فَرْواً أَوْ دَلْواً أَوْ سِقَاءً أَوْ غُرْبَالاً أَوْ نحو ذلك. وله أضن يعيره. وليس له أَنْ يُؤَجِّره. وهذا فى جِلْدِ الأُضْحِية المتطوع بها، وكذا

(1) انظر المراجع بهامش 1 ص 38 ج 3 تكملة المنهل (حبس لحوم الأضاحى) و (لتعكم) أى لتسع فقراءكم (وإنى أحله لكم) أى فوق ثلاثة أيام، وهو من أدلة نسخ تحريم الادخار فوق ثلاثة أيام (فكلوا ما شئتم) أى فكلوا من الأضحية ما بدا لكم فى أى وقت وإن كنتم أعنياء.

(2)

ص 29 ج 1 تكملة المنهل (كيف تنحر البدن) وباقى المراجع بهامش 2 صفحة 31 منه.

ص: 38

الواجبة على القول بجواز أَكْل المضَحّى منها. وأَمَّا على القول بعدم الجواز فيجب التَّصَدُق به كاللحم.

هذا. وقد دَلَّت الأَحاديث المتَقَدِّمة على أَنه لا يجوز بَيْع شَئ من الأُضْحِية ولو تطوعاً حتى جِلْدِها لأَنَّها تعينَتْ بالذبح. و " لحديث " أَبى هريرة أَنَّ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: مَنْ باع جِلْدَ أُضْحِيَتِه فلا أُضْحِيَةَ له. أَخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح (1){49} ورد بأَنَّ فى سنده عبد الله بن عياش وقد ضعف.

هذا وبَيْع الجلد باطل عند أَحمد وأَبى يوسف وحرام عند مالك والشافعى.

(قال) النووى: مذهبنا أضنه لا يجوز بَيْع جِلْدِ الأُضْحِية ولا غيره من أَجزائِهَا، لا بما يُنْتَفَعُ به فى البيت ولا بغَيْره، وبه قال عطاءٌ ومالك، وأَحمد. ورخَّص فى بيْعِه أَبُو ثَوْر، وقال النخعى والأَوزاعى: لا بَأْس أَنْ يُشْتَرى به الغربال والمنخل والفأْس والميزان ونحوها. وكان الحسن وعبد الله بن عُمير لا يريان بأْساً أَن يُعْطَى الجزَّار جِلْدَها. وهذَا غَلَطٌ مُنَابذ للسُّنة (2).

(وقال) أَبو حنيفة ومحمد: يجوز مع الكراهة بَيْع جِلْد الأُضْحِية ولحمها إِذا اشْتَرَى بثمنه ما يُنْتَفَعُ به مع بقاءٍ عَيْنِه كغربال ومنخل وقِرْبة ولا يجوز أَن يُشْتَرى به ما يُستهلك كاللحم والخبز. ولا يجوز بيعها بدراهم ليصرفها على نفسه وأَهله. ويجوز ذلك إَذا صرفها للفراءٍ.

ورِخَّصَ الحسَن والنخعىّ فى الجلد أَن يَبِيعَهُ ويَشْتَرِى به الغربال والمنخل وآلة البيت. وروى نحو ذلك عن الأَوزاعى، لأَنه ينتفع به هو وغيره، فجرى مجرى تفريق لحمها.

(1) ص 390 ج 2 مستدرك (بيع جلد الأضحية).

(2)

ص 420 ج 8 شرح المهذب (فرع لا يجوز بيع جلد الأضحية).

ص: 39

10 -

ولد لأضحية:

إِنْ ولدت الأُضْحِية ولداً حَيًّا قبل ذبحها أو بعده وفيه حياة مستقرة ذبح وفُعل به ما يفعل بأُمِّه. فإِنْ لم يذبحه حتى مضت أَيام النحر تَصَدَّقَ به حَيًّا عند الحنفيين. فإِنْ ضَاع أَو ذبحه وأَكله، تصدق بقيمته، وإِنْ لم يَذْبَحْه فى عامه، بل تركه حتى جاءَ عامٌ آخر وذبحه أُضْحِية، لا يُجزئُ بل يتصدق به مذبوحاً مع قيمة ما نقص من الذبح، وعليه أُضْحية أُخرى على المفتى به عندهم.

(وقالت) المالكية: ولد الأُضحية إِن خرج حَيًّا قبل ذبح أُمِّه أَوْ بعده وبه حياة مستقرة، ندب ذَبْحَه، وفُعِل به ما يُفْعَل بأُمه، وإِنْ لم يُذْبَح وبقى لعام قابل، صَحّ أَنْ يُضَحّى به.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: إِنْ كانت الأُضْحِية معينة بنَذْرٍ أَوْ بقوله هذه أُضْحِية وولدت قبل الذبح أَو بعده وفى وَلَلَدِها حياة مستقرة، ذبح معها وفعل به ما يفعل بها لأَنه صار أُضْحِية تبعاً لأُمه. ولا يجوز ذَبْحه قبل وقت ذبح أُمه ولا تأْخيره عن آخر الوقت كأُمه (وقد) رَوَى المغيرة العبسىّ أَنَّ رَجُلاً سَأَل عَلِيًّا رضى الله عنه عن رَجُل اشترى بقرةً ليُضَحِّى بها فنتجتْ فقال له: لا تَشْرَب لبنها إِلَاّ فضْلاً. وإِذا كان يوم النَّحر فاذبحها وولدها عن سبعة. أَخرجه البيهقى (1){9} .

(أَما الجنين) الذى وجد بعد الذبح ميتاً أَو فيه حياة غير مستقرة، فيحل بذكاة أُمه. ويندب ذبحه ليخرج دمه، ويؤكَل إَن تم خلقه ونبت شعره عند مالك وأَبى عُمر: إَذا نُحِرَت الناقة فذكاة ما فى بطنها فى ذكاتها إِذا كان قد تم خلقه ونبت شعره.

(1) ص 237 ج 5 سنن البيهقى (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد رى فصيلها).

ص: 40

فإِذا خرج من بطن أُمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه. أَخرجه مالك ومحمد بن الحسن فى الآثار (1){10} .

" ولحديث " أَبى سعيد الخدرىّ رضى الله عنه قُلْنَا: يا رسول الله، ننحر الناقةَ وتذبح البقرة والشاة فنجد فى بطنها الجنين أَنُلْقِية أَمْ نأْكُلُه؟ فقال: كُلُوه إِن شئتم، فإِن ذكاته ذكاة أُمه. أَخرجه أَحمد والدارقطنى والحاكم وأَبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه، وابن حبان وصححه (2) {50} وضعفه عبد الحق وقال: لا يحتج بأَسانيده كلها، لأَنفى بعضها مجالداً (ورَدَ) بأَن أَقل أَحواله أَن يكون حسناً لغيره لكَثْرة طرقه. وقد أَخرجه أَحمد والدارقطنى من طريق ليس فيها مجالد.

(وقال) الشافعى وأَحمد: يؤكَل جَنِين الذبيحة وإِن لم يتم خلقه، لما روى البيهقى عن ابن عُمر مرفوعاً وموقوفاً: ذكاة الجنين ذكاة أُمه أَشعر أَو لم يشعر، وفى سنده مبارك بن مجاهد ضعيف. ذكره الزرقانى (3){51} .

(وقال) أَبو حنيفة: لا يحل جنين الذبيحة إِلَاّ إِن خرج حَيًّا وذكى.

(وحمل) الحديث على التشبيه، فالمعنى ذكاة الجنين إِذا خرج حَيًّا كذكاة أُمه.

(وهذا) التأُويل بعيد، لما تقَدَّم عن ابن عُمر رضى الله عنهما، ولما رواه البيهقى بلفظ: ذكاة الجنين بذكاة أُمه. فالحجَّة مع الأَولين (قال) ابن المنذر: لم يَرِد عن أَحد من الصحابة ولا من العلماءِ أَنّض الجنين لا يؤكَل إِلا باستئناف ذكاة فيه إِلَاّ ما يُرْوَى عن أَبى حنيفة (4).

(1) 353 ج 2 زرقانى الموطإ (ذكاة ما فى بطن الذبيحة).

(2)

ص 63 ج 3 تكملة المنهل (ذكاة الجنين) وباقى المراجع بهامش 4 ص 65 منه.

(3)

ص 354 ج 2 زرقانى الموطإ (ذكاة ما فى بطن الذبيحة).

(4)

ص 282 ج 4 معالم السنن (باب ذكاة الجنين).

ص: 41

11 -

ذبح أضحية الغير:

لَوْ غَلط اثنان فذَبَحَ كُلٌّ أَضْحِيَةَ الآخر عن نفْسِه، صَحَّ استحساناً عند الحنفيين والحنبلية. وتقَعُ كُلّ أُضْحِية عن مالِكِها، لأَنَّهَا تعينَتْ للذَّبح بتعيينها للأُضْحِيَة. ولا ضمان بعد العِلْم بالغَلَط إِنْ رَضِىَ كُلٌّ بفِعْل صاحِبِه، وإِلَاّ وَقَعَتْ ذَبِيحة كُلٍّ عن نفسه وضَمِنَ لصاحبه قيمةَ لحمه فيتصَدَّقَ بها، لأَنها بدل عن اللحم فصار كما لَوْ بَاعَه. وكذا لو تَعَمَّدَ فَذّبَح أُضْحِيَةَ رَجُل عن نفْسِه بلا إِذْنِه عند الحنفيين. فإِنْ أَخَذَهَا المالك مذبوحة ولم يُضَمِّنه القيمة وقعت عنه، لأَنَّهُ نَوَاها فلا يَضُرّه ذَبْح غيره وإِنْ ضَمنه قيمتها وقعت عن الذابح، لأَنه ظهر أَنَّ الإِراقة حصلت على مُلْكِه. وإِذا ذبحها عن المالك بغير إِذْنِه وقعت عن المالك ول ضمان لوجود الإِذن بذبحها دلالة حيث نَوَى ذبحها عند الشراءِ فتعينَتْ للأُضْحِية (وحاصله) ما ذكَرَهُ ابن عابدين بقوله: لو غَلط فذبح أُضْحِية غيره عن نفسِه فالمالك بالخيار إِنْ ضَمَّنه قيمتها وقعت عن الذابح وإِلَاّ فَعَن المالك وكذا لو تَعَمَّدَ وذبحها عن نفسه. وأَمَّا لو ذبحها عن المالك وَقَعَتْ عن المالك، وهل له الخيار أَيضاً؟ لم أَرَه. والظاهر نعم (1).

(وقال) الشيخ منصور بن إِدريس: لو ضَحَّى اثنان كُلٌّ بأُضْحِية الآخر عن نفسه غلطاً كَفَتْهُمَا ولا ضمان استحساناً. والقياس ضمانهما. ونقل الأَثْرَم وغيره فى اثنين ضَحَّى هذا بأُضْحِيَة هذا يترادان اللحم ويُجْزئ. ولو فرق كُلٌّ منهما لحم ما ذبحه صَحَّ لإِذْنِ الشرع فى ذلك، وإِنْ ذَبَح أُضْحِيَةً معينةً فى وقتها بغير إِذْنِ رَبِّها ونواها عن ربها أَوْ أُطلق، أُجْزأَتْ ولا ضمان على الذابح، لأَنَّ الذَّبح لا يفتقر إِلى

(1) ص 229 ج 5 رد المختار (أما إذا ذبحها عن مالكها).

ص: 42

النِّيَّة، فإِذا فعله غير صاحبه أَجْزأَ عن صاحبه. ولأَنها وقعَتْ موقعها بذبحها فى وقتها فلم يضمن ذابحها حيث لم يكُن مُتَعَدِّياً. وإِنْ نَوَى الذابح التَّضْحة عن نفْسِه مع عِلْمِه أَنَّهَا أُضْحِية الغير لم تُجزئ عن مالِكِها ويضمن الذابح قيمتها إِنْ فرق لحمها وأرش الذبح إِنْ لم يفرقها لغصبه، واستيلائه على مال الغير وإِتلافه أَو تنقيصه عُدْوَاناً. وإِنْ ذبحها عن نفْسِه غير عالم أَنها أُضْحِية الغير لا شتباهِها عليه، أَجزأَت عن ربها إِنْ لم يفرق الذابح لحمها. وإِنْ أَتْلَفَ الأُضْحِية صاحبها ضَمِنَهَا بقيمتِها يوم التلف فى محله وصرف قيمتها فى مثلها. وإِنْ فضل من القيمة شئٌ عن شراءِ المثل لنحو رخص، اشترى به شاة أَوْ سُبع بدنة أَوْ بقرة إِن اتَّسَع لذلك وإِلَاّ اشْتَرى به لحماً فتصَدَّقَ به أَوْ يتصدَّق بالفضل. اهـ ملخصاً (1).

(وحاصل) مذهب المالكية أَنَّ مَنْ ذبح أُضْحِية غيره لعادة وكان قريباً أَوْ صديقاً أَجْزَأَت اتفاقاً. وفى إِجزاءِ ذبح الأَجنبى لعادة خلاف. وأَمَّا إِنْ ذبحها لغير عادة بغير أَمره فلا تُجزئ عن واحد منهما. فإِنْ أَخَذَ المالك قيمتها فليس للذابح إِلَاّ أَكْل اللحم أَو التَّصَدُّق به، لأَنه ذبحه على وَجْه التَّضْحِية. وإِنْ أَخَذَ المالك اللحم، تَصَرَّف فيه بالْبَيْع وغيره لأَنه لم يقصد بذبحه التَّضْحِية وعليه بدلها.

(وقالت) الشافعية: إِنْ ذَبْحَ رَجُل أُضْحِيَةَ غيره فى وقتها بغير إِذْنِه، أَجْزأت عن المالك. وله على الذبح فرق ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة،

(1) ص 641 ج 1 كشاف القناع (تتمة).

ص: 43

لأَنَّ الذبح أضحد مقصودى التَّضْحِيَة، فإِذا فعله فاعل بغير إِذْنِ المضَحّى ضَمِنَهُ كتفرقة اللحم.

12 -

قضاء الأضحية:

لَوْ لم يُضَحّ حتى مَرَّت أَيامها (فإِنْ كان) أَوْجَبها على نَفْسِه بالنَّذْر أَو اشتراها ولو غَنِيًّا، وَجَبَ عليه التَّصَدُّق بها حَيَّة أَو بقيمتها، لأَنَّهَا تعينَتْ بالنَّذْر أَو بالشَّرَاءِ بنيتها فلا يُجْزئه غيرها. ولذا لَوْ ذَبَحها ونقصها الذبح بأَن كانت قيمتها بعده أَقَلّ منها قبله، تَصَدَّقَ بقدر النقص، ولا يَأْكُلِ منها لانتقال الواجب من إِراقة الدم إِلى التَّصَدُّق، فإِنْ أَكَلَ تَصَدَّق بقيمة ما أَكَل (وإِنْ كان) غَنِيًّا ولم يوجب على نَفْسِه ذبيحة بعينها، لَزِمَهُ التَّصَدُّق بقيمة شَاةٍ تُجزئ فى الأُضْحِية لوجوبها فى ذِمَّتِه بإِيجاب الله تعالى. وهذا مذهب الحنفيين.

(وقال) غيرهم: إِنْ كانت تَطَوُّعاً لا تقضى. أَما الواجبة بنَذْرٍ أَو تعيين بقوله هذه أُضْحِيَة فتقضى.

(قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: إِذا فاتَ وقْت الذبح، ذبح الواجب قضاءً وصَنَعَ به ما يُصْنَع بالمذبوح فى وقته، لأَنَّ حُكْم القضاءِ حكم الأَداءِ (فأَمَّا) التطوع فهو مُخَيَّر فيه، فإِنْ فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح، لأَنها شَاةَ لحم وليست أُضْحِية. وبهذا قال الشافعى. وقال أَبو حنيفة: يُسَلِّمها إِلى الفقراءِ ولا يذبحها، فإِنْ ذبحها فرق لحمها وعليه أَرش ما نقصها الذبح، لأَنَّ الذبح قد سقط بفواتِ وقته كالوقوف والرمى (ولنا) أَن الذبح أَحد مقصودى الأُضْحِية فلم يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم، ولأَنه لأَوْ ذبحها فى الوقت ثم خرج " الوقت " قبل تفرقتها فرقها بعد ذلك. وبهذا فارق الوقوف والرمى، ولأَنَّ الأُضْحِية

ص: 44

لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك. " فإِن ضَلَّت " الأُضْحِية التى وجبت بإِيجابه لها أَوْ سُرِقت بغير تفريط منه " فلا ضمان " عليه، لأَنَّهَا أَمانة فى يده، فإِنْ عادت بعد الوقت ذبحها على ما ذكرناه (1).

13 -

التضحية عن الميت:

يجوز إِشراكُ المِّيت فى أَجْر التَّضْحِية اتفاقاً " لحديث " أَبى رافع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَقْرَنَيْن أَحَدُهما عن أُمَّتِه مَنْ شَهِدَ لله بالتوحيد وشَهِدَ له بالبلاغ. والثانى عن نَفْسِه وأَهل بيته. أَخرجه أَحمد والبزار بسند حسن مختصراً (2){25} .

(ومعلوم) أَنَّ كثيراً منهم كانوا قد مَاتُوا فى عهده صلى الله عليه وسلم فدخل فى أُضْحِيَتِه صلى الله عليه وسلم الأَحياءُ والأَمواتُ كلهم. والكَبْشُ الواحدُ الذى يُضَحِّى به عن أُمَّتِه كما كان للأَحْيَاءِ من أُمَّتِه كذلك كان للأَمواتِ منهم بلا تفرقة. وكذا تَجُوز التَّضْحِية عن المِّيت إِذ أَوْصَى بها فى حياته عند بعضهم (رَوَى) حنش عن علىّ رضى الله عنه أَنه كان يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَحَدُهُمَا عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم والآخر عن نَفْسِه، فقيل له، فقال: أَمَرنى به - يعنى النبى صلى الله عليه وسلم فلا أَدَعَهُ أَبداً. أَخرجه الترمذى وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إِلَاّ من حديث شريك. وقد رَخَّصَ بعض أَهْل العِلْم أَن يُضَحّى عن المّيت. ولم يَرَ بعضهم أَن يُضَحّى عنه. وقال عبد الله بن المبارك: أَحَبّ إِلىّ أَن يتصدق

(1) ص 557 ج 3 الشرح الكبير (فإن فات الوقت).

(2)

انظره تاماً ص 61 ج 13 الفتح الربانى، وص 21 ج 4 مجمع الزوائد (أضحيته صلى الله عليه وسلم.

ص: 45

عنه ولا يُضَحّى، وإِنْ ضَحَّى فلا يأْكُل منها شيئاً ويتصدَّق بها كُلها. وأَخرج نحوه أَحمد وأَبو داودج والحاكم وصححه (1){53} .

(وممن) قال بهذا الحنفيون وأَبو بكر بن العربى المالكى والقفَّال الشافعى.

(قال) النووى: وأَمَّا التَّضْحِية عن الميت فقد أَطلق أَبو الحسن العبادى جوازها، لأَنها ضَرْب من الصدقة تَصِحّ عن الميت وتنفعه وتَصِل إِليه بالإِجماع (وقال) صاحب العدة والبغوى: لا تَصِحّ التَّضْحِية عن الميت إِلَاّ أَن يُوصِى بها، وبِه قَطَعَ الرافعى (وقال) أَصحابنا: وإِذا ضَحَّى عن غيره بغير إِذْنِه فإِنْ كانت الشَّاة معينة بالنَّذْر وقعت عن المضَحّى وإِلَّ فلا. وأَطلق الشَّيْخ إِبراهيم الْمَرْوَزِىّ أَنها تقَعُ عن المضَحّى. ولو ذَبَح عن نَفْسِه وأَشْرَكَ غيره فى ثوابها جاز. قالوا: وعليه يُحْمَل الحديث المشهور عن عائشة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ذَبّحَ كَبْشاً وقال: باسْم الله، اللَّهم تقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ وعن أُمَّة محمدٍ. ثم ضَنحَّى به. رواه مسلم (2){54} (واحتج) العبادى وغيره فى التَّضْحية عن الميت (3).

هذا، وهؤُلاءِ قالوا كابن المبارك: لا يجوز للمضَحِّى عن الميت أَنْ يَأْكُل منها شيئاً، لأَنَّ الذابح لم يتقرب بها عن نفْسِه وإِنما يتقرب بها عن غيره، فلا يجوز له أَن يأْكُل من حق الغير شيئاً.

(وقال) الحنفيون: إِنْ ضَحِّى عن الميت بأَمره لا يأْكُل منها. إِنْ

(1) ص 353 ج 2 تحفة الأحوذى (الأضحية بكبشين) وص 109 ج 13 الفتح الربانى، وص 6 ج 3 تكملة المنهل (الأضحية عن الميت) وباقى المراجع بهامش 4 ص 7 منه.

(2)

هذا عجز حديث ص 121 ج 13 نووى مسلم (استجباب الضحية وذبحها مباشرة).

(3)

ص 406 ج 8 شرح المهذب (فرع لوضحى عن غيره بغير إذنه لم يقع عنه).

ص: 46

كان مُتَبَرِّعاً فله الأّكْل منها (قال) العلامة ابن عابدين: لَوْ ضَحَّى عن مَيِّت وارثُه بأَمْره لَزِمَهُ التَّصَدُّق بها وعدم الأَكْل منها. وإِنْ تبرَّع بها عنه، له الأَكْل، لأَنه يقَعُ على ملك الذابح والثواب للميت. ولهذا لو كان على الذابح واحدة سقطت عنه أُضْحِيَته. وقد صرح فى فح القدير فيمن حج عن الغير بلا أَمره أضنه يقع عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه وللآخر الثواب (1).

(وقال) بعض الفقهاء: لا تجوز التَّضْحِية عن الميت منفرداً (وأَجابوا) عن حديث علىّ بأَنه ضَعِيف. فإِنَّ فى سنده شريك بن عبد الله القاضى، فيه مقال، وأَبو الحسناءِ شَيْخه مجهول، وحنش الكنانى تكلم فيه غير واحد، وكان كثير الوهم فى الأَخبار ينفرد عن علىّ بأَشياءِ لا تُشبه حديث الثقات حتى صار ممن ل يحتجّ به.

(قال) محمد بن عبد الرحمن: لم أَجِدْ فى التَّضْحِية عن الميت منفرداً حديثاً مرفوعاً صحيحاً. وأَمَّا حديث علىّ المذكور فضعيف كما عرفت، فإِذا ضَحَّى الرَّجُل عن الميت منفرداً فالاحتياط أَن يتَصَدَّق بها كلها (2).

(أَمَّا) إِذا أَشْرَك الميت مع الحىّ فله الأَكْل منها، فإِنه لم يُنْقَل عنه صلى الله عليه وسلم فى الأُضحِية الى كان يُضَحِّى بها عن نفسه وأهْل بَيْتِه وعن أُمَّتِه الأَحياء والأَموات أَنه تَصَدَّق بجميعها، أَو تَصَدَّق بجزءِ مُعَيَّنِ بقدر حِصَّة الأَموات، بل قال أَبو رافع: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا ضَحَّى اشترى كَبْشَيْن سَمِينَيْن أَقْرَنَيْن أَمْلَحَيْن، فإِذا صَلَّى وخطَبَ الناس أُتِيَ بأَحدهما وهو قائم فى مُصَلَاّه فذَبَحَهُ بنَفْسِه

(1) ص 236 ج 5 رد المحتار (آخر كتاب الأضحية) وص 354 ج 2 تحفة الأحوذى (الأضحية بكبشين).

(2)

انظر المراجع بهامش 3 ص 7 ج 3 تكملة المنهل (الَحية عن الميت).

ص: 47

بالمدية، ثم يقول: اللَّهم هذا عن أُمَّتى جميعاً، مَنْ شَهِدَ لك بالتَّوْحِيد وشَهِدَ لى بالبلاغ. ثم يُؤْتَى بالآخر فيذبحه بنفسِه ويقول: هذا عن محمد وعن آل محمدٍ، فَيُطْعِمهما جميعاً المساكين ويأْكُل هُوَ وأَهْله منهما، فمكَثْنَا سِنِين ليس الرَّجُل من بنى هاشم يُضَحِّى، قد كَفَاهُ الله المئونةَ برسول الله صلى الله عليه وسلم والغُرْمَ. أَخرجه أَحمد والبزار والطبرانى فى الكبير بسند حسن (1){55} .

(فعلم) منه أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان دَأْبُهُ أَنْ يأْكُلَ مِنَ الأًضْحِية هُوَ وأَهْله ويُطْعِمَ منها المساكين، وأَمَرَ بذلك أُمِّتَهُ، ولم يُحفظ عنه خلافه.

14 -

ما يطلب من المضحى:

يُطْلَبُ ممنْ أَرَادَ التَّضْحِيةَ عِدَّة أُمور:

(1)

أَلَاّ يأْخُذُ من شَعْر ولا من أَظفاره شيئاً إِذا دَخَلَ شَهْر ذِى الحجَّة، لما تقَدَّمَ عن أُمّ سَلَمة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى هِلآ ذِى الحجَّة وأَراد أَن يُضَحَّى فلا يأْخَذَنَّ من شَعْره وأَظْفَاره. أَخرجه الترمذى (2){56} .

" وعن أُمّ سَلَمة " أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كانَ لَهُ ذِبْحٌ يذبحه فإِذا أَهَلَّ هلال ذِى الحجَّة فلا يأْخُذَنَّ من شَعْره وأَظْفَاره شيئاً حتى يُضَحِّى. أَخرجه مسلم وأَبو داود (3){57} .

(ولهذا) قال سعيد بن المسّيب وأَحمد وإِسحاق وداود الظاهرى وبعض أَصحاب الشافعى: يحرم على مُرِيد التَّضْحِية أَخْذ شَئْ من شَعْر

(1) انظر المراجع بهامش 3 ص 7 ج 3 تكملة المنهل (الَحية عن الميت).

(2)

تقدم رقم 7 ص 6 (حكم التضحية).

(3)

ص 139 ج 13 نووى مسلم، وص 7 ج 3 تكملة المنهل (الرجل يأخذ من شعره فى العشر وهو يريد أن يضحى (والذبح بكسر فسكون: الحيوان يراد ذبحه. فهو فعل بمعنى مفعول، ومنه قوله تعالى:" وفديناه بذبح عظيم ".

ص: 48

وأَظْفَاره إِذا هَلَّ ذُو الحجَّة حتى يُضَحِّى (وقال) مالك: حرم ذلك فى أُضْحِية التطع دون الاجبة.

(وقال) الحنفيون: يُكْرَه ذلك كراهةَ تنزيه، وهو مشهور مذهب الشافعى ورواية عن مالك، وحملوَا النَّهْى فى الحديث على التنزيه " لقول " عائشة: فتّلت قلاند بُدُن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى، ثم أَشْعَرها وقَلَّدَها، ثم بعث بها إِلى البيت وأَقام بالمدينة، فما حرُم عليه شَئ كان له حلالاً. أَخرجه السبعة والطحاوى (1){58}

والأُضْحِية كالهدْى، فيحمل النَّهْى فى حديث أُم سَلَمةَ على كَرَاهة التنزيه جمعاً بينه وبين حديث عائشة (قال) النووى: قال أَصحابنا المراد بالنَّهْى عن أَخْذ الظُّفر والشَّعر النَّهْى عن إِزالة الظُّفر بقَلم أَوْ كَسْر أَو غيره، والمنع من إِزالة الشَّعر بحلقٍ أَو تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحراقٍ أَوْ أَخْذه بنوره أَو غير ذلك، وسواءٌ الإِربط والعانَةِ والرَّأْس وغير ذلك ذلك من شُعور البدن.

وقال بعض أَصحابنا: حُكْم أَجزاءِ البدن كحُكْم السَّعر والظُّفر، لقوله فى الرواية السابقة: فلا يمسّ من شعره وبشره شيئاً. والحكمة فى النَّهْى بقاءِ أَجزاءِ المضَحّى كاملة للعِتْق من النار (2).

(2)

ويُسَنّ للمضَحّى قَصّ الأَظافر والشَّارِب وحَلْق الْعَانَة يوم التَّضْحِية " لحديث " عمرو بن العاص أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لِرَجُل - سأَلة عن الضَّحِيَّة وأَنه قد لا يجدها - تأْخُذُ من شَعْرك وأَظْفَارِك

(1) ص 14 ج 1 تكملة المنهل (من بعث بهدية وأقام) وباقى المراجع بهامش 5 ص 15 منه.

(2)

ص 38 ج 13 شرح مسلم (نهى مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً).

ص: 49

وتَقُصّ شَارِببك وتحلق عانَتَك، فذلك تمام أُضْحِيَتِكَ عند الله عز وجل أَخرجه أَحمد وأبو داود والنسائى (1){59} .

(3)

ويُطْلَب من المضَحَّى التَّسْمِية عند الذبح لقوله تعالى: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ "(2). والمنقول فيها باسْم الله والله أَكْبر " لحديث " جابر أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله ويلم لَمَّا وجه الأُضْحِية قال: إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِى للذى فَطَرَ السَّمواتِ والأَرض على مِلَّةِ إِبراهيم حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ المشْرِكِين، إِنَّ صَلآنى ونُسُكِى وَمَحْيَاى ومماتى لله رَبً العالمين، لا شرِيكَ له وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا مِنَ المسلمين. اللَّهُمَّ مِنْكَ وإِلَيْكَ اللَّهُمَّ عن محمدٍ وأُمَّتِه. باسْم اللهِ والله أَكْبر. ثم ذَبَح. أَخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمى (3) {60}. وفى سنده:(ا) محمد بن إِسحاق وقد عَنْعَن. (ب) أبو عياش ضعيف " ولقول " أَنِس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن ويقول: باسْم الله والله أَكْبر. أَخرجه السبعة والدارمى. وهذا لفظ مسلم (4){61} .

(فإِن) ترك التَّسْمية عَمْداً مع القدرة لا تؤكَل الذبيحة عند الحنفيين ومالك وأَحمد، لقوله تعالى:" وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ "(5).

(1) ص 69 ج 13 الفتح الربانى، وص 5 ج تكملة المنهل (ايجاد الأضاحى) وص 202 ج 2 مجتبى (من لم يجد الأضحية).

(2)

سورة الحج، من آية 36، وصدرها:" والبدن جعلناها ". و (صواف) أى قائمات على ثلاث.

(3)

ص 12 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقى المراجع بهامش 3 ص 13 منه. و (حنيفاً) أى مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق.

(4)

ص 121 ج 13 نووى مسلم، وص 11 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 2 ص 12 منه.

(5)

سورة الأنعام، الآية 121.

ص: 50

(وقالت) الشافعية: تحل مع الكَراهة، لأَنَّ التَّسْمية عندهم سُنَّة لا شرط.

(وإِنْ) تُركَتْ سهواً تحل اتفاقاً " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: المسلم يكْفِية اسمه فإِنْ نَسِىَ أَنْ يُسَمِّى حين يذبح فلْيُسَمّ ثم يأْكُل. أَخرجه الدارقطنى (1){62} . وفى سنده محمد بن يزيد ابن سنان، وهو صدوق ضعيف الحفظ " ولقول " ابن عباس رضى الله عنهما: مَنْ نَسِىَ التَّسْمِية فلا بَأْس، ومَنْ تَعَمَّدَ فلا تؤكَل. أَخرجه أَبو الحسن رزين بن معلوية وعبد الرازق بسند صحيح (2){12} .

(4)

ويُسَنُّ لمنْ يُحْسِن الذبح أَنْ أَنْ يذبح أُضْحِيَته بيده ويقول: باسْم الله والله أَكْبر، اللَّهمَّ هذا عن فُلن ويُسَمِّى نفسه " لحديث " المطلب ابن عبد الله عن جابر رضى الله عنه قال: شَهِدْتُ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم الأَضحَى بالمصَلَّى، فلَمَّا قَضَى خُطْبته نَزَلَ عن مِنْبَره وأُتِىَ بكَبْش فذَبَحَهُ بيده، وقال: باسْم الله والله أَكْبر، اللَّهمَّ هذا عَنِّى وعَمِّنْ لم من هذا الوجه (3){63} . والمطلب يُقَال إِنه لم يسمع من جابر، لكن قال أَبو حاتم الرازى: يُشْبه أَن يكون أَدركه.

(5)

ويُنْدَب لمن لم يُحسِن الذبح أَنْ يَأْمُر غيره بالذبح ويشهده

(1) ص 549 سنن الدارقطنى (باب الصيد والذبائح .. ) و (يكفيه اسمه) الضمير للمسلم، وقد فسره ابن عباس بقوله: فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله. أخرجه البيهقى والدارقطنى [11] ص 549 منه.

(2)

ص 45 ج 2 تيسير الوصول (آداب الذبح ومنهياته).

(3)

ص 31 ج 3 تكملة المنهل (الشاة يضحى بها عن جماعة) وباقى المراجع بهامش 5 ص 33 منه.

ص: 51

" لحديث " عمران بن حُصَين أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمةَ قُومى فاشْهَدِى أُضْحِيَتِك فإِنه يغفر لك عند أَوَّل قطرةٍ من دمها كُلَّ ذَنْبٍ عَمَلْتِه، وقولى: إِنَّ صَلآتِى وَنُسُكِى وَمَحْياىَ وَمَمَاتِىِ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ. لآ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ (قال) عمران: يا رسول الله، هذا لَكَ ولأَهْل بَيْتِكَ خاَّصة - فأَهل ذلك أَنتم - أَوْللمسلمين عاَّمةً قال: بَلْ للمسلمين عامَّةً. أَخرجه الطبرانى فى الكبير والأَوسط والحاكم وصححه. ورد بأَن فى سنده أَبا حمزة الثمالى وهو ضعيف (1){64}

(6)

ويُنْدَب - عند مالك والجمهور - للإمام إِبراز الأُضْحِية وذبحها فى المصَلَّى، لما تقَدَّم فى حديث أَبى رافع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (2)، ولما تقَدَّم عن جابر (3) (وقال) النووى: الأَفْضَل أَنْ يُضَحِّى فى داره بمشْهَدِ أَهْلِهِ. وذكَرَ الماوردى أَنه يختار للإِمام أَن يُضَحِّى للمسلمين كافة من بيت المال ببدنة فى المصَلَّى م ماله ضَحَّى حيثُ شاءَ (4). وعن ابن عُمر أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يذبح أُضْحِيَتَهُ بامصَلَّى. أَخرجه أَحمد وأَبو داود والبخارى والنسائى وابن ماجه (5){65} .

(7)

و (8) ويُنْدَب حَدّ السكِّين وإِراحة الذَّبيحة " لحديث " شَدَّاد ابن أَوْس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ تعالى كَتَبَ الإِحسانَ على كُلِّ شَئْ، فإِذا قَتَلْتُم فأَحْسِنُوا الْقِتْلَة، وإِذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنُوا الذبح،

(1) ص 17 ج 4 مجمع الزوائد (فضل الأضحية وشهود ذبحها) وص 222 ج 4 مستدرك.

(2)

تقدم رقم 52 ص 44 (التضحية عن الميت).

(3)

هو الحديث رقم 60 ص 49.

(4)

ص 425 ج 8 شرح المهذب (السادسة) من مسائل الأضحية.

(5)

ص 34 ج 3 تكملة المنهل (الإمام يذبح بالمصلى) وباقى المراجع بهامش 3 منه.

ص: 52

ولْيُحِدَّ أَحدكُم شَفْرَتَه ولْيرُحْ ذَبِيحَتَه. أَخرجه الشافعى والسبعة إِلَاّ البخارى والترمذى (1){66} .

(9)

إِلى (16) ويُنْدَب إِضْجَاع غير الإِبل برفقٍ على اليسار، وتوجيه مذبحها إِلى الْقِبْلَة ليتمكِّن الذابح من استقبال أَيضاً، والدعاءِ بالقبولِ، وأَن يقول: إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِى للذى فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرض على مِلَّةِ إِبراهيم حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ المشركين، إِلى آخر ما فى حديث جابر (2)، والذبح باليمين، وإِسراع الذبح، وإِجراءِ المدية على الحلق، وعدم ذَبْحِها أَمام ذَبِيحَةٍ أُخرى، لما تقدَّم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: يا عائشةَ هَلُمِّى المدية، ثم قال: اشْحَذِيها بحَجَر، ففعَلَتْ، ثم أَخَذَها وأَخَذَ الكَبْش وأَضْجَعَهُ ثم ذَبَحَهُ، ثم قال: باسْم الله، اللَّهمَّ تقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ، ومن أُمَّة محمدٍ. ثم ضَحَّى به (3){67} .

(قال) النووى: فيه دليلٌ لا ستحباب قول المضَحِّى حال الذبح مع التَّسْمِية والتَّكبير: اللَّهمَّ تَقَبَّلْ مِنِّى. قال أَصحابنا: ويُسْتَحَبّ معه: اللَّهمَّ منك وإِليك تقَبَّلْ مِنِّى. فهذا مُسْتَحَبّ عندنا وعند الحسن وجماعة، وكَرِهَهُ أَبو حنيفة وكره مالك اللَّهمَّ منك وقال: بِدْعَة (4) والحديث يردّه. وفيه دليل على استحباب إِضْجَاع الغَنَم وكذا البقر، لأَنه أَرْفَق بها، وعليه أَجْمَع المسلمون.

فإِن اقتصر على التَّسْمِية أَوْ وَجَّهَ الذبيحة إِلى غير الْقِبْلة ترك الأَفْضَل وأَجْزَأَهُ عند الجمهور. وكَرِهَ ابن عُمر وابن سِيرين الأَكْل من الذَّبيحة

(1) ص 42 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 1 ص 43 منه.

(2)

تقدم رقم 60 ص 49 (ويطلب من المضحى التسمية).

(3)

تقدم بالحديث رقم 38 ص 29 (الاشتراك فى الأضحية).

(4)

ص 122 ج 13 شرح مسلم (استحباب الضحية وذبحها مباشرة).

ص: 53

إِذا وُجِّهَتْ إِلى القبلة. والصَّحيح أَنه غير واجب، لأَنَّهُ لم يَقُمْ عليه دليل.

(17)

و (18) ويُسَنّ نَحْر الإِبل قائمةً معقولة الرِّجْل الْيُسْرى الأَمامية عند الأَئِمة الأَربعة والجمهور " لقوله " تعالى: " فاذكُرُوا اسْم اللهِ عَليْها صوَافَّ ". (قال ابن عباس): إِذا أَردْتَ أَنْ تَنْحَر البدَنَة فأَقمها ثم قُل: اللهُ أَكْبر، اللهُ أَكْبر منك ولك، ثم سَمّ وانْحَرْها. أَخرجه الحاكم (1) {13}. وقال عطاءٌ: يُسْتَحبُّ ذَبْحها وهى بارِكَة. وجَوَّز الثورىّ كِلآ الأَمْريْن " قال " أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ولنا ما رَوَى زياد بن جُبير قال: رأَيْتُ ابن عُمر أَتى على رَجُل أَناخَ بدنَتهُ لِينْحرها فقال: ابْعثْها قياماً مُقَيَّدَة، سُنَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، متفق عليه {68}. ورَوَى أَبو داود بإِسناده عن عبد الرحمن بن سابط أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابه كانوا ينْحَرُونَ الدَنَة معقولةَ الْيُسْرَى قائمةً على ما بقى من قوائمها {69}. وفى قول الله تعالى:" فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا "(2) دليل على أَنها تُنْحر قائمة. وقِيلَ فى تفسير قوله تعالى: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ " أَىْ قياماً وكَيْفَمَا نحر أَجْزَأَهُ (قال) أَحمد: وينحر الإِبل معقولة على ثلاثِ قوائم، فإِنْ خَشِىَ عليها أَن تنفر أَنَاخَها (3). ويُسَنُّ ذبْح البقر والغنم. وقال الله تعالى:" إِنَّ يأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبحُوا بَقَرَةً "(4)، وتقَدَّمَ عن أَنَس أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكَبْشَيْن ذبَحهُما بيده (5).

فإِنْ ذَبح ما يُنْحر أَوْ نَحَرَ ما يُذْبح جازَ، لأَنه لم يتجاوز محل الذبح.

(1) ص 389 ج 2 مستدرك (تفسير سورة الحج).

(2)

وجبت جنوبها، أى سقطت على الأرض، وهو كناية عن الموت.

(3)

ص 548 ج 3 الشرح الكبير (السنة فى النحر والذبح).

(4)

سورة البقرة من الاية 67، وصدرها: وإذا قال موسى لقومه ".

(5)

تقدم رقم 1 ص 3 (الأضحية).

ص: 54

(19)

ويُنْدَبُ للوَارِثِ ذَبْح أُضْحِيَة مُورّثة إِنْ عَيَّنها قبل مَوْتِه ما لم تكن منذُورَة وإِلَاّ وَجَب ذَبْحها. وكَذَا إِن اشترطها فى وَقْفٍ له. وبهذا قالت الحنفية والمالكية.

وعند الحنبلية المعينة كالمنذُورَة. ولَوْ أَوْجَبَها بنَذْرٍ أَوْ تَعْيين ثم ماتَ قبل الذبح أَو بعده، قام وَارِثَهُ مقامه فى الأَكُل والإِهداءِ والصَّدَقة.

(20)

و (21) ويُسْتَحَبُّ التَّضْحِية بالأَسْمَن وتَسْمِين الأُضْحِية، فالتَّضْحِية بشاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَل من شاتَيْن دونها (قال) النووى: قال أَصحابنا: كَثْرَةُ اللَّحم أَفْضَل من كَثْرَةِ الشَّحْم إِلَاّ أَنْ يكُون لحماً رديئاً. وأَجمع العلماءُ على استحبابِ السَّمين فى الأُضْحِية، واختلفوا فى استحبابِ تَسْمِينها. فمذهبنا ومذهب الجمهور استحبابه.

(وقال) بعض المالكية: يُكْرَهُ لِئَلَاّ يَتَشَبَّةَ باليهود، وهذا قول باطل وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أَبى أُمامة، قال: كُنَّا نُسَمِّن الأُضْحِية، وكان المسلمون يُسَمِّنُون (1){14} .

15 -

ما يكره فى الأضحية:

يُكْرَه فيها ترك سُنَّة مَّما تقَدَّم (ويُكْرَه) جَزّ صُوفها قبل الذبح لا بعده لحصول المقصود، فإِنْ جَزَّهُ تصَدَّقَ به (ويُكْرَه) ركُوبها والحمل عليها بلا ضرورة. ويُكْرَه تَأْجِيرها والانتفاع بلبَنِها، فإِنْ كانَ ذبحها قريباً نَضَح ضرعها بالماءِ البارِد، وإِلَاّ حلَبَهُ وتَصدَّقَ به. فإِنْ فَعَلَ شيئاً من ذلك تَصَدَّقَ بالثمن أَو الأُجرة أَو ما نقص، لأَنه بشِرائِها تعينَتْ للقربة بجميع أَجزائِهَا، فلا يحلّ الانتفاع بها (ويُكْره) إِبدالها بغيرها. وهذا مذهب الحنفيين.

(1) ص 396 ج 8 شرح المهذب (يستحب التضحية بالأسمن).

ص: 55

(وقالت) المالكية: يُكْرَهْ جَزّ صُوف أُضْحِية التَّطَوُّع قبل الذبح إِنْ لم ينْو جزّه عند شرائِهَا لينتفع به بغير البيع، وإِنْ لم ينبت مثله أَوْ قريب منه قبل الذبح. وإِلَاّ فلا كَراهة. أَما المنذورة فيحرم جَزّ صُوفها مطلقاً لتعينها للقربة، وقِيلَ: هى كغيرها. ويجوز ركُوبها لغير حاجة.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: لا يُكْرَه جَزّ صُوفِها وَوَبرِها إِذا كان أَنْفَع لها، بقاءُ صُوفِها أَنْفَع لها لكُونِه يَقِيها الحرَ والبرد، فلا يجوز جزّه. ويحرم شُرْب لَبنِها المحتاج إِليه وَلَدها لا الزَّائد عنه. وله ركوبها عند الضرورة إِنْ لم يضُرها عند الأَربعة (لحديث) جابر بن عبد الله أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: اركَبْها بالمعروف إِذا أُلجئت إِليها حتى تجد ظهراً. أَخرجه أَبو داود وأَحمد ومسلم والنسائى (1){70} ، ولأَنه تعلَّقَ بها حق المساكين فلم يَجُزْ ركُوبها من غير ضرورة، فإِن نقصها الركوب ضمن النقص، لأَنه تعلَّق بها حق الير. فأَمَّا ركُوبها م عدم الحاجة، فلا يجوز عند الحنفيين والشافعى، وروى عن مالك وأّحمد لقوله صلى الله عليه وسلم: إِذا أُلجت إِليها. وعن مالك وأَحمد: أَنه يجوز ركُوب الضَّحِية ولو بلا حاجة لإِطلاق ما روى أَبو هريرة أَنَّ النبىَّ صلى اله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوق بدنَة، فقال: اركَبْها، فقال: إِنَّهَا بَدَنَة، فقال: اركَبْها ويلك. أَخرجه الشافعى والسبعة، غير أَن الترمذى أَخرجه من حديث أَنس (2){71} (وأَجاب) الأَوَّلون بأَنَّ الإِطلاق هُنا مُقَيَّد بما فى الحديث السابق. والراجح أَنه لا يركَب المضحى به إِلاّ عند الحاجة

(1) ص 18 ج 1 تكملة المنهل (ركوب البدن) وباقى المراجع بهامش 2 ص 19 منه.

(2)

ص 16 منه. وباقى المراجع بهامش 1 ص 18 منه.

ص: 56

(ويُكْرَه) عند مالك والشافعى والجمهور شُرْب لَبن الأُضْحِية بعد رى فصيلها. وتَقَدَّمَ تَفْصِيل مذهب الحنفيين فى هذا. وإِنْ نقصها الركّوب والشُّرْب فعليه قيمة النقص عند الحنفيين والشافعى، وقال مالك: لا يغرم شيئاً ولا يَحمل على الأُضْحِية مَتَاعه عند الحنفيين ومالك. وأَجازه الجمهور عند الحاجة.

وقال أَحمد: لا يُكْرَه شُرْب لبنها الفاضِل عن وَلَدِها لما تقدَّم أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه قال: لا تشرب لبنها إِلَاّ فَضْلاً (1)(قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ولأَنه انتفاع لا يَضُرّ بها ولا بولدا أُشْبه الركوب. وإَنْ تَصَدَّق به كان أَفْضَل خروجاً من الخلاف. وإِن احتلب ما يضُرّ بها أَوْ بولدها لم يجُزْ له وعلي لتَّصَدُّق به. وإِنْ شَرِبَهُ ضمنه لأَنه تَعَدَّى بأَخْذِه. وهكذا الحكم فى الهدْى (فإِنْ قِيلَ) فَصُوفها وشَعرها إِذا جزَّه تَصَدَّق به ولم ينتفع به، فلم جَوَّزْتُمْ له الانتفاع باللَّبن؟ (قلنا) الفرق بينهما من وجهين:

(أَحدهما) أَنَّ لبنها يتولَّد من غذائِهَا وعَلَفِهَا وهو القائم به فجاز صرفه إِليه، كما أَنَّ المرتهن إِذا علف الرَّهن كان له أَن يركَب ويحلب وليس له أَنْ يَأْخُذ الصُّوف ولا الشَّعْر. (الثانى) أَنَّ الصُّوف والشَّعْر ينتفع به على الدوام فجرى مجْرَى جِلْدِها وأَجزائِهَا. واللَّبن يُشْرب ويؤخَذ شيئاً فشيئاً فجَرَى مجْرَى جِلْدِها وأَجزائِهَا. واللَّبن يَشرْب ويؤخَذ شيئاً فشيئاً فجَرَى مجرَى منافعها وركُكوبها، ولأَنَّ اللَّبن يتجدَّد كل يوم. والصُّوف والشَّعْر عين موجودة دائمة فى جميع الحوْل (2).

(ويُكْرهُ) ذبح الكتابى لها بلآ أَمْر من المضَحّى، لأَنه ليس من أَهل القربة، أَمَّا لو ذَبَح بأَمره فلآ يُكْرَه، لأَنَّ القربة أُقيمت بالإِنابة والأَمر،

(1) تقدم بأثر 9 ص 40 (ولد الأضحية).

(2)

ص 566 ج 3 الشرح الكبير (ولا يشرب منم لبنها إلا الفاضل عن ولدها).

ص: 57

بخلاف ما لو أَمَر مجوسِيًّا، لَنه ليس من أَهل الذكاة. وهذا مذهب الحنفيين.

(وقال) الشافعى وأَحمد: يُكْرَه ذبح الكتابى ولو بأَمْر المضَحّى.

(قال) النووى: أَجمعوا على أَنه يجوز أَن يستنيبَ فى ذبح أُضْحِيتِه مسلماً. وأَما الكتابى فمذهبنا ومذهب جماهير العلماءِ صحة استنابتِه وتقعِ ذبيحته ضَحِيتَّه عن الموكل مع أَنه مكروه كَراهةَ تَنْزِيه.

(وقال) مالك: لا تَصِحّ إِنابة الكتابى وتكون شاة لحم. دليلنا أَنه من أَهْل الذكاة كالمسلم (1).

16 -

بدع الأضحية:

قد علمت فَضْل التَّضْحِية والطريق المشروع فيها، ومع ذلك نرى الناس يَتَنَكَّبُون الطريق ويرتَكِبُون بِدَعاً ومخالفات، تقَدَّم بعضها فى بحث المكروهات.

(ومنها) التهاون فى أَمْر الأُضْحِية " بتركها " وقد قِيلَ بوجُوبها " أَو بعدم " ذَبْحها فى وقتها المشروع. كأَنْ تُذْبَح يوم عرفة أَوْ ليلة العيد أَوْ يومه قبل صلاة العيد " أَوْ لآ يُرَاعَى " فيها السِّنّ المجزِئَه والشروط المعتبرة والآداب المشروعة على ما تَقَدَّمَ بيانُه (قال) ابن الحاج فى المدخل: عِيدُ الأَضْحى هو أَعظم مواسم المسلمين، ترك بعضهم فيه سُنَّة الأُضْحِية التى سَنَّا صاحب الشَّرْع صلوات الله وسلامة عليه، ورَغَّب فيها (بقوله) إِنَّ أَوَّلَ ما نَبْدَأُ به فى يومنا هذا أَنْ نُصَلِّى ثم نرجع فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، ومَنْ ذَبَحَ قبل الصَّلآةِ هُوَ لَحْمٌ قَدّم لأَهْلِه ليس مِنَ الُّسُك فى شَئ (2){72} .

(1) ص 407 ج 8 شرح المهذب (الاستنابة فى ذبح الأضحية).

(2)

أخرجه أحمد والشيخان عن البراء بن عازب. انظر ص 88 ج 13 الفتح الربانى، وص 309 ج 2 فتح البراى (الخطبة بعد العيد) وص 114 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى).

ص: 58

(ثم) إِنَّ بعضَهُم يتركون الأُضْحية ويَشْتَرُون اللحم ويطبخون أَلوان الأَطْعِمة التى تكُومن الأُضحِية المشروعة ببعض ثمن ما أَنفقوه أَو مثله، فقد حرمهم إِبليس اللَّعِين هذه البركة العُظْمَى والحير الشامل بتَسْوِيله وتَزْيِينِه تركه لهم.

(ثم) إِنَّ مَنْ يُضَحِّى منهم يذْبَحْ ليلةَ العيد، فإِن نَوَى الأُضْحِية وقد عَيَّنَها فهو آثِمٌ فى ذَبْحها قبل وَقْتِها ويلزمه بَدَلها فى وَقْتِها، وكَذَا إِنْ لم يُعَيِّنها. وإِنْ لم يَنْوِ بها الأُضْحِيَة فق أَسَاءَ فى فِعْلِه بارتِكابِه خلآف المشروع، لأَنَّ السُّنَّةَ فى حق القادر على الأُضْحِيَة أَن يُضَحِّى بها فى وقْتِهَا (يعنى بعد صلاة العيد) ويفطر على زيادة الكَبد منها.

(ثم) إِنَّ بعض مَنْ يُضَحِّى يعمل الطعام لَيْلاً حتى إِذا جاءُوا من صلاة الْعِيدِ أَكَلُوا منه هُمْ ومَنْ يختارون، ثم يَشْتَغِلُونَ بذبح الأُضْحِية. ولهذه الْعِلَّة قَدَّمَ بعضهم الذبح لَيْلاً فوقع فيما تقَدَّم. وهذا كُلُّه بِدْعَة.

(وانظر) إِلى مَكِيدَةِ إِبليس اللَّعين وما أَدْخَلَ من سُمُومِه على بعض المسلمين بتَسْوِيلهِ لهم ترك هذه السُّنة فحرمهم جزيلَ ثوابِهَا بما وَسْوَسَ إِليهم مِن الْعِلَل القَبِيحة الشَّنِيعَة، فَزَيَّنَ لِكُلِّ أَهل إِقليم ما يقبلونه منه. فإِذا قُلْتَ لبعض مَنْ لم يُضَحّ من أَهل مِصْر: لِمَ لآ تُضَحِّى؟ يقول: لىِ مَعَارِف كَثيرة وخرُوف وَاحِد لآ يَكْفِيهم، فمنْ بقى منهم يَلُومنى ولا يلزمنى أَكْثر من خَرُوف. وإِذا قُلْتَ للفقير: لِمَ تَتَكَلَّف الأُضْحِية وهى لآ تُطْلَب منك؟ يقول: قَبِيحٌ من الْجِيران والأَهل والمعارف أَن يقولوا فُلآنٌ لم يُضَحّ (فصارت) هذه القربة بالنظر إِلى فعلها وتركها مَشُوبة بالنظر إِلى الخلق وتحسينهم وتَقْبِيحِهم. فإِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون.

ص: 59