الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وهذا) في حق غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما هو فقد تقدم أنه اختص بان تطوعه قاعداً بلا عذر كتطوعه قائماً في الأجر (1).
"فائدة" من صلى قاعداً لعذرٍ أو غيره فله أن يجلس على أي صفة شاء لإطلاق الأحاديث المتقدمة (واختلف) العلماء في الأفضل (فقال) مالك والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق: الأفضل التربع. وهو أحد قولي الشافعية "لقول" عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً. أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم (2){389} . وفي سنده أبو داود الحفري. قال النسائي: وهو ثقة. ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ (وعن) أبي حنيفة والشافعي أن الافتراش أفضل.
(الخامس) سجود السهو
السهو والنسيان لا فرق بينهما من حيث الحكم. ومعناهما عند اللغويين الغفلة عن الشيء وعدم احتضاره وقت الحاجة. وقيل: السهو زوال صورة الشيء من المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها منهما معاً؛ فيحتاج في تحصيلها إلى سبب جديد (وقال) في النهاية: السهو في الشيء تركه من غير علم، والسهو عن الشيء تركه مع العلم به. اهـ.
(وبه) يظهر الفرق بين السهو في الصلاة الذي وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من مرة. والسهو عن الصلاة الذي ذم فاعله بقوله تعالى: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون".
(1) تقدم دليله رقم 187 ص 140 ج 2 دين طبعة ثانية (اختص النبي صلى الله عليه وسلم بجواز صلاة الفرض قاعداً بلا عذر).
(2)
ص 245 ج 1 مجتبي (كيف صلاة القاعد؟ ).
هذا. وسجود السهو مشروع بالسنة وإجماع الأمة. قال الإمام أحمد: يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد؛ سلم من ثلاثٍ فسجد، وفي الزيادة والنقصان قام من اثنتين ولم يتشهد. قاله ابن قدامة في المغنى.
ثم الكلام هنا في فرعين.
1 -
حكم سجود السهو:
هو واجب " لما روى" منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم: فلا أدري زاد أم نقص؟ - فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا. فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين. أخرجه السبعة إلا الترمذي (1){390} .
"ولحديث" عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) ص 216 ج 1 الفتح الرباني. وص 341 ج 1 فتح الباري (التوجه نحو القبلة حيث كان) وص 61 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) وص 145 ج 6 المنهل العذب (إذا صلى خمساً) وص 184 ج 1 مجتبي (التحري) وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك في صلاته فتحرى الصواب)(فلا أدري .. إلخ) أي أن إبراهيم النخعي شك في سبب سجود السهو، أكان الزيادة أم النقصان؟ لكن في رواية الحكم عن إبراهيم انه صلى خمساً جازماً بالزيادة: ولعل إبراهيم شك حين حدث منصوراً وتيقن لما حدث الحكم. ويأتي حديث الحكم رقم 400 ص 298 (من قام لزائدة تاركاً القعود الأخير).
(فثنى رجليه
…
إلخ): أي حولهما عن حالتهما إلى حالة صالحة للسجود، وفي الكلام تقديم وتأخير والأصل فاستقبل القبلة وثنى رجليه، وفي رواية أبى داود: فثنى رجله.
من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (1){391} وفي سنده مصعب بن شيبة مختلف فيه، "ولحديث" علقمة عن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله، أزيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: فإنك قد صليت خمساً. فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين. أخرجه مسلم (2){392}
(وللأمر) في هذه الأحاديث قال الحنفيون: سجود السهو واجب، يأثم المصلي بتركه ولا تبطل الصلاة بتركه، وعليه الإعادة خروجاً من الإثم (ومحل) وجوبه إذا كان الوقت صالحاً لأداء الصلاة وإلا فلا، كمن لزمه سجود في صلاة الصبح ولم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام؛ فإنه يسقط عنه السجود. وكذا إذا احمرت الشمس قبل الغرب وقد سلم من العصر، أو طرأ بعد السلام منافٍ يقطع البناء؛ كأن أحدث عمداً أو تكلم أو خرج من المسجد بعد السلام ثم تذكر السهو، فيسقط عنه سجود السهو فيما ذكر. ولا تجب عليه إعادة الصلاة إلا إذا سقط السجود بتعمد عملٍ منافٍ للصلاة فتجب الإعادة.
(وقالت) الحنبلية: سجود السهو واجبٌ ومندوبٌ ومباحٌ (فيجب)"لترك" واجبٍ من واجباتِ الصلاةِ سهواً "ولزيادة" فعليةٍ كقيامٍ
(1) ص 157 ج 4 الفتح الرباني، وص 160 ج 6 المنهل العذب (من قال بعد التسليم) وص 185 ج 1 مجتبي (التحري).
(2)
ص 65 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) و (توشوش) روى بالمعجمة وبالمهملة، ومعناه تحركوا.
وقعودٍ في غير محلهما سهواً "وللشك" في ترك ركن أو في عدد الركعات "والمحن" في القراءة يغير المعنى سهواً أو جهلاً. فلو ترك السجود حينئذ عمداً بطلت صلاته إن كان قبلياً ولا تبطل إن كان بعدياً، لأنه خارجٌ عن الصلاة جابر لها. وإن تركه سهواً قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل عرفاً. ولو انحرف عن القبلة أو تكلم. وإن طال الفصل أو خرج من المسجد أو أحدث؛ لم يسجد وصحت صلاته. (ويندب) لزيادةٍ قوليةٍ كالقراءة في الركوع والسجود، والتشهد في القيام، وقراءة السورة في غير الأوليين من الرباعية والمغرب سهواً (ويباح) لترك سنة من سنن الصلاة سهواً.
(وقالت) الشافعية: سجود السهو سنة إلا لمأموم سجد إمامه فيجب عليه السجود تبعاً وإلا بطلت صلاته. وهو مشهور مذهب المالكية لا فرق عندهم بين السجود القبلي والبعدي. وقال بعضهم بوجوب القبلي.
2 -
سبب سجود السهو:
اختلف الفقهاء في أسباب سجود السهو (فأسبابه) عند الحنفيين ثلاثة: (الأول) ترك واجب أصليّ من واجبات الصلاة سهواً (1)"كترك" قراءة الفاتحة أو أكثرها في إحدى أولي الفرض، ومن إحدى ركعاتِ الواجب والنفل. وكذا إن ترك منها آية عند الإمام "وترك" قراءة السورة مما تجب فيه الفاتحة "وقراءة" آية في غير محلها كركوعٍ وقعودٍ "وركوع" قبل القراءة؛ فإن تقديم القراءة على الركوع واجبٌ لا فرضٌ "والجهر" في غير محله "والإسرار" في غير محله بقدر ما تصح به الصلاة على الأصح عندهم "وزيادة" فعل من جنس الصلاة كزيادة
(1)(سهواً) أما إذا تركه عمداً فلا يجبر بالسجود بل بإعادة الصلاة، كما تقدم في بحث "واجبات الصلاة" وخرج بالواجب الأصلي غيره كترتيب السور فإنه لو تركه لا يلزمه سجود.
ركوع أو سجود أو قايم أو قعود، لأنه لا يخلو عن ترك واجبٍ أو تأخيره عن محله.
(الثاني) متابعة الإمام في السجود، فيلزم المأموم سجود السهو لسهو إمامه إذا سجد وإن لم يكن مقتدياً به وقت السهو، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد وسجد الصحابة معه.
(الثالث) الشك في أثناء الصلاة على ما سيأتي بيانه (قال) علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني: سبب وجوبه ترك الواجب الأصلي ساهياً؛ لأن كل ذلك يوجب نقصاناً في الصلاة، فيجب جبره بالسجود. ويخرج على هذا الأصل مسائل.
(وجملة) الكلام فيه أن الذي وقع السهو عنه لا يخلو: إما أن يكون من الأفعال، وإما أن يكون من الأذكار؛ فإن كان من الأفعال بأن قعد في موضع القيام، أو قام في موضع القعود: سجد للسهو، لوجود تغيير الفرض وهو تأخير القيام عن وقته أو تقديمه على وقته مع ترك الواجب وهو القعدة الأولى.
(وكذا) إذا ركع في موضع السجود، أو سجد في موضع الركوع، أو ركع ركوعين، أو سجد ثلاث سجداتٍ؛ لوجود تغيير الفرض عن محله أو تأخير الواجب (وكذا) إذا ترك سجدة من ركعةٍ فتذكرها في آخر الصلاة، سجدها وسجد للسهو؛ لأنه أخرها عن محلها الأصليّ (وكذا) إذا قام إلى الخامسة قبل أن يقعد قدر التشهد أو بعد ما قعد، عاد وسجد للسهو لوجود تأخير الفرض عن وقته الأصليّ وهو القعدة الأخيرة، أو تأخير الواجب وهو السلام.
(ولو زاد) على قراءة التشهد في القعدة الأولى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكر في أمالي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن عليه سجود السهو. وعند الصاحبين لا يجب، لأنه لو وجب عليه سجود السهو لوجب لجبر النقصان، لأنه شرع له، ولا يعقل تمكن النقصان في الصلاة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو حنيفة يقول: لا يجب عليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بل بتأخير الفرض وهو القيام، إلا أن التأخير حصل بالصلاة، فيجب عليه من حيث إنه تأخير، لا من حيث إنه صلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1)، ثم قال: وأما الأذكار التي يتعلق سجود السهو بها فأربعة: القراءة والقنوت، والتشهد وتكبيرات العيدين (2) وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(وأسبابه) عند المالكية ثلاثة: زيادة ركن سهواً فأكثر على ما تقدم بيانه. والشك في الزيادة والنقصان على ما سيأتي بيانه. وترك سنة من السنن المؤكدة، وهي السورة بعد الفاتحة، والجهر فيما يجهر فيه، والسر فيما يسر، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الأول أو الثاني، وثلاث من تكبيرات الانتقال.
(وقالت) الشافعية: سبب سجود السهو زيادة ونقصان. فأما الزيادة فضربان: قول وفعل (فالقول) أن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، أو يتكلم ناسياً، أو يقرأ في غير موضع القراءة (والفعل) ضربان: أحدهما ما لا يبطل عمده الصلاة فلا سجود فيه، والآخر ما يبطل عمده وهو ضربان: متحقق ومتوهم (فالمتحقق) أن يزيد ركعةً، أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود، أو يطيل القيام بنية القنوت في غير
(1) ص 164 و 166 ج 1 بدائع الصنائع (سبب وجوب سجود السهو).
(2)
ص 164 و 166 ج 1 بدائع الصنائع (سبب وجوب سجود السهو).
موضعه، أو يزيد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً سهواً (والمتوهم) أن يشك أصلي ركعةً أم ركعتين؟ (والنقصان) أن يترك سنة مقصودة وهي شيئان: ترك التشهد الأول وترك القنوت. أفاده النووي في المجموع. (وقالت) الحنبلية: سبب السجود زيادة ونقص سهواً، وشك في بعض صوره.
(فالزيادة) فعلية وقولية. فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة سهواً كقيام وركوع وسجود وجلوس ولو قدر جلسة الاستراحة، وجب السجود. وإن زاد قولاً سهواً كأن قرأ في غير محل القراءة، أو تشهد في غير محل التشهد، ندب له السجود.
(والنقص) يكون بترك ركن أو واجبٍ سهواً. فمنْ نسي ركناً غير التحريمة، فإن تذكره قبل الشروع في قراءة الركعة التي بعدها، عاد لزوماً وأتى به وبما بعده من الأركان والواجبات- لوجوب الترتيب- وسجد للسهو في آخر الصلاة، فإن لم يعد عمداً بطلت صلاته لتركه الواجب عمداً، وإن لم يعد سهواً أو جهلاً بطلت الركعة فقط، وإنْ لم يتذكره حتى شرع في قراءة الركعة التالية، بطلت الركعة التي تركه منها، وحلت ما بعدها محلها، وسجد للسهو وجوباً، ولا يرجع إلى ما تركه؛ فإن رجع إليه عالماً عامداً بطلت صلاته، لتركه الواجب عمداً وإن رجع سهواً أو جهلاً لم تبطل صلاته.
(ومن) نسي التشهد الأول وحده أو نسيه مع الجلوس له وقام، لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائماً، وسجد للسهو في آخر الصلاة. وإن استتم قائماً ولم يقرأ، فالأولى عدم الرجوع. فإن عاد كره، وغن قرأ لم يجز له الرجوع، ويلزمه السجود لذلك كله.