الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما كان السَّلَفُ رضوان الله عليهم يُعَظِّمُون رجب ويحترمونه إِلَاّ بزيادَةِ العبادة فيه والتَّشْمير لأَدائِ حُقُوقَهُ الشرعية، لا بالأَكْل والرَّقْص، ولا بالمفاخَرة بالطعام والهدايا (1).
2 - ليلة الاسراء
(هى) ليلة السَّابع والعِشْرِين من رَجَب ليلة المعراج التى شُرِعَتْ فيها الصَّلوات الخمس جعلها الله بخَمْسِينَ صلاة إِلى سبعمائة ضِعْف على قدر إِخلاص العبد فى صلاتِهِ، والله يُضَاعِفُ لمنْ يَشَاءُ.
(كان) السَّلَف الصَّالح يُحْيُونَهَا بِلْعِبادة وإِطالةِ الْقِيَام فى الصَّلآةِ والتَّضَرُّع والبكاءِ، شُكْراً منهم لمولاهم على ما مَنَحَهُمْ وأَوْلآهُم، ولكن خَلف من بَعْدِهم خَلْفٌ اتَّبَعُوا الشَّهَوَات، وارتَكَبُوا كثيراً مِنَ الْبِدَع والمخالفات، كالاجتمع فى المساجد وزيادةِ النُّور فيها وعلى المآذن، واختلاط الرجال والنِّسَاءِ، والاجتماع فى المساجد لقراءَةِ قِصَّةِ الإِسراءِ والمعراج (2)
والقراءَة والذكر بالتَّحْرِيف والتَّلْحِين فى أَسماءِ الله تعالى، وغير ذلك من المنكراتِ والمفاسِد التى تقَدَّمَ شَرْحها فى بحث المولد.
(1) ص 242 ج 1 مدخل الشرع الشريف (المواسم المنسوبة إلى الشرع).
(2)
الإسراء: مصدر أسريت الشئ، جعلته يسرى ليلا، كما تقول: أمضيته، أى جعلته يمضى. فالنعنى فى قوله تعالى:" سبحان الذى أسرى بعبده ليلا "، أى جعل البراق يسرى به ليى. والمعراج: من العروج، وهو الصعود.
(والإسراء) هنا رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
(والمعراج) رحلة سماوية من بيت المقدس إلى السموات العلا إلى مالا يعلمه إلا الله (وحكمة) ذلك إطلاع النبى صلى الله عليه وسلم على عجائب الملكوت. قال تعالى: " لنريه من آياتنا "، وإلا فالله تعالى لا يحويه زمان ولا مكان، فقد كان ولا زمان ولا مكان (كلم) الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة، فأوحى إليه ما أوحى، وأتحفه بأنواع التحف والزلفى، ورأى ربه سبحانه وتعالى بلا إدراك ولا إحاطة ولا تكييف بحد ولا انتهاء. ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وتقدم بيانه وافياً فى بحث (رؤية الله تعالى) من قسم التوحيد.
(والإسراء) والمعراج: وقعا سنة 621 ميلادية فى السنة الثانية عشرة من البعثة قبل الهجرة بسنة، ليلة الاثنين لسبع وعشرين خلت من ربيع الأول عن ما صححه بعضهم، وقيل فى رجب. وعليه عمل الناس. وقيل كانا فى رمضان.
(وقد خص الله بهما نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم. وهما ثابتان بالكتاب والسنة الصحيحة ثبوتاً لا مطمع بعده لمنكر أو متأول. قال تعالى فى الإسراء: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو سميع البصير ". وقال تعالى فى المعراج: " ثم دنا فتدلى * فكان قارب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ".
(ذكر) أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه تعالى أو جبريل على اختلاف السلف فى معنى ذلك. وذكر سبحانه وتعالى أن هذه الرؤية لم تكن حلماً ولا خيالا، بل كانت رؤية شهود واستيقان، فقال:" ما كذب الفؤاد ما رأى ". وقال: " ما زاغ البصر وما طغى " أى ما طاش وما اضطرب.
(وقد أجمع المسلمون على وقوع الإسراء والمعراج، ونص عليهما القرآن، وجاءت بتفصيلها وشرح عجائبهما أحاديث كثيرة (منها):
1 -
حديث أبى صالح باذان مولى أم هانئ بنت أبى طالب عن أم هانئ: قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس (بفتح الغين واللام: الظلمة آخر الليل) وأنا على فراشى فقال: شعرت أنى نمت الليلة فى المسجد الحرام، فأتانى جبريل عليه السلام، فذهب بى إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين، فركبته فكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ فى هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه، وإذا أخذ فى صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل عليه السلام لا يفوتنى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التى كانت الأنبياء توثق بها فنشر (أى بعث) لى رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فصليت بهم وكلمتهم، واتيت بإناءين: أحمر وأبيض، فشربت الأبيض. فقال لى جبريل عليه السلام: شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك. ثم ركبته (يعنى البراق) فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة (قالت) أم هانئ: فتعلقت بردائه وقلت أنشدك الله ابن عم ألا تحدث بها قريشاً فيكذبك من صدقك، فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدى فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه (بضم ففتح جمع عكنة كغرفة وهى الطى فى البطن من السمن) فوق ردائه وكأنه طى القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصرى، فخررت ساجدة. فلما رفعت رأسى إذا هو قد خرج فقلت لجاريتى نبعة: ويحك، اتبعيه فانظرى ماذا يقول؟ وماذا يقال له؟ فلما رجعت نبعه أخبرتنى أن رسول الله صلى الله =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش فى الحطيم (هو قوس من البناء شمال الكعبة محيط بحجر إسماعيل) فيهم المطعم بن عدى بن نوفل، وعمرو بن هشام (أبو جهل) والوليد بن المغيرة. فقال: إنى صليت الليلة العشاء فى هذا المسجد وصليت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس فنشر لى رهط من الأنبياء منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فصليت بهم وكلمتهم. فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ: صفهم لى. فقال: أما عيسى ففوق الرابعة (بفتح فسكون: المعتدل) ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد (بفتح فسكون، أى غير مترسل) الشعر، يعلوه صهبة (بضم فسكون، أى احمرار الشعر) كانه عروة بن مسعود الثقفى. وأما موسى عليه السلام فضخم آدم (أى أسمر) طويل كأنه من رجال شئوءة (قبيلة من اليمن)، كثير الشعر، غائر العينين، متراكب الأسنان، مقلص (أى منزوى) الشفتين، خارج اللثة عابس. وأما إبراهيم عليه السلام فوالله لأشبه الناس بى خلقاً وخلقاً، فضجوا وأعظموا ذلك. فقال المطعم بن عدى بن نوفل: كل أمرك قبل اليوم كان أمماً (بفتحات، أى يسيراً) غير قولك اليوم، أشد أنك كاذب، نحن نضرب أكياد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً، نزعم أنك أتيته فى ليلة، واللات والعزى لا أصدقك، وما كان هذا الذى تقول قط. وكان للمطعم بن عدى حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه فأقسم باللات والعزى= = لا يسقى منه قطرة أبداً. فقال أبو بكر رضى الله عنه: يا مطعم، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته (أى استقبلته بالمكروه)(وكذبته، أنا أشد أنه صادق) فقال: يا محمد، صف لنا بيت المقدس. قال: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا، فاتاه جبريل عليه السلام فصوره فى جناحه، فجعل يقول: باب منه فى موضع كذا، وباب منه فى موضع كذا. وأبو بكر رضى الله عنه يقول: صدقت، صدقت (قالت) نبعة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: يا أبو بكر، إن الله عز وجل قد سماك الصديق. قالوا: يا مطعم، دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس، يا محمد أخبرنا عن عيرنا. فقال: أتيت على غير بنى فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم وانطلقوا فى طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، فسلوهم عن ذلك فى، فقالوا: هذه واللات والعزى آية. ثم انتهيت إلى عير بنى فلان فنفرت منى الإبل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض، لا أدرى أكسر البعير أم لا؟ فسلوهم بعد ذلك، فقالوا هذه والإله آية. ثم انتهيت إلى عير بنى فلان بالأيواء يقدمها جمل أوراق (أى أسمر) ها هى تطلع عليكم من الثنية، فقال الوليد بن المغيرة: فيما قال، وأنزل الله تبارك وتعالى:" وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرآن ". قلت (أى قال أبو صالح): يا أم هانئ، ما الشجرة الملعونة فى القرآن؟ قالت: الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغياناً كبيراً. ذكره ابن سيد الناس [84] ص 140 ج 1 عيون الأثر (الحديث عن الإسراء والمعراج). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
2 -
وحديث ثابت البنانى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه (بسكون الراء، النظر والعين) قال: فركبته حتى أتيت المقدس فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءنى جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال: أخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ (أى قد بعث إليه بالبراق للعروج إلى السماء)(ولم يرد بعثه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق لأنه لم يبعد أن يخفى على الملائكة بعثه إلى الخلق، فلا يعلمون به إلا ليلة الإسراء) قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بآدم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فرحب بى ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه. قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما (وذلك أن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذ، وهى أخت حنة بنت فاقوذ أم مريم. فتكون إيشاع خالة مريم وأخت حنة، يعنى يحيى وعيسى ابنا خالة بهذا الاعتبار) فرحبا بى ودعوا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة (فذكر مثل ما ذكر فى السماء الأولى والثانية)، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قد أعطى شطر الحسن، فرحب بى ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة (وذكر مثله) ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لى بخير. قال الله تعالى:" ورفعناه مكاناً علياً ". ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور [(لا يقال) كيف يرى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الأنبياء فى السموات وأجسادهم فى قبورهم فى الأرض (لأنا) نقول: تشكلت أرواحهم بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى هذه الليلة تشريفاً له وتكريماً] وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى (أى ينتهى إليها ما يعرج من الأرض) فإذا ورقها كأذان الفيلة، وإذا ثمرها كالفلال (جمع قلة وهى الجرة العظيمة) فلما غشيها من أمر الله ما غشى، تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلى ما أوحى، ففرض على خمسين صلاة فى كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنى قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى ربى فقلت: يارب خفف على أمتى، فحط عنى خمساً، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمساً. قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= واسأله التخفيف. فلم أزل أرجع بين ربى وبين موسى حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه. أخرجه أحمد ومسلم [85] ص 251 ج 20 الفتح الربانى. وص 209 و 210 ج 2 نووى مسلم (الإسراء).
3 -
وحديث أبى هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شئ فهو يخلفه.
ثم أتى على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع (نبت بالحجاز، له شوك كبار) والزقوم (نبات فى البادية، له زهر) ورضف جهنم (أى حجارتها المحماة) فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد.
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم فى قدر نضيج، ولحم آخر نئ خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب. قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا فيأتى المرأة الخبيثة معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلال طيباً فتأتى الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى يصبح.
ثم أتى على رجل قد جمع حزمه عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها. فقال: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها.
ثم أتى على قوم تقرض شفاهم وألسنتهم بمقارض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شئ قال: يا جبريل ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة.
ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا يتكلم الرجل بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع.
ثم أتى على واد فوجد ريحاً طيبة ووجد ريح مسك مع صوت، فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنة تقول: يارب ائتنى بأهلى وبما وعدتنى فقد كثر غرسى وحريرى وسندسى وإستبرقى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعبقرى ومرجانى وتصبى وذهبى وأكوايبى وصحافى وأباريقى وفواكهى وعسلى وثيابى ولبنى وخمرى، ائتنى بما وعدتنى. قال: لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بى وبرسلى وعمل صالحاً ولم يشرك بى شيئاً ولم يتخذ من دونى أنداداً، فهو آمن، ومن سألنى أعطيته، ومن أقرضنى جزيته، ومن توكل على كفيته، إنى أنا الله لا إله إلا أنا لا خلف لميعاد، قد أفلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين. فقالت: قد رضيت.
ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكراً فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يارب ائتنى بأهل وبما وعدتنى فقد كثر سلاسلى وأغلالى وسعيرى وحميمى وغساقى وغسلينى، وقد بعد قعرى واشتد حرى، ائتنى بما وعدتنى. قال: لك كل مشرك ومشركة، وخبيث وخبيثة، كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب. فقالت: قد رضيت.
(ثم) سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة قالوا: يا جبريل من هذا معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم النبيين. قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياة الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة. ثم لقوا أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم تعالى. فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذى اتخذنى خليلا، وأعطانى ماكاً عظيماً، وجعلنى أمة قانتاً، واصطفانى برسالاته، وأنقذنى من النار وجعلها على برداً وسلاماً.
(ثم) إن موسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى كلمنى تكليماً، واصطفانى، وأنزل على التوراة، وجعل هلاك فرعون على يدى، ونجاة بنى إسرائيل على يدى.
(ثم) إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى جعلى لى ملكاً وأنزل على الزبور، وألان لى الحديد، وسخر لى الجبال يسبحن معى والطير، وآتانى الحكمة وفصل الخطاب.
(ثم) إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه تبارك وتعالى فقال: الحمد لله الذى سخر لى الرياح والجن، والإنس، وسخر لى الشياطين يعلمون ما شئت من محاريب (جمع محراب وهو البناء الحسن، وأشر ف شئ فى المكسن وصدره، وقال الضحاك: هو المسجد) وتماثيل وجفان كالجوابى (جمع جابية وهى الحوض الذى يجبى فيه الماء) وقدور راسيات، وعلمنى منطق الطير، وأسال لى عين القطر (بكسر فسكون: النحاس) وأعطانى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى.
(ثم) إن عيسى صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى علمنى التوراة والإنجيل وجعلنى أبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذنه، ورفعنى وطهرنى من الذين كفروا، وأعاذنى وأمى من الشيطان الرجيم، ولم يجعل للشيطان علينا سبيلا.
(وإن) محمداً صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه فقال: كلكم أثنى على ربه وأنا مثن على ربى: الحمد لله الذى أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وأنزل على القرآن فيه الأولون وهم الآخرون، وشرح لى صدرى، ووضع عنى وزرى، ورفع لى ذكرى، وجعلنى فاتحاً وخاتماً. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (فقال) إبراهيم صلى الله عليه وسلم: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة، فدفع إليه إناء فيه ماء. فقيل له اشرب، فشرب، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب حتى روى، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أذقه. فقيل له: أصبت، أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربتها لم يتبعك من أمتك إلا قليل.
= ثم صعد به إلى السماء فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليم وسلم. قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجئ جاء، فدخل فإذا بشيخ جالس تام الخلق لم ينقص من خلقه شئ كما ينقص من خلق البشر، عن يمينه باب تخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذى عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى الباب الذى عن يساره بكى وحزن. فقال: جبريل، من هذا الشيخ، وما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذى عن يمينه باب الجنة، إذا رأى من بدخله من ذريته ضحك واستبشر. والباب الذى عن شماله باب جهنم، إذا نظر من يدخله من ذريته بكى وحزن. ثم صعد إلى السماء الثانية (الحديث) أخرجه البزار بسند رجاله موثقون إلا أن ربيع ابن أنس قال عن أبى العالية أو غيره فتابعية مجهول. قاله الهيثمى [86] ص 67 ج 1 مجمع الزواءد (الإسراء).
4 -
وحديث سمرة بن جندب: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رأيت الليلة رجلين أتيانى فأخذا بيدى فأخر جانى إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم على رأسه بيده كلوب من حديد فيدخلهفى شدقه فيشقه حتى يخرجه من قفاه، ثم يخرجه فيدخله فى شدقه الآخر، ويلتئم هذا الشدق، فهو يفعل ذلك به. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقت معهما، فإذا رجل مستلق على قفاه ورجل قائم على رأسه بيده فهر (بكسر فسكون، أى حجر) أو صخرة فيشدخ بها رأسه فيتدهور الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع مثل ذلك. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت معهما فإذا بيت مبنى على بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يوقد تحته نار، فيه رجال ونساء عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا أخمدت رجعوا فيها. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت فإذا نهر من دم فيه رجل على شاطئ النهر، ورجل بين يديه حجارة، فيقبل الرجل الذى فى النهر، فإذا دنا ليخرج رمى فى فيه حجراً فرجع إلى مكانه غهو يفعل ذلك به. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت فإذا روضة خضراء، وإذا شجرة عظيمة وإذا شيخ فى أصلها حوله صبيان، وإذا رجل قريب منه بين يديه نار يوقدها، فصعدا بى فى شجرة، فأدخلانى داراً لم أر داراً قط أحسن منها، فإذا فيها رجال وشيوخ وشباب وفيها نساء وصبيان، فأخرجانى منها فصعدا بى الشجرة فأدخلانى داراً هى أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب. فقلت لهما: إنكما قد طوفتمانى منذ الليلة، فأخبرانى عما رأيت. قالا: نعم.
(أما) الرجل الأول الذى رأيت فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه فى الآفاق، فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة، ثم يصنع تعالى به ما شاء. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (وأما) الرجل الذى رأيت مستلقياً على قفاه فرجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار، فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة.
(وأما) الذين فى التنور فهم الزناة.
(وأما) الذى رأيت فى النهر، فذاك آكل الربا.
(وأما) الشيخ الذى رأيت فى أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام.
(وأما) الصبيان الذين رأيت فأولاد الناس.
(وأما) الرجل الذى رأيت يوقد النار فذاك مالك خازن النار وتلك النار.
(وأما) الدار التى دخلت أولا فدار عامة المؤمنين.
(وأما) الدار الأخرى فدار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل. ثم قالا لى: ارفع رأسك، فرفعت فإذا كهيئة السحاب، فقالا لى: ودارك. فقلت لهما: دعانى أدخل دارى. فقالا: إنه قد بقى لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته، دخلت دارك. أخرجه أحمد والشيخان [87] ص 8 ج 5 مسند أحمد (حديث سمرة بن جندب) وص 92 كتاب الروح (عذاب القبر هو عذاب البرزخ).
5 -
وحديث ابن المسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لقيت إبراهيم ليلة أسرى بى فقال: يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبه الماء وأنها قيعان (جمع قاع وهو المكان المستوى الواسع النقى) وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرجه الطبرانى والترمذى وحسنه [88] ص 265 ج 7 رياض الصالحين (فضل الذكر).
6 -
وحديث أنس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسرى بى على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. أخرجه ابن ماجه، وفى سنده خالد بن يزيد الدمشقى، ضعفه جماعة [89] ص 43 ج 2 سنن ابن ماجه (القرض).
7 -
وحديث أنس بن مالك قال: كان ابو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فرج عن سقف بيتى وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه فى صدرى ثم أطبقه، ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح. قال: من هذا؟ قال: جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معى محمد. فقال: أرسل إليه؟ قال نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر شماله بكى. فقال: مرحباً بالنبى الصالح، والابن الصالح. قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التى عن شماله أهل النار. فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= شماله بكى. حتى عرج إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خانها مثل ما قال الأول ففتح (الحديث) أخرجه البخارى [90] ص 313 ج 1 فتح البارى (كيف فرضت الصلاة فى الإسراء).
هذا. وقد تواترت الروايات فى حديث الإسراء.
(وهذه) الروايات وإن لم تكن كلها صحيحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
(وقد) اختلف العلماء أكان الإسراء والمعراج ببدنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروحه أم بروحه فقط؟ والأكثر على أنهما كانا ببدنه وروحه يقظة، لقوله تعالى:" سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله ".
(فالتسبيح) إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شئ ولم يكن مستعظماً، ولما بادر كفار قريش إلى تكذبيه، ولما ارتدت جماعة ممن كانوا قد أسلموا، (وأيضاً) فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى:" أسرى بعبده ليلا ". وقال تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس ". قال ابن عباس: هى رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به. والشجرة الملعونة هى شجرة الزقوم. رواه البخارى والترمذى [18] ص 138 ج 1 تيسير الوصول (سورة الإسراء)(وقال) تعالى: تعالى: " ما زاغ البصر وما طغى ". والبصر من خواص الذات لا الروح (وأيضاً) فإنه حمل على البرق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن للروح، لأنها لا تحتاج فى حركتها إلى مركب تركب عليه. قاله ابن كثير.
هذا. وحمة الإسراء والمعراج أن الله تعالى شرع الشرائع بواسطة إلهام الرسول أو كلامه من وراء حجاب، أو إرسال الملك، أو الرؤيا الصادقة. قال الله تعالى:" وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء، إنه علىٌّ حكيم " الشورى: 51.
(فهذه) مقامات الوحى بالنسبة إلى الله تعالى، وهو أنه تارة يقذف فى روع النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء فى صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث فى روعى (بضم الراء، أى قلبى وخاطرى) أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأخملوا فى الطلب [91] ص 383 ج 7 تفسير ابن كثير (سورة الشورى). وقوله تعالى:" أو من وراء حجاب " كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام. فإنه سأل الرؤية بعد التكلم فحجب عنها. وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضى الله عنهما: ما كلم الله أحداً من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحاً [92] ص 384 ج 7 تفسير ابن كثير. و (كفاحاً) أى مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. كذا جاء الحديث، وكان أبو جابر قد قتل يوم أحد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولكن هذا فى عالم البرزخ. والآية إنما هى فى الدار الدنيا. وقوله عز وجل: " أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء "، كما ينزل جبريل عليه الصلاة والسلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قاله ابن كثير.
(وقالت) عائشة رضى الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (الحديث) أخرجه البخارى [93] ص 17 ج 1 فتح البارى (كيف بدء الوحى).
(ولما) كانت الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين وهى الركن الأول من أركان الإسلام بعد الشهادتين، والمحافظة عليها أول واجب يتحلى به المؤمن لما لها من الأثر الطيب فى الدنيا والآخرة، لذا أوفد الله عز وجل جبريل ومعه ميكائيل يستدعيان حبيبه وصفيه، ليلقى عليه وحيه فى ذلكم المقام الأعلى، ويفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس بلا واسطة.
(ففريضة) هذا شأنها حقيق بالمؤمن أن يعنى بها ويهتم بشأنها، ويحافظ عليها خاشعاً خاضعاً مطمئناً فى ركوعها وسجودها متذكراً:
(أ)" قول " النبى صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة. ثم يكون سائر عمله على ذلك. أخرجه النسائى وأبو داود وابن ماجه والترمذى (وهذا لفظه) عن أبى هريرة [94]. انظر رقم 412 ص 293 ج 2 دين (الرواتب).
(ب)" وقول " الله عز وجل فى حديث قدسى: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يتكبر على خلقى، ولم يبت مصراً على خطييئته، وقطع النهار فى ذكرى، ورحم المكسين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له فى الظلمة نوراً، وفى الجهالة حلماً، ومثله فى خلق كمثل الفردوس فى الجنة. أخرجه الدارقطنى فى الأفراد عن على كرم الله وجهة عن النبى صلى الله عليه وسلم [95] رقم 244 ص 38 الإتحافات السنية فى الأحاديث القدسية.
(ويعجبنى) أيما إعجاب قول بعض الفضلاء: وإذا كان للمؤمنين أن ينتفعوا بذكرى الإسراء، فليذكروا بها فضل الله على نبيه الذى جاهد فى تثبيت هذا الدين ونشره والعمل على إسعاد الإنسانية به، وينتهجوا خطته فى ذلك، حتى يكونوا من المؤمنين حقاً بهذا الفضل، وحتى يحوزوا رضاء الله وإسعاده. وليذكروا بها أن الله فرض عليهم فى ليلتها على لسان نبيه - وقد ارتفع ما بينهما من حجب - خمس صلوات فى اليوم والليلة، فيها يناجون ربهم، وبها يشعرون بواجب العبودية التى خلعت على نبيهم فى تلك الليلة تكريماً وتشريفاً، لم يفرضها كما فرض غيرها من الواجبات والأركان وإنما فرضها فى كوكبه من الملإ الأعلى وفى جذوة من الإشراق والأنوار، تنويهاً ورمزاً لمكانتها. وليذكروا أن الرسول الذى نال فخر الإسراء =
(وقد) ذكَرَ ابن الحاج فى المدخل بعض ما أُحْدِثَ فى هذه الليلة من الْبِدَع، فقال: فمنها إِتْيَانِهم المسجد واجتماعهم فيه (ومنها) زيادة وَقُود القناديل فيه. وقد تقَدَّمَ ما فى ذلك من المفاسِد (ومنها) فَرْش البُسُط والسجَّادات وغيرها (ومنها) السَّقَّاءُون، وفى ذلك من المفاسِد جُمْلة كالْبَيْع والشِّرَاءِ فى المسجد، والضَّرْبِ بالطَّاسَاتِ فيه، وَرَفْع الصِّوْت بقوله عَطْشَان سَبِيل ونحوه، وتَخَطِّى رِقَابِ الناس، وتَلْوِيثِ المسجد بالماءِ، والأَقْدَام المتَنَجِّسَة، وحَمْل النَّعْل تحت إِبطِه، أَوْ خلف ظَهْره دُونَ شَئ يَشُدّه، لأَنه يتحرَّك بحركَتِه فيقَعُ ما فيه من أَذَى فى المسجد (ومنها) اجتماعهم حلقات، كُلّ حلقه لها كَبِير يَقْتَدُونَ به فى الذكْر والقراءَة، ولَيْتَ ذلك لو كان كان ذِكْراً أَو قراءَةً (يعنى مَشْرُوعَيْن) لكنهم يَلْعَبُونَ بدِين الله تعالى، فالذَّاكِر منهم فى الغالب لا يقول: لا إِله إِلَاّ الله، بل يُحَرِّقها فيقول: لإِيلآهِ يِ لله، فيجعلون عِوَض الهمزة ياءً، وهى همزة قطع جعلوها همزة وصل، وإِذا قالوا " سُبْحَان الله " يمطِّطُونها ويرجعونها حتى لا تكاد تُفْهَم، والقارئُ يقرأْ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه، وينقص منه ما هُوَ فيه بحسَبِ تلك النغمات والترجيعات التى تُشْبه الغناءَ وغيره مما عُلِمَ من أَحوالهم الذَّمِيمَة (ثم فيها) مِنَ الأَمْر العظيم أَنَّ القارئ يبتدئ بقراءّةِ القرآنِ، والآخر يُنْشِدُ الشِّعْر أَوْ يُريد أَن يُنْشِدّهُ فَيُسْكِتُونَ القارئ أَوْ يَهُمُّونَ بذلك، أَوْ يتركُونَ هذا فى شِعْره، وهذا فى قِرَاءَتِهِ.
= كان يحن دائماً إلى مناجاة ربه والوقوف بين يديه، حتى كان لا يجد له لذة إلا فى تلك المناجاة (وجعلت قرة عينى فى الصلاة) وفى الحق إن الصلاة التى أمر بها المؤمنون طهرة للقلوب ومعراج للرب وإسراء إلى ساحة الفضل والإنعام، فمن شاء أن يسرى به ربه وأن تعرج به ملائكة الرحمة فليدم مناجاة ربه، وليحسن وقوفه بين يديه " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ".