المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - شم النسيم - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌2 - شم النسيم

‌2 - شم النسيم

ويُسَمَّى عيد المهرجان أَوْ عيد البشارة (1). كان قدماءُ المصريين يَبْدَءُونَ سَنَتَهُمْ بالاعتدال الربيعىّ الموافق 29 برمهات و 25 مارس. وتُعْرَف بالسَّنَة الفَلكِيَّة، لا عتقادِهم بأَنَّ بَدْءَ الخليقَةِ كان فى هذا اليوم، ولتخلص الإِسرائيليين من ربقة العبودية فى هذا الوقت بخُروجِهم من مِصْرَ على يد سَيِّدِنا مُوسَى عليه السلام، فاعتَبَرُوهُ رَأْساً لِسَنَتِهم الدِّينية. ثم لَمَّا اتفق الأَقباط واليهود على جَعْل سَنَتِهم الأَصْلِيَّة شمسية تبتدئُ فى أَول حُلُول الشَّمس فى بُرْج الحمل، أَى زمان الاعتدال الربيعىّ، جَعَلُوا الاحتفالَ به لا يَقِلّ أَهمية عن الاحتفال برأْس سَنَتِهم المالية.

(وهذان) الْعِيدانِ من أَعْيَادِ الجاهلية. تَقَدَّمَ أَنَّ أَنَس بن مالك قال: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فيهما. فقال: ما هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالوا: كُنَّا نَلْعَبُ فيهما فى الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله قد أَبْدَلَكُم بهِما خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى ويَوْمَ الْفِطْر. أَخرجه أَحمد والبيهقى وغيرهما (2){104} .

(واليومان) هُمَا يَؤْمَا النيروز والمهرجان. والحديث يَتَضَمَّن النَّهْى عن اللَّعِبِ والفرح فيهما، وأَنه لا ينبغى للمؤْمِن موافَقَةَ الكُفَّار فى تَعْظِيم هَذَيْن اليَوْمَيْن وغيرهما من أَعيادِهم حِفْظاً لدِينِه.

(قال) الشيخ زاده الحنفى: ويَكْفُر بخُروجِه إِلى نَيْروزِ المجُوس، والموافقة معهم فيما يَفْعَلُونه فى ذلك اليوم، وبشِرَائِه يوم النيروز شَيْئاً

(1) سمى بذلك لزعمهم أن جبرائيل بشر مريم البتول بالحمل بسيدنا عيسى عليه السلام وكان ذلك سنة 5500 خمسة آلاف وخمسمائة من مبدإ الخليقة.

(2)

تقدم رقم 263 ص 316 ج 4 دين (مشروعية صلاة العيد).

ص: 89

لم يكن يَشْتَرِيه قبل ذلك تعظيماً للنيروز، لا للأَكْل والشُرْب، وبإِهْدَائِه فى ذلك اليوم للمُشْرِكِين ولو بيْضَةً تعظيماً له. ولا يَكْفُر بإِجابته دعوةَ مَجُوسىّ وحَلْق رَأْس وَلَدِه (1) (ونقل) فى المرقاة عن الحسن بن منصور الحنفىّ أَنه قال: مَن اشْتَرَى شيئاً لم يكُن ليَشْتَرِيه فى غير النيروز أَوْ أَهْدَى فيه هَدِيَّة إِلى غيره، فإِنْ أَراد بذلك تَعْظِيمَ اليوم كما يُعَظِّمَهُ الكَفرَة، فقد كَفر، وإِنْ أَرادَ بالشِّرَاءِ التَّنَعُمَ والتَّنَزُّه، وبالإِهداءِ التَّحَابُبِ جَرْياً على العادةِ، لم يَكُنْ كُفْراً، لكنه مَكْرُوه للتَّشَبُّه بالكَفرَة حينئذٍ، فينبغى التَّحَرُّزَ عنه. اهـ.

" وقد سُئِلَ " العلَاّمة ابن حجر الهيثمى: هَلْ يَحِلُ اللَّعِبُ بالْقِسىّ الصِّغار التى لا تنفَعُ ولا تقتل صيداً، بل أُعِدَّت للعب الكُفَّار، وأَكْل الموْز الكَثير المطْبُوخ بالسكَّر، وإِلْبَاس الصِّبْيَان الثِّياب الملَوَّنة بالصُّفْرة تبعاً لاعتناءِ الكَفرَة بهذه فى بعض أَعيادِهم، وإِعطاءِ الأَثواب والمصروف لهم فيه إِذا كان بينه وبينهم تَعَلُّق من كون أَحدهما أَجِيراً للآخر من قبيل تَعْظِيم النيروز ونحوه، فإِنَّ الكَفرَةَ صَغِيرهم وكَبِيرهم، وضِيعهم ورَفِعهم حتى ملُوكهم، يَعْتَنُونَ بهذه القِسىّ الصَّغار واللعب بها، وبأَكْل الموْزِ الكَثِير المطْبُوخ بالسكَّر اعتناءً كثيراً. وكذا بإِلْبَاس الصِّبْيَان الثِّيَاب المصْفرَّة وإِعطاءِ الأَثواب والمصروف لمنْ يَتَعَلَّقَ بهم. وليس لهم فى ذلك اليوم عِبَادَةَ صَنَم ولا غيره. وجماعةً مِنَ المسلمين إِذا رأَوْا أَفعالهم يفْعَلُونَ مِثْلهم. فَهَلْ يَكْفُر أَوْ يَأْثم المسلم إِذا عَمِلَ مثل عَمَلِهم من غير اعتقادِ تَعْظِيم عِيدِهم ولا اقتداءً بهم أَو لا؟

(1) ص 637 ج 1 مجمع الأنهر (الخامس فى التفرقات - المرتد).

ص: 90

(فأَجاب) بقوله: لا كُفْرَ بفِعْل شَئ من ذلك، فقد صَرَّحَ أَصحابنا بأَنَّهُ لو شَدّ الزِّنَار على وسطه أَوْ وَضَعَ على رأْسه قلنْسُوة المجوس، لم يَكْفُر بمجَرَّدِ ذلك. اهـ (فعَدَمَ) كُفْره بما فى السُّؤال أَوْلى، وهو ظاهر، بل فِعْل شَئ مَّما ذُكِر فيه لا يَحْرم إِذا قُصِدَ به التَّشَبُّه بالكُفَّار لا من حيثُ الكُفْر، وإِلَاّ كَانَ كُفْراً قطعاً (فالحاصل) أَنه إِنْ فَعَلَ ذلك بقَصْد التَّشَبُّه بهم فى شِعَار الكُفْر، كَفرَ قطعاً، أَوْ فى شِعَارِ العيد مع قطع النظر عن الكُفْر لم يَكْفُر، ولكنه يأْثم، وإِن لم يقصد التَّشَبُّه بهم أَصْلاً فلا شَئ عليه.

قال بعض أَئِمَّتنا: ومن أَقْبَح الْبِدَع موافقةَ المسلمين النَّصارَى فى أَعيادِهم بالتَّشَبُّه بأَكْلهم، والهدِيَّة لهم، وقبول هَدِيَّتهم فيه. وأَكثر الناس اعتناءً بذلك المصْرِيُّون. وقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّه بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم.

(بل قال) ابن الحجاج: لا يَحِلّ لمسْلم أَنْ يَبِيعَ نَصْرَانِيًّا شيئاً من مصلحة عيده، لا لحماً ولا أَدْماً ولا ثَوْباً، ولا يُعَارُونَ شيئاً ولو دَابَّة، إِذْ هُوَ معاونةً لهم على كُفْرِهم. وعلى وُلَاةِ الأَمْر مَنْعَ المسلمين من ذلك (ومنها) اهتمامهم فى النَّيْرُوز بأَكْل الهريسة واستعمال البخُور فى خَمِيس العِيدَيْن سبع مرَّات، زاعِمينَ أَنه يَدْفَعُ الكَسَل والمرض، وصَبْغ البَيْض أَصْفر وأَحْمَر وبَيْعِه، والأَدْوِية فى السَّبْت الذى يُسَمُّونَه سَبْت النُّور، وهو فى الحقيقة سَبْتُ الظَّلام، ويَشْتَرُونَ فيه الشِّبث (1) ويقولون: إِنه للبَرَكة ويَجْمَعُونَ وَرَقَ الشَّجَر ويلتُّونَها ليلةَ السَّبْت بماءِ يَغْتَسِلُونَ به فيه لِزَوَالِ السِّحْر، ويكْتَحِلُون فيه لزيادَةِ نُور أَعْيُنِهم، ويَدَّهِنونَ فيه بالكبريت والزَّيت،

(1) الشبث بكسر فسكون: بقلة.

ص: 91

ويجلسون عَرَايَا فى الشمس لدفع الجَرَب والحكَّة ويطبخُون طعامَ اللبن ويأْكُلُونَهُ فى الحمام، إِلى غير ذلك من البِدَع التى اخْتَرَعُوها. ويجب مَنْعهم من التَّظَاهُر بأَعْيَادِهم (1).

(وقد) ذكر ابن الحاج فى المدخل فى هذا بحثاً طويلاً يُشْفى غَلِيلَ المستَرْشِدِينَ لَخَّصْنَاهُ فى المنهل العذب المورُود فى شرح حديث الْعِيدَيْن (2).

(وقال) الحافظ تقىّ الدين فى كتابه اقتضاءِ الصراطِ المستقيم بعد ذِكْر قَوْل عُمَر وابن عمرو السابقين (3). وهذا عُمر رضى الله عنه نَهَى عن لِسَانِهم (أَى عن تَعَلُّم لُغَتِهم) وعن مجرَّدِ دُخُول الكَنِيسَة عليهم يوم عِيدِهم، فكَيْفَ بفِعْل بعض أَفعالهم؟ أَو بِفِعْل ما هُوَ من مُقْتَضَيَات دِينِهم؟ أَلَيْسَتْ موافقتهم فى العمل أَعظم من موافقتهم فى اللُّغة؟ أَو ليس بعض أَعمال عِيدِهم أَعظم من مجرَّدِ الدخُول عليهم فى عِيدِهم؟ وإِذا كان السُّخْط ينزل عليهم يوم عِيدِهم بسببِ عملهم، فمنْ يَشْرَكهم فى العمل أَو بعضه أَليس قد يعرض لعقوبة ذلك؟

(وأَمَّا عبد الله) بن عمرو فَصَرَّح أَنه مَنْ بَنَى ببلادِهم وصَنَعَ نَيْرُوزَهُم ومهرجانهم، وتَشَبَّه بهم حتى يموت، حُشِرَ معهم. وهذا يَقْتَضِى أَنه جعله كافراً بمشاركَتِهم فى مجموع هذه الأُمور، أَوْ جَعَلَ ذلك مِنَ الكَبائر الموجِبَة للنّار. وإِنْ كانَ الأَوَّل ظاهر لفظه، فتكون المشاركَة فى بعض ذلك مَعْصِيَة، لأَنه لو لم يكُنْ مؤثراً فى استحقاقِ العقوبة، لم يَجُزْ جعله جزءًا من المقتضِى للعقوبة، إِذ المباح لا يُعَاقب عليه، وليس الذَّم على بعض ذلك مشروطاً ببعض، لأَنَّ أَبعاض ما ذكره يقتَضِى الذَّم مفرداً

(1) ص 238 ج 4 الفتاوى الكبرى (باب الردة).

(2)

ص 306 ج 6 المنهل العذب. وانظر أثر 19 و 20 ص 90.

(3)

ص 306 ج 6 المنهل العذب. وانظر أثر 19 و 20 ص 90.

ص: 92

وإِنما ذكر مَنْ بَنَى ببلادِهم، أَنَّهُمْ على عَهْدِ عبد الله بن عمرو وغيره من الصَّحَابة كانوا ممنوعِينَ من إِظهارِ عِيدِهم بدار الإِسلام، وما كان أَحَدٌ من المسلمين يَتَشَبَّه بهم فى عِيدِهم، وإِنما كان يَتَمَكَّن من ذلك بكَوْنِه فى أَرْضِهم (1).

(وقال) الإِمام أَبو الحسن الآمدى المعروف بابن البغدادى فى كتابه عمدة الحاضر وكفاية المسافر: (فصل) لا يَجُوز شُهود أَعيادِ النَّصَارَى واليهود. نص عليه أَحمد. واحْتَجَّ بقوله تعالى: " وَالَّذِينَ لآ يَشْهَدُونَ الزُّورَ" أَىْ أَعْيَادِهم (2)، فأَمَّا ما يبيعون فى الأَسواق فى أَعْيادِهم فلا بأْسَ بحُضُوره. نص عليه أَحمد. وقال: إِنما يمنعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا عليهم بِيَعهم وكنائِسَهم. فأَمَّا ما يُبَاع فى الأَسْوَاق من المأْكَل فلا. وإِنْ قصد إِلى توثير ذلك وتحسِينِه لأَجْلهم. وإِنما رَخَّصَ أَحمد رحمه الله فى شهود السُّوق بشرْط أَلَاّ يَدْخُلوا عليهم بِيَعهم، فعلم مَنْعُه من دُخُول بِيَعهم. وكذلك أَخَذَ الخلَاّل من ذلك المنْعَ من خروج المسلمين فى أَعْيَادِهم (فقد) نص أَحمد على مثل ما جاءَ عن عُمر رضى الله عنه من المنْع من دخُول كنائِسِها فى أَعْيَادِهم. وهو كما ذكرْنا من باب التَّنْبِيه على المنْع من أَن يفْعَلَ كفِعْلِهم.

(وأَمَّا) الرطانة وتَسْمِية شُهُورِهم بالأَسماءِ العَجَمِيَّة، فقال أَبو محمد الكِرْمانى:(باب تسمية الشُّهُور بالفارسِيَّة) قُلْتُ لأَحمد: فإِن للفُرْس أَيَّاماً وشُهُوراً يُسَمُّونها بأَسماءٍ لا تُعْرَف؟ فكِهَ ذلك أَشَدَّ الكراهة. قُلْتُ: فإِن كان اسم رَجُل أُسميه به؟ فكرِهَهُ. وقال: وسأَلْتُ إِسحاق: قُلْتُ:

(1) مقتبس من ص 95 - اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.

(2)

فقد قال طاوس وابن سيرين وغيرهما: الزور فى الآية، هو أعياد المشركين وقيل مجالس السوء والخنا، وقيل غير ذلك.

ص: 93

تاريخ الكتاب يُكْتَب بالشهور الفارسية مثل آذرماه وذى ماه. قال: إِنْ لم يكُن فى تلك الأَسامى اسم يُكْرَه فأَرْجُو " أَنْ لآ بَأْس به ". وكذلك الأَسماءِ الفارسية. قال: وسأَلت إِسحاق مرةً أُخرى: قُلْتُ: الرَّجُل يتعلَّم شهور الرُّوم والفُرْس؟ قال: كُلّ اسْمٍ معروف فى كلامِهم فلا بأْس، (فما قاله) أَحمد من كرَاهَةِ هذه الأَسماءِ له وَجْهَان:

(أَحَدُهُما) إِذا لم يُعْرَف معنَى الاسم جازَ أَن يكُون معْنًى محرماً، فلا يَنْطِق المسلم بما لا يعرف مَعْنَاه. ولهذا كُرِهَت الرقى العجمية كالعبرانية أَو السريانية أَو غيرها، خوفاً أَن يكون فيها معانٍ لا تجوز. وهذا المعنى هو الذى اعتبره إِسحاق. لكن إِذا علم أَنَّ المعنى مكروه فلآ رَيْبَ فى كرَاهَتِه، وإِنْ جَهِلَ معناه فأَحمد كرِهَهُ.

(والوجه) الثانى: كراهةَ أَن يَتَعَوَّدَ الرَّجُل النُّطْق بغير العربية، فإِن اللِّسان العربىّ شِعَارُ الإِسلام وأَهله. واللُّغات من أَعظم شعائر الأُمم التى بها يتميزون. ولهذا كان كثير من الفقهاءٍ أَو أَكثرهم يكرهون فى الأَدْعِيَةِ التى فى الصلاة والذكر، أَن يُدْعَى الله أَوْ يُذْكر بغَير العربية.

(وقد اختلف) الفقهاءُ فى أَذكار الصَّلآة هَلْ تُقَال بغير العربية؟ وهى ثلاث درجات: أَغلاها القرآن، ثم الذِّكْر الواجب غير القرآن، كالتحريمة بالإِجماع، وكالتحليل والتَّشَهُّد عند مَنْ أَوْجَبَهُما. ثم الذِّكْر غير الواجب من دعاءٍ أَو تَسْبِيحٍ أَوْ تكْبِير.

(فأَما) القرآن فلا يقرؤه بغير العربية، سواءٌ قدر عليها أَو لم يقدر عند الجمهور، وهو الصَّواب الذى لا رَيْبَ فيه، بل قد قال غيره واحد:

ص: 94

إِنه يمتَنع أَن يترجم سُورةً أَو ما يقوم به الإِعجاز (واختلف) أَبو حنيفة وأَصحابه فى القادِر على العربية (1).

(وأَما) الأَذكار الواجبة فاختلف فى ترجمة غير القرآن، هل يُتَرْجَم للعاجز عن العربية وعن تَعَلُّمها؟ وفيه لأَصحاب أَحمد وجهان، أَشبههما بكلام أَحمد أَنه لا يُتَرْجَم، وهو قول مالك وإسحاق، والثانى يُتَرْجَم، وهو قول أَبى يوسف ومحمد (2) والشافعى.

(وأَما) سائر الأَذكار فالمنصوص أَنه لا يُترجمها، ومتى فعل بطلَتْ صلاته، وهو قول مالك وإِسحاق وبعض أَصحابِ الشافعىّ، والمنصوص عن الشافعىّ أَنه يُكْرَه ذلك بغير العربية ولا يُبطل، ومن أَصحابنا مَنْ قال: له ذلك إِذا لم يُحْسِن العربية.

(وأَما) التَّكَلُّم بالْعَجَمِيَّة من غير حاجةٍ فى أَسماءِ الناس والشُّهُور، كالتواريخ ونحو ذلك، فهو مَنْهِىٌّ عنه مع الجهل بالمعنَى بلا ريب، وأَمَّا مَعَ العِلْم به فكلام أَحمد بَيِّن فى كرَاهَتِه أَيضاً، فإِنه كرِهَ آذرماه ونحوه ومعناه ليس محرماً، وأَظُنّه سُئِلَ عن الدعاءِ فى الصَّلاة بالفارَسِيَّة فكرِهَهُ وقال: لِسَان سُوءٍ، وهو أَيضاً قد أَخذ بقول عُمر رضى الله عنه الذى فيه النَّهْى عن رطانَتِهم وعن شُهُودِ أَعْيَادِهم، وهذا قَوْل مالك أَيضاً، فإِنه قال: لا يُحْرِم بالعجمية ولا يَدْعُو بها ولا يَدْعُو بها ولا يَحْلِف بها، وقال: نَهَى

(1) فقال النعمان: تجوز القراءة بغير العربية ولو قادراً عليها. وقال الصاحبان: لا تجوز القراءة بغير العربية إلا لمن عجز عنها. وقد تقدم بيانه فى بحث (من عجز عن القراءة بالعربية)، ص 145 ج 2 دين، طبعة ثانية.

(2)

تقدم فى (بحث شروط التحريمة والتشهد الأخير) أنهما يصحان عند الحنفيين بغير العربية ولو من قادر عليها.

ص: 95

عُمر رضى الله عنه عن رطانة الأَعاجم وقال: إِنَّهَا خَب. فقد استَدَلَّ بنَهْى عُمر عن الرطانة مطلقاً. اهـ ملخصاً (1).

(أَما) شَمّ النَّسِيم وما أَدْرَاك ما شَمّ النَّسِيم؟ فهو عادة ابْتَدَعَها الأَقْبَاط لتعظيم يوم البشارة، وليتذكَّرُوا الحوادِث المهِمَّة التى جَرَتْ وتَجْرِى فيه.

وقد اتخذه وللأَسَف المصْرِيُّون عُمُوماً حُكُومةً وشَعْباً (إِلَاّ مَنْ عَصِمَهُ الله) عِيداً وشِعَراً قوميًّا، تُعَطَّلُ فيه مصالح الحكُومة والمدارس والمعاهد، ويُقْفَل كَثِيرٌ من المحالّ التِّجارية فيه والصِّناعية، وتُفْتَحُ أَبوابُ الحاناتِ ودور الملاهى والفُسُوق، ويُرْتكَبُ فيه ما يُرْتكَبُ مَّما يزْرِى بالفَضِيلة، وتأْبَاهُ المرُوءَة، ويَأْبَاهُ الذوق السَّليم، ويَغْضَبُ له الحليم. يخرج كَثِيرٌ من سُكَّان المدُنِ والقُرَى إِلى المتنَزَّهات الوَاسِعَة، والحدائق النَّضِرَة، فَتَرَى الطرقات قد ثَارَ غُبَارُها وعَلآ ضَجِيج المارة بها، ومنهم السَّفَلَة (2) الفَسِدُو الأَخْلَاق، يفُوهُون بما تَمُجُّه الأَسماع، وتَأْنَفُ منه الطِّبَاع، وتَأْبَاهُ الكرَامة. وترَى السَّيَّارات والقُطُر قد مُلِئَتْ بأْنَاسٍ تَبَايَنَتْ أَخْلآقُهم، واخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُم، يَمُوجُ بعضُهم فى بعض بين شِيبٍ وشُبَّان، ونِسَاءٍ وَوِلْدَان، جَلِسينَ وواقِفِينَ ومُسْتَمسِكِين بقوائم المركَّبات، والجميع يَئِنُّ من هَوْل الزِّحام.

وترَى السُّفُن صَغِيرة وكَبِيرة تَجْرِى فى النِّيل مملوءَةً بالشُّبَّان والكُهُول والنِّساءِ مختلطاتٍ بأَهْل الفُسُوق يَفْسُقُون ويَفْجُرُون، وَيُفْرِطون فى الشَّهَوَات واللَّذَّات، وتَنَوُل المسْكِرَات، ويُهْمِلُون الطَّاعَات كأَنَّ هذا الْيَوْمَ قد أُبِيحَتْ لهم فيه الخبائِث، ورُفِعَتْ فيه عنهم التَّكَالِيف وكَثِيراً ما يَقَعُ فى هذا اليوم من مُنْذِرَاتِ الإِغراقِ والإِحراقِ والصَّدَمات

(1) من صفحة 95 إلى 97 اقتضاء الصراط المستقيم. و (الخبء) بفتح الخاء وكسرها: الخداع.

(2)

يقال للأراذل سفلة بفتح فكسر، ويجوز التخفيف فيقال سفلة بكسر فسكون.

ص: 96