المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - صلاة الخسوف - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌2 - صلاة الخسوف

‌2 - صلاة الخسوف

دلَّتْ أَحاديثُ الباب على أَنَّ صلآةَ الخُسُوف مأْمورٌ بها كصلاِة الكُسُوف (ولذا) قال الشافعىّ وأَحمد وإِسحاق وأَبُو ثور وأَهْل الحديث: يُسَنّ لخسُوف القمر صلاة ركعتَيْن فى جماعة فى كلِّ ركْعة ركوعان كصلاةِ كُسُوف الشمس، لما ذكر من الأَحاديث " ولحديث " حبيب ابن أَبى ثابت عن طاوُس عن ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فى كُسُوفِ الشَّمْس والقَمَر ثمانى رَكَعَات فى أَرْبَعِ سجداتٍ يقراُ فى كلَّ ركعةٍ. أَخرجه الدارقطنى (1){137} وهو حديث ضَعِيف، لأَنَّ حبب بن أَبى ثابت مُدلس وقد عَنْعَن. وقد أَخْرَج أَحمد ومُلسم والثلاث حديث ابن عباس ولم يذكُرُوا فيه القَمَر.

(وروى) الحَسَن البصرىّ أَنَّ القمر كسَف وابن عباس بالْبَصْرَة، فخرج ابن عباس فَصَلَّى بنا ركْعتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ ركعتان. ثم ركب فَخطَبنا فقال: إِنما صَلَّيْتُ كما رَأَيْتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى، وقال: إِنما الشَّمْسُ والقَمَرُ آيتانِ من آياتِ الله لا تَخْسِفَانِ لمْوتِ أَحَدٍ ولا لحياتِهِ، فإِذا رَأَيْتُم شيئاً منها خَاسِفاً فليكُن فزعكُم إِلى الله. أَخرجه الشافعى والبيهقى (2){138} وإبراهيم بن مُحَمَّد شَيْخ الشَّافعىّ ضعيف. وقول الحسَن (فَخَطَبنا) يَعْنى بن عباس لا يَصِحّ، فإِن الحَسَن لم يكُن بالبصرة لما كان ابن عباس بها.

(1) ص 188 سنن الدارقطنى (صلاة الخسوف والكسوف). و (ثمانى ركعات .. إلخ) يعنى ركع ثمانى مرات، فى كل ركعة أربعة ركوعات وسجدتان.

(2)

ص 193 ج 1 بدائع المنن (خسوف القمر)، وص 338 ج 3 سنن البيهقى (الصلاة فى خسوف القمر)

ص: 122

" ولحديث عائشة " أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى فى كُسُوف الشمس والقمر أَربع ركعاتٍ وأَربع سجداتٍ وقرأَ فى الركعة الأُولى بالعَنْكَبُوت أَو الرُّوم، وفى الثنية بيسن، أَخرجه الدارقطنى (1){139} قال فى التلخيص وذكر القمر فيها مُسْتغرب ..

" وعن " أَبى بَكْرَةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ركعتَيْن مثل صلاتِكُم هذه فى كُسُوفِ الشمس والقمر. أَخرجه البيهقى وكذا البخارى بلفظ: انْكَسَفَت الشمس على عَهْدِ البنىِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ركعتين (2){140} .

(قال) الحافظ: وفى ذلك رَدّ على مَنْ قال لا تُنْدَب الجماعة فى كُسُوفِ القمر، وفَرَّقَ بوجودِ المشَقَّة فى الليل غالباً دون النَّهَار. ووقَعَ عند ابن حبان من وَجْهِ آخر أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فى كُسُوف القمر. ولفظه من طريق النَّضْر بن شميل عن أَشْعَثَ بإِسناده فى هذا الحديث - يَعْنى حديث أَبى بَكْرَة - صَلَّى فى كُسُوفِ الشمس والقمر ركعتَيْن مثل صلاتِكُم. وأَخرجه الدارقطنى أَيضاً. وفى هذا رَدّ على مَنْ أَطلق كابن رشيد أَنه صلى الله عليه سلم لم يُصَلّ فيه. ومنهم مَنْ أَوَّلَ قوله: صَلَّى، أَى أَمَرَ باصَّلآة جماً بين الرواتين (وقال) صاحب الهدى: لم يُنْقَل أَنَّهُ صَلَّى فى كُسُوفِ القمر فى جماعة، لكن حكَى ابن حبان فى السِّيرة: أَنَّ القمر خَسَف فى السنة الخامسة فَصَلَّى النبى صلى الله عليه وسلم بأَصحابه صلاةَ الكُسُوف، وكانت أَوَّل صلاةِ كُسُوفٍ فى الإِسلام. وهذا إِنْ ثبت انتفى التَّأْويل المذكُور (3).

(1) ص 188 سنن الدارقطبى (صفة صلاة الكسوف والخسوف).

(2)

ص 338 ج 3 سنن البيهقى (الصلاة فى الخسوف القمر)، وص 371 ج 2 فتح البارى (الصلاة فى كسوف القمر).

(3)

ص 381 ج 2 فتح البارى. الشرح (الصلاة فى كسوف القمر).

ص: 123

(وقالت) الحنفية والمالكية: تُسَنُّ صلاةُ الخُسوفِ ركْعَتَيْن جَهْرًا فرادَى فى المنازل بركُوع واحدٍ فى كُلِّ ركعة كبقيةِ النوافل. وتُكَرَّر حتى يَنْجَلى القَمَر أَوْ يَغِيب أَوْ يطلع الفجر (فقد) خَسَف القَمَر فى عَهْدِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِرَاراً ولم يُنْقَل إِلينا من طريق صحيح أَنه جمع النَّاس لها. فَيُصَلِّى وتضَرَّع كل وحده (قال) الشَّيْخ إِبراهم الحلبى: ولا جماعة فى خُسُوف القمر للحَرَج فيها، وكذا فى كُلِّ أَمْرٍ مُفْزع كالرِّيح والظُّلمة الشديدتين والزّلْزَلة واستمرار المطَرَ والثَّلْج ونحو ذلك، للحَرَج فى الاجتماع فى جميع ذلك (1).

(وقال) البدر العينى: لم ينف أَبو حنيفة الجماعة فى خُسُوفِ القمر، وإِنما قال الجماعة فيه سنة بل هى جائزة. وذلك لتعَذّثر اجتماع الناس من أَطرافِ البلد بالليل، وكيف وقد وَرَدَ قوله صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ صلاةِ المرءِ فى بَيْتِه إِلَاّ المكْتُوبة (2)، وقال مالك: لم يبلغنا ولا أَهل بلدنا أَنه صلى الله عليه وسلم جمع لِكُسُوفِ القمر، ول نقل عن أَحَدٍ من الأَثمة بعده أَنه جمع فيه (3).

(وهذا) الخلاف سببه الاختلاف فى الأَمر بالصلآةِ عند الكُسُوف الواردة فى أَحاديث الباب. فمن فهم منه مَعْنًى واحدًا فى كُسُوفِ الشمس وخُسُوفِ القمر كالشافعية والحنبيلة، جعل صلاة خُسُوفِ القمر كصلاةِ كُسُوفِ الشمس. ومن فهم أَنَّ فى الأَمر اختلافاً قال: المفهوم من

(1) ص 427 غنية المتملى (تتمات من النوافل).

(2)

أخرجه أحمد والخمسة عن زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة صلاة المرء .. إلخ. وأخرجه الثلاثة بلفظ: صلاة المرء فى بيته أفضل من صلاته فى مسجدى هذا إلا المكتوبة. وحسنة الترمذى وصححه السيوطى. انظر رقم 447 ص 310 ج 2 دين (مكان صلاة التطوع)(411).

(3)

ص 66 ج 7 عمدة القارى (الصلاة فى سوف القمر).

ص: 124