الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتماع الكسوف وغيره
إِذا اجْتَمَعَ صلاتَانِ كَكُسُوفٍ وعِيدٍ بُدِئَ بما يُخَاف فَوْته، فإِنْ خِيفَ فَوْتهما بدأَ بالصَّلاة الواجبة. وإِنْ لم يَكُن فيهما صلاة واجبة كالكُسُوف والتراويح بدأَ بآكدهما كالكُسُوف.
(قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: والصَّحِيح أَنَّ الصلوات الواجبة التى تُصَلَّى فى جماعة مقدمة على الكُسوف مطلقاً، لأَنَّ تَقْدِيمَ الكُسُوفِ عيها يُفْضِى إِلى المشَقَّة لإِلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة، وكذلك إِذا اجتمعت مع التراويح قُدِّمَت التراويح لذلك. وإِن اجتمعت مع الوتر فى أَوَّل وقته قُدِّمَت، لأَنَّ الوتر لا يَفُوت. وإِنْ خِيفَ فَوَاته قُدِّم. وإِن اجتمع الكُسُوف وصلاة الجنازة قُدَّمت الجنازة (1).
4 - الاستسقاء
هو لُغَةً: طَلَب السُّقْيَا. وشَرْعاً: طَلَب السَّقْى مِنَ الله تعالى عند حُصُول الْجذْب بالثناءِ عليه والفَزَع إِليه والاستغفار والصلاة.
(وسبب) الجدب ارْتِكَاب المخالفات، كما أَنَّ الطَّاعةَ سبب للبركات قال تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "(2).
(وعن) ابن عُمَر أَنَّ النبىّض صلى الله عليه وسلم قال: لم يَمْنَعْ قَوْمٌ زكاة أَمْوَالهم إلَاّ مُنِعُوا القطر مِنَ السَّماءِ. ولولا البهائم لم يمطروا. أَخرجه الطبرانى فى الكبير ورَمز السيوطى لضعفه (3){146} .
(1) ص 281 ج 2 مغنى (إذا اجتمع صلاتان الكسوف وغيره).
(2)
سورة الأعراف، الآية 96.
(3)
رقم 7369 ص 297 ج 5 فيض القدير.
(وعن) أَبى هُرَيْرَةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: قال ربُّكُم عز وجل: لو أَنَّ عِبَادِى أَطَاعُونى لَسْقَيْتهم المطر بالليل وأَطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أَسمعتهم صَوْت الرَّعْد. أَخرجه أَحمد والبزار. وقال: لا يُرْوَى إِلَاّ بهذا الإِسناد (وقال) الهيثمى: مداره على على صدقة بن موسى الدقيقى، ضعفه ابن معين وغيره. وقال مسلم بن إِبراهيم: حدثنا صدقة الدقيقى وكان صدوقاً (1){147} .
(وعن بريدة) الأَسْلَمى أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ قَطٌّ إِلَاّ كَانَ القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة فى قوم قط إِلَاّ سلط الله عز وجل عليهم الموْت، ولا مَنَعَ قَوْمٌ الزكاةَ إِلَاّ حَبَس اللهُ عنهم القطر. أَخرجه البيهقى والحاكم (2){148} .
هذا. الاستسقاءُ مشروعٌ فى مكانٍ ليس لأَهله أَنْهَار أَوْ لهم ولكِنَّها لا تَفِى بمصالحهم كَسَقْىِ الزَّرْع والدَّوَابّ (وهو) مشروعٌ بالكِتَابِ والسُّنة وإِجماع الأُمَّة (قال) الله تعالى حكايةً عن سيدنا نُوح عليه الصلاة والسلام: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ".
والكلام هنا يَنْحَصِرُ فى سبعة مباحث:
1 -
حكم الاستسقاء:
اتفق العماءُ على أَنَّهُ يُسَنُّ الخروج إِلى الصَّحراء - فى غير المساجد الثلاثة - ثلاثةَ أَيَّام متتابعات يَدْعُونَ الله ويَتَضَرَّعُونَ إِليه فى نُزُولِ المطر. ويُسْتَحَبُّ للإِمام أَن يَصُوم ويأْمُرَهُم بصِيام ثلاثةِ أَيَّام مُتَتَابعة قبل الخروج
(1) ص 230 ج 6 الفتح الربانى، وص 211 ج 2 مجمع الزوائد (الاستسقاء) أفاد أن فى نزول المطر ليلا رحمة بالعباد لعدم المشقة ونزوله بالنهار يعطل عليهم بعض المصالح ويمنع طلوع فلا ينتفعون بها.
(2)
ص 346 ج 3 سنن البهقى (الخروج من المظالم والتقرب إلى الله تعالى).
ويأْمُرَهُم بالتَّوْبه من جميع الذُّنُوب، ثم يَخْرُج بهم فى اليوم الرابع مُشَاةً فى ثِيَابٍ خَلِقَة مُتَذَلِّلِينَ خَاشِعِين لله تعالى نَاكِسِينَ رُءُسَهْم. ويَتَصَدَّقُونَ على المحتاجين فى كُلِّ يوم قبل خُرُوجهم، ويُجَدَّدُونَ التَّوْبةَ بشُرُوطِهَا (ومنها) رَدّ المظالم إِلى أَهْلها، ويُكْثِرُونَ الاستغفارَ ويَتَسَامَحُونَ فيما بينهم، ويُقَدَّمُونَ الضُّعَفَاءَ والشُّيوخ والصِّبْيان يَدْعُونَ والناس يُؤَمِّنُونَ على دُعَائِهم، لأَنه أَقْرَب للإِجابة.
(قال) ابن عباس: إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَج مُتَخَشِّعاً مُتَضَرِّعاً مُتَوَاضِعاً مُتَبَذِّلاً مُتَرَسِّلاً، فَصَلِّى بالناس ركْعَتَيْن كما يُصَلِّى فى الْعِيد، فلم يَخْطُب خُطْبَتَكُم هذه. أَخرج أَحمد والأَربعة والبيهقى والدارقطنى والحاكم وقال الترمذى: هذا حديثُ حَسَنٌ صحيح (1){149} .
(وقالت) عائِشَةُ: شَكَا النَّاسُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطَر، فَأَمَرَ بمِنْبَرٍ فَوُضِعَ له فى المصَلَّى، وَوَعَدَ الناس يوماً يَخْزُجُون فيه. فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حاجِب الشمس، فَقَعَدَ على المنْبَر فكَبَّرَ وحَمِدَ اللهَ عز وجل، ثم قال: إِنَّكُم شَكَوْتُم جَدْبَ دِيَارِكُم واسْتِئْخَارَ المطَر عن إِبَّانِ زَمَانِه عَنْكُم، وقد أَمَرَكُم اللهُ عز وجل أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُم أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُم. ثم قال: الحمدُ لله رَبِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحِيم، مَالِكِ يَوْم الدِّين، لآ إِلهَ إِلَاّ الله يفعلُ ما يُريد. اللَّهُمَّ أَنْتَ لآ إِله إِلَاّ أَنْتَ الغنىّ ونحنُ الفقراءُ، أَنْزِلْ علينا الغَيْثَ واجعل ما أَنْزَلْتَ علينا قُوَّةً وبلاغاً إِلى حِين، ثم رَفَعَ يَدَيْهِ فلم يَزَل
(1) ص 235 ج 6 الفتح الربانى، وص 6 ج 7 المنهل العذب (صلاة الاستسقاء)، وص 224 ج 1 مجتبى، وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه، و 390 ج 1 تحفة الأحوذى، مستدرك. و (متبذلا) أى لابساً ثياب البذلة بكسر فسكون، وهى ما يلبس حال العمل والخدمة و (مترسلا) أى متأنياً فى مشيه.
فى الرفع حتى بَدَا بياض إِبطَيْه، ثم حَوَّل إِلى الناس ظهره وقلب أَوْ حَوَّل ردَاءَهُ وهو رَافِعٌ يَدَيْه. ثم أَقبل على الناس ونَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْن، فأَنْشَأَ اللهُ سحابةً فرعَدَتْ وبَرَقَتْ ثم أَمطرت بإِذْنِ الله، فلم يَأْتِ مسجده حتى بَدَتْ نَوَاجِذَهُ، فقال: أَشْهَدُ أَنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِير وأَنِّى عَبْدُ اللهِ ورَسُوله. أَخرجه أَبو داود والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1){150} .
(ويُسْتَحَبُّ) التنظُّفَ بالماءِ واستعمالِ السِّوَاك وما يقطع الرَّائِحَة. ويُسْتَحَبُّ الخروج لكَافَّةِ الناس. وخروج الشُّيوخ ومَنْ كان ذَا دِينٍ وصلاح أَشَدً استحباباً، لأَنه أَسْرَع للإِجابة. فأَمَّا النِّسَاءَ فلآ بأْسَ بخروج العجائز ومَنْ لا هيئةَ لها. فأَمَّا الشَّوَابّ وذَوَاتِ الهيئة فلا يُسْتَحَبُّ لهنَّ الخروج، لأَنَّ الضَّرَرَ فى خروجهنَّ أَكْثَر مِنَ النَّفْع. ولا يُسْتَحَبُّ إِخراجَ البهائم، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعُله. وإِذا عَزَمَ الإِمامُ على الخروج اسْتُحِبَّ له أَنْ يَعِدَ الناس يَوْماً يخرجُونَ فيه، وبَأْمُرَهُم بالتَّوْبة مِنَ المعاصِى والخروج مِن المظالم، والصَّيَام والصَّدَقة، وترك التَّشَاحُن ليّكُونَ أَقْرَبَ لإِجابَتِهم، فإِنَّ المعاصِى سَبَبُ الجدب، والطَّاعَةُ تَكُون سبباً للبركات. قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ". قاله أَبو محمد عبد الله بن قدامة (2).
(1) ص 13 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء)، وص 349 ج 3 سنن البيهقى، وص 238 ج 1 مستدرك. و (قحوط) بضمتين، مصدر قحط كخضع، يقال: و (إبان) الشئ بكسر الهمزة وشد الباء: أوله (واجعل ما أنزلت علينا .. إلأخ) يعنى اجعل المطر سبباً لحياة الزرع وغيره الذى به نقوى. واجعله كافياً لنا مدة احتياجنا له.
(2)
ص 284 ج 2 مغنى (صلاة الاستسقاء).
(وما قاله) مِنْ عَدَم استحبابِ إِخراج البهائم روايةً عن أَحمد. وهو مَذْهَب المالكِيَّة. ومَشْهُور مذهب الحنبلية أَنَّهُ يُبَاح إِخراجها، وهو مَذْهَب الحنفية والشافعية، ولا يحضر الاستسقاءَ معنا أَهْلُ الكُفْر عند الحنفيين وأَصْبَغ المالكى والزهرى، لأَنَّ الاستسقاءَ لاستنزالِ الرَّحمة. وإِنما تنزل عليهم اللَّعنة. كذا قالوا. وأَوْرَدَ عليه أَنَّهَ ليس المراد إِلَاّ الرَّحمة العامَّة الدنيوية وهُو المطَر والرِّزْق، وهُم مِنْ أَهْلها. ولذا قالوا: الصَّوَاب أَن يمنَعُوا من الاستسقاءَ وَحْدَهم، لاحتمال أَن يسقوا فيفتتن ضُعَفَاءُ العوامّ. أَفاده الشيخ الحلبى (1).
(وقالت) المالِكِيَّة والحنبلية: لا يُسْتَحَبُّ إِخراج أَهْلُ الذِّمة ولا يمنعون مِنَ الخروج، ولكن لا يختلطون بالمسلمين، ولا يمكَّنُونَ مِنَ الخروج فى يوم وَحْدَهُم (قال) الشَّيْح منصور بن إِدريس: ويُكْرَهُ لنا أَن نُخْرج أَهل الذِّمة ومَنْ يُخَالِف دِينَ الإِسلام، لأَنهم أَعداءَ الله فهم بَعِيدُونَ مِنَ الإِجابة وإِنْ أُغِيثَ المسلمون فربما ظَنُّوهُ بدُعائِهم، وإِنْ خَرَجُوا من تلقاءِ أَنْفُسِهم لم يُكْرَه ولم يمنعوا، لأَنه خروج لطَلَبِ الرِّزْق، واللهُ ضَمِنَ أَرزاقهم كما ضَمِنَ أَرْزَاق المسلمين، وأُمِرُوا بالانفرادِ عن المسلمين فى يختَلِطُونَ بهم، لقوله تعالى:" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً "(2). ولأَنه لآ يُؤمَن أَن يُصِيبهم عذاب فَيَعُمَّ مَنْ حَضَر، ولا يَنْفَردُونَ بيوم لِئَلَاّ يَتَّفِقَ نُزُولَ غَيْث يوم خروجهم وَحْدَهُم، فيكون أَعْظَمَ لفِتْنَتِهم، وربما افتتن بهم غيرهم، وحُكْم نِسَائِهِم ورقيقهم وصِبيْانهم وعجائزهم حُكْمهم فى حواز الخروج مُنْفَرِدِين لا بيوم، ولا تخرج منهم ولا مِنَ المسلمين حَسْنَاءَ ولو عَجُوزاً (3).
(1) ص 430 غنية المتملى (صلاة الاستسقاء).
(2)
سورة الأنفال، الآية 25.
(3)
ص 368 ج 1 كشاف القناع (باب صلاة الاستسقاء).
2 -
وقت الاستسقاء:
الاستسقاءُ بالدعاءِ ليس له وقت مُعَيَّين اتفاقاً، وكذا صلاته لا تختَص بوَقْتٍ عند الجمهور فَتَجُوزُ فى كُلِّ وَقْتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً إِلَاّ أَوقاتَ النَّهْى (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: وليس لصلاة الاستسقاءِ وَقْتٌ مُعَيَّن، إِلَاّ أَنَّهَا لا تفعل فى وَقْت النَّهْى بغير خِلاف، لأَنَّ وقتها مُتَّسع فلا حاجةَ إِلى فِعْلِها فى وَقْتِ النَّهْى. والأَوْلى فِعْلها وَقْتَ الْعِيد، لما رَوَتْ عائشةَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ بَدَا حاجِب الشمس. رواه أَبو داود. ولأَنَّهَا تُشْبِهها فى الموْضِع والصِّفَة، فكذلك فى الوقت، إِلَاّ أَنَّ وَقْتَها لآ يَفُوتُ بزَوَالِ الشمس، لأَنَّهَا ليس لها يَوْمٌ مُعَيَّن فلا يكُونُ لها وَقْتٌ مُعيَّن (1).
3 -
أنواع الاستسقاء - هى أربعة:
(ا) الاستسقاءُ فى خطبةِ الجمعةِ: يَدْعُو الإِمام على المنبر ويُؤَمِّن الناس (روى) شَرِيك بن أَبى نمر عن أَنَس بن مالك أَنَّ رَجُلاً دخل المسجد يومَ الجمعةِ ورسولُ الله صلى الله عليه وعلى آلأه وسلم قائم يَخْطُبُ، فقال: يا رسول الله، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله يغيثنا، فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَدَيْه ثم قالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قال أَنَس: ولا والله ما نَرَى فى السماءِ من سَحَابٍ ولا قَزَعَةٍ - وما بيننا وبين سَلْع من بَيْتٍ ولا دار - فَطَلَعَتْ من ورائِه سَحَابةٌ مثل التُّرس، فَلَمَّا تَوَسَّطَت السَّماءَ انتشرت ثم أَمْطَرَتْ، المقبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَهُ
(1) ص 286 ج مغنى (ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين) وما نسبه لأبى داود هو جملة من الحديث السابق رقم 150 ص 132 (حكم الاستسقاء).
قائماً، فقال: يا رسولَ الله، هَلَكَتِ الأَمْوَال وانْقَطَعَتِ السُّبُل، فَادْعُ اللهَ يمسكها عَنَّا، فَرَفَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثم قال: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ على الإِكام والظراب وبُطُونِ الأَوْديةِ ومَنَابِتِ الشجر، فأَقْلَعت وخرجْنَا نمشِى فى الشمس. أَخرجه الشيخان (1) {
151}.
(ففى) هذا الحديث دلالةٌ على أَنه إِذا وَقَعَ الاستسقاءُ يوم جُمُعَةٍ يُكْتَفَى بالدُّعَاءِ حال خُطْبَةِ الجمعة وصلاتِها.
(ب) الاستسقاءُ بالدعاءِ على المنبر بلا صلاةٍ فى غير يوم الجمعة (قال) ابن عباس: جاءَ أَعرابىٌ إِلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد جِئْتُكَ من عند قَوْمٍ لآ يَتَزَوَّد لهم رَاعٍ ولا يَخْطِر لهم فحل، فَصَعِدَ اللنبىُّ صلى الله عليه وسلم المنبر فَحَمِدَ الله ثم قال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مريعاً طبقاً غدقاً عاجلاً غير رائِثٍ، ثم نزل فما يَأْتِيه أَحَدٌ من وَجْهٍ من الوجوه إِلَاّ قالوا قَد أَحْيَيْنَا. أَخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (2){152} .
(1) ص 34 ج 2 فتح البارى (الاستسقاء فى خطبة الجمعة) وص 191 ج 6 نووى مسلم (الدعاء فى الاستسقاء) و (القزعة) بفتحات: السحاب المتفرق. و (سلع) بفتح فكون: جبل بالمدينة. و (مثل الترس) أى مستديراً مثله. و (سبتاً) أى أسبوعاً. وفى رواية: ستاً. وفى رواية: فمطرنا من جمعة إلى جمعة. (وانقطعت السبل) لتعذر سلوك الطريق من كثرة الماء. و (الإكام) بكسر الهمزة وقد تفتح ممدودة، جمع أكمة بفتحات، وهى ما ارتفع عن الأرض قليلا (والظراب) بكسر أوله، جمع ظرب بفتح فكسر أو سكون، وهى الرابية الصغيرة (فأقلعت) أى أمسكت السحابة عن المطر ..
(2)
ص 199 ج 1 سنن ابن ماجه (الدعاء فى الاستسقاء) و (لا يتزود لهم راع) أى لا يجد ما يأكله لقلة الزاد بسبب الجدب والقحط. وخص الراعى بالذكر، لأنه يعتنى طعامه أكثر من غيره لما يتحمله من المشاق والبعد عن المساكن (ولا يخطر لهم فحل) أى لا يحرك ذنبه لما لحقه من لضعف لقلة المرعى. يقال: خطر الفحل بذنبه يخطر بالكسر إذا ضرب به يميناً وشمالا (والغيث) المطر. (والمغيث) بضم فكسر: المنقذ من الشدة (والمرئ) المحمود العاقبة المنمى للحيوان. و (المربع) بضم الميم وفتحها وكسر الراء: الذى يأتى بالريع وهو الزيادة، (والطبق) بفتحتين: المطر العام. (والغدق) الماء الكثير. (والرائث) المبطئ.
(جـ) الاستسقاءُ بالدعاءِ فى غير المسجد بلا صلاة (قال) جابر بن عبد الله: أَتَت النبىَّ صلى الله عليه وسلم بواكى فقال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً عاجِلاً غير آجل نافعاً غير ضار، فأَطْبَقت عليهم السمَّاء. أَخرجه أَبو داود والحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَين (1){153} (وعن) عُمَيْر مَوْلى آبى اللحم أَنَّهُ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقى عند أَحجار الزَّيت قريباً من الزَّوْرَاءِ يَسْتَسْقى رافِعاً يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهه لا يُجَاوِزُ بهما رَأْسَهُ. أَخرجه أحمد والثلاثة بسَنَدٍ رجاله موثقون (2){154} .
(ولذا) قال أَبُو حنيفة: لا صلاةَ فى الاستسقاءِ بجماعةٍ مسنونةٍ بل مَنْدُوبة، لعدم المواظَبَةِ عليها، ولا خُطْبَةَ لأَنها تبع الجماعة، بل الاستسقاءُ دعاءٌ واستغفارٌ بأَنْ يقُومَ الإِمامُ مُستقبل القِبْلَة يَدْعُو رافعاً يَدَيْه والناس قُعُود مُسْتَقْبلون يُؤَمِّنُون على دُعَائِه بما تَقَدَّم. وبما فى حديث عَمْرو ابن شُعيب عن أَبيه عن جَدِّه قال: كانَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم إِذا اسْتَسْقَى قال: اللَّهُمَّ اسْق عِبَادَك وبَهَائِمكَ وانْشُرْ رَحْمَتَكَ وأَحْى بلَدَكَ الميِّت. أَخرجه مالك وأَبو داود والبيهقى بسَنَدٍ جيد (3){155} .
(قال) البدر العينى: اعْلَمْ أَنَّ أَبا حَنِيفَة قال: ليس فى الاستسقاءِ
(1) ص 10 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستشقاء) وص 326 ج 1 مستدرك (كتاب الاستسقاء).
(2)
ص 247 ج 6 الفتح الربانى، وص 8 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء) وص 225 ج 1 مجتبى (كيف يرفع)، وص 390 ج 1 تحفة الأحوذى. و (آبى اللحم) بالمد اسم فاعل من أبى، أى امتنع، لقب بذلك لأنه كان لا يأكل مما ذبح للأصنام. و (أحجار الزيت) موضع بالمدينة، سمى بذلك لسواد أحجاره. و (والزوراء) بفتح فسكون: موضوع عند سوق المدينة.
(3)
ص 344 ج 1 زرقانى الموطإ، وص 18 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء).
صلاةٌ مسنونةٌ فى جماعة، فإِنْ صَلَّى الناس وحداناً جَازَ، إِنما الاستسقاءُ الدعاءُ والاستغفار، لقوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ". علق نزول الغَيْثِ بالاستِغْفَار لا بالصَّلآةِ. فكانَ الأَصْلُ فيه الدعاءُ والتَّضَرُّع دُونَ الصَّلاة، ويَشْهَدُ لذلك أَحَادِيث (وذكَر الأَحاديث السابقة وآثاراً أُخرُى) ثم قال: فهذه الأَحاديث والآثار كلها تشهد لأَبى حنيفةَ أَنَّ الاستسقاءَ استغفارٌ ودعاءٌ (وأُجِيبَ) عن الأَحاديث التى فيها الصَّلاة أَنه صلى الله عليه وسلم فَعَلَها مَرَّةً وتكَها أُخرى. وذا لا يَدُلُّ على السُّنية، وإِنما يَدُلُّ على الجواز (1) (وقال) الشَّيْخ الحلبى: فالحاصل أَنَّ الأَحادِيثَ لما اختلفت فى الصلاة بالجماعة وعَدَمِها على وَجْه لآ يَصْلُح به إِثبات السُّنية، لم يقل أَبو حنيفة بسُنِّيتها. ولا يلزم من عَدَم قوله بِسُنِّيتها، قوله بأَنها بدعة كما نقله عنه بعض المشنعين بالتعصب بل هو قائل بالجواز (2).
(د) الاستسقاءُ بصلاةِ ركعَتَيْن وخُطبةٍ ودعاءٍ (رَوَى) عَبَّاد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازنى أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يَسْتَسْقى فَصَلَّى بهم ركعَتَيْن جَهَرَ بالقراءَةِ فيهما، وحَوَّلَ رِدَاءَهُ ورَفَعَ يَدَيْه فَدَعَا واسْتَسْقَى واستقبل الْقِبْلَة. أَخرجه أَحمد والبخارى والثلاثة (3){156} .
(وقال) أَبو هُريرة: خرجَ نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَسْتَسْقى وصَلَّى بِنَا ركعَتَيْن بلآ أَذَانٍ ولا إِقامة، ثم خَطَبَنَا ودَعَا الله وحَوَّلَ
(1) ص 35 و 36 ج 7 عمدة القارى (وقت الاستسقاء).
(2)
ص 429 غنية المتملى (صلاة الاستسقاء).
(3)
ص 234 ج 6 الفتح الربانى، وص 350 ج 2 فتح البارى (الجهر بالقراءة فى الاستسقاء) وص 2 ج 7 المنهل العذب، وص 388 ج 1 تحفة الأحوذى، وص 224 ج 1 مجتبى (تحويل الإمام ظهره عند الدعاء فى الاستسقاء)، وص 347 ج 3 سنن البيهقى (الدليل على أن السنة فى صلاة الاستسقاء كالسنة فى صلاة العيدين).
وَجْهَهُ نحو القِبْلة رافِعاً يَدَيْه، ثم قَلَبَ رِدَاءَهُ فجعل الأَيمن على الأَيْسَر والأَيْسَر على الأَيمن. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والبيهقى بسَنَدٍ رجاله ثِقَات (1){157} . وقد تَفَرَّدَ به النعْمَان بن راشد. والأَحاديث هنا كَثِيرة وهى تَدُلُّ على أَنه يُسَنُّ للإِمام أَو نائبه إِذا أَجْدَبَت الأَرض واحتَبَسَ المطر أَوْ قَلَّ مَاءُ النَّهْر، أَنْ يُصَلِّى بالناس ركْعَتَيْن كصلاةِ الْعِيد بلا أَذانٍ ولا إِقامة، يَجْهَرُ فيهما بالقراءَةِ ثم يَخْطُب ويُكْثر مِنَ الدُّعاءِ والاستغفار والتَّضَرُّع إِلى الله تعالى، مُستقبلاً القِبلة رافِعاً يَدَيْهَ مُحَوِّلاً ملابسَهُ ظَهْراً لِبَطْن عند الدعاءِ (وبهذا) قال مالك والشافعىّ وأَحمد وأَبو يُوسُف ومُحمد وجُمهور السَّلَف والخلف (أَمَّا الصلاة) فقد اتفقوا على أَنَّهَا ركْعَتَانِ وعلى الْجَهْر كما فى الكُسُوف (واختلفوا) فى صِفَتِها، فروى أَنه يُكَبَّر فيها ويُقْرَاُ كتَكْبير الْعِيد وقراءَتِه " لقول " ابن عباس: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاءِ مُتَوَاضِعاً مُتَضَرِّعاً حتى أَتى المصَلَّى فرقى المنْبَر فلم يَخْطُب خُطْبتكُم هذه ولكن لم يَزَلْ فى الدعاءِ والتَّضَرُّع، والتَّكْبير ثم صَلَّى ركعتَيْن كما يُصَلِّى فى الْعِيد.
أَخرجه أَحمد والأَربعة وقال الترمذى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح (2){158} .
(وقال) طلحة بن يَحْيى: أَرْسَلَنى مروان إِلى ابن عباس أَسْأَله عن سُنَّة الاستسقاءِ، فقال: سُنَّةُ الاستسقاءِ سُنَّة الصلاةِ فى العِيدَيْن، إِلَاّ أَنَّ
(1) ص 233 ج 6 الفتح الربانى، وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الاستسقاء) وص 347 ج 3 سنن البيهقى (السنة فى الصلاة الاستسقاء كالسنة فى العيدين).
(2)
ص 235 ج 6 الفتح الربانى، وص 6 ج 7 المنهل العذب، وص 224 ج 1 مجتبى (الحال التى يستحب للإمام أن يكون عليها)، وص 390 ج 1 تحفة الأحوذى وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه (فلم يخطب فى الاستسقاء كخطبة العيد والجمعة بل خطب خطبة خاصة بطلب السقى وما يتعلق به كما تقدم.
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَلَبَ رِدَاءَهُ فجعل يمينَهُ على يَسَارِه، وجعل يَسَارَهُ على يمينِه وصَلَّى ركعتَيْن كَبَّر فى الأُولى سَبع تَكْبيراتٍ وقَرَاَ بسَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وقَرَاَ فى الثانية هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة، وكَبَّر فيها خمس تَكْبيراتٍ. أَخرجه الحاكم وقال: حديثٌ صحيحُ الإِسناد (1){159} ورد بأَنَّ فى سَنَدهِ عبد العزيز بن عبد الملك، قال الذهبى: عبد العزيز ضعيف.
(وبهذا) قال الشافعىّ وداود الظاهرى. وروى عن مُحمد بن الحسنَ. والمشْهُور عنه أَنه لا يُكَبر فيها تَكْبِير الْعِيد. وبه قال الجمهور ومنهم مالك وأَحمد وإِسحاق، لأَنه لم يُذْكَر فى الأَحاديث الصحيحة.
(وأَجَابُوا) عن قول ابن عباس فى الحديث الأَوَّل: كما يُصَلَّى الْعِيد (بأَنَّ) المراد كصلاة الْعِيد فى عَدَدِ الركعاتِ والْجَهْر بالقراءَة، وكون الصلاة قبل الْخُطْبة (وعن) حديثِ طلحة بن يَحْيى، بأَنه ضَعِيف كما علمت.
(وأَمَّا الْخُطْبة) فقد اتفق القائلونَ بِسُنِّية الجماعة فى الاستسقاءِ على أَنَّهَا سُنَّة. واختلفوا فى عَدَدِها وَوَقْتِهَا (فقال) أَبو يُسُف وأَحمد: هى خُطْبة وَاحِدَة (وقال) مالك والشافعىّ ومحمد: يخطب خُطْبَتين. ولا صريح فى المرويات يَدُلُّ عليه (وهى) بعد الصَّلاةِ عند مالك والشافعى وأَحمد والجمهور " لقول " عبد الله بن زيد المازنى: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى المصَلَّى واسْتَسْقَى وحَوّلَ رِدَاءَهُ حِينَ استقبل، وبَدَاَ بالصلاة قبل الْخُطْبة ثم استقبل القِبْلَةَ فَدَعَا. أَخرجه أَحمد (2){160} .
(1) ص 326 ج 1 مستدرك (تقليب الرداء والتكبيرات والقراءة فى صلاة الاستسقاء).
(2)
ص 233 ج 6 الفتح الربانى (صفة الاستسقاء والخطبة لها والجهر بالقراءة فيها).
" ولما " تَقَدَّمَ عن أَبى هريرة من قوله: وصَلَّى بِنَا ركعتَيْن بلا أَذَانٍ ولا إِقامة، ثم خطبنَا (1).
(وعن) أَحمد أَنه يخطب قبل الصَّلاة. وروى عن عُمر وابن الزُّبَيْر وعُمر بن عبد العزيز. وبه قال اللَّيْثُ بن سعد " لما " تقَدَّم عن عائشةَ قالت: شَكَا الناس إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطر فأَمَرَ بمنْبَرٍ فَوُضِعَ له فى المصَلَّى (الحديث) وفيه: ثم أَقْبَلَ على الناس ونَزَلَ فَصَلَّى ركعتَيْن (2).
" ولقول " عبد الله بن يزيد الخطيمى: إِنَّ ابْنَ الزُّبير خرج يَسْتَسْقى بالناس فَخَطَب ثم صَلَّى بغير أَذَانٍ ولا إِقامةٍ، وفى الناس يَوْمَئِذٍ البراءُ ابن عازب وزيد بن أَرْقَم. أَخرجه الطبرانى فى الكبير بسَنَدٍ رجاله رجال الصحيح (3){25} .
(ولا مُنَافَاةَ) بين أَحادِيث تَقْدِيم الصلاة على الْخُطْبة، وأَحادِيث تَقْدِيم الْخُطْبة على الصَّلاة، لأَنَّ الكُلّ جائِز. وقد رُوِى عنه صلى الله عليه وسلم أَنه خَطَبَ قبل الصلاة وخَطَبَ بَعْدَها، فالكُلّ سُنَّة (وأَمَّا) استقبالُ القِبْلة ورَفْع الأَيْدِى حالَ الدُّعاءِ وتحويل الملابس فهى سُنَّة عند الجمهور لما تَقَدَّم " ولقول " أَنَس: إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فأَشَارَ بظَهْرِ كَفَّيْة إِلى السَّماءِ. أَخرجه أَحمد ومسلم والبيهقى (4){161} " ولقوله " إِنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَسْقِى هكذا، ومَدَّ يَدَيْهِ
(1) تقدم تاماً رقم 157 ص 138 (الاستسقاء بالصلاة والخطبة والدعاء).
(2)
تقدم تاماً رقم 150 ص 132 (استسقاء النبى صلى الله عليه وسلم.
(3)
ص 216 ج 2 مجمع الزوائد (باب الاستسقاء).
(4)
ص 246 ج 6 الفتح الربانى، وص 190 ج 6 نووى مسلم (رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء) وص 357 ج 3 سنن البيهقى (رفع الناس أيديهم فى الاستسقاء).
وجعل بُطُونهما مَّمِا يَلِى الأَرْض حتى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبطَيْه. أَخرجه أَبو داود والبيهقى (1){162} .
(وفى هذه) الأَحادِيث دَلِيلٌ على أَنَّ السُّنة فى كُلِّ دعاءٍ لرفع بلاءٍ كالقَحْطِ ونحوه أَنْ يرفع يَدَيْهِ جاعِلاً ظهر كَفَّيْه إِلى السَّماءِ.
(وحكمته) الإِشارة إِلى تَحَوُّل الحال من الشِّدَّةِ والقَحْطِ إِلى الرَّخاءِ " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: سَلُوا اللهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُم، ولا تَسْأَلُوه بظُهُررِها، فإِذا فَرَغْتُم فامْسَحُوا بها وجُوهَكُم. أَخرجه أَبو داود. وقال: روى هذا من غير طريق عن ابن عباس يرفعه. وكلها وَاهِية. وهذا الطريق أَمثلها وهو ضعيف (2){163} أَى لأَنَّ فيه أَبا المقدام هشام بن زياد. ضعفه غير واحد من الحفَّاظ (3).
واختلفوا فى كيفيةِ تحويل الرداءِ (فقال) أَبو يُوسُف ومُحمد: يُحَوَّل الإِمام دون القَوْم. بأَن يجعل طرف ردائه الأَيمن على عاتقه الأَيْسَر وبالعَكْس إِنْ كانَ الرِّداء مُدَوَّراً، وإِنْ كان مُرَبَّعاً جَعَلَ أَعْلآه أَسْفَل وبالعكس " لقول" محمد بن مُسْلم الزُّهرى: أَخْبَرَنى عَبَّاد بن تميم
(1) ص 12 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء) وص 357 ج 3 سنن البيهقى وقد ثبت بالأحاديث الكثيرة الشهيرة أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه عند الدعاء فى غير الاستسقاء كما تقدم فى بحث " رفع اليدين حال الدعاء " ص 350 ج 2 دين طبعة ثانية (ولا يقال) كيف يرى بياض إبطيه وهو لابس ثيابه (لاحتمال) ألا يكون لابساً ثوبه حينئذ، بل كان مرتدياً، من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. فإن آباط غيره مفمور بالشعر، متغيرة اللون.
(2)
تقدم رقم 518 ص 350 ج 2 دين (رفع اليدين حال الدعاء) وهذا عجز الحديث وصدره عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تستروا الجدر. من نظر فى كتاب أخيه بغير إّنه فإنما ينظر فى النار. وسلوا الله
…
إلخ.
(3)
فالحديث ضعيف. وتصحيح السيوطى له غير مسلم. ولكن له شواهد تقوية منها ما تقدم فى بحث " رفع اليدين حال الدعاء " صفحة 351 ج 2 دين طبعة ثانية.
المازنىّ أَنه سَمِعَ عمه (عبد الله بن زيد) يقول: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً يَسْتَسْقى، فَحَوَّل إِلى الناس ظَهْرَهُ يَدْعُو الله عز وجل، واستقبل القِبْلَةَ وحَوَّل رِدَاءَهُ فجعل عِطافه الأَيمن على عاتقِه الأَيْسَر وجعل عِطافه الأَيْسَر على عاتقِه الأَيمن ثم دَعَا الله عز وجل. أَخرجه أَبو داود والبيهقى (1){164} .
(وروى) سفيان الثورى عن أَبى بكْر بن مُحمد بن عَمْرو بن حزم أَنه سمع عَبَّاد بن تميم عن عمه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلى المصَلَّى واستقبل القِبْلةَ وقَلَبَ رِدَاءَهُ وصَلَّى ركعتَيْن. قال سفيان: قَلْبُ الرِّدَاءِ: جَعْل اليمين الشَّمال والشَّمال اليمين. أَخرجه أَحمد (2){165} .
(وقال) مالك وأَحمد: يُحَوِّل الإِمام والْقَوْم الملابس بجَعْل ما على العاتِق اليمين على اليَسَار وبالْعِكْس. وبه قَلَت الشافعية: إِذا كانَ الرِّداءُ مُدَوَّراً، فإِنْ كان مُرَبَّعاً فَعَل به ذلك، وجعل أَعْلآهُ أَسْفَله وأَسْفَله أَعْلآه " لقول " عبد الله بن زيد: رأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين اسْتَسْقَى لنا، أَطَالَ الدُّعاءَ وأَكْثَر المسأَلة. ثم تَحَوَّلَ إِلى القِبْلَة وحَوَّل رِدَاءَهُ فَقَلَبَهُ ظَهْراً لِبَطْن وتَحَوَّلَ النَّاس معه. أَخرجه أَحمد هكذا (3){166} واسْتَشْهَدَ به الحافظ ابن حجر، لكن ذكره بلفظ: وحَوَّل النَّاس معه. وأَخرجه السِّتة مُقتصرين عل قوله: وحَوَّل رِدَاءَهُ. وهو الحديث الآتى.
هذا. والتَّحْوِيل يكون عند استقبال القِبْلَة للدُّعاءِ " لحديث " عَبَّاد ابن تميم أَنَّ عبد الله بن زيد أَخبره أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
(1) ص 4 ج 7 المنهل العذب (صلاة الاستسقاء) وص 350 ج 3 سنن البيهقى (كيفية تحويل الرداء)، و (العطاف) بكسر العين فى الأصل: الرداء، سمى بذلك لوقوعه على عطفى الرجل بكسر العين المهملة، أى ناحيتى عنقه.
(2)
ص 243 ج؟ الفتح الربانى، وص 244 منه (تحويل الإمام والناس أرديتهم فى الدعاء).
(3)
ص 243 ج؟ الفتح الربانى، وص 244 منه (تحويل الإمام والناس أرديتهم فى الدعاء).
إِلى المصَلَّى ليَسْتَسْقى، وأَنه لما أَرَادَ أَنْ يَدْعُو استقبل القِبْلَةَ ثم حَوَّل رِدَاءَهُ أَخرجه الشيخان وأَبو داود (1) {167}. وفى رواية: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى المصَلَّى فاسْتَسْقَى وحَوَّلَ رِدَاءَه حين اسْتَقْبَلَ القِبْلَة.
(وحِكْمة) التَّحْويل التَّفَاؤل بأَنَّ الله تعالى يُحَوِّلُ الحالَ من الجدبِ والقَحْطِ إِلى الرخاءِ والْخِصْب " فقد " رَوَى جعفر بن مُحمد عن أَبيه قال: اسْتَسْقَى رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحَوَّل رِدَاءَهُ ليتَحَوَّل القَحْطُ. أَخرجه الدارقطنى مرسلاً، والحاكم عن جابر بن عبد الله وقال هذا حديثٌ صحيحٌ الإِسناد (2){168} .
(قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: ويُسْتَحَبُّ تحويل الرِّدَاءِ للإِمام والمأْموم فى قول أَكثر أَهل الْعِلم (وقال) أَبو حنيفة، لا يُسَنَّ لأَنَّهُ دعاءٌ، فلا يُسْتَحَبُّ تحويل الرِّدَاءِ فيه كسائر الأَدْعِية. وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَحَقَّ أَنْ تُتَّبَع (وحكى) عن سعيد بن المسيب وعروة والثورى أَنَّ تحويل الرِّدَاءِ مختصٌّ بالإِمام دون المأْموم. وهو قول الليث وأَبى يوسف ومُحمد بن الحسن، لأَنَّهُ نقِلَ عن النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون أَصحابه (ولنا) أَنَّ ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم يَثْبُت فى حَقِّ غيره ما لم يَقُمْ على اخْتِصَاصِه به دَلِيلٌ. كيف وقد عُقِلَ المعْنَى فى ذلك وهو التفاؤل بقَلْبِ الرِّدَاءِ ليقلب الله ما بِهم من الجدْبِ إِلى الخِصْبِ، وقد جاءَ ذلك فى بعض الحديث (3).
(1) ص 351 ج 2 فتح البارى (استقبال القبلة فى الاستسقاء)، وص 189 ج 6 نووى مسلم (رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء)، وص 8 ج 7 المنهل العذب (فى أى وقت يحول رداءه إذا استسقى).
(2)
ص 189 سنن الدارقطنى (الاستسقاء) وص 326 ج 1 مستدرك (الاستسقاء).
(3)
289 ج 2 مغنى (تحويل الرداء) و (بعض الحديث) هو حديث جابر رقم 168 (حكمة تحويل الرداء فى الاستسقاء).
4 -
تكرير الاستسقاء:
إِذا خَرَجَ القوم للاستسقاءِ فسُقُوا فَبِهَا، وإِلَاّ عادُوا فى اليوم الثانى والثالث عند الأَئِمة الأَربعة والجمهور (وقال) إِسحاق: لا يَخْرُجُونَ إِلَاّ مَرَّةً واحدةً، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَخْرُجْ إِلَاّ مَرَّةً واحدةً. ولكن يجتمعون فى المساجد ويذكُرُونَ الله تعالى ويَدْعُونَ ويستغفرون بعد الصلاة ويَدْعُو الإِمام يوم الجمعة على المنبر ويُؤَمِّن النَّاسُ.
(وأَجاب) الجمهور بأَنَّ الخروج أَبلغ فى الدعاءِ فى الدعاءِ والتَّضَرُّع.
(والنبى) صلى الله عليه وسلم لم يخرج ثانياً لا ستغنائِه عن الخروج بإِجابتِه أَوَّل مَرَّة. وإِنْ تَأَهَّبُوا للخروج فسُقُوا قبل خروجهم لم يَخْرُجُوا وشَكَرُوا الله على نِعَمِه، وسأَلُوه المزيد من فَضْلهِ. وإِنْ خرجوا فسُقُوا قبل أَن يُصَلُّوا صَلُّوا شُكْراً لله وحمدوا وَدَعُوا. أَفاده ابن قدامة.
5 -
الاستسقاء بالأحياء الصالحين:
يُسْتَحَبّ الاستسقاءَ بأَهْل الصَّلاح والتقوى " روى " أَنَس أَنَّ عُمَر ابن الخطاب كان إِذا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِليك بنبينا فتسْقِينا، وإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِليك بعَمِّ نَبِيِّكَ فاسْقِنَا، فَيُسْقَوْن. أَخرجه البخارى (1){26} .
(وروى) أَنَّ معاوية خرج يَسْتَسْقِى، فَلضمَّا جَلَسَ على المنبر قال: أَيْنَ يَزِيد بن الأَسْوَد الجرشى؟ فقَامَ يَزِيدُ، فدعاهُ مُعاوية فأَجْلَسَهُ عند رِجْلَيْهِ ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِليك بخَيْرِنا وأَفْضَلِنَا، يزيد بن الأَسْوَد. يا يَزِيد ارْفَعْ يَدَيْكَ، فرفَعَ يَدَيْهِ ودَعَا الله تعالى، فَثَارَتْ فى
(1) ص 339 ج 2 فتح البارى (سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) وقحطوا بضم فكسر، أى أصابهم القحط.
الغرب سَحَابةٌ مثل الترس وهَبّ لها رِيحٌ فَسُقُوا حتى كادُوا لا يبلغوا منازلهم. واسْتَسْقَى به الضَّحَّاك مرة أُخرى. ذكَرَهُ ابن قدامة (1){27} .
6 -
هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى الاستسقاء:
قال العلامة ابن القيم: ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى على وُجُوه:
(أَحَدُها) يَوْمَ الجُمْعة على المنْبَر فى اَثْنَاءِ خُطْبَتِه وقال: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا.
(الثانى) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلى المصَلَّى وصَلَّى بالناس ركعَتَيْن وخَطَبَ.
(الثالث) أَنَّهُ اسْتَسْقَى على مِنْبَرِ المدينةِ اسْتِسْقَاءً مجرَّداً فى غَيْرِ يَوْم الجمعة. ولم يحْفَظْ عنه صلى الله عليه وسلم فى هذا الاسْتِسْقَاءِ صلاة.
…
(الرابع) أنَّهُ اسْتسْقَى وهو جَالِسٌ في المسجد فَرَفَعَ يَدَيْهِ ودَعَا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذٍ: اللهمَّ اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائِثٍ، نافعاً غير ضارّ.
(الخامس) أنه استسقَى عِنْدَ أحجار الزَّيت قريباً من الزَّوراءِ، وهي خارج باب السلام نَحْوَ قَذْفة حَجَر ينعطفُ عن يمين الخارج من المسجد.
(السادس) أنَّهُ اسْتسقَى في بعض غَزَواتِه لما سبقه المشركُون إلى الماءِ فأصَابَ المسلمين العطَشَ، فشَكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضُ المنافقين: لو كَانَ نبَّياً لاسْتسقَى لقومِهِ كما استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فبلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَوَقَدْ قالُوها؟ عَسَى
(1) ص 295 ج 2 مغنى (يستحب أن يستسقى بمن ظهر صلاحه) والترس بضم فسكون وجمعه تروس.
ربكم أن يسقيكُم، ثم بَسَطَ يديهِ ودعَا، فما ردّ يديْه من دعائِه حتى أظلتهم السحاب وأمطروا فأفْعَم السيْل الوادي فشرب الناس فارتووا (وحفظ) من دعَائِه في الاستسقاء: اللهمَّ اسْق عِبَادَك وبهائمك، وانشرْ رحمتك وأحْي بَلَدَك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً نافعاً غير ضارّ، عاجلاً غير آجل، وأغيثَ صلى الله عليه وسلم في كلِّ مرةٍ استسقى فيها (1).
"وقال" أبو لبابة بن عبد المنذر: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو لبابة: إن التمر في المرابِد يا رسولَ الله. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقِنَا حتى يقوم أبو لبابة عُرياناً فيسدُّ ثعلب مِرْبَدِه بإزارِه. وما نرَى في السماء سحاباً، فأمطرتْ، فاجتمعُوا إلى أبي لبابة فقالوا: إنها لن تقلع حتى تقوم عرياناً فتسد ثعلب مربدك بإزارك، ففعَلَ، فأصحت. أخرجه الطبراني في الصغير. وفيه من لا يعرف (2){169} .
وقد تقدَّم تفصيل ذلك وما وَرَدَ فيه في بحث "أنواع الاستسقاءِ".
7 -
ما يطلب لرؤية المطر والريح:
يستحب الدعاء عندئذٍ "لقول" عائشةَ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رَأَى المطَرَ قال: اللهمَّ صبياً نافعاً. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي (3){170} "ولقولها" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاةٍ خفَّفَ، ثم
(1) ص 126 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء).
(2)
ص 215 ج 2 مجمع الزوائد (الاستسقاء) و (المربد) كمنبر: موضع تجفيف التمر ونحو. وثعلبه: ثقبه الذي يسيل منه ماء المطر.
(3)
ص 254 ج 6 الفتح الرباني، وص 353 ج 2 فتح الباري (ما يقال إذا مطرت).
يقول: اللهم إني أعُوذُ بِكَ من شرِّها، فإن مَطر قال: صَيِّباً هنيئاً. أخرجه أبو داود (1){171} "ولقول" المطلب بن حنطب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند المطرَ: اللهم سُقْياً رحمةٍ ولا سُقْيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ. اللهمَّ على الظِّرَابِ ومنابِتِ الشَّجَر. اللهم حواليْنَا ولا علينا. أخرجه البيهقي (2){172} .
"ولقول" أبي هريرة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلُوا الله خيرها واستعيذوا باللهِ من شَرِّها. أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (3){173} .
"ولحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الرياح فإنها من روح الله تعالى تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها. أخرجه أحمد وابن ماجه (4).
(ويُسْتَحَبُّ) أن يقف الانسان في أول المطَرَ ويكشفَ بعض بَدَنِه ليصيبه المطرَ تبرُّكاً. قال أنس: مُطِرنَا على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فحسرَ ثوبهُ عنه حتى أصابهُ المطر. قلنَا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهدٍ بربه. أخرجه أحمد ومُسلم
(1) ص 26 ج 2 تيسير الوصول (دعاء الرعد والريح والسحاب). (والناشيء): السحاب، يقال: نشأت السحابة ارتفعت. و (مطر) من باب طلب. و (الصيب) المدرار.
(2)
ص 256 ج 3 سنن البيهقي (الدعاء في الاستسقاء). و (الظراب) الحجارة الثابتة.
(3)
رقم 4549 ص 60 ج 4 فيض القدير. ونسبه أيضاً الى النسائي في اليوم والليلة.
(4)
رقم 9787 ص 399 ج 4 فيض القدير، وص 211 ج 2 سنن ابن ماجه (النهي عن سب الريح).
والبيهقي (1){175} . ومعناه أن المطر رحمة وهو قريب العهد بخلق الله تعالى فيتبرك به.
(خاتمة) يجبُ على كل مكلف أن يعتقد أن المطر من عند الله ومن خلقه لا يقدر على حبسه وإنزاله إلا الله تعالى، ولا تأثير للكواكب في شيء من ذلك، قال تعالى:"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلَ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَته وَهُوَ الْوَلِيُّ الحَمِيد"(2).
(أما) من اعتقد أن للنجوم تأثيراً في ذلك فهو مشرك "قال زيد" ابن خالد الجهني: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءٍ كانت من الليلِ. فلما انصرف أقبلَ على النَّاس فقال: هل تدرون ماذا قالَ ربكُم؟ قالوا: الله ورسولهُ أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب، ومؤمن بالكوكب كافرٌ بي. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافرٌ بالكوكب. وأما من قال مطرنا بنوءٍ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكبِ. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي وكذا النسائي نحوه (3). [176]
(1) ص 253 ج 6 الفتح الرباني، وص 195 ج 6 نووي مسلم، وص 359 ج 3 سنن البيهقي (البروز للمطر).
(2)
سورة الشورى، الآية 28.
(3)
ص 252 ج 6 الفتح الرباني (اعتقاد أن المطر بيد الله .... )، وص 355 ج 2 فتح الباري، وص 357 ج 3 سنن البيهقي (كراهية الاستمطار بالانواء)، وص 227 ج 1 مجتبي. و (الحديبية) بالتصغير وتخفيف الياء الاخيرة وتشدد؛ : قرية صغيرة على مرحلة من مكة وعلى تسع مراحل من المدينة، سميت باسم بئر هناك (وهي) من الحرم. وقال ابن القصار: بعضها في الحرم وبعضها في الحل (وفيها) صدت قريش النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه عن مكة، وصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما طلبوا، وبايع أصحابه بيعه الرضوان، وذلك أنه في أول ذي القعدة سنة ست من الهجرة (في إبريل سنة 628 م) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في 1400 أربعمائة وألف، وساق معه الهدى سبعين بدنة، وأحرم من المدينة .. ولما كان بثنية المرار (طريق مشرف على الحديبية) بركت ناقته، فزجروها فلم تقم، فقالوا: = =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلأت القصوى (أي أعيت حتى ألقت خلاءها، أي عنقها) فقال عليه الصلاة والسلام: ما خلأت وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة (خصلة) يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم اليها، ثم زجرها فوثبت، فعدل حي نزل بأقصى الحديبية على ثمد (بفتحتين وبفتح فسكون، أي بئر) قليل الماء فنزح، وشكا الناس العطش، فانتزع صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته فوضعوه فيه، فما زال يجيش (يفور) لهم بالري حتى صدروا عنه. فجاء بديل بن ورقاء الخزاعي، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن القوم قد خرجوا لقتالك وصدك عن البيت. فقال صلى الله عليه وسلم: إنما جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد أضرت بهم الحرب، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا ما بيني وبين الناس، فإن أظهر اطاعوني إن شاءوا، وإلا فقد جموا (بشد الميم، أي استراحوا وكثروا) وإن أبوا فلأقاتلنهم حتى تفرد سالقي (صفحة عنقي) ولينفذن الله أمره. فقال بديل: سأبلغهم ما قلت. فلما بلغهم أرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي، فأتاه فكلمه. فقال له مثل قوله لبديل. فقال عروة: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أن أحداً اجتاح أهله؟ وإن تكن الاخرى فإني لأرى وباشاً (أي أخلاطاً) من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال ابو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات، انحن نفر وندعه؟ ثم رجع عروة وقد رأى آداب الصحابة مع النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام، إذا أمر ابتدروا أمره، واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، واذا تكلم خفضوا أصواتهم ولا يحدون النظر اليه تعظيماً له. فقال: لقد وفدت (من باب وعد) على قيصر وكسرى والنجاشي، فوالله ما رأيت ملكاً في قومه مثل محمد في أصحابه، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
(ثم) بعث صلى لله عليه وسلم عثمان بن عفان الى قريش يخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم ما جاء الا معتمراً، فدخل عثمان مكة في جوار أبان بن سعيد، فبلغ ما أرسل به، فقالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: لا اطوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوع. فحبسوه وأشيع أنه قتل .... فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الى البيعة، فبايعوه تحت الشجرة على الموت. وضرب صلى الله عليه وسلم إحدى يديه على الاخرى وقال: هذه لعثمان، فخافت أمرهم قريش، فأرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو طالباً الصلح على شروط هي: -
(أ) أن ينصرف عامه هذا ويأتي من قابل معتمراً ويدخل كة والسيوف في القراب فيقيم ثلاثاً.
(ب) مد الصلح ووضع الحرب بين الفريقين عشرة أعوام.
(جـ) من جاء من قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده الى قومه، ومن جاء قريشاً من المسلمين لا يردونه.
(د) من أراد من غير قريش الدخول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل، ومن أراد الدخول في عهد قريش دخل.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه فأملاه كتاب الصلح، فكتب نسختين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (وفي) أثناء الكتابة أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده. فرده صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى ابيه وقال له: اصبر واحتسب فإن الله جاعلاً لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً (فقال) أبو جندل: يا معشر المسلمين، أرد وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما لقيت! (فقال) عمر: يا رسول الله، ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه. قال: أو ليس كنت تحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك أنا ناتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به (وسأل) عمر أبا بكر أيضاً، فأجبه بمثل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم.
(ولما) ختم كتاب الصلح وشهد عليه رجال من الفريقين، قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأصحابه، قوموا فانحروا ثم احلقوا. فما قام منهم احد حتى قال ذلك ثلاثاً. فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس وقال: أمرتهم فلم يأتمروا. فقالت له: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنحر ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وحلقوا لبعضهم حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً من التزاحم، ثم جاءت نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل:"يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن (أي فاختبروهن بما يغلب على ظنكم به صدق إيمانهن، بأن يحلفن أنهن ما خرجن من بلاد الكفر الا رغبة في الاسلام، لا يغضاً لازواجهن الكفار، ولا عشقا لرجال مسلمين) الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار" حتى بلغ ولا "تمسكوا بعصم (جمع عصمة) الكوافر"(أي بما يعتصم به الكافرات من عقد سابق، والمراد نهي المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات). ولذا طلق عمر رضي الله عنه امراتين كانتا تحته مشركتين، تزوج احداهما معاوية بن ابي سفيان، والاخرى صفوان بن امية.
(خفي) سر هذا الصلح على المسلمين وكبر عليهم، وتكلم فيه بعضهم. واهتدى صلى الله عليه وسلم لهذا الصلح. وعلم من ربه أنه سبب لأمن الناس وظهور الاسلام وأن فيه الفرج القريب.
(عظم) عليهم صد المسلمين عن الطواف بالبيت مع أنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه رأى أنهم دخلوا البيت آمنين (وأعجب) منه رد من جاءنا مسلماً ولا يردون من ذهب اليهم مرتداً.
(خفي) عليهم سر ذلك ولم يدركوا أن رد المسلم سبب لانتشار الدين بين العرب، لأن قلبه مطمئن بالايمان.
(ثم) رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومعه عثمان فجاءه ابو بصير الثقفي او القرشي، مسلماً فأرسلوا في طلبه رجلين فدفعه اليهما. ولما بلغا ذا الحليفة عدا على احدهما فقتله، وفر الاخر الى المدينة. ثم جاء ابو بصير فقال: يا رسول الله، قد أوفى الله ذمتك، رددتني ثم أنجاني الله. فقال له: اذهب ولا تقم بالمدينة. فذهب الى ساحل البحر الاحمر فلحق به أبو جندل واجتمع معهما جمع ممن فر من مكة مسلماً. وقطعوا الطريق على تجارة قريش =