الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الحارث بن عمرو من قوله صلى الله عليه وسلم فى حجَّة الوداع: مَنْ شاءَ عَتَر ومَنْ شَاءَ فَرّع ومَنْ شَاءَ لم يُفَرِّع (1)
(فهذا) كان فى حَجَّة الوداع. وقد كانت بعد إِسلام أَبى هريرة. وهو صريح فى الإِباحة (قال) النووى: الصَّحِيح عند أَصحابنا استحباب الفرع والعتيرة. وأَجابوا عن حديث: لا فرع ولا عتيرة، بثلاثة أَوْجُه:(أَحدها) أَن المراد نفى الوجوب. (والثانى) أَن المراد نفى ما كانوا يذبحونه لأَصنامهم، (والثالث) أَنَّ المراد أَنهما ليستا كالأُضحية فى الاستحباب أَو ثواب إِراقّةِ الدم. فأَمَّا تفرقة اللَّحم على المساكين فَبِرٌّ وصدقَةٌ، وق نَصّ الشفعى أَنَّها إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلّ شَهْر كان حَسَناً (2).
(الثالث) المواسم
هى جمع موسم، من الوسم، بمعنى العلاقة والمجتمع. والمواسم شرعية ومنسوبة إِلى الشرع منه، وأَجنبية.
(ا) فالمواسم الشرعية هى الجمعة والعيدان، وتَقَدَّمَ الكلام فيها، وعاشوراءَ، ورمضان، ويوم عرفة والثمانية الأَيام قبله. والكلام عليها فى الصَّيام.
(ب) والمواسم المنسوبة إِلى الشرع وليست منه أَربعة:
1 - مولد النبى صلى الله عليه وسلم
وُلِدَ صلى الله عليه وسلم عام الْفِيل (3)
صبِيحة يوم الاثنين الثانى عشر من
(1) تقدم رقم 72 ص 59 (الفرع والعتيرة).
(2)
ص 137 ج 13 شرح مسلم (الفرع والعتيرة).
(3)
كانت قصة الفيل فى المحرم سنة 882 اثنتين وثمانين وثمانمائة من عهد ذى القرنين فى زمن كسرى أنو شروان، بفتح الهمزة وكسر الشين وسكون الراء (وحاصلها) أن أبرهة أمير اليمن من قبل النجاشى بنى كنيسة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء ليحج إليها العرب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دون الكعبة، فسمع بذلك مالك بن كنانة فخرج ليلا ودخلها فقعد فيها ولطخ بالعذرة قبلتها، فبلغ ذلك أبرهة، وقيل له: إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيتهم، فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة وليهدمنها حجراً حجراً، وسار فى جيش عرمرم، واستصحب معه فيلا عظيما يقال له محمود، ومعه اثنا عشر فيلا غيره، فلما سمعت العرب بمسيرة أعظمووا ذلك ورأوا جهاده حقاً عليهم، فخرج إليه ملك من ملوك اليمن يقال له: ذو نفر، بمن أطاعهمنالعرب وقاتلوا أبرهة، فهزمهم وأسر ذا نفر فأخذه معه، ثم سار حتى إذا كان بأرض خثعم، خرج إليهم نفيل بن حبيب الخثعمى فى قومه فقاتوه، فهزمهم أبرهة وأسر نفيلا واستصحبه معه. ولما مر بالظائف خرج إليه أهلها وصانعوه فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا. فلما وصل الغمس " كمحمد ومحدث " موضوع قرب مكة مات أبو رغال، وبعث أبرهة جيشه فأغار على إبل أهل مكة، وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب. وبعث أبرهة حناطة الحميرى إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبرهم أنه لم يجئ لقتالهم إلا إن صدوه عن البيت، فجاء حناطة إلى عبد المطلب بن هاشم وأخبره بما قال أبرهة. فقال عبد المطلب: والله ما نريد حربه ومالنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بيته وبيته فما عندنا دافع عنه. فقال له حناطة: توجه معى إلى أبرهة. فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله ونزل عن سريره وجلس معه وقال لترجمانه: سله عن حاجته. فقال: حاجتى أن يرد إلى الملك إبلى .. فقال أبرهة: تكلمنى فى مائتى بعير لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك - قد جئت لهدمه - لا تكلمنى فيه. فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منى. قال: أنت وذاك. فرد أبرهة: تكلمنى فى مائتى بعير لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك - قد جئت لهدمه - لا تكلمنى فيه. فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منى. قال: أنت وذاك. فرد أبرهة لعبد المطلب إبلة، فرجع إلى قريش وأمرهم بالخروج من مكة والتحصن فر رءوس الجبال، ثم أخذ عبد المطلب بحلقه باب الكعبة فقال:
لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
انصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك
قصدوا حماك بكيدهم جهلوا وما رقبوا جلالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك
ثم خرجوا إلى رءوس الجبال، وتهيأ أبرهة لدخول مكة. فلما وجهوا الفيل نحوها برك، وضربوه ليقوم فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول. ووجهوه إلى الغرب ففعل مثل ذلك. ووجهوه إلى الشرق ففعل مثل ذلك. ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل، أى جماعات بعضها إثر بعض، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار من سجيل (أى طين محرق) حجر فى منقاره، وحجران فى رجليه لا يصيب الحجر أحداً منهم إلاهلك، وحرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق، ونفيل على رأس الجبل مع قريش ينظرون ما أنزل الله بأصحاب الفيل، وجعل نفيل يقول:
أين المفر والإله الطالب
…
والأشرم المغلوب ليس الغالب =
ربيع الأَوَّل على المشهور (20 أُغسطس سنة 570 ميلادية) فى دار عقيل ابن أَبى طالب التى صارت بعد لمحمد بن يوسف الثقفى.
(قال) أَبو جعفر الباقر: كان قُدُوم الفيل للنِّصْف من المحرَّم، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة. ذكَره ابن كَثير (1).
(وعن) أَبى قتادة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صَوْم يوم الاثنين فقال: " فِيهِ وُلِدْتُ وفِيهِ أُنْزِلَ علىّ " أَخرجه مسلم (2){76} .
= وأصيب أبرهة فى جسده بداء تساقطت به أنامله أنملة بعد أنملة، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزير أبرهة أبو يكسوم وطائره فوق رأسه حتى وقف بين يدى النجاشى وأخبره الخر، فسقط عليه الحجر فمات بين يديه. وقد فشا فى جيش أبرهة داء الجدرى والحصبة، وهو أول ظهورهما فى بلاد العرب. فعل فيهم ذلك الوباء فعلا شنيعاً، فكان لحمهم يتناثر ويتساقط قطعة قطعة.
(قال) الأستاذ الشيخ محمد عبده فى تفسير جزء عم: وقد بينت لنا هذه السورة أن ذلك الجدرى أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطير. فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من المسموم اليابس الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذه الحيوانات. فإذا اتصل بجسد دخل فى مسامه فأثار فيه تلك القروح التى تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وهذه الطيور الضعيفة تعد من أعظم جنود الهه فى إهلاك من يريد إهلاكه.
وفى كل شئ له آية
…
تدل على أنه الواحد
(فهذا) الطاغية الذى أراد أن يهدم البيت أرسل الله عليه طيراً أهلكته وقومه، وهى نعمة من لله غمر بها أهل حرمه حفظاً لبيته حتى يرسل من يحميه بقوة دينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اهـ. ملخصاً
(1)
ص 262 ج 2 البداية والنهاية (مولده صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمى: كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة بقيت من المحرم، وولد رسول الله نيسان (أغسطس) وبعث نبينا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل. فيها من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التى هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوماً. وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل. ذكره ابن سيد الناس فى عيون الأثر.
(2)
ص 52 ج 8 نووى مسلم (صيام ثلاثة أيام من كل شهر).
(وقال) جابر وابن عباس: وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الْفِيل، يوم الاثنين، الثانى عَشَر من شهر ربيع الأَول، وفيه بُعِثَ، وفيه عُرِج به إِلى السَّماءِ وفيه هاجرَ، وفيه ماتَ. أّخرجه ابن أَبى شيبة (1){15} .
(وُلِدَ) صلى الله عليه وسلم مُسْتقبل القِبْلَة وَاضِعاً يَدَءُ على الأَرْض، رافِعاً رأْسَهُ إِلى السَّماءِ، ليس عليه شَئ من أَقذار الولادَة.
(تولَّتْ) ولادتَهُ الشِّفا (2) أُمّ عبد الرحمن بن عَوْف، وقالت: لأَمَّا سَقَطَ صلى الله عليه وسلم على يَدَىّ واستهل، سمعتُ قائلاً يقول: رَحِمَك الله. وأَضَاءَ لى ما بين المشْرِق والمغْرِب حتى نَظَرْتُ إِلى قُصُور الرُّوم. ذكره القاضى عِياض.
(وعن) عُثمان بن أَبى العاص عن أُمِّه فاطمةَ بنت عبد الله أَنَّهَا شَهِدَتْ ولادةَ النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلاً، قالت: فما شَئ أَنْظُرُ إِليه من البيت إِلَاّ نوّر، وإِنِّى لأَنْظُرُ إِلى النجوم تَدْنُو حتى إِنِّى لأَقُول لتقَعَنّ علىَّ. أَخرجه ابن السَّكَن وابن سيد الناس (3){16} .
(وقد) وَقَعَ لمولِدِه صلى الله عليه وسلم من الآياتِ الباهِرَة، والعلامات السَّاطِعة، ما فيه عِبْرَةً لمن اعتبر، وعِظَةً لمن اتَّعَظَ.
(من ذلك) ما ذكَرَهُ مخزوم بن هانئٍ عن أَبيه قال: لَمَّا كانت الليلةُ التى وُلِدَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَجَسَ إِيوانُ كِسْرَى، وسقَطَتْ منه أَرْبَعَ عشرة شُرْفة وخمدَتْ نارُ فارِس، ولم تُخْمُدْ قبل ذلك بأَلْفِ عامٍ، وغاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَة، ورَأَى الموبَذَانُ إِبِلاً صِعَاباً تَقُودُ خَيْلاً عِرَاباً قد
(1) ص 360 ج 2 البداية والنهاية (مولده صلى الله عليه وسلم.
(2)
الشفا بكسر المعجمة بعدها فاء فألف مقصورة، وضبطه بعضهم بفتح المعجمة وشد الفاء.
(3)
ص 27 ج
…
عيون الأثر (مولده صلى الله عليه وسلم)
قطعت دَجْلَة وانتشَرَتْ فى بلادِهم. فلا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذلك. ثم بَعثَ إِلى مَرازِبَتِهِ، فَلَمَّا اجتمعوا عنده قال: أَتَدْرُونَ فِيمَ بَعَثْثُ إِليكُم؟ قالوا: ل، إِلَاّ أَن يُخبر الملك، فبَيءنَمَا هُمْ كذلك إِذْ وَرَدَ عليهم كِتَابَ خُمُودِ النِّيرَان، فازداد غَمًّا إِلى غَمِّه، ثم أَخبرهم بما رأَى وما هَالَهُ فقال الموبَذَانِ: أَىّ شَئ يكُون هذا ياموبَذَان؟ قال: حَدَثٌ يكُون فى ناحيةِ العرب. ذكره الحافظ الخرائطىّ فى كتاب هَواتِف الجان، وتمامه فى البداية والنهاية (1).
(ومن ذلك) تَنْكِيسُ الأَصْنَام فى آفاقِ الأَرض، وكَثْرَة رَمْى الشياطين - الذين يَأْتُون الكَهَنة (2) بأَخبار السَّماء - بالشُّهُب.
(1) ص 268 ج 2 البداية (ارتجاس الإيوان). و (ارتجس) اضطرب، و (الشرفة) كغرفة: أعلى القصر. وفى (سقطت منه أربع عشرة شرفة) إشارة إلى عدد من ملك الروم بعد ذلك إلى أن زال ملكهم فى خلفة عمر. و (ساوة) مدينة بين الرى وهمدان. أضيفت البحيرة إليها لقربها منها. وكانت بحيرة واسعة بعراق العجم، كانت تسير فيها السفن، فأصبحت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم يابسة كأن لم يكن بها ماء. و (الموبذان) بضم الميم وفتح الباء: فقيه الفرس وحاكم المجوس. و (الخيل العراب) بكسر العين خلاف البراذين. والبرذون التركى من الخيل. و (أفزعه ذلك) أى ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات. و (المرازبة) جمع مرزبان بفتح فسكون فضم وهو الرئيس، والمرزبة كمرحلة، رياسة الفرس.
(2)
جمع كاهن وهو من يدعى معرفة الشئ ويخبر به قبل وقوعه أو يخبر عن طالع أحد بسعد أو نحس. وقد كانت الكهنة فى العرب ثلاثة أصناف:
(الأول) من يكون له ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع، وقد منعوا من ذلك من وقت بعثه النبى صلى الله عليه وسلم.
(الثانى) من يكون له ولى من الجن يخبره بما يقع فى أقطار الأرض، وهم يصدقون فى ذلك ويكذبون. وقد ورد النهى عن تصديقهم (ففى) الحديث: من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. أخرجه أحمد والحاكم عن أبى هريرة بسند صحيح [77] أنظر رقم 8285 ص 23 ج 6 فيض القدير.
(الثالث) المنجمون، ومنهم العراف وهم الذين يدعون معرفة الأمور بأسباب ومقدمات يعرفونها، وقد كذبهم الشارع.
(ومن ذلك) ما قاله أَبو الحكم التنّوخى: كان المولود إِذّا وُلِدَ فى قُرَيْش دَفَعُوهُ إِلى نِسْوَةٍ منهم يكْفَأْنَ عليه بُرْمةً إِلى الصُّبْح. فَلَمَّا وُلِدَ رَسُلُ الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إِلى نِسْوَةً فكَفَأْنَ عليه بُرْمَة، فلَمَّا أَصْبَحْنَ وَجَدْنَ البرمة قد انْفَلَقَتْ باثْنَتَيْن، وَوَجَدْنَهُ مفتوحَ العينَيْن شاخِصاً ببصَرِه إِلى السَّماءِ، فأَتَاهُنَّ عبد المطلب، فَقُلْنَ هـ: ما رَأَيْنَا مَوْلُوداً مثله، وَجَدْنَاهُ قد انفلقَتْ عنه البرمة، ووجَدْنَاهُ مفتوحة عَيْنَاه شاخِصاً ببصَرِه إِلى السَّماءِ. فقال: احفْظْنَهُ فإِنى أَرْجُو أَن يكُونَ له شَأْنٌ أَوْ أَنْ يُصِيبَ خَيْراً. أَخرجه البيقى (1){17} .
(وفى اليوم) السَّابع من ولادَتِه صلى الله عليه وسلم، ذَبَحَ عنه جَدّه عبد المطلب، ودَعَا قُرَيْشاً، فلَمَّا أَكَلُوا، قالوا: يا عبد المطلب، أَرَأَيْتَ ابنك الذى أَكْرَمْتَنَا على وَجْهه ما سَمَّيْتَهُ؟ قال: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّداً. قالوا: فما رغِبْتَ به عن أَسماءِ أَهْل بيته؟ قال: أَردتُ أَنْ يحمده اللهُ فى السَّماءِ، وخلقُه فى الأَرْض (2)، فقد أَلْهَمَ الله جدّه فسَمَّاه مُحَمَّداً لما فيه من الصِّفَاتِ الحميدةِ والخِصَالِ الجليلة، ليتطابقَ الاسم والمسَمَّى فى الصُّورة والمعنَى، كما قال عمه أَبو طالب، ويُرْوَى لحسَّان:
وشَقَّ له من اسمه لِيُجِلَّه
…
فَذُو العرش محمودٌ وهذا مُحَمَّد
(1) ص 265 و 266 ج 2 البداية (صفة مولده صلى الله عليه وسلم.
(2)
وروى ابن إسحاق: أن آمنة أتاها حين حملت به صلى الله عليه وسلم من قال لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولى: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد. ثم سميه محمداً (وقال) أبو الربيع بن سالم: ويروى أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى فى منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف فى السماء، وطرف فى الأرض، وطرف فى المشرق، وطرف فى المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها. فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمداً. ذكره ابن سيد الناس. انظر ص 30 ج 1 عيون الأثر (تسميته صلى الله عليه سلم).
هذا. والاحتفالُ بالموالد أَمْر محدث، أَحْدَثَهُ الفاطِمِيُّون فى القرن الرابع، فابْتَدَعُوا سِتَّة موالد: المولد النبوىّ، ومولد سيدنا علىّ، ومولد السَّيدَة فاطِمة الزهراء، ومولد الحسَن والْحُسَيْن رضِىَ الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر.
(كانوا) فى تلك الموالد يأْدِبُونَ المآدِب الجامِعَة لكُلِّ الطبقات، فتُقَدَّم الموائدِ مُزَخْرَفة بالذهب والفِضَّة وأَلون الصِّباغ، عليها من الأَطعمة الفاخِرة وأَنواع الْحلْوَى اللذيذة مالا يكاد يُصَدِّقه العقل كَثْرَةً وتنوُّعاً. وكانوا يرتَكِبُونف هذه الموالد من المفاسِد والمنكَرَات ما لا يقبله عَقْل، ولا يَرْضَى به ذُو لُبّ.
(وأَول) مَنْ أَحْدَثَ المولد النبوىّ - بمدينة إِربل (1) فى القرن السابع - الملك المظفَّر أَبو سعيد، أَلف له الحافظ بن دحْيَة تَأْليفاً أَسْماهُ (التنوير. فى مَوْلد البَشِير النَّذِير) فأَجازه الملك المظفر بأَلْف دِينار، وصَارُوا يحتفلُون المولد فى ربيع الأَول بإِطعام الطَّعام وتوزيع الصَّدَقات وقراءَةِ قِصَّة المولْد.
(وهذا) الذى قال فيه الإِمام أَبو شامة فى الباعث: ومِنْ أَحْسَن ما ابْتَدَعَ فى زماننا، ما كان يُفْعَلُ بمدينة إِربل كُلّ عام فى اليوم الموافق ليوم مَوْلد النبىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّدَقات والمعرف، وإِظهار الزِّينة والسُرُور، فإِنَّ ذلك مع ما فيه من الإحْسَانِ إِلى الفقراءِ، مُسْعِرٌ بمحَبَّةِ النبىِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعظيمه وجلالَتِه فى قلب فاعِله، وشُكْر الله تعالى على ما مَنَّ به مِنْ إيجاد رَسُوله الذى أَرسله رَحْمَةً للعالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسَلِين.
(1) إربل، بكسر فسكون فكسر: قلعة حصينة ومدينة كبيرة من أعمال الموصل بينهما مسيرة يومين.
(ولكن) قَدْ تَقَدَّم فى بحث " بِدَع المساجد " أَنَّ اتخاذَ مَوْسِم غير المواسم الشرعية كلَيْلَةِ المولد مِنَ الْبِدَع التى لم يَسْتَحْسِنُها السَّلَف ولم يفعلوها، ومع ذلك فقَدْ خَلَفَ من بَعْدِهم خَلْفٌ اتبعوا الشَّهَوَات، وحَسَّن لهم اللَّعِين إِرْتِكَابَ الْبِدَع والمخالفات فصاروا يقيمُونَ للمولد النبوىّ وغيره حَفْلَا جامِعاً سنويًّا يشتملُ على كَثِيرٍ من أَنواع المفاسِد والمنكراتِ الفظِيعة، والبِدَع الذَّمِيمَة، والخرافاتِ الشائِنة، والضَّلال البعيد، ظنًّا منهم أَنَّهَا مِنَ الدَّين منها برَاءٌ.
(أَلِفَ) الناس هذه العادات القَبِيحَةَ فخافَظُوا عليها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، حتى شَقَ على نفوسهم ترْكها والتَّحَلُّل منها كأَنَّهَا منْ هَدْى الرسول الأَعظم صلى الله عليه وسلم، ولم يذكُرَوا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تجْعَلُوا بيُوتكُم قُبُوراً، ولا تجعلوا قبرى عِيداً، وصَلُّوا علىَ أَيْنَمَا كُنْتُم، فإِنَّ صلاتكُم تبلغى حيثُ كُنْتُم. أَخرجه. أَحمد وأبو داود بسند حسن عن أَبى هريرة (1){78} .
(والأحاديث) فى هذا كثيرة تقَدّم بعضُها وبيان المفاسِد والمنكراتِ التى تقع فى الاحتفال بالمولد فى المساجد وغيرها، ولذا اتفق العلماءُ على إِنكارها (2).
(والذى) يؤسَفُ له أَشَدَّ الأَسف أَنَّ الحكومة وهى حكومة إِسلامية ظاهرت أَرباب الطرق وأَذنتْ لهم فى إِقامة تلك الحفلات الشائنة التى يعمّ فيها الفساد وينتشِرُ الضَّلآل، وعاونَتْهُم على نَشْر بُهْتَانِهِم، ورضِيَتْ إِفكَهُمْ وباطِلَهُمْ، بل شاركتهم فيه بإِقامةِ سرادقاتٍ للوزارات فى ساحة
(1) تقدم رقم 404 ص 285 ج 3 دين. وانظر بحث (الاحتفال بالموالد) ص 384 منه.
(2)
تقدم رقم 404 ص 285 ج 3 دين. وانظر بحث (الاحتفال بالموالد) ص 384 منه.
العباسية حيث يكون هناك الاحتفال رَسْمِيًّا حتى عَمَّ الفسا، وسُدَّت المسالك أَمام المصْلِحِين الذين يَدْعُونَ النَّاس إِلى الرجوع إِلى هَدْى النبىّ صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابه وسلم والسَّلَف الصَّالح رضى الله عنهم، ولاُقوا الشَّئ الكَثير من عَنَت أَنهم يُحْسِنُون صُنْعاً وقد خلَطُوا عملاً صالحاً وآخر سَيِّئاً، بل كل أَعمالهم سيئة.
(والأَدْهَى) من ذلك كُلِّه سُكُوت بعض العلماءِ على تلك الأْبِدَع وعدم إِنكَارِهِم إِيَّاها وعدم مطالبة الحكومةِ بإِزالَتِهَا، غافِلينَ عن قوله صلى الله عليه وسلم: إِذا ظهرت الْبِدَع ولعن آخرُ هذه الأُمة أَوَّلَهَا، فمن كان عنده عِلْمٌ فليَنْشُرْهُ، فإِنَّ كاتِمَ العِلْم يومئِذٍ كَكَاتِم ما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم. أَخرجه ابن عساكر عن معاذ بن جبل (1) {79}. وعنه أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِذا ظَهَرت الْبِدَعُ فى أُمَّتى وشُتِم أَصحابى، فلْيُظْهِرَ العَلِمُ عِلْمَهُ، فإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله. أَخرجه الديلمى فى مسند الفردوس (2) {80} (وعن) سلمةَ بن الأَكْوَع أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِذا ظَهَرت المعاصِى فى أُمَّتى، عَمَّهُم الله تَعَالَى بعذابٍ من عنده. قِيل: أَمَا فى الناس يومئذٍ صَالِحُون؟ قال: بَلَى، يُصِيبُهُمْ ما أَصاب الناس، ثم يَصِيروُنَ إِلى مغفرةِ اللهِ ورِضْوَانِه. أَخرجه أَحمد والطبراني (3){81} .
(فمسئولية) العلماءِ كبيرة، ومسئولية رجالِ الحكومةِ أَكْبَر، إِنَّ اللهَ يَزَعُ بالسُّلْطَانِ مالا يَزَعُ بالقُرْآنِ.
(1) رقم 751 ص 401 ج 1 فيض القدير.
(2)
ص 402 منه بالشرح، وص 54 راموز الأحاديث.
(3)
ص 402 منه بالشرح، وص 54 راموز الأحاديث.
(فعلَى) السَّادة العلماءِ أَن يُبَيِّنُوا الحقَّ واضحاً جَلِيًّا، وعلى وُلاةِ الأُمُور تنفيذَ أَوَامِرَ الله تعالى، والضَّرْبَ على أَبْدِى هؤُلاءِ المفْسِدِين المضِلِّين الذين ضَلُّوا وأَضَلُّوا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.
(فبذا) يكون قد قامَ كُلٌّ من العَالِمِ والحاكمِ بما يجبُ عليه ممن سَدِّ أَبوابِ الفَسَادِ وفتح أَبوابِ الخير، والسَّعْى فى أَسباب النصر " إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ "، " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ من يَنْصُرُهُ ".
(وإِذا) أَرَادُوا الخيرَ لأَنفسهم والبراءَة لِدِينهم ، فليقوموا بإِحياءِ ذِكْرَى نبيهم عليه الصلاة والسلام بنَشْرِ سِيرَتِه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبَيَانِها للناس ، ليتعَرَّفُوا نَوَاحِى العَظَمَة والفَخْرِ من نَبِيِّهم الأَعْظَم ورسوله الأَكْرَم صلى الله عليه وسلم ، فيعملوا عمله ويهتَدُوا بهَدْيِهِ ويَتَخَلَّقوا بخُلُقِه ، حتى يكُونوا ممن عَزَّرُوهُ ونَصَرُوه ، واتَّبَعُوا النور الذى أُنْزِلَ معه صلى الله عليه وسلم.
(أَما ذَلِكُم) التَّكَلُّف الْمُمِلّ ، وهذا الإِسراف المخلّ ، فضَرَرُهَ أَكْبَرَ من نَفْعِه وإِثْمُه عائِدٌ على فاعِلهِ والراضِى به ، ولا خَيْرٌ فيه أَلبتة ، بل الخير كلّ الخير في اتِّبَاع هَدْى النبىِّ صلى الله عليه وسلم والوقوف عند تعاليمه:" وَاتَّبعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ ".
(ومن) المخالفاتِ - التى تقَعُ في الموالِد وغيرها مِنَ المواسِم - صُنْع صُوَر حيواناتٍ مُجَسَّمة من الحلْوَى وغيرها ، فإِنَّ تَصْوِيرَ ذِى الرُّوح والنَّظَر إِلى الصُّوَر المجسَّمة حَرَامٌ كما تقَدَّم (1) وشِرَاؤها إِعانة على ذلك
(1) ص 208 ج 3 دين (التنفير من تصوير الحيوان).
(قال) ابن الحاج فى المدخل: مِنَ المواسِمَ التى نَسَبُوها إِلى الشَّرْع وليست منه، أَوَّل لَيْلَةٍ من رجب فيتكَلَّفُون فيه النفقات والحلْوَى المحتَوِية على الصُّوَر المحرَّمة شَرْعاً، لقوله عليه الصلاة والسلام: مَنْ صَوَّر صُورَةً فإِنَّ اللهَ يُعَذِّبَهُ حتى ينفخَ فيها الرُّوح وليس بنافخ فيها أَبَداً (1){82} .
(فهذا) دليلٌ على تحريم الصُّوَر التى لها رُوح، وعلى عذابِ مَنْ صَوَّرَها. فمن اشتراها منهم فهو مُعِين لهم على تَصْويرها، وكذا الوقوف للنظر إِليها والتعَجُّب مع العِلْم بالتَّحْرِيم. ومَنْ فَعَلَ ذلك ففى قبول شهادته نَظَر، فلا ينعَقِدُ النِّكَاح بشهادته حتى يَتُوبَ تَوْبة بشروطها، ولو كَسَرَ صُوَرَ الحلْوَى وبَاعَها مكْسُورةً جازَ بَيْعُهَا وشِرَاؤها. لَكِنْ يُكْرَهُ لأَهْل الفَضْل المقْتَدَى بهم شِرَاؤها. ليَكُونَ أَبْلَغَ فى زَجْر فاعِلها على الصِّفَة المنهىّ عنها.
(فانظر) إِلى هذه المفاسِد وكَثْرَتِها وهم يَزْعُمونَ أَنَّهَا مِنَ المواسِم الشرعية، وأَنَّ ذلك تَعْظِيمٌ لهذا المؤْسِم. ثم زَادُوا فيه من التكَلُّفِ مُهَادَاةِ الأَقارِبِ والأَصْهَار، وتكليفِ النِّسْوَةَ أَزواجَهُنِّ بهذه التكاليف التى أَحْدَثُوها ورما يؤول أَمْرهم - إِن قَصَّرَ فى التَّوْسِعَة - إِلى الفراق أَو ما يَقْرُب منه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: أَنا وأُمَّتى بَرَاءٌ مِنَ التكَلُّف (2){83} .
(والتكَلُّف) مذمُومٌ فى المواسِم الشرعية والعبادات الدينية، فكيف به فى موسِم محدث غير شَرْعِىّ.
(1) أخرج الشيخان عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صور صورة فى الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ. تقدم رقم 295 ص 208 ج 3 دين. والمراد أنهم يعذبون ويقال لهم: لا تزالون فى عذاب حتى تحيوا ما خلقتم. وهو محال.
(2)
ذكره الشيخ إسماعيل العجلونى فى كشف الخلفاء بلفظ: أنا والأتقياء من أمتى بريئون من التكلف. وقال: قال النووى: ليس بثابت، وأخرجه الدارقطنى فى الأفراد بسند ضعيف عن الزبير بن العوام. انظر رقم 620 ص 205 ج 1.