المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - صلاة الضحى - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌7 - صلاة الضحى

بالنهار، فربما قال أحدهم: فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس أنه كان منتبهاً. فأقل ما في هذا- إن سلم من الرياء- أن ينقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية فيقلّ الثواب.

(وقد) لبّس على آخرين انفردوا في المساجد للصلاة والتعبُّد، فعرفوا بذلك واجتمع إليهم ناسٌ فصلُّوا بصلاتهم، وشاع بين الناس حالهم، وذلك من دسائس إبليس، وبه تقوى النفس على التعبد لعلمها أن ذلك يشيع ويوجب المدح.

(وعن) زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاةُ المرءِ في بيتِه أفضلُ من صلاتِه في مسْجِدِي هذا إلا المكتوبة. أخرجه أحمد والثلاثة (1){291}

(وقد) لبّس على جماعة من المتعبدين فتراهم يصلون الليل والنهار، ولا ينظرون في إصلاح عيبٍ باطن ولا في مطعم. والنظر في ذلك أولى بهم من كثرةِ التنفُّل (2).

‌7 - صلاة الضحى

الضحى بالضم والقصر، وقت ارتفاع الشمس أول النهار. وبه سميت صلاةُ الضحى (وهي) مشروعة مرغب فيها، نفعها عظيم، وفضلها عميم، قد ورد فيه عدة أحاديث منها:

"حديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَافَظَ على شفعة الضحى، غفرت له ذنوبه وإن كانت مثلَ زبدِ البحْر. أخرجه

(1) تقدم رقم 447 ص 310 ج 2 دين (مكان صلاة التطوع).

(2)

ص 150 تلبيس إبليس (نقد مسالك العباد في العبادات).

ص: 211

أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: قد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن نهاس بن قهم، ولا نعرفه إلا من حديثه. اهـ. والنهاس ضعيف (1){292}

"وحديث" عقبة بن عامر أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً يحدث أصحابه فقال: من قام إذا استقلت الشمس فتوضأ فأحسن الوضوءَ ثم قام فصلى ركعتين، غفر له خطاياه، فكان كما ولدته أمه. أخرجه أحمد وأبو يعلي. وفي سنده رجل مبهم (2){293}

"وحديث" أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وتهليلة صدقة، وتكبيرة صدقة، وتحميدة صدقة، وأمر بمعروفٍ صدقة، ونهي عن منكرٍ صدقة ويجزيء أحدكم من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (3) {

294}

(1) ص 20 ج 5 الفتح الرباني، وص 215 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الضحى)، وص 347 ج 1 تحفة الاحوذي. والمراد بالذنوب الصغائر، اما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة الصحيحة أو عفو الله تعالى.

(2)

ص 21 ج 5 الفتح الرباني، وص 236 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الضحى) و (استقلت الشمس) أي ارتفعت (فكان كما ولدته أمه) كناية عن تطهيره من الصغائر فتكون صحيفته بيضاء.

(3)

ص 22 ج 5 الفتح الرباني، وص 233 ج 5 نووي مسلم (صلاة الضحى)، وص 189 ج 7 المنهل العذب. والسلامي، بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم: عظام الجسد ومفاصله. والمعنى: يصبح على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة شكراً لمن صوره وحفظه عما يغيره ويؤذيه.

(وفي الحديث) في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة. قالوا: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعنا الضحى تجزيء عنك. أخرجه أحمد وأبو داود عن بريدة [295] ص 359 ج 5 مسند أحمد وص 188 ج 7 المنهل العذب- الشرح. وفي سنده الحسين بن وافد. ضعفه أبو حاتم، وقواه غيره.

ص: 212

"وحديث" نعيم بن همار الغطفاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال ربكم عز وجل: صل لي يا ابن آدم أربعاً في أول النهار أكفك آخره. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي بسند جيد (1){296}

(وفي) الباب أحاديث أخرى تدلُّ على عظيم فضل صلاة الضحى (2) والحث عليها وكثرة فوائدها، وأنها أعظم غنيمة يغتنمها المسلم، وينتصر بها على الشيطان، ويرضى بها عنه الرحمن، ويعمه بالإحسان.

(ومن) فوائدها أن مصليها يكون في حفظ الله ورعايته طول يومه. ومنها أنها تكفر صغائر الذنوب وتحفظ مصليها من ارتكاب الكبائر. ومنها أنها تجزيء عن ستين وثلثمائة صدقة المطلوبة على مفاصل البدن. فعلى العاقل أن يهتم بتأديها ويواظب عليها. ويكثر من التسبيح، والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر أنواع الطاعة، ليؤدي بذلك ما عليه من الصدقات المطلوبة على أعضائه. ثم الكلام فيها ينحصر في ستة مباحث:

(1) ص 287 ج 5 مسند احمد. وص 192 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى)، وص 238 ج 1 سنن الدارمي (ولعل) تخصيص الضحى بذلك، أنه وقت غفلة أكثر الناس عن الطاعة لاشتغالهم فيه بأعمالهم الدنيوية. و (أكفك) أي أكفك شر (آخره من الهموم والبلايا).

(2)

منها: حديث أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم (في أنه يكتب له بكل خطوة أجر)، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه (أي لا يتعبه شيء) إلا إياه (أي الخروج إليها) فأجره كأجر المعتمر. وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما، كتاب (أي مكتوب) في عليين. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي [297] ص 268 ج 5 مسند أحمد بلفظ: من مشى إلى صلاة، وص 250 ج 4 المنهل العذب (فضل المشي إلى الصلاة).

ص: 213

1 -

وقت صلاة الضحى:

وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين إلى الزوال "لقول" عليّ رضي الله عنه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى حين كانت الشمس من المشرق من مكانها من المغرب من صلاة العصر. أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند ابن ماجه (1){498} .

(والمعنى) أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الضحى ومقدار ارتفاع الشمس بالمشرق كمقدار ارتفاعها بالمغرب عند صلاة العصر.

"ولقول" سعيد بن نافع: رآني أبو بشير الأنصاري وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس فعاب عليّ ذلك ونهاني. ثم قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا حتى ترتفع الشمسُ، فإنها تطلع بين قرني الشيطان. أخرجه أحمد بسند جيد (2){299} .

(والأفضل) تأخيرها حتى بمضي ربع النهار "لقول" زيد بن أرقم: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباءٍ وهم يصلون الضحى. فقال: صلاةُ الأوابين إذا مضت الفصال من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم (3){300}

(وبهذا) قالت الأئمة الأربعة والجمهور (قال) الماوردي: وقتها

(1) ص 25 ج 5 الفتح الرباني، وهو بعض حديث عند ابن ماجه ص 183 ج 1 (ما يستحب من التطوع بالنهار).

(2)

ص 26 ج 5 الفتح الرباني، وص 30 ج 6 نووي مسلم (صلاة الأوابين) وقباء بضم القاف ممدوداً وهو مذكر مصروف، وهي قرية جنوب المدينة على نحو ميلين، بها مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى، أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة. و (رمض) كعلم (والرمضاء) شدة الحر، ويظهر أثرها على الرمل وغيره (والفصال) جميع فيصل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه.

(3)

ص 26 ج 5 الفتح الرباني، وص 30 ج 6 نووي مسلم (صلاة الأوابين) وقباء بضم القاف ممدوداً وهو مذكر مصروف، وهي قرية جنوب المدينة على نحو ميلين، بها مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى، أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة. و (رمض) كعلم (والرمضاء) شدة الحر، ويظهر أثرها على الرمل وغيره (والفصال) جميع فيصل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه.

ص: 214

المختار إذا مضى ربع النهار، وجزم به النووي في التحقيق (وحكى) في الروضة أن وقتها يدخل بطلوع الشمس.

(ويرده) ما تقدم عن سعيد بن نافع.

2 -

حكم صلاة الضحى:

هي سنة مؤكدة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق أمته عند الأئمة والجمهور لما تقدم "ولقول" أبي هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لستُ بتاركهن: ألا أنام إلا على وتر، وألا أدع ركعتي الضحى فإنها صلاةُ الأوابين، وصيام ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر. أخرجه السبعة والبيهقي (1){301} .

"ولقول" انس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعاتٍ، فلما انصرف قال: إني صليت صلاةَ رغبةٍ ورهبةٍ سألت ربي عز وجل ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألته ألا يبتلى أمتي بالسنين، ففعل، وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم، ففعل، وسألته ألا يلبسهم شيعاً، فأبى عليَّ. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وابن خزيمة وصححاه (2){302}

(1) ص 20 ج 5 الفتح الرباني، وص 38 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى) وص 71 ج 8 المنهل العذب (الوتر قبل النوم) وبقية المراجع بهامش 1 ص 331 ج 8 دين (صوم ثلاثة أيام من كل شهر).

(2)

ص 35 ج 5 الفتح الرباني، وص 314 ج 1 مستدرك؟ والمراد بالسنين الجدب والقحط (وسألته ألا يظهر عليهم؟ ) أي دعوته أن لا يسلط عليهم الكفار، فأجاب دعائي. "ولا يقال" كيف هذا؟ مع أن معظم المسلمين الآن تحت سيطرة غيرهم "لأنا" نقول: ذلك لأنهم لم يقيموا الذين كما أمروا، فلم يتخلوا عن النواهي، ولم يتحلوا بالأوامر، بل أفرطوا في تقليد الأجنبي في الضار دون النافع. قلدوه في أكل الربا وشرب الخمر وإباحة الزنا والتبرج وخروج النساء واستحمامهن في البحار. قلدوهم في الحكم بالقانون الوضعي ونبذ القانون السماوي ولم يرتدعوا بقول الله تعالى:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة عجز الآية 44؛ وتركوا ما أمرهم به مولاهم بقوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" الأنفال، الآية 60، فخذلهم الله وسلط عليهم من لا يرحمهم، لأنهم تركوا الدين وراء الظهور، فتركوا إلى الذل والهوان.

ص: 215

(وقيل) لا تشرع صلاةُ الضحى إلا لسبب كالقدوم من سفرٍ والتعليم والتبرك والشكر "لقول" عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من سفرٍ فيصلي ركعتين. أخرجه أحمد (1){303}

"ولقول" عبد الله بن رواحة: سمعت أنس بن مالك يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يخرج في سفرٍ أو يقدم من سفرٍ. أخرجه أحمد (2){304}

"ولحديث" عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته. أخرجه أحمد (3){305}

"ولقول" أنس بن مالك: كان رجلٌ ضخمٌ لا يستطيعُ أن يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أستطيع أن أصلي معك، فلو أتيت منزلي فصليت فأقتدي بك. فصنع الرجل طعاماً ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فنصح طرف حصير لهم. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين. فقال رجل من آل الجارود لأنس:

(1) ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني.

(2)

ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني.

(3)

ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني.

ص: 216

أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: ما رأيته صلاها إلا يومئذٍ. أخرجه أحمد والبخاري (1){306}

(وأجاب) الأولون بأن هذه الأحاديث لا تنافي استحباب صلاةِ الضحى مطلقا لسببِ ولغيره، فإن رواتها إنما نفوا الرؤية. وهذا لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أوقاتٍ أخرى لم يطلعْ عليها فيها أنس وغيره ممن رووا هذه الأحاديث. فإن هذه الأحاديث الواردة بإثباتها مطلقاً، قد بلغت مبلغاً لا تقصر معه عن إفادة استحبابها مطلقاً.

(وقيل) إنها كانت واجبةٌ في حق النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة "لحديث" ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب عليَّ النحر ولم يكتب عليكم، وأمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها. أخرجه أحمد والطبراني وأبو يعلي وابن عدي والبزار والحاكم وصححه (2){307}

(ورد) بأنه حديثٌ ضعيفٌ "فإنَّ" في سنده جابراً الجعفي وهو ضعيف جداً، بل كذاب رافضي خبيث. وقال الحافظ: حديثٌ ضعيف من جميع طرقه وصححه الحاكم فذهب. اهـ. لكن قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. "وفي سند" البزار وابن عدي والحاكم، ابن جنان الكلبي، وهو متكلم فيه. ويعارضه حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول: إنه لا يدعها

(1) ص 33 ج 5 الفتح الرباني، وص 38 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى في الحضر). و (رجل) قيل: هو عتبان بن مالك.

(2)

ص 23 ج 5 الفتح الرباني، ورقم 6223 ص 549 ج 4 فيض القدير. و (كتب على النحر) أي فرض على نحر الأضحية دونكم، فإنه سنة في حقكم، وأمرت بصلاة الضحى أمر إيجاب دونكم.

ص: 217

ويدعها حتى نقول: إنه لا يصليها. أخرجه أحمد والترمذي وحسنه (1){308} (فلو كانت) واجبة عليه صلى الله عليه وسلم ما تركها أحياناً.

(وقيل) إنها مستحبة لكن الأفضل عدم المواظبة عليها، بل تفعل تارة وتترك أخرى "لحديث" أبي سعيد السابق "ورد" بأنه صلى الله عليه وسلم قد حث عليها ورغب في المواظبة عليها بالأحاديث السابقة. وأنه كان يحب العمل ويتركه أحياناً مخافةً أن يفرض على أمته (روى) عروة أن عائشة قالت: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. أخرجه الإمامان والشيخان وأبو داود والبيهقي (2) {309}. وعند مسلم: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط.

(وقال) الهادي والقاسم وأبو طالب المكي: صلاة الضحى بدعة. وروي عن ابن عمر "قال" مجاهد: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا نحن بعبد الله بن عمر فجالسناه، فإذا رجال يصلون الضحى. فقلنا يا أبا عبد الرحمن ما هذه الصلاة؟ قال: بدعة. ثم قال له (يعني عروة) كم اعتمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع (الأثر) أخرجه أحمد والبخاري (3){47} .

(1) ص 28 ج 5 الفتح الرباني، وص 347 ج 1 تحفة الأحوذي (صلاة الضحى).

(2)

ص 273 ج 1 زرقاني الموطإ (صلاة الضحى)، وص 36 ج 5 الفتح الرباني، وص 228 ج 5 نووي مسلم (استحباب صلاة الضحى)، وص 198 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى)، وص 49 ج 3 سنن البيهقي.

(3)

ص 30 ج 5 الفتح الرباني، وص 388 ج 3 فتح الباري (كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 218

(وقال) مورق العجلي: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال لا. قلت: صلاها عمر؟ قال: لا قلت: صلاها أبو بكر؟ قال: لا. قلت: أصلاها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله. أخرجه أحمد والبخاري (1){48}

(وقال) عبد الرحمن بن أبي بكرة: رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى فقال: إنهم ليصلون صلاةً ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه رضي الله عنهم. أخرجه أحمد بسند جيد (2){49}

(وعن) عروذ أن عائشة قالت: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى في سفر ولا حضر. أخرجه أحمد (3){310} .

(ورد) بأنه ليس في هذه الأدلة ما يدفع مشروعية صلاة الضحى "لأن" نفى ابن عمر وأبي بكرة وعائشة لها "محمولٌ" على عدم رؤيتهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلوها. وعدم رؤيتهم وعدم علمهم بذلك لا يستلزم عدم الوقوع "أو أنهم" نفوا صفةً مخصوصةً كالمواظبة عليها في المساجد وصلاتها جماعة (قال) القاضي عياض: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعةً ولا يقول: إنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة أن ابن مسعود رأى قوماً يصلونها فأنكر عليهم وقال: إن كان ولابد ففي بيوتكم. ذكره الحافظ (4){50} .

(1) ص 29 ج 5 الفتح الرباني، وص 34 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى في السفر). و (لا إخاله) بكسر الهمزة وتفتح، أي لا أظنه صلاها. وسبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها، لكنه لم يثق بمن أخبره.

(2)

ص 29 و 37 ج 5 الفتح الرباني (حجة النافين لمشروعية صلاة الضحى).

(3)

ص 29 و 37 ج 5 الفتح الرباني (حجة النافين لمشروعية صلاة الضحى).

(4)

ص 35 ج 3 فتح الباري. الشرح (صلاة الضحى في السفر).

ص: 219

كيف وقد ثبت عن كثير من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاها وأنهم صلوها. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

(ومما تقدم) تعلم أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن صلاة الضحى سنة مؤكدة وإن لم يكن لها سبب. هذا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في صلاة الضحى روايات مختلفة:

(أ)(روتْ) عنها معاذة أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي الضحى أربع ركعاتٍ. أخرجه أحمد (1){311} .

(ب) روى عنها عبد الله بن شقيق أنها قالت: ما رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من سفرٍ فيصلي ركعتين. أخرجه أحمد (2){312}

(جـ) تقدم عنها أنها قالت: ما سبح النبيُّ صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى في سفرٍ ولا حضر. أخرجه أحمد (3){313}

(ويجمع) بين هذه الروايات بأن قولها: كان يصليها، لا يدل على المواظبة، لأن كان لا تستلزم المداومة، وإنما تدل على مجرد الوقوع. ولا يلزم من هذا أنها رأته يصليها، لجواز أن تكون روت ذلك عن غيرها.

(وقولها) إلا أن يقدم من سفرٍ، يفيد تقييد ذلك المطلق بوقت مجيئه من السفر.

(وقولها) ما سبح سبحة الضحى قط، نفى لرؤيتها كما يدل عليه ما تقدم عند مسلم من قولها: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي

(1) ص 38 ج 5 الفتح الرباني.

(2)

ص 38 ج 5 الفتح الرباني.

(3)

ص 38 ج 5 الفتح الرباني.

ص: 220

سبحة الضحى قط (1) ولا يستلزم هذا عدم ثبوتها عندها بغير الرؤية، أو هو نفي لما عدا فعلها وقت القدوم من السفر. وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغها. وغيرها من الصحابة أخبر بما يدل على المواظبة وتأكد المشروعية ومن حفظ حجة على مَنْ لم يحفظْ.

هذا. وقد علمت أن صلاة الضحى سنة مؤكدة ثابتة بالأحاديث الصحيحة والحسنة وما يقاربها من قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفِعْلِهِ وفعل أصحابه.

(ومنه) تعلم رَدّ قول ابن القيِّم: وعامَّة أحاديث الباب في أسانيدها مقال وبعضها منقطع، وبعضها موضوع لا يحلّ الاحتجاج به (2).

هذا. وحكمة مشروعية صلاةِ الضحى ألا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة.

3 -

عدد ركعات الضحى:

أقلها ركعتان وأكثرها ثنتا عشرة ركعة عند الحنفيين وبعض الشافعية "لحديث" أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الضحى ركعتين لم يُكتب من الغافلين، ومن صلى أربعاً كتب من العابدين، ومن صلى ستاً كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتى عشرةَ ركعةً بنى الله له بيتاً في الجنة. وما منْ يومٍ وليلةٍ إلا لله من يمنّ به على عباده، وصدقةٍ يمن بها على من يشاء من عباده، وما من الله على أحدٍ من عباده أفضل من أنْ يلهمه ذكره. أخرجه

(1) تقدم بالحديث رقم 309 ص 220 (حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

ص 94 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى)

ص: 221

الطبراني في الكبير بسندٍ فيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقه ابن معير وابن حبان، وضعفه ابن المديني وغيره، وبقية رجاله ثقات. قاله الهيثمي (1){314} ورويَ نحوه عن ابن عُمَر عن أبي ذَرّ.

(وقالت) المالكية والحنبلية وكثير من الشافعية: أكثر صلاةِ الضحى ثماني ركعاتٍ، لأنه أكثر ما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (روى) كريب مولى ابن عباس عن أم هانيء بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين. أخرجه أبو داود والبيهقي (2){315}

(وعن) عكرمة بن خالد عن أم هانيءٍ قالت: ذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلى ثماني ركعاتٍ وذلك ضحىً. أخرجه الشيخان (3) {316}. وفي الحديثين رد على من قال: إن هذه صلاة الفتح لا صلاة الضحى.

(والحكمة) في اختلاف عدد ركعاتها التخفيف على الأمة، ليفعل كل ما استطاع، فليتنافس في ذلك المتنافسون.

4 -

القراءة في صلاة الضحى:

يقرأ في كل ركعة منها بالفاتحة وسورة. والأفضل قراءة "والشمس وضحاها""والضحى والليل إذا سجى"(4)" لقول " عقبة بن عامر:

(1) ص 237 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الضحى).

(2)

ص 193 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى) وص 48 ج 3 سنن البيهقي (من رواها ثماني ركعات).

(3)

ص 6 ج 116 دليل الفالحين (فضل صلاة الضحى).

(4)

سجى، أي غطى بظلامه كل شيء، أو سكن أهله.

ص: 222

أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسورٍ منها: والشمس وضحاها والضحى. أخرجه الحاكم (1){317}

5 -

ما يقال بعد صلاة الضحى:

يستحب أن يقول بعدها ما في حديث عائشةَ قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى ثم قال: اللهم اغفر لي وارحمني وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، حتى قالها مائة مرة. ذكره الفقيه مجد الدين الشيرازي ولم يذكر مخرجه (2){318} .

6 -

الموضوع في الضحى:

قد علمت أن صلاة الضحى سنة مؤكدة، فمن صلاها تال ثوابها، ومن تركها حرمه. وقد تبين الثابت فيها. وقد قيل فيها ما لم يثبت:(أولاً) قال السيوطي في ذيل اللآليء:

(1)

من صلى الفجر في جماعةٍ ثم اعتكفَ إلى طلوع الشمس ثم صلى أربع ركعاتٍ يقرأُ في الأولى آية الكرسي ثلاثاً والإخلاص، وفي الثانية "والشمس"، وفي الثالثة "والسماء والطارق"، وفي الرابعة آية الكرسيّ والإخلاص ثلاث مراتٍ، وذكر ثوابه. فيه نوح بن أبي مريم المشهور بالوضْع.

(2)

ما مِنْ أحدٍ صلى الغداة في مسجده، ثم جلس يذكر الله إلى أنْ تطلع الشمس، فإذا طلعت حمدَ الله وقام فَصَلَّى ركعتين، إلا أعطاه الله .... الخ. فيه إبراهيم بن حيان السالط. وقيلَ: ضعيف يحدث عن الثقات بالموضوعات. اهـ.

(1) ص 37 ج 3 فتح الباري. الشرح (آخر باب صلاة الضحى في السفر).

(2)

ص 32 سفر السعادة (صلاة الضحى).

ص: 223

(3)

من صلى الضحى كتب الله له ألف ألف حسنة. فيه نوح بن أبي مريم كذاب وضاع.

(4)

عن عليّ مرفوعاً: من صلى سبحة الضحى ركعتين إيماناً واحتساباً كتب له مائتا حسنة، ومحيَ عنه مائتا سيئة، ورفع له مائتا درجة، وغفر له ذنوبه كلها ما تقدم منها وما تأخر إلا القصاص والكبائر .... الخ. ما ذكر في ثواب الأربع والست إلى اثنى عشر بقدر ذلك (قال) ابن حَجَر: هذا كذب مختلق وإسناده مظلم مجهول. اهـ.

(ثانياً) قال العلامة محمد طاهر بن علي الهندي في تذكرة الموضوعات:

(1)

من دوام علي الضحى ولم يقطعها إلا لعلةٍ: كنت وهو في زورق من نور في بحرٍ من نور حتى يزور رب العالمين. موضوع.

(2)

من صلى الضحى يوم الجمعة أربع ركعاتٍ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ الفاتحةَ والمعوذتين والإخلاص والكافرون وآية الكرسي عشراً عشراً، فله كذا كذا، ويولد له ولو كان عقيماً. موضوع اهـ.

(ثالثاً) قال الشيخ إسماعيل العجلوني في كشفِ الخفاءِ: ومن الموضوع: من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطيَ ثواب سبعين نبياً. اهـ.

(رابعاً) اشتهر بين العوامّ أن من فعلها ثم تركها يصاب في نفسِه وأولادِه، ولا تعيشُ له ذُرِّيَّة. وهو مَحْض كَذِب واختلاق منابذ للسنة.

(قال) العراقي في شرح الترمذي: اشتهر بين كثير من العوام أنَّ من صلى الضحى ثم قطعها يحصل له عمى، فصار كثيرٌ لا يصلونها خوفاً من ذلك. وليس لهذا أصل ألبتة، لا من السنة ولا عن أَحَدٍ مِنَ الصحابة والتابعين ومن بعدهم. والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام

ص: 224