المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السبب الأول: الزيادة في الصلاة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌السبب الأول: الزيادة في الصلاة

(وأما) الشك، فسيأتي بيانه في بحثه إن شاء الله تعالى.

(تنبيه) علم مما تقدم أن أسباب سجود السهو: الزيادة والنقص ومتابعة الإمام والشك. وهاك بيانها بالتفصيل.

‌السبب الأول: الزيادة في الصلاة

ما يزاد فيها فعل وقول (أ) فزيادة الفعل ثلاثة أقسام:

(الأول) ليس من أعمالها ولا لإصلاحها، ولا لدفع الأذى كالحك والتروح والمشي لغير وضوء لمن سبقه الحدث. فهذا تبطل الصلاة بكثيرة دون يسيره عمداً أو سهواً وليس له سجود.

(الثاني) ما ليس من جنسها ولا يبطلها عمده كالالتفات والخطوة والخطوتين والضربة والإقعاء في الجلوس، ووضع اليد على الفم والخاصرة والتفكر في الصلاة، والنظر إلى ما يلهي، ورفع البصر إلى السماء، وكف الثوب والشعر، ومسح الحصا، والتثاؤب، والعبث بلحيته، ونحوه مما تقدم في مكروهات الصلاة (1) فهذا كله لا سجود لعمده ولا لسهوه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعلام الخميصة فقال: شغلتني أعلامها. وتذكر تبراً كان عنده في الصلاة، وحمل الحسن أو الحسين وأمامة بنت أبي العاص ووضعهم، وخلع نعليه في الصلاة (2)، ولم يسجد لشيء من ذلك.

(الثالث) ما كان من جنس الصلاة، كأن يركع قبل القراءة سهواً فيلزمه إعادة الركوع بعدها ثم يسجد للسهو، وكأن يقوم في موضع

(1) انظر ص 169 وما بعدها ج 3 دين طبعة ثانية.

(2)

حديث الخميصة تقدم رقم 252 ص 183 ج 3 (مكروهات الصلاة) وحديث حمل الحسن أو الحسين تقدم رقم 198 ص 157 وحديث حمل أمامة تقدم رقم 199 ص 157 (ما يباح في الصلاة) وحديث خلع النعل تقدم رقم 208 ص 161 ج 3 دين (ما يباح في الصلاة).

ص: 282

الجلوس أو يجلس في موضع القيام أو يزيد ركعةً. فهذا تبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه "لحديث" إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإما زاد أو نقص- قال إبراهيم: وأيم الله ما جاء ذلك إلا من قبلي- قال: فقلنا: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: لا فقلنا له الذي صنع. فقال: إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين، ثم سجد سجدتين. أخرجه مسلم (1){393} .

"ولحديث" الأسود عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الظهر أو العصر خمساً ثم سجد سجدتي السهو، ثم قال: هاتان السجدتان لمن ظن منكم أنه زاد أو نقص. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وأحمد. وهذا لفظه (2){394} .

(وهذا) يشمل عدة أمور (منها) الجلوس في غير موضعه سهواً قدر جلسة الاستراحة، فيجب السجود عند الحنفيين وكذا عند الحنبلية على المشهور.

(قال) ابن قدامة: وإذا جلس في غير موضع التشهد قدر جلسة الاستراحة. فقال القاضي: يلزمه السجود سواءٌ أقلنا جلسة الاستراحة مسنونة أم لم نقل ذلك، لأنه لم يردها بجلوسه، إنما أراد غيرها، وكان سهواً. ويحتمل ألا يلزمه لأنه فعل لو تعمده لم تبطل صلاته، فلا يسجد لسهوه كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة (3)، وبهذا قالت الشافعية. (ويسن) السجود عند المالكية.

(1) ص 67 ج 5 نووي مسم (السهو في الصلاة والسجود له).

(2)

ص 154 ج 4 الفتح الرباني، وص 66 ج 5 نووي مسلم، وص 186 ج 1 مجتبي (ما يفعل من صلى خمساً).

(3)

ص 687 ج 1 مغنى (الجلوس في غير موضع التشهد).

ص: 283

أما لو زاد الجلوس سهواً على قدر الاستراحة فإنه يسجد له اتفاقاً، وإذا جلس في موضع قيام بأن يجلس عقيب الأولى أو الثالثة يظن أنه موضع التشهد أو جلسة الفصل، فمتى ما تذكر قام، وإن لم يتذكر حتى قام، أتم صلاته وسجد للسهو، لأنه زاد في الصلاة من جنسها ما لو فعله عمداً أبطلها، فلزمه السجود إذا كان سهواً كزيادة ركعة.

(ومنها) القيام في غير موضعه سهواً فيطلب السجود عند الأئمة الأربعة والجمهور "لعموم" حديثِ علقمةَ بن قيس عن عبد الله قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص. فقيل: يا رسول الله، أزيد في الصلاة شيءٌ؟ فقال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيَ أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالسٌ. ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين. أخرجه مسلم (1){395} .

"ولحديث" ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهوٍ سجدتان بعد ما يسلم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في، السنن، وقال: هذا إسنادٌ فيه ضعف. وقال في المعرفة: تفرد به إسماعيل ابن عياش وليس بالقوي (2){396} .

(ورد)"أولاً" بأن أبا داود أخرجه فسكت عنه. فهو صالح عنده "وثانياً" أن إسماعيل بن عياش وثقه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما. هذا. والقيام في موضع الجلوس تحته ثلاث صور:

(الأولى) القيام للثالثة بلا تشهد سهواً، فإن تذكر وهو للقعود أقرب بأن لم ينتصب النصف الأسفل، عاد ولا يسجد للسهو في الأصح

(1) ص 66 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له).

(2)

ص 115 ج 4 الفتح الرباني، وص 196 ج 6 المنهل العذب (من نسي أن يتشهد وهو جالس) وص 190 ج 6 سنن ابن ماجه (من سجدها بعد السلام).

ص: 284

عند الحنفيين. وإن تذكر وهو للقيام أقرب بانتصاب النصف الأسفل، لزمه العود والسجود للسهو. وإن لم يتذكر حتى استوى قائماً لا يعود، لاشتغاله بفرض القيام وسجد للسهو، لتركه القعود الأول، وإن عاد بعد ما استوى قائماً لا تفسد صلاته على الصحيح عندهم، لأن زيادة ما دون الركعة لا يفسد الصلاة ويسجد للسهو "لقول" قيس بن أبي حازم: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فقام في الركعتين فسبح الناس خلفه، فأشار إليهم أن قوموا. فلما قضى صلاته وسجد سجدتي السهو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استتم أحدكم قائماً فليصل ويسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائماً، فليجلس ولا سهو عليه. أخرجه الطحاوي. وكذا أحمد عن المغيرة قال: أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر، فقام. فقلنا: سبحان الله. فقال: سبحان الله. وأشار بيده، يعني قوموا، فقمنا. فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثم قال: إذا ذكر أحدكم قبل أن يستتم قائماً فليجلس، وإذا استتم قائماً فلا يجلس. وأخرجه أبو داود عن المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس. وإن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو. وأخرج نحوه ابن ماجه (1){397} وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف جداً. وقال شعبة: صدوق في الحديث. ووثقه وكيع.

(وبهذا) قال الحنفيون فيمن سها في الفرض والوتر. أما من سها في النفل فقام لثالثة بلا تشهدٍ فإنه بعود ما لم يقيد ما قام إليها بسجدة.

(1)(ص 225 ج 1 شرح معاني الآثار 0 سجود السهو أهو قبل السلام أم بعده) وص 152 ج 4 الفتح الرباني، وص 164 ج 6 المنهل العذب (من نسي أن يتشهد وهو جالس) وص 88 ج 1 سنن ابن ناجه (من قام من اثنتين ساهياً).

ص: 285

(وبه) قالت الشافعية في الفرض والنفل، إلا أنهم قالوا: إن عاد بعد أن استقل قائماً عامداً عالماً تبطل صلاته على الصحيح عندهم (قال) النووي في المجموع: سبق أن فوات التشهد الأول أو جلوسه يقتضي سجود السهو. فإذا نهض من الركعة الثانية ناسياً للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ثم نهض ناسياً ثم تذكر، فله حالان:

(أحدهما) أن يتذكر بعد الانتصاب قائماً فيحرم العود إلى القعود، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور (ودليله) حديث المغيرة. وفيه وجه شاذ أنه يجوز العود ما لم يشرع في القراءة (والصواب) تحريم العود، فإن عاد معتمداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته، وإن عاد ناسياً لم تبطل، ويلزمه أن يقوم عند تذكره ويسجد للسهو، ويكون سجود السهو هنا لزيادةٍ ونقصٍ، لأنه زاد جلوساً في غير موضعه وترك التشهد والجلوس في موضعه. وإن عاد جاهلاً بتحريمه فوجهان (أصحهما) أنه كالناسي، لأنه يخفى على العوام.

(والثاني) أنه كالعامد، لأنه مقصر بترك التعلم. هذا حكم المنفرد والإمام في معناه، فلا يجوز العود بعد الانتصاب. ولا يجوز للمأموم أن يتخلف عنه للتشهد؛ فإنْ فعل بطلت صلاته؛ فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقاً بعذر. ولو انتصب مع الإمام فعاد الإمام للتشهد لم يجز للمأموم العود، بل ينوي مفارقته. وهل له أن ينتظره قائماً حملاً على أنه عاد ناسياً؟ فيه وجهان (أصحهما) له ذلك. فلو عاد المأموم مع الإمام عالماً بتحريمه، بطلت صلاته. وإن عاد ناسياً أو جاهلاً لم تبطل، ولو قعد المأموم فانتصب الإمام ثم عادَ، لزم المأموم القيام، لأنه توجه

ص: 286

عليه بانتصاب الإمام. ولو قعد الإمام للتشهد الأول وقام المأموم ناسياً أو نهض فتذكر الإمام فعاد قبل الانتصاب وانتصب المأموم، فثلاثة أوجه (أصحهما) يجب على المأموم العود إلى التشهد لمتابعةِ الإمام، لأنها آكد، ولهذا سقط بها القيام والقراءةَ عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً، فإن لم يعد بطلت صلاتُه، ولو قام المأموم عمداً، حرم عليه العوْد كما لو رَكَعَ قبل الإمام أوْ رفع قبله فإنه يحرم العوْد؛ فإن عادَ بطلت صلاتُه، لأنه زاد ركناً عمداً فلو فعله سهواً بأن سمع صوتاً فظنَّ أنَّ الإمام ركعَ فركعَ فبانَ أنه لم يركع. ففي جواز الرجوع وجهان (أصحهما) لا يجب بل يتخير بين الرجوع وعدمه.

(الحال الثاني) أن يتذكر قبل الانتصاب قائماً (قال) الشافعي وأصحابه: يرجع إلى القعود. وإذا عام قبل الانتصاب لا يسجد للسهو على الأصح.

"لحديث" ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سهو إلا في قيامٍ عن جلوسٍ أو جلوسٍ عن قيامٍ. رواه الحاكم وادعى أن إسناده صحيح {398} وليس كما ادعى، بل هو ضعيف تفرد به أبو بكر العنسي "بالنون" وهو مجهول. وما ذكرناه في الحالين هو فيما إذا ترك التشهد ناسياً ونهض. فأما إذا تعمد ذلك ثم عاد بعد أن صار إلى القيام أقرب بطلت صلاته. وإن عاد قبله لم تبطل (1) اهـ ملخصاً.

(وقالت) المالكية: منْ قام تاركاً التشهد الأول ناسياً يرجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود عليه. وإن فارق الأرض بما ذكَر

(1) ص 130 - 135 ج 14 شرح المهذب (فرع في سجود السهو فيه مسائل) وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي قال الشوكاني: وهو ضعيف، ص 147 ج 3 نيل الأوطار (من نسي التشهد الأول .... )

ص: 287

لا يرجع ويسجد للسهو. وإن رجع ولو بعد أن قام وقرأ بعض الفاتحة؛ لا تبطل الصلاة على الراجح، أما إن رجع بعد قراءتها كلها، بطلت صلاته.

(وقالت) الحنبلية: من قام ناسياً التشهد الأول، له الرجوع ما لم يشرع في القراءة. وقيل متى انتصب قائماً لا يرجع (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: القيام في موضع الجلوس في ثلاث مسائل: (الأولى) أن يذكر التشهد الأول قبل اعتداله قائماً فيلزمه الرجوع إلى التشهد. وبه قال الاوزاعي والشافعي وابن المنذر. (وقال) مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضى. ولنا ما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس، فإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو. رواه أبو داود وابن ماجه (1) ولأنه أخل بواجب ذكره قبل الشروع في ركن مقصود، فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق أليتاه الأرض. (الثانية) أن يذكر التشهد بعد اعتداله قائماً وقبل شروعه في القراءة. فالأولى له ألا يجلس، وإن جلس جاز. نص عليه أحمد. (الثالثة) ان يذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع ويمضي في صلاته في قول أكثر أهل العلم (وقال) الحسن: يرجع ما لم يركع وليس بصحيح، لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في الركوع. اهـ ملخصاً (2)

(وعن) عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين: من الظهر لم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة

(1) تقدم بالحديث رقم 389.

(2)

ص 680 - 682 ج 1 مغنى (مواضع السجود السهو).

ص: 288

وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم. أخرجه مالك والسبعة (1){399} .

(ومما) تقدم تعلم أن الراجح ما دل عليه حديث المغيرة ونحوه من أنه متى انتصب قائماً لا يعود (وهذا) كله في حق الإمام والمنفرد. أما المأموم فلو ترك التشهد ناسياً وجلس إمامه، وجب عليه الرجوع مطلقاً لمتابعة إمامه.

(وبه) قالت الأئمة الثلاثة. وهو الراجح عند الشافعية على ما تقدم بيانه.

(الصورة الثانية) القيام من السجدة الأولى تاركاً الجلوس بين السجدتين سهواً. فإن تذكر قبل أن يسجد في الركعة الثانية، لزمه الرجوع لما تركه ثم يأتي بما بعده. فإن تذكر بعد السجود في ركعةٍ أخرى حسب عن الجلوس المتروك وألغي ما بينهما وسجد للسهو في الحالين وهذا مذهب الشافعية ورواية عن أحمد.

(وقالت) المالكية: إنْ تذكر قبل الرفع من ركوع الركعة الثانية عاد لما تركه وألغي ما بعده، وإلا استمر في صلاته وألغي الركعة التي ترك سجودها وأتم صلاته ثم سجد للسهو. (وقال) الحنفيون: من قام من السجدة الأولى تاركاً الثانية سهواً قضاها متى تذكرها. ولا يلزمه إعادة ما فعله بعدها. ولو أخر قضاءها إلى آخر الصلاةِ ولو بعد السلام قبل أن يأتي بمنافٍ، صحَّ وأعاد القعدة وسجدَ للسهو.

(قال) العلامة الحلبي: اعلم أن المشروع فرضاً في الصلاة أربعة أنواع: ما يتحد في كل صلاةٍ كالقعدةِ الأخيرة، أو في كل ركعةٍ كالقيام

(1) ص 175 ج 1 تيسير الوصول (سجود السهو) وص 150 ج 4 الفتح الرباني، وص 188 ج 1 سنن ابن ماجه (من قام من اثنتين ساهياً) ولفظ النسائي تقدم رقم 245 ص 185 ج 2 دين و (بحينة) اسم أمه لا جده.

ص: 289

والركوع. وما يتعددُ في كلها كالركعات، أو في كل ركعةٍ كالسجود. فالترتيب شرطٌ بين ما يتحد في كل الصلاة وبين ما سواه، حتى لو تذكر - بعد القعدة الأخيرة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمنافٍ- ركعة أو سجدة صلبية أو سجدة تلاوة، فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو. وكذا لو تذكر ركوعاً قضاه وقضى ما بعده من السجود، أو قياماً أو قراءةً صلى ركعةً تامةً وأعادَ القعدةً. وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعةٍ كالقيام والركوع وبين ما بعده، ولذا قلنا آنفاً في ترك القيام وحده: يصلي ركعةً تامةً. وأما الترتيب بين ما يتكرر في كل الصلاةِ كالركعات، فواجب إلا لضرورةِ الاقتداء حيث يسقط به الترتيب، فإنَّ المسبوق يصلي بعض ما تأخر من الركعات قبل ما قبله (1)، وكذا الترتيب بين ما يتكرر في كل ركعةٍ كالسجود وبين ما بعده واجب؛ حتى لو ترك سجدةً من ركعة ثم تذكرها فيما بعدها من قيامٍ أو ركوعٍ أو سجدةٍ، فإنه يقضيها ولا يقضي ما فعله قبل قضائها مما هو بعد ركعتها من قيامِ أو ركوعٍ أو سجودٍ، بل يلزمه سجود السهو فحسب، لكن اختلف في لزوم قضاء ما تذكر فقضاها فيه، كما لو تذكر وهو راكع أو ساجد أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها فإنه يسجدها. وهل يعيد الركوع أو السجود المتذكر فيه؟ ففي الهداية: أنه لا يجب إعادته، بل تستحب معللاً بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال.

وفي فتاوى قاضيخان أنه يعيده ولو لم يعده فسدت صلاته، معللاً بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان، لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض بخلاف ما لو تذكر

(1) بيانه أن ما أمركه المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته وما يقضيه فهو أولها عند أبي حنيفة. وعليه فقد صلى آخر الصلاة قبل أولها.

ص: 290

السجدة بعد ما رفع من الركوع؛ لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض اهـ (1).

(والمعتمد) ما في الهداية فقد جزم به في الكنز وغيره في آخر باب الاستخلاف، وصرح في البحر بضعف ما في الخانية. قاله ابن عابدين. (وقال) علاءُ الدين الكاساني: إذا سلم وهو ذاكر أن عليه سجدة صلبية فسدت صلاته وعليه الإعادة، وإن كان ساهياً لا تفسد. ثم إن سلم وهو في مكانه ولم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم، يعود إلى قضاء ما عليه. ولو اقتدى به رجل، صح اقتداؤه وتابعه في السجدة والتشهد دون السلام وبعد السلام يتابعه في سجود السهو. وإن لم يعد الإمام إلى قضاء السجدة فسدت صلاته وصلاة المقتدى. أما إذا صرف وجهه عن القبلة، فإن كان في المسجد ولم يتكلم. فكذلك الجواب استحساناً، لأن المسجد كله في حكم مكانٍ واحد، وصرف الوجه عن القبلة مفسدٌ في غير حالةِ العذر والضرورة بخلاف الكلام؛ لأنه مضاد للصلاة مطلقاً. وإن كان خرجَ من المجد ثم تذكر لا يعود وتفسد صلاته، لأن الخروج من مكان الصلاة مانعٌ من البناءِ، وقد بقي عليه ركن من أركان الصلاةِ فيلزمه استئنافها (وأما إذا كان) في الصحراء فإن تذكر قبل مجاوزة الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره، عاد إلى قضائه ما عليه وإلا فلا. وإن مشى أمامه سترة، عادَ ما لم يجاوز محل سجوده على الأصح، وإن سلم وعليه سجدة تلاوة ذاكراً لها، سقطت عنه ولا تفسد صلاته، لأنه لم يبق عليه ركن من أركانها، لكنها تنقص لترك الواجب (وإن سلم) ساهياً عنها، لا تسقط، لأن سلام السهو لا يخرجه من الصلاة. ثم الأمر في العود إلى

(1) ص 297 غنية التملي (واجبات الصلاة).

ص: 291

قضاء سجدة التلاوة على التفصيل الذي ذكرناه في الصلبية.

غير أن هنا لو تذكرها بعد ما خرج من المسجد أو جاوز الصفوف، سقطت عنه ولا تفسد صلاته.

هذا. والعود إلى السجدة الصلبية وسجدة التلاوة يرفع التشهد حتى لو أتى بمنافٍ للصلاة عمداً، فسدت صلاته بخلاف العود إلى سجدتي السهو. اهـ ملخصاً (1).

(وحاصل) مذهب الحنبلية أنَّ منْ قام من السجدة الأولى ساهياً، فإن تذكر قبل الشروع في القراءة لزمه الرجوع للجلوس بين السجدتين ثم السجود. وإن لم يتذكر إلا بعد الشروع في قراءة الركعة التي تليها بطلت الركعة السابقة وحلت محلها اللاحقة (قال) أبو محمد عبد الله ابن قدامة (الصورة الثانية) قام من السجدة الأولى ولم يجلس للفصل بين السجدتين، فهذا قد ترك ركنين: جلسة الفصل والسجدة الثانية فلا يخلو من حالين: (أحدهما) أن يذكر قبل الشروع في القراءة فيلزمه الرجوع. وهذا قول مالك والشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً. فإذا رجع فإنه يجلس جلسة الفصل ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يقوم إلى الركعة الأخرى. فأما إن كان جلس للفصل ثم قام ولم يسجدن فإنه يسجد ولا يلزمه الجلوس. فإن كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس جلسة الاستراحة لم يجزه عن جلسة الفصل، لأنها هيئة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك سجدةً من ركعةٍ ثم سجد للتلاوةِ، وهكذا الحكم في ترك ركن غير السجود مثل الركوع أو الاعتدال عنه، فإنه يرجع إليه متى ما ذكره قبل الشروع في قراءة الركعة الأخرى فيأتي به ثم بما بعده، لأن

(1) ص 168 ج 1 بدائع الصنائع (بيان المتروك ساهياً هل يقضي؟ ).

ص: 292

ما أتى به بعده غير معتد به لفوات الترتيب.

(الحال الثاني) ترك ركناً إما سجدةً أو ركوعاً ساهياً ثم ذكره بعد الشروع في قراءة الركعة التي تليهن بطلت الركعة التي ترك الركن منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها (قال) الأثرم: سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه إنما سجد للركعة الأولى سجدةً واحدةً، فقال: إن كان أول ما قام قبل أن يحدث عمله للأخرى، فإنه ينحط ويسجد ويعتد بها. وإن كان أحدث عمله للأخرى ألغى الأولى وجعل هذه الأولى. قلت: يستفتح أو يجزيء الاستفتاح الأول؟ قال: لا يستفتح ويجزئه الأول. قلت: فنسي سجدتين من ركعتين قال: لا يعتد بتينك الركعتين والاستفتاح ثابت. وهذا قول إسحاق (وقال) الشافعي: إذا ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية، فإنه يعود إلى السجدة الأولى، وإن ذكره بعد سجوده في الثانية، وقعتا عن الأولى، لأن الركعة الأولى قد صح فعلها، وما فعله في الثانية سهواً لا يبطل الأولى، كما لو ذكر قبل القراءةِ. وقد ذكر أحمد هذا القول عن الشافعيّ وقربه وقال: هو أشبه يعني من قول أصحاب أبى حنيفة، إلا أنه اختار القول الذي حكاه عنه الأثرم (وقال) مالك: إن ترك سجدةً فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغي الأولى (وقال) الأوزاعي: يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها (وقال) أصحاب الرأي: فيمن نسي أربع سجداتٍ من أربع ركعاتٍ ثم ذكرها في التشهد سجدَ في الحال أربع سجداٍ وتمت صلاته، فإنْ مضَى في موضع يلزمه الرجوع، أو رجع في موضع يلزمه المضي عالماً بتحريم ذلك فسدت صلاته؛ لأنه ترك واجباً في الصلاة عمداً. وإن فعل

ص: 293

ذلك معتقداً جوازه لم تبطل؛ لأنه تركه من غير تعمدٍ فأشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك، لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع، فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم يذكره إلا بعد شروعه في قراءةِ غيرها فلم يعد إلى الصحة بحال (1).

(الصورة الثالثة) إذا قام في آخر الصلاة لزائدةٍ تاركاً القعود الأخير، رجع إليه متى ذكره وسجد للسهو "لحديث" الحكم عن إبراهيم عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً. فسجد سجدتين بعد ما سلم. أخرجه السبعة (2){400}

(وفيه) دلالة على أن من زاد في صلاته ركعةً ناسياً لا تبطل صلاته (وبهذا) قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور السلف والخلف.

فإن علم بعد السلام فقد تمت صلاته ويسجد للسهو إذا تذكر عن قرب، وإن طال فالأصح عند الشافعية أنه لا يسجد للسهو إذا تذكر عن قرب، وإن طال فالأصح عند الشافعية أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود وغن كان قائماً أو راكعاً أو ساجداً ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم.

(وقالت) المالكية: إذا تذكر الزيادة بعد السلام يسجد للسهو، ولو طال الفصل.

(1) ص 683 ج 1 مغنى (من ترك ركناً من الصلاة).

(2)

ص 53 ج 4 الفتح الرباني، وص 61 ج 3 فتح الباري (إذا صلى خمساً) وص 64 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة) وص 144 ج 6 المنهل العذب (إذا صلى خمساً

) وص 185 ج 1 مجتبي (ما يفعل من صلى خمساً) وص 304 ج 1 تحفة الأحوذي (في سجدتي السهو بعد السلام والكلام) وص 188 ج 1 سنن ابن ماجه (من صلى الظهر خمساً .. )

ص: 294

(وقال) الحنفيون: من سها عن القعود الأخير فقام لركعةٍ أخرى، عاد إليه لزوماً ما لم يسجد فيما قام إليها وسجد للسهو لتأخيره فرض القعود فإن سجد فيما قام إليها ولو ناسياً بطل فرضه وتحول نفلاً على المفتي به، لاستحكام شروعه في النافلة قبل إتمام فرائض المكتوبة، ويضم إلى ما صلاه ركعة في غير المغرب إن شاء، فلو لم يضم صار الشفع الأول نفلاً وبطل الثاني، ولا يسجد للسهو، لأن ترك الفرض لا يجبر بالسجود. وفي المغرب يسلم على رأس الأربع ولا يزيد خامسة لكراهة التنفل بالوتر.

(وإن قعد) القعود الأخير قدر التشهد ثم قام سهواً، عاد ندباً وسلم ما لم يسجد في الخامسة، وإن سلم قائماً صح مع الكراهة، لن السلام في الصلاة لم يشرع حال القيام، وينتظره القوم؛ فإن عاد قبل السجود تابعوه، وإن سجد لما قام لها سلموا، لأنه لم يبق عليه إلا السلام وتم فرضه وضم ركعةً أخرى ندباً لما زادها وسجد للسهو في الصورتين استحساناً لتأخير السلام عن محله (وجملة) القل وما ذكره ابن قدامة في المغنى بقوله: متى قام إلى الخامسة في الرباعية أو إلى الرابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح، لزمه الرجوع متى ما ذكر فيجلس، فإن كان قد تشهد عقيب الركعةِ التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم يسلِّم، وإن كان تشهد ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلَّم، وإن لم يكن تشهَّد وسَجَدَ للسهو ثم سلم، فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجَد سجدتين عقيب ذكره وتشهد وسلم وصلاته صحيحة (وبهذا) قال علقمة والحسَن ومالِك والليْث والشافعي.

(وقال) أبو حنيفة: إنْ ذكر قبل أن يسجد جلسَ للتشهد، وإن ذكَر بعد السجودِ وكان جلس عقيب الرابعة قدْرَ التشهد، صحت

ص: 295

صلاتُه ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلةً، فإنْ لم يكن جلسَ في الرابعة بطل فرضه وصارتْ نافلةً ولزمه إعادة الصلاة (وقال) قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعاً يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعاً "لقول"النبي- صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيدٍ فيمن سجد سجدتين- فإن كانت صلاتُه تامة كانت الركعة والسجدتان نافلةً. رواه أبو داود وابن ماجه (1).

وفي رواية: فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته. رواه مسلم (2)(ولنا) ما روى عبد الله بن مسعود وذكر الحديث (3). ثم قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس عقيب الرابعة (4) لأنه لم ينقل عنه ولأنه قام إلى الخامسة معتقداً أنه قام

(1) هو بعض حديث، ولفظه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبين عل اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان (عطف على الركعة). وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماماً لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان [401] ص 150 ج 6 المنهل العذب (إذا شك في الثنتين والثلاث) وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك في صلاته فرجع إلى اليقين) و (مرغمتي) من أرغم الله أنفه الصقه بالتراب أي أذله وأغاظه، لأنه لبس على المصلي صلاته شرع الله السجود جبراً للصلاة وتداركاً لما لبسه عليه، فرد خاسئاً مبعداً عن مراده وكملت صلاة العبد.

(وفي رواية) لأبي داود عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان [402] ص 154 ج 6 المنهل العذب.

(2)

هو بعض حديث لفظه عند مسلم: عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبين على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كأننا ترغيماً للشيطان [403] ص 60 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له).

(3)

(الحديث) تقدم رقم 39 ص 280 (حكم سجود السهو).

(4)

(والظاهر .... إلخ) رده الحنفيون "بأن ظاهر" الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان قعد قدر التشهد في الرابعة، بدليل قول الراوي: صلى الظهر خمساً، والظهر اسم لجميع أركان الصلاة ومنها القعدة، وإنما قام إلى الخامسة على ظن أنها الثالثة، حملاً لفعله عليه الصلاة والسلام على ما هو أقرب إلى الصواب. "وبأن" عدم إضافته صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى للخامسة لا يدفع مذهب الحنفيين. لأنهم لا يرون هذا الضم لازماً. ولو لم يضر لا شيء عليه، لأنه مظنون. والمظنون غير مضمون. قاله في العناية (وقال) الكمال ابن الهمام في فتح القدير: ولو لم يضم لا شيء عليه وإن كان الضم واجباً، لعدم التنفل بالتوتر، لأنه مظنون الوجوب اهـ. (وقال) في البدائع: والأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى ليصيرا نفلاً إلا في العصر. اهـ.

ص: 296

عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا، ولم يضف إلى الخامسة أخرى. وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضاً فإنه جعل الزائدة نافلة من غير ان يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوسٍ، وجعل السجدتين يشفعانها ولم يضم إليها ركعة أخرى. وهذا كله خلافٌ لما قالوه.

فقد خالفوا الخبرين جميعاً (1) وقولنا يوافق الخبرين جميعاً. (2)

(فائدة): قال النووي في شرح مسلم: مذهب الشافعي ومن وافقه أن الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة، سواءٌ قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة. اهـ.

(ومشهور) مذهب المالكية: أنه إذا بلغت الزيادة في الثنائية ركعتين وفي الرباعية والثلاثية أربع ركعات، بطلت الصلاة. فإذا كانت أقل من ذلك سجد للسهو بعد السلام ولو كان الزائد سجدة.

(1) رد بان الحنفيين لم يخالفوا الحديثين، بل لهم فيما قالوا مدارك:

(الأول) أن القعدة الأخيرة فرض عندهم وترك الفرض مبطل للصلاة.

(الثاني) أنه صلى الله عليه وسلم لما قام إلى الخامسة بعد القعود صار شارعاً في صلاة أخرى بناء على التحريمة الأولى، لأنها شرط عندهم وليست بركن.

(الثالث) أن الصلاة بركعة واحدة منهى عنها عندهم، وعليه فيطلب إضافة ركعة أخرى إليها ليخرج عن التنفل بالبتيراء.

(الرابع) أن التسليم في آخر الصلاة غير فرض عندهم كما تقدم في بحث "السلام" فبتركه لا تبطل الصلاة، فمن عرف هذه المدارك لا ينبغي له أن ينسب أهل الفضل إلى مخالفة السنة بعد العلم بها. أفاده البدر العيني على البخاري.

(2)

ص 688 ج 1 مغنى ابن قدامة (من قام إلى خامسة أو رابعة او ثالثة).

ص: 297

(وقال) الحنفيون: إن بلغت الزيادة ركعة ولم يكن قعد القعود الأخير بطلت فرضية الصلاة وإلا فلا.

(ب) والزيادة القولية قسمان (1):

(الأول) ما يبطل عمده الصلاة كالسلام والكلام، فإن سلم في غير موضع السلام ساهياً، أتم صلاته وسجد للسهو اتفاقاً. وكذا إن تكلم ساهياً "لحديث" عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعاتٍ من العصر ثم دخل الحجرة فقام إليه رجلٌ يقال له الخرباق وكان طويل اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ قالوا: نعم. فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم. أخرجه السبعة إلا البخاري (2){404} .

"ولحديث" أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبةٍ في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، فقال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بل قد نسيت، فقال صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين، فأومأوا أي نعم. فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم سجد

(1) هذا مقابل زيادة الفعل بص 286.

(2)

ص 148 ج 4 الفتح الرباني، وص 70 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة)، وص 143 ج 6 المنهل العذب (السهو في السجدتين) وص 183 ج 1 مجتبي (الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين) وص 305 ج 1 تحفة الأحوذي (التشهد في سجدتي السهو) وص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً) و (الخرباق) بكسر الخاء وسكون الراء: هو اسم ذي اليدين أو لقب له، واسمه عمير.

ص: 298

مثل سجوده أو أطول. أخرجه مالك والسبعة (1) {

405}.

(ففي) الحديثين دليلٌ على أن من تكلم في الصلاة سهواً لا تبطل ويسجد للسهو (وبه) قال مالكٌ والشافعيّ وأحمد (قال) في المهذب: الذي يقتضي سجود السهو أمران: زيادة ونقصان، فأما الزيادة فضربان

(1) ص 40 ج 4 الفتح الرباني، وص 176 ج 2 تيسير الوصول (سجود السهو)، وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً) و (صلى بنا) ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة "فما قيل" إنه لم يشهدها وأن المراد صلى بالمسلمين "مردود" بهذه الرواية. وبقول أبي هريرة: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، سلم صلى الله عليه وسلم من ركعتين (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم من طريق يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة [406] ص 144 ج 4 الفتح الرباني، وص 70 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة) و (العشي) بفتح فكسر وشد الياء: ما بين الزوال والغروب. و (لم أنس ولم تقصر) أخبر بذلك على حسب اعتقاده صلى الله عليه وسلمن وفي رواية لمسلم: كل ذلك لم يكن (بل نسيت)"لما نفي" صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمرين، ومعلوم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز عليه السهو فيما أمر بتبليغه من الأحكام "جزم" ذو اليدين بوقوع النسيان لا بوقوع القصر، لأنه مما أمر بتبليغه فلا ينساه.

(وفي الحديث) دليل على جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال الشرعية. وهو مذهب عامة العلماء (وفائدته) بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره.

(أما) الأقوال فنقل القاضي عياض والنووي الإجماع على عدم جواز السهو عليه فيما طريقه البلاغ منها. وأما ما ليس طريقه البلاغ من الأقوال الدنيوية والأخبار التي لا تستند الأحكام إليها ولا تضاف إلى وحي، فقال جماعة: يجوز النسيان عليه فيها، إذ ليست من باب التبليغ الذي يتطرق به إلى القدح في الشريعة.

(قال) القاضي عياض: والحق الذي لا مرية فيه ترجيح قول من لم يجز ذلك على الأنبياء في خبر من الأخبار كما لنم يجيزوا عليهم فيها العمد، فإنه لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عن قصد ولا سهو، ولا في صحة ولا مرض، ولا رضا ولا غضب. اهـ.

(وهذا) كله مبني على أن النسيان والسهو بمعنى، وهو الذهول عن الشيء تقدمه ذكر أو لم يتقدمه. إما من فرق بينهما فاشترط في النسيان أن يتقدمه ذكر دون السهو، فقال: يمتنع السهو عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأقوال البلاغية وغيرها ويجوز عليه في الأفعال مطلقاً بلاغية أم لا. أما النسيان فممتنع في البلاغيات مطلقاً فعلية أو قولية قبل تبليغهان وبعد التبليغ يجوز عليه ولكن يكون من الله تعالى لا من الشيطان، إذ ليس له عليه سبيل.

(وقال) النووي في شرح مسلم: في حديث ذي اليدين فوائد (منها) جواز النسيان في الأفعال والعبادات عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه (ومنها) أن الواحد إذا ادعى شيئاً جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم، سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال. اهـ.

ص: 299

قولٌ وفعلٌ، فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، أو يتكلم، ناسياً، فيسجد للسهو، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين وكلم ذا اليدين وأتم صلاته وسجد سجدتين (1).

(وقال) الجمهور ومنهم الثوري وابن المبارك والحنفيون: تبطل صلاةُ المتكلم ولو ناسياً أو جاهلاً، لعموم أحاديث النهي عن الكلام في الصلاة كما تقدم في بحث "مبطلات الصلاة" (2) (قال) النووي: فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة، فجوابه من وجهين:

(أحدهما) أنهم لم يكونوا على يقينٍ من البقاءِ في الصلاة، لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟

(والثاني) أن هذا كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابً وذلك لا يبطل عندنا وعند غيرنا (3).

وفي رواية لأبي داود بسند صحيح أن الجماعةَ أومأُوا، أي نعم. فعلى هذه الرواية لم يتكلموا (فإن قيل) كيف رجع النبي صلى الله عليه

(1) ص 124 ج 4 شرح المهذب (الذي يقتضي سجود السهو أمران زيادة ونقصان).

(2)

انظر ص 2 و 3 ج 4 دين (حكم الكلام في الصلاة).

(3)

تقدم في بحث "قطع الصلاة" ص 143 ج 3: أن الصلاة تبطل عن الحنبلية بإجابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الصحيح عند الحنفية، وأنها لا تبطل عند الشافعية إلا إذا زاد في الجواب على المطلوب. والمعتمد عند المالكية عدم البطلان (قال) في المهذب: فإن كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه لم تبطل صلاته "لما روي" أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فلم يجبه، فخفف الصلاة وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما منعك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت اصلي. قال: أفلم تجد فيما أوحى إلى: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم"؟ قال: بلى يا رسول الله لا أعود. اهـ، ص 41 ج 4 شرح المهذب (والحديث) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي بمعناه. وأخرجه البخاري والدارمي والبيهقي وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد ابن المعلي بلفظ في بحث "قطع الصلاة" رقم 186 ص 142 ج 3 دين [407].

ص: 300

وسلم إلى قول الجماعة؟ وعندكم (عند الشافعية) لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيرهن إماماً كان أو مأموماً، ولا يعمل إلا على يقين نفسه (فجوابه) أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم. ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنس. وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة سهواً لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهواً. وفي هذه المسألة وجهان:

(أصحهما) لا يبطلها لهذا الحديث، فإنه ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الجذع وخرج السرعان. وفي رواية: دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته.

(والوجه) الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك.

وهذا مشكل. وتأويل الحديث صعبٌ على من أبطلها (1).

(الثاني) من الزيادة القولية، ما لا يبطل عمده الصلاة (2) وهو مشروعٌ فيها كالقراءة والتشهد والجهر في غير محلها. وفيه خلافُ الأئمة. (فعند) الحنفيين أنَّ من واجب الصلاة عدم تأخير الفرض والواجب وعدم تغييرهما. وعليه "فمن" كرر الفاتحة كلها أو أكثرها، أو قرأ السورة في غير أولي الفرض أو قرأ ولو آية في الركوع أو الاعتدال أو السجود أو الجلوس بعده أو في القعود الأخير قبل التشهد لا بعده، أو تشهد بين الفاتحة والسورة، أو كرر التشهد في القعود غير الأخير،

(1) ص 73 ج 5 شرح مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) و (السرعان) بفتح السين والراء: الناس يتسارعون إلى الشيء.

(2)

هذا مقابل الأول في الزيادة القولية ص 302.

ص: 301

أو جهر في محل السرِّ "وجب" عليه سجود السهو. وكذا إذا صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القعود الأول عند الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين. أخرجه مسلم عن ابن مسعود (1).

(وقالت) المالكية: لا يطلب السجود فيما ذكر إلا لتكرير الفاتحة والجهرِ في غير محله.

(وقالت) الشافعية: لا يسجد فيما ذكر إلا إذا سلم أو قرأ في غير موضع السلام أو القراءة (قال) النووي: "وإذا سلم" في غير موضعه ناسياً، أو قرأ في غير موضع القراءةِ غير الفاتحةِ أو الفاتحة سهواً أو عمداً. إذا قلنا بالصحيح إن قراءتها في غير موضعها عمداً لا تبطل الصلاة "سجد للسهو"(ولنا) وجهٌ ضعيفٌ أن القراءة في غير موضعها لا يسجد لها. وبه قطع العبدري ونقله عن العلماء كافةً إلا أحمد في رواية عنه (2).

(وعن) أحمد روايتان المشهور أنه يسن السجود لزيادةِ قولٍ مشروع.

(قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ما لا يبطل عمده الصلاة نوعان: (أحدهما) أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله كالقراءةِ في الركوع والسجود، والتشهد في القيام؛ والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأول، وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب، وما أشبه ذلك إذا فعله سهواً. فعل يشرع له سجود السهو؟ على روايتين:(إحداهما) لا يشرع له سجود، لأن الصلاة لا تبطل بعمده، فلم يشرع السجود لسهوه، كترك سنن

(1) تقدم بالحديث رقم 392 ص 281 (حكم سجود السهو).

(2)

ص 126 ج 4 شرح المهذب (الذي يقتضي سجود السهو أمران).

ص: 302

الأفعال (والثانية) يشرع له السجود "لقوله" عليه الصلاة والسلام: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالسٌ. رواه مسلم (1). فإذا قلنا: يشرع له السجود، فذلك مستحبٌّ غير واجب لأنه جبرٌ لغير واجب فلم يكن واجباً كجبر سائر السنن.

(النوع) الثاني: أن يأتي فيها بذكرٍ أو دعاءٍ لم يرد الشرع به فيها، كقوله: آمين رب العالمين؛ وقوله في التكبير: الله أكبر كبيراً، ونحو ذلك، فهذا لا يشرع له السجود، لأنه روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه سمعَ رجلاً يقول في الصلاةِ: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. فلم يأمرهُ بالسجود (2).

(تنبيهات): (الأول) اشتمل هذا الجزء على أدلة الأحكام من الكتاب مضبوطة مفسرة مبيناً مراجعها. (الثاني) اشتمل على: (أ) 407 سبعة وأربعمائة حديث، المكرر منها ثلاثة عشر حديثاً. (ب) على 62 اثنين وستين أثراً، المكرر منها أثران. (الثالث) قد بين بهامش هذا الجزء أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أدلته ومراجع النصوص العلمية. فلينظر بيانها بصفحتي 375 و 376 من الجزء السابع من (الدين الخالص).

والله تعالى ولي التوفيق والهداية. والصلاة والسلام على من أنزل عليه الكتاب، وعلى آله والأصحاب، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

تم بحمد الله تعالى الجزء الخامس من الدين الخالص ويليه إن شاء الله تعالى الجزء السادس، وأوله:(السبب الثاني) لسجود السهو - النقص في الصلاة.

(1) هذا بعض حديث عند مسلم عن ابن مسعود ص 66 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود لها).

(2)

ص 676 ج 1 مغنى (حكم الزيادة في الصلاة) والرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه- هو رفاعة بن رافع تقدم حديثه رقم 268 ص 206 ج 2 الدين الخالص طبعة ثانية (ذكر الاعتدال).

ص: 303