الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أ) الاستخارة المشروعة
ينحصر الكلام فيها في أربع فروع:
1 -
حكمها:
يستحب لمن عزم علي أمر لا يدرى وجه الصواب فيه كسفر وتجارة وزواج وشركة، أن يشاور فيه من يعلم منه حسن النصيحة وكمال الشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته ((لقوله)) تعالي:((وشاورهم في الأمر)) (1) وقوله: ((وأمرهم شوري بينهم)) (2).
(وإذا) شاور وظهر انه مصلحة استخارة الله فيه، فيصلي ركعتين تطوعا ويدعو بالدعاء الآتي ونحوه. أما المعروف خيره كالعبادة وعمل المعروف فيفعل بلا استخارة، والمعروف شره كالمحرم والمكروه، فيترك بلا استخارة ودليل صلاة الاستخارة:
(حديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القران. يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري واجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشى
(1) من الآية 159 سور ة عمران، ومن الآية 38 سورة الشوري.
(2)
من الآية 159 سور ة عمران، ومن الآية 38 سورة الشوري.
وعاقبه أمري، أو قال في عاجل أمري واجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به. أخرجه السبعة إلا مسلماً وقال: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبى الموالي، وهو شيخ مدني ثقة (1){324}
(وحديث) أبى أيوب الأنصاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له: اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم وأنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة - تسميها باسمها- خيراً لي في دنياي وآخرتي، فاقض لي بها، أو قال فاقدرها لي، وان كان غيرها خيرا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي بها، أو قال فاقدرها لي. أخرجه احمد والطبراني وابن حبان. وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه. وأخرجه احمد من طريق آخر رخاله كلهم ثقات (2){325}
(1) ص 46 ج 5 الفتح الرباني، وص 223 ج 2 تيسير الوصول (لاستخارة). وفي قوله:(ثم ليقل: اللهم إني استخيرك ....... الخ) دليل علي انه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة، وانه لا يضر الفصل بكلام يسير، وعلي انه لا يجزئ الإتيان به في أثناء الصلاة. وفي رواية أبى داود: وليقل، وعليه فيحتمل إجزاء الدعاء في أثناء الصلاة قبل السلام. (إن كنت تعلم؟ ) أي إن كان في علمك أن هذا الأمر الذي أريد خير لي
…
الخ. فالشك في متعلق العلم لا في اصله، الشك من الراوى وفي روايه احمد: فإن كنت تعلم هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، بلا شك، (ومع هذا) يستحسن الجمع بين الكل فيقول: ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله واجله، ليتحقق موافقة الوارد.
(2)
ص 49 ج 5 الفتح الرباني، وص 280 ج 2 مجمع الزوائد (الاستخارة)، و (الخطبة) بكسر فسكون: طلب زواج المرأة من وليها. والمعني: إذا أردت خطبة امرأة فكتمه في نفسك ثم توضأ واستخر ويحتمل أن المعني: اكتم خطبتها ولا تفشها للناس، ثم توضأ واستخر (وحكمة) عدم الإقدام علي الخطبة قبل تعرف الخير فيها، انه إن خطب ثم استخار قد يبد\وله الرجوع عن الخطبة.
(وفي الباب) أحاديث آخر كلها تدل علي استحباب صلاة الاستخارة والترغيب فيها، وبه قال جميع العلماء (قال) العراقي: لم أجد من قال بوجوب الاستخارة، ومما يدل علي عدم وجوبها الأحاديث الصحيحة الدالة علي انحصار فرض الصلاة في الخمس من قوله: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع (1)
وغير ذلك. اهـ.
(وقال) النووي في الأذكار: تستحب الاستخارة بالصلاة والدعاء، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة. والظاهر أمها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وغيرها من النوافل. اهـ. يعني إذا نوي بها الاستخارة (وقال) العراقي: إن كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتية ونحوها ثم صلي من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك. اهـ.
(فائدة) من تأمل دعاء الاستخارة الوارد عن رسول الله عليه وسلم وجد فيه من البلاغة والأسرار والفوائد ما لا يوجد في أي دعاء يختاره الإنسان لنفسه.
(1) هو بعض الحديث رقم 5 تقدم بص 3 ج 2 دين (الصلاة).
(1)
(كحديث) خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من احسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، واتم ركوعهن وخشوعهن، كان له علي اللع عهد ان يغفر له، ومن لم يفعل فليس له علي الله عهد ن ان شاء غفر له وان شاء عذبه. اخرجه ابو داود والبيهقي عن عبادة بن الصامت (326) ص 2 ج 4 المنهل العذب (المحافظة علي الصلاة). (وحديث) خمس صلوات من حافظ عليهن، كانت له نورا وبرهان ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نورا يوم القيامة ولا برهانا ولا نجاة، وكان يةم القيانة مع فرعون وقارون وهامان وابي بن خلف. اخرجه احمد والطبراني وابن نصر. وهذا لفظه عن ابن عمرو بسند رجاله ثقات (327) تقدم رقم 75 ص 46 ج دين، وليس فيه: خمس صلوات.
(قال) ابن الحاج: ثم انظر إلى تلك الالفاظ الجليلة التي شرعها عليه الصلاة والسلام لأمته ليرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية، وهي (اللهم) أي أسألك بجميع ما سئلت به، ويؤيده ما نقل أنه اسم الله الأعظم الذي ترجع إليه جميع الاسماء (انني استخيرك بعلمك) القديم الكامل لا بعلمي أنا المخلوق القاصر، فمن فوض الأمر إلى ربه اختار له ما يصلح (وأستقدرك بقدرتك) القديمة الأزلية، لا بقدرتي أنا المخلوقة المحدثة القاصرة، فمن تعرى عن قدرة نفسه وكانت قدرته منوطة بقدرة ربه عز وجل مع السكون والضراعة إليه، فلا شك في وجود الراحة له، إما عاجلاً أو آجلاً أو هما معاً، وأي راحةٍ أعظم من الانسلاخ من عناء التدبير والاختيار والخوض بفكرة عقله فيما لا يعلم عاقبته، (وأسألك من فضلك العظيم) فمن توجه بالسؤال إلى مولاه دون مخلوقٍ واستحضر سعة فضل ربه عز وجل وتوكل عليه ونزل بساحة كرمه، فلا شك في نجح سعي من هذا حاله، اذ فضل المولى سبحانه وتعالى أجل وأعظم من ان يرجع إلى قانون معلوم وتقدير (فإنك تقدر ولا أقدر،
(وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) فمن تبرأ وانخلع من تدبير نفسه وحوله وقوته ورجع بالافتقار إلى مولاه الكريم الذي لا يعجزه شيء، فلا شك في قضاء حاجته وبلوغ ما يؤمله وقع الراحة (أو قال في عاجل أمري وآجله) الشك هنا من الراوي في أيهما قال عليه الصلاة والسلام. وإذا كان كذلك فينبغي للمكلف أن يختاط لنفسه في تحصيل بركة لفظه عليه الصلاة والسلام على القطع فيأتي بهما معاً (فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه) فمن رضي بما اختاره له سيده العالم بعواقب الأمور كلها وبمصالح الأشياء جميعها بعلمه القديم الذي لا يتبدل ولا يتحول، فقد
سعد السعادة العظمى (فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فمن سكن إلى ربه عز وجل وتضرع إليه ولجأ في دفع جميع الشر عنه، فلاشك في سلامته من كل ما يتوقع من المخاوف (فأي دعاء) يجمع هذه الفوائد ويحصلها مما اختاره المرء لنفسه مما يخطر بباله من غير الألفاظ الجليلة التي احتوت على ما وقعت الإشارة إليه وأكثر منه؟ ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلا أن من فعلها كان ممتثلاً للسنة المطهرة محصلاً لبركتها لكفى. ثم مع ذلك تحصل له بركة النطق بتلك الألفاظ التي تربو على كل خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها، فيا سعادة من رزق هذا الحال. أسأل الله أن لا يحرمنا ذلك بمنه (وينبغي) أن لا يفعلها المكلف إلا بعد أن يمتثل ما مضى من السنة في أمر الدعاء وهو أن يبدأ أولاً بالثناء على الله سبحانه وتعالى. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأخذ في دعاء الاستخارة المتقدم. ثم يختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(والجمع) بين الاستخارة والاستشارة من كمال الامتثال للسنة. فينبغي للمكلف أن لا يقتصر على إحداهما، فإن كان ولابد من الاقتصار فعلى الاستخارة، لما تقدم من قول الراوي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن (1).
2 -
القراءة في صلاة الاستخارة:
يقرأ في كل ركعة منها الفاتحة وسورة ما. والأفضل أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: "قل يأيها الكافرون". وفي الثانية: "قل هو الله
(1) ص 92 ج 3 مدخل الشرع الشريف (الاستخارة والمشاورة)
أحد". (وقيل) يقرأ في الأولى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" (1).
وفي الثانية: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"(2)
(1) سورة القصص، الآيتان 68 و 69. وسبب نزولها أن كفار مكة استبعدوا نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا:" لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم": 31 الزخرف - (يريدون الوليد بن المغيرة بمكة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. وقد أسلم هذا وحسن إسلامه) فنزل قول الله تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" أي أنه هو المنفرد بالخلق والاختيار، وأن الأمور كلها، خيرها وشرها، منه وإليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن "ما كان لهم الخيرة" بفتح الياء وإسكانها، أي ما كان للخلق جميعاً الاختيار في شيء ما، بل الخيرة لله تعالى (ففي) (الحديث القدسي: يا عبدي، أنت تريد وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد. فإن سلمت لي ما أريد، أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي ما أريد، أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلا ما أريد) [328] ذكره العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين ص 224 ج 3 (سورة القصص)
قال الزجاج: الوقف على "يوختار" تام، وما نافية، وهو الصحيح عن ابن عباس وغيره، فإن الآية سيقت لبيان انفراده تعالى بالخلق والاختيار، ولذا قال:"سبحان الله" أي تنزه عن أن ينازعه منازع أو يشاركه مشارك "وتعالى عما يشركون" أي تعاظمت ذاته تعالى عن إشراكهم أو عن مشابهة ما جعلوهم شركاء له من الأصنام والأنداد، فإنها لا تخلق ولا تختار شيئاً "وربك يعلم ما تكن صدورهم" أي تخفيه من الشرك وغيره "وما يعلنون" أي يظهرونه من ذلك، فهو يعلم ما تكنه الضمائر وما تنطوي عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر، قال الله تعالى:"سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" سورة الرعد، الآية 10.
(2)
سورة الأحزاب، الآية 36، وسبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب لمولاه زيد بن حارثة، فأبت وأبي أخوها عبد الله بن جحش. فنزل:"وما كان لمؤمن" كعبد الله بن جحش "ولا مؤمنة" كزينب "إذا قضى الله ورسوله أمراً" من الأمور، كنكاح زينب لزيد وغيره مما ترضاه نفوسهم أو تأباه "أن يكون لهم الخيرة" أي الاختيار "من أمرهم" فإن أمر الله هو المتبع وقضاه رسوله هو الحق. فعلى العقلاء أن يجعلوا آراءهم تبعاً لرأيه واختياره صلى الله عليه وسلم، ولا يترددوا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في تنفيذ ما أر الله به ورسوله. قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" آية 65 - النساء (وفي) الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به. ذكره النووي في الأربعين عن ابن عمرو، وقال: الحديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بسند صحيح [329] رقم 41 منها. "ومن يعص الله ورسوله" بمخالفة الأمر "فقد ضل" عن طريق الهدى "ضلالاً مبينا" أي بيناً ظاهراً. لأن المقصود هو الله. والهادي هو النبي صلى الله عليه وسلم. فمن ترك المقصود وخالف الدليل: ضلى ضلالاً لا يرعوى بعده. قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم" عجز آية 63 - النور. فما نزلت الآية قال عبد الله بن جحش وأخته زينب: رضيا يا رسول الله، فأنكها زيداً، ودفع عنه المهر عشرة دنانير وستين درهماً وملحقة وخماراً ودرعاً وإزاراً وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر.
(قال) ابن عباس: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على فتاة زيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش فخطبها، فقالت: لست بناكحته. فقال صلى الله عليه وسلم: فانكحيه. قالت: يا رسول الله، أؤامر نفسي، فبينما هما يتحدثان، أنزل الله هذه الآية على رسوله:"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إلى قوله "ضلالاً مبيناً"
…
قالت: قد رضيه لي يا رسول الله منكحاً؟ قال: نعم. قالت: إذن لا اعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي، أخرجه ابن جرير وابن مردويه [330] ص 9 ج 22 جامع البيان، هذا والعبرة بعموم الفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة في كل الأمور تدل على انه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته.
(ولما) تزوج زيد زينب وأقام معها سنة، أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلقها وأنها ستكون من أزواجه. وزينب ما زالت تشمخ بأنفها وتؤذي زوجها وتفخر عليه بنسبها، فاشتكى منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرة بعد المرة. وجاء يستشيره في طلاقها، والنبي عليه الصلاة والسلام يغلبه الحياء قيتئذ ويتأنى في تنفيذ حكم الله ولا يعجل، فكان يقول لزيد:"أمسك عليك زوجك واتق الله"
وفي ذلك نزل قوله تعالى: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" بالإسلام وهو زيد بن حارثة "وأنعمت عليه" بالعتق "أمسك عليك زوجك" يعني زينب "واتق الله " في أمرها ولا تفارقها "ونخفي في نفسك ما الله مبديه" من أنها ستكون من أزواجك "وتخشى الناس" أي تخاف من تعييرهم بأن يقولوا أمر مولاه بطلاق امرأته ثم تزوجها وهي زوجة ابنة المتنبي "والله أحق أن تخشاه" في كل حال دون سواه، ولا تنظر إلى ما يقولون، لأنك ما بعثت إلا لإخراجهم من الظلمات إلى النور "فلما قضي زيد منها وطراً" أي حاجة وأرباً ولم يبق له رغبة ولا ميل إليها طلقها راغباً =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مختاراً. فلما انقضت عدتها "زوجناكها" بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر، خصوصية له صلى الله عليه وسلم وتشريفاً له ولها.
(قال) أنس: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: اذهب قاذكرها على، فانطلق زيد، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، فقلت: يا زينب، ابشري، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قالت ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن. ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه ويسلم عليهن ويقلن له: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أو غيري أن القوم قد خرجوا، فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه ونزل الحجاب، ووعظ القوم مما وعظوا به "يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي"(الآية). أخرجه احمد ومسلم والنسائي [331] ص 338 ج 3 تيسير الوصول (زينب رضي الله عنها.
(قال) العلامة الشيخ محمد عبده: هذه هي الرواية الصحيحة والقولة الراجحة. ذكر الله نبيه بما وقع منه ليزيده تثبيتاً على الحق، وليدفع عنه. ما حاك في صدور ضعاف العقول ومرضى القلوب، فقال:"وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" بالإسلام "وأنعمت عليه" بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة وتزويجه بنت عمتك ووعظه- عندما كان يشكو إليك من إيذاء زوجه- بقولك "أمسك عليك زوجك واتق الله" واخشه في أمرها، فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها، وارع حق الله في نفسك أيضاً أمره فربما لا تجد بعدها خيراً منها. تقول ذلك وأنت تعلم أن الطلاق لابد منه بما أهلمك الله أن تمتثل أمره بنفسك لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك. وإنما غلبك في ذلك الحياء وخشية أن يقولوا تزوج محمد مطلقة متبناه، فأنت في هذا "تخفي في نفسك ما الله مبديه" من أنها ستكون زوجك "وتخشى الناس والله" الذي أمرك بذلك كله "أحق أن تخشاه"، فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلاً بتنفيذ كلمته وتقرير شرعه. ثم زاد بياناً بقوله:"فلما قضي زيد منها وطراً" أي حاجة بالزواج "زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً" لترتفع الوحشة من نفوس المؤمنين ولا يجدوا في أنفسهم حرجاً من أن يتزوجوا نساء كانت من قبل زوجات لأدعيائهم "وكان أمر الله مفعولاً" اهـ. (وهذا) البيان هو اللائق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر من الآيات والأحاديث الصحيحة.
(قالت) عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك" إلى قوله: "وكان أمر الله مفعولاً"، وان النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فأنزل الله: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد، فأنزل الله تعالى:"أدعوهم لآبائهم" الآية. فلان ابن فلان وفلان أخو فلان. أخرجه الترمذي وصححه [332] ص 155 ج 1 تيسير الوصول (سورة الأحزاب).
"وأما" ما قاله بعض المفسرين من أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على بيت زيد وهو غائب، فرأى زينب فاستحسنها، فقال: سبحان مقلب القلوب. فسمعت التسبيحة، فنقلتها إلى زيد، فوقع في قلبه أن يطلقها .. الخ ما زعموا "فهو" باطل لا يعول عليه.
(قال) الإمام ابن العربي: (فأما قولهم) إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه (فباطل) فإنه كان معها في كل وقت وموضع ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج وقد وهبته نفسها وكرهت غيره فلم تخطر بباله، فكيف يتجدد له هوى لم يكن؟ حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة. وقد قال الله له:"ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهن زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه" آية 131 سورة طه. والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين. ولم يخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات.
(وإنما) كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل وقال: إن زينب زوجك ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، فأبى زيد إلا الفراق وطلقها، وانقضت عدتها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي مولاه زوجها، وانزل الله هذه الآيات فقال:"و" اذكر يا محمد "إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله" في فراقها "وتخفي في نفسك ما الله مبديه" يعني من نكاحك لها وهو الذي أبداه لا سواه، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته، لابد من وجود هذا الخبر وظهوره لوجوب صدقة في خبره. وهذا يدلك على براءته من كل ما ذكره بعض المفسرين.
(فإن قيل) فلأى معنى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجكم. وقد أخبره الله أنها زوجته لا زوج زيد (قلنا) هذا لا يلزم، ولكن لتطيب نفوسكم نفسر ما خطر من الإشكال فيه. وهو أنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهية فيما ما لم يكن علمه منه في أمرها.
(فإن قيل) فكيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لابد منه؟ وهذا تناقض (قلنا) بل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان وقد علم انه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلاً وحكماً. وهذا من نفيس العلم فيتقنوه وتقبلوه انظر ص 169 ج 2 كتاب أحكام القرآن (سورة الأحزاب).
وقد بين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله حكمة ما وقع من تزويج زيد زينب مع كراهتها لذلك وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون من أمهات المؤمنين، فقال: نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرؤوف الرحيم لم يبال بإباء زينب وغربتها عن زيد، وقد كان لا يخفى عليه أن نفور قلب المرأة من زوجها مما تسوء معه العشرة وتفسد به شئون المعيشة، فما كان له- وهو سيد المصلحين- أن يرغم امرأة على الاقتران برجل وهي لا ترضاهن مع ما في ذلك من الضرر الظاهر بكل من الزوجين. لا ريب أننا نجد من ذلك هادياً إلى وجه الحق في فهم الآية التي نحن بصدد تفسيرها. ذلك أن التصاق الأدعياء بالبيوت واتصالهم بأنسابها كان أمراً تدين به العرب وتعده أصلاً يرجع إليه في الشرف والحسب. وكانوا يعطون الدعي جميع حقوق الابن ويجرون عليه وله جميع الأحكام التي يعتبرونها للابن حتى في الميراث وحرمة النسب، وهي عقيدة جاهلية رديئة، أراد الله محوها بالإسلام، حتى لا يعرف من النسب إلا الصريح، ولا يجري من أحكامه إلا ما له أساس صحيح، لهذا أنزل الله:"وما جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله" الخ.
(فهذا) هو العدل الإلهي أن لا ينال حق الابن إلا من يكون ابناً، أما المتنبي اللصيق فلا يكون له إلا حق المولى والأخ في الدين. فحرم الله على المسلمين أن ينسبوا الدعى لمن تبناه. وحظر عليهم أن يقطعوا له شيئاً من حقوق الابن لا قليلاً ولا كثير اً، وشدد الأمر حتى قال:"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم، وكان الله غفوراً رحيماً"، فهو يعفو عن اللفظة تصدر من غير قصد بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني أو ينادي شخص آخر بمثل ذلك لا عن قصد التبني، ولكنه لا يعفو عن العمد من ذلك الذي يقصد منه الإلصاق بتلك اللحمة كما كان معروفا من قبل.
(مضت) سنة الله في خلقه أن ما رسخ في النفس بحكم العادة لا يسهل عليها التقصي منه ولا يقدر على ذلك إلا من رفعه الله فوق العادات، وأعتقه رق الشهوات وجعل همته فوق المألوفات، فلا يستميله إلا الحق، ولا تحكم عليه عادة، ولا يغلبه عرف، ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن يختصه الله بالتأسي به.
(ولهذا) كان الأمر إذا نهى الله عن مكروه كانت الجاهلية عليه أو أحل شيئاً كانت الجاهلية تحرمه. بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى امتثال النهي بالكف عن المنهي عنه والإتيان بضده، وسارع إلى تنفيذ الأمر بإتيان المأمور به حتى يكون قدوة حسنة ومثالاً صالحاً تحاكيه النفوس، وتحتذيه الهمم، وحتى يخف وزر العادة، وتخلص العقول من ريب الشبهة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (نادى) صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بحرمة الربا. وأول ربا وضعه ربا عمه العباس حتى يرى الناس صنيعه بأقرب الناس إليه وأكرمهم عليه، فيسهل عليهم ترك مالهم، وتنقطع وساوس الشيطان من صدورهم.
(على هذا) السنن الإلهي كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زينب، كبر على العرب أن يفصلوا عن أهلهم من ألصقوه بأنسابهم من أدعيائهم، كما دل عليه قوله تعالى:"ولا تخشى الناس" الخ. فعمد النبي صلى الله عليه وسلم عن سنته إلى خرق العادة بنفسه، وما كان ينبغي له ولا من مقتضى الحكمة أن يكلف أحد الأدعياء الأباعد عنه أن يتزوج ثم يأمره بالطلاق ثم يأمر من كان قد تبناه أن يتزوج مطلقته، ففي ذلك من المشقة مع تحكم العادة وتمكن الاشمئزاز من النفوس مالا يخفي على أحد. فألهمه الله أن يتولى الأمر بنفسه في أحد عتقائه، لتسقط العادة بالفعل كما ألغى حكمها بالقول الفصل، (لهذا) أرغم النبي صلى الله عليه وسلم زينب أن تتزوج بزيد وهو مولاه وصفيه، والنبي صلى الله عليه وسلم نجد في نفسه أن هذا الزواج مقدمة لتقرير لشرع وتنفيذ حكم الهي. اهـ.
[فائدتان]:
(الأولى) زينب بنت جحش الأسدية، أسلمت قديماً وكانت من المؤمنات المهاجرات، تزوجها زيد بن حارثة، ولما طلقها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في صفر سنة خمس من الهجرة (يونية 626 م) وعمرها خمس وثلاثون سنة. كان اسماً (برة) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وكانت صالحة صوامة قوامة كثيرة لخير، تعمل بيدها وتتصدق.
(قال) أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد. أخرجه الشيخان [333] تقدم رقم 289 ص 212.
(وأرسل) إليها عمر اثنى عشر ألف درهم كما فرض لأمهات المؤمنين، فأخذتها وفرقتها في قرابتها وقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد هذان فماتت سنة عشرين من الهجرة وعمرها خمسون أو ثلاثة وخمسون سنة وصلى عليها عمر، رضي الله عنهما.
(وهي) أول من مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه (قالت) عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً، فكن يتطاولن أيتهن أطوال يداً؟ فكانت أطوالنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. أخرجه مسلم [334] ص 8 ج 16 نووي مسلم (فضل زينب أم المؤمنين).
(والمراد) بطول اليد: كثرة الكرم والصدقة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (وقالت) عائشة: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقي الله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة (أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب. [51] ص 733 ج 2 (زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
(وعن عبد الله) بن شداد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن زينب بنت جحش أواهة، فقال رجل: يا رسول الله، ما الأواه؟ قال: الخاشع المتضرع، وإن إبراهيم لحليم أواه منيب. أخرجه ابن عبد البر [335] ص 734 ج 2 الاستيعاب.
(وعن) محمد بن عبد الرحمن بن الحارث أن عائشة رضي الله عنها ذكرت زينب بنت جحش فقالت: ولم تكن امرأة خيراً منها في الدين واتقي الله تعالى وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد تبذلاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به إلى الله عز وجل. أخرجه ابن عبد البر [53] ص 733 و 734 ج 2 الاستيعاب (زينب بنت جحش).
"الثانية" زيد بن حارثة بن شراحيل أشهر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبي في الجاهلية وأتى به سوق عكاظ، فاشترته خديجة رضي الله عنها وهو ابن ثماني سنين، ووهبته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فأعتقه.
(وقد) حزن لفقاه أبوه حزناً شديداً، فلما علم أنه بمكة قدم ليفديه، فدخل هو وخوه كعب بن شراحيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه. فقال: من هو: قال: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك؟ قال: ما هو: قال: ادعوه وخيروه، فإن اختاركم فهو لكمن وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني أحداً. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت.
(فدعاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرف هؤلاء: قال نعم، هذا أبي، وهذا عمي. قال: فأنا من قد عرفت ورأيت صحبتي لك. فاخترني أو اخترهما. قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي اختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك واهلك؟ قال: نعم، وقد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه عند الكعبة فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه. فلما رأى ذلك أبوه وعمه، طابت نفوسهما وانصرفا.
(وهاجر) زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخير. وكان هو البشير إلى المدينة بنصر المؤمنين يوم بدر. =
(قال) الحافظ في الفتح: والأكمل أن يقرا في كل منهما السورة والآية الأوليين في الأولى يعني بعد الفاتحة والآخرتين في الثانية. اهـ. لكن ظاهر الأحاديث عدم التقييد بشيء مما ذكر، فله أن يقرأ فيهما ما شاء.
هذا "وقول" النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب رقم 325 ص 230: ثم صل ما كتب الله لك "ظاهر" في جواز صلاة الاستخارة بأكثر من ركعتين، فله أن يصلي أربعاً أو أكثر بتسليمةٍ.
"ومفهوم" العدد في قوله في حديث جابر (رقم 324 ص 230):
= (وزوجه) رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة وتزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين كما تقدم. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة.
(وكان) ابيض مشرباً بحمرة، وكان رضي الله عنه سيداً كبير الشأن، جليل القدر، حبيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلمن يقال له الحب، ولابنه أسامة: الحب ابن الحب.
(وهو) أو من أسلم من الموالي. (قال) ابن عمر رضي الله عنهما: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وأمر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لحليفاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلى، وإن هذا لمن أحب الناس إلى بعده. أخرجه الشيخان والترمذي [336] ص 86 ج 3 تيسير الوصول (زيد بن حارثة وابنه أسامة).
(وقال) ابن عمر: فرض عمر (أي قدر وظيفة) لأسامة بن زيد رضي الله عنهما في ثلاثة آلاف وخمسمائة (من بيت المال) وفرض لي في ثلاثة آلاف. فقلت: لم فضلت أسامة على؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد، فقال: يا بني، كان زيد رضي الله عنه احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة رضي الله عنه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي (بكسر الحاء وقد تضم، أي محبوبي). أخرجه الترمذي وحسنه [53] ص 87 ج 3 تيسير الوصول (زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما.
(ولم يذكر) الله تعالى في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باسمه العلم إلا زيداً. قال تعالى: "فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها".
(وأمره) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش في غزوة مؤتة، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة، وعمره خمس وأربعون سنة.
فليركع ركعتين. "ليس" بحجة عند الجمهور، غير أنهم اتفقوا على أنه لا تجزيء الركعة الواحدة.
هذا. وحكمة تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد من الاستخارة الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لهذا أنجع من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله تعالى والثناء عليه، وإظهار الافتقار إليه حالاً ومآلً.
3 -
وقت صلاة الاستخارة:
لم يعين لها في الأحاديث وقت، ولذا قالت الشافعية: يجوز تأديتها في كل وقت حتى وقت النهي عن الصلاة، لأنها صلاة لها سبب.
(وقال) الجمهور: تؤدي في غير أوقات النهي، تقديماً للحاظر على المبيح.
4 -
الاستخارة بالدعاء:
إذا تعذرت صلاة الاستخارة، استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا استخار فعل ما ينشرح له صدره، ولا يعتمد على انشراح كان له قبل الاستخارة، بل ينبغي له ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيراً لله، بل يكون مستخيراً لهواه فإن لم ينشرح صدره لشيء (فقيل) يكرر الاستخارة ثلاثاً، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دعا كرر الدعاء ثلاثاً (وقيل) يكررها سبعاً (لما روي) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى