الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 و 18 - صلاة الضائع والآبق
يسن لمن ضاع له شيء أو أبق وأراد العثور عليه أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو بما ورد في ذلك (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا ضاع له شيء أو أبق يتوضأ ويصلي ركعتين يتشهد ويقول: باسم الله، يا هادي الضلال، وراد الضالة، اردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك، فإنها من عطائك وفضلك. أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم وقال: رواته موثقون مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح (1){380} . هذا ويتصل بالنوافل بحثان:
(1) ص 135 تحفة الذاكرين (صلاة الأبق والضياع).
(قال) العلامة أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي في كتابه (الدين الخالص) في الكلام على ما ورد في التعليق والتمائم: وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف يتبين لك عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذها مساجد والإقبال عليها بالقلب والوجه، وصرف الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات- التي هي حق الله تعالى- إليها من دونه كما قال تعالى:"ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذن من الظالمين (106) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله"(107) يونس. ونظائرها في القرآن أكثر من أن يحصر، ص 237 ج 2 (معنى التمائم وحكم تعليقها).
(وقال) الأستاذ الجليل الشيخ علي محفوظ رحمه الله: ولا ريب أن السبب الذي نشأ عنه هذا الاعتقاد وهذه الغفلة هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور وبناء القباب وصنع المقاصير وعمل التوابيت ووضع الستور عليها وتزيينها بأبلغ زينة وتحسينها على أكمل وجه، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة وقد وضعت حولها مجامير الطيب، فلا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لصاحب هذا القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الولي من المنزلة، ويدخله من الروع والمهابة له ما يغرس في قلبه من العقائد الوهمية التي هي من أعظم مكايد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً حتى يطلب من صاحب هذا القبر ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. وهذا عين الضلال. وقد يجعل الشيطان طائفة من بني آدم (شياطين الإنس) يقفون على ذلك القبر يخدعون من يأتي إليه من الزائرين يهولون عليهم الأمر، ويصنعون أموراً من أنفسهم وينسبونها إلى صاحب الضريح على وجه يخفي على البسطاء، وقد يختلفون من حكايات الكرامات له ما الله اعلم به ويبثونها في الناس ويكررونها في مجالسهم فتشيع وتستفيض، ويتلقاها بقلب سليم من يحسن الظن بهم وبأصحاب الأضرحة، ويقبل عقله ما يروي عنهم من الأكاذيب فيرويها كما سعمها ويتحدث بها في مجالسه، فيقع البسطاء في بلية عظيمة من الاعتقاد، ويزعم كثير من قصار النظر أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض، وإنقاذ الغريق، والنصر على الأعداء، ورد الضائع، وغير ذلك مما يكون في عالم الكون، على معنى أن الله تعالى فوض إليهم ذلك لما لهم عنده من الجاه الأعلى والمقام الرفيع الأسمى. فلهم ما يشاءون، ومن قصدهم لا يخيب، وتراهم لهذا يرفعون لهم شكواهم في عرائض مكتوبة يضعونها في الأضرحة. وربما كان صاحب هذا الضريح في حال حياته لا يستطيع الأخذ بناصر المظلوم، ولكن الناس بعد الممات يجعلون له التصرف في الملك والملكوت. وقد قال عيسى عليه السلام:"وكنت عليهم شهيداً ما دمت فهيم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" المائدة، عجز آية 117، وص 104 الإبداع في مضار الابتداع (غفلة العوام عن الله تعالى).
الأول: طول القيام وكثرة السجود
الأفضل في صلاة النفل طول القيام "لقول" جابر: قيل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت. أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (1){380} . والقنوت: القيام "ولقول" المغيرة ابن شعبة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه أو ساقاه، فقيل له: قد غفر الله لك. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. أخرجه السبعة إلا أبا داود (2){381} .
(وبهذا) قال الحنفيون والشافعيون وجماعة (وقال) جماعة منهم ابن عمر: الأفضل كثرة الركوع والسجود. وهو الظاهر عند المالكية "لقول" معدان بن أبي طلحة اليعمري: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت له: دلني على عمل ينفعني الله به ويدخلني الله الجنة، فسكت عني ملياً ثم التفت إليّ فقال: عليك
(1) ص 314 ج 3 مسند احمد، وص 300 ج 1 تحفة الاحوذي (طول القيام في الصلاة).
(2)
ص 251 ج 4 مسند أحمد، وص 10 ج 3 فتح الباري (قيامه صلى الله عليه وسلم الليل)، وص 210 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الليل)، وص 318 ج 1 تحفة الاحوذي (الاجتهاد في الصلاة).
بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجةً وحط عنه بها خطيئة. قال معدان: فلقيت أبا الدرداء فسألته عما سألت عنه ثوبان. فقال: عليك بالسجود، فأني سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد سجدةً إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئةً. أخرجه أحمد وابن حبان والنسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (1){382} .
(وقد) اختلف أهل العلم في هذا. فقال بعضهم: طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود.
وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال احمد بن حنبل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إليَّ، لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود، وإنما قال إسحاق هذا، لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، وأما بالنهار فلم توصف صلاته بطول القيام ما وصفت بالليل. اهـ. كلام الترمذي بتصرف.
(وقال) العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير: هل الأفضل في النفل "كثرة السجود" أي الركعات؟ لخبر: عليك بكثرة السجود، فإنك لم تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها
(1) ص 276 ج 5 مسند احمد. ورقم 860 ص 486 ج 5 فيض القدير، وص 301 ج 1 تحفة الاحوذي (كثرة الركوع والسجود) و (اليعمري) بفتح الياء والميم بينهما مهملة ساكنة. ثقة.
عنك خطيئة (1)" أو طول " القيام بالقراءة؟ لخير: أفضل الصلاة طول القنوت (2) أي طول القيام، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تورمت قدماه من القيام وما زاد في غالب أحواله على إحدى عشرة ركعة "قولان" محلهما مع اتحاد زمانهنا. ولعل الأظهر الأول لما فيه من كثرة الفرائض وما يشتمل عليه من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاةٍ عليه صلاة الله عليه وسلم (3).
(واستدلّ) له أيضاً "بقول" ربيعة بن كعب الأسلمي: كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. أخرجه احمد وأبو داود. وهذا لفظه (4){383} .
(وأجاب) الأولون بأن هذه الأحاديث لا تعارض الأحاديث الدالة على فضل طول القيام؛ لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل، إنما وردت في فضل طول القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود، أفضليتهما على طول القيام.
(فالحق) القول بأفضلية طول القيام (قال) العراقي: الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها
(1)(عليك .. الخ) أي الزم الإكثار من صلاة النافلة، يشير إلى حديث ثوبان وأبى الدرداء رقم (382).
(2)
أي افضل أحوالها طول القيام. والحديث تقدم عن جابر رقم (380).
(3)
ص 178 ج بغية السالك لأقرب المسالك (آخر النوافل المطلوبة).
(4)
ص 59 ج 4 مسند احمد، وص 248 ج 7 المنهل العذب (وقت قيامه صلى الله عليه وسلم من الليل).
الجماعة وعلى صلاة المنفرد. فأما الإمام في الفرائض والنوافل، فهو مأمور بالتخفيف المشروع. إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه فلا بأس بالتطويل. وعليه يحمل صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المغرب بالأعراف. اهـ.
الثاني: الجلوس في صلاة النقل
تقدم أن القيام في الصلاة للقادر عليه ركن في الفرض إجماعاً. أما النفل فيصح من جلوسٍ مع القدرة على القيام بلا كراهة إجماعاً.
"لحديث" عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلا قاعداً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً، وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً. أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (1){384}
هذا. ويجوز بلا كراهةٍ تأدية بعض صلاة التطوع من قعود وبعضها من قيامٍ، وبعض الركعة من قيامٍ وبعضها من قعودٍ، سواءٌ أقدم القيام أم أخره.
"لحديث" عروة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً قط حتى دخل في السن، فكان يجلس فيها فيقرأ حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية، قام فقرأها ثم ركع أخرجه الخمسة (2){385} .
(1) ص 10 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً) وص 62 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد) وص 244 ج 1 مجتبي (كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً).
(2)
ص 22 ج 3 فتح الباري (قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل) وص 11 ج 6 نووي مسلم، وص 244 ج 1 مجتبي، وص 60 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد).
"ولحديث" أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك. أخرجه أبو داود (1){386} .
"ولقول" علقمة بن وقاص: قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع. أخرجه مسلم (2){387} .
(وبهذا) قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة. (وقال) أبو يوسف ومحمد وأشهب المالكي: لا يصح القعود بعد القيام إلا لعذر، لأن الشروع في الطاعة على حال ملزم كالنذر، ولو نذر الصلاة قائماً لا تصح من قعود، فكذا هذا.
(وأجاب) الأولون (أولاً) بأن القيام ليس مشروعاً بالذات في النقل، بل هو من صفاته (وثانياً) بأن المشروع ليس ملحقاً بالنذر مطلقاً، بل في إيجاب أصل الفعل، فلا يكون الشروع في الأولى قائماً موجباً للقيام في الثانية، بخلاف النذر لأنه التزمه نصا فيلزمه (3).
هذا، ومن صلى التطوع قاعداً بلا عذر فله نصف أجر القائم.
(1) ص 61 منه، وص 12 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً).
(2)
ص 61 منه، وص 12 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً).
(3)
وأيضاً فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دليل على جواز الصلاة من قيام ثم من قعود. والله تعالى يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر، عجز آية 7 ولا ريب أن فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة. كما أن قوله وتقريره سنة، والحجة النيرة والسبيل المتبع هو فعل وقول المعصوم دون سواء. فلا يعدل عنه لهوى ورأى متبع، قال تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً" النساء، آية 115.
"لحديث" عبد الله بن يريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال: صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً. أخرجه السبعة إلا مسلماً. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (1){388} .
(قال) الخطابي: أما قوله "وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً" فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث. ولا أحفظ عن أحدٍ من أهل العلم انه رخص في صلاة التطوع نائماً (يعني مع القدرة على القعود) كما رخصوا فيها قاعداً، وإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تكن من كلام بعض الرواة، فإن التطوع مضطجعاً للقادر على القعود جائز بهذا الحديث. اهـ. بتصرف (2).
"وقول" ابن بطال: وأما قوله وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً، فلا يصح معناه عند العلماء، لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماءً، وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث. اهـ "رده" العراقي بأن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة، وعند المالكية ثلاثة أوجه، أحدها الجواز مطلقاً في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض، وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف الاتفاق (3)؟
(1) ص 152 ج 5 الفتح الرباني، وص 396 ج 2 فتح الباري (صلاة القاعد بالإيماء) وص 58 ج 6 المنهل العذب، وص 245 ج 1 مجتبي (أفضل صلاة القاعد على صلاة النائم) وص 193 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) وص 292 ج 1 تحفة الأحوذي.
(2)
ص 225 ج 1 معالم السنن (صلاة القاعد).
(3)
ص 58 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد).