الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصناف الفئات التي يحشدها أهل الباطل لتأييد باطلهم.
أولا: فئة الأغنياء المترفين
.
والمترفون من الأغنياء هم من أكثر الفئات استجابة للباطل وتأييده، وأكثر نفورا من الحق ومناصرته، والسبب في ذلك شعورهم بأن الحق يقيد الشهوات الجامحة والنزوات الطائشة، ويضع للناس منهجا يطهر القلوب ويهذب النفوس، ويدعو إلى التسامي عن عفن المعاصي وأدران الفواحش، ويوجه ذوي المال واليسار إلى الإنفاق في الطاعات وعدم الإسراف في المباحات، كما يأمر بالتواضع ومصاحبة الفقراء والمساكين وعدم التكبر عليهم واحتقارهم، والمترفون قد ألفوا الانغماس في دنس المعاصي، والفرار من الطاعات، قست قلوبهم حتى لم يعودوا يفكرون إلا في المزيد من أسباب قسوتها، وأعماهم الترف حتى أصبحوا يعبدونه من دون الله سيماهم التكبر على الحق وأهله وتقوية الباطل وأهله.
والغالب أن الترف يلازمه الظلم، والظالم يدأب في نصر الباطل وأهله ومحاربة الحق وأهله، قال تعالى:{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} (1) .
وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (2) .
وقال تعالى: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (3) .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} (4)
قال سيد قطب رحمه الله في ظلال آية سورة الإسراء:
(1) الأنبياء: 11، 12.
(2)
الإسراء: 16.
(3)
هود: 116.
(4)
سبأ: 34.
[والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال والخدم، ويجدون الراحة، فينعمون بالراحة والدعة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات، وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فسادا ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي وتفقد جيوشها وعناصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها](1) .
ومن هنا كان من أعداء الأنبياء والرسل الذين جاءوا بالحق، الأغنياء المترفون، كما قال تعالى عن قارون:{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} (2) .
وقال تعالى عن كفار قريش: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (3) .
(1) في ظلال القرآن: (15 / 2217) .
(2)
القصص: 76.
(3)
الأنفال: 36.
ولهذا اشتكى نبي الله موسى إلى ربه من الغنى والترف اللذين آتاهما الله فرعون وملأه فرصدوهما لمحاربة الحق، وطلب من ربه أن يسلبهم هذه النعمة التي أطغتهم، كما قال تعالى:{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} (1) .
هذه إحدى الفئات التي يحشدها أهل الباطل للسباق إلى العقول بالباطل وصدها عن الحق، ولهذا تجد المنظمات المحاربة للحق المؤيدة للباطل تحرص على هذه الفئة من الناس لتنضم إليها، لأنها تعينها على تحقيق أهدافها كما هو شأن المنظمة الماسونية التي هي إحدى منظمات اليهود في العالم.
(1) يونس: 88، 89.