الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة الثانية عشرة: أثر العنف في سبق الحق إلى العقول
.
إن إصرار أهل الباطل على تثبيته بالقوة، ترتب عليه رد فعل عرقل سبق أهل الحق بالحق إلى العقول.
كثير من دعاة الإسلام الذين حرصوا على السبق بالحق إلى العقول، اجتهدوا في سباقهم إلى العقول، أن يصلوا إلى هدفهم بالتعليم والتزكية، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واتخذوا ما يقدرون عليه من الوسائل البعيدة عن الشدة والعنف.
ولكن أنصار الباطل صدوا عن الحق بأنفسهم، وصدوا عنه غيرهم، واتخذوا كل الوسائل للسباق إلى الباطل، بما في ذلك وسائل العنف، من سجن وتعذيب وتشريد وتقتيل.
وترتب على شدة أهل الباطل في سباقهم إلى العقول بباطلهم، والحجر على العقول من وصول الحق إليها، ردُّ فعل عنيف من قبل بعض شباب المسلمين فقابلوا الشدة والعنف بمثلهما، فحملوا السلاح، ضد الحكومات العلمانية التي حاربت تطبيق الشريعة الإسلامية في شعوبها، وقاموا باغتيالات أنصار تلك الحكومات من العسكريين وغيرهم، بل بلغ الأمر ببعض أولئك الشباب، أن قتلوا الأبرياء، من الأطفال والنساء والعُزْل من الرجال، بزعم أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهو تصرف منكر لا يقره شرع الله، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يشترط فيهما العلم بأن هذا معروف يؤمر به، وذاك منكر ينهى عنه، وأن لا يترتب على الأمر والنهي مفاسد أعظم.
وكثير من الشباب الذين يتصرفون تلك التصرفات العنيفة لا يتوافر فيهم هذا الشرط، لأن الطريقة التي سلكوها في أمرهم ونهيهم، ترتبت عليها مفاسد أعظم من المفاسد التي زعموا أنهم أرادوا إنكارها، إذ ازداد أهل الباطل عنادا وإصرارا على محاربة الإسلام، بل أعطتهم تلك التصرفات مسوغا لمحاربة الدعوة الإسلامية، حيث كمموا أفواه دعاة الحق من علماء المسلمين ومفكريهم، الذين لو تمكنوا من الاتصال بجماهير الشعوب - وبخاصة شبابهم - لفقهوهم في الدين، ولتمسك هؤلاء الشباب بدينهم وطبقوا ما أمكنهم تطبيقه بهدوء، وبدون استعمال عنف ولا شدة، ولما أطلقوا رصاصهم على أنصار الباطل، بل سيسلكون سبيل التربية على هذا الدين والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى تتمكن دعوتهم من الوصول إلى عقول الناس، فمن استجاب لها حمدوا الله على هدايته، ومن أبى فعليه ذنب إبائه.
ولو أن قادة الباطل أعطوا دعاة الحق من علماء الإسلام، فرصة للدعوة إلى ما عندهم من الحق بالوسائل المتاحة لهم سلميا، لما حصل هذا العنف الذي قام به هذا الشباب.
فإذا أصبح أي شعب من الشعوب الإسلامية قابلا لتطبيق الإسلام بمعناه الشامل، واختار أن يحكم بهذا الدين، فهذا هو ما يسعى إليه دعاة الحق في سباقهم إلى العقول، وهذا حق للشعوب الإسلامية لا يجوز لأحد أن يحرمها منه.
وإذا تاب أهل الباطل من باطلهم واستجابوا لرغبة هذه الشعوب، فطبقوا حكم الله فيها، فإن دعاة الحق الذين اجتهدوا في السبق به إلى العقول سيكونون هم وأتباعهم من شباب الأمة الإسلامية، سباقين إلى طاعتهم في المعروف، وأعوانا وأنصارا لهم في تنفيذ شرع الله الحنيف.
وإن تولى أولئك الحكام وأعرضوا عن الحكم بشريعة الله ولم يرضوا حكم الله، فليكن الْحَكَم بينهم وبين دعاة الحق أهلُ الحل والعقد من تلك الشعوب المسلمة، وسينتقل الحكم من الطغاة إلى الصالحين عن طريق السلم والاختيار دون عنف ولا شدة.
ولكن قادة الباطل فتحوا الأبواب لأحزاب الباطل كلها، أن تنشر باطلها وتسابق به إلى عقول الناس، وحرمت على دعاة الحق ومفكري الإسلام أن يوصلوا الحق إلى عقول الناس، بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والتعليم والتربية، وزجوا بكثير من علماء الإسلام ودعاة الحق ومفكريه في السجون والمعتقلات، بل أذاقوهم أشد العذاب وأزهقوا أرواحهم بدون حق.
وتلفت شباب الإسلام ليجدوا من يرشدهم ويفقههم في الدين، من العلماء والمفكرين تفقيها صحيحا ليس فيه تحريف ولا كتمان للحق، فلم يجدوا - في الغالب - إلا موظفين لدى قادة الباطل وطغاته الذين يحاربون شرع الله والدعاة إليه، وكثيرا ما يفتي بعض أولئك العلماء بفتاوى تؤيد أنصار الباطل، بالحق وبالباطل متبعين في ذلك أساليب متنوعة من التأويلات الفاسدة، ووجدوا - أي الشباب - العلماء والمفكرين الذين يصدعون بكلمة الحق ويبلغون دين الله للناس على حقيقته، في السجون وعلى أعواد المشانق، والذي لا زال في منزله محجور عليه لا يتصل بالناس ولا يتصلون به إلا نادرا وخفية، فأخذت أولئك الشبابَ الغيرةُ وذهبوا يقلبون الكتب القديمة والحديثة ويقرءون تلك الكتب بأنفسهم، وبخاصة آيات القرآن والسنة، وليس عندهم قواعد التفقه في الدين، لا من أصول الفقه، ولا من أصول الحديث، ولا من أصول التفسير، ولا إلمام بقواعد اللغة العربية وأساليبها، ولا اطلاع على أقوال علماء الأمة المعتبرين
…
وعندما يقرءون النصوص، يقرؤونها وهم يبحثون عن أدلة تؤيد ما قد وقر في أذهانهم سابقا، من أن هؤلاء الحكام ظلمة، وأنهم يحاربون دعاة الحق ويحاربون تطبيق الشريعة، وأن من يحارب ذلك فهو كافر، والكافر لا يجوز أن يحكم المسلمين، بل يجب الخروج عليه، تحقيقا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن من يعين الكافر على كفره فهو مثله، وأن نصر المظلوم واجب، وإقامة شرع الله فرض، فيجدون في النصوص التي يقرؤونها من الكتاب والسنة، ما يؤيد فهمهم في الظاهر، ولا يثقون في العلماء الذين هم موظفون مع قادة الباطل - وليس كل عالم توظف مع قادة الباطل مؤيدا لباطلهم - حتى يصححوا لهم بعض تصوراتهم، ويبينوا لهم المصالح الراجحة من المرجوحة، أو المفاسد الراجحة من المرجوحة.
لذلك انطلقوا حاملين السلاح موجهين رصاصهم إلى صدور كل متعاون مع أهل الباطل، من جنود وعلماء وأدباء وغيرهم، من أهل البلد أو الأجانب، فأحدثوا في تلك البلدان فتنة واضطرابا، وشل بذلك الاقتصاد وتعطلت المصالح، بل إنهم قد قتلوا بعض دعاة الحق الذين يظنون أنهم يؤيدون قادة الباطل، وقد ينال قتلُهم النساءَ، وهم يعتقدون أن ذلك كله مشروع لهم حسب فهمهم، كما فهم بعض الخوارج ذلك في السابق.
هذه التصرفات من بعض شباب المسلمين، التي كان السبب الأساسي لوجودها تصرفات قادة الباطل الذين كمموا أفواه العلماء والدعاة والمفكرين، كانت سببا في تشويه الإسلام والنفور من سماعه أو البحث عن حقائقه ومحاسنه.
واستغل ذلك أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والعلمانيين وأخذوا ينفرون من الجماعات الإسلامية ودعاة الإسلام عامة، فكان ذلك من أهم العقبات التي بطأت بالسباق بالحق إلى العقول!
ولذا ينبغي للشباب المسلم الذي يريد رفع راية الإسلام في الأرض، أن يهتم بالتفقه في الدين، ويأخذ الحق ممن وجده من العلماء، فليس كل العلماء الموظفين في الحكومات من المؤيدين للباطل، بل يوجد فيهم من يبين الحق في حدود طاقته، وعلى هذا الشباب أن يتجه - بعد أن يتربى ويتعلم على أيدي العلماء - إلى تربية نفسه وتربية غيره على حقائق الإسلام، حتى تصبح الشعوب الإسلامية قادرة على إيجاد من يحكمها بالإسلام إما بالطرق السلمية، وإما بتنحية من يحارب الإسلام بأسهل الطرق وأخفها ضررا.