الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المظهر الخامس: عدم ثبات الولاء والبراء
.
إن الأصل في المسلم أن يكون ثابت الولاء للحق - لله ولرسوله وللمؤمنين - ثابت البراء من الباطل - من الشيطان وأوليائه الكافرين - ملتزما بالإيمان الصادق والعلم النافع والعمل الصالح، مناصرا للحق واقفا ضد الباطل في كل الأحوال، ولكن غالب وسائل الإعلام لا عقيدة لها ثابتة، ولا ولاء لها دائم، ولا تلتزم الصدق في كثير من الأمور.
فالعدو الذي تصب عليه جام غضبها فترة طويلة من الزمن، لكفره - في نظرها - أو عدوانه، أو فساد مبدئه أو فسقه أو سوء سياسته وقبح تصرفه، يصبح صديقا حميما بين عشية وضحاها، وهو لا يزال على ما هو عليه من المبدأ والفسق وسوء السياسة وقبح التصرف.
والصديق المؤمن - في نظرها - المنصف ذو السياسة الحسنة والتصرف الحميد الذي ظلت تلك الوسائل تثني عليه وتمدحه وتبالغ في الثناء عليه ومدحه، يصبح بين عشية وضحاها عدوا لدودا، وهو لا يزال على إيمانه وإنصافه وسياسته الحسنة وجميل تصرفه، والعداء للأول ينقلب ولاء، والولاء للثاني ينقلب عداء، جريا وراء إرضاء أهواء أعداء الحق المتقلبة - حسب المصالح التي يظنون أنهم يحققونها من تلك التقلبات التي قد تكون في حقيقة الأمر إرضاء لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى في الدول الغربية.
وهذه التصرفات الإعلامية المتقلبة تؤثر على عقول عامة الناس، بل إنها تبلبل عقول بعض من يظنون أنفسهم مثقفين، وتجعلها تضطرب وتوالي من والته أجهزة الإعلام، وتعادي من عادته بشعور وبغير شعور، والذي يتابع الأحداث في تلك الوسائل لا يخفى عليه هذا الأمر.
ولعل مثالا واحدا نذكره باختصار يكفي لإيضاح هذا المظهر، فالحكومات في الشعوب الإسلامية ظل إعلامها - غالبا، ولو في الظاهر - يذكر دولة اليهود بالعدو المحتل، أو العدو الإسرائيلي وينقل - هذا الإعلام - القرارات المتكررة بمقاطعة جميع الشركات اليهودية أو المتعاملة مع اليهود - وإن كانت بعض الدول المتسلطة على الشعوب الإسلامية تتعامل في واقع الأمر مع الدولة اليهودية مباشرة أو بوساطة شركات - وكان - هذا الإعلام - يصرح بأنه لا مكان للعدو اليهودي في قلب العالم الإسلامي أو العربي.
ثم جاءت فترة تراجع فيها هذا الإعلام، فأخذ يصرح بأنه لا اعتراف بالدولة اليهودية ولا سلام إلا بانسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967م وحصول الفلسطينيين على تقرير مصيرهم بإقامة دولتهم في أرضهم: الضفة الغربية وقطاع غزة، على غرار ما حصل للمسلمين في الهند: باكستان الشرقية وباكستان الغربية اللتين تفصل بينهما الهند بمسافات شاسعة كانت نتيجتها انفصال الدولتين بترتيب هندي....
ثم انتقل الإعلام الحكومي في كثير من الدول الحاكمة للشعوب الإسلامية للرضا بمدينة (أريحا أولا!) وبعض الأميال من غزة، مع ما زرع فيهما من مستوطنات يهودية مسلحة، ومع إحاطة الجيش اليهودي بهما، ومع السيادة اليهودية الكاملة عليها، وبعد الاتفاق السري بين ما سمي بمنظمة التحرير واليهود سكت الإعلام الحكومي عن ذكر اليهود بالعدو، فلا يصف دولة اليهود إلا بما سمت به نفسها:"إسرائيل" وأخذت وسائل الإعلام تمهد لإعلان إلغاء مقاطعة الشركات اليهودية رسميا، أما في الواقع فقد باشرت بعض الدول هذا الإلغاء وتم لقاء مسئوليها مع اليهود سرا أو جهرا. (1)
وكان إعلام حكومات الشعوب الإسلامية يكرر كلمة: العدو الصهيوني ويتحاشى بعضه ذكر العدو اليهودي، بل يصرح بأنا لا نعادي اليهود لأنهم أبناء عمنا، ولكنا نعادي الصهيونية، إلا أن هذا الإعلام تخلى فجأة عن ذكر العدو الصهيوني أيضا، إرضاء لدول الغرب التي أصدرت عن طريق الأمم المتحدة - وهي واجهة الغرب وبوقه - قرارا باعتبار أن الصهيونية ليست عنصرية!.
(1) وقد ارتقت بعض الحكومات في الشعوب الإسلامية اليوم إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع اليهود، بعضها باسم سفارات، وبعضها باسم مكاتب، مع المواقف المتشددة المبنية على التدين اليهودي الذي اتبعته حكومة الليكود بزعامة نيتان ياهو!
وهكذا مدينة القدس كان الإعلام في الدول الحاكمة للشعوب الإسلامية يصرح بأنها عاصمة فلسطين، وأن بيت المقدس لا بد أن يكون بأيدي المسلمين، ولكن هذا الإعلام بدأ يفتر الآن عن تصريحاته وإن كان بعضه لا زال بين حين وآخر يذكر القدس على استحياء.
ومما يدل دلالة واضحة أن الإعلام في الدول المسيطرة على العالم الإسلامي، الذي لا يوجد له ولاء ثابت يرضاه الله ورسوله والمؤمنون، يصف المجاهدين في فلسطين بالمتطرفين ويقف ضدهم في صف دول الغرب، والدول العلمانية والأحزاب العلمانية في الشعوب الإسلامية ومنها فلسطين.
ومما يدل على ذلك أن وسائل الإعلام المذكورة لا تكاد تذكر مجاهدي الفلبين المتمسكين بالإسلام، وهم الذين تضمهم جبهة تحرير مورو الإسلامية التي تدعو إلى تحرير جنوب الفلبين وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيه، ويرأسها الشيخ سلامت هاشم الأزهري، ولكن تلك الأجهزة تهتم بجبهة تحرير مورو الوطنية التي يرأسها نور مسواري (ياسر جنوب الفلبين!) ، وهو يتقرب إلى الحكومة النصرانية في الفلبين ويريد أن يعقد صلحا معها (1) على أساس علماني وعلى حساب الجبهة المجاهدة، ولا تجد هذا الإعلام دائما - إلا في حالات استثنائية مؤقتة لغرض خاص - في صف الإسلام ودعاته، وإنما يكون ضد الإسلام وضد دعاته في صف عدوه من اليهود والنصارى والوثنيين والأمثلة على ذلك لا تحصى كثرة، وما على من يريد التأكد من ذلك إلا أن يشاهد ويسمع ويقرأ ما تيسر له من وسائل الإعلام.
(1) وقد تم هذا العقد في هذه الأيام في أوائل شهر ربيع الأول 1417هـ -.