الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسس التي يتحقق بها الأمن في الدارين
ويتحقق الأمن في الإسلام بثلاثة أسس رئيسة:
الأساس الأول: فقه كل مسلم بدين الله في ما يزاوله من عمل.
سواء منه ما، تعلق بالله، أو ما تعلق بنفسه، أو ما تعلق بغيره من المخلوقين.
الأساس الثاني: العمل بما علم من دين الله. عمل الفرد، وعمل الأسرة، وعمل الأمة مجتمعة
…
الأساس الثالث: إقامة ولي الأمر أحكام الله الواردة في القرآن والسنة، بحيث يلزم من شذ عن تطبيق شرع الله به بالوسائل الشرعية التي قررها الإسلام
…
هذا المفهوم الشامل للأمن في الإسلام، لم يعد هو المفهوم عند عامة المسلمين، بل أصبح مصطلح:"الأمن" يعني في قواميس الكتاب، والإعلاميين، والعسكريين، والساسة، وكثير من المفكرين والمؤرخين والأدباء والفنانين
…
يعني الوقاية من الجريمة - المحددة عند هؤلاء - قبل وقوعها، وضبط المجرم - بالمفهوم المحدد عندهم كذلك - وعقابه بعد وقوعها.
وأكثر ما تعني أمن الدولة ورجالها من الاعتداء. ويدخل في ذلك - تبعا - حماية نفوس الرعايا وأموالهم، وما يخل بالأمن - في مفهومهم - من الأعراض. (1)
(1) الاعتداء على الأعراض - كالزنا - ليس جريمة في قوانين أكثر الحكومات في الشعوب الإسلامية، إلا في حالات نادرة، كأن تزني المرأة على فراش الزوجية
…
!
منهجان ونتيجتان:
انبنى على المفهوم الشرعي للأمن العناية - تعبدا - بالإنسان من وقت ولادته إلى أن يلقى ربه عناية شرعية: العناية بجسمه، والعناية بعقله، والعناية بروحه وعاطفته، وتوجيهه تعليما وتربية وتدريبا على أن يؤدي إلى غيره من الناس حقوقهم، وألَاّ يأخذ منهم ما لاحق له فيه، وأن يأتي إليهم بما يحب أن يأتوا هم إليه. أي أن يطبق في صلته بالله وبالناس شريعة الله التي لا يتحقق الأمن بدونها.
فكانت النتيجة أمن الناس على دينهم، وعقلهم، ونفسهم، ونسلهم، ومالهم، بحيث يلتزم كل منهم بحفظ ذلك للآخرين كما يحفظها لنفسه، فإن خرج أحد عن هذا الالتزام الذاتي واعتدى على غيره ردعته الأمة - عن طريق ولي أمرها - بالزواجر الشرعية من حد أو قصاص أو تعزير
…
وأصبح كل واحد من الأمة: حاكما أو محكوما، سيدا أو مسودا، خادما أو مخدوما، متمتعا بالأمن الذي كفله له دين الله.
وانبنى على مفهوم الأمن غير الشرعي (1) عنايةُ أهله بالوقاية من الجرائم التي أثبتوها في قواميسهم، أو العقوبة عليها، وقد يكون كثير مما سموه جرائم طاعات وعبادات ومصالح للأمة، وليست جرائم في حقيقة الأمر.
(1) أعني الأمن الوضعي الذي سبق التعريف به.
فكانت النتيجة جعل ما هو صلاح وبر وإحسان جريمة، وجعل من هو صالح وبار ومحسن مجرما، وجعل ما هو جريمة حقيقة خيرا وبرا وإحسانا، وجعل من هو مجرم فعلا، صالحا وبارا ومحسنا. فَحَرَّموا كثيرا من الواجبات والمندوبات والمباحات، وأحلوا كثيرا من المحرمات والمكروهات
…
الأمثلة على المفهوم الأول تجسدها أبواب الشريعة الإسلامية التي تضمنها القرآن والسنة، وعلامتها تطبيقها، فما طبقت الشريعة في زمان أو مكان إلا تمتع جيلهما بالأمن
…
وفي تاريخ الإسلام في عصوره المفضلة خير شاهد.
وإننا نرى في زمننا هذا فرقا شاسعا بين الأمن في دولة تطبق كثيرا من شرع الله، وأخرى تحارب تلك الشريعة!. (1)
والأمثلة على المفهوم الثاني لا تخفى على من يتتبع تاريخ المسلمين الطويل، فما ابتعد المسلمون عن الإسلام، إلا نزل بهم من الخوف وارتفع عنهم من الأمن ما يناسب ابتعادهم، والذي يعيش في عصرنا هذا يرى ذلك عيانا.
(1) راجع التشريع الجنائي الإسلامي (2 / 708 - 716) لعبد القادر عودة رحمه الله.
فقد حَرَمَتْ الدول العلمانية المحاربة لشرع الله رعاياها من الحكم بما أنزل الله، وقتلت وسجنت وشردت آلاف العلماء والدعاة إلى الله، بسبب دعوتهم إلى تطبيق هذه الشريعة، وعطلت حد الردة الذي يحمي كيان الأمة الإسلامية من الانهيار، وعطلت فريضة الجهاد في سبيل الله، وهو الدرع الواقي للدعوة إلى الله، والسد المنيع من اعتداء أعداء الله على بلدان المسلمين وأعراضهم وأموالهم التي أصبح يسيطر عليها أراذل خلق الله من اليهود، وفي ذلك اعتداء على إحدى ضرورات الحياة، وهي دين الأمة.
وعطلت الحدود، ومنها حد القصاص، وفي ذلك إهدار لإحدى ضرورات الحياة، وهي النفس
…
وأحلت الزنا والوسائل المؤدية إليه، وحاربت وسائل الوقاية منه كالحجاب، وعطلت عقوبة الزنا، وفي ذلك إهدار لإحدى ضرورات الحياة، وهي النسل والعرض.
وأحلت الخمر الذي يفقد العقول وظيفتها، وفي ذلك إهدار لإحدى ضرورات الحياة، وهي العقل.
وبنت اقتصاد الأمة على مبادئ تخالف مبادئ الاقتصاد الإسلامي، ومن أخطر تلك المبادئ المعاملات الربوية التي حرمها الله وجعل متعاطيها محاربا له تعالى
…
وعطلت حد السرقة، وفي ذلك إهدار لإحدى ضرورات الحياة، وهي المال.
وإذا كانت النتيجة هي إهدار ضرورات الحياة، فما بالك بما يخدمها من الحاجيات والتكميليات؟!.
لذلك ترى من الفسق والمنكر والعدوان على كل شعائر الله وحقوق عباده في البلدان الإسلامية، ما يثبت لك اعوجاج مفهوم الأمن لدى قادة الباطل
…