الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: فئة الجيوش والشُّرَط
.
وهم الذين يشملهم كلهم لفظ "الجنود".
وهم الفئة التي تتولى نصر الباطل وأهله وإكراه الناس على قبوله والصد عن بيانه للناس، بقوة السلاح والسلطة، فهم الذين يزجون بأهل الحق في السجون والمعتقلات، وهم الذين يسومونهم سوء العذاب، وهم الذين يستحلون الحرمات ويصادرون الأموال، وهم الذين يكممون الأفواه ويستعبدون الناس لقادة الباطل، وهم الذين يخدون الأخاديد ويحرقون الناس بالنار إذا ما أصروا على التمسك بالحق، وهم الذين يخرجون أهل الحق من ديارهم لأنهم يقولون: ربنا الله، ذلك أن أهل الحق أقدر على أسر القلوب والعقول، لما عندهم من الحجج والبراهين التي لا يجد لها أهل الباطل ما يقاومها، إلا الحديد والنار والتنكيل عن طريق جنودهم المناصرين لباطلهم.
فإبراهيم الذي قال الله تعالى فيه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} (1) . لم يجد طغاة الباطل الذين أقام عليهم الحجة بالحق ما يقف أمام حجته وينصر آلهتهم إلا النار: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} (2) . {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} (3) .
وهكذا أصحاب الأخدود، كما وردت قصتهم في سورة البروج، كما قال تعالى:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (4) .
(1) الأنعام: 83.
(2)
الأنبياء: 68.
(3)
العنكبوت: 24.
(4)
البروج: 4، 8. راجع قصتهم في تفسير ابن كثير.
ولو لم يجد فرعون جنودا ينصرون باطله ويحارب بهم الحق، لما وصل إلى ذلك العلو والتكبر والجبروت، ولهذا قرنه الله بجنوده في الاستكبار والعقاب كما قال تعالى:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (1) .
والذي يتأمل ما يحدث اليوم في العالم، من قيام جنود طغاة الباطل بمناصرته بالقوة ومحاربة الحق وأهله بالقوة، يظهر له خطر هذه الفئة على الحق وأهله (2) ، ولو تخلت هذه الفئة عن مناصرة الباطل وتركت دعاته ودعاة الحق يتسابقون إلى العقول، كل يدلي بما يؤيد دعوته بالطرق السلمية، لما وجد أهل الباطل لأنفسهم مكانا يقودون فيه الأمة إلى مهاوي الهلاك، ولهذا ينال جنود الباطل وطغاته عقابهم من الحق جل جلاله، كما قال تعالى:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} (3) .
(1) القصص: 39، 40.
(2)
وفي حملة الجيش التركي على الدعوة الإسلامية ومدارسها هذه الأيام، مثال لهذا الخطر.
(3)
القصص: 40
خامسا: فئة الجواسيس.
تمهيد: التجسس قسمان:
القسم الأول: تجسس مشروع.
وهو أن يقصد منه ولي أمر المسلمين معرفة بعض الصالحين من أفراد رعيته، ليسند إليهم وظيفة من الوظائف التي تتحقق بها مصالح الرعية، أو يقصد منه معرفة أهل الرِّيَب والإجرام ليتجنب توليتهم على مصالح الرعية أو يحمي الرعية من إجرامهم، أو يقصد منه جمع المعلومات عن العدو الحربي، لحماية الدولة الإسلامية من العدوان، وإعداد العدة الكافية لهزيمته....
القسم الثاني: غير مشروع.
وهو أن يُقْصَد من التجسس تتبع عورات الناس والبحث عن عيوبهم وفضحها؛ لأن تتبع عورات الناس للكشف عن أسرارهم بدون وجه شرعي محرم، بدليل نهي الله تعالى عنه في كتابه، ونهي رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته كما سيأتي، ولأن الأصل حسن الظن بالناس، بل وستر معاصيهم ما لم يجاهروا بها أو يصروا عليها.
ويستثنى من ذلك ما إذا ظهرت أمارة أو خبر ثقة على وجود اعتداء على حرمة يفوت تداركها، لو لم يُعَجَّل ببعث عيون لاكتشافها قبل وقوعها وردع المعتدي عن عدوانه، كالقتل وارتكاب فاحشة الزنا، وكذا إذا وقعت جريمة اعتداء ولم يعرف مرتكبها، فإن الواجب على ولي الأمر البحث عن مرتكبها ببعث العيون للقبض على المجرم وعقابه. (1)
(1) راجع كتاب التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية. لمحمد راكان الدُّغْمي الفصل الأول من الباب الثاني منه. نشر دار السلام للطباعة والنشر.
ومن هنا نعلم أن الجواسيس الذين يرتكبون التجسس غير المشروع، قد انحطت نفوسهم عن معالي الأمور إلى دركات الخسة، وبخاصة من آثروا الكون في صف قادة الباطل، لنصرتهم ونصرة باطلهم، ومحاربة الحق وأهله بأحط الأعمال وأخسها، وهي تتبع عورات الناس بغير حق، وبخاصة دعاة الحق الذين يتجسسون عليهم في منازلهم وأماكن أعمالهم وإحصاء حركاتهم في حلهم وترحالهم، والتنصت عليهم بما يزودهم به أهل الباطل من الوسائل، وكثيرا ما يتقمص أولئك الجواسيس ثياب التقوى والصلاح، ليوهموا أهل الحق أنهم منهم ومن أخلص الناس للحق، ليخدعوهم بذلك ويعلموا غاياتهم ووسائلهم التي يسابقون بها إلى عقول الناس بالحق، وينقلوا ذلك إلى قادة الباطل ومحاربي الحق، ليضعوا التدابير اللازمة لمحاربة الحق الذي ينوي دعاته إبلاغه إلى عقول الناس، بل قد يزيد الجواسيس مِن عندِهم ما يوغرون به صدور قادة الباطل على أهل الحق من أجل محاربة الحق وأهله.
كما أن بعض الجواسيس يندسون في صفوف دعاة الحق ويتخذون كل الوسائل للتحريش بينهم، حتى يصدعوا صفوفهم ويفرقوا كلمتهم، وهذه الفئة تتكون من غالب طبقات الأمة، فقد يكون منهم الرجل والمرأة والطالب والمعلم والمدني والعسكري والمثقف والجاهل، كل منهم يوضع في المكان المناسب له.
ويكمن خطرهم في أن السباق بهم إلى العقول بالباطل غير منظور؛ لأنهم بمنزلة السراق الذين يتخفون عن أعين الناس لأخذ أموالهم من حرزها.
سيئات الجواسيس وخطرهم.
والجواسيس يجمعون بين سيئات متعددة:
منها سوء الظن الآثم، ومنها التجسس على الناس، ومنها اغتيابهم، بل وبهتهم، ومنها النميمة عليهم، ومنها التحريش بينهم وإلقاء العداوة في صدورهم، وكل واحدة من هذه كافية لنصرة الباطل ومحاربة الحق.
وخطر الجواسيس على الحق أعظم مما يتصوره كثير من الناس، فهم - مع ما سبق - يخططون لإسقاط دول، واغتيال زعماء، ونشر فساد في الأرض.
ومن أقرب الأمثلة على ذلك اغتيال الجنرال ضياء الحق (1) الذي شعر أعداء الحق أنه كان متجها إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في شعبه الذي أسس على أن يُحكَم بالإسلام، وإعداد العدة الحربية لردع أعداء المسلمين.
(1) وغيره.
وما من داعية يشعر أعداء الحق أنه سيحقق بدعوته نشر الحق وإبلاغه إلى عقول الناس، إلا أسرعوا باغتياله عن طريق جواسيسهم، كما حصل للأستاذ الداعية حسن البنا رحمه الله، أو قتله بمحاكمة ظالمة، كما حصل للداعية المجاهد سيد قطب رحمه الله، وكذلك الداعية المجاهد الشيخ أحمدو بلو النيجيري رحمه الله
…
وما من حكومة يظهر لأعداء الإسلام عزمها على نشر الحق وتطبيقه في شعبها إلا نصبوا لها العداء وحاربوها في عقر دارها، ومن أخطر وسائلهم لمحاربتها الجواسيس الذين أعدوهم لذلك (1) .
وما من جماعة اقتربت من تسلم الحكم في بلادها بطريق مشروع عند أعداء الإسلام وهي تريد تطبيق الإسلام، إلا تكالبوا عليها وحاربوها وداسوا على مبادئهم التي يدعون إلى تطبيقها في العالم، ما دامت تلك المبادئ ستكون وسيلة لنشر الحق وإبلاغه إلى عقول الناس، وما قصة الانتخابات الجزائرية التي كادت توصل جبهة الإنقاذ إلى الحكم إلا أحد الأدلة على ذلك.
(1) ولجواسيس اليهود والنصارى دور كبير في إسقاط آخر رمز للخلافة وهي الخلافة العثمانية كما هو معلوم ويمكن مراجعة مذكرات السلطان عبد الحميد.
فقد أجمعت على محاربتها دول الغرب وجواسيسه وأذنابه، وفتح جنود الباطل لأعضاء الجبهة السجون والمعتقلات ونصبوا المشانق وأنزلوا الدبابات وعاثوا في الأرض فسادا، ملغين في سبيل نصرة الباطل ومحاربة الحق أهم مبدأ يتغنون به ويدعون إليه وهو ما يسمى بالديمقراطية، وللجواسيس في ذلك دور عظيم كما هو معلوم.
ولخطر الجاسوسية ومساوئها التي تقوم عليها، وهي - كما مضى - سوء الظن، والغيبة، والنميمة، وتتبع العورات، والتحريش، وإيجاد الفرقة والأحقاد بين الناس، جاء الإسلام بالنهي عنها وعن تلك المساوئ كلها.
(1) الحجرات: 6.
(2)
الحجرات: 12.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا» . (1)
وقال: «إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم» . (2)
وقد شرع الله تعالى الاستئذان على أهل المنازل، صيانة لأسرارهم وحماية لعوراتهم، ولهذا «قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن اطلع من بعض حجره:[لو أعلم أنك تنظر لطعنت به (3) في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر] .» (4)
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمّام» . (5) .
(1) متفق عليه.
(2)
صحيح رواه أبو داود، وهو من أحاديث رياض الصالحين (ص: 560) .
(3)
وفي رواية: (بها) أي بالمدرى التي كانت بيده، وهي تذكر وتؤنث، والمراد نصل السهم.
(4)
البخاري. يشرح فتح الباري (11 / 24) .
(5)
متفق عليه، واللفظ لمسلم، جامع الأصول (8 / 450) .
والخلاصة أن قادة الباطل يحشدون كل الطاقات ويحشرون كل فئات الشعوب التي تستجيب لهم، ليسبقوا بباطلهم وصولَ الحقّ إلى عقول الناس، أو يصدوا عقول الناس عن سماع الحق والاستجابة له، فقد يدخل في تلك الفئات الصناع الذين يصنعون لهم الآلات والأدوات التي تستعمل لنشر الباطل أو لتعذيب أهل الحق أو تشويه الحق، وكذلك يستعملون الفئة الجاهلة، وهي جماهير الشعوب المتخلفة، لتأييد الباطل ومحاربة الحق، بالتجمهر والهتافات والمظاهرات الصاخبة، التي يطلقون فيها ألسنتهم بالسب والشتم لدعاة الحق ووصفهم بأقبح الصفات، للتنفير منهم ومن الحق الذي يدعون إليه، كل ذلك من باب التقليد والخفة والاستجابة الطائشة للدعوات المضللة، ألا ترى الجماهير الفرعونية كيف استجابت للتجمهر الذي لا تدري لمن تكون الغلبة فيه، كما قال تعالى:{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} (1) .
وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} (2) .
(1) الشعراء: 38، 40.
(2)
الزخرف: 54.