الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال الأول: الإيمان
.
ورد الإيمان في الكتاب والسنة مرادا به الاعتقاد الجازم فيما أخبر الله به من الغيب، من الإيمان به إيمانا مبنيا على ما وصف به نفسه في القرآن والسنة من أنه الخالق المدبر الإله المعبود الموصوف بصفات الكمال والجلال
…
والإيمان بكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، وأن كتابه هو المهيمن على سائر الكتب التي نزلت فحرفت، وأن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء لا نبي بعده، وأن من مقتضى الإيمان به اتباعه، ومن مقتضى الإيمان بالقرآن تحكيم ما شرع الله فيه
…
وأن من الإيمان القول باللسان كالنطق بالشهادتين.... ومنه العمل بالجوارح كالصلاة المفصلة صفتها في السنة النبوية.... أي أن الإيمان اعتقاد وقول عمل، وأن هذا الاعتقاد والقول والعمل لا بد أن يكون موافقا لما أراده الله، والذي أراده لا يوجد إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو معنى الإيمان باختصار شديد (1) ، وهو في غاية الوضوح لمن تتبع الكتاب والسنة وما فهمه علماء الأمة قديما وحديثا.
(1) وقد فصلت القول فيه في مجلد مستقل بعنوان: ،، الإيمان هو الأساس، وقد طبع في هذا العام: 1418هـ.
ولكن هذا المعنى التبس على كثير من الناس - أعني المسلمين فضلا عن غيرهم - ولهذا ترى بعضهم يطلق لفظ "المؤمنين" على المسلمين واليهود والنصارى، بناء على أنهم كلهم أهل كتب سماوية يؤمنون بالله
…
مع أن القرآن الكريم قد وصف اليهود والنصارى بالكفار ووصفهم بالمشركين - وإن كانوا في الأصل أهل كتاب - كما وصفهم بأنهم حرفوا كتبهم وبدلوها، ووصف القرآن بأنه مهيمن على الكتب التي سبقته، فلا يصح إطلاق الإيمان الشرعي الذي يقبله الله ويثيب أصحابه بدخول جنته وينجيهم من عذابه، إلا على الإيمان الذي أراده الله وبينه في كتابه وسنة رسوله، ولا يصح إطلاق المؤمن إلا على المسلم الذي اتصف بذلك الإيمان الذي أراده الله، فليس اليهودي بمؤمن ولا النصراني - فضلا عن غيرهما - بمقتضى المصطلح الإسلامي بل هما كافران مشركان.
وهناك غبش آخر عند كثير من المسلمين في معنى الإيمان فالإيمان إذا أطلق في الكتاب والسنة هو الإيمان الذي سبق التعريف به، وعلى وجوده بذلك المعنى تترتب آثاره، فإذا وعد الله المؤمنين بالنصر - مثلا - فالمراد بهم المؤمنون المتصفون بالإيمان الذي أراده، فقد قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1)
والمسلمون - اليوم - وقد ابتعد غالبهم عن معنى الإيمان الذي أراده الله إما بتركه كلية كحال الملحدين من أبناء المسلمين، أو بمحاربة كثير مقتضياته كتحكيم شرع الله الذي لا إيمان بدونه، أو بالإكثار من ارتكاب المعاصي كالزنا وشرب الخمر، أو بموالاة أعداء الله من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين والمنافقين - ومنهم العلمانيون -
(1) محمد: 7.
هؤلاء الذين يدعون الإسلام والإيمان وجلهم على هذه الصفة يتساءلون: أين نصر الله الذي وعدنا به على عدونا وقد أصبحوا سادة لنا يأمروننا وينهوننا، وتفوقوا علينا في الإدارة والصناعة والسياسة والاقتصاد وغيرها؟! ظنا منهم أن المؤمنين الذين أرادهم الله هم أمثالهم، وهذا خطأ فاحش أوقعهم فيه الجهل بالمصطلحات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة.
ولقد تساءل المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا على نهج الله مطيعين لله ولرسوله محكمين شرعه، فأدال عليهم عدوهم من المشركين يوم أحد، بسبب مخالفة وقعت منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، تساءلوا: كيف ينتصر علينا المشركون ونحن مسلمون نجاهد في سبيل الله؟ فأجابهم الله تعالى أن ذلك إنما كان بسببٍ من عند أنفسهم، كما قال تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1)
(1) آل عمران: 165.
وإذا كانت هذه هي إجابة الله للمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك كانت حالهم، فكيف بنا اليوم وهذه هي حالنا؟!
إن سبب هذا الغبش هو عدم وضوح حقائق الأمور وسوء تصورها؛ لأن أهل الحق قصَّروا في السباق بها إلى العقول، وجد أهل الباطل فسبقوا إلى تلك العقول بباطلهم، فالتبس الحق بالباطل.
وقل مثل ما عرفت عن معنى الإيمان في المعاني الأخرى كالشهادة (1) التي يوصف بها الشيوعي الملحد والعلماني المحارب لشريعة الله. والرشد الذي يوصف به السفيه. والصلاح الذي يوصف به الفاسد، وهكذا
…
ويتحمل وزر ذلك كل قادر على بيان الحق والباطل للناس والسبق بذلك إلى عقول الناس فلم يفعل، ومن باب أولى من كان كذلك فلبس الحق بالباطل مشتريا بآيات الله ثمنا قليلا، كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (2) .
(1) أي إطلاق لفظ الشهيد على من قتل في معركةٍ مّا.
(2)
آل عمران: 187.