المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المظهر السادس: تقليد أجهزة الإعلام الأجنبية، في المصطلحات - السباق إلى العقول - جـ ٢

[عبد الله قادري الأهدل]

فهرس الكتاب

- ‌واقع محزن لبعض سفراء المسلمين

- ‌أولا: ينبغي أن يكون الملحق الثقافي في سفارته، جامعا بين الشريعة الإسلامية والثقافة العامة

- ‌ثانيا: ينبغي أن تزود كل سفارات بلدان المسلمين، بمكتبة تضم أهم مصادر الإسلام ومراجعه

- ‌ثالثا: ينبغي أن تزود تلك السفارة بكتيبات صغيرة

- ‌رابعا: ينبغي أن يكون عند كل سفارة إسلامية إمكانات لكتابة نشرات صغيرة وطبعها وتوزيعها

- ‌خامسا: ينبغي أن تتولى السفارة الإسلامية إقامة محاضرات وندوات

- ‌سابعا: أن يغتنم المؤهلون من أعضاء السفارة الفرص والمناسبات والاحتفالات التي يدعون إليها

- ‌مسؤولية الموسرين في السباق إلى العقول

- ‌أولويات ينبغي لذوي اليسار معرفتها للعمل الإسلامي

- ‌الوسيلة السادسة عشرة: سباق المواقع

- ‌الوسيلة السابعة عشرة: الجهاد العسكري

- ‌غايات أهل الباطل في السباق إلى العقول

- ‌الغاية الأولى: التمتع المطلق بكل ما في الحياة الدنيا

- ‌الغاية الثانية: الصد عن سبيل الله

- ‌الغاية الثالثة: تكذيب الرسل والكفر بالوحي

- ‌الغاية الرابعة: الْحَوْل بين الناس وإقامة الحجة عليهم

- ‌الغاية الخامسة: إخراج الناس من النور إلى الظلمات

- ‌الغاية السادسة: إحلال الشرك محل التوحيد

- ‌الغاية السابعة: إنكار الإيمان بالغيب والصد عنه

- ‌الغاية الثامنة: نبذ الحكم بما أنزل الله ومحو رتبته

- ‌الغاية العاشرة: تثبيت الأخلاق الفاسدة في الأرض

- ‌الغاية الحادية عشرة: الإفساد في الأرض

- ‌تمهيد:

- ‌الوسيلة الأولى: تزيين الباطل وزخرفته

- ‌الوسيلة الثانية: الثناء على أهل الباطل وقادته

- ‌أولا: فئة الأغنياء المترفين

- ‌ثانيا: فئة علماء السوء

- ‌ثالثا: فئة الأدباء والشعراء والكتاب

- ‌رابعا: فئة الجيوش والشُّرَط

- ‌الوسيلة الرابعة: تخويف الناس من الحق وأهله

- ‌الوسيلة الخامسة: إغراء المؤيدين بالمناصب والأموال

- ‌الوسيلة السادسة: وضع قوانين وأنظمة تؤيد الباطل

- ‌الوسيلة السابعة: جعل التعليم منطلقا لتثبيت الباطل

- ‌المظهر الأول: إسناد الوظائف العليا إلى من يسند الباطل

- ‌المظهر الثاني: فتح أبواب هذه الوسائل لذوي الأفكار الفاسدة

- ‌المظهر الخامس: عدم ثبات الولاء والبراء

- ‌المظهر السادس: تقليد أجهزة الإعلام الأجنبية، في المصطلحات

- ‌المظهر السابع: محاصرة كل وسيلة إعلامية تحمل الحق

- ‌المظهر الثامن: قلب الحقائق التي تضلل بها الشعوب

- ‌المقوم الأول: وضع قوانين ونظم تمكنها من نصر الباطل

- ‌المقوم الثاني: محاربة الحكم بشرع الله

- ‌المقوم الثالث: تنصيب قضاة يعادون الإسلام والدعاة إليه

- ‌المقوم الرابع: حرمان الظلمة أهل الحق من المحاماة العادلة

- ‌المقوم الخامس: تضليل الرأي العام في الشعوب الإسلامية

- ‌المسلك الأول: إبعاد أهل الحق عن السبق به في المساجد

- ‌المسلك الثاني: اصطناع أئمة وخطباء موالين للباطل

- ‌الطريق الأولى: إعداد عملاء يلبسون لباس التقوى والصدق

- ‌الطريق الثانية: استغلال الحاجة للدعم المالي

- ‌نتائج البحث:

- ‌تمهيد وتلخيص

- ‌النتيجة الأولى: غايات السباق إلى العقول بالحق ربانية

- ‌النتيجة الثانية: منتهى غايات أهل الحق رضا الله

- ‌النتيجة الثالثة الحق الإلهي منحصر في الإسلام

- ‌النتيجة الرابعة: سبق الحق إلى العقول يحفظ ضرورات الحياة

- ‌النتيجة الخامسة: في سبق الحق إلى العقول تكثير أنصاره

- ‌المثال الأول: الإيمان

- ‌الأسس التي يتحقق بها الأمن في الدارين

- ‌المثال الثالث: الإجرام والمجرمون

- ‌المثال الرابع: معنى الدين

- ‌النتيجة السابعة: وفرة إمكانات سباق أهل الحق المعنوية

- ‌الامتداد المكاني

- ‌الكثرة العددية

- ‌الثروات الكثيرة المتنوعة

- ‌العلاقات العالمية

- ‌المواصلات والاتصالات

- ‌النتيجة التاسعة: تعاون أهل الحق يحقق لهم السبق إلى العقول

- ‌النتيجة الحادية عشرة: أثر التنازع في السباق إلى العقول

- ‌النتيجة الثانية عشرة: أثر العنف في سبق الحق إلى العقول

- ‌النتيجة الثالثة عشرة: دور القوة في السباق إلى العقول

- ‌الهدف الأول: فقه الغايات

- ‌الهدف الثاني: فقه الوسائل

- ‌الهدف الثالث: إقناع المتدرب بأداء واجبه في هذا السباق

- ‌النتيجة الخامسة عشرة: تقصير أهل الحق في السباق إلى العقول

الفصل: ‌المظهر السادس: تقليد أجهزة الإعلام الأجنبية، في المصطلحات

‌المظهر السادس: تقليد أجهزة الإعلام الأجنبية، في المصطلحات

.

ومن تلك المظاهر تقليد أجهزة الإعلام التابعة للدول الحاكمة للشعوب الإسلامية لأجهزة الإعلام النصرانية واليهودية والشيوعية، والوثنية في الغرب أو الشرق، في إدخال المصطلحات التي ترددها هذه الأجهزة الكافرة ضد الإسلام والمسلمين في قاموس تلك الأجهزة الإعلامية المقلِّدة.

مصطلح الأصولية.

ومن ذلك مصطلح: (الأصولية (1)) التي تطلق في الغرب على فئة معينة من النصارى البروتستانت، الذين يتمسكون بظواهر نصوص محرفة تمسكا جامدا، ويحكمون على كل من يخالف ظواهر نصوصهم تلك من النصوص المحرفة أيضا عند الفئات النصرانية الأخرى بأنهم على باطل، وأن الحق هو ظواهر نصوصهم المحرفة فقط، ويقفون موقفا متشددا ضد كل من يخالفهم، ويتسم تشددهم بالعنف.

(1) وتطلق كلمة أصولي في اللغة الإنجليزية (Jurist) على الضليع في القانون، والمحامي، والقاضي، وفيها نوع شبه بكلمة أصولي في الإسلام كما سيأتي، أما الأصولية بالمعنى الظالم الذي يطلق على الجماعات الإسلامية فهو:«ESSENTIALISM» .

ص: 143

هذا المعنى المولود في الغرب أطلقه أعداء الإسلام من اليهود والنصارى على كل من تمسك بالإسلام تمسكا صحيحا ودعا إليه، وهو - بهذا المعنى - إطلاق ظالم جائر، لا أصل له في القاموس الإسلامي، بل إن كلمة (أصول) في الشريعة الإسلامية تطلق على علم يروض العقل على البحث والاستنباط، انطلاقا من قواعد يندر وجود مثلها في أي دين أو أي علم عند غير المسلمين، إنه علم أصول الفقه الذي هو ميزان دقيق يضبط منهج الفقيه في استنباط الأحكام، ويعصمه من الزلل في اجتهاده، يعلم ذلك كله من له إلمام بهذا العلم العظيم من المسلمين وغيرهم، ولذلك تطلق كلمة:"أصولي" على المتخصص في هذا العلم، وجمعه:"أصوليون" والذي يتقن هذا العلم يصول ويجول في ميدان الفقه المستنبط من القرآن والسنة وهو متحرر العقل من التقليد الأعمى، عارف أين يضع قدمه آمن من المزالق التي يقع فيها من يجهل هذا العلم، مقدر للمصالح الراجحة والمفاسد حق قدرها، ويكفي من أراد الوقوف على حقيقة ذلك قراءة جزء من المقاصد من كتاب "الموافقات" للإمام الشاطبي رحمه الله، هذا هو الأصولي عند المسلمين.

ص: 144

وقد يطلق على العالم المتضلع في العقيدة (الإيمان) وقد يسمى فيلسوفا - والأصل أن يسمى حكيما - ومع ذلك أطلق أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم كلمة أصولي أو أصوليين، على علماء الإسلام وأتباعهم من المتمسكين بالدين الداعين إليه بالموعظة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، كما أطلقوا على الدعوة إلى الإسلام وتطبيقه في العالم الإسلامي كلمة "أصولية" التي يعلمون أنها مصطلح غربي ينفر من يسمعه من أهل الغرب، والهدف من ذلك تلبيس الإسلام والمسلمين بثوب لم يفصل عليهما، وإنما فُصِّل على مبدأ يجافي الإسلام ويضاده وعلى فئة بعيدة كل البعد عن الجماعات الإسلامية، وذلك للتنفير من الإسلام والمسلمين والتخويف منهما والتحريش عليهما لمحاربتهما.

وقد راق هذا المصطلح لأجهزة الإعلام العلمانية في البلدان الإسلامية، فأخذوا يرددونه في وسائل إعلامهم كلها في كل مناسبة وأخذوا يطلقون هذا المصطلح ظلما وعدوانا على علماء أجلاء يستحقون أن يوصفوا بالأصوليين حسب المصطلح الإسلامي السابق الذكر، لا بحسب هذا المصطلح الغربي الظالم، كما أطلقوه على جماعات أبعد ما تكون عن هذا المعنى.

ص: 145

وعلى سبيل المثال نذكر حزب الرفاه الذي يرأسه المهندس " نجم الدين أربكان " والذي له فترة طويلة يزاول السياسة ويدخل في الانتخابات ويفوز بأصوات تمكنه من المشاركة في الحكم، وقد يفوز بأصوات ولا يتمكن بها من المشاركة في الحكم وهو الغالب، ولم يصدر منه شيء من الاعتداء على أحد، بل يُعتدى عليه في وسائل الإعلام ويحارَب حربا شعواء لا يحاربها حزب آخر من الأحزاب التركية المعترف بها، ومع ذلك إذا فاز ببعض البلديات المهمة ارتفعت الأصوات المعادية للإسلام واصفة له بالأصولي المتطرف، مع أن هذا الحزب لشدة اعتداله واعترافه بالقومية التركية وعزمه على نقل النافع من الحضارة المادية الغربية إلى بلاده، أخذ بعض الكتاب الذي يعترفون بوجود أصوليين في الجماعات الإسلامية بالمفهوم الغربي السابق - أخذوا يدافعون عن حزب الرفاه ويبرؤونه من الأصولية المذكورة (1) .

(1) راجع على سبيل المثال عدد 5599، الخميس 16شوال، ص9، وعدد 5601 الأربعاء 18شوال، ص7، وعدد 5602، 19شوال ص6، وعدد 5604 السبت 21شوال ص7، وعدد 5606، 23شوال ص8، وعدد 5607، 24شوال ص8، كلها في عام 1414هـ - من جريدة الشرق الأوسط (وقد كون أربكان حكومة مع حزب الطريق القويم بزعامة.. الخ

) .

ص: 146

ومن ذلك كلمة "التطرف" التي تطلق على الفرد المسلم الملتزم بدينه والآمر به الناهي عما نهى عنه، بل إن كلمة التطرف يطلقونها على الجماعات التي هي أشد بعدا عن الدخول في المسائل الخلافية بين المسلمين، مثل جماعة الدعوة والتبليغ التي نشأت في الهند، وعليها بعض المآخذ، ولكنها تحاول أن لا تتدخل في السياسة الشرعية الإسلامية، ولا في الخلافات المذهبية الفقهية أو غيرها، حرصا منها على أن تهدي الناس - بحسب ما تفهمه من الإسلام - إلى التمسك بالشعائر العبادية والأخلاقية والزهد في الدنيا، ومع ذلك يعتقل أفرادها في بعض البلدان الإسلامية، وهم كعادتهم يتعبدون في المساجد لا يؤذون أحدا، ويوصفون بأنهم متطرفون والعالم كله يعلم أن هذه الجماعة لا توجد جماعة مثلها يمكن أن توصف بالهدوء والبعد عن كل ما يثير الناس حتى إنها كانت - ولا زالت - تذهب إلى البلدان الغربية والشيوعية وتقيم فيها المؤتمرات الحاشدة، ولكنها في كثير من البلدان الإسلامية التي تحكمها الدول العلمانية جماعة متطرفة! (1) .

(1) راجع الشرق الأوسط عدد:5609، الخميس 26شوال 1414هـ - ص4، وهذه الجريدة من أشد الجرائد حرصا على إيراد هذه المصطلحات وعلى نشر مقالات الكتاب الذين يستعملونها للتنفير من الإسلام ودعاته. مع أنها تنشر بعض المقالات - أحيانا - تبين الحقيقة في هذا الشأن راجع عدد:5611 السبت 28شوال 1414هـ - ص15.

ص: 147

ونحن لا ننكر أنه يوجد غلاة من بعض الأفراد أو بعض الجماعات التي وجدت في العالم الإسلامي، لظروف معروفة من أهم أسبابها الغلو العلماني من طغاة الحكم، ولكننا نأبى إقرار أمرين:

الأمر الأول: إطلاق كلمة أصولي - بالمفهوم الغربي - على أي فرد مسلم أو جماعة إسلامية مهما بلغ تطرفها ومهما وقفنا ضد تطرفها؛ لأن هذا المصطلح أجنبي وعندنا مصطلحات إسلامية تغني عنه مثل: الغلاة وذوو العنف أو الخوارج، إذا وجدت الصفات والشروط التي لا يصح الإطلاق بدون وجودها.

الأمر الثاني: إطلاق لفظ التطرف على كل ملتزم بدينه داع إليه على الوجه المشروع في الكتاب والسنة، سواء أكان الملتزم الداعي فردا أو جماعة، وعلى مسؤولي وسائل الإعلام في البلدان الإسلامية أن يقلعوا عن هذا الجناح العظيم، وإلا فليعلموا أنهم - إن لم يقلعوا عن ذلك - قد أصبحوا في صف أعداء الله ورسوله الذين يشاقون الله ورسوله ويوالون أعداء الله ورسوله، ويتبعون غير سبيل المؤمنين:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1) .

(1) النساء: 115. هذا، ومع أن رجال الإعلام المنتسبين إلى الإسلام لا يخجلون من ظلمهم في استعمال هذه المصطلحات في غير محلها فقد انتقد بعض الكتاب الأجانب ذلك في كتاب ألف بعنوان: «انتقام الله» THE REVENGE OF GOD ويسمى المؤلف: جيل كيبل ووضح أن كلمتي التطرف والأصولية مصطلحات دخيلان على الحركة الإسلامية، وأنهما مستمدان من الديانة المسيحية كما ذكرت ذلك من قبل، راجع جريدة الشرق الأوسط - التي تبتهج بهذه المصطلحات الظالمة في كل أعدادها تقريبا - عدد5626 الأحد 13 / 11 / 1414هـ - الموافق: 24 / 4 / 1994م.

ص: 148

مصطلح الإرهاب والإرهابي

ومن ذلك: إطلاق لفظ: "إرهابي" - نسبة إلى "إرهاب" - على كل من تمسك بالإسلام ودعا إلى العمل به والحكم بشريعته، وإلى إعداد المسلمين العدة لإقامة هذا الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض، وحذر من تآمر أعدائه عليه وعلى أهله.

وقد انتشر هذا المصطلح - أصلا - من أجهزة الإعلام الغريبة، وبخاصة بعد تفكك الدول الشيوعية - الاتحاد السوفييتي - والهدف من ذلك توجيه قادة الغرب الحرب الشاملة على الإسلام والتنفير منه، والتخويف منه بعد أن رأوه ينتشر بسرعة في معاقل العلمانية الغربية، ورأوا بيوت الله تنافس كنائس النصرانية في ديارها، كما رأوا كثيرا من شباب المسلمين المؤهلين في جميع التخصصات، وفي أنحاء الأرض كلها، يعودون إلى التمسك بدينهم بقوة، ورأوا الشعوب الإسلامية تتطلع إلى تطبيق شرع الله، بدلا من قوانين الغرب التي فرضت عليهم بالقوة.

ويعلم قادة الغرب من الباحثين والسياسيين والعسكريين وغيرهم، أن مبادئ الأرض كلها، لا قدرة لها على مواجهة هذا الدين، ما بقي سليما صافيا من التحريف والتبديل، وما بقي له رجال يحملونه، إيمانا وعلما وعملا ودعوة وإعدادا وعدة للدفاع عنه وتبليغه إلى الناس كافة.

ص: 149

وقد حاول أعداء هذا الدين تحريف نصوصه وتشويه معانيه قديما وحديثا، فلم يفلحوا في ذلك؛ لأن الله تعالى قد تولى حفظه بنفسه، وهيأ له من يحميه من علماء الأمة جيلا بعد جيل.

ولهذا ترى قادة الباطل يبتكرون في كل عصر ما يحاربون به دين الله، من الوسائل المعنوية والمادية، وحربهم له بالوسائل المعنوية أشد على المسلمين من الوسائل المادية.

ذلك أن الوسائل المعنوية تشكك جهلة المسلمين في دينهم، وتؤثر في عقول بعض الغافلين من المنتسبين إلى العلم، ممن لا يتنبهون لكيدهم، كما أن تلك الوسائل تنفر غير المسلمين من الإقبال إلى الإسلام والتعرف على ما فيه من المحاسن، لينقذوا أنفسهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان.

ص: 150

ومن أهم وسائلهم المعنوية التي اجتهدوا في تضليل المسلمين واستغفالهم بها، وفي تنفير غير المسلمين عن التعرف على الإسلام والدخول فيه، مصطلحا:"إرهاب وإرهابي" اللذين تلقاهما منهم كثير من المسلمين من الكتاب والإعلاميين والسياسيين، وغيرهم وأخذوا يطلقونهما على كل فرد أو جماعة أو دولة تدعو إلى تطبيق الإسلام في حياة المسلمين، وتنادي بإعداد العدة لجهاد المعتدين، على ضرورات حياة الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى والوثنيين. وأصبح الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من علماء الأمة الإسلامية ودعاتها - الذين يحثون المسلمين على إعداد العدة لإرهاب أعدائهم، والدفاع عن أعراضهم وأوطانهم وأموالهم، في فلسطين، وفي كشمير، وفي إريتريا، وفي الصومال، وفي الفلبين، وفي البوسنة والهرسك، وفي الشيشان

ومن يمد لهم يد العون بالمال - إرهابيين تجب محاربتهم والتضييق عليهم، والوقوف ضدهم في صف أهل الباطل المعتدين على كل حق من حقوق المسلمين.

ص: 151

وغفلوا أو تغافلوا عن نصوص القرآن والسنة، ومقاصد الشريعة الإسلامية الرامية إلى تحقيق العزة لهذه الأمة، العزة التي تقيها من أن يجعل الله للكافرين عليها سبيلا، وأن العزة لا تتحقق لهم إلا بإعداد العدة المستطاعة التي ترهب أولئك الأعداء، وتحول بينهم وبين العدوان على مقدساتهم وحرماتهم.

ص: 152

وحققوا بذلك ما تمناه أهل الباطل من تفوقهم على المسلمين في مجال العلم والاقتصاد والسياسة والإعلام والسلاح وغيرها، ومن ضعف المسلمين وذلتهم، ليكونوا أتباعا لهم يصرفون شؤونهم كما يريدون؛ لأنهم قد سلبوا هذه الأمة سلاح إرهابها عدوها بإعداد العدة، وأحرزوه لأنفسهم، فاختلت الموازين، وأصبح المسلمون الذين شرع الله لهم إرهاب عدوهم أذلة، وأصبح أعداؤهم من أهل الباطل أعزة عليهم مستقلين بإعداد العدة التي ترهب المسلمين، بدلا من الأصل الذي أراده الله، وهو: إرهاب أعدائه الكافرين، وفي ذلك إبطال لأمر الله الشرعي، الذي سجله تعالى في كتابه الكريم:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} . (1) وطمس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ونصرت بالرعب» . (2)

(1) الأنفال: 60.

(2)

البخاري: 323، ومسلم:810.

ص: 153

ومعلوم بداهة أن الذي يملك القوة التي يرهب بها عدوه تكون له القيادة في الأرض، وأن الذي لا يملك تلك القوة المرهبة يكون مستضعفا ذليلا، والأصل أن تكون العزة لصاحب الحق، والذلة لصاحب الباطل!.

فهل يليق بالمنتسبين إلى الأمة الإسلامية "أمة الحق" وبخاصة من يعد من المثقفين، أن يستخفهم أهل الباطل ويجندوهم لتحقيق مآربهم، فيستعملوا مرافق المسلمين من وسائل الإعلام وتأليف الكتب، لإعانة أعدائهم عليهم، وتضليل المسلمين والعبث بعقول جهالهم، بتشويه المصطلحات الشرعية الواردة في القرآن والسنة، وجعل الحق منها باطلا؟!

وليت الذين خدموا أعداء الحق وأنصار الباطل بنشر مصطلحاتهم المشوهة للإسلام والمنفرة منه - كالإرهاب والإرهابي - اطلعوا على شكوى بعض الغربيين الذين دخلوا في دين الإسلام من هجوم قومهم عليهم بتلك المصطلحات الظالمة، ليخجلوا من مسارعتهم - متعمدين أو مستغفلين - إلى الوقوف في صف أهل الباطل باستعمال مصطلحاتهم ونشرها وإطلاقها على غير أهلها.

شكوى بعض المسلمين في الغرب من تلك المصطلحات الظالمة.

ص: 154

ولنذكر - على سبيل المثال - شكوى المسلم الألماني الدكتور " مراد هوفمان "(1) من إطلاق أعداء الإسلام مصطلح "إرهابي" على المسلم الذي يشتبه في صدور عنف منه، دون غيره من أهل الديانات والمبادئ الأخرى.

قال: (فالإعلام الغربي يقف على خلفية صلبة من العداء للإسلام، ولديه قرون استشعار انتقائية لكل همسة تنسب للإسلام، ولديه مصطلحات خاصة جدا، لا يستخدمها إلا للإسلام والمسلمين. فمثلا لم نقرأ في صحيفة أوروبية - أيا كانت - مصطلح "إرهابي" أطلقته على شخص يهودي أو مسيحي

ولكن نقرأ "إرهابي مسلم" وهذا المصطلح ملأ صفحات الجرائد الأوروبية والأمريكية خلال تغطيتها لحادث تفجير المركز التجاري العالمي بنيويورك في مطلع عام 1993م.

وإذا حدث وهاجم إرهابي خارج العالم الإسلامي هدفا ما، جاءت التقارير الصحفية بمصطلح "مقاتل، محارب، فدائي" ولن نقرأ أبدا مصطلح "إرهابي كاثوليكي" أو "متعصب مسيحي" أو "إرهابي هندوسي" حتى الهجوم بالغاز في مترو طوكيو في مارس 1995م نسب إلى راديكاليين!!) . (2)

العلوم النظرية.

(1) ولد في عام: 1931م. دكتوراه في القانون، عمل في وزارة الخارجية الألمانية من سنة 1961م وتولى مناصب في بعثاتها في عدة بلدان. دخل في الإسلام سنة 1980م في مدينة بون، ألف عددا من الكتب، منها:(نهج فلسفي لتناول الإسلام) و (دور الفلسفة الإسلامية) و (يوميات ألماني مسلم) و (الإسلام كبديل) وقد شنت أجهزة الإعلام الألمانية عليه حملة عنيفة بسبب تأليفه هذا الكتاب الذي يرى فيه أن الإسلام هو المؤهل لإنقاذ الأمم مما هي فيه من شقاء وضنك. و (الإسلام عام 2000) و (رحلتي إلى مكة) .

(2)

جريدة (أخبار العالم الإسلامي) التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. عدد: (1625) صفحة (9) بتاريخ: 19 - 25 جمادى الأولى سنة 1418 هـ - - 20 - 26 أكتوبر سنة 1997م.

ص: 155

ومن ذلك: إطلاق لفظ (العلوم النظرية) على كافة العلوم الإسلامية، حيث يقال عند المقارنة بين العلوم الإسلامية، وغيرها من العلوم المادية - التي هي من فروض الكفاية في الإسلام -: العلوم النظرية والعلوم التطبيقية، مع أن الدين الإسلامي كله تطبيق وعمل في حقيقة الأمر، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان الشرعي يشمل الاعتقاد والقول والعمل، وعلى ذلك جماهير علماء الإسلام. (1)

وإذا تأمل الباحث أبواب الإسلام - أصوله وفروعه - وجد غالبها عملية، فالطهارة عمل، والصلاة عمل، والزكاة عمل، والحج عمل، والصيام عمل، والجهاد - إعدادا وتنفيذا - عمل، والبيع والشراء المشروعان، والشركات بأنواعها عمل، والقضاء والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل، والتعاون على البر والتقوى عمل، وهكذا ما قد يظن الجهال أنه ليس من الإسلام كالصناعة والزراعة والتطبيب وغيرهما، وكل باب من أبواب الاقتصاد عمل، والتعليم والإعلام والسياسة الشرعية، كل ذلك عمل.

(1) وهذا المعنى مبسوط في كتب العقيدة وكتب التفسير وشروح الحديث. راجع تعريف الإيمان في كتاب: (الإيمان هو الأساس) للمؤلف.

ص: 156

ويجب أن يعلم أن كل أعمال المسلم - سواء منها ما كان من العبادات أو من المعاملات هي من الإسلام، يثاب على فعلها أو تركها إذا قصد العبد بفعلها التقرب بها إلى الله، والأدلة متضافرة على ذلك، وقد بسط العلماء القول فيها.

ويكفي أن تعلم أن أعمال العبد كلها لا تخرج عن الأحكام التكليفية الخمسة، وهي: الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه، وهي الأحكام الشرعية التي بينها علماء أصول الفقه في كتبهم، فمن فعل الواجب أو المندوب أو المباح قاصدا بذلك التقرب إلى الله أثابه الله على ذلك، ومن ترك المحرم والمكروه قاصدا به وجه الله أثابه الله على ذلك، ومن فعل المحرم عاقبه الله على فعله، ومن ترك الواجب عاقبه الله على تركه. وهذا يدل على أن ذلك كله عبادة، وهو عمل وتطبيق

وتقسيم العلماء أبواب الشريعة إلى عقائد وعبادات ومعاملات، إنما فصدوا به تقريب أبواب هذه الشريعة لطلاب العلم، وإلا فكلها دين وكلها إسلام، وإن اعتبر بعضها أصولا وبعضها فروعا....

فكيف يقال بعد هذا كله: إن العلوم الإسلامية نظرية غير تطبيقية؟!

وإن الذين يطلقون هذا المصطلح على علوم الإسلام لا يخلون من إحدى طوائف ثلاث:

ص: 157

طائفة ماكرة من أهل الباطل الذين يتعمدون هذا الإطلاق، للتهوين من شأن الإسلام، وأنه من الأمور النظرية التي لا تتوقف حياة المسلمين وتقدمهم على تطبيقها، وهذا هو منهج من يسمون بالعلمانيين، بدليل أنهم يحاربون تطبيق الشريعة الإسلامية والدعاة إلى ذلك التطبيق. وإنما تعمدوا هذا الإطلاق ليغرسوا هذا المعنى - وهو تهوين شأن الإسلام - في عقول أبناء المسلمين

وطائفة جاهلة تلقفت هذا المصطلح من الطائفة السابقة، وأطلقته دون وعي لمقاصد أهل الباطل في هذا الإطلاق.

وطائفة غافلة، أي إنها أطلقت هذا المصطلح عن غفلة - بسبب التضليل الإعلامي - وليس عن جهل، فإذا نبهت على خطر هذا الإطلاق نبذته وحذرت منه.

ما رتبه أهل الباطل على هذا الإطلاق:

وقد رتب أهل الباطل على هذا الإطلاق نتيجتين خطيرتين:

النتيجة الأولى: تهوين شأن الإسلام كما مضى.

والنتيجة الثانية: أن تقدم الأمة إنما يتوقف على العناية بالعلوم العملية التطبيقية.

وهي التي تمس حياة الناس ويتوقف على إحرازها تقدم الشعوب، بخلاف العلوم النظرية، وعلى رأسها العلوم الإسلامية وما يخدمها.

ص: 158

ويكفي أن يذكر المسلم الحرب الشعواء على مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومعاهد الأئمة والخطباء والقضاة في بعض البلدان الإسلامية - ومنها تركيا -

أليس المسلمون في حاجة إلى مفتين وقضاة شرعيين وأئمة وخطباء وأساتذة لتعليم أبنائهم العلوم الإسلامية وما يخدمها كاللغة العربية بفروعها، والحضارة الإسلامية عبر التاريخ.... كحاجتهم - بل أشد - إلى أطباء ومهندسين وصناع

؟!

وقل من تنبه لخطر هذا الإطلاق في وسائل الإعلام المضللة وحذر منه، بل أصبح كثير من الكتاب والأدباء والمؤلفين والإعلاميين يستعملونه، وصار عند عامة المسلمين من المسلمات التي لا تناقش. ولا شك أن هذا من تخطيط أهل الباطل في سباقهم بباطلهم إلى عقول أبناء المسلمين.

عبدة الشيطان!

ص: 159

ومن ذلك: مصطلح: (عبدة الشيطان) الذي اهتمت به وسائل الإعلام في هذه الحقبة من الزمن، حيث أطلق على من سموا أنفسهم بذلك، ممن ظهروا في بعض البلدان الإسلامية والغربية، ويوهمون كثيرا من الناس - ومنهم بعض المسلمين - أنه لا يطلق هذا اللفظ إلا على أمثال هؤلاء ممن يصرحون بأنهم يعبدون الشيطان، مع أن هذا اللفظ يطلق في القرآن وفي السنة على من اتبع سبل الشيطان مخالفا أمر الله وصراطه المستقيم شاملا لعدد كبير ممن ينتسبون إلى الإسلام بأسمائهم ويحاربونه بسلوكهم.

ص: 160

والذي يتتبع بعض الآيات القرآنية يتبين له أن كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام الذين لا يصرحون بأنهم من عبدة الشيطان، بل قد يستعيذون منه ويلعنونه، هم أشد عبادة للشيطان ممن يصرحون بأنهم يعبدونه، وبخاصة أولئك الطغاة الذين حرموا الشعوب الإسلامية من التمتع بحكم الله الذي أنزله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأحلوا محله الحكم بالطاغوت، بل إن هؤلاء هم السبب الرئيس لظهور من يصرحون بعبادة الشيطان، لأنهم لو حكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في حياة الناس لأوجدوا المناخ الإسلامي الذي يقي المسلمين - وغيرهم - من اتباع خطوات الشيطان، وقضوا بذلك على الوسائل الداعية إلى عبادة الشيطان

ولكنهم - مع تمجيد وسائل الإعلام لهم - لم يدَعوا خطوة من خطوات الشيطان إلا خطوها، ولا سبيلا من سبله إلا سلكوها.

والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (1)

(1) البقرة

ص: 161

ومن أعظم خطوات الشيطان التحاكم إلى الطاغوت الذي فرضه الطغاة على الناس فرضا في كل شأن من شؤون حياتهم، والقرآن الكريم يدل على تكذيب من يدعي الإيمان وهو يتحاكم إلى الطاغوت، ويدل على أن من أطاع غير الله في تحليل ما حرم أو تحريم ما أحل قد عبد غيره تعالى. فكيف بمن شرع للناس تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله وفرض ذلك فرضا على الناس، وفرض عليهم التحاكم إلى الطاغوت بسطوته وسلطانه.؟!

قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1) .

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} . (2)

(1) التوبة.

(2)

النساء.

ص: 163