الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجهاد
أي في بيان أحكام الجهاد وما يتعلق به. وهو لغة التعب والمشقة. وحده ابن عرفة بقوله: قتال مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى، أو حضوره له أو دخوله أرضه اهـ. ثم اعلم أن الجهاد ينقسم إلى قسمين: الأول جهاد بالقلب وهو مجاهدة النفس والشيطان عن الشهوات المحرمة. والثاني جهاد الكفار بالسيف في المعترك، وهو المراد هنا، وهو على قسمين أيضا: الأول في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. والثاني لقصد الغنيمة أو إظهار الشجاعة. وفى الحديث: عنه صلى الله علية وسلم قال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " اهـ قال الخرشي وغيره: إن من قاتل للغنيمة أو لإظهار الشجاعة وغيرها لا يكون مجاهدا فلا يستحق الغنيمة حيث اظهر ذلك، ولا يجوز تناولها حيث علم من نفسه ذلك اهـ.
وقد ورد في فضله آيات كثيرة وأحاديث صحيحة. وقد بين الله تعالى في تنزيله فضل الجهاد والمجاهدين، وجزاء الشهادة والشهداء بقوله تعالى:{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] الآيات. وقال تعالى {وقتلوا المشركين كافه كما يقتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة: 36] والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى، والإشارة تكفى العاقل.
ثم إن الجهاد لا يتعين على الشخص إلا في ثلاث أحوال: في حال مفاجأة العدو محلة المسلمين. وفى تعيين الإمام شخصا قادرا على القتال. وكذلك يتعين في حال النذر
لوجوب الوفاء به لأنه عبادة وإلا فاصل الجهاد فرض كفاية، والى ذلك أشار رحمة الله تعالى " إذا نزل الكفار دار الإسلام تعين على كل من أمكنه النصرة حتى العبد والمرأة، ولا مانع للسيد والزوج والوالد وإلا ففرض كفاية " قال النفراوي في الفواكه الدواني: محل كون الجهاد فرض كفاية بحسب الأصل فلا ينافي انه قد يكون واجباً على الأعيان إذا غزا العدو على قوم فيتعين على كل حتى النساء، وعلى من بقربهم إن عجزوا، وبتعيين الإمام، وبالنذر. قال خليل: ويعين بفجء العدو، وإن على امرأة أو عبد، وعلى من قربهم إن عجزوا وبتعيين الإمام
اهـ. وفي ضياء الحكام: ومحل تعيينه على من بقربهم إن لم يخشوا العدو على نسائهم وبيوتهم، فإن خافوا ذلك بأمارة ظاهرة لزموا مكانهم وتركوا الإعانة. وقوله وبتعيين الإمام فمن عينه وجب عليه الخروج ولو كان صبيا مطيقاً للقتال أو امرأة أو عبداً أو ولداً أو مديناً ولو منع أولياؤهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويلزم الإمام حراسة الثغور " الحراسة بمعنى المحافظة، يعني يلزم على الإمام أن يعتني بمحافظة الثغور، وهي الجهة التي يطلع منها العدو ويدخل.
وعبارة بعضهم: الثغور جمع ثغر وهو الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو، أي دخول العدو في بلاد الإسلام اهـ. وذلك بقدر كثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى عاطفاً على الحراسة: " والبعث إلى دار الحرب في كل وقت يمكنه " يعني يلزم على الإمام أن يبعث بالجيش أو السرية أو يخرج بنفسه هو أو نائبه في كل وقت أو سنة متوجهين إلى دار الحرب بقدر الإمكان والنظر في ذلك.
قال رحمه الله تعالى: " فيدعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فإلى الجزية والدخول في ذمة الإسلام فان أبوا " عن جميع ذلك وتعرضوا أوجب القتال، ولذا قال فإن أبوا " قاتلوهم ولا يقاتلون قبل الدعوة إلى أن يتعجلوا " قال في الرسالة: والجهاد فريضة،
أي فرض كفاية يحمله بعض الناس عن بعض وأحب إلينا ألا نقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا. وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا، فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويجوز التنكيل بهم بقطع أشجارهم ومنع المياه وإرسالها عليهم ورميهم بالمجانيق وعقر دوابهم ونهب أموالهم وبكل ما فيه نكاية لهم " قال العلامة المحقق المدقق الشيخ عبد الله بن فودى في ضياء الحكام: ويقاتل الكفار بجميع أنواع الحرب: بقطع الماء أو إرساله عليهم وسيف ونبل ورمح ومجنيق مطلقاً، وبنار إن خيف منهم ولم يمكن غيرها عند ابن القاسم، ومطلقاً عند مالك، وان كان فيهم مسلم لم يقاتلوا بها اتفاقاً إلا لخوف، كأن كانوا في الحصن مع النساء والصبيان وأولى مع مسلم، وإن تترسوا بهم تركوا إلا لخوف، وبالمسلمين قتلوا ولم يقصد الترس إن لم يخف على أكثر المسلمين.
واعلم أن التدبير في الحرب عدم تحقير العدو، وبث الجواسيس، واختيار الشجعان وانتخاب الأمراء وأصحاب الولاية، ولا ينبغي أن يقدم على الجيش إلا ذو الشجاعة رابط الجأش، صادق البأس ممن توسط الحروب ومارس الرجال مع رعي آداب الحرب التي بين الله تعالى في قوله {يأيها الذين امنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46،45] وقوله:{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد:7] اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومن أجاب الجزية أقر على دينه وقبلت منه " وتقدم قول صاحب الرسالة إنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا فراجعه إن شئت.
ثم بين قدرها فقال رحمه الله تعالى: " وهي في كل سنة أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهماً على أهل الورق من كل كافر اصلي حر ذكر مكلف غير مرتهب ولا عتيق مسلم، ولا يؤخذ مني بمعدم، ولا حي بميت، مع ضيافة المجتاز من المسلمين ثلاثة أيام، وتسقط بالإسلام ولو عن أحوال، لا بانتقاله إلى ملة أخرى " قال في المقدمات: والجزية ما يؤخذ من أهل الكفر جزاء على تأمينهم وحقن دمائهم مع إقرارهم على كفرهم. وهي على وجهين: عنوة وصلحية، فأما الصلحية فلا حد لها إذ لا يجبرون عليها، ولأنهم منعوا أنفسهم وأموالهم حتى يقروا في بلادهم على دينهم إذا كانوا بحيث تجري عليهم أحكام المسلمين. وتؤخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون، إلى أن قال: وهي على ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون الجزية مجملة عليهم، والثاني أن تكون مفرقة على رقابهم دون الأرض، والثالث أن تكون مفرقة على رقابهم وأرضهم أو على أرضهم دون رقابهم، مثل أن يقول على كل رأس كذا وكذا، وعلى كل زيتونة كذا وكذا، وعلى كل مبذر قفيز من الأرض كذا وكذا، ولكل وجه من هذه الوجوه أحكام تختص به، إلى أن قال: وأما الجزية العنوية وهي الجزية التي توضع على المغلوبين على بلادهم المقرين فيها بعمارتها فإنها عند مالك رحمه الله على ما فرضها عمر، رضي الله عنه، أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الورق مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام، إلا أن مالكاً رحمه الله رأى أن توضع عنهم الضيافة إذا لم يوف لهم بالعهد على وجهه اهـ المقدمات. قال الصاوي في
حاشيته على أقرب المسالك: ومما أسقطه مالك عنهم أرزاق المسلمين التي قدرها الفاروق مع الجزية، وإنما أسقطها مالك عنهم الظلم الحادث عليهم من ولاة الأمور اهـ. رحمه الله وتسقط بالإسلام إلى إلخ وعبارة الدردير: وسقطنا أي الجزية العنوية
والصلحية بالإسلام وبالموت، ولو متجمداً من سنتين مضتا، بخلاف خراج الأرض العنوية فلا يسقط بالإسلام، بل هو على الزارع ولو مسلماً، وكذا لا تسقط الجزية بانتقال الكافر من ملة إلى أخرى لأنه خرج من كفر إلى كفر، هذا هو المشهور خلافاً لابن الماجشون القائل إنه يقتل ولا تؤخذ منه الجزية اهـ ذكره القاضي في الشفاء. وأما المرتد أي الذي خرج عن الإسلام فلا يؤخذ منه الجزية، بل يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب فلله الحمد، وإلا قتل وما له فيء. قال عليه الصلاة والسلام:(من بدل دينه فاضربوا عنقه) قال رحمه الله تعالى: (ويؤخذ ممن تجر إلى غير بلده عشر ما يبيع حراً كان أو عبداً، فإن باع ببلد واشترى بغيره فعشران، ونصفه مما حملوه إلى الحرمين من الأقوات ونحوها. والحربي كغيره إلا أن يشترط عليه أكثر) يعني كما في الرسالة ونصها: ويؤخذ ممن تجر منهم من أفق إلى أفق عشر ثمن ما يبيعونه، وإن اختلفوا في السنة مراراً وإن حملوا الطعام خاصة إلى مكة والمدينة خاصة أخذ منهم نصف العشر من ثمنه، ويؤخذ من تجار الحربيين العشر إلا أن ينزلوا على أكثر من ذلك. قال النفراوي: فتلخص أن أهل الذمة إنما يؤخذ منهم عشر الثمن إذا اشتروا من أفق وباعوا في أفق آخر، وأما الحربيون فلا فرق بين أن يبيعوا في بلد واحد أو في جميع بلاد المسلمين، إنما يؤخذ منهم عشر الأعيان لا بشرط أكثر أو أقل إلا في الطعام المحمول إلى مكة والمدينة فكأهل الذمة. والفرق أن بلاد الإسلام كالبلد الواحد بالنسبة لأهل الحرب، بخلاف أهل الذمة فلا يكمل النفع لهم إلا بالانتقال من أفق إلى آخر وباعوا بالفعل. هذا ملخص ما يتعلق بما يؤخذ من أهل الذمة والحربيين. ثم قال: وأما المسلمين فقد قام الإجماع - أي إجماع الصحابة - على عدم جواز أخذ شيء منهم، لخبر (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور) انظر النفراوي، ومثله في الدردير اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: (ويمنعون شراء ما فيه ضرر على المسلمين كالسلاح
والحديد) يعني إذا دخل الحربيون بلاد الإسلام بالأمان للتجارة فإنهم يمنعون شراء ما فيه ضرر على المسلمين من سلاح وغيره، وكذا أهل الذمة إذا سافروا من أفق إلى أفق آخر يمنعون من إدخال ما يضر المسلمين، وهو من باب درء المفاسد.
قال رحمه الله تعالى: " وتنقض كنائس بلاد العنوة لا الصلح لكن يمنع رم دائرها " يعني تهدم ولا يحدث بنائها، هذا في كنائس العنوة. قال الدردير: وليس لعنوي إحداث كنيسة ولا رم منهدم إلا إن شرط ورضي الإمام. قال الصاوي: والحاصل أن العنوي لا يمكن من الإحداث في بلد العنوة سواء كان أهلها كلهم كفار أو سكن المسلمون معهم فيها، إلا باستئذان من الإمام وقت ضرب الجزية، وكذا رم المنهدم على المعتمد اهـ. وقال ابن جزي فيما يجب لنا عليهم من شروط: وأن لا يبنوا كنيسة ولا يتركوها مبنية في بلد بناها المسلمون أو فتحت عنوة، فإن فتحت صلحاً واشترطوا بقاءها جاز، وفي اشتراط بنائها قولان اهـ. قال الدردير: والصلحي ذلك أي الإحداث للكنيسة والترميم في أرضه مطلقاً شرط أولاً اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويعلمون بما يميزهم عن المسلمين " قال خليل: وألزم بلبس يميزه، يعني ألزم الذمي بلبس شيء يميز به عن المسلمين، كلبس الزنار والبرنيطة ونحوه مما يميزه عن زي المسلمين. وعبارة الخرشي: يعني أن الذمي يلزمه أن يلبس شيئاً يميزه عن زي المسلمين لئلا يتشبه بهم، ولهذا إذا ترك لبس الزنار يلزمه التعزيز.
والزنار بضم الزاي هو ما يشد به الوسط علامة على الذل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومن أظهر صليباً أو خمراً أو، أدب وكسر وأريق " قال المواق: ابن حبيب: يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين إظهار الخمر والخنزير.
وتكسر أن ظهرتا عليهم، ويؤدب السكران منهم، وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا اهـ. قال العلامة محمد الأمير في الإكليل: يجوز كسر
أواني الخمر خلافة لما في الخرشي. قلت وما فيه الإكليل هو المعتمد كما في حاشية الخرشي. ونص الخرشي أنه قال: وكذلك يعزر إذا أظهر الخمر ويريقها ولا يضمن لها شيئاً فيها وأما إن لم يظهر خمر وأراقها مسلم فإنه يضمن لتعديه، لأن أوانيها من جملة مال الذمي، ولا يجوز لأحد إتلافه، وكذلك يعزر إذا حمل الخمر من بلد إلى بلد اهـ. فظهر أن الخلاف في الإظهار وعدمه فتأمل.
قال رحمه الله تعالى: " ويمنعون ضرب الناقوس " والناقوس يكون من خشب أو نحاس أو حديد، ويضرب عليها لأجل اجتماعهم لصلاتهم فإنه يكسر ولا شيء على من كسره. ومثله الصليب كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: " ورفع أصواتهم بالقراءة " معطوف على ضرب الناقوس، يعني مما يمنعون ويعزرون على فعله رفع أصواتهم بالقراءة. وفي دليل الطالب للمرعي الحنبلي: ويمنعون من الجهر بكتابهم، ومن قراءة القرآن، وشراء المصحف وكتب الفقه والحديث، ومن تعلية البناء على المسلمين اهـ. وفي
المواق عن ابن شاذ: ولا يرفعون أصوات نواقيسهم ولا أصواتهم بالقراءة في حضرة المسلمين اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وشراء الرقيق وركوب نفائس الدواب وجادة الطريق " قال الدردير في أقرب المسالك: ومنع ركوب خيل وبغال وسروج وبرادع نفيسة وجادة الطريق كما في المختصر. قال الخرشي: يعني أن الذمي عنوياً أو صلحياً يمنع من ركوب الخيل النفيسة ومن ركوب البغال النفيسة ويمنع من الركوب في السروج ولو على الحمير، بل يركبون على الأكف عرضاً بأن يجعل رجليه معاً في جانب الدابة اليمنى أو اليسرى والأكف [جمع إكاف] البرذعة الصغيرة التي جعلت تحت البرذعة الكبيرة، والإبل كالخيل في عرف قوم، وكالحمير في عرف آخرين بل دونهم. ويمنع من جادة الطريق إذا لم يكن خالياً اهـ مع تصرف.