المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٢

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالجيش وأخذ الغنيمة قبل القسم

- ‌كتاب الأيمان

- ‌فَصْلٌفي الاستثناء بـ إلا وأخواتها

- ‌كتاب النذور

- ‌كتاب الأضحية والعقيقة والصيد والذبائح

- ‌فَصْلٌفي العقيقة وما يفعل للمولود يومَ سابعه

- ‌فَصْلٌفي بيان الصيد وما يتعلق به من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الذبح

- ‌كتاب الأطعمة والأشربة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فَصْلٌفي المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن

- ‌فَصْلٌفي نكاح الشغار وما يتعلق به من الأحكام

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بإسلام المتزوجين وحكم نكاحهما بعد الإسلام

- ‌فَصْلٌفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان نكاح التفويض والتحكيم

- ‌فَصْلٌفيمن كان متزوجاً بأكثر من زوجة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام المفقود والغائب عن زوجته

- ‌كتاب الطلاق

- ‌خاتمة

- ‌كتاب البيوع

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق ببيع المزابنة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالثمن والمثمن

- ‌فَصْلٌفي بيع العقار وما يتبعها

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع المميز والعبد المأذون وغيره

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع الغائب عن مجلس العقد

- ‌فَصْلٌفي أحكام بيع المرابحة

- ‌فَصْلٌفي مسائل الخيار

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بأحكام بيع الثمار

- ‌فَصْلٌفي العرايا

- ‌فَصْلٌفي أحكام الجائحة في الثمار والزروع وغيرها

- ‌فَصْلٌفي السلم وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالقرض وهو بمعنى السلف

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بأحكام الجعل وشروطه

- ‌كتاب القراض والشركة والمساقاة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالشركة وشروطها

- ‌فَصْلٌفي المساقاة وأحكامها

- ‌كتاب الرهن والوكالة

- ‌فَصْلٌفي الوكالة

الفصل: ‌فصلفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه

‌فَصْلٌ

في الصداق قلة وكثرة وأحكامه

أي في بيان الصداق الذي هو مأخوذ من الصدق لدلالته على صدق الزوجين في موافقة الشرع ويسمى مهراً، وطولاً، ونحلة وهو شرط في صحة الدخول على الصحيح. قال الله تبارك وتعالى:{يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك التي أتيت أجورهن} {الأحزاب: 50} وقال تعالى: {وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة} {النساء: 4} وقال عز وجل: {فما استمتعتم به منهن فءاتوهن أجورهن فريضة} {النساء: 24} وقال تعالى: {وءاتيتم إحداهن قنطاراً} {النساء: 20} وقال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} {النساء: 34} وغيرها من الآيات الدالة على وجوبه ومن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام: " لا نكاح إلا بولي وصداق " الحديث، فالزوج لا يستبيح الفرج الفرج إلا بالصداق يدفعه للمرأة عند العقد، أو عند إرادة الدخول إن كان حالاً وأما إن كان مؤجلاً فعند حلوله، ولها منع نفسها حتى تقبضه إن لم يسبق الوطء منه، وإلا فلا كما سيأتي. واختلف العلماء في أقله. ولا خلاف عندنا أن أقل الصداق ربع دينار شرعي، أو ثلاثة دراهم شرعية، أو ما يقوم مقام ذلك من العروض، اعتباراً بأقل ما تقطع به يد السارق، وهو اعتبار صحيح، وأما أكثر الصداق فلا حد له اتفاقاً، وإنما يكون على حسب ما يتراضى عليه الأزواج والزوجات، وعلى حسب الأقدار والحالات والأزمان إلا أنه يستحب المياسرة فيه، ويكره التغالي كما يأتي.

قال رحمه الله تعالى: " لا حد لأكثر الصداق، وأقاه نصاب القطع " يعني لا

حد لأكثر ما يدفع للمرأة من الصداق، ولا أقل منه على ما يوجب قطع يد السارق، ويسمى نصاب القطع هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم. قال ابن عباس رضي الله عنه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يسأل عن مهر النساء فيقول: هو ما اصطلح عليه

ص: 105

أهلوهم اهـ. وسئلت عائشة، رضي الله عنها، كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش، قالت للسائل: أتدري ما النش؟ قال لا، قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم اهـ. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كثيراً ما يقول: لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وصعد رضي الله عنه، مرة منبر فقال: لا تزيدوا في صداق على أربعمائة درهم، فاعترضته امرأة من قريش فقالت: تنهى الناس عن شيء أباحه الله لهم، فقال كيف؟ فقالت: أما سمعت قول الله تبارك وتعالى: {وءاتيتم إحداهن قنطاراً} فقال: اللهم عفواً، كل الناس أفقه من عمر. فلما صعد المنبر ثانية قال: إني كنت نهيتكم آنفاً عن أن تزيدوا في صداق النساء على أربعمائة، فمن شاء أن يعطي من ماله ما طابت به نفسه فليفعل اهـ وفي الحديث:" يسروا ولا تعسروا ". . وعنه صلى الله عليه وسلم: " تياسروا في الصداق " وفي رواية " من يمن المرأة تسهيل أمرها وقلة صداقها " اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز عرضاً ومنفعة " يعني أنه يجوز أن يكون الصداق عرضاً، وهو كل ما يمكن تقويمه من عروض التجارة إذا كان يساوي ثلاثة دراهم فأعلى. وقدر الدرهم زنة خمسون حبة وخمسا حبة من الشعير الوسط. قال الجزيري في الفقه: المالكية قالوا إن المهر يصح أن يكون عيناً من ذهب أو فضة أو عرض تجارة أو حيوان أو دار أو نحو ذلك. وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه، أو سكنى الدار، أو خدمة العبد ففيها خلاف، فقال مالك إنها لا تصلح مهراً فيمتنع ابتداء أن يسميها مهراً، وقال ابن القاسم: إنها تصلح مهراً مع الكراهة، وبعض أئمة المالكية يجيزها بلا كراهة، والمعتمد قول مالك طبعاً، ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهراً فإن العقد يصح على

ص: 106

المعتمد ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها، وهذا هو المشهور اهـ. وقد ذكرنا في بدر الزوجين جملة مما يجوز أن يكون صداقاً فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " وعلى عبد مطلق وشورة، ويلزم الوسط من الرقيق وشورة مثلها " يعني يجوز أن يجعل صداق المرأة عبداً من عبيده أي غير موصوف ولا معين تختاره هي. قال خليل: الصداق كالثمن كعبد تختاره هي لا هو. قال

المواق في المدونة: من نكح امرأة على أحد عبديه أيهما شاءت المرأة جاز، وعلى أيهما شاء لم يجز كالبيع اهـ. وقوله: وشورة، أي يجوز النكاح على شورة بيت إن كان معروفاً كما في المدونة، أي مما جرت به عادة الناس. قال الخرشي: فإن كانت حضرية فلها الوسط من شورة مثلها في الحاضرة أو بدوية فالوسط من أهل البادية، ولها الوسط من الإبل والغنم، وكذلك يعتبر الوسط من الرقيق. انظر حاشية العدوي على الخرشي اهـ. قال خليل: وجاز بشورة، أو عدد من كإبل أو رقيق وصداق مثل، ولها الوسط حالاً، وفي شرط ذكر جنس الرقيق قولان اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " واشتراط عدمه مبطل " الضمير في عدمه عائد إلى الصداق. يعني أن اشتراط إسقاط الصداق بأن اتفقا على عدمه جملة وذلك مبطل للنكاح، فيفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل. قال في الرسالة: ولا يجوز نكاح بغير صداق. قال أبو الحسن: إذا شرط إسقاطه، فإن وقع فالمشهور أنه يفسخ قبل الدخول وليس لها شيء وفي فسخه بطلاق قولان، ويثبت بعده بصداق المثل، ويلحق به الولد ويسقط عنه الحد لوجود الخلاف. قال العلامة العدوي: قوله إذا شرط إسقاطه، وفي معنى إسقاطه، إرسالها له مالاً على أن يدفعه لها صداقاً فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل اهـ. وقال النفراوي: والمضر إنما هو الدخول على الصداق فإنه يقتضي فسخ العقد قبل الدخول وإن ثبت بعده بصداق المثل اهـ. وفي العزية: فلو رضيت بإسقاطه

ص: 107

جملة لم يجز، ولها أن تسقط ما زاد على ربع دينار. قال الشرنوبي: فإن أعطته سفيهة ما ينكحها به ثبت النكاح، ووجب عليه رده لها وإعطاؤها من ماله مثله إن كان صداق المثل، وإلا فصداق المثل. ولو وهبت له الرشيدة قبل الدخول ما يصدقها به وأصدقها إياه ثبت النكاح وملكته وأجبر على دفع أقله فإن لها أن تسقط ما زاد، وأما إذا وهبته بعد الدخول فلا شيء عليه لأنه إبراء بعد أن قدم على البضع بوجه جائز، ومثله ما لو دفعته له بعد أن قبضته ولو كان الدفع والقبض قبل الدخول اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وبما لا يجوز تملكه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل " يعني كما قال خليل: أو بما لا يملك كخمر وحر، أو بإسقاطه، أو كقصاص أو آبق إلخ يعني يفسخ النكاح قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل بوقوعه بما لا يجوز تملكه شرعاً كالحر والخمر والخنزير، أو بغير متمول كالقصاص، أو كالآبق والبعير الشارد أو غير ذلك مما فيه الغرر. قال المواق: قال ابن الحاجب: لا يجوز بخمر ولا بغرر كآبق ودار فلان على أن يشتريها. وفي المدونة إن تزوجها على دار فلان على أن يشتريها لها فسخ قبل البناء وثبت بعده

بمهر المثل اهـ. وقال خليل: وإن وقع بقلة خل فإذا هي خمر فمثله. قال في المدونة من تزوج على قلال خل بأعيانها فوجدتها خمراً فهي كمن نكحت على مهر فأصابت به عيناً فلها رده وترجع به إن كان يوجد مثله أو بقيمته إن كان لا يوجد مثله اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وهو معتبر بحالها ويسارها وأبويها وأترابها لا بأقاربها " قال مالك في المدونة: لا ينظر إلى نساء قومها، ولكن ينظر في هذا إلى نسائها في قدرها وجمالها وموضعها وغناها، وقال ابن القاسم: والأختان تفرقان هاهنا في الصداق، قد تكون الأخت لها المال والجمال والشطاط، والأخرى لا غنى لها ولا جمال فليس هما عند الناس في صداقهما وتشاح الناس فيهما سواء اهـ. وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي

ص: 108

صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه. قال خليل: مهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد، وأخت وشقيقة أو لأب، لا الأم والعمة اهـ. ومثله في الدردير. قال الدسوقي: يعني ويعتبر فيها المال والجمال والحسب، وهو ما يعد من مفاخر الآباء من كرم وعلم وحلم ونجدة وصلاح وإمارة ونحوها، ولا بد من اعتبار النسب والبلد، فإنما هو يختلف باختلاف البلاد لأن الرغبة في المصرية مثلاً تخالف الرغبة في غيرها، فمتى وجدت هذه الأشياء عظم مهرها، ومتى فقدت أو بعضها قل مهرها فالتي لا يعرف لها أب، ولا هي ذات مال ولا جمال ولا ديانة ولا صيانة، فمهر مثلها ربع دينار مثلاً، والمتصفة ببعضها بحسبه اهـ. وقوله: وأترابها أي صواحبها. وقوله: لا بأقاربها أي من جهة الأم وأما أقاربها من جهة الأب فيعتبر بهن كما أشار بذلك خليل بقوله: وأخت شقيقة أو لأب، لا الأم والعمة أي أخت أبيها من أمه، وأما شقيقته وأخته من أبيه وأخت المخطوبة شقيقتها أو لأبيها فيعتبر مهرهما إن وافقتهما في الصفات المتقدمة لا أخت لأم من نسب آخر فلا يعتبر بها اهـ جواهر الإكليل مع إيضاح.

قال رحمه الله تعالى: " ولو جعل عتقها صداقاً مضى العتق ولزم مهر مثلها " قال ابن جزي: لا يجوز أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقاً خلافاً لابن حنبل وداود اهـ. قال خليل عاطفاً على ما لا يلزم: والوفاء بالتزويج، نقل الحطاب عن التلقين: ومن أعتق أمته على أن تتزوجه بعد العتق فلا يلزمها ذلك، وإن شرط أن عتقها صداقها لم يصح ولزمه الصداق اهـ. ومثله في المواق: قال الدسوقي: يعني أن الإنسان إذا أعتق أمته بشرط أن تتزوج به أو بغيره، فلما تم عتقها امتنعت من ذلك فإنه لا يقضي عليها به ولا يلزمها الوفاء به؛ لأنها ملكت نفسها بمجرد العتق،

والوعد لا يلزم الوفاء به اهـ. ومثله

ص: 109

في الخرشي قال العدوي عليه: ويجوز الوفاء بالتزويج حيث كان الشرط جائزاً بخلاف غير الجائز، كما لو أعتق أمة على أن صداقها عتقها فإنه لا يجوز الوفاء به لأن العتق غير متمول كما في القصاص اهـ.

هذه نصوص أئمة المذهب لأن جعل عتق الأمة صداقاً في تزويجها من خصائصه عليه الصلاة والسلام عند مالك وأصحابه كما في الحطاب وغيره، خلافاً لباقي الأئمة. قال الشعراني في كشف الغمة:(فرغ فيمن أعتق أمته ثم تزوجها) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " وفي رواية: " إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران " وقال أنس، رضي الله عنه: لما اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي واتخذها لنفسه خيرها بين أن يعتقها وتكون زوجته، أو يلحقها بأهلها، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته، فجعل عتقها صداقها اهـ. انظر أقوال الأئمة في الميزان. والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: " ولو شرط زيادة على الصداق في العقد فهي كالصداق " يعني أن ما شرط زيادته من الهدية قبل العقد أو حين العقد فحكمه حكم الصداق، وكذا ما جرى به العرف ولو لم يشترط. قال ابن جزي في المسائل: المسألة الثالثة في استقراره وتشطيره، ويجب جميعه بالدخول أو بالموت اتفاقاً، ونصفه بالطلاق قبل الدخول اتفاقاً، إلا إن طلقها في نكاح التفويض، وقد اختلف هل وجب لها جميعه بالعقد ثم يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول، أو وجب لها نصفه بالعقد والنصف الباقي بالدخول أو بالموت، وهو اختلاف عبارة اهـ. قال خليل عاطفاً على ما يتشطر: وهدية اشترطت لها أو لوليها قبله. قال الخرشي: يعني أن الهدية التي اشترطت لها أو لوليها أعم من أبيها أو وصيها قبل عقد النكاح عليها أو حين العقد إذا كان ذلك على شرط النكاح فإنها تتشطر بالطلاق قبل الدخول عليها لأنها هدية لأجل النكاح، ومثل الاشتراط إذا جرى العرف بذلك اهـ. ومثله في الدردير.

ص: 110

قال رحمه الله تعالى: " ولا يجمع البيع والنكاح في العقد " يعني لا يجوز اجتماع البيع والنكاح في عقد واحد، وكذا باقي العقود السبعة. قال خليل عاطفاً على ما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل: واجتماعه مع البيت كدار دفعها هو أو أبوها. قال شراحه: المشهور أن النكاح في هذه المسألة فاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وهو ما إذا اجتمع مع البيع، أو القرض، أو الشركة، أو الجعالة، أو الصرف، أو المساقاة، أو القراض، في عقد

واحد للجهل بما يخص البضع من ذلك، أو لتنافي الأحكام بينهما، فإن النكاح مبني على المسامحة والمكارمة، والبيع وما معه مبني على المشاحة والمكايسة. وصورة اجتماع البيع والنكاح مثلاً كأن يدفع الزوج الدار لزوجة على أن يتزوجها ويأخذ منها مائة دينار، فالدار نصفها في مقابلة البضع والنصف الآخر في مقابلة المائة، فقد اجتمع البيع والنكاح في عقد واحد، وكذلك الحكم بفساد النكاح لو دفع الدار أبو الزوجة أو الزوجة نفسها للزوج على أن يتزوجها ويدفع للزوجة مائة دينار مثلاً، فالمائة التي يدفعها الزوج بعضها في مقابلة البضع وبعضها في مقابلة الدار، فقد اجتمع البيع والنكاح في عقد واحد، وظاهره فساد النكاح المجتمع مع البيع سواء سمي لكل منهما ما يخصه من ذلك أم لا اهـ. ومثله في جواهر الإكليل.

قال رحمه الله تعالى: " ويستحب تعجيله أو بعضه قبل الدخول، ولها الامتناع حتى تقبض الحال لا المؤجل، ولا بعد تمكينه، فإن أعسر قبل البناء فلها الفسخ " يعني يندب للزوج تقديم جميع الصداق للمرأة أو بعضه قبل الدخول وإن كان تسليمه واجباً في بعض الأحوال. قال في أقرب المسالك: ووجب تسليمه إن تعين أو حل وإلا فلها منع نفسها من الدخول والوطء بعده والسفر معه إلى تسليم ما حل لا بعد الوطء إلا أن يستحق ولو لم يغر اهـ. قال ابن جزي: للمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها، وليس لها ذلك بعد طوعها بالتسليم. وقال غيره: جاز للزوج أن يتأجل بعض الصداق إلى

ص: 111

زمن معلوم إن لم يقدر على تسليمه حين العقد أو قبله. وقال مالك: يكره له أن يدخل بها قبل دفع ربع دينار، ولها منع نفسها حتى تقبضه اهـ. وقال الدردير في أقرب المسالك: وإن ادعى العسر ولا مال له ظاهر ولا بينة تشهد بعسره أجل لإثباته ثلاثة أسابيع، فإن أثبته تلوم له بالنظر من الحاكم ولو لم يرجع له مال، ثم إن لم يأت به طلق عليه إذا لم ترض بالمقام معه وانتظاره، ووجب عليه نصفه لكونه قبل؛ إذ لا طلاق بعد الدخول بعسر صداق اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " فإن اختلفا في قدره أو عينه، فإن حلفا تفاسخا، وأيهما نكل لزمه ما حلف عليه الآخر، وبعد الدخول القول قوله " يعني كما قال الدردير في أقرب المسالك ونصه: وفي قدر المهر أو صفته قبل البناء فالقول لمدعي الأشبه بيمينه. وإلا حلف وفسخ وبدأت، وقضى للحالف على الناكل. وفسخ في الجنس مطلقاً إن لم يرض أحدهما بقول الآخر، وبعد البناء فالقول له بيمين في القدر أو الصفة وإن لم يشبه كالطلاق والموت، فإن نكل حلفت أو ورثتها ورد لصداق المثل في الجنس ما لم يزد على ما ادعته أو ينقص عن دعواه وثبت النكاح اهـ. قال الشارح: فتحصل أنه كان التنازع قبل البناء ولم يحصل

طلاق ولا موت فالقول لمدعي الأشبه بيمينه ولا فسخ في القدر والصفة، فإن أشبها معاً أو لم يشبها تحالفا، وفسخ إن لم يرض أحدهما بقول آخر، وإن كان التنازع قبله في الجنس حلفا وفسخ مطلقاً ولا ينظر لشبه ولا عدمه ما لم يرض أحدهما بقول الآخر. وإن حصل التنازع بعد البناء أو قبله بعد طلاق أو موت فالقول للزوج بيمينه ولا فسخ في القدر والصفة، وأما في الجنس فيرد لصداق المثل بعد حلفهما أو نكولهما معاً، ولا سبيل للفسخ، ولا يراعى شبه لهما ولا لأحدهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي له بما ادعى ولا فسخ أيضاً وقد علمت أنه متى حصل بناء فلا فسخ مطلقاً، كان النزع في القدر أو الصفة أو الجنس، أشبها أو لم يشبها، أو أشبه أحدهما

ص: 112

دون الآخر، إلا أنه في القدر والصفة القول قول الزوج إن حلف، وإلا حلفت وكان القول لها. وفي الجنس يرد لصداق المثل إن حلفا أو نكلا، فإن حلف أحدهما فالقول له، وأنه إن لم يحصل بناء فتارة يفسخ، وذلك فيما إذا تحالفا أو تناكلا معاً في اختلافهما في الجنس مطلقاً أو في الصفة والقدر إذا لم ينفرد أحدهما بالشبه. وصور المسألة أربع وعشرون؛ لأن التنازع إما في القدر أو الصفة أو الجنس، وفي كل إما أن يشبها معاً، أو لم يحصل شبه، أو يشبه الزوج فقط أو هي فقط، وفي كل إما أن يبني بها أولاً. وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق بين الاختلاف في الجنس وغيره، وهو خلاف ما قرره في توضيحه ونقله عن اللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم اهـ انظر أيضاً حاشية الصاوي عليه إن شئت زيادة على ما جلبناه لك فتأمل.

قال رحمه الله تعالى: " وفي قبضه قبل الدخول قولها، وبعده قول من شهد له العرف، إلا أن يكون معها كتاب ثابت ط يعني وإن كان التنازع في قبض الصداق وعدمه فالقول قول الزوجة قبل الدخول. قال ابن جزي: وإن اختلف في القبض فالقول قولها قبل الدخول، والقول قوله بعد الدخول، إلا إن كان هناك عرف فيرجع إليه. وقال الشافعي وأحمد: القول قوله مطلقاً اهـ. قال في المقرب: سئل بعضهم فيمن تزوج امرأة بصداق بعضه معجل وبعضه مؤجل ودخل بها واختلفا في قبض المؤجل، فقال: سئل مالك عن رجل تزوج بمائة دينار وخادم إلى سنة فنقدها المائة ودخل عليها بعد السنة من يوم تزوجها، ثم اختلفا في قبض الخادم، فقال مالك: إن كان دخل بها بعد مضي السنة فالقول قول الزوج، وإن كان دخل بها قبل مضي السنة فالقول قول المرأة، فكذلك مسألتك اهـ. نقله ميارة في شرحه على العاصمية. ونقل أيضاً عن التهذيب: وإذا ادعى الزوج أنه دفع الصداق وأنكرت الزوجة، أو مات الزوج فادعت الزوجة أنها لم تقبض صداقها، أو مات

الزوجان وتداعى ورثتهما في دفع الصداق فلا قول للمدخول بها

ص: 113

ولا لورثتها وإن لم يدخل صدقت هي أو ورثتها اهـ. قوله: وبعده قول من شهد له العرف يعني للعرف في هذه المسائل تأثير، فالحق مراعاته قاله ميارة: قوله: إلا أن يكون معها كتاب ثابت. قال ابن رحال في شرحه على العاصمية: وقد نقلنا في الشرح كلام الناس الدال على أن المذهب هو اعتبار القيود المذكورة، ويظهر من كلام من قيد بالكتاب أن المراد به كتاب مخالف لكتاب الصداق، وقد بينا ذلك في الشرح أيضاً، وهذه المسائل صعاب غاية، فيحتاج القاضي إلى البحث عن العوائد وإلى النظر في أحوال الناس، فإن كثيراً من أهل البوادي يعطي الزوج منهم لولي المرأة ما يطلبه منه ويؤخر عنه بعض الصداق المقدم لأجل ما أعطيه، ولا يكتب الولي أنه بقي عليه كذا ويدخل الزوج فيأتي القاضي الذي لم يطلع على فعل الناس فيصدق الزوج في الدفع لدخوله، وذلك خطأ صراح، ومن مازج الناس ورفع لهم الرأس اطلع على ما هو أكثر من هذا. وهنا يحتاج القاضي إلى السؤال عن الأحوال والبحث عن شأن النساء والرجال، فربما تكون المرأة راغبة في الزوج غاية فتؤخر عنه، وربما يكون العكس فلا، ومن راقب الله منحه هداه، ولكن قف على الشرح تر ما ينجي من عذاب الله بحول الله وقوته اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويكمل بالموت والبناء " يعني أن الصداق يكمل بموت أحد الزوجين وبالدخول بمعنى الوطء، وكذا بالمقام سنة في بيت الزوج ولو لم يطأ كما تقدم. قال ابن جزي: وإن بنى بها وطال الأمر سنة وجب لها جميع الصداق اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويتشطر بالطلاق قبله " يعني أن الصداق يتشطر بالطلاق قبل الدخول. وكذا الهدية التي أهداها الخاطب قبل العقد فإنها تتشطر كالصداق، سواء كانت لها أو لوليها كما تقدم عند قوله: ولو شرط زيادة على الصداق في العقد فهي كالصداق فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " ويسقط بكل فرقة تكون من جهتها إلا التمليك

ص: 114

والتخيير، واختيارها بإعساره " يعني يسقط الصداق عن الزوج بكل فرقة أتت من جهة الزوجة كالمختلعة قبل البناء. وقال التيدي: يسقط الطلاق في مسألتين: في الرد بالعيب قبل البناء، ونكاح التفويض إذا طلق أو مات قبله، أي قبل الدخول وقبل أن يفرض لها صداقاً فإنه يسقط، ومثل ذلك المعتوقة تحت العبد إذا اختارت الفراق قبل البناء، وأما بعده لها المسمى فتحصل أن الخيار موجب لسقوط الصداق إلا فيما استثني، وهن المملكة والمخيرة الحرة والمخيرة التي عجز زوجها

عن دفع الصداق وامتنعت عن الدخول قبله إذا فرق بينهما الحاكم بعد تلوم، فلا يسقط عن الزوج نصف الصداق فإنه يدفعه متى أيسر كما تقدم. قال ابن جزي: إنما يجب لها نصف الصداق إن طلقها قبل البناء اختياراً منه، فإن فسخ النكاح أو رده الزوج بعيب في الزوجة لم يجب لها شيء. واختلف هل يجب إذا ردته هي بعيب فيه؟ اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " فلو وهبته بعضه فلها نصف باقيه " يعني لو أن الزوجة وهبت بعض صداقها لزوجها أو لغيره صحت الهبة، ثم إن طلقها قبل البناء فإنها ترجع عليه بنصف الباقي أي نصف ما بقي بعد الموهوب، هذا إذا وهبت بعضه للزوج، وأما إن وهبته كله فقال ابن جزي: الفرع الخامس إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء. وقال الشافعي: يرجع عليها بنصف الصداق اهـ. وأما إن وهبته للأجنبي فقد قال خليل في ذلك: وإن وهبته لأجنبي وقبضه ثم طلق اتبعها ولم ترجع عليه إلا إن تبين أن الموهوب صداق. قال الشارح: يعني أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لشخص غير الزوج وقبضه منها أو من الزوج ثم إن الزوج طلقها قبل البناء فإن الزوج يرجع عليها بنصف الصداق ولا ترجع المرأة على الأجنبي بشيء منه إلا إن تبين للموهوب له حين الهبة أن الموهوب صداق فترجع عليه بنصفه لأنها إنما وهبت على أن يتم صداقها فلم يتم، وينبغي أن علمه بذلك كبيانها اهـ الخرشي.

ومثله الصاوي. وتقدم لنا

ص: 115

الكلام في تشطير الصداق والهبة المشروطة حين العقد وما أخذه الولي من ذلك. قال الصاوي: حاصله أن المرأة إذا طلقت قبل البناء وتشطر ما أخذه وليها من الهدية حين العقد أو قبله فلها أن ترجع على وليها وتأخذ منه النصف الذي بقي بعد التشطير، وللزوج النصف الآخر. يأخذه من الولي وليس للزوج مطالبتها بالنصف الذي أخذه الولي لأن الإعطاء للولي ليس منها وإنما هو من الزوج وحينئذ فيتبعه به اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ولو وضعت بعضه في العقد لشرط فلم يف لكان لها الرجوع به " يعني أن الزوجة الرشيدة المالكة لأمر نفسها لو وضعت بعض صداقها عند العقد بشرط أن لا يفعل شيئاً مما تكرهه كأن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يخرجها من بلد ونحو ذلك مثلاً، ثم إنه لم يف بما شرطت عليه وفعل خلاف ذلك فلها الرجوع بحقها من الصداق وغيره. قال الدردير: كما في المختصر: وإن وهبته أو أعطته مالاً لدوام العشرة أو حسنها ففسخ أو طلق عن قرب، رجعت عليه بما وهبته من الصداق من الصداق وبما أعطته من مالها لعدم تمام غرضها. وقوله عن قرب مفهومه

أنه لو تباعد الطلاق لم ترجع، ذكر هذا التفصيل اللخمي وابن رشد، وهو فيما إذا أسقطته من مهرها أو أعطته مالاً على أن يمسكها، أو لا يتزوج أو لا يتسرى عليها، أو نحو ذلك ففرق أو طلق فلها الرجوع في ذلك، ككل عطية معلقة على شيء لم يتم. وإن تسرى أو تزوج عليها فكذلك لها الرجوع سواء كان ذلك بالقرب أو بالبعد اهـ بإيضاح. انظر قوانين وشراح المختصر.

قال رحمه الله تعالى: " ولو اشترت ما تختص به ضمنت نصفه وما يصلح لهما فهو بينهما كزيادته ونقصه وتلفه " يعني إن اشترت المرأة بما أخذته من الصداق عبداً أو داراً أو غيرهما مما تختص به ثم طلقها الزوج قبل البناء فإنها ترد له نصف ما أخذته من الصداق، وإن اشترت به الجهاز تعين تشطير ما اشترته من فرش وغطاء ووسائد وأوان وغير ذلك مما يصلح أن يكون جهاز أمثالها، وسواء اشترته من زوجها أو من غيره. وأما

ص: 116

لو اشترت ما لا يصلح للجهاز كعبد أو دار أو فرس أو غير ذلك مما يمكن اختصاصها به، فإن اشترته من غير زوجها فلا يتعين قسمته، والكلام لمن أراد قسمة الأصل. وإن اشترته من زوجها تعين التشطير. وعبارة ابن الحاجب: ويتعين ما اشترته من الزوج من عبد ودار أو غيره نما أو نقص أو تلف وكأنه أصدقها إياه اهـ. وأصله في المدونة، وأبقاها أكثرهم على ظاهرها، وتأولها القاضي إسماعيل على إذا قصدت بشراء ما ذكر من زوجها الرفق والتخفيف عليه، فإن لم تقصد ذلك فلا يتعين التشطير اهـ. وأما قوله: وأصله في المدونة ونصها قلت: أرأيت إن تزوجها بألف درهم فاشترت منه بالألف الدرهم داره أو عبده ثم طلقها قبل البناء بها، بم يرجع عليها في قول مالك؟ قال: قال مالك: يرجع عليها بنصف الدار أو العبد، قلت: فلو أخذت منه الألف فاشترت بها داراً من غيره أو عبداً من غيره ثم طلقها قبل البناء بها قال: قال مالك: يرجع عليها بنصف الألف، قلت: وشراؤها من الزوج بالألف عبداً أو داراً مخالف لشرائها من غير الزوج إذا طلقها قبل البناء؟ قال نعم، كذلك قال مالك: إلا أن يكون ما اشترته من غير الزوج شيئاً مما يصلحها في جهازها خادماً أو عطراً أو ثياباً أو فرشاً أو أسرة أو وسائد، فأما ما اشترت لغير جهازها فلها نماؤه وعليها نقصانه، ومنها مصيبته، وهذا قول مالك: وما أخذت من زوجها من دار أو عرض من غير ما يصلحه أو يصلحها في جهازها فلا مصيبة عليها في تلفه وهو بمنزلة ما أصدقها إياه، له نصف نمائه وعليه نصف نقصانه اهـ. قال ابن جزي: الفرع الثالث ما حدث من الصداق من زيادة ونقصان قبل البناء، فالزيادة لهما والنقصان عليهما وهما شريكان في ذلك، فإن تلف في يد أحدهما فما لا يغاب عليه فخسارته منهما

وما يغاب عليه خسارته ممن هو في يده إن لم تقم بينة بهلاكه فإن قامت به بينة فاختلف هل يضمنه من كان تحت يده أم لا اهـ. قال رحمه الله تعالى: " ولو دخل فادعت المسيس وأنكره فالقول قولها ولو خلا بها زائراً ففي منزله قولها وفي منزلها قوله " يعني كما قال ابن جزي: فإن بنى بها واختلفا في المسيس فالقول

ص: 117