المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الأطعمة والأشربة - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٢

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالجيش وأخذ الغنيمة قبل القسم

- ‌كتاب الأيمان

- ‌فَصْلٌفي الاستثناء بـ إلا وأخواتها

- ‌كتاب النذور

- ‌كتاب الأضحية والعقيقة والصيد والذبائح

- ‌فَصْلٌفي العقيقة وما يفعل للمولود يومَ سابعه

- ‌فَصْلٌفي بيان الصيد وما يتعلق به من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الذبح

- ‌كتاب الأطعمة والأشربة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فَصْلٌفي المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن

- ‌فَصْلٌفي نكاح الشغار وما يتعلق به من الأحكام

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بإسلام المتزوجين وحكم نكاحهما بعد الإسلام

- ‌فَصْلٌفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان نكاح التفويض والتحكيم

- ‌فَصْلٌفيمن كان متزوجاً بأكثر من زوجة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام المفقود والغائب عن زوجته

- ‌كتاب الطلاق

- ‌خاتمة

- ‌كتاب البيوع

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق ببيع المزابنة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالثمن والمثمن

- ‌فَصْلٌفي بيع العقار وما يتبعها

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع المميز والعبد المأذون وغيره

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع الغائب عن مجلس العقد

- ‌فَصْلٌفي أحكام بيع المرابحة

- ‌فَصْلٌفي مسائل الخيار

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بأحكام بيع الثمار

- ‌فَصْلٌفي العرايا

- ‌فَصْلٌفي أحكام الجائحة في الثمار والزروع وغيرها

- ‌فَصْلٌفي السلم وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالقرض وهو بمعنى السلف

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بأحكام الجعل وشروطه

- ‌كتاب القراض والشركة والمساقاة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالشركة وشروطها

- ‌فَصْلٌفي المساقاة وأحكامها

- ‌كتاب الرهن والوكالة

- ‌فَصْلٌفي الوكالة

الفصل: ‌كتاب الأطعمة والأشربة

‌كتاب الأطعمة والأشربة

أي في بيان ما يجوز تناوله من الأطعمة والأشربة وما لا يجوز منه لضرره بالعقل أو البدن، أو ما هو محرم شرعاً مما في تعاطيه اختياراً يلزم به إثم عظيم كشرب الخمر، وأكل الميتة ونحو ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله. وبدأ بما اتفق عليه في المذهب فقال رحمه الله تعالى:" ميتة جميع دواب الماء مباح " يعني أن ميتة البحر طاهرة مطلقاً، ونقل عن أئمة المذهب ما حاصله أنهم قالوا: جميع حيوانات البحر مباح أكلها، ولم يستثنوا منها شيئاً أبداً. قال بعضهم: اعلم أن ميتة البحر طاهرة ولو تغيرت بنتونة، إلا أن يتحقق ضررها فيحرم أكلها لذلك لا لنجاستها، وكذا المذكى ذكاة شرعية طاهر ولو تغير بنتونة، ويؤكل ما لم يخف الضرر، وسواء وجد ذلك الميت راسباً في الماء أو طافياً، أو في بطن حوت أو طير، وسواء ابتلعه ميتاً أو حياً ومات في بطنه ويغسل ويؤكل. وسواء صاده مسلم أو مجوسي. وشمل قوله البحري آدمي الماء وكلبه وخنزيره. ى قال الخرشي: وهو المعتمد، وما عداه لا يعول عليه اهـ.

وشبه رحمه الله في الإباحة فقال: " كصيد المجوسي " يعني أن ما صاده المجوسي في البحر طاهر يؤكل بدون توقف. قال مالك في الموطأ: لا بأس بالحيتان يصيدها المجوسي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر:" هو الطهور ماؤه والحل ميتته " قال مالك: وإذا أكل ذلك ميتاً فلا يضره من صاده اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " والطير كله " معطوف على صيد المجوسي يعني أن الطير كله مباح. قال رحمه الله تعالى: " وتكره سباعه " وما ذكره من كراهة سباع الطير هو كذلك. والكراهة لا تنافي الجواز. قال في الرسالة: ولا بأس بأكل سباع

ص: 57

الطير وكل ذي مخلب منها اهـ وفي المدونة: قال ابن القاسم: لم يكره مالك أكل شيء من الطير كله: الرخام، والعقبان، والنسور، والأحدية، والغربان، وجميع سباع الطير وغير سباعها، ما أكل الجيف منها وما لم يأكلها. ولا بأس بأكل الهدهد والخطاف. وروي على كراهة أكل الخطاف اهـ نقله المواق قال خليل عاطفاً على طاهر: وطير ولو جلالة وذا مخلب. والجلالة من الطير هي التي تأكل الرجيع والجيف، وذا مخلب، والمخلب للطائر بمنزلة الظفر للإنسان. قال

الخرشي: المشهور أن جميع الطير مباح أكله ولو كان ذا مخلب كالباز والعقاب والصقر والرخم اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وروى ابن أبي أويس تحريمها " هذا مقابل المشهور، وهو رواية عن مالك لا يؤكل كل ذي مخلب. وهو مذهب الجمهور. قال رحمه الله تعالى:" وروى ابن عبد البر تحريم الكلاب والسباع العادية وهو مذهب الموطأ " يعني هو ما رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " قال مالك: وهو الأمر عندنا اهـ. والكلاب جمع كلب. والكلب من ذوات الناب، وهو يعدو بنابه على الإنسان، وهو عند مالك حرام. قال الصاوي في حاشيته على الدردير: وقد علمت أن في الكلب الإنسي قولين بالحرمة والكراهة، وصحح ابن عبد البر التحريم. وقال في الجلاب: ولا تؤكل الكلاب. قال الحطاب: ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلب اهـ. ولا يجوز للمفتي أن يفتي بأكل الكلاب اهـ. قال العلامة الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة: المالكية لهم في الكلب قولان: قول بالكراهة وقول بالتحريم. والثاني هو المشهور، ولم يقل بحل أكله أحد. وقالوا: يؤدب من نسب

ص: 58

حله إلى مالك اهـ. قال ابن جزي في القوانين: المسألة الثانية في السباع كالأسد والذئب والفهد والنمر والكلب فهي مكروهة. وقيل جميعها محرمة وفاقاً لهم. وقيل تحرم العادية منها ولا تحرم غير العادية اهـ فتحصل أن في الكلاب وكل ذي ناب فيه قولان في الم 1 هب: بالتحريم، والكراهة، القول بالكراهة هو المنصوص لأئمة المذهب، والقول بالتحريم هو مذهب الإمام في الموطأ وإليه ذهب باقي أئمة المذاهب رحمهم الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى: " والأظهر في الخيل الكراهة كحمار الوحش يتأنس ويحمل عليه " يعني كما نقل المواق من المدونة عن مالك قال: لا تؤكل البغل والخيل والحمر. قال وإذا دجن حمار الوحش وصار يعمل عليه لم يؤكل. وقال ابن القاسم لا بأس بأكله. قال ابن يونس وجه قول مالك فلأنه لما تأنس وصار يعمل عليه صار كالأهلي. ووجه قول ابن القاسم أنه صيد مباح أكله فلا يخرجه عن ذلك التأنس كسائر الصيد اهـ وقال في الموطأ: إن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير أنها لا تؤكل، لأن الله تبارك وتعالى قال: {والخيل والبغال والحمير

لتركبوها وزينة} [النحل: 8] أي لا للأكل. وفي الرسالة: نهى عليه الصلاة والسلام عن أكل كل ذي ناب، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية، ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقوله تعالى {لتركبوها وزينة} اهـ بالمعنى قال ابن جزي: ذوات الحوافر فالخيل مكروهة، وقيل حلال وفاقاً للشافعي. وقيل محرمة. والحمير مغلظة الكراهية، وقيل محرمة وفاقاً لهم. والبغال كذلك. قال اللخمي: الخيل أخف من الحمير والبغال بينهما، وأما الحمار الوحش فحلال، فإن دجن وصار يحمل عليه فقولان أي جاريان بين مالك وابن القاسم كما تقدم. قال في الرسالة: ولا ذكاة في شيء منها إلا في الحمر الوحشية، أي المستمرة على توحشها فإن الذكاة تنفع فيها من حيث الأكل والطهارة وحل البيع، وأما لو تأنست فلا تنفع فيها لأنها صارت كالإنسية اهـ النفراوي.

ص: 59

قال رحمه الله تعالى: " والخنزير حرام " ولا خلاف بين الأمة الإسلامية في تحريم خنزير البر سواء كان أهلياً أصلاً أو وحشياً تأنس أم لا. والخلاف في خنزير البحر، وقد اختلف فيه أهل العلم، وتوقف فيه الإمام نظراً في اسمه، ثم أباحه ولو ميتاً لأنه من صيد البحر، ولحديث " الطهور ماؤه الحل ميتته " وأما خنزير البر فهو حرام قولاً واحداً، لقوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3] الآية. وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه " الحديث. قال في الرسالة: وكل شيء من الخنزير حرام. والآيات والأحاديث في تحريم الخنزير كثيرة ولا حاجة إلى جلب النصوص لوضوح الأدلة في ذلك.

قال رحمه الله تعالى: " ولا يؤكل الفيل والدب والقرد والنمر والمستقذرات من خشاش الأرض أو ما يخاف ضرره " وما ذكره من النهي عن أكل الفيل وما عطف عليه هو كذلك، لكنه محمول على الكراهة كما تقدم من نصوص أئمة المذهب. قال العدوي في الحاشية: المشهور عند المالكية الكراهة. وقال الخرشي: المشهور أنه مكروه الأكل؛ لأنه ذو ناب، ومثل الفيل الدب اهـ. وقال عبد الوهاب: النهي عندنا عن أكل كل ذي ناب محمول على الكراهة اهـ. روى المدنيون عن مالك تحريم كل ما يعدو من هذه الأشياء، وما لا يعدو يكره أكله كما تقدم. وأما المستقذرات إلخ قد قال الشيخ عبد الرحمن الجزيري في الفقه: لا نزاع عند المالكية في تحريم كل ما يضر، فلا يجوز أكل الحشرات الضارة قولاً واحداً، أما إذا اعتاد قوم أكلها ولم تضرهم وقبلتها أنفسهم فالمشهور عندهم أنها لا تحرم، فإذا أمكن تذكية الثعبان مثلاً بقطع جزء من عند رأسه ومثله من عند ذنبه

بحالة لا يبقى معها سم، وقبلت النفس أكله بدون أن يلحق منه ضرر حل أكله، ومثله سائر حشرات الأرض. ونقل عن بعضهم تحريم الحشرات مطلقاً لأنها من الخبائث

ص: 60

وهو وجيه. قال وعلى القول المشهور من جلها فلا تحل إلا إذا قصدت تذكيتها، وتذكيتها فعل ما يميتها بالنارأو بالماء الساخن أو بأسنان أو غير ذلك اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " والظاهر أنه لا تؤكل ميتة الجراد ودود الطعام منفرداً عنه " يعني لا يجوز أكل ميتة الجراد، كما لا يجوز أكل الدود منفرداً عن الطعام، لأن كل واحد منهما يفتقر إلى الذكاة، وذكاتهما بما يموت به. قال خليل: وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به ولو لم يعجل كقطع جناح. قال الحطاب قال في المدونة: ولا تؤكل ميتة الجراد ولا ما مات منه في الغرائر، ولا يؤكل إلا ما قلع رأسه أو سلق أو قلى أو شوي حياً وإن لم يقطع رأسه، ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات من ذلك لأكل انتهى. وأما الدود قال في أقرب المسالك: فإن مات بطعام وميز عنه أخرج لعدم ذكاته، وإن لم يمت جاز أكله بنيتها، وإن لم يميز طرح إلا إذا كان أقل. ثم قال: وأكل دود الفاكهة معها مطلقاً. قال الصاوي: ومن كل ما يخلق في الطعام كدود المشمش وسوس نحو الفول، فإن هذا لا يفتقر لذكاة اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وتحرم النجاسات، والدماء المسفوحة، وجبن المجوسي، وما يغطي على العقل من النبات " يعني أن النجاسات محرمة شرعاً ولا خلاف فيها بين الأمة الإسلامية. وتقدم للمصنف أنه قال: الميتات والمسكرات كلها نجسة، وكذلك قوله وأجزاء الميتة نجسة إلا الشعر، وكذا قوله: ولا خلاف في نجاسة الدم المسفوح وغير ذلك، وتقدم لنا أيضاً أن النجاسة المجمع عليها في المذهب بلغت إلى ثماني عشرة، وكذا المختلف فيها. وتقدم جميع ذلك فراجعه إن شئت. وأما جبن المجوس فحرام على ما أفتى به أئمة المذهب. قال النفراوي: عند قول الرسالة ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي إلخ. فيجوز لنا أكل خبز المجوسيين وزينتهم حيث تيقنت طهارته، لا إن شك في طهارته فيحرم علينا أكله حيث غلب مخالطته للنجاسة كجبنهم، لأن ابن رشد حمل الكراهة الواقعة في العتبية على التحريم لما فيه

ص: 61

من المنفحة المأخوذة من ذبائحهم، حتى قال خليل في توضيحه. المحققون على تحريمه، حتى قال: لا ينبغي الشراء كمن حانوت فيه جبنهم لتنجيسه الميزان ويد بائعه اهـ. قال زروق: وفي العتبية كراهة جبن المجوس لما يجعل فيه من أنافح الميتة، وأما الزيت والسمن فلا أرى به بأساً،،

فحمله ابن رشد على التحريم، وحمله غيره على ظاهره من الكراهة. وسئل مالك عن جبن الرم فقال: ما أحب أن أحرم حلالاً، وأما أن يكرهه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأساً، وأما أني أحرمه فلا أدري ما حقيقته. وقيل إنهم يجعلون فيه أنفحة الخنزير وهم نصارى، وما أحب أن أحرم حلالاً. وقال القرافي بتحريم قديد الروم وجبنهم، وصنف فيه الطرطوشي مرجحاً تحريمه. قال زروق: وعلى كل حال فتركه متعين على كل مشفق على دينه اهـ وأما قوله: وما يغطي على العقل من النبات وهو معطوف على النجاسات، المعنى ويحرم تعاطي أي شيء يغطي العقل من النبات وغير النبات مما يضر العقل أو البدن. قال الدردير في أقرب المسالك: والمحرم ما أفسد العقل أو البدن. ثم قال: وما أفسد العقل من الأشربة يسمى مسكراً وهو نجس ويحد شاربه قل أو كثر. وأما ما أفسد العقل من النبات كحشيشة وأفيون وسيكران وداتورة، أو من المركبات كبعض المعاجين فيسمى مفسداً ومخدراً ومرقداً، وهو طاهر لا يحد مستعمله بل يؤدب، ولا يحرم القليل منه الذي لا أثر له اهـ. قلت هذا في غير المسكر، وأما المسكر فلا يجوز تناوله ولو قليلاً. قال في الرسالة: وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها، وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام، وكل ما خامر العقل فأسكر، من كل شراب فهو خمر اهـ. وهذا ظاهر في تحريم جميع المسكرات وإن قلت. والله هو الهادي إلى الصراط المستقيم.

قال رحمه الله تعالى: " وحرم ابن ماجشون الطين وكرهه غيره " وهو عبد الملك

ص: 62

بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد الملك بن الماجشون فقيه ابن فقيه، تلقى العلم عن أبيه وعن الإمام مالك، ودارت عليه الفتيا في أيامه إلى أن مات. وكان قاضياً في المدينة بزمنه. انظر الديباج اهـ يعني أن ابن الماجشون ذهب إلى أن الطين حرام لضرره على آكله، وذهب غيره وهو محمد بن المواز إلى أن الطين مكروه وهما قولان. والمشهور عند ابن عرفة عدم جواز أكله كما في الحطاب. قال في حاشيته على الدردير: تتمة، يحرم أكل ابن عرس لعمى آكله كما قاله الشيخ عبد الرحمن، ويحرم الطين والتراب للضرر، وقيل يكرهان ويحرم الوزغ للسم. ولا يجوز أكل مباح ولده محرم كشاة من أتان، ولا عكسه كأتان من شاة وأما نسل ذلك المحرم الذي ولده المحرم فيؤكل حيث كان مباحاً لبعده كما أفاده المجموع والحاشية اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويباح للمضطر أكل ما يرد جوعاً أو عطشاً من المحرمات " قال النفراوي: المضطر وهو من وصل في الجوع إلى ما لا يستطيع

الصبر عليه ولو لم يصل إلى الإشراف على الموت، وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله:" ولا يشترط صبره ليشرف " بل له الأكل قبل الوصول إلى تلك الحالة. قال في الرسالة: ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإذا استغنى عنها طرحها اهـ. ولا فرق في تلك الأحكام بين الحضر والسفر، فيحل للمضطر أكل الميتة ولو كان عاصياً بسفره، بخلاف قصر الصلاة والفطر في رمضان اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " فإن وجد طعام الغير فأكل بيعه أو مواساته غصبه والظاهر أنه لا يضمنه " يعني فإن وجد المضطر طعام الغير قدمه على الميتة إن باعه له ولو على الذمة أو واساه، فإن أبى عن جميع ذلك غصبه. قال الدردير: وقاتله عليه بعد الإنذار بأن يعلمه أنه مضطر، وإن لم يعطه قاتله، فإن قتل صاحبه فهدر لوجوب ذلك للمضطر، وإن قتل المضطر فالقصاص بشرط الكفارة اهـ. قال العدوي:

تنبيه: محل جواز

ص: 63

أكل الميتة للمضطر حيث لم يجد طعام الغير، وإلا قدمه، ما لم يخف القطع أو الضرب الشديد فيما لا قطع فيه، فإذا أكل من طعام الغير عند عدم خوف القطع أو الضرب فقيل يقتصر على سد الرمق من غير شبع وتزود، وإليه ذهب المواق. وقيل يشبع ولا يتزود وإليه ذهب الحطاب. قلت: وإلى القول الأول ذهب النفراوي. قال: ولا ثمن عليه إن لم يكن معه اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " والمحرم يجتزئ بالميتة عن الصيد إلا أن يخاف ضررها كخوف عقوبة المال " يعني أن المحرم بحج أو عمرة إذا كان مضطراً ووجد الميتة ومعه صيد فإنه يقتصر على الميتة ولا يذبح الصيد إلا إذا خاف ضرر الميتة بأن صارت سماً قاتلاً، كما يخاف عقوبة في أكل مال الغير فحينئذ يترك ما فيه ضرر، لأن حفظ النفس واجب. قال الدردير في أقرب المسالك: وقدم الميتة على خنزير وصيد محرم، لا على لحمه، والصيد على الخنزير، ومختلفاً فيه على متفق عليه، وطعام الغير على ما ذكر إلا لخوف كقطع اهـ. قال الصاوي: واعلم أن اشتراط عدم خوف القطع إنما هو إذا وجد الميتة أو الخنزير أو لحم المحرم، وإلا أكل ولو خاف القطع كما في الأجهوري لأن حفظ النفوس مقدم على خوف القطع والضرب. وحيث أكل الطعام بالوجه المذكور فلا ضمان عليه إذا لم يكن معه ثمن لأنه لم يتعلق بذمته كما تقدم اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ولا يتداوى بنجس شرباً وفي الطلاء قولان، بخلاف إساغة الغصة بخمر ونحوها " المشهور من القولين عدم الجواز. قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء ولا تتداووا بحرام " اهـ قال في الرسالة: ولا يتعالج بالخمر، ولا بالنجاسة، ولا بما فيه ميتة، ولا

بشيء مما حرم الله سبحانه وتعالى. قال النفراوي: أي يحرم التداوي به. قال خليل: لا دواء ولو طلاء لخبر " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " إلا ما قام الدليل عليه مثل أن يدفع

ص: 64

الخمر غصة أو عطشاً على قول، وينبغي إلا أن يتعين طريقاً للدواء فيجوز لأنه مثل الغصة، وأيضا كما لا يجوز التداوي بالخمر كذلك لا يجوز بعين النجاسة غير الخمر، ولا بما فيه ميتة ولا بشيء مما حرم الله تعالى. وظاهر الحديث عموم حرمة التداوي بالنجس ولو في ظاهر الجسد ولو غير خمر. وقال الصاوي وأما هو فيحرم التلطيخ به اتفاقاً. فتحصل أن عين النجاسة والخمر لا يتداوى بهما ولو على ظاهر الجسد، إلا لحم الميتة للمضطر، وإلا الخمر لإساغة الغصة فقط، قال الصاوي: فلا يجوز التداوي أي بالخمر إلا ما استثني لضرورة، إذ الضرورات تبيح المحظورات اهـ. قال ابن جزي: ولا يحل التداوي بها في المشهور. وقيل يجوز وفاقاً للشافعي اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " والمائعات النجسة حرام " كدم وبول ومسكر كلها حرام لا يجوز شربها ولا استعمالها في دواء ولا طلاء في الجسد. قال رحمه الله تعالى: " كالمسكرات " تشبيه للمائعات النجسة التي هي حرام. قال رحمه الله تعالى: " لا العصير والسوبيا والفقاع والعقيد المأمون سكره والخل ينقلب عن خمر " فهذه الأشياء الخمسة كلها طاهرة مباحة. والمعنى لا يحرم العصير فإنه مباح غير مسكر، وهو ماء العنب المعصور أول عصره. ومن المباح السوبيا وهي شراب يتخذ من الأرز، صفة ذلك أنه يطبخ الأرز طبخاً شديداً حتى يذوب في الماء ويصفى بنحو منخل ويحلى بالسكر أو العسل. ومن المباح الفقاع وهو شراب يتخذ من قمح وتمر. وقيل ما جعل فيه زبيب ونحوه حتى انحل إليه. ومن المباح العقيد المأمون سكره وهو ماء العنب يغلى على النار حتى ينعقد ويذهب إسكاره الذي حصل في ابتداء غليانه، ولا يحد غليانه بذهاب ثلثه مثلاً وإنما المعتبر زوال إسكاره كما هو شرط الجميع. ومن المباح الخل المنقلب عن الخمر بأن زوال ما فيه من صفة الخمر وصيرورته طاهراً غير مسكر اهـ. وفي الحديث عن أنس بن مالك قال:" إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلاً فقال لا " رواه مسلم والترمذي. قوله:

ص: 65

تتخذ خلاً أي تعالج حتى تصير خلاً فيحل تناوله. قال: لا. وعن عائشة قالت: كنا ننبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه وله عزلاء أي ثقب في أسفله ننبذه غدوة فيشربه عشاء وننبذه عشاء فيشؤبه غدوة اهـ رواه مسلم وأبو داود والترمذي. وعن ابن عباس: قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب مساء فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى أو يهراق " اهـ رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وفي

رواية " كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يجدوه نبذوا له في تور من حجارة " اهـ قال العلامة الشيخ منصور على في غاية المأمول: ففي هذه النصوص جواز الانتباذ وشربه ولو أياماً ما دام حلواً إلا إذا اشتد وتغير وصار مسكراً فإنه يحرم لأنه صار خمراً. ومن هذا ما يصنعه عندنا بائعو الشراب كشراب الزبيب والتين فهو من نوع ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم اهـ والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: " والظاهر كراهة المخلل " على المشهور في المذهب كما نقل عن الإكمال. قال رحمه الله تعالى: " كالخليطين " أي كما يكره شرب الخليطين وهو ما يخلط من الاثنين كتخليط الزبيب بالتمر أو التين أو المشمش أو نحو ذلك سواء خلطاً عند الانتباذ أو عند الشرب، وعلى كل حال حكمه الكراهة على المشهور في المذهب. قال ابن جزي: الفرع الثالث يكره انتباذ الخليطين وشربهما كالتمر والزبيب وإن لم يسكر، وحرم قوم الخليطين وأباحهما قوم ما لم يسكر اهـ. قال الصاوي:

تنبيه: إذا طرح شيء في نبيذ نفسه كطرح العسل في نبيذ نفسه، والتمر في نبيذ نفسه كان شرابه جائزاً، كما أن اللبن المخلوط بالعسل كذلك اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ولا بأس بمخلل الكتابيين " أي يباح شربه ما لم يسكر والله أعلم. ولما أنهى الكلام على الأطعمة والأشربة انتقل يتكلم على النكاح وما يتعلق به من الأحكام والشروط فقال:

ص: 66