الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله تعالى: " واشتراط عدم إخباره مبطل " يعني إذا اشترط البائع على المشتري في بيع الجزاف بأن لا يخبره بكمية كيله أو وزنه أو عدده فإن شرط ذلك مبطل للبيع، أما إن لم يشترط عليه ذلك مع علمه هو فللمشتري الخيار إذا علم أن البائع عالم بمقداره وكتم عنه، وإن أعلمه أولاً ثم وقع البيع جزافاً بعد علمهما فإنه يكون فاسداً للغرر. قال خليل: فإن علم أحدهما بعلم الآخر بقدره خير، وإن أعلمه أولاً فسد اهـ. قال الحطاب فيفسخ البيع إن كان قائماً وإن فات ففيه القيمة ما بلغت كالبيع الفاسد. قاله في التوضيح عن ابن رشد اهـ.
بيع المزابنة
ولما أنهى الكلام على أحكام ربا المطعومات انتقل يتكلم في ما يتعلق بالمزابنة وهي من المنهيات لما فيها من الغرر المنهي عنه شرعاً وطبعاً. قال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
فيما يتعلق ببيع المزابنة
أي في بيان ما يتعلق بأحكام بيع المزابنة وما يضارعها من البيوع الفاسدة، وعرفها المصنف كغيره بقوله:" لا تجوز المزابنة وهي بيع مجهول بمجهول أو معلوم من جنس " أي واحد، يعني أنه لا يجوز بيع المزابنة لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلاً وبيع الكرم بالزبيب كيلاً. رواه مالك في الموطأ. قال الباجي: المزابنة اسم لبيع التمر بالتمر، والزبيب بالكرم، ورطب كل جنس بيابسه، ومجهول منه بمعلوم اهـ قلت قد فسر الإمام حقيقة المزابنة وكيفيتها في كل شيء من المبيع ذكر ذلك في
موطأه في باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة فراجعه هناك إن شئت. قال ابن جزي في القوانين: لا تجوز المزابنة وهي بيع شيء رطب بيابس من جنسه
سواء كان ربوياً أو غير ربوي، فتمتنع بالربوي لتوقع التفاضل والغرر، وتمتنع في غير الربوي للنهي الوارد عنها في الحديث وللغرر. فمنها بيع التمر بالرطب، وبيع الزبيب بالعنب، وبيع القمح بالعجين النيئ، وبيع اللبن بالجبن، وبيع القديد باللحم، وبيع القمح المبلول باليابس، وأجاز أبو حنيفة ذلك كله. ويجوز أيضاً في المذهب إذا تحقق التفاضل في غير الربوي، ويجوز بيع الرطب بالرطب بالوزن في المشهور خلافاً للشافعي اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومنها رطب كل جنس بيابسه وحب بدهنه، ولبن بجبن أو زبد أو سمن إلا المخيض ولبن الإبل، ودقيق بعجين " يعني كل ذلك لا يجوز فيه التفاضل إلا ما استثني.
قال رحمه الله تعالى: " وحيوان بلحم من جنسه " قال في الرسالة: ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه، قال شارحها: ولو كان الحيوان يراد للقنية للمزابنة، وهي بيع معلوم بمجهول. قال خليل: وفسد منهي عنه إلا بدليل، كحيوان بلحم جنسه إن لم يطبخ، وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فيجوز كبيع لحم طير بحيوان من ذوات الأربع؛ لما مر من أن ذوات الأربع جنس، والطير كله جنس آخر. وقيد أهل المذهب منع بيع اللحم بحيوان من جنسه بما إذا لم يطبخ اللحم، وإلا جاز بيعه بحيوان من جنسه، وظاهر كلام أهل المذهب لو كان الطبخ بغير أبزار، واشتراط الأبزار في انتقال اللحم إنما ذلك في انتقاله عن اللحم لا عن الحيوان، وإذا بيع المطبوخ بالحيوان من جنسه فشرط جوازه التعجيل، وأما إلى أجل فيحرم إلا إذا كان الحيوان يراد للقنية كجمل أو ثور، ومثل اللحم في منع البيع بالحيوان الحيوان الذي لا تطول حياته أو لا منفعة فيه إلا اللحم، أو قلت لا يجوز بيع واحد منها بالآخر لأنه يقدر أحدها لحماً. وأما حيوان يراد للقنية مثلاً فيجوز ولو
لأجل كجواز بيع حيوان القنية بلحم من غير جنسه ولو لأجل، بخلاف حيوان غير القنية فيشترط في جواز بيعه بلحم من غير جنسه التعجيل. وأما بيع اللحم باللحم فيجوز مثلاً بمثل يداً بيد حيث كانا من جنس واحد اهـ. انظر حاصل المسألة في النفراوي.
ثم قال رحمه الله تعالى عاطفاً على رطب كل جنس: " وطري حوت بمالح
إلا ما نقلته صنعة كالمطبوخ بالنيئ، وحنطة مقلوة بنيئة، أو سويق أو عجين بخبز " يعني أن هذه الأشياء لا يجوز منها رطب بيابسه لا متماثلاً ولا متفاضلاً، ولا جنساً منها بجنس متفاضلاً للمزابنة ما لم تنقله عن أصله صنعة معتبرة فيجوز التفاضل في الجنس يداً بيد. قال الدردير في أقرب المسالك: ولا ينقل طحن وعجن وصلق لغير ترمس، أو تقديد أي بلا أبزار وتسمين ونبذ لكتمر عن أصل، أي لا تنقل واحدة منها عن أصله، ولا يجوز فيها التفاضل، بخلاف خبز فإنه ناقل عن الدقيق، كالعجين وتخليل، أي لنبيذ وقلي وسويق، أي إنه ناقل، وطبخ غير لحم، أو لحم بأبزار وشيته أي بالنار مع الأبزار فإنه ناقل، وتجفيفه بها أي بأبزار فيجوز التفاضل بأصلها يداً بيد.
وجاز تمر أي بتمر ولو قدم، وحليب، ورطب، ومشوي، وقديد، وعفن، وزبد، وسمن، وجبن، وأقط، ومغلوث قل غلثه، وزيتون ولحم مثلها، أي كيلاً أو وزناً مناجزة، أي يداً بيد راجع للجميع اهـ بإيضاح.
قال رحمه الله تعالى: " والملامسة، وهي لزوم البيع باللمس، والمنابذة وهي لزومه بالنبذ، وبيع الحصاة وهو لزومه بسقوطها من يده أو فيما تسقط عليه " يعني كما في الدردير عاطفاً على المنهي عنه: وكمنابذة الثوب أو لمسه. قال الصاوي عليه إنما كان منهياً عنه لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة، فكان الرجلان في الجاهلية يساومان السلعة فغذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع لزم البيع. قال مالك: والملامسة شراؤك الثوب لا تنشره ولا تعلم ما فيه، أو تبتاعه ليلاً ولا تتأمله، أو
ثوباً مدرجاً لا ينشر من جرابه - بكسر الجيم - اسم وعاء من جلد. والمنابذة أن تبيعه ثوبك فتنبذه إليه، وينبذه إليك من غير تأمل منكما على الإلزام. وأما لو كان على الخيار لجاز اهـ.
ومن المنهي عنه بيع الحصاة، وحقيقته - كما قال المصنف - لزومه بسقوط الحصى من يده أو فيما تسقط عليه فيلزم البيع بذلك، وكل ذلك باطل لا ينعقد البيع بتلك الصفات، ولا عبرة بها شرعاً، وهو بيع فاسد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وبيعتان في بيعة واحدة، وهو لزومه بأحد الثمنين مختلفتين في مثمن واحد، أو أحد مثمنين مختلفين بثمن واحد " يعني كما في القوانين لابن جزي في بيع الغرر أنه قال: النوع السادس بيعتان في بيعة، وهو أن يبيع مثموناً واحداً بأحد ثمنين مختلفين، أو بيع أحد مثمونين بثمن واحد، فالأول: أن يقول بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً أو بعشرين إلى أجل على أن البيع قد لزم في أحدهما، أي أحد الثمنين. والثاني: أن يقول بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على أن
البيع قد لزم في أحدهما، أي أحد الثوبين اهـ. وقد اقتصر صاحب الرسالة على أحد المثالين، ونصها: ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقداً أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين اهـ. قال خليل مشبهاً بالمنهي عنه: وكبيعتين في بيعة يبيعها بالإلزام بعشرة نقداً أو أكثر لأجل، أو سلعتين مختلفتين إلا بجودة ورداءة وإن اختلفت قيمتهما، لا طعام وإن مع غيره اهـ. انظر في جميع ذلك الموطأ وشراح خليل.
ثم قال عاطفاً على المنهي عنه: " ودين بدين " أي كالئ بكالئ، من الكلاءة بكسر الكاف أي الحفظ وفي الحديث:(اللهم كلاءة ككلاءة الوليد) أي اللهم إنا نسألك حفظاً منك لأنفسنا كحفظ والدي المولود للمولود. فوليد بمعنى مولود قاله الصاوي. قال الله تعالى: {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} [الأنبياء: 42] وقال اللغويون:
الكالئ بالكالئ وهو النسيئة بالنسيئة أي الدين بالدين، وهو عند الفقهاء عبارة عن ثلاثة أشياء: بيع الدين بالدين، وابتداء الدين بالدين، وفسخ الدين في الدين: فأول الثلاثة وهو بيع الدين بالدين لا يتصور في أقل من ثلاثة أشخاص أو أربعة؛ لأنه لا بد فيه من تقدم عمارة ذمة أو ذمتين على البيع. مثاله أن يكون لك على شخص مائة شقة مثلاً إلى أجل، فتبيعها من شخص آخر بمائة إلى أجل. ومثاله في أربعة أشخاص: أن يكون لشخص منهم على آخر دين، والثالث على رابع دين، فباع كل من صاحبي الدينين ما يملكه من الدين بالدين الذي هو للآخر، قال بعضهم: مثاله بكر له دين على زيد، وخال له دين على عمرو، فيبيع خالد دينه الذي على عمرو بدين بكر الذي على زيد، وهذه الصورة تأتي في مواضعها زيادة على ما تقدم، وكلها ممتنعة، ولو كان كل من الدينين حالاً لعدم تأتي الحوالة هنا فتأمل اهـ قاله الصاوي مع طرف من النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: " وبيع وشرط مناقض " يعني من المنهي عنه البيع مع شرط يناقض المقصود من البيع، كأن يبيعها بشرط ألا يركبها، أو لا يبيعها، أو لا يلبسها، أو لا يسكنها، أو لا يتخذها أم ولد، فهذه الأشياء إذا شرط البائع واحده منها يفسخ البيع على الأصح. قال المواق: اختلف فيه إذا وقع، فقيل إنه يفسخ ما دام البائع متمسكاً بشرطه، فإن ترك الشرط صح البيع، وهذا هو المشهور في المذهب إلا في مسألة واحدة وهي شراء الرجل السلعة على أنه فيها خيار على أجل بعيد فإنه يفسخ فيها البيع على كل حال ولا يمضي إن رضي مشترط الخيار بترك الشرط؛ لأن رضاه بذلك ليس بترك منه للشرط، وإنما هو مختار للبيع على
الخيار الفاسد الذي اشترط اهـ. وقد ذكر ابن جزي في القوانين ككلام بعض أئمة المذاهب ثم قال: وفي المذهب تفصيل: فإن كان الشرط يقتضي التحجير على المشتري بطل الشرط والبيع إلا أن يسقط عن المشتري شرطه فيجوز البيع، وذلك مثل أن يشترط عليه أن لا يبيع ولا يهب، أو يشترط في الأمة أن
لا يتخذها أم ولد، أو ألا يسافر بها، فإن اشترط منفعة لنفسه كركوب الدابة أو سكنى الدار مدة معلومة جاز البيع والشرط، وإن شرط ما لا يجوز إلا أنه خفيف جاز البيع والشرط. مثل أن يشترط غاية النهاية لم يأته بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، فإن قال البائع: متى جئتك بالثمن رددت إلي المبيع لم يجز، واختلف في من شرط على المشتري ألا يبيع حتى ينصف من الثمن، ومن هذا النوع البيع باشتراط السلف من أحد المتنايعين، وهو لا يجوز بإجماع إذا عزم مشترطه عليه، فإن أسقطه جاز البيع خلافاً لهم أي للأئمة الثلاثة اهـ.
قال رحمه الله تعالى ك " وبيع وسلف، فإن رد السلف قبل فسخه مضى " تقدم الكلام عن هذه الجملة فيما قبلها في آخر كلام ابن جزي المتقدم آنفاً من قوله: ومن هذا النوع البيع باشتراط السلف إلخ، وهو مما نهى عنه؛ لأنه لا يجوز لأحد المتبايعين أن يشترط على صاحبه سلفاً؛ لأن اشتراط السلف عند البيع يخل بالثمن وهو منهي. قال النفراوي: ومعنى إخلاله بالثمن أنه يقتضي إما كثرته إن كان الشرط من المشتري، أو نقصه إن كان الشرط من البائع. وأما اجتماع البيع والسلف من غير شرط فلا يمتنع على المعتمد، ولو اتهما عليه، خلافاً لما جرى عليه خليل في بيوع الآجال اهـ. قال مالك في المدونة في البيع والسلف: إذا ترك الذي اشترط أخذ السلف ما اشترط صحت العقدة. قال وهو مخالف لبعض البيوع الفاسدة كلها اهـ. قال الدردير في أقرب المسالك: أو يخل بالثمن، كبيع بشرط سلف، وصح إن حذف الشرط ولو غاب عليه. وفيه إن فات الأكثر من الثمن والقيمة يوم قبضه إن أسلف المشتري، أي إن كان المشتري هو الدافع للسلف وإلا فالعكس، يعني بأن أسلف البائع للمشتري فينعكس الحكم فيلزم المشتري أقل من الثمن والقيمةاهـ بتصرف.
قال رحمه الله تعالى: " وبيع العربان وهو دفع بعض الثمن على أنه إن لم
يتم البيع لم يرجع به " يعني أن بيع العربان من البيوع المنهي عنها. عن مالك في الموطأ بإسناده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان " قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة، أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك ديناراً أو درهماً أو أكثر من ذلك أو أقل على أني
إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء اهـ قال ابن جزي: النوع الثالث بيع العربان وهو ممنوع إن كان على ألا يرد البائع العربان إلى المشتري إذا لم يتم البيع بينهما، فإن كان على أن يرده إليه إذا لم يتم البيع فهو جائز اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والنجش وهو أن يزيد ليغر غيره " يعني من المنهي عنه النجش، يقال نجش الرجل نجشاً - قال في المصباح: من باب قتل - إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها وليس قصده أن يشتريها بل ليغر غيره فيوقعه فيه، وكذلك في النكاح وغيره. والاسم النجش بفتحتين، والفاعل ناجش ونجاش مبالغة. وفي الحديث (لا تناشجوا) أي لا تفعلوا ذلك. وأصل النجش الاستتار لأنه يستر قصده. ومنه يقال للصائد ناجش لاستتاره اهـ. قال ابن جزي: ويحرم النجش في المزايدة، وهو أن يزيد الرجل في السلعة وليس له حاجة بها إلا ليغلي ثمنها ولينفع صاحبها اهـ. قال العلامة الجزيري في الفقه: البيوع المنهي عنها نهياً لا يستلزم بطلانها كثيرة، ومنها بيع النجش بفتح النون وسكون الجيم، وهو الزيادة في البيع، بأن يزيد الشخص في السلعة على قيمتها من غير أن يكون له حاجة إليها، ولكنه يريد أن يوقع غيره في شرائها، وهو حرام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى في الموطأ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نهى عن بيع النجش " فإن كان البائع متواطئاً مع الناجش كما يفعل بعض التجار فإن
الإثم يكون عليهما معاً، وإلا فإن الإثم يكون على الناجش وحده، أما إذا لم تزد السلعة على قيمتها فإنه لا يكون حراماً. قال المالكية: إذا علم البائع بالناجش ورضي عن فعله فسكت حتى تم البيع كان البيع صحيحاً، ولكن للمشتري الخيار في أن يمسك المبيع أو يرده، فإن ضاع المبيع وهو عنده قبل أن يرده للبائع فإنه يلزمه أن يدفع الأقل من الثمن والقيمة، وتعتبر القيمة يوم العقد لا يوم القبض، أما إذا لم يكن البائع عالماً فإنه لا خيار للمشتري على أي حال اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والسوم على سوم أخيه بعد الركون إلى الأول " يعني من المنهي عنه السوم على سوم أخيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسوم الرجل على سوم أخيه) رواه الشيخان. وفي رواية في الموطأ: (لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسم على سومه) قال مالك: وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم لا يبع بعضكم على بيع بعض أنه إنما نهى عن أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم وجعل يشترط وزن الدراهم ويتبرأ من العيوب وما أشبه ذلك مما
يعرف به أن البائع ركن إلى المشتري، فهذا الذي نهى عنه. والله أعلم. أما قبل التراكن والتقارب فجائز لأنه لو ترك لدخل الضرر على الباعة في سلعهم؛ لأنه يؤدي إلى بخسها وبيعها بالنقص اهـ. قال العلامة عبد الرحمن الجزيري في الفقه: السوم على السوم المنهي عنه هو أن يتفق المتبايعان على بيع سلعة بثمن ويتراضيا عليه مبدئياً فيأتي رجل آخر فيساوم المالك بسعر أكثر من السعر الذي رضي به، كأن يقول له: لا تبعه وأنا أشتريه منك بأكثر من السعر الذي رضيت به. ومثله ما إذا رضي المشتري بالبيع مبدئياً فجاء آخر وقال له رده وأنا أعطيك أحسن منه، أو أعطيك بثمن أقل، وهذا هو المنهي عنه. قال النفراوي: ومثاله أيضاً أن يحضر شخص لصاحب سلعة يريد شراءها منه، فيأتي شخص آخر بسلعة ويقول لمن يريد الشراء المذكور: سلعتي هذه خير لك من سلعة فلان التي أردت شراءها، وأنا أرضى منك بما أعطيت في
سلعة فلان. ولا شك في حرمة هذا لأنه يؤدي إلى التباغض. وكل ذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم فتأمل اهـ. قال ابن جزي في القوانين: وأما المزايدة فهي أن ينادى على السلعة ويزيد الناس فيها بعضهم على بعض حتى تقف على أخر زائد فيها فيأخذها، وليس هذا مما نهى عنه من مساومة الرجل على سوم أخيه؛ لأنه لم يقع هنا ركون ولا تقارب. ثم قال: فإن أعطى رجلان في سلعة ثمناً واحداً تشاركا فيها. وقيل إنها للأول اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والساج مدرجاً والثوب مطوياً " يعني من البيع المنهي عنه بيع الساج مدرجاً والثوب مطوياً. قال في الرسالة: ولا يجوز شراء ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم اهـ. والمضر اشتراط لزوم البيع بمجرد حضور السلعة عند المشتري بدون نشرها ولا تأمل، ولا على خيار، أما لو وقع العقد على الخيار بالرؤية والتأمل لجاز ولو لم يذكر نوعه ولا جنسه. قوله: مطوياً أما لو نشر لجاز الشراء بلا خلاف ولو على اللزوم. أما الوصف فقط فلا يجوز على أحد قولين لمالك في الشيرج المدرج في جرابه اهـ. وفي شرح ابن ناجي على الرسالة نقلاً عن ابن المواز قال: اختلف قول مالك هل يجوز بيع الساج المدرج في جرابه على الصفة أم لا على قولين، قال ابن عبد البر: بيع الثوب في طيه دون أن ينظر إليه لا يجوز عند الجميع لأنه من معنى بيع الملامسة، فإن عرف ذرعه طولاً وعرضاً ونظر إلى الشيء منه واشترى على ذلك جاز، فإذا خالف كان له القيام كالعيب لأنها مسألة أخرى، ولذلك لم يحك فيه خلافاً، وعرضت هذه على بعض من لقيناه فأقره واستحسنه اهـ. قال ابن جزي: يجوز بيع ما في الأعدال من الثياب
على وصف البرنامج، بخلاف الثوب المطوي دون تقليب ونشر اهـ. قال زروق في شرحه على الرسالة: وفي الموطأ جواز بيع البرنامج، بخلاف الساج المدرج، قال وفرق بينهما عمل الماضين ومعرفته في صدور الناس. وعن ابن حبيب فرق
بينهما كثرة الثياب وعظم المؤونة في الفتح. قال أبو عمر: إذا خرج طرف الثوب أجزأه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " بخلاف أعدال البز على البرنامج " فيجوز. قال خليل: وجاز برؤية بعض المثلي والصوان، وعلى البرنامج، ثم قال: وحلف مدع لبيع برنامج أنه موافق للمكتوب. قال مالك في الموطأ في الرجل يقدم له أصناف من البز ويحضره السوام، ويقرأ عليهم برنامجه ويقول: في كل عدل كذا وكذا ملحفة بصرية، وكذا وكذا ريطة سابرية ذرعها كذا وكذا، ويسمي لهم أصنافاً من البز بأجناسه، ويقول اشتروا مني على هذه الصفة فيشترون الأعدال على ما وصف لهم، ثم يفتحونها فيستغلونها ويندمون، قال مالك: وهذا الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندما يجيزونه بينهم إذا كان المتاع موافقاً للبرنامج ولم يكن مخالفاً له اهـ. ومثله في المدونة. وفيها: فكفى بقول مالك حجة، فكيف وقد أخبر أنه فعل الناس مع ما ذكرنا من الآثار أي من حديث أبي هريرة اهـ.
ثم ذكر جملة من بيوع الغرر فقال رحمه الله تعالى: " ولا بيع الغرر وهو ما يتعذر تسليمه أو لا ينتفع به كالمشرف، ولا مجهول كشاه من شياه، وعبد من عبيد، ولحم في جلده، وحب في سنبله، أو مختلط بتبنه " يعني مما نهى عنه واتفق على منعه أهل العلم بيع الغرر إلا إذا كان الغرر يسيراً جداً فيغتفر، وتقدم كثير من أحكامه. وعن مالك في الموطأ بإسناده عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر " قال مالك: ومن الغرر والمخاطرة أن يعمد الرجل قد ضلت دابته أو أبق غلامه، وثمن الشيء من ذلك خمسون ديناراً، فيقول رجل أنا آخذه منك بعشرين ديناراً، فإن وجده المبتاع ذهب من البائع ثلاثون ديناراً، وإن لم
يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين ديناراً، قال مالك: وفي ذلك عيب آخر أن تلك الضالة غاية النهاية وجدت لم يدر أزادت أم نقصت أم ما حدث بها من العيوب، فهذا أعظم ما في المخاطرة. قال مالك: والأمر عندنا أن من المخاطرة والغرر اشتراء ما في بطون الإناث من النساء والدواب؛ لأنه لا يدري أيخرج أم لا يخرج، وإن خرج لم يدر أيكون حسناً أم قبيحاً، أم تاماً أم ناقصاً، أم ذكراً أم أنثى، وذلك كله يتفاضل إن كان على كذا فقيمته كذا، وإن كان على كذا فقيمته كذا اهـ.
ومن الغرر بيع ما يتعذر تسليمه كالبعير الشارد، والعبد الآبق كما تقدم،
والطير في الهواء، والسمك في الماء. ومن ذلك ما لا ترجى سلامته ولا ينتفع به بعد الشراء، وذلك كالمريض المشرف.
ومن الغرر المنهي عنه الجهل بعين المثمون كبيع شاة من شياه غير معينة أو عبد من عبيد غير معين، أو بيع لحم في جلده قبل سلخ الشاة، وكل ذلك ممنوع للغرر. وتقدم الكلام في بيع الحيوان باللحم فراجعه إن شئت في الكلام على المزابنة.
وكذلك من الغرر المنهي عنه الجهل بالثمن، أي كما لا يجوز البيع لجهل المثمون كذلك لا يجوز إذا جهل مقدار الثمن، وذلك كقول البائع للمشتري: بعتك سلعتي هذه بسعر اليوم، أو بما يبيع الناس، أو بما يقول فلان، إلا بيع الجزاف، وقد تقدم حكمه. قال ابن جزي وغيره: ولا يجوز بيع القمح في سنبله للجهل به. ويجوز بيعه مع سنبله، وكذلك لا يجوز بيعه في تبنه ويجوز بيعه مع تبنه، ولا يجوز بيع تراب الصاغة، ولا يجوز بيعه بعد تصفيته لنفي علة الجهل بالمثمون فيها.
ومن المنهي عنه الجهل بالأجل، ولا يجوز البيع لأجل مجهول كما تقدم، وذلك مثل قدوم زيد، أو يوم موت عمرو، أو حتى تمطر السماء، كل ذلك مما لا يجوز للجهل
والغرر، ويجوز أن يقول إلى الحصاد، أو إلى معظم الدراس، أو إلى شهر كذا ونحوه، ويحمل على وسطه اهـ بتصرف وإيضاح.
قال رحمه الله تعالى: " ويجوز أذرع من ثوب أو قفيز من صبرة معينة " يعني يجوز بيع أذرع من جملة الثياب أو بيع قفيز أو صاع من صبرة معينة. قال الدردير في أقرب المسالك عاطفاً على الجائزات: وصاع، أو كل صاع من صبرة، أو كل ذراع من شقة، أو كل رطل من زيت إن أريد الكل أو عين قدر وإلا فلا اهـ. وقد تبع في اشتراط الكل خليلاً: إلا أنه لما عين القدر المعلوم من الصبرة المعينة كما قال المصنف، أو من الشقة المعينة، أو من الزيت المعين جاز البيع بالتعيين وانتفت العلة المانعة وهي الجهل بالثمن والمثمون. ولا فرق في ذلك بين المكيلات والموزونات والمقيسات، فيجوز شراء ذلك من الصبرة المعيينة، أو الشقة المعينة إذا عين قدراً معلوماً كصاع، أو عشرة أصوع بكذا، أو ذراع أو عشرة أذرع، أو رطل أو عشرة أرطال، أو نحو ذلك اهـ بحذف. وفي المواق: قال ابن عرفه: الروايات معها جواز بيع عدد آصع أو أقفزة من صبرة أو كلها على الكيل كل صاع أو قفيز بكذا اهـ. قال الخرشي يعني أنه يجوز بيع عدد أصوع من صبرة معلومة الصيعان أو مجهولتها، وكذا شراء كل صاع بكذا من هذه الصبرة والمشتري جميعها، سواء كانت معلومة الصيعان أو مجهولتها على المذهب اهـ.
قال رحمه الله تعالى ك " ولا بيع حاضر لباد بخلاف شرائه " يعني من المنهي
عنه أن بيع الحاضر لباد، بخلاف شراء الحاضر له فيجوز كما يأتي. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد " وعن طاوس عن ابن عباس بلفظ " ولا بيع حاضر لباد، قلت لابن عباس: ما قوله ولا بيع حاضر لباد؟ قال لا يكون له سمساراً " متفق عليه. قال ابن جزي في القوانين: النوع الرابع: بيع حاضر لباد من الذين لا يعرفون الأسعار. وقيل لكل وارد على مكان وإن كان
من مدينة، وتعريفه بالسعر كالبيع فلا يجوز، واختلف في شرائه له اهـ. قال العلامة الشيخ عبد الرحمن الجزيري في الفقه: منها أي من البيوع المنهي عنها بيع الحاضر للبادي، وهو أن يتولى شخص من سكان الحضر السلعة التي يأتي بها البدوي من البادية بقصد بيعتها دفعة واحدة، فبيعها الحضري على مثله تدرجاً، فيضيق على الناس ويرفع ثمن السلعة.
وعند السادة المالكية: لا يجوز أن يتولى أحد من سكان الحضر بيع السلع التي يأتي بها سكان البادية بشرطين: أحدهما: أن يكون البيع لحاضر، فإذا باع لبدوي مثله فإنه يجوز. ثانيهما: أن يكون ثمن السلعة غير معروف بالحاضرة، فإن كان معروفاً فإنه يصح، وذلك لأن علة النهي تركهم يبيعون للناس برخص فينتفع الناس منهم، فغذا كانوا عارفين بالأسعار فإنه لا فرق حينئذ بين أن يبيعوا بأنفسهم وبين أن يبيع لهم السماسرة. وقيل لا يجوز مطلقاً. أما شراء ساكن الحاضرة لأهل البادية فإنه يجوز وهل سكان القرى الصغيرة مثل سكان البوادي؟ قولان، أظهرهما أنه يجوز أن يتولى سكان الحاضرة بيع السلع التي يأتي بها سكان البادية مع وجود الشرطين المذكورين فإن البيع يفسخ ويرد المبيع لبائعه ما لم يكن قد استهلكه فإنه ينفذ بالثمن، ويكون كل من البائع والمشتري والسمسار قد ارتكب معصية يؤدب عليها، ويعذر فاعلها بالجهل بالتحريم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يتلقى الأقوياء الركب ليختصوا بشراء ما جلبوه، ويخير أهل البلد في مشاركتهم، وفي فسخها خلاف " يعني من المنهي عنه الخروج لتلقي الركبان. وفي الموطأ عن مالك بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الركبان للبيع) الحديث. قال ابن جزي في القوانين:
النوع الخامس: أي من البيوع المنهي عنه تلقي السلعة على ميل، وقيل على فرسخين، وقيل على مسيرة يوم فأكثر قبل أن تصل إلى الأسواق، وهو لا يجوز لحق أهل الأسواق، فإن وقع اختلف في تأديب المتلقي وفي اشتراك أهل السوق معه. قال الشافعي: إنما يمنع لحق صاحب السلعة فهو بالخيار، وأجازه أبو حنيفة اهـ. وحاصل فقه المسألة
على المشهور في المذهب أنه: لا يجوز تلقي السلع التي ترد إلى بلد من البلدان لتباع فيها، فلا يحل لشخص أن يقف خارج البلدة ويتلقى البائعين الذين يحضرون بسلعهم فيشتريها منهم؛ لأن في ذلك إضراراً بأهل البلدة وتضييقاً عليهم، فإذا ابتعد عن البلدة مسافة ستة أميال فإنه يصح له حينئذ أن يشتري من تلك السلع ما يشاء، سواء كان لتجارة أو لقوت، وسواء كانت البلدة الواردة إليها السلع لها سوق أو لا على المعتمد. أما من كان على مسافة أقل من ستة أميال فإن كان للبلد سوق فإنه لا يجوز له أن يشتري للتجارة، أما للقوت فإنه يجوز، وإن لم يكن لها سوق فإنه يجوز أن يشتري للتجارة والقوت، فإذا وصلت السلع إلى البلد فإن كان لها سوق فلا يجوز الأخذ منها مطلقاً إلا إذا وصلت إلى السوق، وإن لم يكن لها سوق جاز الأخذ منها مطلقاً للتجارة والقوت. وإذا كان صاحب السلعة في البلد والسلعة في بلد آخر وكان يريد أن يأتي بها ليبيعها في سوق البلدة الموجود فيها فإنه لا يجوز شراؤها منه بالوصف قبل وصولها أيضاً. وشراء السلعة الممنوع تلقيها صحيح، ويضمن المشتري بعد شرائها أو يلزم بعرضها على أهل السوق ليشاركه فيها من يشاء؟ قولان مشهوران. ويستثنى من هذه السلع الثمار والخبز وحمال الساقيين اهـ. قاله الجزيري فراجعه إن شئت.
ثم ذكر العينة، وهو من المنهي عنه. قال رحمه الله تعالى:" وتمنع العينة وهو أن يقول اشتر لي من مالك بعشرة وهي لي باثني عشرة إلى أجل كذا، فإن فاتت في يده لزمه ما اشتريت به وسقط الزائد والأجل " يعني كما قال الدردير،
وإنما تمنع العينة لما فيها من تهمة سلف جر نفعاً؛ لأنه كأنه سلفه عشرة ثمن السلعة يأخذ عنها بعد الأجل اثني عشر. قال ابن جزي في القوانين: النوع الثاني: - أي من المنهي عنه -: العينة، وهو أن يظهرا فعل ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز، فيمنع للتهمة سداً للذرائع، خلافاً لهم. وهي ثلاثة أقسام: الأول: أن يقول رجل لآخر اشتر لي سلعة بكذا وأربحك فيها كذا، مثل أن يقول اشترها بعشرة وأعطيك فيها خمسة عشر إلى أجل، فإن هذا يؤول إلى الربا؛ لأن مذهب مالك أن ينظر ما خرج من اليد ودخل فيها ويلغي الوسائط، فكأن هذا الرجل أعطى لأحد عشرة دنانير وأخذ منه خمسة عشر ديناراً إلى أجل، والسلعة واسطة فتلغى. الثاني: لو قال له اشتر لي سلعة وأنا أربحك فيها، ولم يسم الثمن، فهذا مكروه وليس بحرام. الثالث: أن يطلب السلعة عنده فلا يجدها، ثم يشتريها الآخر من غير أمره، ويقول قد اشتريت السلعة التي طلبت مني فاشتر مني إن شئت فيجوز أن
يبيعها منه نقداً أو نسيئة بمثل ما اشتراها به أقل أو أكثر اهـ. وإلى هذا القسم أشار خليل بقوله: جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال ولو بمؤجل بعضه، وكره خذ بمائة ما بثمانين إلخ. وفي الرسالة: ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالاً، وأصله ما في الموطأ من قول عبد الله بن عمر للمبتاع: لا تبتع منه ما ليس عنده، وقال للبائع: لا تبع ما ليس عندك فراجعه إن شئت. ثم نذكر هنا بعض ما تقدم من الغرر وما سيأتي مما ذكره صاحب الرسالة من قوله: وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء يخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز. ولا يجوز بيع الغرر، ولا بيع شيء مجهول، ولا إلى أجل مجهول ولا يجوز في البيوع التدليس، ولا الغش، ولا الخلابة، ولا الخديعة، ولا كتمان العيوب، ولا خلط دنيء بجديد، ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع، أو كان ذكره أبخس له في الثمن اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومن باع سلعة إلى أجل لم يجز له شراؤها بأقل من
الثمن، نقداً أو إلى أجل أدنى، أو بأكثر إلى أبعد، بخلافة بمثله أو أكثر نقداً " يعني كما في الرسالة، ونصها: وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقداً، أو إلى أجل دون الأجل الأول، ولا بأكثر منه على أبعد من أجله. وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة اهـ. انظر تفصيل ذلك في الباب الحادي عشر من كتاب القوانين الفقهية لابن جزي، وفيه غنية لهذه المسألة.
قال رحمه الله تعالى: " ويمنع البيع يوم الجمعة ما بين النداء وانقضائها ممن تلزمه " يعني لا يجوز عقد البيع ما بين النداء والصلاة يوم الجمعة لمن تلزمه الجمعة، للنهي الوارد في ذلك. قال سبحانه وتعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الجمعة: 9، 10] أي تفوزون بالجنة، قد أمر الله تعالى بترك عقد البيع عند النداء في يوم الجمعة، وأمر أيضاً بالسعي إلى الصلاة اعتناء بشأنها، حتى إن من عقد البيع وقت النهي يعاقب عليه بفسخه عند إمامنا مالك، خلافاً للشافعي، إلا أنه فعل ما حرم الله تعالى، ولا يفسخ عنده. قال العلامة الصاوي في حاشيته على الجلالين: فالمراد بالبيع العقد بتمامه، فهو خطاب لكل من البائع والمشتري. ومثل البيع والشراء الإجازة والشفعة، والتولية، والإقالة، فإن وقعت حرمت وفسخت عند مالك. وعند الشافعي تحرم ولا تفسخ اهـ. وفي تفسير ابن جزي عند قوله تعالى:{وذروا البيع} [الجمعة: 9] أمر بترك البيع يوم الجمعة إذا أخذ
المؤذنون في الأذان، وذلك على الوجوب، فيقتضي تحريم البيع. واختلف في البيع الذي يعقد في ذلك الوقت هل يفسخ أم لا؟ واختلف في بيع من لا تلزمهم الجمعة من النساء والعبيد هل يجوز في ذلك الوقت أم لا؟ والأظهر
جوازه لأنه إنما منع منه من يدعى إلى الجمعة، ويجري النكاح في ذلك الوقت مجرى البيع في المنع اهـ.
قوله: ويجري النكاح إلخ، قال الدردير في المسالك: وفسخ بيع ونحوه بأذان ثان، فإن فات فالقيمة حين القبض. قال: ومفهوم بيع ونحوه أن النكاح والهبة والصدقة والكتابة لا تفسخ إن وقعت عند الأذان الثاني وإن حرم اهـ. وفي القوانين أيضاً لابن جزي أنه قال: النوع السابع - أي من البيوع المنهي عنها - البيع يوم الجمعة من حين يصعد الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، ويفسخ في المشهور خلافاً لهما اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وبيع الملاهي وآلات القمار " يعني من المنهي عنه بيع الملاهي فلا يجوز بيع آلة اللهو كالعود والمزمار وجميع آلات اللهو التي تشغل عن ذكر الله وعن الصلاة. ولا يجوز بيع آلة القمار وهو ما يأخذه الشخص من غيره بسبب المغالبة عند اللعب بنحو الشطرنج أو النرد أو الطاب أو المسابقة على غير الوجه الشرعي. ولا يجوز بيع آلة الغناء، ولا جارية مغنية. وقال بهرام في الشامل: وترد شهادة المغني والمغنية، والنائح والنائحة. وسماع العود حرام على الأصح إلا في عرس أو صنيع ليس فيه شراب مسكر فإنه يكره فقط، وغير العود من بقية الآلات التي يلعب بها يجري فيها ما في العود اهـ. نقله النفراوي. قال في الرسالة: ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله، ولا أن تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك، ولا سماع شيء من الملاهي والغناء، ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيع الغناء، وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وأعيان النجس " وفي نسخة النجسة بالتاء المكفوفة والأولى حذفها هنا. والمعنى من البيوع المنهي عنها بيع أعيان النجس. قال الجزيري: لا يصح بيع النجس عند المالكية، كعظم الميتة، وجلدها ولو دبغ لأنه لا يطهر بالدبغ:
كالخمر والخنزير، وزبل ما لا يؤكل لحمه سواء كان أكله محرماً كالخيل والبغال والحمير، أو مكروهاً كالسبع والضبع والثعلب والذئب والهر؛ فإن فضلات هذه الحيوانات ونحوها لا يصح بيعها، وكذلك لا يصح بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كزيت وعسل وسمن وقعت فيه نجاسة على المشهور، فإن الزيت لا يطهر بالغسل، وبعضهم يقول: إن بيع الزيت المتنجس ونحوه صحيح؛ لأن نجاسته لا توجب إتلافه؛ فإن بعضهم يقول: إن الزيت يمكن تطهيره بالغسل.
أما المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب فإنه يجوز بيعه، ويجب على البائع أن يبين ما فيه من النجاسة فإن لم يبين كان للمشتري حق الخيار اهـ. بحذف. وإلى ذلك أشار الدردير بقوله: فلا يباع كزبل وجلد ميتة ولو دبغ، وخمر وزيت تنجس اهـ. انظر شراح خليل. وأما قول ابن عاصم في تحفة الحكام:
ونجس صفقته محظورة
…
ورخصوا الزبل للضرورة
انظر الصاوي وغيره تجد فيه أقوال أئمة المذهب. والله أعلم بالصواب.
قال رحمه الله تعالى: " وما لا منفعة فيه " يعني من المبيع المنهي عنه بيع ما لا منفعة فيه، وتقدم الكلام فيما لا ينتفع به بعد وقوع البيع فيه كالمريض المشرف على الموت فإنه لا يجوز بيعه لعدم الانتفاع به. قال الدردير عاطفاً على ما لا يجوز بيعه: ولا يصح أن يباع ما بلغ السياق: أي نزع الروح بحيث لا يدرك بزكاة لو كان مباح الأكل، لعدم الانتفاع به. وفي الحطاب: أما إذا بيع قبل أن يشرف فإنه يجوز بيعه ولو كان مرضه مخوفاً على الأصح اهـ. ومما لا يجوز بيعه القرد؛ لأنه لا ينتفع به انتفاعاً شرعياً. قال الحطاب في الفرع الثالث: القرد مما لا منفعة فيه، فلا يصح بيعه ولا تملكه. قال في أول البيوع من المتيطية: ما لا يصح ملكه ولا يصح بيعه إجماعاً كالحر، والخمر، والخنزير، والقرد، والدم، والميتة، وما أشبه ذلك اهـ. وفي المسائل الملقوطة: لا يجوز بيع الحر والخنزير والقرد والخمر والدم، والميتة والنجاسة وما لا منفعة فيه كخشاش الأرض والحيات
والكلاب غير المأذون في اتخاذها، وتراب الصواغين، وآلة اللاهي والأحباس، ولحوم الضحايا، والمدبر والمكاتب، والحيوان المريض مرضاً مخوفاً، والأمة الحامل بعد ستة أشهر، والحيوان بشرط الحمل، وما في بطون الحيوان واستثناؤه، والطير في الهواء، والسمك في الماء، والعبد الآبق، والجمل الشارد، والغائب على غير صفة، والبيع بغير تقليب، وملك الغير، والمغضوب، وكل ما فيه خصومة، والدين على الميت والغائب، وما لم يبد صلاحه، والدار بشرط سكناها أكثر من سنة، والدابة بشرط ركوبها أياماً كثيرة، والبيع بثمن مجهول، وإلى أجل مجهول، وفي وقت صلاة الجمعة. اختصرت ذلك من وثائق الغرناطي. انتهى كلامه. والمقصود منه الكلام على منع بيع القرد وبقية ذلك أو أكثر اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " أو فيه ضرر من الخشاش والحيوانات " يعني من المنهي عنه بيع ما فيه ضرر كالحيوانات ذات السم كالعقرب، والحيات، وجميع الخشاش التي تضر الإنسان يتألم بلدغها ويتأذى بها في جسده أو عقله فإنه لا يجوز بيعها لضررها وعدم نفعها بل وجب اجتنابها لحفظ النفس الذي هو واجب على
الإنسان، كما يجب عليه دفع الصائل وقتل كل مؤذ إن قدر عليه لدفع أذيته.
قال رحمه الله تعالى: " بخلاف الهر " بكسر الهاء وتشديد الراء، يعني أنه يجوز بيع الهر، قال ابن ناجي: ولا أعلم فيه خلافاً. قال خليل: وجاز هر وسبع للجلد. وقال الجزولي في شرح الرسالة: وأما السنور فقيل: يكره بيعه وهو الصحيح اهـ. قال المواق في المدونة: قال مالك: يجوز بيع الهر اهـ. قال ابن القاسم في المدونة: أما بيع السباع أحياء، والفهود، والنمور، والذئاب وشبهها، فإن كانت إنما تشترى وتذكى لجلدها فلا بأس بذلك؛ لأن مالكاً قال: إذا ذكيت السباع جاز لباس جلودها والصلاة عليها. قال ابن القاسم: وجاز بيعها اهـ. ومثله في الرسالة. ونصها:
ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وفي الكلب خلاف " يعني اختلف أئمة المذهب في بيع الكلب. قال ابن عرفة: الكلب المنهي عن اتخاذه لا يجوز بيعه اتفاقاً، وفي غيره سبعة أقوال انظره في المواق. قال مالك في الموطأ: أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري، لنهي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ثمن الكلب. قال بعضهم: وينبغي أن يلحق بيع الكلب بالممنوع اهـ. ثم إن المأذون في اتخاذه يجوز أخذه لزرع أو ماشية أو لصيد؛ لما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلباً لا لصيد أو زرع أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط) وفي رواية: " قيراطان " فلذا قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد في الرسالة: ولا يتخذ كلب في الدور في الحضر ولا في دور البادية إلا لزرع أو ماشية يصحبها في الصحراء، ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه. قال شارحها النفراوي: ولا حرج في اتخاذه لواحد من هذه الثلاثة. ثم قال:
تنبيهات: الأول: ما ذكره المصنف من عدم جواز اتخاذ الكلاب في غير المسائل الثلاث مقيد بما إذا لم يضطر إلى اتخاذها لحفظ محله أو حفظ نفسه وإلا جاز، كما وقع للمصنف، يعني به صاحب الرسالة حين سقط حائط داره وكان يخاف على نفسه من الشيعة، فاتخذ كلباً، ولما قيل له: كيف تتخذه ومالك نهى عن اتخاذ الكلاب في غير المواضع الثلاثة؟ فقال: لو أدرك مالك زماننا لاتخذ أسداً ضارياً. ولا ضمان على صاحب المأذون في اتخاذه فيما أتلفه إلا أن يصير أن يصير عقوراً وينذر صاحبه على يد بينة. وقيل: لا بد من الإنذار على يد القاضي على قولين في المسألة فيضمن جميع ما يتلفه بعد الإنذار. وجناية غير العقور من فعل العجماء وهو جبار، قاله الأجهوري: وأما غير المأذون في اتخاذه فيضمن متخذه جميع ما أتلفه ولو لم يتقدم لمتخذه إنذار. والثاني: أي من التنبيهات لم يتكلم
المصنف على حكم قتل الكلاب، ومحصله أن المأذون في اتخاذه لا يجوز قتله على مذهب
مالك وأصحابه وكثير من العلماء، وعلى قاتله غرم قيمته لصحة ملكه وإن حرم بيعه؛ لأنه لا تلازم بين حرمة البيع وعدم غرم القيمة كأم الولد ولحم الضحية فيحرم بيعهما وتلزم قيمتهما من أتلفهما. وأما غير المأذون في اتخاذه فلا غرم على قاتله لعدم صحة تملكه وجوازه، بل ندب قتله اهـ. قال الصاوي في حاشيته على الجلالين في سورة المائدة عند ورد الحديث المتقدم: ويؤخذ من هذا الحديث أن قتل غير النافع من الكلاب مندوب إن لم يكن عقوراً يخشى منه الضرر ولا يندفع إلا بالقتل، وإلا وجب قتله عند مالك اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويمنع الكافر شراء المصحف أو عبد مسلم، ويجبر على إزالة ملكه عنه " يعني كما قال خليل في المختصر: ومنع بيع مسلم ومصحف وصغير لكافر، وأجبر على إخراجه أي عن ملكه، ولا يفسخ ولو كان المبيع قائماً اهـ. وعبارة الدردير في أقرب المسالك أنه قال: ومنع بيع مسلم وصغير ومجوسي ومصحف وحديث لكافر، وأجبر على إخراجه عن ملكه ببيع أو عتق ناجز، أو هبة ولو لولد صغير، وجاز رده عليه بعيب كأن أسلم عنده، وباعه الحاكم إن بعدت غيبة السيد اهـ. قال الحطاب: وأما المسلم والمصحف فلا يصح تقرر ملك الكافر عليهما، فلا يجوز بيعهما منه بلا خلاف، فإن وقع ذلك فاختلف فيه، فمذهب المدونة أن البيع يمضي ويجبر الكافر إخراج ذلك عن ملكه. قال في المدونة في كتاب التجارة لأرض الحرب: فإن ابتاع الذمي أو المعاهد مسلماً أو مصحفاً أجبر على بيعه من مسلم ولم ينقص شراؤه اهـ. ثم قال: ولو كان الكافر المشتري له عبداً لمسلم فإنه يجبر على بيعه؛ لأنه له حتى ينزعه سيده. وصرح المأزري بأنه المشهور كما قال المأزري، وهو مذهب المدونة، ومقابله أنه يفسخ إذا كان المبيع قائماً، ونسبه سحنون لأكثر أصحاب
مالك. قال ابن رشد: والخلاف مقيد بما إذا علم البائع أن المشتري كافر، أما إذا ظن أنه مسلم فإنه لا يفسخ بلا خلاف ويجبر على إخراجه من ملكه بالبيع ونحوه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يفرق بين أمة وولدها، ولو مسبية أو من زنا، ويقبل قولها إنه ولدها، قيل إلى الإثغار، وقيل إلى البلوغ " يعني أنه من المنهي عنه تفريق الأمة بينها وبين ولدها في البيع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) اهـ. رواه أحمد. قال ابن جزي في القوانين: النوع الثامن، أي من البيوع المنهي عنها بيع الأم دون ولدها الصغير، أو
بيعه دونها، فلا يجوز التفريق بينهما حتى يثغر الولد، ما لم يعجل الإثغار. ويجوز التفريق بينه وبين والده اهـ. وفي الرسالة: ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر اهـ.
وحاصل فقه المسألة - على ما في الفواكه للنفراوي - أنه يحرم أن يفرق بين الأم العاقلة وبين ولدها الصغير في البيع ونحوه من كل عقد معاوضة، فيشمل أنه لو دفع الولد أو الأم أجرة أو صداقاً، أو وهب أحدهما للثواب. والمراد الأم دنية. وقيد بالمعاوضة احترازاً من غير المعاوضة كدفع أحدهما صدقة أو هبة لغير ثواب بل لوجه المعطي فلا حرمة، ويجبران على جمعهما في ملك واحد. وقيل يكتفى بجمعهما في حوز.
ويجوز التفريق بالعتق ويكتفى بجمعهما في حوز اتفاقاً. فإذا أعتق الولد وباع الأم فيشترط على المشتري الإنفاق على الولد وكسوته إلى حصول الإثغار، وإن أعتق الأم وباع الولد اشترط على مشتريه جمعه مع أمه ونفقة الأم على نفسها. وإن دبر أحدهما لم يجز له بيع الآخر وحده ولا مع الآخر. قاله في المدونة، بخلاف ما لو كاتب أحدهما ثم باع كتابته وجب عليه بيع غير المكاتب مع كتابة المكاتب، ويشترط على المشتري ألا يفرق بينمها إذا عتق المكاتب حتى يحصل الإثغار. وقيدنا بدنية لأنه لا تحرم
التفرقة بين الجدة وولد ولدها، كما لا تحرم بين الأب وو لده، ولا بين الأم وولدها من الرضاع؛ لأن المراد بالأم من النسب. وقلنا العاقلة لأن حرمة التفرقة مختصة بالعقلاء دون غيرها على المشهور.
وبالغ خليل في حرمة التفرقة بقوله: وإن بقسمة للإشارة إلى أن من مات عن جارية وأولادها الصغار لا يجوز لورثته أن يأخذ واحد الأم والآخر الولد. وتستمر الحرمة حتى يثغر الولد، فإن أثغر أي سقطت رواضعه ونبت غيرها ولو لم يتكامل نباتها جازت التفرقة. ويكتفي ببلوغ زمنه المعتاد وهو بعد السبع ولو لم يثغر بالفعل، بناء على المشهور من أن عدم التفرقة حق للأم، ومشى عليه خليل حيث قال: ما لم ترض الأم وإلا جازت، ولو لم يحصل زمن الإثغار. وتقدم الحديث على حرمة التفرقة على أول المسألة، وظاهره سواء كانت الأم مسلمة أو كافرة، لكن غير حربية، وسواء كان ولدها من زوجها أو من زنا، ولو كان مجنوناً وأمه كذلك إلا أن يخاف من أحدهما على الآخر، وأما الحربية فلا تحرم التفرقة بينها وبين ولدها، فيجوز لبعض المجاهدين أخذ الأم دون ولدها أو الولد دون أمه. والمسبية مع صغير تدعي أنه ولدها فيقبل قولها حيث قامت قرينة على صدقها.
قال ابن عرفة: وتثبت البنوة المانعة للتفرقة بالبينة أو بإقرار مالكيها أو دعوى
الأم مع قرينة صدقها. وتصديق المسبية إنما هو من جهة التفرقة فقط، لا في غيرها من أحكام البنوة، فلا يختلي بها إن كبر، ولا ترث من أقرت به، وأما هو فيرثها إن لم يكن لها وارث يحوز جميع المال. وأما لو حصلت التفرقة على وجه الممنوع فالحكم فيه الفسخ إن لم يجمعاهما في ملك، إلا أن يمضي زمن الحرمة بأن لم يطلع على ذلك حتى حصل اإثغار المعتاد وإلا مضى البيع.
وأما لو حصلت التفرقة بغير معاوضة فقيل لا بد من جمعهما في ملك. وقيل يكفى