المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب البيوع أي هذا ما يتعلق بمسائل البيوع، وهو جمع، ويطلق - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٢

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالجيش وأخذ الغنيمة قبل القسم

- ‌كتاب الأيمان

- ‌فَصْلٌفي الاستثناء بـ إلا وأخواتها

- ‌كتاب النذور

- ‌كتاب الأضحية والعقيقة والصيد والذبائح

- ‌فَصْلٌفي العقيقة وما يفعل للمولود يومَ سابعه

- ‌فَصْلٌفي بيان الصيد وما يتعلق به من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الذبح

- ‌كتاب الأطعمة والأشربة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فَصْلٌفي المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن

- ‌فَصْلٌفي نكاح الشغار وما يتعلق به من الأحكام

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بإسلام المتزوجين وحكم نكاحهما بعد الإسلام

- ‌فَصْلٌفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان نكاح التفويض والتحكيم

- ‌فَصْلٌفيمن كان متزوجاً بأكثر من زوجة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام المفقود والغائب عن زوجته

- ‌كتاب الطلاق

- ‌خاتمة

- ‌كتاب البيوع

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق ببيع المزابنة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالثمن والمثمن

- ‌فَصْلٌفي بيع العقار وما يتبعها

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع المميز والعبد المأذون وغيره

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع الغائب عن مجلس العقد

- ‌فَصْلٌفي أحكام بيع المرابحة

- ‌فَصْلٌفي مسائل الخيار

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بأحكام بيع الثمار

- ‌فَصْلٌفي العرايا

- ‌فَصْلٌفي أحكام الجائحة في الثمار والزروع وغيرها

- ‌فَصْلٌفي السلم وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالقرض وهو بمعنى السلف

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بأحكام الجعل وشروطه

- ‌كتاب القراض والشركة والمساقاة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالشركة وشروطها

- ‌فَصْلٌفي المساقاة وأحكامها

- ‌كتاب الرهن والوكالة

- ‌فَصْلٌفي الوكالة

الفصل: ‌ ‌كتاب البيوع أي هذا ما يتعلق بمسائل البيوع، وهو جمع، ويطلق

‌كتاب البيوع

أي هذا ما يتعلق بمسائل البيوع، وهو جمع، ويطلق على الشراء كما يأتي، أي ما يشتمل على أحكامه من معرفة أركانه وشروطه ولوازمه، وشروط العاقد من البائع والمشتري، وما يتعلق بالثمن والمثمن، وما يتعلق ببيع المرابحة والمساومة والخيار والعهدة، ومسائل الصرف والبدل والمراطلة، وما يتعلق بذلك من أحكام الربا في النقود والمطعومات، وما يتعلق بأحكام الكراء والإجازة والجعل، وأحكام السلف والسلم والديون مما يجوز من ذلك وما لا يجوز منها، وستقف على جميع ذلك إن شاء الله تعالى. قال سبحانه وتعالى:{وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275] البيع لغة: المبادلة، وشرعاً: مقابلة مال بمال مع إيجاب وقبول، وحكمته: تمام نظام الحياة فإن الإنسان لا يمكنه الانفراد بما يحتاج إليه، وربما لا يسمح له به من هو في يده، فشرع البيع لبلوغ المراد بسلام، قاله في غاية المأمول. وقال الصاوي في بلغة السالك: وهو ما يتعين الاهتمام به وبمعرفة أحكامه، لعموم الحاجة إليه والبلوى به، إذ لا يخلو المكلف غالباً من بيع أو شراء، فيجب أن يعلم حكم الله فيه قبل التلبس به.

والبيع والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام العالم؛ لأن الله خلق الإنسان محتاجاً إلى الغذاء مفتقراً للنساء، وخلق له ما في الأرض جميعاً، ولم يتركه سدى يتصرف كيف شاء باختيار، فيجب على كل أحد أن يتعلم ما يحتاج إليه، ثم يجب على كل شخص العمل بما علمه الله من أحكامه ويجتهد في ذلك ويحترز عن إهماله له فيتولى أمر بيعه وشرائه بنفسه إن قدر، وإلا فغيره بمشاورته، ولا يتكل في ذلك على من لا يعرف الأحكام، أو يعرفها ويتساهل في العمل بمقتضاها، لغلبة الفساد وعمومه في هذا الزمان كما في المدخل.

وحكمة مشروعيته: الوصول إلى ما في يد الغير على وجه الرضا، وذلك مفض إلى

ص: 219

عدم المنازعة والمقاتلة والسرقة والخيانة والحيل وغير ذلك. وهو لغة: مصدر باع الشيء أخرجه عن ملكه أو أدخله فيه بعوض، فهو من أسماء الأضداد يطلق على البيع والشراء، كالقرء للطهر والحيض. وأما شرى فيستعمل بمعنى باع كما في قوله تعالى:{وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20] أي باعوه ففرق بين

شرى واشترى. وأما معناه شرعاً فوقوعه ووجوده كما اصطلح عليها العلماء تقريباً للفهم اهـ بحذف.

ثم اعلم أنه اتفق الأئمة الأربعة على جواز البيع وتحريم الربا، وعلى أنه ينعقد بما يدل على الرضا بإيجاب وقبول، كقول البائع: بعت وقول المشتري: اشتريت، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله:" وهو يلزم بالقول الدال على الرضا الباطن وبالاستيجاب والمعاطاة " يعني أن البيع ينعقد ويلزم بالقول الذي يدل على الرضا كما يلزم بالإيجاب والقبول، وبالمعاطاة عند الجمهور خلافاً للشافعي. قال الدردير معرفاً عليه: البيع عقد معاوضة على غير منافع، وركنه عاقد ومعقود عليه وما دل على الرضا وإن معاطاة، كاشتريتها منك بكذا، أو بعتها ويرضى الآخر، وكأبيعها أو أشتريها، أو بعني، أو اشتر مني فرضي، فإن قال: لم أرده صدق أي في صيغتي الأمر والمضارع فيصدق بيمين فيهما، كأن تسوق بها فقال بكم فقال بكذا فقال أخذتها به، فقال لم أرده اهـ. قال العلامة أحمد النفراوي في الفواكه:

تنبيه: لم يتعرض المصنف هنا لأركان البيع ولا لشروط عاقده ولا المعقود عليه. وأركانه ثلاثة: العاقد والمعقود عليه والصيغة. وشرط صحة عقد العاقد من بائع أو مشتر التمييز بأن يفهم السؤال ويرد جوابه ولو صبياً أو عبداً. وشرط اللزوم التكليف بمعنى الرشد والطوع، فلا يلزم بيع الصبي ولا السفيه ولا المكره إكراهاً حراماً، وإن لزم من جهة المشتري حيث كان رشيداً. قال خليل: وشرط عاقده تمييز، ولزومه تكليف، لا إن أجبر عليه جبراً حراماً، ورد عليه بلا ثمن. ولا يشترط إسلام العاقد ولو كان المعقود عليه مسلماً أو مصحفاً، بل يقع العقد لازماً ويجبر غير المسلم على

ص: 220

إخراجه من تحت يده، وإنما الإسلام شرط في جواز إدامة الملك. وشرط المعقود عليه ثمناً أو مثمناً الطهارة الأصلية، والقدرة على تسليمه، والعلم بالمعقود عليه كمية وكيفية حيث وقع العقد على اللزوم، وإلا جاز ولو لم يذكر جنسه ولا نوعه، وعدم النهي عن بيعه، وأن يكون منتفعاً به ولو في المستقبل، والركن الثالث: الصيغة، ويكفي فيها كل ما يدل على الرضا ولو معاطاة اهـ. قال الباجي: البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول، ويلزم بوجودهما بلفظ الماضي، وإذا قال بعني فيقول البائع بعتك لزم البيع، وإليه ذهب الإمام وأكثر أصحابه، انظره في الحطاب.

قال رحمه الله تعالى: " غير موقوف على قبض ولا خيار مجلس، فما كان فيه حق توفيه أجبر البائع على إقباضه، وغيره على التخلية بينه وبينه متمكناً منه " يعني أنه إذا تم البيع بما تقدم ذكره من الصيغة انعقد ولزم على كل من البائع

والمشتري دفع ما لزمه من العوض إن لم يكن البيع على الخيار بأن كان بتاً صحيحاً غير مؤجل ولا موقوف لقبض الثمن، أما لو كان موقوفاً للثمن فكالرهن كما سيأتي. قال ابن جزي في القوانين الفقهية: يجب على المشتري تسليم الثمن، وعلى البائع تسليم المثمن. فإن قال أحدهما: لا أسلم ما بيدي حتى أقبض ما عاوضت عليه أجبر المشتري على تسليم الثمن ثم أخذ المثمن من البائع وفاقاً لأبي حنيفة. وقال الشافعي: يجبر البائع ثم المشتري. وقال مالك: للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن اهـ. وقوله فما كان فيه حق توفية إلخ أي من مكيل أو موزون أو معدود أجبر البائع على لإقباضه لوجوب التوفية فيه. وأما غير الذي فيه حق التوفية كالحيوان والعقار فيجبر عليه أيضاً على التخلية بينه وبين مشتريه إذا كان البيع صحيحاً باتاً؛ لأنه بمجرد العقد ينتقل الضمان فيه إلى المشتري، لا إن وقع على الخيار فيكون الضمان من البائع مدة الخيار كما سيأتي اهـ. ومعنى التخلية: التمكين من القبض والتصرف وإنزاله منزلته. قال في مختصر المتيطة: ويلزم البائع إنزال المبتاع

ص: 221

في البيع فيقول: أنزله في منزلته، فإن تأخر إنزاله عن وقت البيع أنزله بعد ذلك، ومعناه مكنه من قبضه وحوزه إياه اهـ الحطاب.

قال رحمه الله تعالى: " وله حبسه رهناً بالثمن " وتقدم قول مالك: إن للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن. قال ابن رشد: المشهور من قول ابن القاسم أن السلعة المبيعة المحبوسة بالثمن رهن به تكون مصيبتها من المشتري إن قامت بينة بتلفها، وإن لم تقم بينة لم يصدق البائع في ذلك ولزمه قيمتها اهـ. وعبارة الخرشي: والمعنى أن السلعة الحبوسة لإتيان المشتري بثمنها الحال، أو المحبوسة لأجل أن يشهد البائع على تسليم المبيع للمبتاع، أو على أن الثمن حال في ذمته ولم يقبضه منه. أو مؤجل فإن ضمان ذلك على بائعه، ويضمنه ضمان الرهان، فيفرق فيه بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه، فما لا يغاب عليه لا ضمان عليه فيه إذا ادعى تلفه أو هلاكه إلا أن يظهر كذبه، وما يغاب عليه هو في ضمانه إلا أن يقيم بينة أنه تلف بغير سببه فإنه لا ضمان عليه حينئذ اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وتلفه قبل قبضه منه، فإن قبضه وتركه عنده فهو وديعة " الضمير في قوله: وتلفه راجع إلى المبيع، وفي منه راجع إلى البائع، والمعنى إذا تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري فضمانه على البائع، وإن قبضه المشتري وتركه وديعة عند البائع فحكمه حكم الوديعة فيصدق بلا يمين في تلفه إلا أن يتهم فيستحلف، وإلا ضمن كما يضمن بالتعدي، وإن لم يقبضه المشتري أصلاً فضمانه على البائع كما تقدم سواء مما كان فيه حق التوفية أو غيره بشرط أن يكون

بيعاً صحيحاً بتاً، وسواء أتلفه البائع عمداً أم لا، حبسه للثمن أم لا، وأما إن قبضه المشتري فالضمان عليه إن كان لازماً، قال العلامة الدردير على أقرب المسالك: وانتقل الضمان إلى المشتري بالعقد الصحيح اللازم إلا فيما فيه حق توفية من مكيل أو موزون أو معدود فعلى البائع لقبضه. واستمر بمعياره ولو تولاه المشتري والأجرة عليه، بخلاف القرض فعلى المقترض، وإلا المحبوسة للثمن أو الغائب فبالقبض

ص: 222

كالفاسد، وإلا المواضعة فبرؤية الدم، وإلا الثمار فللأمن من الجائحة، وإلا عهدة الثلاث فبانتهائها اهـ. قوله كالفاسد قال في الرسالة: وكل بيع فاسد فضمانه من البائع، فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه، فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه اهـ.

ثم انتقل يتكلم في الصرف وأحكامه ونحوه كالمبادلة والمراطلة. فقال رحمه الله تعالى: " ويشترط في الصرف المناجزة وإن اختلف الجنس، والمماثلة في الجنس مراطلة أو بصنجة " والصنجة بفتح الصاد والسين وهو معروف، يعني يشترط في جواز الصرف شيئان: المناجزة والمماثلة في الجنس الواحد، سواء طعاماً أو نقوداً، أما إذا اختلقت الأجناس وجبت المناجزة دون المماثلة. قال الشرنوبي في الكواكب الدرية: وعند اختلاف الجنسين يجوز التفاضل إذا كان يداً بيد اهـ. قال ابن جزي: تحرم النسئية إجماعاً في بيع الذهب بالفضة وهو الصرف، وفي بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، سواء كان ذلك مبادلة في المسكوك أو مرطلة في المسكوك أو المصوغ أو النقار، فلا يجوز التأخير في شيء من ذلك كله، بل يجب أن يكون يداً بيد، فيتصور في ذلك ثلاث أحوال: حالة الكمال وهي أن يبرز كل واحد من المتعاقدين ما عنده من ذهب أو فضة ثم يعقدا عليه ثم يتقابضا، وحالة الجواز وهي أن يعقدا والذهب أو الفضة في الكم أو في التابوت الحاضر ثم يخرجاه ويتقابضا، وحالة لا تجوز هي أن يعقدا عليه وهو غائب في الدار أو غيرها فلا يجوز، وكذلك لا يجوز أن يعقدا عليه ويتأخر التقابض ولو ساعة، هذا مذهب الإمام مالك، وأجاز أبو حنيفة والشافعي تأخير القبض ما لم يتفرقا من المجلس اهـ. قال العلامة عبد الرحمن الجزيري على المذاهب الأربعة: فإذا اختلف الجنس فإنه يصح فيه البيع والشراء بالزيادة على قيمته وبنقصها. فيصح أن يشتري الجنية الذي قيمته مائة قرش بمائة وعشرين مثلاً، كما يصح أن يصرفه بخمسة وتسعين قرشاً وهكذا، ويسمى هذا صرفاً ولكن يشترط فيه التقابض،

ص: 223

فلا يصح صرف جنيه بفضة إلا إذا كان كل واحد يأخذ ماله في المجلس، فإذا أخذ تسعين قرشاً وأجل عشرة قروش مثلاً حرم، وكذلك في الطعام أعني البر والشعير

إلخ ما يذكر في الحديث؛ فإنه يشترط فيه التقابض إذا كان البدلان طعامين، كما إذا باع قمحاً بأرز، أما إذا كان أحد البدلين نقداً والآخر طعاماً فإنه يصح فيه التأخير سواء كان الطعام مبيعاً كما إذا اشترى قمحاً بجنيهات لأجل، أو كان الطعام ثمناً كما إذا اشترى خمسة جنيهات بخمسة أرادب من القمح يدفعها في وقت كذا، وهذا هو السلم. ثم قال: ولا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة وربا الفضل، وهي كبيرة بلا نزاع لقول الله عز وجل:{وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 275 - 279] وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)

وفي رواية: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) متفق عليه. قوله: ولا تشفوا بضم التاء وكسر الشين أي لا تزيدوا اهـ بتصرف.

ثم قال رحمه الله تعالى: " وتمنع فيه الحوالة والحمالة والرهن والخيار " يعني كما قال ابن جزي في الفروع: الفرع الأول، لا يجوز أن يؤخذ في الصرف والمبادلة والمراطلة ضامن ولا رهن لما يؤدي إليه من التأخير اهـ. قال ابن رشد في المقدمات: ولا يجوز في

ص: 224

الصرف ولا في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مواعدة ولا خيار ولا كفالة ولا حوالة، ولا يصح إلا بالمناجزة لا يفارق صاحبه وبينه وبينه عمل، ثم ذكر الحديث المتقدم. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء، والرماء هو الربا ومثله في الموطأ اهـ. قال مالك في المدونة: ولا يصلح أن تدفع إليه الدينار فيخلطه بدنانيره ثم يخرج الدراهم فيدفعها إليك اهـ. قال أبو محمد في الرسالة: فيجوز ولو اختلفا في الوزن والعدد لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام، فإذا اختلف الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد اهـ النفراوي.

ثم بالغ في وجوب المماثلة وعدم التأخير في النقدين فقال رحمه الله تعالى:

" جيد الجنس ورديه وتبره ومضروبه وصحيحه ومكسوره سواء " يعني أن الجيد والردئ من الذهب والفضة تبره ومضروبه، صحيحه ومكسوره سواء لا يجوز فيه التفاضل في صرفه بجنسه كما لا يجوز فيه التأخير بل وجب فيه المناجزة والمماثلة كما في الحديث، وتقدم في الزكاة مثل هذه المبالغة بقوله: إنها تجب في أوانيهما وحلي التجارة، وآنية ما لا تجوز تحليته، والمتخذ ذخيرة إلى أن قال: جيد الجنس ورديئة، تبره ومضروبه، صحيحه ومغشوشه ومكسوره سواء فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله: " ويجوز تطارح ما في ذمتيهما صرفاً بشرط حلولهما وتماثلهما واقتضاء أحدهما من الآخر بشرط الحلول وقبض الجميع في الفور " يعني أنه يجوز قضاء ما في الذمة بمثله إذا كملت الشروط الآتية، وهذه المسألة تسمى بالمقاصات أي المتاركات. قال العلامة الدردير في أقرب المسالك: المقاصة متاركة مدينين بمتماثلين عليهما كل ماله ما عليه أي كل واحد منهما يترك حقه في نظير الحق الذي عليه،

ص: 225

وتجوز في ديني العين مطلقاً إن اتحدا قدراً وصفة، حلا أو أحدهما أو لا، أو اختلفا صفة أو نوعاً إن حلا، أو قدراً وهماً من بيع وحلا وإلا فلا. والطعامان من قرض كذلك، ومنعا من بيع مطلقاً كأن اختلفا من بيع وقرض إن اختلفا صفة أو قدراً أو لم يحلا وإلا بأن حلا معاً واتفقا جازت، وفي العرضين مطلقاً إن اتحدا نوعاً وصفة أو اختلفا وحلا، أو اتفقا أجلا اهـ. انظر حاشية الصاوي عليه. وبيان ذلك كما في عبارة ابن جزي في القوانين أنه قال: فإذا كان لرجل على آخر دين وكان لذلك الآخر عليه دين فأراد اقتطاع أحد الدينين من الآخر لتقع البراءة بذلك ففي ذلك تفصيل، وذلك أنه لا يخلو أن يتفق جنس الدينين أو يختلفا، فإن اختلفا جازت المقاصة مثل أن يكون أحد الدينين عيناً والآخر طعاماً أو عرضاً، أو يكون أحدهما عرضاً واآخر طعاماً، وإن اتفق جنس الدينين فلا يخلو أن يكون كل واحد من الدينين عيناً أو طعاماً أو عروضاً، فإن كان الدينان عيناً فلا يخلو أن يكونا ذهبين أو فضتين أو أحدهما ذهباً والآخر فضة، فإن كان أحدهما ذهباً والآخر فضة جازت المقاصة إن كانا قد حلا معاً، ولم يجز إن لم يحلا أو حل أحدهما دون الآخر، لأنه صرف مستأجر، وإن كانا ذهبين أو فضتين جازت المقاصة إذا كان أجل الدينين قد حل، فإن لم يحل أجلهما أو حل أجل الواحد منهما دون الآخر ففي ذلك قولان، والمشهور الجواز بناء على أنها متاركة تبرأ بها الذمم، ونظراً إلى بعد التهمة. وقيل: تمنع لأنها مبادلة مستأخرة، وإن كان الدينان طعاماً فلا يخلو أو يكونا من بيع أو قرض، فإن كانا من بيع لم تجز المقاصة سواء حل الأجل أو لم يحل لأنه من بيع الطعام قبل قبضه، وإن كانا من

قرض جاز حل الأجل أو لم يحل، وإن كان الدينان عرضين فتجوز المقاصة إذا اتفقا في الجنس والصفة سواء حل الأجل أو لم يحل اهـ.

قال رحمه الله تعالى عاطفاً على ما يجوز: " وبيع الحلي جزافاً بخلاف جنسه كتراب المعادن لا الدراهم والدنانير " يعني ويجوز بيع الحلي جزافاً كالخلخال والقرط

ص: 226

والسوار وغيرها مما يتزين به النساء سواء كان ذلك ذهباً أو فضة أو غيرهما، صحيحاً او مكسوراً، جيداً أو رديئاً فغنه يجوز بيعه جزافاً بغير جنسه وبشرط المناجزة. والجزاف مثلث الجيم وهو ما جهل قدره أو وزنه أو كيله أو عدده، وبعبارة: وهو المبيع من غير وزن ولا كيل ولا عد سواء من جنس ما يوزن أو يكال أم لا. قال في الرسالة: ولا بأس بشراء الجزاف فيما يكال أو يوزن سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكاً، وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز اهـ. والمعنى لا يجوز بيع الذهب والفضة جزافاً ما دامت مسكوكة، أما نقار الذهب والفضة أي قطعة من أحدهما فجائز بيعه جزافاً. من المدونة قلت: أيصلح أن أبيع الذهب جزافاً بالفضة جزافاً؟ قال مالك: لا بأس بذلك ما لم تكن سكة مضروبة، فإن كانت سكة مضروبة دراهم ودنانير فلا خير في ذلك؛ لأن ذلك يصير مخاطرة وقماراً إذا كان ذلك سكة مضروبة دراهم ودنانير اهـ. وفيها أيضاً: من اشترى فلوساً أي من نحاس بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو تبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز لأن الفلوس لا خير فيها نظرة أي تأخيراً بالذهب ولا بالورق. قال مالك: وليست بحرام بين وو لكن أكره التأخير. وقال فيها أيضاً: ولا يصلح الفلوس بالفلوس جزافاً ولا وزناً ولا كيلاً مثلاً بمثل يداً بيد، ولا إلى أجل، ولا يجوز إلا عدداً فلساً بفلس يداً بيد، ولا يصلح فلس بفلسين، ولا يداً بيدين إلى أجل. والفلوس في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم اهـ. قرة العين.

قال رحمه الله تعالى عاطفاً على ما يجوز: " وإبدال الناقص بالوازن معروفاً لا صرفاً " يعني يجوز مبادلة الناقص بالوازن إذا كان على وجه المعروف لا على وجه الصرف ولا وجه البيع كما يأتي، فإنه لا يجوز. قال العلامة ابن جزي: لا يجوز إبدال الدراهم الوازن بالناقص إلا على وجه المعروف إن تساويا في الجودة أو كان الوازن

ص: 227

أطيب، ولا يجوز إن كان الناقص أطيب لأنه خرج من المعروف. ومنعه الظاهرية مطلقاً اهـ. قال في أقرب المسالك: فشرط الجواز القلة ستة فأقل والعدد، وأن تكون الزيادة في الوزن فقط، وأن تكون السدس فأقل في كل دينار أو درهم، وأن يكون أي عقد المبادلة على وجه المعروف، وأن يكون بلفظ البدل دون البيع اهـ بإيضاح.

قال رحمه الله تعالى: " فإن وجد أحدهما زائفاً فرضي به وإلا بطل إلا أن يسميا لكل دينار ثمناً فيبطل فيه، فإن زاد المردود عليه ففي ثان. وقيل يبطل فيما قابل الزائف فقط " يعني كما في قرة العين نقلاً عن الدردير " مسألة " إن وجد أحد المتصارفين عيباً في دراهمه أو دنانيره من نقص عدد أو وزن أو غش بأن وجدها مخلوطة بنحاس مثلاً أو وجدها رصاصاً أو نحاساً خالصين، فإن كان ذلك بحضرة الصرف من غير مفارقة ولا طول في المجلس جاز له الرضا بما وجده مما ذكر وصح الصرف، وله عدم الرضا وطلب الإتمام في الناقص عدداً ووزناً، أو طلب البدل فيما وجد مغشوشاً، أو وجد رصاصاً أو نحاساً خالصين، ويجبر على الإتمام أو رد البدل من أباه إن لم تعين الدراهم والدنانير، فإن عينت من الجانبين كهذه الدنانير في هذه الدراهم فلا جبر، بل إما أن يرضى وإما أن يرد المعيب ويأخذ ما خرج من يده، وإن كان وجود العيب بعد مفارقة أو طول في مجلس، فإن رضي واجد الغش أو من وجدها نحو رصاص خالص صح الصرف، وإلا يرضى نقض الصرف وأخذ كل منهما ما خرج من يده، وأما إن وجدها ناقصة وزناً أو عدداً بعد مفارقة أو طول فإن الصرف ينقض مطلقاً رضي واجد النقص به أم لا، ومتى قلنا بنقض الصرف فالذي يتعلق به النقض أصغر الدنانير لا جميعاً إلا أن يتعدى النقص أصغر الدنانير فالأكبر هو الذي ينقض دون الأصغر، وأما إن تساوت في الصغر والكبر والجودة والرداءة فينقض واحد منهما ما لم يزد عليه موجب النقض فإن زاد فينقض دينار آخر وإن لم يستغرق المعيب جميعه، وإذا كان فيها أعلى وأدنى فيفسخ

ص: 228

الجميع على الأرجح ويأخذ كل واحد منهما ما خرج من يده، ثم إذا وجد أحد المتصارفين الغش فيما أخذه، أو وجده نحو رصاص وأراد البدل فيشترط فيه التعجيل لأنه إذا لم يعجل البدل يلزم عليه ربا النساء. ويشترط أيضاً أن يكون البدل من نوع المبدل فلا يجوز أن يأخذ بدل المعيب عرضاً لئلا يلزم عليه اجتماع البيع والصرف إلا أن يجتمعا في دينار فيجوز اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " لا بيعهما بأحدهما ولا أعلى وأدنى بدينارين وسطاً " الضمير في بيعهما راجع إلى الناقص والوازن من النقدين، المعنى: لا يجوز بيع الدينار الناقص بالوازن ولا الدرهم الناقص بالوازن لما فيه من دوران الفضل من الجانبين. قال خليل: والأجود أنقص أو أجود سكة ممتنع. قال الخرشي: أي والنقد الأجود جوهرية حالة كونه أنقص وزناً ممتنع إبداله بأردأ جوهرية كاملاً وزناً اتفاقاً لدوران الفضل من الجانبين؛ لأن صاحب الأجود يرغب للأدنى لكماله

وصاحب الأردأ الكامل يرغب للناقص لجودته، وكذلك يمتنع النقد الأجود سكة الأنقص وزناً برديء السكة الكامل الوزن لدوران الفضل من الجانبين لكن هذا مع الخلاف. قال الصاوي:

تنبيه: هل الأجود سكة أو صياغة كالأجود جوهرية فيدور الفضل بسببهما أو لا، الأكثر من أهل العلم عدم اعتبارهما، وأنهما ليسا كالجودة في الجوهرية فلا يدور بهما فضل خلافاً لما مشى عليه خليل اهـ. وقوله: ولا أعلى وأدنى بدينارين وسطاً، يعني لا يجوز بيع أعلى الدينار وأدناه في مقابل الدينارين أحدهما متوسط في الجودة والآخر دونه. وعبارة الدردير عند قول خليل لا أدنى وأجود أي بعضه أدنى من مقابله وبعضه الآخر أجود منه كمصري وبندقي يقابلان بمغربي فالمغربي متوسط والمصري أدنى والبندقي أعلى فيمنع لدوران الفضل من الجانبين اهـ وعبارة الخرشي: أي لا إن كان أحدهما أدنى والآخر أجود كدراهم

ص: 229

مغربية وسكندرية تراطل بمصري لأنه في فرضهم - أي عرفهم كما في الحاشية - أن في المغربية أجود والسكندرية أدنى والمصرية متوسطة فرب المصرية تغتفر جودتها بالنسبة لرداءة السكندرية نظراً لجودة المغربية، ورب المغربية تغتفر جودة بعضها لجودة المصرية بالنسبة للسكندرية، فلا يجوز لدوران الفضل من جانبين والظاهر ولو قل الرديء الذي مع الجيد وهو ما عليه ابن رشد والأكثر اهـ بحذف. قال الصاوي: والحاصل أن القواعد تقتضي منع المبادلة ولو تمحض الفضل من جهة واحدة لكن الشارع أباحها حينئذ بشروطها ما لم يخرجا عن المعروف بدوران الفضل من الجانبين اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ولا درهم وصاع بدرهمين وصاعين " يعني لا يجوز دفع درهم وصاع ليأخذ بدلهما درهمين أو يأخذ بدلهما صاعين قال العلامة الدردير: لا يجوز ذهب وفضة من جانب بمثلهما من الجانب الآخر ولو تساويا، إلى أن قال أو أحدهما وعرض من جانب، كدينار وثوب بمثلهما، أو درهم وشاه بمثلهما. ثم قال: اعلم أن قاعدة المذهب سد الذرائع فالفضل المتوهم كالمحقق، فتوهم الربا كتحقيقه فلا يجوز أن يكون مع أحد النقدين أو مع واحد منهما غير نوعه أو سلعة لأن ذلك يوهم القصد إلى التفاضل كما قاله ابن شاش، إذ ربما كان أحد الثوبين أقل قيمة من الدينار الآخر أو أكثر فتأتي المفاضلة. قال الصاوي: حاصله أن ما صاحب أحد النقدين من العرض يقدر من جنس التقد المصاحب له فيأتي الشك في التماثل، والمنع في هذه مطلق ولو تحقق تماثل الدينارين وتماثل قيمة العرضين. ثم قال: واعلم أن مالكاً منع الصورتين وأبا حنيفة أجازهما، وفرق الشافعي بينهما فأجاز الأولى ومنع الثانية، وتسمى عند الشافعية بمسألة درهم ومد

عجوة اهـ. قال ابن جزي: الفرع السادس لا يجوز زيادة غير الجنس كبيع مد بمد من صنفه ودرهم، فإن الدرهم تفاضل بينهما خلافاً لأبي حنيفة اهـ. فهذه النصوص دلت على عدم الجواز في المذهب في بيع درهم وصاع بدرهمين أو بصاعين.

قال رحمه الله تعالى: " ولا يضم إلى أحدهما غيره إلا أن يعجز يسيراً ولا كسور

ص: 230

لهم ولا يمكن كسر السكة فيدفع عوضه عرضاً " هذا صريح في عدم الجواز في المسألة التي قبلها مع زيادة الشروط في هذه عند العجز وعدم القدرة على أي حيلة شرعية. فيجوز حينئذ دفع العوض من غير جنس المبيع للضرورة؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات فافهم هذا. وأصل قول مالك في المدونة أن الفضة بالفضة مع إحدى الفضتين سلعة أو مع الفضتين جميعاً مع كل واحدة منهما سلعة من السلع إن ذلك باطل ولا يجوز اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ومن ثبت في ذمته نقد معين فبطل التعامل به لزمه مثله فإن عدم فقيمته " يعني كما قال خليل: وإن بطلت فلوس فالمثل، أو عدمت فالقيمة وقت اجتماع الاستحقاق والعدم. قال العلامة الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي مفتي السادة المالكية بمكة سابقاً في فتاويه المسمى بقرة العين:" ما قولكم " في الدراهم أو الدنانير أو الفلوس وهي الجدد النحاس ومثلها الخمسات والعشرات والعشرينات والقروش النحاس الموجودة في زماننا الآن إذا ترتب شيء من تلك المذكورات على آخر من قرض أو بيع ثم بطلت المعاملة بها أو تغير التعامل بها بزيادة أو نقص فأي شيء يجب في قضائها؟ ثم قال: " الجواب " الواجب قضاء المثل على من ترتبت في ذمته إن كانت موجودة في بلد المعاملة، ويجب المثل ولو كانت مائة بدرهم ثم صارت ألفاً بدرهم، أو بالعكس، وكذا لو كان الريال حين العقد بتسعين ثم صار بمائة وسبعين وبالعكس، وكذا لو كان المحبوب بمائة وعشرين ثم صار بمائتين، أو بالعكس. وهكذا. وإن لم تكن موجودة في بلد المعاملة. وإن وجدت في غيرها. فالواجب القيمة وتعتبر يوم الحكم، والظاهر أن طلبها بمنزلة التحاكم وحينئذ فتعتبر القيمة يوم طلبها فيدفع له قيمتها بعين مما تجدد وظهر، فيقال: ما قيمة العشرة دراهم التي عدمت بهذه الدراهم التي جددت؟ فيقال: ثمانية دراهم مثلاً، فيدفع المدين الثمانية مما تجدد، وإن قيل: اثنا عشر دفعها مما تجدد. وتعتبر القيمة في بلد المعاملة وإن كان القبض في غيرها. وهذا مقيد بما إذا لم يحصل من المدين مطل وإلا وجب

ص: 231

عليه ما آل إليه من المعاملة الجديدة الزائدة على القيمة، وإلا فالقيمة، فله الأحوط، كمن عليه طعام امتنع ربه من أخذه حتى غلا فليس لربه إلا قيمته يوم امتناعه. اهـ ملخصاً من شرح خليل.

قال رحمه الله تعالى: " ومن دفع درهماً ليأخذ ببعضه سلعة ويأخذ باقية جاز في نصفه فدونه إذا لم يمكن كسره، فإن كان يتعامل بالفلوس فالأولى التنزه " يعني كما قال ابن جزي في الفرع الرابع في رد البعض، وذلك أن يدفع للبائع درهماً فيشتري منه سلعة ببعضه ويرد عليه بعضه فيجوز ذلك بأربعة شروط، وهي: أن تدعوه لذلك ضرورة، وأن يكون ذلك في درهم واحد، وأن يكون المردود نصف الدرهم فأقل، وأن يقع التقابض في الدرهم وفي البعض المقبوض وفي السلعة، فإن تأخر أحد الثلاثة لم يجز. وقيل: لا يجوز مطلقاً اهـ. قال في قرة العين: مسألة، يجوز للشخص أن يدفع لآخر درهماً شرعياً أو ما يروج رواجه، سواء زاد وزن ذلك الرائج عن الشرعي أو نقص، فالزائد في الوزن كثمن ريال، والناقص كزلاطة بثمانية أي يدفع ما ذكر ليأخذ منه بنصف تلك الدراهم طعاماً أو فلوساً ويأخذ النصف الآخر فضة، وجواز هذه المسألة بشروط سبعة، أولها: أن يكون ذلك في درهم واحد، فلو اشترى بدرهم ونصف درهم لم يجز أن يدفع درهمين ويأخذ نصفاً. ثانيهما: أن يكون المردود النصف فدونه ليعلم أن الشراء هو المقصود. ثالثهما: أن يكون ذلك في بيع أو منفعة كإجارة أو كراء، وأما في غيره كقرض وصدقة فلا يجوز، مثاله في القرض عند الاقتضاء أي عند دفع ما عليه أن يدفع المقترض عن الدرهم الذي اقترضه نصف درهم وعرضاً فلا يجوز، ومثاله عند دفع المقرض للمقترض أن يدفع المقرض للمقترض درهماً والمقترض لا يريد إلا نصفه ويرد للمقرض الآن نصفه أو غير ذلك فلا يجوز. ومثاله في الصدقة أن يدفع شخص لآخر درهماً على أن يكون له نصفه صدقة ويرد للمتصدق النصف الآخر فضة فلا يجوز. ومثال الإجازة الجائزة أن تستأجر صانعاً على أن يصلح لك

ص: 232

دلواً مثلاً فتدفع له الدلو وبعد إصلاحه تدفع له درهماً كبيراً نصفه في مقابلة أجرته ويرد عليك الصانع النصف الآخر حالاً. وأما لو دفعت له الدرهم وأخذت منه نصفه وتركت دلوك عنده ليصلحه لم يجز؛ لأن من شروط الجواز انتقاد الجميع، ولا يكون ذلك إلا بعد تمام العمل. رابعهما: أن يكون المأخوذ والمدفوع مسكوكين. خامسها: أن يتعامل بالدرهم والنصف وإن كان التعامل بأحدهما أكثر من الآخر. سادسها: أن يكون الدرهم والنصف قد عرف الوزن فيهما بأن يكونا في الرواج هذا درهم وهذا نصفه ولو كان الوزن مختلفاً لأن أصل الجواز في المسألة الضرورة. سابعها: أن يعجل الدرهم والنصف والسلعة المشتراة بنصف الدرهم الآخر لئلا يلزم البدل المؤخر. ويستفاد من هذه الشروط عدم الجواز إذا كان بدل الدرهم ريالاً أو نصف ريال أو ربع ريال، ولكن أجاز بعضهم ذلك في الريال

الواحد أو نصفه أو ربعه للضرورة كما أجيز صرف الريال الواحد بالفضة العديدة كما تقدم اهـ ملخصاً من الدردير والدسوقي بتوضيح، انظر الحطاب.

قال رحمه الله تعالى: " والمنصوص كراهة التفاضل والنساء في الفلوس " أي في بعضها ببعض وحينئذ لا يحرم فيها التفاضل والنسيئة لأن الكراهة لا تنافي الجواز، لكن حمل بعض أئمة المذهب الكراهة على التحريم وأرجو أن يكون هو الراجح لقول مالك في المدونة: لا يجوز فلس بفلسين، ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة، ولا بالدنانير نظرة أي تأخيراً، وفيها أيضاً عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو لا يصلح في عاجل بآجل ولا عاجل بعاجل، ولا يصلح بعض ذلك ببعض إلا هاء وهات. وفيها أيضاً عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهما فضل أو نظرة، وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم. وعن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يداً بيد وقال يحيى بن سعيد: إذا صرفت درهماً فلوساً فلا

ص: 233

تفارقه حتى تأخذه كله اهـ. وتقدم نحوه عند قوله: وبيع الحلي جزافاً إلخ فراجعه إن شئت.

ولما أنهى الكلام على ربا النقدين وما يتعلق بهما من أحكام الصرف والمبادلة انتقل يتكلم على أحكام الربا في المطعومات وغيرها، فقال رحمه الله تعالى:

فَصْلٌ

أي في بيان ما يتعلق بأحكام الربا في المطعومات، أي في بيان جميع ما يتخذه الآدمي طعاماً ويطعمه من الربوي وغيره على الجملة، فتخل الفواكه والخضر والبقول والحلبة ولو يابسة فيمنع بعضه ببعض إلى أجل كما سينص عليه. ويجوز التفاضل ولو بالجنس الواحد في غير الربوي يداً بيد. وأما الربوي فلا يجوز فيه التفاضل في الجنس.

قال رحمه الله تعالى: " يحرم الربا في جميع المطعومات

حتى الملح والأبازيز إلا ما يتداوى به كالصبر والسقمونيا ونحوهما. ويشترط في بيع بعضها ببعض من التماثل والتناجز ما تقدم في النقد " يعني أن ربا الفضل والنساء يدخل في جميع المطعومات الربوية كالقمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعلس وجميع القطاني السبعة، والتمر والزبيب والتين على المشهور، كذوات الزيوت نحو زيتون كلها ربوية. ولا يجوز فيها النسيئة ولا التفاضل في الجنس الواحد كما

يأتي ذلك في محله على التفضيل. قال الدردير: وعلة ربا الفضل فيه أي الربوي اقتيات وادخار، كبر وشعير وسلت وهي جنس. وعلس وذرة ودخن وأرز، وهي أجناس. والقطاني، وهي أجناس. وتمر وزبيب وتين وهي أجناس. وذوات الزيت ومنها بزر الكتان، وهي أجناس كزيوتها، والعسول، بخلاف الخلول والأنبذة فجنس. والأخبار ولو بعضها من قطنية جنس إلا بإبزار وبيض وهو جنس، فتتحرى المساواة، ويستثنى قشر بيض النعام فإنه عرض، وسكر وهو جنس، ومطلق لبن وهو جنس. ولحم طير وهو جنس ولو اختلفت

ص: 234

مرقته، ودواب الماء وهي جنس، كمطلق ذوات الأربع وإن وحشياً. والجراد وفي جنسية المطبوخ من جنسين بإبزار خلاف. والمرق والعظم والجلد كاللحم، ومصلحه كملح وبصل وثوم وتابل من فلفل وكزبرة وكرويا وشمار وكمونين وآنيسون، وهي أجناس. وخردل. لا فواكه ولو أدخرت بقطر كتفاح ولوز وبندق ودواء وحلبة وبلح أصفر وماء. وجازا بطعام لأجل كالأدوية اهـ. وقوله رحمه الله: حتى ملح والأبازير جمع أبزار وهو من مصلحات الطعام كالتوابل. وقوله: إلا ما يتدواى به كالصبر. قال في المصباح: والصبر الدواء المر بكسر الباء في الأشهر وسكونها للتخفيف وقوله: والسقمونيا وهو اسم للدواء أيضاً. وفي المصباح والسقمونيا بفتح السين والقاف والمد معروفة، قيل يونانية وقيل سريانية.

قال رحمه الله تعالى: " والصحيح أن الماء ليس ربوياً " يعني أن الصحيح من أقوال الأئمة في المذهب أن الماء ليس بربوي بل ولا طعام سواء كان عذباً أو ملحاً وهما جنسان. قال الصاوي في حاشيته على أقرب المسالك: وأما بيع المالح بالحلو وعكسه فيجوز بأي حال لاختلاف الأجناس وعدم كونه ربوياً وطعاماً اهـ. قال النفراوي عند قول صاحب الرسالة إلا الماء وحده فيجوز بيع بعضه ببعض ولو متفاضلاً، كما يجوز بيعه بالطعام لأجل ولو ماء زمزم لأنه ليس من الطعام، ثم قال: واعلم أن الماء على قسمين: أحدهما: العذب وهو ما يمكن شربه ولو عند الضرورة، وهو جنس واحد. وثانيهما: الأجاج وهو ما لا يشرب لمرارته كالبحر المالح وهو جنس آخر فيجوز بيع أحد الجنسين بالآخر ولو متفاضلاً إلى أجل. وأما بيع الماء بماء من جنسه فإن كانا متساويين جاز ولو إلى أجل وأما عند اختلافهما بالقلة والكثرة فلا يجوز إلا يداً بيد، ويمتنع إلى أجل لأن القليل إن كان هو المعجل ففيه سلف جر نفعاً، وإن كان المعجل هو الكثير ففيه تهمة ضمان بجعل، وهكذا يقال في كل ما اتحد جنسه وهو غير ربوي اهـ.

ص: 235

ثم ذكر الربوي وما هو جنس منه أو أجناس، فقال رحمه الله تعالى: " فالبر

والشعير والسلت جنس، كالقطاني، والتوابل والدخن والذرة والأرز أجناس. والتمر جنس، كالزبيب. ولحوم ذوات الأربع جنس، إنسيها ووحشيها كالطير، ودواب الماء والجراد جنس. والأخباز كلها جنس. كالألبان والخلول والزيوت أجناس كأصولها " يعني كما تقدم أن الربوي بعضه متحد الجنس فلا يجوز التفاضل فيه، وبعضه أجناس يجوز فيه التفاضل إذا كان يداً بيد. وفي الحديث (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وفي الرسالة: وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يداً بيد. ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه. ثم قال: والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم. والزبيب كله صنف. والقطنية أصناف في البيوع. واختلف فيها قول مالك، ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحد. ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف. ولحوم الطير كله صنف. ولحوم دواب الماء كلها صنف. وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه. وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنف اهـ. ومثله في القوانين بزيادة إيضاح.

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز التفاضل في البقول إلا البصل والثوم " يعني أنه يجوز التفاضل في جميع البقول إلا في البصل والثوم فلا يجوز التفاضل في كل واحد من جنسيهما. قال في جواهر الإكليل: لا خلاف في ربوية الثوم والبصل وهما جنسان عند الإمام، ولم يظهر خلاف في الملح وهو جنس آخر اهـ. قال زروق في شرح الرسالة: ومن الإدام البصل والثوم، والمشهور ربويتهما اهـ. قال في المواق: قال ابن المواز: قال مالك: الثوم والبصل ك أي هما ربويان، بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك ييبس ويدخر فلا يصلح التفاضل في رطبه ولا يابسه. قال ابن حبيب: وهما جنسان مختلفان. اهـ قال الخرشي: البصل والثوم الأخضر واليابس يمتنع فيه التفاضل اهـ.

ص: 236

قال رحمه الله تعالى: " والمشهور منع الدقيق متفاضلاً، وجوازه متماثلاً وزناً لا كيلاً، ويعتبر التماثل بمعيار الشرع كالمكيال والميزان " يعني أن المشهور في المذهب منع بيع الدقيق بالدقيق متفاضلاً ويجوز متماثلاً وزناً يداً بيد، ويكون ذلك بمعيار الشرع كالمكيال والميزان المعروفين شرعاً، وكذلك يجوز بيع قمح ودقيق متماثلاً. قال خليل: وجاز قمح بدقيق، وهل إن وزنا تردد، واعتبر المماثلة بمعيار الشرع وإلا فبالعادة، فإن عسر الوزن جاز التحري إن لم يقدر على تحريه لكثرته اهـ. وعبارة الدردير على أقرب المسالك: وجاز قمح بدقيق وتعتبر المماثلة بالكيل

فيما يكال والوزن فيما يوزن، وبالتحري في غيرهما وزناً كالبيض اهـ. قال ابن جزي في الفرع الثاني: يجوز بيع الدقيق من صنف واحد إذا استويا في صفة الطحن، ومنعه الشافعي، وقال في الفرع الثالث: يجوز بيع الخبز بالخبز بالتحري من غير وزن، ومنعه الشافعي بالوزن والتحري اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز قسمة الخبز واللحم تحرياً عند تعذر الميزان ويسهم عليه " يعني كما تقدم آنفاً قول خليل، فإن عسر الوزن جاز التحري. ونقل الحطاب عن المصنف أنه قال في العمدة: ويجوز قسمة الخبز. واللحم ونحو ذلك على التحري عند تعذر الموازين ويسهم عليه اهـ. قال في أقرب المسالك: وجاز التحري فيما يوزن، فإن تعذر منع، أي فإن تعذر التحري فيما يجوز فيه التحري منع لكثرته جداً. قال أي الدردير: وحاصل النقل عن ابن القاسم أن كل ما يباع وزناً ولا يباع كيلاً مما هو ربوي تجوز فيه المبادلة والقسمة على التحري، وهو في المدونة في السلم الثاني منها، وكل ما يباع كيلاً لا وزناً مما هو ربوي فلا تجوز فيه المبادلة ولا القسمة بالتحري بلا خلاف. وأما غير الربوي فاختلف في جواز القسمة فيه والمبادلة على التحري على ثلاثة أقوال، الأول: الجواز فيما يباع وزناً لا كيلاً وهو لابن القاسم، والثاني: الجواز مطلقاً وهو لأشهب، والثالث: المنع مطلقاً أي وهو

ص: 237

الذي في كتاب السلم الثالث من المدونة اهـ منقول من الدردير والصاوي.

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز بيع المطعومات كيلاً أو وزناً وجزافاً لا ملء غرارة فارغة حباً أو قارورة زيتاً بخلافها مملوءة " يعني يجوز بيع جميع المطعومات مطلقاً، أي سواء كان ربوياً أم لا، كان مما يكال أو مما يوزن، كان البيع جزافاً ولو لم يكن في الكيل أو الوزن مشقة؛ لأن الكيل والوزن مظنة المشقة، وبعبارة: لأن العد متيسر لكل أحد بخلاف الكيل والوزن الشرعيين اهـ.

أما الجزاف فعرفه الدردير بقوله: وهو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملة بلا كيل ولا وزن ولا عد. والأصل فيه المنع للجهل، لكن أجازه الشارع للضرورة والمشقة، فيجوز بشروط سبعة وهي إن رئي ولم يكثر جداً، وجهلاه، وحزراه، أي خمنا قدره، واستوت أرضه، وشق عده، ولم يقصد أفراده إلا أن يقل ثمنهما كرمان فيجوز، وإلا أن يكون مكيالاً معلوماً حاضراً مرئياً مملوءاً فيجوز، لكن هذا لا يسمى بيع الجزاف. وأما قوله: لا ملء غرارة فارغة حباً إلخ فهذا مما اختلف فيه في الجواز وعدمه إذا كان جزافاً، والأرجح عدم الجواز في الغرارة الفارغة وجوازه في القارورة كما نص عليه بعض الأئمة. قال خليل: لا غير مرئي وإن ملء ظرف

ولو ثانياً بعد تفريغه إلا في كسلة تين أي وكسلة زبيب مما جرى العرف بجعله كالمكيال المعلوم فيجوز بيع ملئه فارغاً وبيع ملئه الحاضر مع ملئه ثانياً بعد تفريغه لأنه بمنزلة المكيال المعلوم. وفي المواق: سمع أبو زيد: لو واحد عنده سلة مملوءة تيناً فقال أنا آخذها منك بكذا وأملؤها ثانية بدرهم فهو خفيف، بخلاف غرارة القمح. وقال ابن يونس: وكذا عندي هذه القارورة المملوءة بدرهم ويملؤها له ثانية بدرهم فهو خفيف لأنه كالمرئي المقدر. ولو قال قائل في الغرارة ما بعد، ولكنه في القارورة أبين لأنه لا يختلف ملؤها فليس فيه كبير خطر، والغرر اليسير إذا

ص: 238

انضاف إلى أصل جائز جاز، بخلافه إذا انفرد اهـ انظر الحطاب.

قال رحمه الله تعالى: " ومن ملك طعاماً وزناً أو كيلاً بمعاوضة لم يجز أن يعاوض عليه قبل قبضه، ويجوز هبته وصدقته وقرضه ودفعه بدل مقترض كالإقالة والشركة والتولية بمثل الثمن " يعني كما في الرسالة ومن ابتاع طعاماً فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف. ثم قال: ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه. قال الشارح: وإنما جازت تلك المذكورات في طعام المعاوضة قبل قبضه لشبهها بالقرض في المعروف، لخبر أبي داود وغيره عنه عليه الصلاة والسلام:(من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شركة وتولية وإقالة) وهي ترك المبيع لبائعه بثمنه، لكن شرط أهل المذهب لجواز الإقالة من طعام المعاوضة قبل قبضه أن تقع من جميعه، وأما لو وقعت الإقالة من بعضه فلا تجوز إلا إذا كان رأس المال عرضاً يعرف بعينه مطلقاً أو كان عيناً أو طعاماً لم يقبض أو قبض ولم يغب عليه، أو غاب غيبة لم يمكن الانتفاع به فيها. وأما لو غاب به غيبة يمكنه الانتفاع به فيها لم تجز من البعض والطعام وغيره في ذلك سواء اهـ انظر النفراوي.

قال رحمه الله تعالى: " وصفة عقده كالموروث بعد استيفائه " يعني وصفة عقد بيع طعام المعاوضة كصفة العقد في بيع شيء موروث في أنه لا يتم ولا يلزم المشتري ضمانه إلا بعد الاستيفاء بالقبض. قال ابن جزي: فإن هلك المكيل أو الموزون بعد امتلاء الكيل واستواء الميزان وقبل التفريغ في وعاء المشتري فاختلف هل يضمنه البائع أو المشتري؟ فأجاب الشيخ أحمد الدردير بقوله: واعلم أن الصور هنا أربع: الأولى: أن يتولى البائع أو نائبه الوزن أو الكيل ثم يأخذ الموزون أو المكيل ليفرغه في ظرف المشتري فيسقط من يده أو يتلف فضمانه من البائع. الثانية: مثلها ولكن الذي تولى تفريغه في الظرف هو المشتري فضمانه من المشتري لأنه حين أخذه من الميزان أو المكيال ليفرغه في ظرفه فقد

ص: 239

تولى قبضه فضمانه

منه. قال ابن رشد باتفاق فيهما. ونازعه ابن عرفه في الأولى بوجود الخلاف فيها. الثالثة: أن يتولى المشتري الوزن أو الكيل والتفريغ فيسقط من يده فقال مالك وابن القاسم مصيبته من البائع ولم يقبض لنفسه حتى يصل لظرفه، وقال سحنون من المشتري. الرابعة: أن لا يحضر ظرف المشتري وإنما يحصل ذلك في ظرف البائع بعد وزنه أو كيله ليفرغه في ظرفه ببيته مثلاً فيسقط منه أو يتلف فضمانه من المشتري لأن قبضه بعد الفراغ من وزنه قبض لنفسه في ظرف البائع، ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره وليس فيه بيع الطعام قبل قبضه لأنه قد وجد القبض منه. هذا تحرير الفقه. قاله بعض المحققين اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ومستثنى معلوم من ثمرة " معطوف على ما بعد كاف التشبيه وهو الموروث المشبه به في جواز عقد بيعه بعد استيفائه، والمعنى يجوز لمستثن لشيء معلوم من ثمره كائنة في حائطه أن يقضي ما عليه من قرض، أو أن يدفعه قرضاً، أو يبيعه لغيره ولو لمشتري الحائط لأن المستثنى شيء معلوم لم يدخل في بيع الحائط وليس في ذلك توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض، فلم يؤد إلى بيع الطعام قبل قبضه، ولأن البائع ما باع ذلك الشيء المستثنى المعلوم بل تركه لنفسه، فله أن يفعل به ما شاء. قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن له أن يستثني من ثمر حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوز ذلك، وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك اهـ. انظر المنتقى للباجي.

قال رحمه الله تعالى: " وينزل من صار إليه منزلة المنتقل عنه " هذا ظاهر شامل لكل من انتقل إله التصرف سواء كان الانتقال بالإقالة أو التولية أو بالشراء أو القرض أو بغير ذلك فينزل من صار إليه منزلة المنتقل عنه في التصرف بالتمكن في ذلك كما تقدم.

ص: 240

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز بيع المبتاع جزافاً قبل نقله " يعني يجوز بيع الشيء المشترى جزافاً قبل نقله عن محل الشراء لأنه بالعقد دخل في ضمان المبتاع فيجوز له بيعه قبل نقله على المشهور، بخلاف المكيل أو الموزون فلا يجوز بيعه قبل قبضه كما تقدم في طعام المعاوضة إلا فيما استثنى فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " وما كانت آحاده مقصودة فلا يجوز بيعه جزافاً " يعني إذا كانت آحاد المبيع جزافاً هو المقصود بالشراء فلا يجوز بيعه جزافاً. قال العدوي على حاشية الخرشي: فإذا قصدت أفراده فلا يجوز إلا إن قل ثمنه. وقال الخرشي فإن قصدت الأفراد كالثياب والعبيد فلا يجوز بيعه جزافاً إلا أن يقل ثمن أفراد الشيء الجزاف أي كالبطيخ والأترج والرمان والقثاء والموز فلا يضر فيه قصد

قال رحمه الله تعالى: " بخلاف المقصود جملة " فيجوز بيعه جزافاً. قال رحمه الله تعالى: " بشرط جهلهما بكميته " كما قال خليل في شروط بيع الجزاف: وجهلاه، أي جهل العاقدان كيله أو وزنه أو عده. قال رحمه الله تعالى:" فما علمه البائع فإن كتمه ثبت الخيار وإن أخبره فصدقه ثم وجد نقصاً فإن كان يسيراً فلا مقال له وإن كان كثير وثبت فله الرجوع " وقوله: وإن كان كثير إلخ كما في بيع الخيار. وعبارة مالك في الموطأ: ومن صبر صبرة طعام وقد علم كيلها ثم باعها جزافاً وكتم على المشتري كيلها فإن ذلك لا يصلح، فإن أحب المشتري أن يرد ذلك الطعام على البائع رده بما كتمه كيله وغره، وكذلك كل ما علم البائع كيله وعدده من الطعام وغيره ثم باعه جزافاً ولم يعلم المشتري بذلك فإن المشتري إن أحب أن يرد ذلك على البائع رده، ولم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك اهـ.

ص: 241