الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله تعالى: " ومن بلغ به المرض حد الحجر منع النكاح فإن صح قبل فسخه ثبت، فإن فسخ قبل البناء فلا مهر، وبعده يلزمه في ثلثه، ولا ميراث للصحيح فلو برئ لورث من الصحيح " يعني كما في الرسالة: ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ، وإن بنى فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها اهـ أنظر النفراوي. وقال في أقرب المسالك: ومنع مرض مخوف بأحدهما وإن احتاج أو أذن الوارث، وللمريضة بالدخول المسمى، وعلى المريض الأقل من ثلثه والمسمى وصداق المثل، وعجل بالفسخ إلا أن يصح المريض منهما. ومنع نكاحه الكتابية والأمة على الأصح اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ثم كل نكاح أجمع المسلمون على بطلانه فالفرقة فيه فسخ، وما اختلف فيه فبطلاق " قد تقدم لنا الكلام في هذه الجملة عند قول المصنف: والنكاح المختلف فيه كالصحيح، فراجعه إن شئت.
ولما أنهى الكلام على ما تقدم ذكره من المحرمات انتقل يتكلم على الخيار بين الزوجين إذا اطلع أحدهما على عيب في الآخر. فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في بيان العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين
أي في بيان ما يتعلق بالعيوب التي توجب الخيار بين الزوجين إذا لم يسبق بها علم قبل العقد، أو لم يعلم بها غلا عند الدخول والحال أنه لم يرض بها حين
علم بها. وأما إن دخل بها بعد العلم بالعيب فلا خيار له، وكذلك الزوجة إذا اطلعت على عيب الزوج على ما سيأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.
قال رحمه الله تعالى: " يثبت لكل الخيار بجهله بعيب الآخر حال العقد وطروه بعده لها دونه " يعني يثبت الخيار من أحد الزوجين بظهور عيب قبل العقد، أو بعده قبل الدخول، فإن طرأ بعد العقد لها الخيار دونه، وإن دخل ولم يعلم فله ردها كما مر آنفاً
والأصل في هذا الباب ما في جملة من الأحاديث الصحيحة، منها ما رواه أحمد والبيهقي والحاكم عن كعب بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضاً " أي برصاً " فانحاز عن الفراش، ثم قال: " خذي عليك ثيابك، ولم يأخذ مما آتاها شيئاً " اهـ. ومنها ما في الموطأ عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير، فإن شاءت قرت وإن شاءت فارقت. وفي رواية: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقاً كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها اهـ. وقال مالك: إنما يكون ذلك إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إذا كان الذي أنكحها ابن عم أو مولى من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذت من صداقها، ويترك لها قدر تستحل به اهـ. ومنها عن سعيد بن المسيب أنه قال: من تزوج المرأة فلم يستطع أن يمسها فإنه يضرب له أجل سنة، فإن مسها وإلا فرق بينهما اهـ. قال في غاية المأمول: فمن تزوج امرأة ومسها أي جامعها ولو مرة ثم عجز عن جماعها فلا تفريق بينهما لأن الإحصان يحصل بالوطء ولو مرة، أما إذا لم يجامعها ولو مرة بأن كان عنيناً لا تنتشر آلته. فلها رفع أمرها للحاكم الشرعي فيؤجله إلى سنة، فإن جامعها وإلا فرق بينهما. ويثبت الجماع وعدمه بإقرارهما فتلك العيوب تثبت الخيار للطرف الآخر إذا ظهر أنها كانت عند الزواج، وهل حدوثها بعده كذلك؟ يراجع كلام الفقهاء اهـ.
وحاصل ما هو مشهور في المذهب أن العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين بلغت إلى ثلاثة عشر عيباً، يشتركان في أربعة، ويختص الرجل بأربعة، وتختص المرأة بخمسة. قال رحمه الله تعالى:" وهو الجنون والجذام والبرص " هذا شروع في عد العيوب
التي بها الخيار. وهذه الثلاثة هي المشتركة بين الذكر والأنثى، ولم يذكر المصنف عذيطة وهي مما يشتركان فيها، وهي خروج الغائط عند الجماع وهو عيب يوجب الخيار، وملخصه أن ما أحدث من الجذام والجنون والبرص وكذلك العذيطة فإن كان بالزوجة فلا خيار وهو مصيبة نزلت عليه، فإن
كان بالزوج فلها الخيار لعدم صبرها بتلك العيوب لأن العصمة ليست بيدها بخلاف الزوج فإما أن يرضى أو يطلق. وقيل حدوث العيوب بالزوجة بعد العقد كحدوثها بالزوج. فله الخيار. والراجح ما تقدم اهـ الدردير بحذف. وإذا علمت هذا فاعلم أن الزوجة لها الخيار بهذه الأدواء قبل الدخول وبعده، وفي البرص بشرط أن يكون فاحشاً لا يسيراً والزوج كذلك على التفصيل المتقدم.
قال رحمه الله تعالى: " والحب والخصاء والحصر والعنة والاعتراض " هذه العيوب الأربعة مما يختص بها الزوج. والجب قطع الذكر والأنثيين معاً، فإنه موجب للخيار، وكذا مقطوع الأنثيين فقط إذا كان لا يمني وإلا فلا خيار به. ومما يوجب الخيار الخصاء وهو قطع الذكر دون الأنثتين فإنه موجب للخيار إذا وجدته كذلك ومما يوجب الخيار العنة، هي صغر الذكر بحيث لا يتأتى الجماع فإنها موجبة للخيار، ومثل الصغر في كونها موجبة للخيار الغلظ المفرط المانع من الإيلاج. وأما الطول فلا خيار به. وأما الحصر وهو لغة المنع والحبس، بمعنى الممنوع عن الجماع كالمحبوس فيرجع إلى معنى الاعتراض ولذا عبرنا بالعيوب الأربعة وإلا لكانت خمسة، وإنما اعتبرنا الحصر والاعتراض شيئاً واحداً للخيار لها اهـ معناه.
قال رحمه الله تعالى: " والقرن والرتق والعفل والبخر والإفضاء " هذه العيوب
الخمسة مما تختص بها الزوجة وتسمى عيوب الفرج، القرن وهو شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة يمنع لذة الجماع يكون لحماً غالباً فيمكن علاجه، وتارة يكون عظماً فلا يمكن علاجه، وللزوج به الخيار بين الرد والإمساك به. والرتق وهو انسداد مسلك الذكر بحيث لا يمكن الجماع معه إلا أنه إن انسد بلحم أمكن علاجه. وأما إن انسد بعظم فلا يمكن علاجه، وللزوج به الخيار بين الإقامة به والفراق. والعفل وهو لحم يبرز في قبل المرأة يشبه الأدرة ولا يخلو عن رشح، وقيل رعوة تحدث في الفرج عند الجماع وللزوج به الخيار. والبخر وهو نتن الفرج، وهو عيب وللزوج الخيار بخلاف نتن الفم فلا خيار له به. والإفضاء وهو اختلاط مسلك البول والذكر. وقيل اختلاط مسلك البول والغائط. وقيل سبيل الحيض والغائط واحد، وعلى كل هو عيب وللزوج به الخيار اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن أمكنته عالمة أو بنى بها عالماً فلا خيار، والفراق فيه بطلاق، ولا مهر قبل الدخول " وفي نسخة والفراق فيه طلاق بحذف الباء وتقدم أن علماً بالعيب قبل الدخول مسقط للخيار وتمكينها له بعد علمها بعيبه يسقط خيارها وبناؤه بعد علمه بعيبها يسقط خياره، فوقوع الطلاق قبل الدخول طلاق بائن لا مهر فيه، وأعلم أن المرأة إذا ردها زوجها بعيب وجده معها فلا صداق لها مطلقاً ردت قبل البناء أو بعده، أما قبل البناء فظاهر، وأما بعده فلأنها غارة ولكن لها ربع دينار حيث كان بعد البناء. قال في الرسالة: وترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج، فإن دخل بها ولم يعلم أدى صداقها ورجع له على أبيها، كذلك إن زوجها أخوها، وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه، ولا يكون لها إلا ربع دينار اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ففي الاعتراض لها مرافعته ليؤجل سنة للحر ونصفها للعبد " يعني للمرأة رفع أمرها للحاكم في الاعتراض أصاب زوجها ليضرب له
أجل سنة إن كان حراً، ونصف سنة إن كان عبداً. وفي المواق عن ابن عرفة: من ثبت اعتراضه ولم يكن وطئ امرأته ولو مرة. قال في المدونة وغيرها: يؤجل سنة لعلاجه اهـ وأما العبد فإنه يؤجل نصف السنة. قال المتيطي: الذي به الحكم أن أجل ذي رق نصف سنة. قال الخرشي يعني العبد المعترض الذي لم يتقدم منه وطء لزوجته أصلاً وهو مقر باعتراضه يؤجل نصف سنة ولو كان فيه شائبة حرية كالمدبر ونحوه بعد الصحة من يوم الحكم كالحر. واقتصر عليه صاحب المختصر. وقيل إن العبد يؤجل سنة كالحر اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويخلى بينهما فيصدق إن ادعى الوطء إن كانت ثيباً والبكر ينظرها النساء " يعني أن المعترض يخلى بينه وبين زوجته في محل واحد ولا يحجبه عنها، فإن ادعى أنه وطئها صدق إن كانت ثيباً، وفي يمينه قولان. وإن كانت بكراً لا يصدق حتى ينظرها النساء إن لم تصدقه لحيائها عن النطق بمثل هذا. قال الخرشي: أي صدق المعترض إن ادعى في السنة الوطء بيمينه بعد إقراره بالاعتراض وضرب الأجل على ظاهر المدونة اهـ. قال ابن ناجي في شرحه على الرسالة: وكل هذا ما لم يسبق من المعترض وطء وأما إن سبق فلا مقال لها. قال في النكاح الثاني من المدونة: من وطئ امرأته ثم حدث ما منعه من الوطء من علة أو زمانة، أو اعتراض عنها لا قول لامرأته اهـ ومثله في ميارة على العاصمية.
قال رحمه الله تعالى: " فإن أنقضى ولم يطأ فاختارت الفراق أجبر على طلقة " يعني لو ضرب له أجل ولم يطأ ولو مرة فاختارت الفراق فرق
بينهما إن شاءت، وإن امتنع عن الفراق أجبر عليه على طلقة بائنة ولها صداقها لإقامتها سنة في بيت الزوج. قال النفراوي: فإن انقضت السنة للحر والنصف للعبد ولم يطأ مع تصديقها له أو لم يحلف على الوطء مع إنكارها فرق بينهما طلقة بائنة إن شاءت الزوجة الفراق لأنه من حقها، فإن امتنع من الطلاق فهل يطلق الحاكم أو يأمرها بالطلاق ثم يحكم به؟ قولان، فلو رضيت
بعد الأجل بالإقامة مدة مع بقاء الاعتراض ثم أرادت القيام فلها ذلك من غير ضرب أجل. قال خليل: ولها فراقه بعد الرضا بلا أجل، بخلاف ما لو قالت رضيت بالبقاء معه من غير تقييد بمدة، أو قالت أقعد معه الأبد فليس لها فراقه بعد ذلك اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فلو عادت إليه لعاد خيارها بخلاف غيره " يعني فلو عادت زوجة المعترض إليه بعد الفراق لعاد خيارها بخلاف غيره ممن ليس مرضه باعتراض كالمجذوم ونحوه، ولا يعود لها الخيار بل يضرب لها أجل ثان كما في الخرشي. وفي الحطاب: قال ابن عرفة وسمع يحيى بن القاسم امرأة المعترض إن تزوجها بعد فراقها إياه بعد تأجيله فقامت بوقفه لاعتراضه فلها ذلك إن قامت في ابتنائه الثاني قدر عذرها في اختيارها له وقطع رجائها إن بان عذرها بأن يكون يطأ غيرها، وإنما اعترض عنها فتقول رجوت برأه اهـ قال المواق: روى من اعتراض فأجل سنة، فلما تمت قالت لا تطلقوني أنا أتركه لأجل آخر فلها ذلك، ثم تطلق متى شاءت بغير سلطان اهـ. قال الصاوي: حاصله أنها إذا رضيت بعد مضي السنة التي ضربت لها بالإقامة مدة لتتروى وتنظر في أمرها، أو رضيت رضاً مطلقاً من غير تحديد بمدة ثم رجعت عن ذلك الرضا فلها ذلك، ولا تحتاج إلى ضرب أجل ثان لأن الأجل قد ضرب أولاً بخلاف ما لو رضيت ابتداء بالإقامة معه لتتروى في أمرها بلا ضرب أجل ثم قامت فلا بد من ضرب الأجل. وهذا كله في زوجة المعترض كما علمت. وأما زوجة المجذوم إذا طلبت فراقه فأجل لرجاء برئه وبعد انقضاء الأجل رضيت بالمقام معه ثم أرادت الرجوع، فإن قيدت رضاها بالمقام معه أجلاً لتتروى كان لها الفراق من غير ضرب أجل ثان، وإن لم تقيد بل رضيت بالمقام معه أبداً ثم أرادت الفراق فقال ابن القاسم: ليس لها ذلك إلا أن يزيد الجذام. وقال أشهب: لها ذلك وإن لم يزد. وحكى في البيان قولاً لتقييد الخيار فيما سبق بعد الرضا اهـ.
تنبيه: إذا طلبت المرأة التأخير لمداواة عيبها قال النفراوي: ومحصله أنها إذا كان يمكن زوال عيبها بمعالجة فإنها تؤجل له مدة باجتهاد أهل الخبرة. قال خليل:
وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد، ولا تجبر عليه إن كان خلقة. قال شراحه: ولا مفهوم للرتقاء، بل ذات القرن والعفل مما يمكن مداواته كذلك ويلزم الرجل الصبر حيث لم يلزم على مداواتها حصول عيب في فرجها، كما أنها تجبر على ذلك إذا طلبه الزوج إذا كان لا ضرر عليها في المداواة، فالصور أربع للمتأمل اهـ. قال رحمه الله تعالى:" ولا رد بغير هذه العيوب إلا أن يشترط سلامة في العقد " يعني أن لا خيار بغير هذه العيوب أي ثلاثة عشر المتقدم ذكرها، وأما غيرها من العيوب فلا رد بها كالاعتراض بعد تقديم الوطء سليماً فلا خيار للمرأة وهي مصيبة نزلت بها، وكحصول أدرة له مانعة له من الوطء، أو حصل له هرم بعد الوطء فلا خيار بها للمرأة، اللهم إلا أن تخشى على نفسها الزنا فلها التطليق؛ لأن للمرأة التطليق بالضرر الثابت ولو بقرائن الأحوال اهـ النفراوي. وقال ابن جزي: وليس من العيوب التي توجب الخيار القرع، ولا السواد، ولا إن وجدها مفتضة من زنى على المشهور، ولا لعمى، والعور والعرج والزمانة ولا نحوها من العاهات إلا إن اشترط السلامة اهـ وكذلك لا رد بالبول على الفراش، ولا في الريح والاستحاضة والشلل، ولا بقطع عضو ولا بكثرة أكل، ولا نتن فم أو إبط، ولا بجرب، أو حب أفرنج من كل ما يعد عيباً عرفاً وهذه كلها لا يجب الخيار بواحدة منها إلا إن يشترط السلامة، فإن اشترطت فيعمل بها سواء عين ما شرطه أو قال كل عيب أو غير ذلك مما يعلم أنه اشترط فيعمل بها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وإذا غرت الكتابية بإسلامها أو الأمة بحريتها ثبت له الخيار " يعني كما قال ابن جزي في القوانين: فإذا قال العاقد زوجتك هذه المسلمة فإذا هي كتابية أو هذه الحرة فإذا هي أمة انعقد النكاح وله الخيار فإن أمسكها لزمه
الصداق المسمى، وإن فارقها قبل الدخول فلا شيء لها، وإن فارقها بعد الدخول فلها المسمى إلا أن يزيد على صداق المثل فيرد ما زاد. وإن تزوج العبد على أنه حر فالمرأة بالخيار اهـ. قال خليل: وإلا تزوج الحر الأمة والحرة العبد بخلاف العبد مع الأمة والمسلم مع النصرانية إلا أن يغرا اهـ أي إلا أن يغر كل منهما الآخر بأن تغر الأمة العبد بأنها حرة والعبد الأمة بأنه حر، أو الكتابية المسلم بأنها مسلمة أو المسلم الكتابية بأنه كتابي. ولا يحكم بردته بهذا فللمغرور الخيار في جميع ذلك اهـ انظر شراح خليل.
قال رحمه الله تعالى: " فلو ادعاه وأنكره السيد فالقول قوله " الضمير في ادعاه راجع إلى الغرور، والمعنى فلو ادعى العبد المغرور بأن الكتابية غرته بإسلامها، أو الأمة بحريتها فتزوجها وأنكره السيد في دعواه ورد النكاح لكان القول
للسيد لتعلق حقه على عبده، ولا ينبغي للعبد أن يتزوج بغير إذن سيده لأنه عبد مملوك لا يقدر على شيء. وتقدم أن العبد إن تزوج بغير إذن السيد فلسيده الرد والإجازة.
قال رحمه الله تعالى: " ولو تزوج معينة مجهولة الصفة فإذا هي أمة ثبت خياره لا كتابية " يعني أن لو رجلاً رأى امرأة مستترة مجهولة عنده فتزوجها بدون وصف، وبعد العقد تبين أنها أمة ثبت النكاح وله الخيار. وتقدم آنفاً في الكتابية والأمة اللتين غرتا. فراجع قول ابن جزي فيهما. وفي الرسالة: والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له. قال الشارح: وحاصله أنه إذا كان الغار أجنبياً وتولى العقد فلسيدها على الزوج جميع المسمى كقيمة الولد ثم يرجع على الأجنبي بالصداق لا قيمة الولد، أي إذا لم يخبر أنه غير ولي خاص وإنما تولى عقد النكاح بولاية الإسلام أو الوكالة، وإلا فلا رجوع. وأما إن كان الغار هو السيد فحكمه أن عليه - أي الزوج - الأقل من المسمى وصداق المثل كغرورها اهـ وقوله: لا كتابية أي الخيار له إن تبين أنها كتابية. قال خليل: بخلاف المسلم مع النصرانية يظنها مسلمة حال العقد ثم تبين أنها كتابية لأنها من
نسائه وهو من رجالها إلا أن يغر كل منهما الآخر فحينئذ يثبت الخيار للمغرور، وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله:" ولو غرها بكونه على دينها لثبت خيارها " يعني أن الخيار يثبت بالغرور لأحد الزوجين لا بكونها نصرانية في المسلم، ولو غر المسلم الكتابية لكان لها الخيار وبالعكس، فإذا ثبت الغرور ثبت الخيار لأحد الفريقين اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ويثبت للأمة بتحريرها تحت عبد لا بعتقه قبلها أو عتقهما معاً " يعني أن المعتقة تحت عبد لها الخيار، فإن اختارت نفسها فهو طلاق لا فسخ، وهل هو طلقة بائنة أو طلقتين؟ روايتان كما في المختصر من غير ترجيح، وعلى الأول أكثر الرواة. قال العدوي: وهي الراجحة، وإنما كانت بائنة لأنها لو كانت رجعية لما أفاد الخيار شيئاً اهـ. قال في الرسالة: الأمة المعتقة تحت العبد لها الخيار بين أن تقيم معه أو تفارقه، لما في الموطأ عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت:" كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث أنها عتقت فخيرت في زوجها " الحديث. وفي مسلم: " وكان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها " ولو كان حراً لم يخيرها اهـ قال ابن جزي: إن عتقت الأمة تحت عبد فلها الخيار، فإن اختارت الفراق فطلقة واحدة بائنة، ويكره لها الثلاث، فإن فعلت جاز وإن لم يدخل بها فلا صداق لها لأن الفراق من قبلها، ولا رجعة له إن أعتق في عدتها لأن الطلقة بائنة إلا إن شاءت وكان الطلاق واحداً، وإن لم تخبر
حتى عتق فلا خيار لها، وإن تلذذ بها بعد علمها بالعتق سقط خيارها عند الإمامين، ولا تعذر بالجهل خلافاً للأوزاعي. وقال أبو حنيفة: خيارها في المجلس، فإن قامت سقط. ولا خيار لها إن عتقت وهي تحت حر خلافاً لأبي حنيفة اهـ.
ولما أنهى الكلام على الخيار بين الزوجين بسبب العيوب انتقل يتكلم على إسلام الزوجين سواء من عباد الأوثان أو أهل الكتاب، فقال رحمه الله تعالى: