الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
أي في بيان ما يتعلق بذكر مهماته ومسائله من صداق وطلاق وعدة ورجعة وخلع وظهار ولعان وإيلاء ونفقة ورضاع وغيرها من المسائل. وهو باب مهم ينبغي زيادة الاعتناء به.
والنكاح لغة: حقيقة في الوطء مجاز في العقد. وأما اصطلاحاً فعلى العكس، أي حقيقة في العقد مجاز في الوطء. والأصل فيه الندب لما فيه من التناسل وبقاء النوع الإنساني وكف النفس عن الزنا الذي هو من الموبقات. فبدأ رحمه الله ببعض مسائله فقال:" يباح النظر لإرادة النكاح " يعني اتفق الأئمة على جواز نظر وجه المخطوبة وكفيها قبل نكاحها، بل قال بعضهم: إن النظر قبل العقد مندوب، لكن المعتمد جواز ذلك كما يفيده النقل، انظره في حاشية الخرشي. وفي الحديث عن أبي هريرة أنه قال:" كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً " رواه مسلم والنسائي. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " رواه أبو داود والشافعي والحاكم وصححه. وعن المغيرة أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " رواه النسائي والترمذي وحسنه. قال العلامة الشيخ منصور على في غاية المأمول: ففي هذه النصوص طلب النظر إلى المخطوبة، والمطلوب النظر إلى وجهها وكفيها فقط، فإن حسنهما يدل على بقية الجسم، وللزوجة أن تنظر من الرجل ذلك أيضاً. ومن لم يمكنه النظر بنفسه فليرسل من تنظرها وتصفها له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم لتنظر له امرأة يريد زواجها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وخطبة جماعة امرأة " معطوف على النظر يعني ويباح للجماعة أن يخطبوا امرأة في أول أمرها قبل ركونها أو وليها إلى أحد من الخطاب: قال ابن رشد في المقدمات: لا بأس أن يجتمع الاثنان والثلاثة وأكثر على خطبة المرأة. وقد روي أن جرير بن عبد الله البجلي سأل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن يخطب عليه امرأة من دوس ثم سأله مروان بن الحكم بعد ذلك أن يخطبها عليه، ثم سأله بعد ذلك ابنه عبد الله أن يخطبها عليه، فدخل على أهلها
والمرأة جالسة في قبتها عليها سترها، فسلم عمر فردوا السلام وهشوا له وأجلسوه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام ثم قال: إن جرير بن عبد الله البجلي يخطب فلانة وهو سيد المشرق، ومروان بن الحكم يخطبها وهو سيد شباب قريش، وعبد الله بن عمر يخطبها وهو من قد علمتم، وعمر بن الخطاب يخطبها، فكشفت المرأة عن سترها وقالت: أجاء أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قالت: قد زوجت يا أمير المؤمنين زوجوه فزوجوه إياها فولدت له ولدين اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإذا ركنت إلى أحدهم لم يجز لغيره إلا أن يرغب الأول عنها " لخبر: " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له " رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال في الرسالة: ولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه. وذلك إذا ركنا وتقاربا اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والصحيح أنه لا يفسخ ولكن يتحلل منه، فإن أبى عليه استغفر الله " يعني أنه قد كثرت أقوال العلماء في فسخ هذا النكاح وعدم فسخه. قال بعضهم: يفسخ قبل الدخول وبعده. وقال بعض: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده. وقال بعض: يفسخ ما لم يطل. وقال بعض: يفسخ ولو طال ولو ولدت الأولاد. فأجاب المصنف بقوله: والصحيح أنه لا يفسخ إلخ، يعني الصحيح من أقوال العلماء أنه لا يفسخ النكاح المذكور، وغاية الأمر أن يرضيه ويحلله فيما أرتكبه من فعل المنهي عنه، فإن حلله وسامحه فلله الحمد وإلا فليستغفر الله تعالى ويتب إليه عن مثل ذلك.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وينعقد بكل لفظ يدل على تأبيد ملك منافع البضع والاستيجاب ويكفي القابل قبلت " هذا شروع فيما ينعقد به النكاح من الصيغة وهي الإيجاب والقبول. وهي اللفظ الدال على إثبات النكاح، ينشأ من ولي وزوج أو وكيليهما. فالصيغة من الولي نحو أنكحتك أو زوجتك أو وهبتك، لكن لا بد في هذا الأخير أن يقرن بذكر الصداق المعين نحو وهبتك بنتي أو وليتي فلانة على أن تصدقها مائة دينار مثلاً أو ما اتفقا عليه، فإن لم يعين الصداق فلا ينعقد على المشهور. ذكره بهرام وقيل ينعقد وهو لابن القصار. أو يقول في صيغة الهبة وهبتها لك تفويضاً ويكون فيه صداق المثل. ولا ينعقد بغير هذه الثلاثة على المذهب، يعني أنكحتك أو زوجتك، أو وهبتك. فلو قال بعت، أو ملكت، أو أبحت أو حللت، أو أطلقت لك التصرف فيها، أو تصدقت، أو أعطيت، أو منحت، قاصداً بواحدة من هذه الصيغ النكاح، سواء سمى الصداق أم لا، وكذا
وهبت إذا لم يذكر الصداق. فالمذهب عدم الانعقاد. وهذا كله مرور على طريقة صاحب الشامل اهـ ومقتضى ما ذكره المصنف وما مشى عليه الأجهوري أنه ينعقد بواحدة من تلك الصيغ كلها إذا اقترن بذكر الصداق. قال خليل: وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة بأنكحت وزوجت، وبصداق وهبت. وهل كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة كبعث كذلك، تردد اهـ. وأما الصيغة من الزوج تكون بنحو قبلت ورضيت. هذا إذا كان الزوج هو القابل بنفسه. وأما وكيله فيقول قبلت له نكاحها، أو قبلت لفلان. ومثل اللفظ الإشارة للعاجز منهما كالأخرس اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والولي شرط وهو المسلم الذكر الحر المكلف الرشيد. واختلف في العدالة والأظهر أنها شرط كمال " وما ذكره من أن الولي شرط في النكاح مثله لابن جزي، خلافاً لما في المختصر من أن الولي ركن في النكاح وهو المشهور. قال خليل: وركنه ولي وصداق ومحل صيغة اهـ. فتحصل أن الولي ركن
على المشهور في المذهب، ومن صفته أن يكون مسلماً، فلا يزوج الكافر المسلمة، وأن يكون ذكراً فلا تصح ولاية الأنثى نفسها ولا على غيرها، وأما ولاية الزوج فلا يشترط فيها الذكورية. وأن يكون حراً فلا تصح ولاية العبد ومن فيه شائبة رق. ويفسخ ما عقده ولو بعد الدخول، ولها المهر المسيس. وأن يكون مكلفاً فلا ولاية لمجنون ولا لصبي وأن لا يكون محرماً بحج أو عمرة، فلا تصح ولاية من أحرم بأحدهما حتى يتم أركان نسكه كالزوجين. وأن يكون رشيداً فلا تصح ولاية السفيه إلا أن يكون إذا رأى وأذن له وليه. واختلف في العدالة، قال المصنف: والأظهر أنها شرط كمال، وهو كذلك على المشهور. قال الدردير: إذ فسقه لا يخرجه عن الولاية، فيتولى غير العدل عقد نكاح ابنته، أو ابنة أخيه، أو معتوقته إذا لم يوجد لها عاصب نسب اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وهي قسمان: نسب وهم العصبات فيقدم أقواهم تعصيباً " يعني أن الولاية تنقسم على قسمين الأول النسب، والثاني السبب، وسيأتي الكلام عليه. وأما النسب فيتولى العقد أقرب رجل للمرأة من عصبتها كما قال المصنف. وقال أبو محمد في الرسالة: والابن أولى من الأب، والأب أولى من الأخ، ومن قرب من العصبة أحق. وإن زوجها البعيد مضى ذلك. يعني أن الابن أولى بتزويج أمه من الأب على المشهور لا أقوى العصبة، وأنه أحق بموالي مواليها من الأب، وأولى بالصلاة عليها منه ولأن الأب يكون معه صاحب فرض، وابن الابن وإن سفل مثل الابن في ذلك اهـ أبو الحسن: فإن لم يكن لها أب فأخوها ثم ابنه، ثم الجد، فالعم، ثم ابن العم، يقدم الأقرب فالأقرب هكذا.
قال رحمه الله تعالى: " وللأب إجبار البكر وإن بلغت، والثيب الصغيرة وفي العانس قولان " يعني للأب إجبار ثلاث من بناته الأولى البكر ولو عانساً على المشهور إلا إذا رشدها، أو أقامت سنة ببيت زوجها ثم تأيمت فلا جبر له عليها، الثانية بنته الثيب الصغيرة بأن تأيمت ورجعت إليه قبل البلوغ، بعد أن أزال الزوج بكارتها
فله جبرها. الثالثة بنته المجنونة ولو كانت بالغاً ثيباً له جبر عليها، ولا كلام لولدها إن كان لها ولد رشيد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يمنعه الثيوبة بسقطة أو زناً كرجوع البكر قبل المسيس " يعني أن البكر إذا زالت بكارتها بعارض كسقطة أو زناً ولو تكرر، أو ضربة، أو حمل شيء ثقيل، أو بعود نحو ذلك فإن ذلك لا يمنع الأب عن إجبارها، بل له جبرها ولو عانساً. وفي الرسالة: وللأب رإنكاح ابنته البكر بغير إذنها وإن بلغت، وإن شاء شاورها.
قال رحمه الله تعالى: " وغيره بالإذن في البالغة العاقلة، فإذن البكر صماتها والثيب نطق " يعني أن غير المجبر لا يزوج امرأة إلا بإذنها إن كانت بالغة عاقلة. قال في الرسالة: ولا يزوج الثيب أب، ولا غيره إلا برضاها، وتأذن بالقول، وأما البكر فإذنها صماتها، كما في الحديث الصحيح عن مالك بإسناده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " اهـ رواه في الموطأ. قال رحمه الله تعالى: " والصحيح بطلان العقد على اليتيمة إلا أن يخاف عليها " قال الصاوي في حاشيته على الدردير. واعلم أن البنت إذا مات أبوها أو غاب وكفلها رجل، أي قام بأمورها حتى بلغت عنده، أو خيف عليها الفساد سواء كان مستحقاً لحضانتها شرعاً أو كان أجنبياً فإنه يثبت له الولاية غليها، ويزوجها بإذنها أن لم يكن لها عصبة، وهل ذاك خاص بالدنيئة وهو ظاهر المدونة، فلذا اقتصر عليه الشارح، أو حتى في الشريفة خلاف قلت هذا ما لم يكن حاكم شرعي وإلا فالحاكم هو ولي من لا ولي له كما في الحديث. قال ابن جزي في القوانين: وأما السلطان فيزوج البالغة عند عدم الولي أو عضله أو غيبته، ولا يزوج هو ولا غيره الصغيرة. وقيل: يجوز له وللقرابة تزويجها إن دعتها
ضرورة ومستها حاجة وكان مثلها يوطأ اهـ. قال العلامة الدسوقي: والحاصل أن بلوغها عشراً مطلوب لمراعاة القول الآخر وهو مذهب المدونة ومثله في الرسالة، لأن اليتيمة لا تزوج إلا إذا بلغت. وليس شرطاً يتوقف عليه تزوجها على القول الذي جرى به العمل بتزويجها، وكذلك مشاورة القاضي وإن كانت واجبة ليس شرعاً على ما علمت،
فلذا قال العدوي: المعتمد في هذه المسألة ما ارتضاه المتأخرون من أن المدار على خيفة الفساد، فمتى خيف عليها الفساد في مالها أو في حالها زوجت، بلغت عشراً أو لا رضيت بالنكاح أم لا، فيجبرها وليها على التزويج، ووجب مشاورة القاضي في تزويجها، فإن لم يخف عليها الفساد وزوجت صح النكاح إن دخل وطال. وإن خيف فسادها وزوجت من غير مشاورة القاضي صح إن دخل وإن لم يطل اهـ. هذا هو الحاصل في معنى قول خليل: إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشراً وشور القاضي، وإلا صح إن دخل وطال اهـ انظر شراحه وإليه أشار الناظم رحمه مولاه بقوله:
وزوجت يتيمة بالنطق
…
من كفئها بالنقد خوف الفسق
وشوور القاضي وعشراً بلغت
…
بمهر مثل عجلوه قد ثبت
قال رحمه الله تعالى: " فإن اجتمعوا قدم أرشدهم، فإن استووا فأسنهم، فإن استووا عقدوا جميعاً فإن عقد أحدهم مضى كعقد الأبعد، فإن تنازعوا فالسلطان، فإن عضل بعضهم عقد غيره كغيبة الأحق " يعني إذا تشاح الأولياء المتساوون في درجة واحدة كإخوة كلهم علماء نظر الحاكم فيمن يقدمه منهم، وإن لم يكن حاكم أقرع بينهم. وقيل يعقدون معاً وعليه المصنف. وفي حاشية الخرشي: فإن تنازعوا في العقد فيقدم السلطان أفضلهم، فإن تساووا فيه فأسنهم، فإن استووا فيه زوج الجميع. وهذا هو الذي يجب المصير إليه اهـ. وأما إن عضل عليها بعضهم فإن العاضل يسقط حقه فيزوجها غيره على كفئها أو السلطان. قال في المدونة: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له، أو
يكون لها ولي فيمنعها عضلاً لها فإذا منعها فقد أخرد نفسه من الولاية بالعضل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار " اهـ قال ابن جزي في القوانين: إن عضل الولي المرأة أمره السلطان بإنكاحها، فإن امتنع زوجها السلطان وذلك إذا دعيت إلى كفء وبصداق مثلها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولو أذنت لوليين فزوجها كل جاهلاً بعقد الآخر فإن ظهر عليه قبل البناء وجهل السابق فسخا، وإن علم ثبت، وإن دخل الثاني جاهلاً فاتت الأول " هذه هي المسألة التي تسمى بذات الوليين، هي امرأة أذنت لوليها في عقد نكاحها، فعقد كل منهما برجل بدون علم الآخر ولا سابق في العقد، فالحكم فيه الفسخ معاً، هذا ما لم يعرف السابق في الدخول وإلا فالسابق بالدخول أحق بها إن دخل وهو جاهل بالأول. قال في المدونة: وإذا وكلت المرأة كل واحد من ولييها فزوجها هذا من رجل وهذا من رجل فالنكاح لأولهما إذا عرف الأول، إلا أن يدخل بها الآخر فهو أحق بها أي ما لم يكن في عدة وفاة الأول حين دخوله بها فيفسخ لأنه ناكح في العدة، ولا يفسخ إذا طلق الأول قبل موته. وقبل تلذذه بها
لأنها في غير عدة اهـ مع طرف من المواق. قال ابن جزي: إن زوجها وليان من رجلين فالداخل من الزوجين أولى إذا لم يعرف السابف اهـ. قال الدردير: وإن أذنت لوليين فعقدا فللأول إن لم يتلذذ بها الثاني غير عالم، وإلا فهي له أي الثاني إن لم يكن عقده في عدة وفاة الأول ولم يتلذذ بها قبله أي قبل تلذذ الثاني فتحصل أن شروط كونها للثاني ثلاثة: أن يتلذذ بها غير عالم بأنه ثان، وأن لا يكون عقده في عدة الأول، وأن لا يسبقه الأول بالتلذذ بها. ثم قال وفسخ بلا طلاق إن عقدا بزمن واحد كنكاح الثاني إن شهدت بينة على إقراره فبل دخوله بها أنه ثان أي إذا شهدت بينة على الثاني أنه قبل دخوله عليها أقر على نفسه أنه ثان فإن نكاحه يفسخ بلا طلاق، وتكون للأول لأنه ثبت أنه تلذذ بها عالماً لا إن أقر بعد الدخول
فيفسخ بطلاق كجهل الزمن اهـ.
ثم ذكر القسم الثاني من قسمي ولاية النكاح فقال رحمه الله تعالى: " الثاني سبب " يعني الثاني من قسمي الولاية السبب وهما ما يتوصل به إلى أمر من الأمور، وهو غير النسب، وكل من حصل له سبب من أسباب الولاية تثبت له الولاية بذلك السبب سواء كان السبب وصية أو غيرها مما هو سبب ولاية كالعتق. ولما كان الوصي أقوى الأولياء، بدأ به رحمه الله تعالى:" فوصي الأب مقدم في البكر وفي الثيب إسوتهم، وذو الولاء عند عدم عصبة النسب، والمولاة تستخلف، ثم الحاكم، ثم العامة وهي ولاية الدين، فإن عقد مع وجود المجبر فباطل، ومع غيره يمضي في الدنية وفي غيرها للأخص الخيار " يعني أن وصي الأب مقدم على سائر الأولياء في تزويج البكر لأنه مجبر كالأب. قال خليل: وجبر وصي أمره أب به، أو عين له الزوج، وإلا فخلاف اهـ. قال ابن جزي في القوانين: وأما الوصي من قبل الأب ووصي فيقومان في العقد مقام الأب خلافاً للشافعي، وله الجبر والتزويج قبل البلوغ وبعده من غير استيمار إن جعل له الأب بذلك، وهو أولى من القرابة، واستحب بعض المتأخرين أن يعقد الولي بتقديم الوصي جمعاً بين الوجهين، فإن عقد الوصي جاز وإن لم يأذن الولي، وإن عقد الولي دون إذن الوصي جاز في الثيب لا في البكر. وأما الوصي من القاضي فيعقد بعد البلوغ لا قبله، ولا يجبر ويجب استيمارها، وإن كان الوصي امرأة استخلفت من يعقد اهـ. وأما قوله وفي الثيب إسوتهم يعني ينبغي للأفضل من الأولياء أن يتقدم في تزويج الثيب بإذنها ورضاها بالقول كما تقدم. ومما ينبغي الاعتناء به أن يقدم أولياء النسب على أولياء الولاء في المعتوقة. قال ابن جزي: وأما المولى فهو المعتق فيعقد على من أعتقها إن لم يكن لها عصبة، وتستخلف
المعتقة من يعقد على من أعتقها إن لم يكن لها عصبة. ولا ولاية للمولى الأسفل أي مع الأعلى اهـ. وممن يستحق ولاية النكاح بالسبب الحاكم، فيتقدم في تزويج البالغة عند عدم الولي أو
عضله أو غيبته، ولا يزوج هو ولا غيره الصغيرة على ما تقدم بيانه في ذلك فراجعه إن شئت. وأما الولاية العامة فهي آخر الرتبة في ولاية النكاح. قال ابن جزي: فتجوز في المذاهب إذا تعذرت الولاية الخاصة، فأما مع وجودها فقيل لا تجوز أصلاً وفاقاً لهم أي لجمهور الأئمة. وقيل تجوز في الدنية التي لا خطر لها وكل واحد كفؤ لها بخلاف غيرها اهـ. قوله بخلاف غيرها إشارة إلى الشريفة فإن زوجت مع وجود الولي الخاص فللولي أو الحاكم النظر في إمضائه ورده بحسبما تقدم، وأما مع وجود المجبر فيفسخ مطلقاً سواء دخل بها أو لم يدخل في الدنية أو الشريفة ولو أمضاه المجبر على المشهور إلا في حالة التفويض بأن شهدت البينة أن المجبر فوض جميع أموره له من إنكاح بناته وتصرف بماله فهذا إذا زوج فلا يفسخ ما عقد على بنات المجبر بشرط أن يكون المفوض عليه أباً للمجبر أو ابناً أو أخاً أو جداً، وأما إذا فوض الولي المجبر إلى أجنبي أموره فزوج بنته بدون إذنه غإنه لا يصح ويفسخ العقد ولو أجازه الولي. قال في فقه المذاهب: وكذلك إذا فوض إلى أقاربه المذكورين بإقراره فإنه لا يعتبر بل لا بد أن يكون التفويض بالبينة اهـ أنظره.
قال رحمه الله تعالى: " وللولي فيما يباح له تولي طرفي العقد بإذنها ورضاها به " يعني يجوز على الولي أن يتولى عقد نكاح وليته لنفسه على نفسها برضاها وإذنها. قال خليل: ولابن عم ونحوه تزويجها من نفسه إن عين بتزوجتك بكذا وترضى وتولي الطرفين اهـ. قال ابن جزي: الفرع الخامس يجوز لابن العم والمولى ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسها ويتولى طرفي العقد خلافاً للشافعي، وليشهد كل واحد منهم على رضاها خوفاً من منازعتها اهـ. قال بعضهم: ولا يحتاج لقوله قبلت لأن قوله تزوجتك فيه قبول. وقال تاشيخ سالم: قوله تزوجتك بكذ إيجاب وقبول من جانبه، وكأنه قال: تزوجنك وقبلت اهـ من حاشية الخرشي.
قال رحمه الله تعالى: " ومعين المرأة كفؤاً أولى من معين الولي " يعني إذا عينت
المرأة كفؤاً لها، وعين الولي كفؤاً غيره فكفؤها مقدم على كفئه. قال خليل: وعليه الإجابة لكفء، وكفؤها أولى، فيأمره الحاكم ثم زوج اهـ قال الخرشي: يعني أنه يجب على الولي غير الأب في البكر إجابة المرأة إلى كفء معين دعت إليه وهي بالغة لأنها لو لم تجب لذلك مع كونها مضطرة إلى عقده كان ذلك ضرراً بها، فإن دعا الولي إلى كفء غير كفئها أجيبت وكان كفؤها أولي من كفئه لأنه أدوم للعشرة فيأمره الحاكم أن يزوج من دعت إليه، فإن فعل فواضح وإن تمادى على الامتناع فيسأله عن وجهه، فإن رآه صواباً ردها إليه وإلا عد عاضلاً برد أول كفء، وحينئذ يزوجها الحاكم بعد ثبوت ثيوبتها عنده وملكها أمر نفسها، وإن المهر مهر مثلها وكفاءة الخاطب، وإن شاء رد العقد لغير العاضل من الأولياء إن كان اهـ بحذف.
قال رحمه الله تعالى: " والكفاءة الدين، فالمنصوص أن المولى والعبد كفء للحرة العربية " يعني أن الكفاءة تعتبر بالدين والحال ولا تعتبر بالمال والنسب ولا بالحرية على المنصوص في المذهب. فالحرة وذات مال وجاه لها ترك حقها من الكفاءة وتزوج بالعبد والفقير إذا اتفقت هي ووليها. قال خليل: والمولى وغير الشريف والأقل جاهاً كفء. قال الخرشي: يعني أن كل واحد من هذه الثلاثة كفء لمن هو دونها في المرتبة، فالمولى أي العتيق كفء للعربية، وغير الشريف كفء للشريفة، والأقل جاهاً كفء لمن هو أقوى منه جاهاً اهـ ثم قال: وفي العبد تأويلان. وقد علمت أن لها وللأولياء ترك الكفاءة. انظر الحطاب. وأما كون الزوج غير فاسق وهو أيضاً حق المرأة والأولياء معاً. فإن اتفقت معهم على أن تتزوج فاسقاً جاز وقد ظلمت هي وأولياؤها أنفسهم، هذا بشرط الأمن على نفسها منه، فإن لم يؤمن عليها فيجب على الحاكم رد النكاح ولو رضيت هي ووليها لأنه صار الحق لله تعالى لوجوب حفظ النفوس، ولا يلتفت لرضاها ورضا وليها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وهو حق للمرأة والولي فيجوز اتفاقهما على تركها " يعني أن الكفاءة حق المرأة والأولياء، فإن اتفقت معهم على تركها ماعدا الإسلام جاز، وأما الإسلام فلا يجوز لأحد من الأولياء ولا المرأة تركها إجماعاً لأن الإسلام شرط صحة في نكاح المسلمة.
قال رحمه الله تعالى: " ولا ولاء لمسلم على كافرة إلا للسيد في أرقائه فله إجبارهم ولا يجبر هو " يعني أنه لا يجوز أن يكون المسلم ولياً في عقد نكاح الكافرة لقوله تعالى: {ما لكم من ولايتهم من شيء} [الأنفال: 72] إلا ما استثني للسيد في أرقائه فيجوز له تزويجهم وإجبارهم على ذلك سواء كانوا ذكوراً أو أناثاً، ولا يجبر على السيد في ذلك. قال الخرشي: والمعنى أن المسلم إذا كانت له أمة كافرة أو معتقة كذلك، فإنه يجوز له أن يزوجها بشرط أن تكون المعتقة من غير نساء الرجال الذين يؤدون الجزية بأن أعتقها وهو مسلم ببلاد الإسلام فله تزويجها لمسلم أو كافر إن كانت كتابية، فإن كانت من نساء أهل الجزية بأن أعتقها مسلم ببلدهم أو أعتقها كافر ولو ببلد الإسلام ثم أسلم فلا يزوجها إلا أن تسلم اهـ مع طرف من الإكليل.
قال رحمه الله تعالى: " فإن تزوج العبد بغير إذن سيده فله إجازته، لا الأمة ثم ليس له منعه الرجعة ولا إجباره على الفرقة، ولا ينفسخ ببيعه " يعني إن تزوج العبد بغير إذن السيد فالحكم فيه في يد سيده، وأما الطلاق فليس للسيد فيه مدخل. قال في الرسالة: ولا نكاح لعبد ولا لأمة إلا أن يأذن السيد. وقال أيضاً: والطلاق بيد العبد دون السيد اهـ. قال خليل: وللسيد رد نكاح عبده بطلقة فقط بائنة إن لم يبعه. يعني فإن باعه فليس له رد نكاحه لخروجه عن ملكه وليس للمشتري رده أيضاً لسبق النكاح لملكه إلا إذا رد العبد لبائعه حين ما اشتراه بغير علم بأنه متزوج فله رده اهـ. قال ابن جزي: فإن تزوج العبد بغير إذن سيده فإن شاء السيد أجازه أو فسخه