الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام المساقاة
ولما أنهى الكلام على الشركة وما يتعلق بها انتقل يتكلم على المساقاة وأحكامها فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في المساقاة وأحكامها
أي في بيان ما يتعلق بالمساقاة. وهي عقد بين اثنين على القيام بمؤونة شجر أو نبات بجزء من غلته بصيغة نحو ساقيت، أو لفظ عاملت وهي مستثناه مما نهي عنه وحكمها الجواز. قال رحمه الله تعالى:
" تجوز المساقاة على أصول الثمرة ولو قبل ظهورها إلا بعد بدو الصلاح " يعني أن المساقاة جائزة على أصول الأشجار الثابتة. قال ابن جزي: تجوز في الأصول الثابتة كالكرم والنخل والتفاح والرمان وغير ذلك بشرطين: الأول أن تعقد المساقاة قبل بدو صلاح الثمرة والثاني أن تعقد إلى أجل معلوم.
وتجوز في الأصول غير الثابتة كالمقاثي والزروع بأربعة شروط: الشرطان المذكوران، والثالث أن تنعقد بعد ظهوره من الأرض، والرابع أن يعجز عنه ربه اهـ. قال في الرسالة: والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الأجزاء. والعمل كله على المساقي، ولا يشترط عليه عملاً غير عمل المساقاة، ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من شد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي مجتمع الماء، من غير أن ينشئ بناءها، والتذكير على العامل، وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية مناقع الشجر، وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل. ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب، وما مات منها فعلى ربه خلفه ونفقة الدواب والأجزاء على العامل، وعليه ذريعة البياض اليسير، ولا بأس أن يلغى ذلك للعامل وهو أحله، وإن كان البياض كثيراً لم يجز أن يدخل في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وعلى الزروع والبقول بعد ظهورها " يعني ويشترط في جواز المساقاة على الزروع والبقول أن تكون بعد ظهورها من الأرض لا قبل ذلك كما تقدم بيان ذلك لابن جزي. قال مالك في الموطأ: والمساقاة أيضاً تجوز في الزرع إذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه. فالمساقاة في ذلك جائزة اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وهي أن يعمل العامل على جزء من الثمرة، وعليه السقي والإبار والجذاذ، وقطع الجريدة، ونفقة العمال، وعلوفة الدواب، وإصلاح
القف ومناقع الشجر " والقف ما ارتفع وغلظ من الأرض وهو دون الجبل، والجمع قفاف كما في المصباح. وينبغي أن يراد به هنا القفة التي تصنع بالخوص كالزنبيل الذي يطرح به القمامة، وأما القف الذي بمعنى ما ارتفع من الأرض فإصلاحه من الأعمال التي لا يشترط على العامل، فتأمل. وقوله ومناقع الشجر، وفي نسخة ومنافع الشجر بالفاء وهي ثابتة في جميع النسخ التي بأيدينا، لكن الأصح أنها بالقاف كما في الرسالة. قال زروق في شرحه على الرسالة: ومنقع الماء مجتمعه في أصول الشجر. وقال النفراوي في الفواكه: والمناقع جمع منقع بفتح القاف: موضع يستنقع فيه الماء. والمراد كنس أماكن الماء الكائن في أصول الشجر بأن يحفر حول الشجر ليحبس فيه الماء اهـ.
وحاصل ما في المقام كما قال مالك في الموطأ: والسنة في المساقاة عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو فرسك أو ما أشبه ذلك من الأصول، جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر من ذلك أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل. وقال قبل هذا أيضاً: والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على
المساقي شد الحظار، وخم العين، وسرو الشرب، وإبار النخل، وقطع الجريد، وجذ الثمر، هذا وأشباهه على أن للمساقي شطر الثمر أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه، غير أن صاحب الأصل لا يشترط ابتداء عملاً جديداً يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها، أو عين يرفع رأسها، أو غراس يغرسه فيهايأتي بأصل ذلك من عنده، أو ضفيرة يبنيها تعظم فيها نفقته، وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس ابنِ لي ها هنا بيتاً أو احفر لي بئراً، أو أجر لي عيناً أو اعمل لي عملاً بنصف ثمر حائطي هذا قبل أن يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه، فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " لا بناء حائط، وحفر بئر، وغرس شجر، وخلف دابة " يعني لا يلزم على العامل بناء الحائط ولا حفر البئر ولا غرس الشجر، ولا خلف الدابة إذا ماتت، ومثل الدابة الرقيق. قال مالك في الموطأ: ومن مات من الرقيق أو غاب أو مرض فعلى رب المال أن يخلفه اهـ. قال ابن جزي: المسألة
الثالثة: العمل في الحائط على ثلاثة أقسام: أحدها ما لا يتعلق بالثمرة فلا يلزم العامل بالعقد، ولا يجوز أن يشترط عليه. الثاني: ما يتعلق بالثمرة ويبقى بعدها كإنشاء حفر بئر أو عين أو ساقية أو بناء بيت يخزن فيه التمر أو غرس فلا يلزمه أيضاً، ولا يجوز أن يشترط عليه. الثالث: ما يتعلق بالثمرة ولا يبقى فهو عليه بالعقد كالحفر والزبر والتقليم والسقي والتذكير والجذاذ وشبه ذلك. وأما سد الحظار وهو تحصين الجدار وإصلاح الضفير وهو مجرى الماء إلى الصهريج فلا يلزمه، ويجوز اشتراطها عليه لأنه يسير، وعليه جمع المؤن من الآلات والأجزاء والدواب ونفقتهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتجوز سنين، وتنتهي السنة بالجذاذ، ولا تنفسخ
بالموت " يعني أن المساقاة جائزة في مدة السنين بشرط أن تكون المدة معلومة، وأن لا تكثر جداً. قال مالك في الموطأ: والأمر عندنا في النخل أيضاً أنها للساقي السنين الثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر. قال: وذلك الذي سمعت، وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل ويجوز فيه لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل اهـ. وقال في المدونة: وإنما المساقاة إلى الجذاذ، والمعنى - والله أعلم - أن المساقاة تجوز سنين، وتنتهي السنة بالجذاذ. وإذا تم الجذاذ بعد السنة وقبل انقضاء المساقاة أنها لم تنفسخ ما لم تكثر المدة جداً فتنفسخ للغرر كما هو مفهوم من المدونة. قال ابن القاسم: لا تنقض المساقاة بموت واحد منهما. قال وهو قول مالك اهـ. المدونة، أي لا تنفسخ بموت أحد العاقدين، بل قام مقام الميت كل من ورثته كما في القراض.
قال رحمه الله تعالى: " والبياض لربه وللعامل اشتراطه إن كان أجرته مثل ثلث الثمرة فدونه ولربه أن يشترط من زرعه جزءاً موافقاً لحصته من الثمرةو الله أعلم " يعني كما تقدم نص عليه صاحب الرسالة بقوله: وعليه زريعة البياض اليسير إلخ. قال ابن جزي: المسألة الخامسة إن كان مع الشجر أرض بيضاء فإن كان البياض أكثر من الثلث لم يجز أن يدخل في المساقاة ولا أن يلغى للعامل، بل يبقى لربه، وإن كان أقل جاز أن يلغى للعامل وأن يدخل في المساقاة. وأجاز ابن حنبل دخوله في المساقاة مطلقاً اهـ. قال مالك: إذا كان البياض تبعاً للأصل وكان الأصل أعظم ذلك أو أكثره فلا بأس بمساقاته، وذلك أن تكون النخل الثلثين أو
أكثر ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك. وذلك أن البياض حينئذ تبع للأصل. وإذا كانت الأرض البيضاء فيها نخل أو كرم أو ما يشبه ذلك من الأصول فكان الأصل الثلث أو أقل والبياض الثلثين
أو أكثر جاز في ذلك الكراء وحرمت فيه المساقاة، وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض، وتكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل اهـ. انظر نظائره في الموطأ.
تتمة: إذا وقعت المساقاة فاسدة وجب فسخها قبل العمل مطلقاً وإن لم نطلع على فسادها إلا بعد الشروع في العمل فيفسخ أيضاً في باقي المدة إن كان الواجب أجرة المثل وذلك فيما إذا كان الفساد بسبب زيادة عين أو عرض لأحدهما على الآخر. وأما لو كان الواجب فيها مساقاة المثل فتمضي بالشروع في العمل، وذلك فيما إذا كان فسادها لحصول غرر أو نحوه من كل ما يفسدها ولا يخرجها عن المساقاة كمساقاة حائط حل بيعه ما لم يحل بيعه، أو حائط بلغ أو أن الإثمار مع ما لم يبلغا ولا تبعية في الصورتين اهـ. النفراوي. ومثله لابن جزي.
ولما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمساقاة انتقل يتكلم على الرهن والوكالة وما يتعلق بهما. فقال رحمه الله تعالى: