الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيمضي ما حكما به " يعني كما قال خليل: وبتعديه زجره الحاكم، وسكنها بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم. وإن أشكل بعث حكمين اهـ هذا هو معنى قوله تعالى:{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلحاً يوفق الله بينهما} {النساء: 35} الآية. قال في المدونة: الأمر الذي يكون فيه الحكمان إنما ذلك إذا فتح ما بين الرجل وامرأته حتى لا يثبته بينهما بينة ويستطاع أن يتخلص إلى أمرهما، فإذا أبلغا ذلك بعث الوالي رجلاً من أهلها ورجلاً من أهله عدلين فينظرا في أمرهما واجتهدا، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما، وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام. وإن رأيا أن يأخذ من مالها حتى يكون خلعاً فعلاً اهـ. وفيها أيضاً: فإذا كان ذلك منهم هل يجوز أن يجتمعوا إلى رجل واحد ويكون بمنزلة الحكمين لهما جميعاً؟ قال مالك: نعم إذا كان يستأهل أن يكون ممن يجعل ذلك إليه، ليس بنصراني، ولا بعبد، ولا صبي، ولا امرأة، ولا سفيه، فهؤلاء لا يجوز منهم اثنان فكيف واحد اهـ. واعلم أن كون الحكمين من الأهلين عند وجودهما واجب عند مالك، ومندوب عند الشافعي كما في الصاوي.
ولما أنهى الكلام على القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك من الأحكام انتقل يتكلم على الغائب عن زوجته فأكثر وانقطع عنه الخبر، فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في بيان أحكام المفقود والغائب عن زوجته
أي في بيان أحكام الغائب ويسمى بالمفقود وهو الذي غاب عن أهله وفقدوه حتى انقطع خبره. وفي حديث عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: أيما امرأة فقدت زوجها لم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تحل رواه مالك. وقال ابن المسيب، رضي الله عنه: إذا فقد في الصف في القتال تتربص امرأته
سنة. وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خبره فسنته سنة المفقود اهـ. رواه البخاري.
قال رحمه الله تعالى: " إذا غاب الزوج غيبة منقطعة فلم تعلم حياته فلها رفع أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين " اعلم أن المفقود له أربع أحوال: الأولى مفقود في بلاد المسلمين. الثانية مفقود في بلاد العدو. الثالثة مفقود في صف المسلمين في قتال العدو. الرابعة مفقود في الفتن بين المسلمين والعياذ بالله. انظر تفصيل جميع ذلك في المقدمات لابن رشد، ومثلها في ابن جزي. قال خليل: ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء، وإلا فلجماعة المسلمين، فيؤجل الحر أربع سنين إن دامت نفقتها، والعبد نصفها من العجز عن خبره ثم اعتدت كالوفاة اهـ. قال في الرسالة: والمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك إلى السلطان وينتهي الكشف عنه، ثم تعتد كعدة الميت، ثم تتزوج إن شاءت، ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن علم موضعه كاتبه بالمجيء، أو نقلها، أو الطلاق، وإلا أمرها بعدة الوفاة وأبيحت للأزواج " نقل الحطاب عن المتيطية قال: اعلم أن الغائبين على أزواجهم خمسة، إلى أن قال: الرابع غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته، وهو مع ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان إما أن يقدم، أو يحمل امرأته إليه، أو يفارقها وإلا طلق عليه. والخامس الغائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته عليه، وهو مع ذلك معلوم المكان، فهذا هو المفقود اهـ باختصار. قال ابن جزي: فأما المفقود في بلاد المسلمين فإذا رفعت زوجته أمرها إلى القاضي كلفها إثبات الزوجية وغيبته، ثم بحث عن خبره وكتب في ذلك إلى البلاد، فإن وقف له على خبر فليس بمفقود ويكاتبه بالرجوع أو الطلاق، فإن أقام على الإضرار طلق عليه. وإن لم يقف له على خبر ولا عرفت حياته من م 00 وته ضرب له أجلاً من أربعة أعوام للحر، وعامين للعبد من يوم ترفع أمرها، فإذا انقضى الأجل
اعتدت عدة الوفاة ثم تزوجت إن شاءت. قال أبو حنيفة والشافعي لا تحل امرأة المفقود حتى يصح موته اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن ظهر قبل نكاحها فهو على نكاحه، وبعده تفوت بالدخول لا بالعقد على الأصح " قال ابن جزي: إن جاء زوجها في الأجل أو في العدة أو بعدها قبل أن تتزوج فهي امرأته، وإن جاء بعد أن تزوجت فإن كان الثاني دخل بها فهي له دون الأول وإن لم يدخل بها فقولان اهـ. قوله فقولان فالأصح ما قاله المصنف من قوله وبعده تفوت بالدخول لا بالعقد. قال خليل: فإن جاء أو تبين أنه حي أو مات فكالوليين، ومعلوم أن ذات الوليين تفوت بدخول الثاني غير عالم بالأول، انظر شراحه. قال النفراوي: فإن جاء أو تبين أنه حي، أو مات وهي في عدتها، أو بعدها وقبل العقد، أو بعد العقد وقبل الدخول، أو بعد الدخول ولكن علم المتزوج بها بأن زوجها المفقود جاء، أو لم يعلم لكن كان عقده فاسداً مجمعاً على فساده فلا تفوت على المفقود في هذه الصور، بخلاف ما لو جاء أو تبين أنه حي أو مات بعد تلذذ الثاني بها غير عالم في نكاح صحيح، أو يفوت بالدخول فإنها تفوت على المفقود اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتقع به طلقة حكماً قبل العدة " يعني تقع طلقة واحدة حكماً بالشروع في العدة أي قلا تمامها وبعد تمام الأجل المضروب، ويتحقق بدخول الزوج الثاني.
قال رحمه الله تعالى: " فإن كان قد بنى بها فلها مهرها، وإلا فنصفه، فإذا ثبت موته أكمل لها مهرها لأن الموت كالدخول. قال الصاوي في أقرب المسالك: فالحاصل أنه يقدر وفاته لأجل أن تعتد عدة وفاة ويكمل لها الصداق، ولا نفقة لها في العدة، ويقدر طلاق لأجل أن تفوت على الأول بدخول الثاني، ولحليتها للأول
إذا كان طلقها طلقتين قبل فقده بعصمة جديدة فتأمل اهـ قال النفراوي: وليس لها بعد انقضاء العدة البقاء في عصمة المفقود لأنها أبيحت لغيره، ولا حجة لها في أن يكون أحق بها إن قدم لأنها على حكم الفراق حتى تظهر حياته، إذ لو ماتت بعد العدة لم يوقف له إرث منهما اهـ. ومثله في المواق.
قال رحمه الله تعالى: " ولا تقسم تركته إلا بتيقن موته، أو مضي ما لا يعيش إلى مثله غالباً، قبل تمام سبعين سنة، وقيل ثمانين " يعني كما في النفراوي أن المفقود في بلاد الإسلام ـ لأن الكلام فيه ـ لا يورث ماله حتى يتحقق موته، أو يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله، وهي مدة التعمير، واختلف فيها العلماء قيل تمام السبعين، وقيل ثمانين، وقيل تسعين، وقيل مائة سنة، وقيل مائة وعشرين. قال خليل: وحكم بخمس وسبعين. قال بعضهم:
وهو المشهور. واحتج له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " الحديث.
قال رحمه الله تعالى: " ويجتهد الحاكم في الأسير والمفقود في المعترك من غير تأجيل. والله أعلم " يعني كما قال النفراوي: وأما زوجة مفقود أرض الشرك، ومثلها زوجة الأسير لهما أجل كزوجة مفقود أرض الإسلام لتعذر الكشف عن زوجيهما. ومحل بقائهما إن دامت نفقتهما كغيرهما، وإلا فلهما التطليق. قال الأجهوري في شرح خليل: وإذا جاز لها التطليق بعدم النفقة فإنه يجوز لها إذا خشيت على نفسها الزنا بالأولى لشدة ضرر ترك الوطء الناشئ عنه الزنا ألا ترى أنها لو أسقطت النفقة عن زوجها يلزمها الإسقاط، وإن أسقطت عنه حقها في الوطء لا يلزمها، ولها أن ترجع فيه، وأيضاً النفقة يمكن تحصيلها من غير الزوج بتسلف ونحوه، وبخلاف الوطء. فإذا مضت مدة التعمير يحكم بموت من ذكر وتعتد زوجته عدة وفاة، ويقسم ماله على ورثته حينئذ لا على ورثته حين فقد ما لم يثبت موته
يوم الفقد أو بعده فالمعتبر ورثته يوم ثبوت الموت، فإن جاء بعد قسم تركته فإن القسم لا يمضي، ويرجع له متاعه. وأما زوجة المفقود في معترك المسلمين أي في الفتن بين المسلمين فتعتد بعد الفراغ من القتال والاستقصاء في الكشف عنه، لا يضرب لها أجل لأنه يحمل أمره على الموت، ولذلك يقسم ماله حين شروعها في العدة. أما لو شهدت البينة على أنه خرج من الجيش ولم تشاهده في المعترك فإنه يكون كالمفقود في بلاد المسلمين فيجري في زوجته ما تقدم. وأما زوكة المفقود في زمن المجاعة، والوباء، أو الكبة، أو السعال، فتعتد بعد ذهاب ذلك المرض. وأما زوجة المفقود في القتال الواقع بين المسلمين والكفار فإنها تعتد بعد مضي سنة كائنة بعد الفحص عن حاله. قال العدوي: ويورث ماله حينئذ، انظر كلام الأجهوري اهـ.
ولما أنهى الكلام على بيان أحكام الغائب وما يتعلق بذلك انتقل يتكلم على ما يتعلق بأحكام الطلاق وأقسامه من صريح وغيره، فقال رحمه الله تعالى: