الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله تعالى: " ولا يكنون، ولا تشيع جنائزهم، ولا يستعان بهم " قال زروق: التكنية تعظيم وإكرام، فلذلك لا يكنون، وهل تكنيتهم بفلان الدين كذلك أو لا؟ لم أقف على شيء فيه، ولأشبه المنع، وتشييع الجنائز إكرام ولو كان قريباً أو أباً أو ابناً، نعم لوارثه إن لم يجد أحداً من أهل دينه اهـ. ذكره الحطاب. قوله ولا يستعان بهم قال خليل في المحرمات باب الجهاد: وحرم نبل سم، واستعانة بمشرك إلا لخدمة، انظره في المواق. قال الحطاب: انظر أول رسم سماع يحيى. وفي جواهر الإكليل: فإن خرج من تلقاء نفسه فلا يمنع على المعتمد كما نقله العلامة عبد الله بن فودى في ضياء الحكام فيما حرم علينا، ونصه: ويحرم علينا رميهم بمسموم. وقيل يكره، واستعانة بكافر في الجهاد في الصف، ويجوز أن يخدمنا في الهدم والحفر ونحو ذلك. وأما إن خرج من تلقاء نفسه لم يمنع على المعتمد اهـ كما في الخرشي. قال في الحاشية: والمراد بالمشرك أي مطلق الكافر لا من أشرك مع الله غيره خاصة اهـ ثم انتقل يتكلم على أحكام ما وجدوه من الغنيمة وغيرها وكيفية القسم وغير ذلك من الأحكام فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في بيان ما يتعلق بالجيش وأخذ الغنيمة قبل القسم
أي في بيان ما يتعلق بالجيش من الأحكام وسنقف عليها إن شاء الله. قال رحمه الله تعالى: " للجيش الانتفاع بما وجدوا من أموال الحربيين قبل الغنيمة " أي قبل قسم الغنيمة. قال صاحب الرسالة: ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك. النفراوي. قال العلامة خليل: وجاز أخذ محتاج نعلاً
أو حزاماً أو إبرة أو طعاماً وإن نعماً وعلفاً كثوب وسلاح ودابة ليرد، ورد الفضل إن كثر، فإن تعذر تصدق به، ولا يتوقف المحتاج إلى إذن الإمام، بل ولو نهاهم عن ذلك، ومفهوم إن احتاج أن الغني لا يجوز له أخذ شيء منها، ومطلق الحاجة كاف فلا يتوقف على الضرورة، ومفهوم قوله إن كثر بأن زاد ثمنه على الدرهم. وقوله فإن تعذر، أي لسفر الإمام وتفرق الجيش تصدق به كله بعد إخراج الخمس كما في الدردير وغيره.
قال رحمه الله تعالى: " ومن غل من المغنم " أي من أخذ من الغنيمة شيئاً قبل القسم ولم يكن مما تقدم ذكره فإنه يستحق الأدب ولذا قال رحمه الله تعالى: " أدب ورده " أي يؤدبه الإمام بعد رد الشيء المأخوذ. قال الدردير: وحرم الغلول، وأدب إن ظهر عليه، أي لا إن جاء تائباً قبل القسم وتفرق الجيش، ورد ما أخذ للغنيمة، فإن تعذر بتفرق الجيش رد خمسة للإمام، وتصدق بالباقي عنهم ولا يجوز تملكه كما تقدم - في المأخوذ للحاجة اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويأخذ الإمام خمسه ويقسم باقيه في القائمين " يعني كما قال في الرسالة: وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه ويقسم الأربعة الأخماس بين أهل الجيش، وقسم ذلك ببلد الحرب أولى. وإنما يخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال اهـ قال النفراوي: وأما ما لم يوجف عليه من أموالهم بأن انجلى عنه أهله فهذا هو المسمى بالفيء يوضع جميعه في بيت المال. وأما ما يهرب به الأسير أو التاجر أو يأخذه المتلصص فيختص به وهو المسمى بالمختص لأنه يختص به حائزه ولا يقسم ولا يوضع في بيت المال، لكن المسلم يخرج خمسة كما قدمناه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يختص قاتل بسلب إلا أن ينفله الإمام من الخمس، كتنفيل غيره ممن ظهر منه زيادة اجتهاد " يعني أنه لا يختص القاتل بسلب ما على المقتول إلا أن ينفله الإمام من الخمس كما ينفل غيره من أهل الجيش باجتهاده منه،
ولا يكون ذلك إلا من الخمس. قال في الرسالة: ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام، ولا يكون ذلك قبل القسم والسلب من النفل اهـ. والنفل لغة الزيادة، وأما اصطلاحاً فهو مال موكول علم قدره إلى الإمام، وللإمام أن يزيد ما شاء من الخمس لمن شاء من المجاهدين اجتهاداً منه لمصلحة.
قال النفراوي: ولا بد أن يكون لمصلحة. قال خليل: ونفل منه السلب لمصلحة
كقوة بطش الآخذ وشجاعته، أو يرى ضعفاً من الجيش فيرعبهم بذلك في القتال، فإن استووا فيما يقتضي التنفيل جاز تنفيلهم جميعاً اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتستحق الأسهام بشهود الوقعة " وفي نسخة بحضور الوقيعة بزيادة ياء، والمعنى تستحق الغنيمة بحضور المعترك أو تخلف لشغل متعلق بالقتال. قال في الرسالة: وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " للراجل سهم، وللفارس ثلاثة، والمراهق كالبالغ " وعبارة صاحب الرسالة: ويسهم للمريض وللفرس الرهيص، ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه، ولا يسهم لعبد، ولا لامرأة، ولا لصبي إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم القتال، ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له، ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يرضخ للنساء والعبيد والصبيان " قال ابن جزي: وأما الرضخ فهو ما يعطيه الأمير من الخمس لمن لا يسهم له كالنساء والعبيد والصبيان، ولا يرضخ لهم على المشهور اهـ. قال النفراوي: وكل من يسهم له لا يرضخ له. والرضخ شرعاً: مال يعطيه الإمام من الخمس كالنفل معروف قدره لاجتهاد الإمام اهـ. قال
رحمه الله تعالى: " وسهم من مات لوارثه، والأجير لمستأجره " يعني من المعلوم أن سهم من مات ممن حضر القتال يرفع ويدفع لوارثه. وكذا سهم الأجير والتاجر على الصحيح. قال خليل مشبهاً في استحقاق السهم لهما: كتاجر وأجير إن قاتلا وخرجا بنية غزو لأنهما كثرا سواد المسلمين. قال الخرشي: والمعنى أن التاجر والأجير إذا كانا مع القوم في القتال وقاتلا أو خرجا بنية الغزو وحضرا القتال ولو لم يقاتلا فإنه يسهم لهما لأنهما كثرا سواد المسلمين، وسواء كانت نية الغزو تابعة أو متبوعة أو هما على حد السواء. قال في الحاشية: كانت تجارته تتعلق بالجيش من مطعم وملبس أم لا. قوله وأجير، كانت منافعه عامة كرفع الصواري - وهي وعاء جلد كالقرب - والأحبل وتسوية الطريق، أو خاصة كأجير خدمة. ويسهم للأجير ويحط من أجرته بقدر ما عطل من خدمته، وليس لمستأجره أخذ سهمه عوضاً فيما عطل من خدمته، خلاف مؤجر نفسه في خدمة أخرى لأن ذلك قريب بعضه من بعض، بخلاف السهم ربما كثر عما
استأجره ولأن القتال لا يشبه الخدمة، ولا يقابل أجره أجرها لأن فيه ذهاب نفسه، وإنما يخير مستأجره فيما تقارب لا فيما تباعد اهـ. ومثله في المواق خلافاً لما ذكره المصنف من أن سهم الأجير لمستأجره فتأمل.
قال رحمه الله تعالى. " ولا تقسم أرض العنوة بل تصير وقفاً بالاستيلاء ".
يعني أن أرض العنوة لا يجوز لأحد قسمها لأنها بمجرد الاستيلاء عليها صارت وقفاً لمصالح المسلمين يعطيها الإمام لمن يشاء وخراجها على زراعها. قال تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} [الأحزاب: 27] الآية. قال خليل ووقفت الأرض كمصر والشام والعراق. قال الخرشي: والمعنى أن الأرض المفتوح بلدها عنوة تصير وقفاً للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها من غير احتياج إلى حكم على المعتمد. ولا تقسم بين الجيش كغيرها من أموال الكفار؛ لفعل عمر في أرض مصر والشام والعراق. وتلاه عثمان وعلي على مثل ذلك. وقد غنم عليه السلام غنائم وأراضي فلم ينقل أنه قسم منها إلا خيبر، وهذا إجماع
من السلف اهـ انظر شراح خليل وغيره. هذا ما يتعلق بأرض العنوة على الاختصار. وأما أرض الصلحي ففيها تفصيل. قال الدردير: وأرض الصلحي له ملكاً ولو أسلم، فإن مات ورثوها، فإن لم يكن وارث فلهم إن أجملت جزيتهم عليها وعلى الرقاب كيفية مالهم، وإلا فللمسلمين، وحينئذ فوصيتهم في الثلث اهـ. وإلى ذلك أشار مالك بقوله: وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليهم اهـ قاله في الموطأ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وإذا غنم الكفار مال المسلمين فمن أسلم على شيء ملكه " قال في الرسالة: ومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فهو له حلال، ومن اشترى شيئاً منها من العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن اهـ يعني أن من أسلم من الكفار وفي يده شيء من أموال المسلمين فهو له حلال.
قال النفراوي: إن كان المذكور يملكه بالأمان بأن كان أخذه قبل دخوله إلينا بأمان، لا ما أخذه من أموال المسلمين بعد الدخول إلينا بأمان فإنه يكون سرقة ينزع منهم قهراً عليهم ولو لم يعودوا إلينا به. فقول الخليل وانتزع ما سرق ثم عيد به لا مفهوم له، وأشار إلى تلك المسألة بقوله: وملك بإسلامه غير الحر المسلم. قال شراحه: سواء قدم بها أو أقام ببلده. ومثل الحر المسلم في عدم ملكه اللقطة والحبس حيث ثبت أنه حبس؛ لأن ما ثبت تحبيسه لمسلم لا يبطل تحبيسه بغنم الكفار له. قاله الأجهوري. وإنما ملك بإسلامه غير ما ذكرنا تأليفاً له على الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أسلم على شيء فهو له " اهـ. وفي المدونة عن مالك: أن ما أسلموا عليه فهو لهم دون أربابهم اهـ. قال ابن جزي: إذا أسلم الكافر وعنده حر مسلم أخذ منه بغير ثمن وأعتق عليه. وإذا أسر العدو حرة مسلمة ثم أخذها المسلمون فهي حرة، وإن ولدت عندهم أولاداً وأخذوا صغاراً فهم بمنزلتها، واختلف في الكبار. وإن كانت أمة لرجل فهي وأولادها لسيدها، وإن غنموا ذمياً ثم غنمناه
رد لذمته، وإن غنموا عبداً أو مدبراً أو مكاتباً أو معتقاً إلى أجل، أو أم ولد فهم لسيدهم كالمال، وإذا خرج الأسير إلينا وترك ماله في أيديهم ثم غنمه المسلمون فهو أحق به قبل القسمة بغير ثمن وبعدها بالثمن، وإذا أسلم الحربي ثم غزا المسلمون بلاده فزوجته فيء، وكذلك أولاده على المشهور. وقيل هم تبع له وما له فيء. وقيل هو له. وقيل هو له قبل القسمة بلا ثمن وبعدها بالثمن اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وما غنمه المسلمون فما علم أنه لمسلم لم يقسم وما جهل فربه أحق به قبل القسمة مجاناً وبعدها بالثمن " يعني كما قال مالك في المدونة: إن أدركه قبل القسم أخذه بغير ثمن، وإن أدركه بعدما قسم كان أولى به بالثمن، فإن عرف أنه مال لأهل الإسلام رده إلى أهله ولم يقسموه إن عرفوا أهله وإن لم يعرفوا أهله فليقسموه وأموال أهل الذمة مثله اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والمأخوذ بغير إيجاف فهو لبيت المال كالخمس والخراج والجزية وميراث من لا وارث له يأخذ الإمام كفايته بالمعروف ويصرف الباقي بالاجتهاد في مصالح المسلمين " قال الدردير: وخمس غيرها - أي غير الأرض العنوة - فخراجها، والخمس، والجزية، وعشر أهل الذمة، وما جهلت أربابه، وتركة ميت لا وارث له لآله عليه الصلاة والسلام، ولمصالح المسلمين من جهاد وقضاء دين معسر وتجهيز ميت، وإعانة محتاج من أهل العلم وغيرهم، ومساجد وقناطر ونحوها. والنظر للإمام، وله النفقة منه على عياله بالمعروف، وبدئ بمن فيهم المال اهـ. وقال ابن جزي: سيرة أئمة العدل في الفيء والخمس أن يبدأ بسد المخاوف والثغور واستعداد آلة الحرب وإعطاء المقاتلة، فإن فضل شيء فللقضاة والعمال وبنيان المساجد والقناطر ثم يفرق على الفقراء، فإن فضل شيء فالإمام مخير بين تفريقه على الأغنياء وحبسه لنوائب الإسلام. واختلف هل يفضل في العطاء من له حرمة وسابقة وغناء، أو يسوى بينهم وبين غيرهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويخير الإمام في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وعقد الذمة " يعني يخير الإمام في شأن الأسرى ينظر فيما هو أصلح من خمسة أشياء. قال الدردير: ونظر في الأسرى بمن أو فداء أو جزية أو قتل أو استرقاق اهـ. وقال ابن جزي: فأما الرجال فيخير الإمام فيهم بين خمسة أشياء:
القتل، والمن، والفداء، والجزية، والاسترقاق. ويفعل الأصلح من ذلك. ويجوز فداؤهم بأسرى المسلمين اتفاقاً. واختلف في فدائهم بالمال. وقال أبو حنيفة: لا يجوز المن ولا الفداء. وقال قوم يقتلون على الإطلاق. وأما النساء والصبيان فيخير الإمام فيهم بين المن والفداء والاسترقاق اهـ انظر القوانين. وفي ضياء الحكام نقلاً عن الكتاب المذكور مع البيان في رجال أهل الكفر إذا غنموهم قال: فيخير الإمام فيهم بين خمسة أشياء يجب عليه رعي المصلحة فيها: القتل فيمن يقتل فيحسب من رأس الغنيمة، والمن فيمن يمن عليه كأن لا يكون له قيمة معتبرة فيخلي سبيله ويحسب من الغنيمة، والفداء من الخمس أيضاً إن كان الفداء بأسرى المؤمنين وإن كان بالمال يجعل في الغنيمة، والجزية فيمن تضرب عليهم ويحسب المضروب عليه من الخمس والاسترقاق فيقسم اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ولا يقتل من استحياه وامرأة، وصبي، وراهب ويؤخذ فضل مالك " الضمير في استحياه راجع إلى الإمام، وفى ماله راجع إلى الراهب، لمعنى لا يجوز قتل من استحياه الإمام، وكذا من استحياه أمير الجيش بأن أمنه فيكون معصوم الدم والمال، وكذلك لا يجوز قتل المرأة والصبي إلا إذا قاتلا، ومثلهما الراهب لمنعزل بلا رأى، والأعمى، والزمن، والمعتوه، والشيخ الفاني إلا أنه يؤخذ فضل أموالهم ويترك لهم الكفاية ولو من مال المسلمين. قال النفراوي: سكت المصنف عن تأمين الإمام لوضوحه لأنه يؤمن حتى القبيلة والإقليم، ويصير من أمنه الإمام في أمان في سائر البلاد. قال خليل عاطفاً في وجوب الوفاء: وبأمان الإمام. قال شراحه: ومثل
الإمام أمير الجيش. وفائدة الأمان حرمة قتل المؤمن واسترقاقه وعدم ضرب الجزية عليه إن وقع الأمان قبل الفتح، وأما لو كان الأمان بعد الفتح فيسقط القتل فقط، ويرى الإمام رأيه في غيرة. ومن قتل ممن منع قتله وجب على قاتله أن يغرم قيمته إن حيز للمغنم، ووجب عليه أن يستغفر الله كقاتل الراهب أو الراهبة، لأنهما حران، لكن لا دية على قاتلهما خلافاً لما في الخرشي.
قال رحمه الله تعالى: " ويجوز أمان أدنى المسلمين للعدد من الكفار، فأما بلد وحصن ونحوه فإلى الإمام " قال في الرسالة: ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم، وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان. وقيل إن أجاز ذلك الإمام اهـ. قال النفراوي: فتلخص أن الأمان إن وقع من الحر المسلم البالغ العارف بمصلحة الأمان غير الخائف ممن أمنه يكون جائزاً ماضياً اتفاقاً، ولو وقع من أدنى المسلمين، ولو كان خارجاً عن طاعة إمام حين تأمينه حيث أمن دون الإقليم. وأما
لو أمن البالغ إقليما لنظر فيه الإمام. وأما إن وقع الأمان من امرأة أو عبد أو صبي عاقلي مصلحة الأمان، فقيل يجوز ابتداء ويمضي وعليه الأكثر. وقيل يتوقف إمضاؤه على إجازة الإمام اهـ. وإليه أشار الدردير بقوله: وللإمام الأمان لمصلحة مطلقاً كغيره: إن كان مميزاً طائعاً مسلماً ولو صبياً أو امرأة أو رقيقاً أو خارجاً عن الإمام وأمن دون إقليم قبل الفتح وإلا نظر الإمام، ووجب الوفاء به وسقط به القتل وإن من غير الإمام بعد الفتح فينظر في غيره بلفظ أو إشارة مفهمة اهـ أنظر حاشية الصاوي على الدردير فيما نقله عن الدسوقي. ثم قال رحمه الله تعالى:" وتجوز الهدنة للضرورة بحسب ما يراه الإمام مصلحة، ورد رهائنهم وإن أسلموا والله أعلم " يعني تجوز الهدنة ورد الرهائن لأجل الضرورة أو المصلحة. قال في الضياء: وأما المهادنة فهي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه
مدة قصيرة. وقال ابن عرفة: هي عقد المسلم مع الحربي على المسألة أي المتاركة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام، ولجوازها أربعة شروط: الأول أن يكون العاقد لها الإمام أو نائبه لا غير. الثاني أن تكون لمصلحة كالعجز عن القتال مطلقاً أو في وقت، مجاناً أو بعوض على وفق الرأي السديد للمسلمين، لقوله تعالى:{وإن جنحوا للسلم فأجنح لها} [الأنفال: 61] فإن لم تظهر المصلحة بأن قوي المسلمون لم تجز. الثالث أن تخلو عن شرط فاسد كشرط بقاء مسلم أسير بأيديهم أو بقاء قرية للمسلمين خالية منهم، أو أن يحكموا بين كافر ومسلم، أو أن يأخذوا منا مالاً إلا لخوف منهم فيجوز كل ما منع، الرابع ألا تزيد على المدة التي تدعو إليها الحاجة على حسب الاجتهاد. وقال أبو عمران: يستحب أن لا يزيد على أربعة أشهر إلا مع العجز، ووجب الوفاء بما عاهدناهم عليه، وإن استشعر الإمام خيانتهم بأن ظنها ظناً قوياً بظهور دلائلها نبذ العهد قبل المدة وأعلمهم وجوباً أنه لا عهد لهم، وأنه يريد قتالهم، وإن تحقق خيانتهم نبذه بغير إنذار. قال تعالى:{وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 58] قال الصاوي: خطاب عام للمسلمين وولاة الأمور، وإن كان أصل نزولها في قريظة. قال: والحاصل أنه إذا ظهرت أمارات نقض العهد وجب على الإمام أن ينبذ عهدهم ويعلمهم بالحرب قبل الركوب عليهم، بحيث لا يعد الإمام غادراً لهم. وإن ظهرت الخيانة ظهوراً مقطوعاً به فلا حاجة إلى نبذ العهد ولا الإعلام، بل يبادرهم بالقتال اهـ. وأما مسألة رد الرهائن فجائز لمصلحة رآها الإمام والمسلمون كما تقدم. قال خليل فيما يجب من الوفاء بالعهد: ووجب الوفاء وإن برد الرهائن ولو أسلموا وإن رسولاً إن كان ذكراً. قال الخرشي: تقدم
أن الإمام يلزمه أن يوفي لهم بشروطهم الصحيحة التي اشترطوها عليه حتى لو شرطوا أن يرد إليهم من جاءنا منهم مسلماً من الرجال فإنه يوفي لهم بذلك وفاء بالعهد. وأما النساء فإنه لا يجوز ردهن إليهم لقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10] الآية. والله أعلم اهـ.
ولما أنهى الكلام على الجهاد وما يتعلق به انتقل يتكلم على الأيمان فقال رحمه الله تعالى: