المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الرهن والوكالة - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٢

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالجيش وأخذ الغنيمة قبل القسم

- ‌كتاب الأيمان

- ‌فَصْلٌفي الاستثناء بـ إلا وأخواتها

- ‌كتاب النذور

- ‌كتاب الأضحية والعقيقة والصيد والذبائح

- ‌فَصْلٌفي العقيقة وما يفعل للمولود يومَ سابعه

- ‌فَصْلٌفي بيان الصيد وما يتعلق به من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الذبح

- ‌كتاب الأطعمة والأشربة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فَصْلٌفي المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن

- ‌فَصْلٌفي نكاح الشغار وما يتعلق به من الأحكام

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان العيوب التي توجب الخيار بين الزوجين

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بإسلام المتزوجين وحكم نكاحهما بعد الإسلام

- ‌فَصْلٌفي الصداق قلة وكثرة وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان نكاح التفويض والتحكيم

- ‌فَصْلٌفيمن كان متزوجاً بأكثر من زوجة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام المفقود والغائب عن زوجته

- ‌كتاب الطلاق

- ‌خاتمة

- ‌كتاب البيوع

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق ببيع المزابنة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالثمن والمثمن

- ‌فَصْلٌفي بيع العقار وما يتبعها

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع المميز والعبد المأذون وغيره

- ‌فَصْلٌفي بيان بيع الغائب عن مجلس العقد

- ‌فَصْلٌفي أحكام بيع المرابحة

- ‌فَصْلٌفي مسائل الخيار

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بأحكام بيع الثمار

- ‌فَصْلٌفي العرايا

- ‌فَصْلٌفي أحكام الجائحة في الثمار والزروع وغيرها

- ‌فَصْلٌفي السلم وأحكامه

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بالقرض وهو بمعنى السلف

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلق بأحكام الجعل وشروطه

- ‌كتاب القراض والشركة والمساقاة

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بالشركة وشروطها

- ‌فَصْلٌفي المساقاة وأحكامها

- ‌كتاب الرهن والوكالة

- ‌فَصْلٌفي الوكالة

الفصل: ‌كتاب الرهن والوكالة

‌كتاب الرهن والوكالة

أي هذا الكتاب مشتمل على أحكام الرهن والوكالة. والمراد بالأحكام المسائل المتعلقة بهما من الأركان والشروط والصحة والبطلان وغيرها من المسائل. وبدأ بالرهن اهتماماً به فقال رحمه الله تعالى: " الرهن عقد لازم " يعني أن الرهن يلزم بالعقد كالبيع، وهو لغة اللزوم والحبس، وعرفاً متمول أخذ توثقاً به في دين لازم أو صائر إلى اللزوم، ويعرف أيضاً بأنه عقد لازم لا ينقل الملك قصد به التوثق في الحقوق. قال ابن جزي: الرهن محتبس بالحق ما بقي منه درهم، ولا ينحل بعضه بأداء بعض الحق اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " واشتراط غلته مبطل " وما ذكره المصنف من بطلان الرهن باشتراط الغلة فيه تفصيل قال ابن جزي: المنفعة في الرهن وهي للراهن، فإذا اشترطها المرتهن جاز إن كان الدين من بيع أو شبهه، ولم يجز إن كان سلفاً، لأنه سلف جر منفعة، فإن لم يشترطها المرتهن ثم تطوع له الراهن بها لم يجز، لأنها هدية مديان. وقال ابن حنبل: ينتفع المرتهن بالحيوان بنفقته اهـ. قال الدردير في أقرب المسالك: وجاز شرط منفعة عينت ببيع فقط، وعلى أن تحسب من الدين مطلقاً. قال الصاوي عليه: حاصله أن منفعة الرهن إما أن تكون مدتها معينة أو غير معينة، وفي كل إما أن يشترطها المرتهن أو يتطوع بها الراهن عليه، وفي كل إما أن يكون الرهن في عقد بيع فأخذ المرتهن لها في رهن القرض ممنوع في صوره الأربع، وهي معينة أم لا، مشترطة أو متطوع بها، وفي رهن البيع في ثلاث إذا كان متطوعاً بها معينة أم لا، أو مشترطة ولم يتعين، والجواز في واحدة وهي ما إذا اشترطت وكانت معينة اهـ. هذا بيان ما في المدونة انظر المواق. قال الجزيري في فقه المذاهب: أما ثمرة المرهون وما ينتج منه من حقوق الراهن فهي له ما لم يشترط المرتهن ذلك فإنها تكون له بثلاثة شروط: الأول أن يكون

ص: 366

الدين بسبب البيع لا بسبب القرض، وذلك كما إذا باع شخص لآخر عقاراً أو عروض تجارة أو غير ذلك بثمن مؤجل ثم ارتهن به عيناً مقابل دينه. الشرط الثاني أن يشترط

المرتهن أن تكون المنفعة له، فإن تطوع بها الراهن له لا يصح له أخذها. الشرط الثالث أن تكون مدة المنفعة التي يشترطها معينة، فإذا كانت مجهولة فإنه لا يصح، فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة صح للمرتهن أن يستولي على منفعة المرهون ويأخذها له، أما إذا كان بسبب القرض فإنه لا يصح له أن يأخذ المنفعة على أي حال سواء اشترطها أو لم يشترطها، أباحها له الراهن أو لم يبحها، عين مدتها أو لم يعينها، وذلك لأنه يكون قرضاً جر نفعاً للمقرض فيكون رباً حراماً. ولا يلزم من كون المنفعة للراهن أن يتصرف في المرهون أو يكون المرهون تحت يده كلاً، فإن الرهن يكون تحت يد المرتهن ولكنه يعطي منفعته للراهن إذا لم يشترطها بالكيفية المتقدمة، فإذا راهن داراً فإن المرتهن هو الذي يؤجرها، ولكن يعطي أجرتها للراهن، فإذا أذن المرتهن الراهن في إجارتها بطل الرهن ولو لم يؤجرها بالفعل. ومثل ذلك ما إذا أذنه بالسكنى. أما إذا كان الرهن يمكن نقله كأدوات الفراش فإن مجرد الإذن بإجارتها لا يبطل الرهن، بل لا بد في بطلانه من تأجيرها بالفعل، وكذلك إذا أذن الراهن المرتهن في بيع الرهن وسلمه له، فإن الرهن يبطل بذلك ويبقى دينه بلا رهن اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " فيصح بالقول، ويتم بالقبض، ويجبر الراهن عليه " الضمير في عليه راجع إلا بالقبض، فالمعنى أن الرهن يصح بالقول كما يتم بالقبض، وانعقاده كالبيع بالإيجاب والقبول، وهي تسمى بالصيغة، وهي ركن من أركانه، وهل يفتقر الرهن إلى التصريح بالرهنية أو لا يفتقر إلى ذلك؟ فلو دفع رجل إلى آخر سلعة قائلاً له: أمسكها حتى أدفع لك حقك هل تكون رهناً بذلك أم لا؟ قال بالأول أشهب، وقال بالثاني ابن القاسم اهـ. من تقييد بعض الأفاضل. وأما القبض فهو شرط كمال على

ص: 367

المذهب. قال في أقرب المسالك: ولا يتم إلا بالقبض. وقال ابن جزي في القوانين: وهو الحوز فهو شرط تمام في العقد. وقال الشافعي وأبو حنيفة: شرط صحة. وعلى المذهب فإذا عقد الرهن بالقول لزم وأجبر الراهن على إقباضه للمرتهن في المطالبة به، فإن تراخى المرتهن في المطالبة به أو رضي بتركه في يد الراهن بطل الرهن. ولا يكفي في القبض الإقرار به، ولا بد فيه من معاينة البينة، وإذا قبض الرهن ثم أفلس الراهن أو مات فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء. ويصح أن يقبض الرهن المرتهن أو أمين يتفقان عليه اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " واستدامة شرط، فإن عاد إليه اختياراً ولو بإعارة أو إجارة أو وديعة بطل، كتراخيه عن قبضه حتى مات الراهن أو أفلس، لا بامتناع الراهن مع إقامته على الطلب " يعني كما في القوانين لابن جزي أنه قال: ويشترط دوام القبض، فإذا قبض الرهن ثم رده إلى الراهن بعارية أو وديعة أو كراء أو استخدام العبد أو روكوب الدابة بطل الرهن. ومهما احتيج إلى استعمال الرهن أو إجارته فليتول ذلك المرتهن بإذن الراهن اهـ. بحذف. وفي الرسالة: والرهن جائز، ولا يتم إلا بالحيازة، ولا تنفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينة البينة اهـ. وعبارة الدردير في أقرب المسالك عاطفاً على ما يبطل الرهن، قال: ويمانع كموت الراهن أو فلسه قبل حوزه، ولو وجد المرتهن فيه وبإذنه في وطء أو سكنى أو إجارة ولو لم يفعل إن فات بنحو عتق أو بيع أو أذن المرتهن الراهن في بيع وسلمه أي دفعه المراهن، وبإعارة مطلقة أي غير مقيدة بشرط، وإلا فله أخذه كأن عاد لراهنه اختياراً إلا أن يفوت بعتق أو تدبير أو حبس أو قيام الغرماء اهـ. بتوضيح.

قال رحمه الله تعالى: " والمال الباطن مضمون ما لم تقم بينة بالتلف، أو يكن على يد أمين لا الظاهر إلا بالتعدي " قال في الرسالة: وضمان الرهن من المرتهن

ص: 368

فيما يغاب عليه، ولا يضمن ما لا يغاب عليه. وثمرة النخل الرهن للراهن، وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة الرهن تلده بعد الرهن، ولا يكون مال العبد رهناً إلا بشرط وما هلك بيد أمين فهو من الرهن اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " فإن اختلفا في قيمته واتفقا على صفته قوم عليها؛ فإن اختلفا أيضاً حلف المرتهن، فإن نكل حلف الراهن وقوم عليها، فإن جهلاها حلف المرتهن على قيمته وقاصه " يعني فإن اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن التالف واتفقا على صفته قوم عليها أي على الصفة التي اتفقا عليها، وإن لم يتفقا على الصفة بأن اختلفا فيها أيضاً حلف المرتهن على ما ادعاه، فإن نكل حلف الراهن كذلك، وقوم على ما وصفه الحالف، وقضى للحالف على الناكل، فإن جهلا وصفه معاً حلف المرتهن على القيمة وقاص الراهن عليها اهـ. بمعناه. وعبارة الدردير في أقرب المسالك عاطفاً على ما اختلفا فيه كما في المختصر. وفي قيمة تالف تواصفاه ثم قوم، فإن اختلفا أي في وصفه فالقول للمرتهن، فإن تجاهلا أي فإن ادعى كل منهما جهل حقيقة صفته فالرهن بما فيه، أي فلا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء،

لأن كل واحد منهما لا يدري هل يفضل له عند صاحبه شيء أم لا اهـ. بطرف من المواق.

قال رحمه الله تعالى: " فإن اتفقا واختلفا في قدر الحق فالرهن شاهد بقدر قيمته. ويحلف الراهن لنفي الزائد " يعني أنهما إذا اتفقا على صفة الرهن واختلفا في قدر الحق فالرهن شاهد بقدر قيمته، فيحلف الراهن لنفي الزائد. قال ابن جزي في القوانين: المسألة العاشرة إذا اختلفا في مقدار الحق الذي رهن فيه، فالقول قول الراهن عندهما، أي عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال مالك: القول قول المرتهن، إلا فيما زاد على الرهن فالقول قول الراهن اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وفي عين الرهن القول قول المرتهن " يعني إذا اختلف

ص: 369

المتراهنان في عين الرهن فالقول قول المرتهن. وسيأتي قول المصنف: ولا تقبل دعوى المديان رهناً عند غريم إلا ببينة على قبضه رهناً.

قال رحمه الله تعالى: " وفي كون المقتضي ما به الرهن يحلفان وتحسب منهما " يعني كما قال خليل: وإن اختلفا في مقبوض فقال الراهن عن دين الرهن وزع بعد حلفهما، ومثله في أقرب المسالك، فالمعنى كما في الحطاب فهي مسألة صاحب الدينين على رجل: أحدهما برهن والآخر بلا رهن، قال في المدونة: إذا كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهناً، ثم قضاك مائة وقال هي التي فيها الرهن، وقلت أنت هي التي لا رهن فيها، وقام الغرماء أو لم يقوموا، فإن المائة يكون نصفها بمائة الرهن ونصفها للمائة الأخرى بعد أن يتحالفا إن ادعيا البيان. وقال أشهب: القول قول المقتضي اهـ. انظر شراح خليل.

قال رحمه الله تعالى: " وفي مال العبد القول قول الراهن " يعني إذا اختلفا أي المتراهنان في مال العبد بأن قال المرتهن هو وماله رهن، وقال الراهن هو فقط بغير ماله فالقول قول الراهن. قال في الرسالة: ولا يكون مال العبد رهناً إلا بشرط دخوله في الرهن فيدخل، لقوله في المدونة: ولا يكون مال العبد رهناً إلا أن يشترطه المرتهن، كان ماله معلوماً أو مجهولاً. ومثل مال العبد بيض الطير لا يدخل في الرهن إلا بالشرط اهـ. النفراوي.

قال رحمه الله تعالى: " ولا يصح رهن ما لا يجوز بيعه بحال " يعني أنه لا يصح أن يرهن ما لا يجوز بيعه بحال من الأحوال، وأما لو كان يجوز بيعه في بعض الأحوال ولو بغرر فيجوز ارتهانه حينئذ ما لم يكن الغرر شديداً، وفي

بعض الأحوال يصح الرهن مع يسير الغرر. قال الدردير في أقرب المسالك: ولو بغرر كآبق وثمرة لم يبد صلاحها، أو كتابة مكاتب وخدمة مدبر، واستوفى منهما، فإن رق فمنه أو غلة نحو دار أو جزء

ص: 370

مشاع اهـ. قال ابن جزي في القوانين: (المسألة الأولى) في المرهون، ويجوز رهن كل شيء يصح تملكه من العروض والحيوان والعقار، ويجوز رهن المشاع خلافاً لأبي حنيفة، ويجوز رهن الدنانير إذا طبع عليها، ويجوز رهن الدَّين خلافاً للشافعي، ويجوز رهن الثمر قبل بدو صلاحه، ويجوز الرهن قبل حلول الحق خلافاً للشافعي، وبعد حلوله اتفاقاً، والرهن محتبس بالحق ما بقي منه درهم ولا ينحل بعضه بأداء بعض الحق اهـ. كما تقدم.

قال رحمه الله تعالى: " ولا تقبل دعوى المديان رهناً عند غريم إلا ببينة على قبضه رهناً " يعني لو ادعى الراهن دفع الرهن عند المرتهن ولا بينة بينهما فإنه لا تقبل دعواه، بل لا تنفع شهادة البينة إلا بمعاينتهم الحوز. قال ابن جزي: ولا يكفي في القبض الإقرار به ولا بد فيه من معاينة البينة اهـ. ومثله في الرسالة. نعم وفي المسألة قولان، ولذا قال خليل: وهل تكفي بينة على الحوز قبله؟ وبه عمل، أو التحويز وفيها دليلهما. قال العلامة الخرشي: لما قدم أن مجرد دعوى الحوز من المرتهن لا تقبل بين هنا أنها لو لم تتجرد عن البينة ما كيفية الشهادة؟ هل يكفي أن تشهد البينة له بالحوز للرهن قبل وجود المانع ويكون أحق به من الغرماء ولو لم تحضر البينة الحيازة ولا عاينتها؟ لأنه قد صار مقبوضاً، وكذلك الصدقة، وهو قول ابن عتاب والباجي وبه العمل، أو لا يكتفى في ذلك إلا بشهادة البينة على التحويز، أي تشهد أنها عاينت الراهن سلم الرهن للمرتهن وهو قول اللخمي اهـ. وعبارة الحطاب أنه قال: أشار بذلك لظاهر كلام المدونة في كتاب الهبة، ونصه: ولا يقضي بالحيازة إلا بمعاينة البينة لحوزه في حبس أو رهن أو هبة أو صدقة، ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض وشهدت عليه بإقراره بينة ثم مات لم يقضَ بذلك إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز اهـ. انظر وجه كون كلام المدونة دالاً على القولين في الحطاب كما ذكره خليل.

ص: 371

ثم قال رحمه الله تعالى: " ويصح رهن المشاع، فإن كان باقيه له لزمه تسليمه، وإن كان لغيره نزل المرتهن معه منزلة الراهن " يعني كما في أقرب المسالك عاطفاً على ما يجوز: أو جزء مشاع وحاز المرتهن الجميع أي جميع

المشاع ما رهن، وما لم يرهن بالقضاء ليتم الرهن، وإلا لجالت يد الراهن فيه مع المرتهن فيبطل الرهن. هذا إن كان الباقي للراهن. وأما إن كان الباقي لغير الراهن كفى حوز الجزء المرهون من ذلك المشاع، لأن جولان يد غير الراهن لا يضر في الحوز. وللراهن استئجار جزء شريكه ويتولى قبض أجرته المرتهن له أي للراهن المستأجر لجزء شريكه، وذلك لئلا يبطل حوزه بجولان يد الراهن عليه.

وجاز للراهن أن يرهن فضلته أي الجزء الباقي من المشاع في دين آخر برضا المرتهن الأول ويكون الأول حائزاً لمرتهن الثاني فيكون أميناً فيه، ولذا لا ضمان عليه إن ضاع بلا بينة ولا تفريط، وهو مما يغاب عليه ولا يضمن إلا ما يخصه كحالته قبل الرهنية كما يأتي جميع ذلك عند قول المصنف: فإن أراد رهن فائضه عند غير المرتهن وقف على إذنه، ثم إن حل أحد الدَّينين قبل الآخر قسم الرهن لإعطاء من حل دينه منابه إن أمكن قسمه بلا ضرر وإلا بيع الرهن جميعه وقضيا الدَّينين معاً اهـ بزيادة توضيح منه. وإلى ذلك كله أشار خليل بقوله: وصح مشاع وحيز بجميعه إن بقي فيه للراهن، ولا يستأذن شريكه، وله أن يقسم ويبيع ويسلم، وله استئجار جزء غيره ويقبضه المرتهن له ولو أمنا شريكاً فرهن حصته للمرتهن وأمنا الراهن الأول بطل حوزهما اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ومن رهن على قدر معين ثم أخذ زيادة عليه صار رهناً بالجميع " يعني ومن رهن شيئاً معيناً كالثوب قدر ثمنه عشرة مثلاً وقبل حلول الأجل أخذ من المرتهن شيئاً آخر ديناً أقل من الأول فصار الرهن في جميع الدينين ولا يأخذ رهنه ما بقي عليه درهم. قال خليل: وإذا قضى بعض الدين أو سقط فجميع

ص: 372

الرهن فبما بقي، قال الشارح يعني أن الراهن المتحد إذا قضى بعض الدين للمرتهن المتحد أو سقط عن الراهن بعض الدين بهبة وما أشبه ذلك فإن جميع الرهن يكون رهناً فيما بقي من الدين، وسواء كان الرهن متحداً كدار أو متعدداً كثياب، وليس للراهن أخذ شيء منه لأنه قد تتحول عليه الأسواق. وأما إن تعدد الراهن والمرتهن أو أحدهما فإنه يقضي لمن وفَّى حصته من الدين بأخذ حصته من الرهن اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " فلو أراد رهن فائضه " وفي نسخة فاضله " عند غير المرتهن وقف على إذنه " أي على إذن المرتهن الأول. قال الصاوي: قوله برضا المرتهن الأول ويلزم من رضاه علمه، فلا بد من علمه ورضاه وهذا إذا

رهن الفضلة لغير المرتهن الأول، أما لو رهنها له فلا بد أن يكون أجل الدين الثاني مساوياً للأول لا أقل ولا أكثر، وإلا منع، إلى أن قال: فتحصل أن الفضلة إما أن ترهن للأول أو لغيره، فإن رهنت للأول فلا بد من تساوي الدينين أجلاً، وإن رهنت لغيره جاز مطلقاً تساوي الأجلان أم لا بشرط علم الحائز لها ورضاه سواء كان هو المرتهن الأول أو أميناً غيره، وإنما اشترط رضا الحائز كان هو المرتهن أو غيره لأجل أن يصير حائزاً للثاني اهـ حذف.

قال رحمه الله تعالى: " ويقدم الأول في الاستيفاء " هذه تمام مسألة رهن الجزء المشاع كما هو مفهوم عند قولنا ثم إن حل أحد الدينين قبل الآخر قسم الرهن لإعطاء من حل دينه منابه إن أمكن قسمه بلا ضرر وإلا بيع الرهن جميعه وقضيا الدينين معاً، ولذا قال ويقدم الأول في الاستيفاء. قال الصاوي: وصفة القضاء أن يقضي الدين الأول كله أولاً لتقدم الحق ثم ما بقي للثاني اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ونماؤه لربه، ونفقته عليه ونتاجه رهن معه كفراخ النحل " الضمير في نماؤه عائد إلى الرهن، وكذلك ما عطف عليه، فالمعنى أن ما حدث

ص: 373

من الزيادة في الرهن بعد العقد فهو للراهن، وتقدم نص الرسالة من قولها: وثمرة النخل الرهن للراهن، وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة الرهن تلده بعد الرهن، ولا يكون مال العبد رهناً إلا بشرط كما علمت اهـ. وقوله كفراخ النحل تشبيه في كون فراخ النحل رهناً تابع للنحل. قال الحطاب: المعنى صحيح سواء قرئ بالحاء أو بالخاء. قال في القاموس: الفرخ ولد الطائر وكل صغير من الحيوان أو النبات، والجمع أفراخ وأفرخ وفراخ وفروخ وأفرخة وفرخان، والزرع المتهيئ للاشتقاق، وفرخ الزرع نبت أفراخه اهـ.

ثم استثنى ما لا يكون تابعاً للرهن إلا بشرط فقال رحمه الله تعالى: " لا الصوف واللبن ومال العبد إلا أن يشترطه " يعني أن الصوف الكائن على ظهر الغنم أو الإبل لا يكون رهناً مع ما ذكر إلا بشرط كمال العبد، فإن اشترطت دخلت اتفاقاً وإلا ففي ذلك تفصيل في المذهب. وستقف إن شاء الله على نصوص أئمة المذهب تقييداً وإطلاقاً، مجملاً وتفصيلاً، فهاك نص المدونة بحروفها قلت: أرأيت أصواف الغنم وألبانها وسمونها وأولادها أيكون ذلك رهناً قال: أما أولادها فهي رهن مع الأمهات عند مالك، وأما الأصواف والألبان والسمون فلا تكون رهناً معها إلا أن يكون صوفاً كان عليها يوم ارتهنها فأراه رهناً معها إذا كان يومئذ قد تم، ألا ترى لو أن رجلاً ارتهن داراً أن غلتها

لا تكون رهناً معها، وإذا ارتهن غلاماً أن خراجه لا يكون رهناً معه، ولو اشتراهما كانت غلتهما له فالرهن لا يشبه البيوع اهـ. وفيها أيضاً عن مالك أنه قال: كراء الدور وإجارة العبيد كل ذلك للراهن، لأنه غلة ولا يكون في الرهن إلا أن يشترطه المرتهن، وكذلك صوف الغنم. قال ابن القاسم: إلا صوف كمل نباته يوم الرهن فإنه يكون رهناً معها اهـ. وفي القوانين لابن جزي المسألة السابعة فيما يتبع الرهن فأما ما لا يتميز منه كسمن الحيوان فهو تابع له إجماعاً وإن كان متناسلاً عنه كالولادة والنتاج فيكون

ص: 374

تابعاً له خلافاً للشافعي، بخلاف غير ذلك كصوف الغنم ولبنها أو ثمار الأشجار وسائر الغلات فلا تتبعها في الرهن خلافاً لأبي حنيفة اهـ. قال خليل: واندرج صوف تم وجنين. قال المواق وانظر الصوف التام فإنه يدخل كما تقدم والفرق بينهما القياس على البيع. بعض القرويين فلو كانت الثمرة يوم الرهن يابسة دخلت فيه كالصوف التام اهـ. قال الخرشي يعني أنه إذا رهن غنماً وعليها صوف فإن كان حين الرهن تاماً اندرج لأنه سلعة مستقلة، وأما غير التام فلا يندرج اتفاقاً، وكذلك يندرج في الرهن الجنين الموجود حين الرهن وأحرى ما وجد بعده، وهذا كله مع عدم الاشتراط، أما معه فيندرج ما لا يندرج، ولا يندرج ما يندرج اهـ. بحذف. وعبارة الدردير في أقرب المسالك: واندرج في الرهن صوف تم على الغنم المرهونة يوم رهنها تبعاً لها لا إن لم يتم. قال الصاوي عليه: قوله لا إن لم يتم أي فلا يندرج في عقد الرهينة، وللراهن أخذه بعد تمامه، وذلك أن غير التام بمنزلة الغلة وهي لا تندرج اهـ. وهذا كالخلاصة على ما تقدم فتأمل.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ولا يتبغض بتبغض القضاء بل ما بقي فهو محبوس به " قد تقدم البيان على مثل هذه الجملة عند قوله: ومن رهن على قدر معين ثم أخذ زيادة عليه صار رهناً للجميع، فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " ويجوز اشتراط الانتفاع به في البيع لا في القرض " الضمير في به راجع إلى الصوف وما عطف عليه، فالمعنى يجوز للمرتهن أن يشترط الانتفاع بالصوف وغيره من الغلات والمنفعة كما تقدم ذكر بيان ذلك في أول هذا الكتاب عند قوله: واشتراط غلته مبطل، فراجعه إن شئت، وقد بسطنا بيانه بما يغني عن إعادته هنا إلا أن هناك صدر باسم الغلة وهي المنفعة، وهنا بجواز اشتراط الانتفاع بها، فافهم ذلك وتأمل.

قال رحمه الله تعالى: " فإن وكله ببيعه صح ولم يكن له عزله " يعني

ص: 375

إذا

وكل الراهن المرتهن في بيع الرهن وهي وكالة صحيحة، وليس للراهن عزل وكيله الذي هو المرتهن لتعلق الحق في هذه الوكالة. قال العلامة العدوي في حاشيته على الخرشي: ثم إن المرتهن إذا وكل على البيع فليس للراهن عزله كالأمين اهـ. ونقل المواق عن ابن رشد أنه قال: لو طاع الراهن المرتهن بعد البيع وقبل حلول الأجل بالبيع دون مؤامرة سلطان، جاز اتفاقاً لأنه معروف منه، ولو شرط المرتهن على الراهن في عقد البيع أنه موكل على بيعه دون مؤامرة سلطان فقيل إن ذلك جائز لازم، وقاله القاضي اسماعيل وابن القصار وعبد الوهاب وأشهب، وكره ذلك في المدونة اهـ. انظر الحطاب.

قال رحمه الله تعالى: " فإن باعه ربه وقف على إجازة المرتهن، فإن ادعى أنه أذن ليتعجل حلف ويعجل " ويعني كما قال خليل عاطفاً على مبطلات الرهن: أو في بيع وسلم وإلا حلف وبقي الثمن إن لم يأت برهن كالأول اهـ. قال شارحه من المدونة قال مالك: إذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه، فإن أجازه المرتهن جاز البيع وعجل للمرتهن حقه شاء الراهن أو أبى، وإن باعه بإذن المرتهن فقال المرتهن لم آذن في البيع ليأخذ الراهن الثمن حلف على ذلك، فإن آتى الراهن برهن وثيقة يشبه المبيع وأخذ الثمن وإلا بقي الثمن رهناً إلى محل الأجل ولم يعجل المرتهن حقه اهـ. نقله المواق. وأما عبارة الخرشي أنه قال والمعنى أن المرتهن إذا أذن للراهن في بيع الرهن وسلمه له أي وباعه فإنه يبطل ولا يقبل قول المرتهن إني لم آذن له إلا لإحيائه بثمنه وإن لم يسلمه إليه أي وباعه وهو باق تحت يد المرتهن، وقال المرتهن إنما أذنت له في بيعه لإحيائه بثمنه لا ليأخذ ثمنه حلف على ذلك ويبقى الثمن رهناً إلى الأجل إن لم يأت الراهن برهن كالأول في قيمته يوم رهن لا يوم البيع؛ لاحتمال حوالة الأسواق بزيادة أو نقص، وهو مماثل الأول في كونه يغاب عليه أو لا يغاب عليه اهـ. ومثله في حاشية الصاوي على الدردير.

ص: 376

ثم قال رحمه الله تعالى: " وفي عتقه موسراً ينفذ ويتعجل، وفي عسره يوقف، فإن أفاد مالاً أنفذ وإلا بيع في الدين كاستيلاده الأمة " يعني كما في المختصر: ومضى عتق الموسر وكتابته وعجل والمعسر يبقى، فإذا تعذر بيع بعضه بيع كله والباقي للراهن اهـ. قال المواق نقلاً عن المدونة: قال مالك من

رهن عبد ثم أعتقه قال ابن القاسم أو كاتبه جاز ذلك إن كان ملياً وعجل الدين، أما إن كان معسراً وعتقه قبل محل الأجل فإن العبد يبقى كما هو رهناً، فإن أفاد السيد قبل الأجل مالاً أخذ منه الدين وأنفذ العتق، وإن لم يفد السيد شيئاً بيع في الدين عنده - أي عند مالك - إن لم يكن في ثمنه فضل، وإن كان فيه فضل بيع منه ما يفي بالدين وعتق الباقي، فإن تعذر بيع البعض بيع كله والباقي للراهن اهـ.

وفيها أيضاً فيمن رهن جارية فأعتقها أو دبرها أو كاتبها فقال مالك: إن أعتقها وله مال أخذ المال منه فدفع إلى المرتهن وعتقت الجارية والتدبير جائز، وتكون رهناً بمالها لأن الرجل يرهن مدبره عند مالك إن أحب، وأما الكتابة فهي عندي بمنزلة العتق إن كان للسيد مال أخذ منه ومضت الكتابة. قال سحنون: فالتدبير بمنزلة العتق سواء ويعجل له حقه، كذلك قال مالك، ذكره ابن وهب عن مالك وكذلك الكتابة إن كان له مال إلا أن يكون في ثمن الكتابة إذا بيعت وفاء للدين فتكون الكتابة جائزة اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ووطء المرتهن بغير إذن زنى " يعني إن وطئ المرتهن جارية بلا إذن من الراهن حد لأنه زان. قال العلامة الدردير في أقرب المسالك: وحد مرتهن وطئ بلا إذن، وإلا فلا، وقومت عليه بلا ولد حملت أو لا اهـ. ومثله في المختصر. قال في المدونة: وإن وطئها يعني الأمة الرهن المرتهن فولدت منه حد ولم يلحق به الولد، وكان مع الأمة رهناً وعليه للراهن ما نقصها الوطء بكراً أو ثيباً إذا أكرهها لا إن طاوعته وهي بكر، فإن كانت ثيباً فلا شيء عليه، والمرتهن وغيره في ذلك سواء.

ص: 377