الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فيما يتعلق بأحكام بيع الثمار
أي في بيان بيع الثمار وشروطه وما يتعلق بذلك من الأحكام. قال رحمه الله تعالى: " لا تباع الثمرة قبل زهوها إلا مع أصلها، أو على القطع، والإطلاق مبطل، كاشتراط التبقية، فزهو النخل الحمرة والصفرة، وغيرها طيب أكلة، فيباع
الجنس بطيب بعضه ولو في أصل واحد إذا كان متلاحقاً، لا بطيب مبكره، ولا شتوي بطيب صيفي " يعني أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل زهوها إلا مع أصلها للنهي الوارد، وفي الموطأ عن مالك بإسناده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. نهى البائع والمشتري " وعن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل له يا رسول الله وما تزهى؟ فقال: " حين تخمر " وفي رواية: " وعن بيع السنبل حتى يشتد ويطيب ويبيض ويأمن العاهة، وعن بيع العنب حتى يسود " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا منع الله الثمرة فلم يستحل أحدكم مال أخيه) وعن عمرة بنت عبد الرحمن " أن رسوا الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة " قال مالك: وبيع الثما قبل أن يبدو صلاحها من بيع الغرار اهـ. قال في الرسالة: ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه، ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه، وإن نخلة من نخيل كثيرة. قال الشارح: إذا لم تكن باكورة. قال خليل: وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم تبكر، وأما الباكورة إذا بدا صلاحها وحدها فلا يجوز بيع غيرها ببدو صلاحها. ويجوز بيع ثمرها وحدها اهـ النفراوي. وعبارة الجزيري أنه قال: ولا يشترط في صحة بيع الثمار على شجرة أن يظهر صلاحه في جميع الشجر، فإذا كان عنده حديقة بها أشجار مختلفة من نخل ورمان وعنب وتين ومانجو وجوافة وغير ذلك إذا كانت في حديقة واحدة وظهر صلاح ثمر نوع منها ولو في شجرة واحدة فإنه يصح أن يبيع
باقي ثمار ذلك النوع وإن لم يبد صلاحها، فإذا ظهر صلاح الرمان في شجرة واحدة صح له أن يبيع جميع الرمان وإن لم يبد صلاحه إذا كان لا يفرغ رمان الشجرة التي ظهر صلاحها قبل ظهور صلاح ما يجاورها. وأما إذا أثمرت شجرة مبكرة بحيث يستوي ثمرها قبل ظهور صلاح ثمر غيرها فإنه لا يجوز، وهكذا سائر الأجناس اهـ. قال ابن جزي في القوانين: ولا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ويستوي في ذلك العنب والتمر وجميع الفواكه والمقاثي والخضراوات وجميع البقول والزروع. وبدو الصلاح مختلف، ففي التمر أن يحمر ويصفر، وفي العنب أن يسود وتبدو فيه الحلاوة، وفي سائر الفواكه والبقول أن تطيب للأكل، وفي الزرع أن ييبس ويشتد، فإذا بدا الصلاح في صنف من ذلك جاز بيع جميع ما في البساتين منه اتفاقاً، ويجوز بيع ما يجاوره من البساتين خلافاً للشافعي، ولا يجوز بيع صنف لم يبد صلاحه ببدو صلاح صنف آخر كالبستان يكون فيه عنب ورمان فلا يجوز بيع الرمان حتى يبدو صلاحه خلافاً لبعضهم اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والورد ونحوه من النور بظهور بعضه، وله إلى آخر إبانه، والمقاثئ والمطابخ والمغيب كالجزر والفجل إذا أطعم، والموز إلى
أجل معلوم كالقصب، ويجوز جزءاً معلوماً أو حزماً، والبقل إذا أمكن جزه " يعني يجوز بيع الورد ونحوه كالزعفران وجميع ما له نور بظهور النور في بعضه. والورد نبت معروف مشموم فيه رائحة طيبة. والنور بفتح النون وهو الزهر، يقال أزهر النبات إذا ظهر نورها وانفتح. قال خليل: وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم تبكر لا بطن ثان بأول، وهو الزهو وظهور الحلاوة والتهيؤ للنضج، وفي ذي النور بانفتاحه، والبقول بإطعامها، وهل في البطيخ الاصفرار، أو التهيؤ للتبطخ قولان. وللمشتري بطون كياسمين ومقثأة ولا يجوز بكشهر. ووجب ضرب الأجل إن استمر كالموز. ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه اهـ.
وحاصل ما نقله النفراوي عن شراح خليل في بدو الصلاح الذي يحل البيع في جميع الثمار والنباتات أنه قال: في البلح والزهو بضم الزاي والواو المشددة، وهو احمراره أو اصفراره، ويقوم مقام الزهو ظهور الحلاوة في البلح الخضاري، وأما بدوه في نحو الحب والتين والمشمش فظهور الحلاوة، وفي الموز بالتهيؤ للنضج، وفي ذي النور - بفتح النون - بانفتاحه كالورد والياسمين، وفي البقول واللفت والجزر والفجل والبصل بإطعامها واستقلال ورقها بحيث لا تفسد عند قلعها. وأما البطيخ المعروف بالعبدلاوي والقاوون فاختلف فيه على قولين: أحدهما: أن يصفر، والثاني: يكتفى بتهيئه للاصفرار. وأما البطيخ الأخضر فبدو صلاحه بتلون لبه بالسواد أو الحمرة. وأما قصب السكر فبظهور حلاوته. وأما الجوز واللوز وما شابههما فبأخذه في اليبس، وأما نحو القمح والفول والعدس ونحوها من بقية الحبوب فبدو صلاحه يبسه على المعتمد، فلو عقد عليه فريكاً فسخ إلا أن يفوت بقبضه بعد جزه. قال خليل: ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه. وأما الذي يطرح بطوناً ففيه تفصيل: محصله أن ما لا تتميز بطونه مما يخلف كالياسمين والمقاثي كالخيار فللمشتري جميع البطون ولو لم يشترط ذلك، لأنه لا يجوز شراء ما تطرحه المقثأة مدة نحو جمعة أو نصف شهر لعدم ضبط ذلك، وأما ما تتميز بطونه بأن تقطع البطن ثم تخلفها أخرى فحكمه أن تباع كل بطن على حدتها، ولا يكفي في حل بيع بطن بدو صلاح أخرى. قال خليل: لا بطن ثان بأول. . . هذا حكم البطون التي تأتي وتنقطع أصلاً وبقي حكم ما تستمر ثمرته زمناً طويلاً فهذا يجب عند بيعه ضرب الأجل. قال خليل: ووجب ضرب الأجل إن استمر كالموز. وأقول: الضابط الشامل لكل ما سبق أن يبلغ المعقود عليه الحالة التي ينتفع به فيها على الوجه الكامل من غير غرر ولا ضرر اهـ مع تصرف وإيضاح.
قال رحمه الله تعالى: " والقصيل حزماً أو مع الأرض أو بشرط القطع، لا على
التبقية، ولا الحب قبل يبسه واستغنائه عن الماء " والقصيل - كما في المصباح - هو الشعير يجذ أخضر لعلف الدواب، سمي قصيلاً لأنه يقصل وهو رطب، أو لسرعة انقصاله وهو رطب، ومعنى انقصاله أي انقطاعه. والمعنى أن القصيل يجوز بيعه حزماً، أو مع الأرض، أو بشرط القطع، ولا يجوز بيعه على التبقية، وكذا لا يجوز بيع الحب قبل يبسه، فإن وقع فسخ إلا إذغ أفرك فيمضي بقبضه بعد الحصاد. قال الدردير في أقرب المسالك: وفي الحب بيبسه، ومضى بيعه إن أفرك بقبضه. قال في المدونة: أكرهه، فإن وقع وفات فلا أرى أن يفسخ. قال الصاوي: يعني أن الحب إذا بيع قائماً مع سنبله جزافاً بعد إفراكه وقبل يبسه على التبقية، أو كان العرف ذلك فإن بيعه لا يجوز ابتداء، وإن وقع مضى بقبضه بحصاده اهـ كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: " والثمرة المؤبرة للبائع كالزرع الظاهر، وغيرهما تابع. والتأبير تشقيق الطلع وتلقيحه، وغيره ظهور الثمرة من أكمامها " قد عقد ابن جزي فصلاً في القوانين في بيع الأرض وفيها زرع، والأشجار والبساتين وفيها ثمر، ثم قال: فمن باع أصول الأشجار وفيها ثمر فإن كان مأبوراً فهو للبائع سواء شرطه أو سكت عنه، ويكون للمشتري إن اشترطه، وإن كان لم يؤبر فهو للمشتري اشترطه أو لم يشترطه. ولا يجوز أن يكون للبائع فإن أبر بعضه فالمأبور للبائع، وغير المأبور للمشتري. والإبار في الثمر هو التذكير، وكذلك في كل ما يذكر. والإبار فيما لا يذكر هو انعقاد الثمرة. وإبار الزرع خروجه من الأرض. ومن باع أرضاً وفيها زرع فإن لم يظهر فهو للمشتري شرطه أو لم يشترطه. ولا يجوز أن يشترطه البائع لأنه كالجنين في بطن الجارية، وإن كان صغيراً قد ظهر فهو لمن اشترطه منهما، وإن سكتا عنه فقيل يكون للبائع، وقيل للمشتري. وإن كان الزرع كبيراً قد بدا صلاحه فهو للبائع سواء شرطه أو سكت عنه، وإن اشترطه المشتري فهو له اهـ. وعبارة صاحب الرسالة
أنه قال: ومن باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، وكذلك غيرها من الثمار، وأصله في الموطأ عن مالك. والإبار التذكير. وإبار الزرع خروجه من الأرض اهـ. يعني بالتذكير تعليق طلع الذكر على الأنثى لئلا تسقط ثمرتها. ويقال له اللقاح. وقيل شق الطلع عن الثمر. وفي غير النخل كالخوخ والتين أن تبرز الثمرة عن موضعها وتتميز بحيث تظهر للناظر، وأما إبار الزرع فخروجه من الأرض، فمن ابتاع أرضاً ذات زرع ظاهر للناظر يكون زرعها لبائعها إلا أن يشترطه المشتري، كمن اشترى نخلاً مؤبراً كله أو جله، ومن اشترى أرضاً مبذورة لم يبرز زرعها فإنها للمشتري كما تقدم اهـ النفراوي بحذف.
قال رحمه الله تعالى: " ويجوز بيعها على أصولها جزافاً لا خرصاً، واستثناء جزء معلوم ما كان، وفي كيل أو أرطال أو نخلات ما لا يزيد على الثلث " يعني أنه يجوز بيع الثمر على رؤوس الأشجار جزافاً لا خرصاً، ويجوز لرب الحائط أن يستثني جزءاً معلوماً في حائطه ما لم يزد على الثلث، وفي الموطأ:" أن عمرة بنت عبد الرحمن كانت تبيع ثمارها وتستثني منها " قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن له أن يستثني من ثمر حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر ولا يجاوز ذلك، وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك. قال مالك: فأما الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني من ثمر حائطه نخلة أو نخلات يختارها ويسمي عددها فلا أرى بذلك بأساً، لأن رب الحائط إنما استثنى شيئاً من حائط نفسه، وإنما ذلك شيء احتبسه من حائطه وأمسكه ولم يبعه، وباع من حائطه ما سوى ذلك اهـ. وكذلك يجوز له أن يستثني في المكيلات والموزونات شيئاً معلوماً ما لم يزد على ثلث المبيع كما تقدم في الثمار.
قال رحمه الله تعالى: " وبيع قدر معلوم من حائط معين فإن نقدت ثمرته قبل استيفائه فهو مخير بين الرجوع ببقية رأس ماله، ويكون إقالة في البعض،
والتراضي على شيء عوضاً عنه لا عن الثمرة " يعني يجوز لصاحب الحائط أن يبيع قدراً معلوماً من حائطه المعين بعد بدو صلاحه، فإن نفدت ثمرته قبل أن يأخذ المشتري حقه فهو مخير بين رأس ماله وبين التراضي في شيء آخر يأخذه من صاحب الحائط معجلاً لا مؤخراً. هذا وقد سئل مالك عن الرجل يشتري الرطب من صاحب الحائط فيسلفه الدينار ماذا له إذا ذهب رطب ذلك الحائط؟ قال مالك: يحاسب صاحب الحائط ثم يأخذ ما بقي له من ديناره، إن كان أخذ ثلثي ديناره رطباً أخذ ثلث الدينار والذي بقي له، وإن كان أخذ ثلاثة أرباع ديناره رطباً أخذ الربع الذي بقي له، أو يتراضيان بينهما فيأخذ بما بقي له من ديناره عند صاحب الحائط ما بدا له إن أحب أن يأخذ تمراً أو سلعة سوى التمر أخذها بما فضل له، فإن أخذ تمراً أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفي ذلك منه اهـ انظر نظائره في الموطأ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يجوز استثناء ما لا يجوز بيعه كالمجهول صفة وقدراً، والمحرم منفعة وعيناً " يعني أنه لا يجوز لمن باع شيئاً مما يجوز له بيعه أن يستثني منه شيئاً مما لا يجوز له بيعه كالأجنة في بطون الأمهات، سواء كان ذلك آدمياً أو غير الآدمي للنهي في ذلك، لأنه بيع الغرر. قال مالك في الموطأ: ولا ينبغي بيع الإناث واستثناء ما في بطونها، وذلك أن يقول الرجل للرجل: ثمن شاتي الغريرة ثلاثة دنانير فهي لك بدينارين ولي ما في بطنها، فهذا مكروه، أي حرام، لأنه غرر ومخاطرة اهـ.
قال ابن رشد في المقدمات: والأشياء الموجودة بأيدي الناس تنقسم على قسمين: أحدهما ما لا يصح ملكه، والثاني ما يصح ملكه، فأما ما لا يصح ملكه لا يجوز بيعه بإجماع كالحر والخنزير والخمر والقرد والدم والميتة وما أشبه ذلك. وأما ما يصح ملكه فإنه ينقسم على قسمين: أحدهما لا يصح بيعه إما لأنه على صفة لا يجوز بيعه عليها كالعبد
الآبق، والجمل الشارد، وتراب الصواغين وما أشبه ذلك، وإما لأن الشرع حرم بيعه كالأوقاف، ولحوم الضحايا عند جماعة العلماء، والمصحف عند بعضهم، والكلب المأذون في اتخاذه عند بعض أصحابنا. والثاني يصح بيعه ما لم يقع على وجه يمنع الشرع منه اهـ. وتقدم كلام الجزيري في بيوع المنهيات عنها عند قول المصنف: والأعيان النجسة، فراجعه إن شئت. وتلك الأشياء المذكورة مما لا يجوز بيعها، فاستثناؤها في البيع لغو، لأنها كالمعدوم في نظر الشارع، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ولا احتكار ما يضر احتكاره " يعني أنه لا يجوز احتكار ما يضر الناس في احتكاره. قال ابن جزي في القوانين: ولا يجوز احتكار الطعام إذا أضر بأهل البلد. واختلف هل يجبر الناس في الغلاء على إخراج الطعام أم لا؟ ولا يخرج الطعام من بلد إلى غيره إذا أضر بأهل البلد. ومن جلب طعاماً خلي بينه وبينه، فإن شاء باعه وإن شاء احتكره اهـ. عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال:" لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكروه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله " رواه مالك في الموطأ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يسعر على الناس، ومن نقص سعراً أمر أن يلحق بالناس أو يقام من السوق " يعني أنه لا يجوز التسعير، لما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره التسعير إذا غلا القوت، ويقول لهم إذا قالوا سعر لنا:«إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» اهـ. وقد قال عمر بن الخطاب لرجل وجده في السوق