الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
170 - عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب
(1) : قرطبي أبو محمد؛ روى عن أبي القاسم بن بشكوال، ورحل وحج، وروى بالإسكندرية عن أبي الطاهر السلفي، روى عنه بها أبو الحسن بن المفضل وأبو عبد الله التجيبي نزيل تلمسين؛ وبمكة شرفها الله نزيلها أبو عبد الله بن أبي الصيف، وعلى ظهر السفينة أبو مروان عبد الملك بن محمد بن الكردبوس التوزري في وجهتهما من أفريقية إلى الإسكندرية في محرم ثلاث وسبعين وخمسمائة. وكان راوية عدلاً خيرا فاضلا، واستشهد غرقاً في بحر جدة بعد حجه ومجاورته بمكة - شرفها الله - أول سنة سبع وسبعين (2) وخمسمائة؛ قاله التجيبي، وأراه واهماً في ذلك فقد أجاز لأبي محمد عبد الكريم بن مغيث في ذي الحجة سنة سبع وتسعين وخمسمائة، فابحث عنه، والله المرشد.
171 - عبد الوهاب بن علي بن محمد القيسي
(3) : وقال فيه ابن حوط الله: عبد الوهاب بن محمد بن علي؛ مالقي أبو محمد ابن الأصم والمنشي (4)، وقال ابن الابار: المنشري، وقال: ومنشر قرية من قرى مالقة، وذلك غلط (5) ؛ روى عن آبي الحسين بن الطراوة وأبوي عبد الله: الحجازي وابن مسورة، وأبي العباس بن سيد وأبي محمد
(1) ترجمته في صلة الصلة: 27 والتكملة رقم: 1792.
(2)
هامش ح: ابن الابار: خمس وسبعين.
(3)
ترجمته في صلة الصلة: 28، والتكملة رقمك 1295.
(4)
هامش ح: المنشاة من حصون مالقة الغربية، قلت: وكذلك قال ابن الزبير.
(5)
ابن الابار في هذا الموضع ينقل عن ابن فرتون وابن منداس، فالخطأ عائد إليهما.
القاسم بن دحمان ومروان (1) بن مجبر.
روى عنه أبوا جعفر: الجيار وابن يحيى، وأبو سليمان بن حوط الله وأبو عمرو بن سالم وأبوا محمد ابني المحمدين: ابن الكواب وابن المليح؛ وحدث عنه بالإجازة: أبو محمد عبد الرحيم ابن الشيخ.
وكان فقيهاً عاقداً للشروط بصيراً بعللها [21 و] نافذاً في العربية ريان من الادب مجيداً في النظم والنثر، ناقداً ورعاً زاهداً فاضلاً منبسط النفس طريف الدعابة متين الديانة، قليل الرواية نازلها، ولي الصلاة والخطبة بجامع مالقة بعد الخطيب أبي عبد الله الاستجي. وكان قبل قد آثر سكنى باديته معظم عمره راضياً بخموله، عاطفاً على ما يعينه (2) من شأن معاشه ومعاده، إلى أن توفي الخطيب أبو عبد الله الاستجي، انتقل إلى سكنى مالقة إلى أن توفي إماماً في الفريضة بجامع مالقة وخطيباً به فجر يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شوال ثمان وتسعين وخمسمائة، ودفن بعد صلاة العصر من يومه، ومولده سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وكانت بينه وبين أبي القاسم السهيلي وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي محمد بن حوط الله وغيرهم من أدباء عصره مخاطبات ظهر فيها تبريزه وحسن تصرفه، وسيأتي بعضها في رسم أبي عبد الله بن غالب وفي رسم أبي الحجاج بن الشيخ أن شاء الله.
(1) صلة الصلة: وأبي مروان عبد الملك بن مجبر.
(2)
م ط: يعينه.
وله خطب بارعة وأشعار فائقة ورسائل بديعة، وبه ختم أصبغ بن أبي العباس " كتابه في أعلام مالقة " (1) . ويؤثر من تنديره المستطرف (2) أنه دخل يوماً على بعض الولاة بمالقة فسأل الوالي عنه كاتبه أبا محمد عطاء ابن غالب الهمداني المعروف بابن أخت غالب فقال عطاء: هو رجل من أهل البادية، فقال أبو محمد: نعم البادية على وجهي بادية، لا أنكر حالي ولا أعرف بخالي؛ فأسكت عطاء مفحماً وأعجب الأمير والحاضرون بجواب أبي محمد.
قال أبو الحجاج بن الشيخ كان الفقيه أبو محمد، رضي الله عنه، قد أنشدني لنفسه هذين البيتين:(3)
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي ارحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجاره قال: فأنشدتهما ذات يوم جماعة من الاخوان، من اهل الحذق والاتقان، فكل استملحهما حين لمحهما، وومقهما إذ رمقهما، واستحلاهما [21 ظ] لما نشرت حلاهما، إلى أن قال أحدهم: هذا السحر الحلال، والماء الزلال، لكن تعالوا نذيل البيت الأول، على ألا مطمع لكم في قافيته ولا معول، لأنه التزم فيها خمسة أحرف تباعاً، وهذا شيء يقصر كلكم عن الإتيان بمثله باعاً، وأما قافية الثاني فربما، على إنها أبعد من السما، فقلت
(1) ذكره السخاوي في الإعلان: 640.
(2)
وردت القصة في صلة الصلة: 29.
(3)
هما في صلة الصلة: 29.
له: با هذا لقد ضيقت واسعاً، وأيأست طامعاً، وزعمت أن ليس في الحي من حي، ولا في النادي من نادي، ولعل من تزدريه، يديره، وعسى من تحقره يجيب، بالأمر العجيب، فقال: بسم الله ادع النزال بهذا الميدان، وابرز للقتال أن كان لك به يدان، فقلت: ليخرج كل واحد منكم ما عنده، وليجهد جهده، وليقل على قدر وسعه، ورقة طبعه، ثم لنبعث به إلى قائل البيتين، ولنحكمه فانه عدل ما عنده مين، يميز الطيب من الخبيث، والجديد من الرثيث، فرضي كل منا بهذا القول، واستعنا بذي القوة والحول، والمنة والطول، وقال كل فصيح منهم ما أمكن، وزاحمتهم أنا بلساني الألكن، وألقيت دلوي في دلائهم، وجعلت امشي خلف أدلائهم، ثم جمعت ما نظموه، ورفعت ما رسموه، وبعثت به إليه طرائق قددا، ولم أسم من قائله أحدا؛ بيد أني أخرت شعري لركته، وقدمت شعرهم لرقته، وكتبت بهذه الأبيات التي ذكرها يأت، أقمتها مقام الرسالة، وأن لم تكن ذات جزالة، فإنك تصل إلى مفهومها، من منظومها، وتقف على المعنى المودع فيها، من قوافيها، وهي:
أتاك الشعر قد حشرت جنوده
…
يؤمكم وقد نشرت بنوده
بكل مدجج بطل كمي
…
جرئ القلب يستره حديده
معسكره تضل البلق فيه
…
يشيب لهوله منه وليده
ولكن لا ترع فالكل سلم
…
إليك مسلم: يده وجيده
وبعد اسمع اقل ولرب قول
…
تسكته وآخر تستعيده
تجمعنا نقول الشعر يوماً
…
وما نبغي سوى ما نستفيده
فذيلنا لكم بيتاً كسته
…
علاك حلى وزانته بروده
وكل يدعي أن المعلى
…
له والسبق أحرزه قصيده [22 و]
فقدمناك للتميز فاحكم
…
بحكمك إن حكمك نستجيده
فأنت إمام أهل الشعر طرا
…
بإجماع الورى وهم عبيده
وأنت نسيج وحدك لا تبارى
…
وأنت فريد عصرك بل عميده
وهذي الخيل قد عرضت فعرب
…
وهجن، لا يفند ما تريده
وضع وارفع وقل تسمع ومن لم
…
يطع يقطع بأمركم ما وريده - أدام الله لك العافية - لما كان الشعر المذيل على غير هذه القافية أردت أن تكون قافية شعره هذه الرسالة كتلك فقلت ولله الملك:
تذاكرنا القريض وقائليه
…
لنعلم فرعه ونرى نجاره
فقالوا: الشعر سهل قلت: كلا
…
أروني من صدوركم انفجاره حسبتم أن حوك الشعر مثل الحياكة والخياطة والنجاره
…
فقالوا: ذاك أسهل قلت: أين الشجاع يلج على أسد وجاره
…
أنا آتيكم منه ببيت
…
وأعطي من يذيله الإجازة
فقالوا: هات قلت لهم: أجيزوا
…
" بإحدى هذه الخيمات جاره "
فقالوا لي وأنت فقل فقلنا
…
وكل يدعي أن بذ جاره وطال بنا النزاع وليس منا امرؤ من ذاك صاحبه أجاره
…
بفضلك يا فقيه احكم علينا
…
بحكمك واغتنم هذي التجاره
وقل حقاً ولا تستحي منا
…
ومن يغضب يعض على الحجاره قال أحدنا - هو الحاج أبو عبد الله بن مسلمة -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وتبسم عن أقاح لؤيليات
…
وقلب غضنفر قد أتى وجاره
فلولا أن مرءا خاف رباً
…
فيستحيي ويسترعي نجاره
لعض بصارم عضب رءوساً
…
تكاليها بضرب كالنجارة وقال آخر - هو أبو عبد الله بن الحناط -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي ارحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجارة [22 ظ]
فغطت عندما سمعت وقالت:
…
[؟؟؟؟؟.](1) جاره
أما تخشى إلهك يا معنى
…
فقد ألبستني برد الإجاره
أغرك حلمه فنطقت زوراً
…
ولم تسأله من نار إجاره وقال آخر - هو أبو القاسم بن الكاتب -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي ارحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجاره
فمالت نحو خيمتها وقالت
…
ومن أشراكنا يرجو انسجاره
فلا يك طامعاً في النيل إنا
…
قطعنا من حبائلنا هجاره
وأن وصالنا بسل حرام
…
وربتما يحلل بالإجاره
(1) بياض في الأصول.
وقال آخر - هو أبو علي القرطبي -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي أرحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجاره
أجيبي هائما صبا مشوقا
…
أجيريه من الشكوى إجاره
فمثلك قد يرق لمستهام
…
ويرحم في صبابته نجاره
سلام طيب عبق على من
…
أصار بحسنه قلبي وجاره وقال آخر - هو أبو علي بن كسرى -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي أرحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجاره
سلي في ملتقى الخيلين زحفا
…
إذا سأل الردى مني الإجاره
هنالك تعرفين خطير قدري
…
وتسترضين من حر نجاره وقال آخر - هو أبو عبد الله الحجاري -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
وكم ناديت يا هذي أرحمينا
…
فلسنا بالحديد ولا الحجاره
أجيري هائما كلفا معنى
…
فكم ظبي سواكم قد أجاره
شريف الحب ليس يريد وصلا
…
سوى لثم فصل فيه نجاره [23 و]
وقال آخر - هو القرشي أبن أحمد -:
وحاش الحسن منك فديت أن لا
…
يجير من البعاد من أستجاره
فرحمى منك أو عتبى إلينا
…
فقلبي من هوى يأبى ازدجاره
بحكم الحب ذاب جوى، وطرفي
…
أبى من دمعه إلا إنفجاره
ومن تصد العيون له فؤادا
…
تبت حوباؤه للشوق جاره وقال آخر - هو أبو الحجاج بن الشيخ -:
بإحدى هذه الخيمات جاره
…
ترى هجري وتعذيبي تجاره
برؤيتها تضن وكل جار
…
علمت يرى مع الساعات جاره
فتاة من بني النجار تأبى
…
من القلب الشجي إلا أنتجاره
تعمم رأسها بضفير فرع
…
وتحكم يا خليلي اعتجاره
فتنت بها وقد فتنت قديما
…
حجيج منى وقد فتنت تجاره
وتشتجر العوالي في هواها
…
وكل يرتضي فيها اشتجاره
وإني مستجير من هواها
…
ولكن ليس تنفع الإستجاره يا سيدي:
لك الفضل بين لنا من أصاب
…
طريق الصواب ومن أخطأ
ومن كان في السير مستعجلا
…
ومن سار قصدا ومن أبطأ
ومن نخل بستانه أثمرت
…
ومن زرع فدانه أشطأ
فكل يرى إن أرض القريض
…
بخيل الإصابة قد أوطأ
أدام الله عزك، هذه الأخبار لم يزل أهل الآداب يستطرفونها قديما وحديثا، ويسيرون إليها سيرا حثيثا، وأنت - وفقك الله - وإن كنت قد تركت هذه الطريقة، وسلكت سبل الجد والحقيقة، فلك - والحمد لله - بإخوانك اهتمام، ولا سيما بمن بينك وبينه أي ذمام، وأيضا فللكتاب جواب، وهو في اللزام كرد السلام، فلا يثقل عليك - أتم الله نعمه لديك - وأجب بما تيسر وخف، فقد مددنا إليك كل مقلة وكف، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فأجابه الفقيه أبو محمد، رضي الله عنه [23 ظ] :
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على (1) وعلى آله وسلم تسليما:
إن خليلا لي من قضاعه
…
ذكرني أيامي المضاعه
إذ الهوى واللهو لي بضاعه
…
مهلا فذاك الدر قد أضاعه خلك لم يستدم أرتضاعه
…
أيها الفاضل الحسيب، إلى متى هذا التغزل والنسيب؟ ألم تنفد أيام الجهل؟ ألم يعد الفتى كالكهل؟ أما والله لقد أحاطت بالرقاب السلاسل (2) ، وآن أن يخاف من العقاب المتغزل المراسل، رويدك - وأنا المراد - رويدك، فقد طالما أوهنت في تلك الخزعبلات عمرك وأيدك،
(1) م: صلى الله على سيدنا ومولانا.
(2)
نثر قول أبي خراش الهذلي:
وليس كعهد الدار يا أم مالك
…
ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
…
سوى العدل شيئا واستراح العواذل
وعصيت في النصح عمرك وزيدك، وأتبعت الأثر وتركت صيدك، ودراك دراك (1) ، سكون الحراك، وخل عنك ساجعات الأيك، وقل لها وراءك وإليك، ثم ما أنت وعهد ساكنات الخيام، وإن كانت من مباركات الأيام!! كم تسأل عن أنباء سعاد سعدا!! هلا قلت قول الألباء سحقا للهوى وبعدا؛ هذا أوان الشر، با من أرمى على الأشر، فتعال فلنخلع تلك اللينات من الملابس، ولنرجع عن الترهات البسابس، ولنذر الديار وساكناتها، ولنقر الأطيار على وكناتها، ولنذهب في منهاج من صالح العمل، ولنتأهب لانزعاج ليس يسعى به الجمل، هذا والله هو الرأي السديد، عند ذوي الرأي الحديد، ومع هذا فلابد أن نسلك في مسألتك أدنى سبل الإسعاف، ونتمسك من الجواز بالأحبل الضعاف، ونتذوق حلاوة أخبار الاستهتار فلها طعم لذيذ، ونصدق إزراء من أتانا بها صفراء يزعم إنها نبيذ.
وقد ذكرت أن قوما من الشعراء، ذيلوا لي بيتا قد كان عندي منبوذا بالعراء، وأردت أن أقف على أبياتهم، وأعرف كيف تفاوتهم في غاياتهم، وزعمت أن لي بصرا بالتفريق، بيم من سار قصدا أو حاد عن الطريق، فسأقف عليها وإن كان الباع قصيرا، ولم يكن الناقد بصيرا:
فإن لا أكن كل الشجاع فإنني
…
بضرب الطلى وإلهام حق عليم (2)
(1) م: ودارك در السكوت.
(2)
ورد الشطر الثاني من هذا البيت في الأصول كالشطر الثاني من البيت الذي يليه، وهو خطأ لعله سهو من الناسخ، والبيتان لبعض بني أسد وقال التبريزي في شرح الحماسة إنهما لعبد العزيز بن زرارة، وأنظر شرح المرزوقي 1: 378 (القطعة: 83) .
وإلا أكن كل الجواد فإنني
…
على الزاد في الظلماء غير لئيم قال أحدهم:
فلولا إن امرءا خاف ربا؟. (البيت) ، هذا كلام لا يصدر إلا عن الرصين المهذب، الذي لا تستفزه ذوات العيون والبنان المخضب، وما أقربه من منزلة الفلاح، من خاف ربه في مواصلة الملاح، ولشد ما أبرق في شعره وأرعد، وتهدد وتوعد، وموه وشعوذ، واستطال على الجزالة وأستحوذ، - عفا الله عنه - إن لم يكن ذا صارم عضب، فإنه ذو لسان عذب.
وتاليه على أحسن هدي وأم، وهما في الخشية رضيعا ثدي أم، وصاحبته واعظة فصيحة، نصحته والدين النصيحة، كررت الوعظ، وكسرت النعظ، لله درها، لقد على في الصالحات قدرها.
والثالث غير مبخوس الكيل، وهو القائل: فلا تك طامعا في النيل، وإنه في النسيب، لموفور النصيب، وإن حرمته صاحبته وصلا، وجعلته حرام بتلا، فقولها:" وربتما يحلل بالإجارة "، دليل على إن قد لان بعض الحجاره، وقد أوجدت السبيل إلى التحليل، غير إن رب للتقليل.
وليتني كنت جارا، لمن أصار حسن الجارة قلبه لها وجارا، هذا العاشق حقا، وسحقا لمن قال:" فسلي ثيابي من ثيابك " سحقا، لقد توسل في شعره بلطيف سبب، وأشار إلى شريف نسب، وأجاد الخضوع لمحبوبه والضراعه، حتى كاد يمد إلى مطلوبه ذراعه.
ولقد أرسل نهاره في الحرب وارداً وحفا، من قال:" سلي بي ملتقى الخيلين زحفا "؛ فإن يصدق فلست في لبس، إنه أشجع من أخي عبس، ألا تراه يقول:" إذا سأل الردى مني الاجاره " فهذه بلية، زائدة على المنية، وعنترة يقول (1) :
إن المنية لو تمثل مثلت
…
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل فهذا يزعم انه يشبه الموت، وبينه وبين من يستجير منه الردى فوت، وأن صح دعواه، عند من يهواه، جنت يمناه، ثمر مناه، ولعله؟ والله يغفر له - ينشد إذا التقى الصفان، وتدانى الصنفان، ونظر إلى سرعان الخيل، وعاد النهار كالليل:[24 ظ]
لست على القرن بعطاف
…
ولا لدى الحرب بوقاف
لكنني أهرب مستعجلا
…
لو ربطت رجلي إلى قاف
وينشد: والحرب العوان كأنها
…
من الهول بحر في تدافعه طما:
" وقالوا: تقدم: قلت: لست بفاعل
…
أخاف على فخارتي أن تحطما " (2)
(1) من ديوانه: 58 (ط. صادر - بيروت) .
(2)
البيت لأبي دلامة قاله حين دعاه أبو مسلم لمبارزة أحد الفرسان (أنظر الأغاني 10: 280 ط. دار الثقافة) .
ثم حكى قصيراً حين ركب العصا (1)، وقال: اللهم اغفر لمن عصى؛
وحبذا القائل:
شريف الحب ليس يريد وصلا
…
سوى لثم فصل فيه نجاره هذا رجل يرجع إلى عفاف، ويقنع بكفاف، سلك في هواه أحمد طريقه، وقنع ممن يهواه بمجة ريقه، وليس كالعسل (2) ، الطالب للنسل، وإذا تمادت العلة، واشتدت الغلة، فلا شاف، كارتشاف، ولا مطفئ حريق، كرشفة ريق، ولعمري لقد شارك في الصفه، من كان عنه الضمير فاسق الشفه، أيؤمن (3) هذا الفاضل، وأين من؟ ومثله فليؤتمن، غير انه يبعد عندي أن يكون الجازر ينفخ ولا يسلخ، وكيف تجتمع شفاه الأحباب، ثم لا تقرع حلقة الباب!! وهل سمعت بمن رتع حول الحمى وأن كان محترزاً، إلا صيره جرزاً (4) ؟!
وخبرني أمالقي، من سأل في شعره العتبى والرحمى أم عراقي، وقد سكن الحمى، ينساب في توصيله إلى المأرب انسياب الأيم، ويلج بلطيف توسله على الكواكب أبواب الخيم وكل رفيق فذو توفيق.
وأما الذي فتنته إحدى بنات النجار، فروضه في الشعر أنف الينمة (5)
(1) قصير هو صاحب جذيمة المضروب به المثل " لا يطاع لقصير أمر " والعصا: فرس جذيمة.
(2)
العسل: لعله من عسل المرأة أي نكحها. وفي ح ضبطت بفتح السين.
(3)
م ط: أنؤمن.
(4)
ارض جزر: أكل نباتها.
(5)
م ط: النعمة.
والجرجار (1) ، نيف على إخوانه في اللزوم، وزحف إلى أقرانه مشدود الحيزوم، غير إن في شعره:
فتنت بها وقد فتنت قديما
…
حجيج مني وقد فتنت تجاره إني أسائله (2) عن هذه المرأة يا أبا الحجاج: كيف فتنت قديما قلوب الحجاج، ثم لم يغير القدم بهجتها، منذ قضت حجتها: ولم يزل القدم يغير الحدود والرسوم، فكيف الخدود والجسوم، وأخبر أنها الآن تعمم رأسها بضفير فرع، وهذا رأس يجب ان يكون أرضاً غير ذات زرع، وليس هنا شبهه، في أنه كله جبهه، ومن أخبرك من الفتيات الناسكات أنها مسنه، فقل لهن أن إن إنه، مستحيل غير جائز، أن يفتتن هذا الشاعر بالعجائز، فان أزال [25 و] لفظة قديم، فأنا له أصحب من نديم.
ثم نعود إلى استغفار الملك الغفار، فأن رحمته واسعة، وعن المحسنين غير شاسعة، اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين، واغفر لنا ما أجرمنا في سالف السنين، واستعملنا بطاعتك بقية أعمارنا، وأصلحنا في إعلاننا وإضمارنا، أنك كريم رحيم.
أعزك الله، ربما كان في كلامي بعض دعابة، لم أذهب بها إلى معابة، فلك الفضل في بسط العذر لديهم، وإيصال التحية إليهم، ثم السلام الأتم، الأعم الأكرم، على أخي وولي في الله الفقيه الأجل أبي الحجاج، ورحمة الله وبركاته.
(1) الينمة والجرجار: نوعان من النبات، والروض الآنف: المحمي الذي لا يرعاه أحد.
(2)
في الأصول: أسائلها.
ونظم أبو الحجاج بن الشيخ رحمه الله أربعة أبيات التزم في كل بيت منها كافا دون تكرار، وجعلها بخمسة القوافي بلفظ وكف، وبعث بالقوافي مسطرة دون الأبيات إلى الخطيب أبي محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله وسأله أن يبنى على تلك القوافي، وقدم بين يدي ذلك خمسة أبيات أقامها مقام الرسالة ولم يلتزم الكاف في هذه الأبيات الخمسة إلا في آخر بيت منها حسبما تراه وهي:
أيا من له بالمعالي كلف
…
ومن وجهه البدر لا بالكلف
أجز ذا الكلام وسق كل لفظ
…
بكاف وبعد احتمل ذي الكلف
كلام فصيح وخطب فسيح
…
بنقس كقار وطرس كلف
وإياك تكرار ما سقته
…
فتلفى كحطابة الشوك لف
ولكن كلاماً كذا كله
…
بكاف وكن بالكمال كلف فأجابه أبو محمد، رحمهما الله:
سلام كريم عميم، على أخي وولي في الله تعالى، الفقيه الحاج أبي الحاج: كتبت وأنا مجل قدركم العلي، عبد الوهاب بن علي، بعد ان وافاني كتابكم الكريم، وأنا أحاول أن يبتني على زوجه ولدي عبدكم ويروم، فكتبت ما تسنى، وأرى أنا ما أحسنا، لأني رأيتك كثير الفرار، ممن اخذ في القوافي بالتكرار، ولم يلك كلامه ذلك اللوك، وكان كحصاد لف مع السنبل الشوك، وهذا هو دأبي، وإلى
هذه الغاية بلغت في (1) آدابي، لكن قلت [25 ظ] لنفسي: خذي المنجل واحتزمي، وما التزم صاحبك فالتزمي، ونهضت نحو الفرار مقلص الأذيال والأردان، واستن محلك من القوافي في مكون عقلي، وقال للشاردة منها قفي عقرى حلقى، وأنشد بعد أن تمدد مستريحاً واستلقى:
أجدت الحصاد ولم (2) أنبل
…
إذا ما حصدت سوى السنبل
أخير ولي توليته
…
وأزكى ولي إذا ما بلي
تصفح مقالاً له جدة
…
مع الدهر ما أن بلي بالبلى
وأني لأزحم، إن يضعفوا
…
عن امثاله، جانبي يذبل
على أنني دونكم والذرا
…
مكان الحضيض من الأجبل
كرمت فكنت كغيث وكف
…
وكاملت كعباً فكع وكف
فشكراً كثيراً لملك كبير
…
كفاك اكتساب كنوز الوكف
وكم كاشح كاتم كيده
…
نكأت بكلم كلام وكف
وكللت بالسبك كانون ذكر
…
ومثلك بالمسك أذكى وكف وأقرأ بعد من سلامي المعاد أتمه وأعمه، وأزكاه وأعلاه.
(1) م: بي.
(2)
م: ابقل.
والقطعة التي نظم أبو الحجاج ولم يبعثها إلى أبي محمد هي:
ركبت الكبائر والمهلكات
…
وامسك كل حكيم وكف
وذكر المليك الشكور الوكيل
…
تركت وأكثرت عكم الوكف
فكيف تزكى وكم منكر
…
كسبت بكيد كلام وكف
فنكر وكس وادكر ولتكن
…
كئيباً تبكي كمسك وكف وقال أيضاً أبو الحجاج، ولم يكرر فيها كاف ضمير ولا كاف تشبيه ولا كاف مصدر ولا اسم فاعل:
كتبت شكاتي لكعب كفيل
…
بكشف الكروب وكتم الكلف
تدارك بكنات بكري الكعاب
…
فعندك بالمكرمات كلف
وأكره تكرار كافاتها
…
فتكسى ذكاء كثيف الكلف
ولكن كلاماً كذا كله
…
بكاف وكن بالكمال كلف (1)[25 و]
وتكفيك مكنونة شكلت
…
بلك كمسك بصك كلف قال أبو الحجاج: لما فرغت من هذا قال لي بعض الأصحاب: لم تترك كافاً، فكتبت إليه في كتف بهذه الأبيات:
(1) تكررت الأبيات: 2 - 4 في الأصول.
لكهف الذكاء وركن الزكاء
…
شارك وحرك كمين الكتف
فكبكب كميهم وانكفئ
…
بكهلهم بشراك كتف
وكنزهم أكمح ومسكنهم
…
فذكرك فاكلهم كالكتف وقال أيضاً والتزم في القافية ما تراه:
أتكرى وتضحك والناسكون
…
أكثرهم راكع معتكف
ويشكر لكن بأكباده
…
كلوم كوته كواها تكف
فكفر كذاباً وإفكاً ونكثا
…
تكللته واستكن واستكف
وكاس السكركة مسكرة
…
والأكواب كسر لكيما تكف وكتب إليه أبو الحجاج ابن الشيخ رضي الله عنهما بمقطعات من شعره، وفصول من نثره، يستفهمه فيها، كما جرت بينهما به العادة، أدام الله لهما السعادة، وسأله أن يكتب له بما أمكن من كلامه وقدم بين يدي مطلبه ذلك هذه الأبيات اللزوميات:
إملأ الطرس سحر نظم ونثر
…
ملا الله طرسكم حسنات
إن بعثتم لنا بما لاح منه
…
فبما عن لي ولاح سنات والقبيح اجتنبه في ذاك لا تأته ما اسطعت صاح والحسن آت
…
فكتب إليه أبو محمد رحمه الله بما حضر من كلامه نظماً ونثراً وكتب معه:
قد بعثنا إليك نظماً ونثراً
…
جل هذا وذا عن السقطات