الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان ذا معرفة بالقراءات وطقها مجوداً ضابطاً، سمحاً سخياً، خرج من بلده في الفتنة فاستوطن دانية وخطب بجامعها حيناً، ثم تحول إلى ميورقة وأقرأ بها القرآن [63 و] وأسمع الحديث، وكان من أهل العناية به متسه الرواية عدلاً، وكف بصره بأخرة من عمره، نفعه الله، وتوفي بميورقة في النحو السبعين وخمسمائة.
415 - علي بن خلف بن غالب بن مسعود الأنصاري
(1) : وقال فيه أبن الزيات: القرشي، شلبي استوطن قرطبة ثم قصر كتامة، أبو الحسن بن غالب، والعارف؛ تلا على أبوي داود: أبن أيوب وابن يحيى، وسمع الحديث على أبي القاسم بن رضا، وأبوي جعفر: أبن عبد العزيز والبطروجي، وأبي الحسن وليد بن موفق وأبي عبد الله بن معمر، وتلا عليه بحرف نافع، وأبي محمد النفزي المرسي وأبي مروان بن مسرة، وأخذ فرائض المواريث والحساب عن أبي العباس بن عثمان الشلبي، وكتب إليه مجيزاً أبو بكر بن الخلوف وآباء الحسن: شريح وأبن موهب وأبن الإمام، وأبوا عبد الله: الجياني البغداذي وأبن أبي أحد عشر، وصحب أبا الحسين عبد الملك بن الطلاء وأبا الحكم بن برجان وأبا القاسم بن بشكوال وأبا الوليد بن مفرج، وسمع منهم كثيراً وأجازوا له لفظاً؛ وصحب من رجال التصوف سوى من ذكر أبا العباس ابن العريف.
(1) ترجمته في صلة الصلة: 99 والتكملة رقم 1870 والتشوف: 211 (رقم: 81) وسلوة الأنفاس 2: 24 وجذوة الاقتباس: 297.
روى عنه أبو الحسن بن مؤمن وأبو الخليل مفرج بن سلمة وأبو الصبر الفهري وأبوا محمد: ابن محمد بن فليح وعبد الجليل بن موسى القصريب؛ وكان في فتائه إذ رحل إلى قرطبة قد استكتبه الحاج بن بلكاس اللمتوني فحظي عنده كثيراً واستولى عليه، وبقي معه كذلك مدة ثم رفض ذلك وتخلى عنه زاهداً فيه، وتصدق بما ملكته يمنه أجمع.
قال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي (1) : سمعت أبا الصبر أو عبد الجليل يقول: ورث أبو الحسن بن غالب عن أبيه نحو اثني عشر ألف دينار (2) فخرج عنها كلها تورعاً، فقال له أبو العباس بن العريف: يا أبا الحسن: هلا طهره الثلث؟ ثم إن أبا الحسن آثر الخمول والسياحة، وطاف البلاد في لقاء العلماء والزهاد، وانقطع معهم وألزم نفسه من أنواع المجاهدات كثيراً. ثم لما كانت فتنة الأندلس دارت عليه دوائر كادت تنال منه، فخلصه الله منها بجميل صنعه وما عود أولياءهمن ألطافه، وفارق الأندلس بعد تردده في كثير من [63 ظ] بلادها حتى أستوطن قصر كتامة وصار إمام الصوفية وقدوتهم، يقصدون إليه ويهتدون بآثاره ويقتبسون من أنواره.
قال أبو العباس بن إبراهيم الأزدي (3) : سمعت عبد الجليل أو أبا الصبر يقول: كنت أحضر مجلس أبي الحسن فيحضره جماعة من المشاة
(1) ورد الخبر في التشوف: 211.
(2)
ح: دينر.
(3)
انظر التشوف: 211.
في الهواء، وكان فيهم رجل يظهر في وجهه كأثر حرق النار من احتراق الهوى.
وكان ممكناً في علوم القرآن وله في طريقة التصوف مصنفات لا نظير لها منها: " كتاب اليقين "؛ وكان له حظ وافر من الادب وقرض الشعر، خاطبه القاضي أبو حفص بن عمر في أمر واستدعى منه الجواب فكتب إليه:
وما عسى يصدر من باقل
…
من كلم سحبان يعيا به
لو جاز ان يسكت ألفا ولا
…
ينطق خلفاً كان أولى به
فرض الجواب اضطره صاغراً
…
أن يدعي ما ليس من بابه
أردتم من فضلكم أن تروا
…
معيدياً في فضل أثوابه
فهاكم عنوانه معرب
…
عن فهه بان بإعرابه
لو سكت المسكين يا ويحه
…
أغرى بمن كان من أحبابه قال أبو الحسن بن مؤمن: سالته يوماً وأنا حديث السن - أرى ذلك في سنة أربعين وخمسمائة - فقلت له: يا سيدي، ما طلب الهوى؟ فقال بديهة: الياس؛ قال أبو الحسن: فاعتبرت قوله من حينئذ فلم أر كلمة أجمع ولا أخصر ولا أحج في جواب ما سالته عنه منها. وقال أبو الصبر كان من الذين (1) إذا ريئوا ذكر الله.
وكان عالماً أديباً شاعراً، ديناً فاضلاً زاهداً متواضعاً؛ إذا رأيته
(1) م ط: من القوم الذين.
وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة لله تعالى، قد جمع الله له محاسن جمة من العلوم والمعارف والآداب، وخصوصاً علم الحقائق والرياضيات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السنية، وكان من المحدثين، قيد في الحديث روايات كثيرة، وليق من المشايخ الجلة جملة، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة لله والتاهب للقائه وحسن الرعاية والإقبال [64 و] على الدار الآخرة، وكان قد بلغ الثمانين سنة وهو في اجتهاده كما كان في بدايته، وكان شيخ وقته علماً وحالاً وورعاً، أشفق خلق الله على الناس، وأحسنهم ظناً بهم، رحمه الله.
ومما يؤثر من كراماته ما ذكره أبو يعقوب بن الزيات قال (1) : كتب إلي من قصر كتامة أبو عمران موسى بن عبد العزيز الأنصاري، أخبرني من أثق به أن أبا الحسن كان يقول: إذا أشكل علي معنى في شيء أنظر في أي وجهة كانت من جهات البيت فأجده مسطوراً. قال: وأخبر الفقيه أبو محمد عبد الجليل بن موسى أنه رأى ليلة وفاته في السماء مكتوباً: فقد وتد، قال أبو يعقوب بن الزيات: وتوفي بقصر كتامة عام ثمانيه وستين وخمسمائة ويقال عام ثلاثة وسبعين.
قال المصنف عفا الله عنه: كانت وفاته ليلة السبت الرابعة من جمادى الآخرة سنة ثمان وستين، وعمر ثلاثاً وثمانين سنة، فكانت ولادته في نصف عام أربعة وثمانين وأربعمائة، ودفن خارج رحبة البقر من قصر
(1) التشوف: 211.