الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسألة)(وإن قال له على ألف إلا ألفاً لم يصح)
لأنه استثنى الكل ولا يصح بغير خلاف لأنه رجوع عن الاقرار وإن قال الاسمائة لم يصح وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره إلا ماكان حداً لله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لا سقاطه فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه عنها ولا نعلم في هذا خلافاً
(مسألة)(وإن قال كان له عندي ألف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة درهم فقال الخرقي ليس بإقرار والقول قوله مع يمينه)
وحكى ابن أبي موسى في هذه المسألة روايتين (أحدهما) أن هذا ليس بإقرار اختاره القاضي وقال لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا (والثانية) أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء والاحلف غريمه وأخذه اختاره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه أقر بالدين وادعى القضاء بكلام منفصل ولأنه رفع جميع ما أثبته فلم يقبل كاستثناء الكل وللشافعي قولان كالمذهبين، ووجه قول الخرقي أنه قول متصل تمكن صحته ولا تناقض فيه فوجب أن لا يقبل كاستثناء البعض، وفارق المنفصل لأن حكم الأول قد استقر بسكوته عنه فلا يمكن رفعه بعد استقراره ولذلك لا يرفع بعضه باستثناء ولا غيره فما يأتي بعده من دعوى القضاء يكون دعوى مجردة لا تقبل إلا بينة
وأما استئناء الكل فمتناقض لأنه لا يمكن أن يكون عليه ألف وليس عليه شئ (فصل) فإن قال كان له على ألف وقضيته منه خمسمائة فالكلام فيه كالكلام فيما إذا قال
وقضيته وإن قال له إنسان عليك مائة لي فقال قد قضيتك منها خمسين فقال القاضي لا يكون مقرا بشئ لأن الخمسين التي ذكر أنه قضاها في كلامه ما يمنع بقاءها وهو دعوى القضاء وباقي المائة لم يذكرها وقوله منها يحتمل أنه يريد بها مما يدعيه ويحتمل مما علي فلا يثبت عليه شئ بكلام محتمل ويجئ على قول من قال بالرواية الأخرى إنه يلزمه الخمسون التي ادعى قضاءها لأن في ضمن دعوى القضاء إقراراً بأنها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة (فصل) فإن قال كان له على ألف وسكت لزمه الألف في ظاهر قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يلزمه شئ وليس هذا باقرار لأنه لم يذكر عليه شيئاً في الحال إنما أخبر بذلك في زمن ماض فلا يثبت في الحال ولذلك لو شهدت البينة لم يثبت ولنا أنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فبقي على ما كان عليه، ولهذا لو تنازعا داراً فأقر أحدهما للآخرانها كانت ملكه حكم بها له إلا أنه ههنا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه لأنه لا تنافي بين الإقرار وبين ما يدعيه وهذا على إحدى الروايتين (فصل) وإن قال له على ألف قضيه إياه لزمه الألف ولم تقبل دعوى القضاء وقال القاضي تقبل
لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا فأشبه مالو قال كان له على وقضيته له وقال ابن أبي موسى إن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة ولزمه الألف الذي اقربه وله اليمين على المقر له وأما لو قال قضيت بعضه قبل منه في إحدى الروايتين لأنه رفع بعض ما اقربه بكلام متصل فأشبه مالو استثناه بخلاف ما إذا قال قضيت جميعه لكونه رفع جميع ما هو ثابت فأشبه استثناء الكل ولنا أن هذا قول متناقض إذا لا يمكن أن يكون عليه ألف قد قضاه فإن كونه عليه يقتضي بقاءه في ذمته واستحقاق مطالبته به وقضاءه بمقتضى براءة ذمته منه وتحريم مطالبته به وهذا ضدان لا يتصور اجتماعهما في زمن واحد بخلاف ما إذا قال له كان علي وقضيته فإنه أخبر بهما في زمانين ويمكن أن يرفع ما كان ثابتاً ويقضي ما كان ديناً وإذا لم يصح هذا في الجميع لم يصح في البعض لا ستحالة بقاء ألف عليه قد قضى بعضه، ويفارق الاستثناء فإن الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقي من المستثنى
منه فقول الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاماً أما القضاء فإنما يرفع جزءاً كان ثابتاً فإذا ارتفع بالقضاء لا يجوز التعبير عنه بما يدل على القضاء (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان) الاستثناء من الجنس - وهو ما دخل في المستثنى منه - جائز بغير خلاف علمناه فإن ذلك كلام العرب وقد جاء في الكتاب والسنة قال الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم (يكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين) وذلك في كلام العرب كثير فإذا اقر بشئ واستثنى منه كان مقراً بالباقي بعد الاستثناء فإذا قال له على مائة إلا عشرة كان مقراً بتسعين لأن الاستثناء يمنع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل فإنه لو دخل ما أمكن إخراجه ولو أقر بالعشرة المستثناة لما قبل منه إنكارها وقول الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) أخبار بتسعمائة وخمسين فالاستثنا.
بين أن الخمسين المستثناة غير مرادة كما أن التخصيص يبين أن المخصوص غير مراد باللفظ العام إذا ثبت ذلك فلا نعلم خلافاً في جواز استثناء ما دون النصف وقد دل عليه ما ذكرنا من الكتاب والسنة (فصل) فأما استثناء ما زاد على النصف فلا يختلف المذهب أنه لا يصح وهو كاستثناء الكل يؤخذ بالجميع ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوي وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهم يصح استثناء ما دون الكل فلو قال له على مائة إلا تسعة وتسعين لم يلزمه إلا واحد بدليل قول الله تعالى (قال فبعزتك لاغويهم أجميعن إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وأيهما كان الأكثر فقد دل على استثناء الأكثر وأنشدوا أدوا التي نقصت تعسين من مائة ثم ابعثوا حكماً بالحق قواما فاستثنى تسعين من مائة ولأنه في معنى الاستثناء ومشبه به ولأنه استثنى البعض فجاز كاستثناء الأقل
ولأنه رفع بعض ما تناوله اللفظ فجاز كالتخصيص والبدل.
ولنا أنه لم يرد في لسان العرب الاستثناء إلا في الأقل وقد أنكروا استثناء الأكثر فقال أبو
إسحاق الزجاج لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير ولو قال قائل مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلماً بالعربية وكان عياً من الكلام ولكنة، وقال القتيبي يقال صمت الشهر إلا يوماً ولا يقال صمت الشهر إلا تسعة وعشرين يوماً ويقال لقيت القوم جميعهم إلا واحداً أو اثنين ولا يجوزان يقال لقيت القوم إلا أكثرهم وإن لم يكن صحيحاً في الكلام لم يرتفع به ما أقر به كاستثناء الكل وكما لو قال له علي عشرة بل خسمة، وأما ما احتجوا به من التزيل فإنه في الآية الأولى استثنى المخلصين من بني آدم وهم الافل كما قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصلحات وقليل ماهم) وفي الآية الأخرى استثنى الغاوين من العباد وهم الأقل فإن الملائكة من العباد وهم غير غاوين قال الله تعالى (بل عباد مكرمون) وقيل الاستثناء في هذه الآية منقطع بمعنى الاستدراك فيكون قوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) يبقى على عمومه لم يستثن منه شئ فيكون قوله (إلا من اتبعك من الغاوين) أي لكن من ابتعك من الغاوين فإنهم غووا باتباعك، وقد دل على صحة هذا قوله في الآية الأخرى لاتباعه (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) وعلى هذا لا يكون لهم فيها حجة وأما البيت فقال ابن فضال النحوي هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب على أن هذا ليس باستثناء فإن الاستثناء له كلمات مخصوصة
ليس هذا منها والقياس لا يجوز في اللغة ثم نعارضه بأنه استثنى أكثر من النصف فلم يجز كاستثناء الكل والفرق بين استثناء الأكثر والأقل أن العرب استحسنته في الأقل واستعملته ونفته في الأكثر وقبحته فلم يجز قياس ما قبحوه على ما حسنوه (فصل) وفي استثناء النصف وجهان (أحدهما) يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ليس بالأكثر فجاز كالأقل (والثاني) لا يجوز ذكره أبو بكر لأنه لم يرد في كلامهم إلا في القليل من الكثير والنصف ليس بقليل وهو أولى (مسألة)(فإذا قال له على هولاء العبيد العشرة إلا واحداً لزمه تسليم تسعة) فإن عينه فقال إلا هذا صح وكان مقراً بمن سواه وإن قال إلا واحداً ولم يعينه صح لأن الإقرار يصح مجهولاً فكذلك الاستثناء منه ويرجع في تعيين المسمى إليه لأن الحكم يتعلق بقوله وهو أعلم بمراده به وإن عين من
عدا المستثنى صح وكان الباقي له.
(مسألة)(فإن ماتوا إلا وحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل؟ على وجهين)(أحدهما) يقبل ذكره القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) لا يقبل ذكره أبو الخطاب وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه يرفع به الإقرار كله، والصحيح الأول لأنه يقبل تفسيره به في حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحالة حياتهم وليس هذا رفعاً للإقرار وإنما تعذر تسليم المقر
به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى التفسير فأشبه مالو عينه في حياته فتلف بعد تعيبنه فإن قتل الجميع إلا واحداً قبل تفسيره بالباقي وجهاً واحداً لأنه غير متهم لأن المقر له يحصل له قيمة المقتولين بخلاف الموت فإنه لا يحصل للمقر له شئ، وإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع في التفسير إليه، وإن قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحداً قبل تفسيره به وجهاً واحداً لأن المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الإقرار بخلاف ما إذا ما توا (فصل) وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بالافاذا قال له على عشرة سوى درهم أو ليس درهما أو خلا درهما أو عدا درهما أولا يكون درهما أو غير درهم بفتح الراء كان مقراً بدرهم وإن قال غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مفسراً بعشرة لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها ولا تكون استثناء فإنها لو كانت استثناء كانت منصوبة وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لان الظهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا منه بالعربية لا قصداً للصفة (فصل) ولا يصح الاستثناء إلا أن يكون متصلاً بالكلام فإن سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي لم يصح لأنه إذا سكت وعدل عن إقراره إلى شئ آخر استقر حكم ما أقر به فلم يرفع بخلاف ما إذا كان في كلامه فإنه لا يثبت حكمه أو ينظر ما يتم به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء والشرط والبدل ونحوه
(مسألة) (وإن قال له هذه الدار إلا هذا البيت لي قبل منه لأن الأول استثناء فلا يدخل البيت
في إقراره والثاني في معنى الاستثناء لكونه أخرج بعض ما يتناوله اللفظ بكلام متصل وسواء كان البيت اكثر من نصف الدار أو أقل (مسألة)(وإن قال له علي درهمان وثلاثة الادرهمين فهل يصح على وجهين؟)(أحدهما) يصح لأن الاستثناء يعود إلى الجملتين وهو أقل من النصف (والثاني) لا يصح لأنه يعود إلى أقرب المذكورين فيكون استثناء أكثر من النصف (مسألة) (وإن قال له على درهم ودرهم الادرهما أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين أو ثلاثة ونصف إلا نصفا أو إلا درهماً أو خمسة وتسعون إلا خمسة لم يصح الاستثناء.
ولزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء وهذا قول الشافعي وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة وفيه وجه آخر أنه يصح لأن الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة وعندنا أن الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفاً بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها كقولنا في قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) إن الاستثناء عاد إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته
إلا بإذنه) قال شيخنا والأول أولى لأن الواو لم تخرج الكلام من أن يكون جملتين والاستثناء برفع إحداهما جميعها ولا نظير لهذا في كلامهم ولأن صحة الاستثناء تجعل إحدى الجملتين مع الاستثناء لغواً لأنه أثبت شيئاً بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على غيرها فأما الآية والخبر فإن الاستثناء لم يرفع إحدى الجملتين إنما أخرج من الجملتين معاً من اتصف بصفة فنظيره قوله للبواب من جاء يستأذن فائذن له وأعطه درهما إلا فلاناً ونظير مسئلتنا ما لو قال اكرم زيدا وعمراً إلا عمراً (مسألة) وإن قال له على خمسة إلا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين) لأنه استثنى أكثر من النصف وفي الآخر يلزمه ثلاثة ويبطل الاستثناء الثاني (مسألة)(ويصح الاستثناء من الاستثناء)
فإذا استثنى استثناء بعد استثناء وعطف الثاني على الأول كان مضافاً إليه فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين كان مستثنيا الخمسة مقراً بخمسة فإن كان الثاني غير معطوف على الأول كان استثناء من الاستثناء وهو جائز في اللغة قال الله تعالى (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) فإذا كان صدر الكلام إثباتاً كان الاستثناء الأول نفياً والثاني إثباتاً فإن استثنى استثناء ثالثاً كان نفياً يعود كل استثناء الى ما يليه من الكلام فإذا
قال له سبعة الا ثلاثة الادرهما لزمته خمسة لأنه أثبت سبعة ثم نفى منها ثلاثة ثم أثبت درهماً وبقي من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من السبعة فيكون مقراً بخمسة (مسألة)(وإن قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة الادرهمين الادرهما لزمه عشرة) على قول أبي بكر لأنه منع استثناء النصف وفي الوجه الآخر يلزمه ستة لأن الاستثناء إذا رفع الكل أو الا كثر سقط إن وقف عليه وإن وصله باستثناء آخر استعملناه فاستعملنا الاستثناء الأول لوصله بالثاني لأن الاستثناء مع المستثنى عبارة عما بقي فان عشرة الادرهما عبارة عن تسعة فإذا قال له على عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة صح استثناء الخمسة لأنه وصلها باستثناء آخر وكذلك صح استثناء الثلاثة والدرهمين لأنه وصل ذلك باستثناء آخر والاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي اثبات فصح استثناء الخمسة وهو نفي فنفي خسمة وصح استثناء الثلاثة وهي إثبات فعادت ثمانية وصح استثناء الدرهمين وهي نفي فبقيت ستة ولم يصح استثناء الدرهم لأنه مسكوت عليه ويحتمل أن يكون وجه الستة أن يصح استثناء النصف ويبطل الزائد فيصح استثناء الخمسة والدرهم ولا يصح استثناء ثلاثة والاثنين (والوجه الثالث) يلزمه سبعة إذا صححنا الاستثناءات كلها فإذا قال عشرة إلا خمسة بقي خمسة فإذا قال إلا ثلاثة عادت ثمانية لأنها إثبات فإذا قال إلا درهمين كانت نفياً فبقي ستة فإذا استثنى درهما كان مثبتاً فصارت سبعة (والوجه الرابع) يلزمه ثمانية لأنه يلغي الاستثناء الأول لكونه النصف فإذا قال إلا ثلاثة كانت مثبتة وهي مستثناة
من الخمسة وقد بطلت فتبطل الثلاثة أيضاً لبطلان الخمسة ويبقى الاثنان لأنهما نفي والنفي يكون من
إثبات، وقد بطل الإثبات الذي قبلها فتكون منفية من العشرة تبقى ثمانية ولا يصح استثناء الواحد من الاثنين لأنه نصف (فصل) فإن قال له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين بطل الاستثناء كله لأن الاستثناء لدرهمين من الثلاثة استثناء الأكثر وهو موقوف عليه فبطل فإذا بطل الثاني بطل الأول لأنه استثنى الكل ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) يبطل الاستثناء لأن الأول بطل لكونه استثناء الكل فبطل الثاني من الإقرار لأنه فرعه (الثاني) يصح ويلزمه درهم لأن الاستثناء الأول لما بطل جعلنا الاستثناء الثاني من الإقرار لأنه وليه لبطلان ما بينهما ويصح (الثالث) ويكون مقراً بدرهمين لأنه استثناء لأكثر واستثناء الأكثر عندهم يصح ووافقهم القاضي في هذا الوجه، وإن قال ثلاثة الا إلا ثلاثة إلا درهماً بطل الاستثناء كله، ويجئ على قول أصحاب الشافعي فيه مثل ما قلنا في التي قبلها (مسألة)(ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه) وبهذا قال زفر ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة إن استثنى مكيلا أو موزونا جاز وإن استثنى عبداً أو ثوباً من غير مكيل أو موزون لم يجز، وقال مالك والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقاً لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة العرب قال الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا
إبليس كان من الجن) وقال سبحانه (لا يسمعون فيها لغوا الاسلاما) وقال الشاعر: وبلدة.
ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس وقال آخر: أعيت جواباً وما بالربع من أحد إلا أواري لأياما أينها ولنا أن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاسثنا عما كان يقتضيه لولاه وقيل أخرج بعض ما تناوله المستثنى منه مشتق من قواه ثنيت فلاناً عن رأيه إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه وثبت عنان دابتي إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها، وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه ولا ثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وإنما سمي استثناء تجوزا وإنما هو في الحقيقة استدارك والاههنا بمعنى لكن هكذا قال أهل العربية منهم ابن قيبة وحكاه
عن سيبويه والاستدراك لا يأتي الابعد الجحد ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس إلا بعد النفي ولا يأتي بعد الإثبات إلا أن يوجد بعد جملة.
إذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك في الإقرار لأنه إثبات للمقر به فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلاً وإن ذكر بعده جملة كأنه قال له عندي مائة درهم إلا ثوباً لي عليه فيكون مقراً لشئ مدعيا لشئ سواه فيقبل إقراره وتبطل دعواه
كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء، وأما قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس) فإن إبليس كان من الملائه بدليل أن الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأموراً بالسجود ولا عاصياً بتركه ولا قال الله تعالى في حقه (ففسق عن أمر ربه) ولا قال (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك) وإذا لم يكن مأموراً فلم أبلسه الله وأهبطه ودحره ولا يأمر الله بالسجود إلا الملائكة، قان قالوا بل قد تناول الأمر الملائكة ومن كان معهم فدخل إبليس في الأمر لكونه معهم قلنا فقد سقط استدلالكم فإنه متى كان إبليس داخلا في المستثنى منه مأموراً بالسجود فاستثناؤه من الجنس وهو ظاهر لمن أنصف إن شاء الله تعالى.
فعلى هذا متى قال له على مائة درهم إلا ثوباً لزمته المائة لأن الاستثناء باطل على ما بينا (مسألة)(إلا أن يستثني عيناً من ورق أو ورقاً من عين فيصح) ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يصح (فإذا قال له على مائة درهم إلا ديناراً فهل يصح؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في صحة استثناء أحد النقدين من الآخر فذهب أبو بكر إلى أنه لا يصح لما ذكرنا وهو قول محمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى فيه روايتان واختار الخرقي صحته لأن قدر أحدهما معلوم الآخر ويعبر بأحدهما عن الآخر فإن قوما يسمون تسعة دراهم ديناراً وآخرون يسمون ثمانية ديناراً فإذا استثنى أحدهما من الآخر علم أنه أراد التعبير بأحدهما عن الآخر فإذا قال له على دينار إلا ثلاثة دراهم في موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة كان معناه له علي تسعة دراهم إلا ثلاثة ومتى أمكن حمل الكلام
على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه وقد أمكن بهذا الطريق فرجب تصحيحه وقال أبو الخطاب لا فرق بين العين والورق وبين غيرهما فيلزم من صحة استثناء أحدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها وقد ذكرنا الفرق
ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك والله أعلم (فصل) ولو ذكر نوعاً من جنس واستثنى نوعاً آخر من غير ذلك الجنس مثل أن يقول له علي عشرة آصح تمراً برنياً إلا ثلاثة تمرا معقيا لم يجز لما ذكرنا في الفصل الأول ويخالف العين والورق لأن قيمة أحد النوعين غير معلومة من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الآخر ويحتمل على قول الخرقي جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق والأول أصح لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا قال له على ألف درهم ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفاً او صغاراً أو إلى شهر لزمه ألف جياد وافية حالة) وجملة ذلك أن من أقر بدارهم وأطلق اقتضى إقراره الدراهم الوافية وهي دراهم الإسلام كل عشرة منها سبعة مثاقيل واقتضى أن تكون جياداً حاله كما لو باعه بعشرة دراهم وأطلق فإنها تلزمه كذلك فإذا سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام آخر غير ما كان فيه استقرت عليه كذلك
فان عاد فقال زيوفا أو صغار أو هي الدراهم الناقصة وهي دراهم طبرية كان كل درهم منها أربعة دوانيق وذلك ثلثا درهم، أو الى شهر يعني مؤجلة لم يقبل منه لأنه رجوع عن بعض ما أقربه ويرفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المفنصل وهذا مذهب الشافعي، ولا فرق بين الإقرار بها ديناً أو وديعة أو غصباً، وقال أبو حنيفة يقبل قوله في الغصب والوديعة لأنه إقرار بفعل في عين وذلك لا يقتضي سلامتها فأشبه مالو أقر بغصب عبد ثم جاء به معيباً ولنا أن إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد فلم يقبل تفسيره بما يخالف ذلك كالدين ويفارق العبد فإن العيب لايمنع إطلاق اسم العبد عليه (مسألة)(إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من غيرها؟ على وجهين (أولهما) أنه يلزمه من دراهم البلد لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما
في البيع والصداق وغير ذلك (والثاني) يلزمه الوازنة الخالصة من الغش لأن إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل أن بها تقدر نصب الزكواث ومقادير الديات فكذلك إطلاق الشخص، وفارق البيع فإنه إيجاب في الحال فاختص بدراهم الموضع الذي هما فيه والإقرار إخبار عن حق سابق فانصرف إلى درهم الإسلام
(فصل) فإن أقر بدراهم وأطلق ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه قبل لانه إطلاقه ينصرف إليه وإن فسر بسكة غير سكة البلد أجود منها قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وكذلك إن كانت مثلها لأنه لا يتهم في ذلك وإن كانت أدنى من سكة البلد لكنها مساوية في الوزن احتمل أن لا يقبل لأن إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده فلا يقبل منه دونها كما لا يقبل في البيع ولأنها ناقصة القيمة أشبهت الناقصة في الوزن ويحتمل أن يقبل منه وهو قول الشافعي لأنه يحتمل ما فسره به وفارق النقصة فإن في الشرع الدراهم لا تناولها بخلاف هذه ولهذا يتعلق بهذا مقدار النصاب في الزكاة وغيره وفارق الثمن فإنه إيجاب في الحال وهذا إخبار عن حق سابق (مسألة)(وإن قال له على ألف إلى شهر لزمه مؤجلاً ويحتمل أن يلزمه حالاً) إذا أقربها مؤجلة بكلام متصل قبل منه وكذلك إن سكت للتنفس أو اعترضه سلعة ونحو ذلك ويحتمل أن تلزمه حالة ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال فلم يقبل كما لو قال له علي دراهم قبضته إياها (مسألة) (وإن قال له على ألف زيوف وفسره بمالا فضة فيه لم يقبل وإن فسره بمغشوشة قبل وكذلك ان فسرها بمعيية عيباً ينقصها قبل لأنه صادق وإن فسرها برصاص أو نحاس أو مالا