الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم تثبت الشفعة ولا يثبت شئ من أحكام البطلان في حق المتبايعين، فأما إن اشترى الشقص بثمن في
في الذمة ثم نقد الثمن فبان مستحقاً كانت الشفعة واجبة لأن البيع صحيح، فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لإعسار أو غيره فللبائع فسخ البيع ويقدم حق الشفيع لأن بالأخذ بها يحصل للمشتري ما يؤديه ثمناً فتزول عسرته ويحصل الجمع بين الحقين فكان أولى (فصل) واذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للثفيع أقلني فأقاله لم تصح الإقالة لأنها تصح بين المتبايعين وليس بين الشفيع والبائع بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه (مسألة)
(وإن أجره المشتري أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه)
لأنه صار ملكه بأخذه.
(مسألة)
(وإن استغله المشتري فالغلة له)
لانها نماء ملكه (مسألة)
(وإن أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجذاذ)
إذا زرع المشتري الأرض فللشفيع الأخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى الحصاد لأن ضرره لا يتباقي ولا أجرة عليه لانه زرعه في ملكه ولأن الشفيع إشترى الأرض وفيها زرع للبائع فكان له مبقى إلى الحصاد بلا أجرة كغير المشفوع وإن كان في الشجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقى إلى الجذاذ كالزرع
(فصل) وإذا نمى المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين أحدهما) أن يكون نماء منتصلا كالشجر إذا كبر أو ثمرة غير ظاهرة فأن الشفيع يأخذه بزيادته لأنها زيادة غير متميزة فتبعت الأصل كما لو رد بعيب أو خيار أو إقالة، فإن قيل فلم لا يرجع الزوج في نصفه زائداً إذا طلق قبل الدخول؟ قلنا لأن الزوج يقدر على الرجوع بالسيمة إذا فاته الرجوع في العين وفي مسئلتنا إذا لم يرجع في الشقص سقط حقه من الشفعة فلم يسقط حقه من الأصل لأجل ما حدث من البائع وإذا أخذ الأصل تبعه نماؤه المتصل كما ذكرنا في الفسوخ كلها (الحال الثاني) أن تكون الزيادة مننفصلة كالغلة والأجرة والطلع المؤبرو الثمرة الظاهرة فهي للمشتري لأنها حدثت في ملكه وتكون مبقاة في رءوس النخل إلى الجذاذ لأن أخذ الشفيع من يشتري شراء ثان فيكون حكمه حكم مالو اشترى برضاه وإن اشتراه وفيه
طلع غيره مؤبر فأبرأ ثم أخذه الشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ويأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من الثمن كما لو كما لو كان المبيع شقصا (مسألة) وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص فإن اختار الشفيع أخذه واختار المشتري قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر بالقلع) وجملة ذلك أنه يتصور بناء المشتري وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل (منها)
أن يظهر المشتري أنه اشتراه بأكثر من ثمنه أو أنه وهب له أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الأخذ بها فيتركها ويقاسمه ثم يبني المشتري ويغرس فيه (ومنها) أن يكون غائبا فيقاسمه وكيله أو صغيراً فيقاسمه وليه أو نحو ذلك ثم يقدم الغائب أو يبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة، وكذلك إن كان غائباً أو صغيراً فطالب المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم ثم قدم الغائب وبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه فإن للمشتري قلع غرسه وبنائه إن اختار ذلك لأنه ملكه فإذا قلعه فلليس عليه تسوية الحفر ولا نقص الأرض ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأنه غرس وبنى في ملكه وما حدث من النقص إنما حدث في ملكه وذلك مما لا يقابله ثمن، وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع لأنه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضرر وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه ضمانة كما لو كسر مجبرء غيره لا خراج ديناره منها، قولهم أن النقص حصل في ملكه ليس كذلك فإن النقص الحاصل بالقلع إنما حصل في ملك الشفيع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه لما ذكروه، فإن لم يختر المشتري القلع فللشفيع الخيار بين ثلاثة أشياء: ترك الشفعة وبين دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض وبين قلع الغراس والبناء وبضمن له ما نقص بالقلع.
وبهذا قال الشعبي والاوزاعي وابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي والبتي وسوار واسحاق، وقال حماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي يكلف المشتري القلع ولا شئ له لأنه بنى فيما استحق عليه أخذه فأشبه الغاصب ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه فأشبه مالو كانت مستحقة
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك ولأنه بنى في ملكه الذي ملك بيعه فلم يكلف قلعه مع الإضرار كما لو لم يكن مشفوعاً، وفارق ما قاسوا عليه فإنه بنى في غير ملكه، ولأنه عرق ظالم وليس لعرق ظالم حق.
إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقاً للبقاء في الأرض لأنه لا يستحق ذلك، ولا قيمته مقلوعاً لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لوجب قلعة ولم يضمن شيئاً ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه، ولم يذكر أضحابنا كيفية وجوب القيمة فالظاهر أن الأرض تقوم مغروسة مبنية ثم تقوم خالية منها فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن أحب أو ما نقص مننه إن اختار القلع لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء، ويحتمل أن يقوم والبناء مستحق للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعة، فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون له قيمة وإن قلع قبله لم يكن له قيمة أو تكون قيمته قليلة فاختار الشفيع قلعه قبل وقته فله ذلك لأنه يضمن النقص فينجبر به ضرر المشتري سواء كثر النقص أو قل ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع وقد رضي بتحمله، وإن غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة (مسألة)(فإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين)
وجملة ذلك أن الشفيع إذا باع ملكه عالماً بالحال سقطت شفعته لأنه لم يبق له ملك يستحق به، ولانه الشفعة تثبت لإزالة الضرر الحاصل بالشركة، وقد زال ذلك بييعه، وإن باع بعضه ففيه وجهان (أحدهما) تسقط أيضاً لأنها استحقت بجميعه، وإذا باع بعضه سقط ما تعلق بذلك من الشفعة فسقط باقيها لأنها لا تتبعض فيسقط جميعها بسقوط بعضها كالرق والنكاح وكما لو عفا عن بعضها (والثاني) لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد، وفكذلك إذا بقي، وللمشتري الأول الشفعة على الثاني في المسألة الأولى، وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعة البائع الأول
لأنه شريك في المبيع، وإن قلنا لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول، وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه وجهان (أحدهما) له الشفعة لأنه شريك فإن الملك ثابت له يملك التصرف فيه بجميع التصرفات ويستحق نماء وفوائده، واستحقاق الشفعة به من فوائده (والثاني) لا شفعة له لأن ملكه يؤخذ بها فلا تؤخد الشفعة به ولان ملكه متزلزل ضعيف فلا يستحق الشفعة به لضعفه، قاغل شيخنا والأول أقيس فإن استحقاق أخذه منه لا يمنع أن يستحق به الشفعة كالصداق قبل الدخول والشقص الموهوب للولي.
فعلى هذا للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يؤخذ، وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين، فأما إن باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول فقال القاضي تسقط شفعته
أيضاً لما ذكرناه وهو مذهب الشافعي ولأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه فصار كمن اشترى معيباً لا يعلم عيبه حتى زال أو حتى باعه.
فعلى هذا حكمه حكم مالو باع مع علمه سواء فيما إذا باع جميعه أو بعضه، وقال أبو الخطاب لا تسقط شفعته لأنها ثبتت له ولم يوجد منه رضي بتركها ولا ما يدل على إسقاطها والأصل بقاؤها بخلاف ما إذا علم فإن بيعه دليل على رضاه بتركها.
فعلى هذا للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول فإن عفا عنه فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني، وإن أخذ منه فهل للمشتري الأول الأخذ من الثاني؟ على وجهين (أولاهما أن له الأخذ لأن ملكه كان ثابتاً حال البيع ولم يوجد منه ما يمنع ذلك (مسألة)(وإن مات بطلت شفعته إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه) وجملة ذلك أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بالشفعة فإن كان قبل الطلب بها سقطت ولا تنقل إلى الورثة، قال أحمد الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار، لم يكن للورثة هذه الثلاثة أيضاً إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب إلا أن يشهد أني على حقي من كذا وكذا وإني قد طلبته فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به، وروي سقوط الشفعة بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعي والنخعي وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي
وقال مالك والشافعي والعنبري يورث، قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث كخيار الرد بالعيب
ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول فأما خيار الرد بالعيب فانه لا ستدارك جزء فات من المبيع (فصل) فإن مات بعد طلب الشفعة انتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الورثة قولاً واحداً ذكره أبو الخطاب، وقد ذكرنا نص أحمد عليه لأن الحق يتقرر بالطلب ولذلك لا يسقط بتأخير الحق بعده وقبله يسقط، وقال القاضي يصير الشقص ملكاً للشفيع بنفس المطالبة والأول أصح فإنه لو صار ملكاً للشفيع لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها.
فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على قدر ارثهم لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى الجميع كسائر الحقوق المالية وسواء قلنا الشفعة على قدر الأملاك أو على عدد الرؤوس لأن هذا ينتقل إليهم من موروثهم فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق على باقي الورثة ولم يكن لهم إلا أن يأخذوا الكل أو يتركوا كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن شفعته لأنا لو جوزنا أخذ بعض الشقص لتشقص المبيع وتبعضت الصفقة على المشتري وهذا ضرر في حقه (فصل) وان أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات لم تبطل وللورثة المطالبة بها نص عليه أحمد لأن الإشهاد على الطلب عند العجز عنه يقوم مقامه فلم تسقط الشفعة بالموت بعده كنفس الطلب
(فصل) وإذا بيع شقص له شفيعان فعفاعنها أحدهما وطالب بها الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي فله أخذ الشقص بها لأنه وارث لشفيع مطالب بالشفعة فملك الأخذ بها كالأجنبي وكذلك لو قذف رجل أمهما وهي ميتة فعفا أحدهما وطلب الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي ثبت له استيفاؤه بالنيابة عن أخيه الميت إذا قلنا بوجوب الحد بقذفها
(فصل) ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة لا شفعة لهم لأن الحق النتقل إلى الغرماء ولنا أنه بيع في شركة ما خلفه موروثهم شقص فكان لهم المطالبة بشفعته كغير المفلس، ولا نسلم أن التركة انتقلت إلى الغرماء بل هي للورثة بدليل أنها لو نمت أو زاد ثمنا لحسب على الغرماء في قضاء ديونهم، وإنما تعلق حقهم به فلم يمنع ذلك من الشفعة كما لو كان لرجل شقص مرهون فباع شريكه فإنه يستحق الشقعة به، ولو كانت للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه لم يكن للورثة شفعة لأن البيع يقع لهم فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم ولو كان الورث شريكا للمورث فباع نصيب الموروث في دينه فلا شفعة أيضا لانه نصيب الموروث انتقل بموته إلى الوارث فإذا بيع فقد بيع ملكه فلا يستحق الشفعة على نفسه (فصل) ولو اشترى شقصا مشفوعاً ووصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لأن حقه أسبق
من حق الموصى له فإذا أخذه دفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لأن الموصى به ذهب فبطلت الوصية به كما لو تلف، ولا يستحق الموصى له بدله لأنه لم يوص له إلا بالشقص، وقد فات بأخذه، ولو وصى رجل لانسان بتقص ثم مات فبيع في شركته شقص قبل قبول الموصى له فالشفعة للورثة في الصحيح لأن الموصى به لا يصير للموصى له إلا بعد القبول ولم يوجد فيكون باقياً على ملك الورثة، ويحتمل أن يكون للموصى له إذا قلنا إن الملك ينقل إليه بمجرد الموت فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأننا تبينا أن الملك كان له فكان المبيع في شركته، ولا يستحق المطالبة قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول وإنما يتبين ذلك بقبوله فإن قبل تبينا انه كانله وإن رد تبينا أنه كان للورثة ولا يستحق الورثة المطالبة أيضاً لذلك ويحتمل أن لهم المطالبة لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق لهم، ويفارق الموصى له من وجهين (أحدهما) أن الأصل عدم القبول منه (والثاني) أنه يمكنه أن يقبل ثم يطالب بخلاف الوارث فإنه لا سبيل له إلى فعل ما يعلم به ثبوت الملك له أو لغيره فإذا طالبوا ثم قبل الوصي الوصية كانت الشفعة له ويفتقر إلى الطلب منه لان الطلب الاول يتبين نه من غير المستحق، وإن قلنا بالرواية الأولى
فطالب الورثة بالشفعة فلهم الأخذ بها وإذا قبل الوصي أخذ الشقص الموصى به دون الشقص المشفوع لأن الشقص الموصى به إنما انتقل إليه بعد الأخذ بشفعته فأشبه ما لو أخذ بها الموصى في حياته، وإن لم يطالبوا بالشفعة حتى قبل الموصى له فلا شفعة له لأن البيع وقع قبل ثبوت الملك له وحصول شركته وفي ثبوتها للورثة وجهان بناء على مالو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ببيع شريكه
(فصل) ولو اشترى رجل شقصاً ثم ارتد فقتل أو مات فللشفيع أخذه بالشقعة لأنها وجبت بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله أو موته لا يمنع الشفعة كما لو مات على الإسلام فورثه ورثته أو صار ماله لبيت المال لعدم ورثته والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال (فصل) وإذا اشترى المرتد شقصا فتصرفه موقوف فإن قتل على ردته أو مات عليها تبينا أن شراءه باطل ولا شفعة فيه وإن أسلم تبينا صحته وثبوت الشفعة فيه، وقال أبو بكر تصرفه غير صحيح في الحالين لأن ملكه يزول بردنه فإذا أسلم عاد اليه تمليكا مستأنفا، وقال الشافعي وأبو يوسف تصرفه صحيح في الحالين وتجب الشفعة فيه، ومبنى الشفعة ههنا على صحة تصرف المرتد ويذكر في غير هذا الموضع، وإن بيع شقص في شركة المرتد وكان المشتري كافراً فأخذه بالشفعة انبنى على ذلك أيضاً لأن اخذ بالشفعة شراء للشقص من المشتري فأشبه شراءه لغيره، فإن ارتد الشفيع المسلم وقتل بالردة أو مات عليها انتقل ماله إلى المسلمين، فان كان طالب بالشفعة انتقلت أيضاً إلى المسلمين ينظر فيها الإمام أو نائبه وإن قتل أو مات قبل طلبها بطلت شفعته كما لو مات على إسلامه، ولو مات الشفيع المسلم ولم يحلف وارثاً سوى بيت المال انتقل نصيبه إلى المسلمين إن مات بعد الطلب والافلا (فصل) قال رحمه الله (ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته) وجملة ذلك أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بالثمن الذي استقر عليه العقد لما روي في
حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هو أحق به بالثمن) رواه الجوزجاني في كتابه ولأن الشفيع إنما استحق الشقص بالبيع فكان مستحقاً له بالثمن كالمشتري فإن قيل أن الشفيع إستحق أخذه بغير رضا مالكه
فينبغي أن يأخذ بقيمته كالمضطر يأخذ طعام غيره، قلنا المضطر استحق أخذه بسبب حاجة خاصة فكان المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه لا جل البيع ولهذا لو انتقل بهبة أو ميراث لم يستحق الشفعة وإذا استحق ذلك بالبيع وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.
إذا ثبت هذا فإننا نتظر في الثمن فإن كان دراهم أو دنانير أعطاه الشفيع مثله (فصل) ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن لأن في أخذه بدون دفع الثمن أضراراً بالمشتري ولا يزال الضرر بالضرر، فإن أحضر رهناً أو ضميناً لم يلزم المشتري قبوله لأن عليه ضرراً في تأخير الثمن فلم يلزم المشتري ذلك كما لو أراد تأخير ثمن حال، وإن بذل عوضاً عن الثمن لم يلزمه قبوله لأنها معاوضة فلم يجبر عليها، وإذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن فإن كان موجوداً سلمه وإن تعذر في الحال فقال أحمد في رواية حرب ينظر الشفيع يوماً أو يومين بقدر ما يرى الحاكم فإذا كان أكثر فلا وهذا قول مالك، وقال ابن شبرمة وأصحاب الشافعي نيظر ثلاثاً لأنها آخر حد القلة فإن أحضر الثمن والافسخ عليه، وقال أبو حنيفة وأصحاب لا يأخذ بالشفعة ولا
يقتضي القاضي بها حتى يحضر الثمن لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير احتيار المشتري فلا يستحق ذلك إلا بإحضار عوضه كتسليم المبيع ولنا أنه تملك للمبيع بعوض فلا يفف على إحضار العوض كالبيع، وأما التسليم في البيع فالتسليم في الشفعة مثله وكون الاخذ بغير اختيار المشتري يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة، ومتى أجلناه مدة فأحضر الثمن فيها والافسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري، وكذا لو هرب لشفيع بعد الأخذ قال شيخنا والأولى إن للمشتري الفسخ من غير حاكم لأنه فات شرط الأخذ ولأنه تعذر على البائع الوصول إلى الثمن فملك الفسخ كغير من أخذت الشفعة منه، وكما لو أفلس الشفيع والشفعة لا تقف على حكم الحاكم فلا يقف فسخ الأخذ بها على الحاكم كفسخ غيرها من البيوع وكالرد بالعيب ولأن وقف ذلك على الحاكم يفضي إلى الضرر بالمشتري لأنه قد يتعذر عليه إثبات ما يدعيه وقد يصعب عليه حضور مجلس الحاكم لبعده أو غير ذلك فلا يشرع فيها ما يفضي إلى الضرر، ولأنه لو وقف الأمر على الحاكم لم يملك
الاخذ الابعد احضار الثمن لئلا يفضي إلى هذا الضرر، وإن أفلس الشفيع خير المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري (مسألة)(وما يزاد في ثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به وما بعد ذلك لا يلحق به) قد ذكرنا أن الشفيع إنما يستحق الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد فلو تبايعا بقدر ثم غيراه
في زمن الخيار بزيادة أو نقص ثبت ذلك التغيير في حق الشفيع لأن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت حال استحقاقه ولأن زمن الخيار بمنزلة حالة العقد والتعيير يلحق بالعقد فيه لأنهما على اختيارهما فيه كما لو كانا في حال العقد، فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد لأن الزيادة بعده هبة تعتبر لها شروط الهبة والنقص إبراء مبتدأ، ولا يثبت ذلك في حق الشفيع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يثبت النقص في حق الشفيع دون الزيادة وإن كانا عنده ملحقان بالعقد لأن الزيادة تضر بالشفيع فلم يملكاها بخلاف النقص، وقال مالك إن بقي ما يكون ثمناً أخذ به وإن حظ الأكثر أخذه بجميع الثمن الأول.
ولنا أن ذلك يعتبر بعد استقرار العبد فلم يثبت في حق الشفيع كالزيادة ولأن الشفيع استحق الأخذ بالثمن الأول قبل التغيير فلم يؤثر التغيير بعد ذلك فيه كالزيادة وما ذكروه من العذدر لا يصح لأن ذلك لو لحق العقد لزم الشفيع وإن أضر به كالزيادة في مدة الخيار ولأنه حط بعد لزوم العقد فأشبه حط الجميع أو الأكثر عند مالك (مسألة)(وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئاً وإلا أقام كفيلا مليئاً وأخذه به) وبهذا قال مالك وعبد الملك وإسحاق، وقال الثوري لا يأخذها إلا بالنقد حالا، وقال أبو حنيفة لا يأخذ إلا بثمن حال أو ينتظر مضي الأجل ثم يأخذ، وعن الشافعي كمذهبنا ومذهب أبي حنيفة
لأنه لا يمكنه أخذه بالمؤجل لأنه يقضي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة الشفيع والذمم لا تتماثل وإنما يأخذ بمثله ولا يلزمه أن يأخذ بمثله حالا لئلا يلزمه أكثر مما يلزم المشتري ولا بسلعة
بمثل الثمن إلى الأجل لأنه انما يأخذه بمثل الثمن أو القيمة والسلعة ليست واحداً منهما فلم يبق إلا التخيير ولنا أن الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفاته ولأن في الحلول زيادة على التأجيل فلم يلزم الشفيع كزيادة القدر، وما ذكروه من اختلاف الذمم فأنا لا نوجبها حتى توجد الملاءة في الشفيع أو في الضامن بحيث ينحفظ المال فلا يضر اختلافهما فيها وراء ذلك، كما لو اشترى الشقص بسلعة وجبت قيمتها ولا يضر اختلافهما، ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات الشفيع أو المشتري وقننا يحل الدين بالموت حل الدين على الميت منهما دون صاحبه لأن سبب حلوله الموت فاختص بمن وجد في حقه (مسألة)(وإن كان الثمن عرضاً أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا أعطاه قيمته) أما إذا كان من المثليات كالحبوب والأدهان فهو كالأثمان قياساً عليها فيعطيه الشفيع مثلها مثلها هكذا ذكره أصحابنا وهو قول أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي لأن هذا مثل من طريق الصورة والقيمة فكان أولى من الممائل في إحداهما ولأن الواجب بذل الثمن فكان مثله كبدل العرض والمتلف وإن كان
مما لا مثل له كالثياب والحيوان فإن الشفيع يستحق الشقس بقيمة الثمن وهذا قول: أكثر أهل العلم وبه يقول أصحاب الرأي والشافعي وحكي عن الحسن وسوار أن الشفعة لا تجب ههنا لأنها تجب بمثل الثمن وهذا لا مثل له فتعذر الأخذ فلم يجب كما لو جهل الثمن ولنا أنه أحد نوعي الثمن فجاز أن تثبت به الشفعة في المبيع كالمثلى وما ذكروه لا يصح لان الثمل يكون من طريق الصورة ومن طريق القيمة كبدل المتلف (فصل) وإن كان الثمن تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع لأنه وقت الاستحقاق والاعتبار بعد ذلك بالزايدة والنقص في القيمة، وإن كان فيه خيار اعتبرت القيمة حين انقضاء الخيار واستقرار العقد لأنه حين استحقاق الشفعة وبه قال الشافعي، وحكي عن مالك أنه يأخذه بقيمته يوم المحاكمة وليس بصحيح لأن وقت الإستحقاق وقت العقد وما زاد بعد ذلك حصل في ملك البائع فلا يكون للمشتري وما نقص فمن
مال البائع فلا ينقص حق المشتري (مسألة)(وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن تكون للشفيع بينة) اذ اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فقال المشتري اشتريته بمائة فقال الشفيع بل بخمسين فاقول قول المشتري لأنه العاقد فهو أعرف بالثمن ولأن الشقص ملكه فلا ينزع عنه بالدعوى بغير بينة وبهذا قال الشافعي، قان قيل فهلا قلتم القول قول الشفيع لأنه غارم ومنكر للزيادة فهو كالغاصب
والمتلف والضامن نصيب شريكه إذا أعتق؟ قلنا الشفيع ليس بغارم لأنه لا شئ عليه وإنما يريد أن يملك الشقص بثمنه بخلاف الغاصب والمتلف والمعتق، فأما إن كان للشفيع بينة حكم له بها وكذلك إن كان للمشتري بينة حكم بها واستغنى عن يمينه ويثبت ذلك بشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين، ولا تقبل شهادة البائع لأنه إذا شهد للشفيع كان متهماً لأنه يطلب تقليل الثمن خوفاً من الدرك عليه، فإن أقام كل واحد منهما بينة احتمل تعارضهما لأنهما يتنازعان فيما وقع عليه العقد فيصيران كمن لابينة لهما، وذكر الشريف أن بينة الشفيع تقدم لأنها خارجة ويقتضيه قول الخرقي لأن بينة الخارج عنده تقدم على بينة الداخل والشفيع خارج وهو قول أبي حنيفة وقال صاحباه تقدم بنية المشتري لأنها ترجح بقول المشتري فإنه مقدم على قول الشفيع، ويخالف الخارج والداخل لأن بينة الداخل يجوز أن تكون مستندة إلى يده وفي مسئلتنا البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع ولنا أنهما بينتان تعارضتا فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ويحتمل أن يقرع بينهما لأنهما يتنازعان في العقد ولا يدلهما عليه فصار كالمتنازعين عينا في يد غيرهما (فصل) فإن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله لأن ما يدعيه ممكن يجوز أن يكون اشتراه جزافاً أو بثمن نسي قدره ويحلف فإذا حلف سقطت الشفعة لأنها لا تستحق بغير بدل
ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه فإن ادعى أنك فعلت ذلك تحليلا على إسقاط الشفعة حلف على نفي ذلك (فصل) فان اشترى شقصا بعرض واختلفا في قيمته فإن كان موجوداً عرضناه على المقومين وإن
تعذر إحضاره فالقول قول المشتري كما لو اختلفا في قدره فإن ادعى جهل قيمته فهو على ما ذكرنا فيما إذا ادعى جهل ثمنه وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري أنا أحدثته فأنكر فالقول قول المشتري لأنه ملكه والشفيع يريد تملكه عليه فكان القول قول المالك (مسألة)(وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فإن قال المشتري غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه؟ على وجهين) وجملة ذلك أن للشفيع أن يأخذه بما قال المشتري لأن المشتري مقر له باستحقاقه بألف ويدعي أن البائع ظلمه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أن حكم الحاكم بألفين أخذه الشفيع بهما لأن الحاكم إذا حكم عليه بالبينة بطل قوله وثبت ما حكم به ولنا أن المشتري يقر بأن هذه البينة كاذبة وأنه ظلم بألف فلم يحكم له به وإنما حكم بها للبائع لأنه لا يكذبها فإن قال المشتري صدقت البينة وكنت أنا كاذباً أو ناسياً ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل رجوعه لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق آدمي غيره فاشبه مالو أقر له بدين (والثاني) يقبل
قوله وقال القاضي هو قياس المذهب عندي كما لو أخبر في المرابحة بثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر قبل قوله مع يمينه بل ههنا أولى لأنه قد قامت البينة بكذبة وحكم الحاكم بخلاف قوله فقبل رجوعه عن الكذب، وإن لم تكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع، فإن أراد أخذه بما حلف عليه المشتري لم يكن له ذلك لأن للبائع فسخ البيع وأخذه بما قال المشتري يمنع ذلك، ولأنه يفضي إلى إلزام العقد بما حلف عليه المشتري ولا يملك ذلك، فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز وملك الشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لأن حق البائع من الفسخ قد زال فإن عاد المشتري فصدق البائع وقال الثمن ألفان وكنت غالطاً فهل للشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه؟ فيه وجهان كما لو قامت به بينة (فصل) ولو اشترى شقصاً له شفيعان فادعى على أحد الشفيعين أنه عفا عن الشفعة وشهد له بذلك الشفيع الآخر قبل عفوه عن شفعته لم تقبل شهادته لأنه يجر إلى نفسه نفعاً وهو توفر الشفعة عليه
فإذا ردت شهادته ثم عفا عن الشفعة ثم أعاد تلك الشهادة لم تقبل لأنها ردت للتهمة فلم تقبل بعد زوالها كشهادة الفاسق إذا ردت ثم تاب وأعادها لم تقبل، ولو لم يشهد حتى عفا قبلت شهادته لعدم التهمة ويحلف المشتري مع شهادته ولو لم تكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه وإن كانت الدعوى على
الشفيعين معاً فحلفا ثبتت الشفعة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر نظرنا في الحالف فإن صدق شريكه في الشفعة في أنه لم يعف لم يحتج إلى يمين وكانت الشفعة بينهما لأن الحق له فإن الشفعة تتوفر عليه إذا سقطت شفعة شريكه وإن ادعى أنه عفا فنكل قضي له بالشفعة كلها وسواء ورثا الشفعة أو كانا شريكين، فإن شهد أجنبي بعفو أحد الشفيعين واحتيج إلى يمين معه قبل عفو الآخر حلف وأخذ الكل بالشفعة وإن كان بعده حلف المشتري وسقطت الشفعةء وإن كانوا ثلاثة شفعاء فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو بعد عفوهما قبلت وإن شهدا قبله ردت، وإن شهدا بعد عفو أحدهماو قبل عفو الآخر ردت شهادة غير العافي وقبلت شهادة العافي وإن شهد البائع بعفو الشفيع عن شفعته بعد قبض الثمن قبلت شهادته، وإن كان قبله قبلت شهادة قبلت في أحد الوجهين لأنهما سواء عنده (والثاني) لا تقبل لأنه يحتمل أن يكون قصد ذلك ليسهل استيفاء الثمن لأن المشتري يأخذ الشقص من الشفيع فيسهل عليه وفاؤه أو يتعذر على المشتري الوفاء لفلسه فيستحق استرجاع المبيع، وإن شهد لمكاتبه بعفو شفعته أو شهد بشراء شئ لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل لأن المكاتب عبده فلا تقبل شهادته له كمدبره ولأن ما يحصل للمكاتب ينتفع به السيد لأنه إن عجز صار له وإن لم يعجز سهل عليه وفاؤه وإن شهد على مكانبه بشئ من ذلك قبلت شهادته لأنه غير متهم فأشبه الشهادة على ولده (مسألة) (وإن ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل
أو قامت للشفيع بينه فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل الثمن أو تبرئ منه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء أنك اشتريت نصيبك فلي أخذه بالشفعة فانه يحتاج الى تحرير دعواه فيحدد المكان الذي فيه الشقص ويذكر ققدر الشقص والثمن ويدعي
الشفعة فيه فإذا ادعى سئل المدعى عليه فإن أقر لزمه وإن أنكر وقال إنما اتهبته أو ورثته فلا شفعة لك فيه فالقول قول من ينفيه كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة فإن حلف برئ وإن نكل قضي عليه وإن قال لا يستحق علي شفعة فالقول قوله مع يمينه ويكون يمينه على حسب قوله في الإنكار وإذا نكل وقضي عليه بالشفعة عرض عليه الثمن فإذا أخذه دفع إليه، وإن قال لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفع إليه كما لو أقر له بدار فأنكرها (والثاني) يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه، ومتى ادعاه المشتري دفع إليه (والثالث) يقال له إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال الكتابة فادعى أنه حرام احتاره القاضي، وهذا يفارق المكاتب لأن سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى سيده تحريم ما أتاه به وهذا لا يطالب الشفيع بشئ فلا ينبغي أن يكلف الإبراء مما يدعيه والوجه الأول أولى إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن قال اشتريته لفلان وكان حاضراً استدعاه الحاكم وسأله فإن صدقه كان الشراء له والشفعة عليه، وإن قال هذا ملكي ولم أشتره انتقلت الخصومة اليه وإن كذبه حكم بالشراء لمن اشتراه وأخذه منه بالشفعة وإن كان المقر له غائباً أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع وكان الغائب على حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الأمر في الشفعة إلى حضور المقر له كان في ذلك إسقاط الشفعة لأن كل مشتر يدعي أنه لغائب، وإن قال اشتريته لإبني الطفل أو لهذا الطفل وله عليه ولاية لم تثبت الشفعة في أحد الوجهين لأن الملك ثبت للطفل ولا تجب الشفعة باقرار الولي عليه لأنه إيجاب حق في مال صغير باقرار وليه (والثاني) تثبت لأنه يملك الشراء له فصح إقراره فيه كما يصح إقراره بعيب في مبيعه، فأما إن ادعى عليه شفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أولفلان الطفل ثم أقر بشرائه له لم تثبت فيه الشفعة إلا أن تثبت ببينة أو يقدم الغائب ويبلغ الطفل فيطالبهما بها لأن الملك ثبت لهما بإقراره به وإقراره بالشراء بعد ذك اقرار في ملك غيره فلا يقبل بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء لأن الملك ثبت لهما بذلك الإقرار المثبت للشفعة فثبتا جميعاً وإن لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه ولم يطالب ببيانه لأنه لو صرح
بالشراء لم تثبت به شفعة فلا فائدة في الكشف عنه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا.
(فصل) وإذا كانت دار بين حاضر وغائب فادعى الحاضر على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه
منه وأنه يستحقه بالشفعة فصدقة فللشفيع أخذه بالشفعة لأن من في يده العين يصدق في تصرفه فيما في يده، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) ليس له أخذه لأن هذا إقرار على غيره ولنا أنه أقر بما في يده فقبل اقراره كما لو أقر بأصل ملكه، وهكذا لو ادعى عليه أنك بعت نصيب الغائب بإذنه وأقر له الوكيل كان كإقرار البائع بالبيع فإذا قدم الغائب فأنكر البيع أو الإذن في البيع فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص ويطالب بأجرته من شاء منهما ويستقر الضمان على الشفيع لأن المنافع تلفت تحت يده، فإن طالب الوكيل رجع عل الشفيع وإن طالب الشفيع لم يرجع على أحد وإن ادعى على الوكيل إنك اشتريت الشقص الذي في يدك فأنكر وقال إنما أنا وكيل فيه أو مستودع له فالقول قوله مع يمينه وإن كان للمدعي بينة حكم بها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي مع أن أبا حنيفة لا يرى القضاء على الغائب لأن القضاء ههنا على الحاضر لوجوب الشفعة عليه واستحقاقه إنتزاع الشقص من يده فحصل القضاء على الغائب ضمناً، فإن لم تكن بينة وطلب الشفيع بينه ونكل الوكيل عنها احتمل أن يقضي عليه لأنه لو أقر لقضي عليه فكذلك إذا نكل واحتمل أن لا يقضي عليه لأنه قضاء على الغائب
بغير بينة ولا إقرار من الشقص في يده (فصل) وإذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه فقال ليس له ملك في شركتي فعلى الشفيع إقامة البينة بالشركة وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال أبو يوسف إذا كان في يده استحق الشفعة به لأن الظاهر من اليد الملك ولنا إن الملك لا يثبت بمجرد اليد وإذا لم يثبت الملك الذي يستحق به الشفعة لم تثبت ومجرد الظاهر لا يكفي كما لو ادعى ولد أمة في يده فإن ادعى أن المدعي عليه يعلم أنه شريك فعلى المشتري اليمين أنه
لا يعلم ذلك لا نها يمين على نفي فعل الغير فمكانت على العلم كاليمين على نفي دين الميت فإذا حلف سقطت دعواه وإن نكل قضى عله (فصل) إذا ادعى على شريكه أنك اشتريت نصيبك من عمرو فلي شفعته فصدقه عمرو وأنكر الشريك وقال بل ورثته من أبي فأقام المدعي بينة أنه كان ملك عمر ولم تثبت الشفعة بذلك وقال محمد تثبت ويقال له اما ان تدفعه وتأخذ الثمن وإما أن ترده إلى البائع فيأخذه الشفيع لأنهما شهدا بالملك لعمرو فكأنهما شهدا بالبيع ولنا أنهما لم يشهدا بالبيع وإقرار عمرو على المنكر بالبيع لا يقبل لأنه إقرار على غيره فلا يقبل في حقه ولا تقبل شهادته عليه وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع فصار بمنزلة مالو
حلف أني ما اشتريت الدار فقال من كانت الدارملكه أنا بعته إياها لم يقبل عليه في الحنث ولا يلزم إذا أقر البائع بالبيع والشقص في يده وأنكر المشتري الشراء لأن الذي في يده الدار مقربها للشفيع ولا منازع له فيها سواه وههنا من الدار في يده يدعيها لنفسه والمقر بالبيع لا شئ في يده ولا يقدر على تقسيم الشقص فافترقا (مسألة)(وإن كان عوضاً في الخلع والصداق والصلح عن دم العمد وقلنا بوجوب الشفعة فيه فقال القاضي يأخذه بقيمته) قال وهو قياس قول ابن حامد وهو قول مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى لأنه ملك الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل فوجب الرجوع الى قيمته في الأخذ بالشفعة كما لو باعه بسلعة لامثل لها ولا ننا لو أوجبنا مهر المثل لا فضى إلى تقويم البضع على الأجانب وأضر بالشفيع لأن المهر يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال غير القاضي يأخذه بالدية ومهر المثل وحكاه الشريف أبو جعفر عن ابن حامد وهو قول العكلي والشافعي لأنه ملك الشقص ببدل ليس له مثل فيجب الرجوع إلى قيمة البدل إذا لم يكن نقداً ولا مثلياً وعوض الشقص هو البضع وقيمة البضع مهر المثل.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه ويحتمل أن تجب) لا تثبت الشفعة في بيع الخيار قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وحده أيهما كان، وقال أبو الخطاب يتخرج أن تثبت الشفعة لأن الملك انتقل فثبتت الشفعة في مدة الخيار كما بعد إنقضائه، وقال أبو حنيفة إن كان الخيار للبائع أو لهما لم تثبت الشفعة حتى يتقضي لأن في الأخذ بها اسقاط حق البائع من الفسخ وإلزام البيع في حقه بغير رضاه ولأن الشفيع إنما يأخذ من المشتري ولم ينتقل الملك إليه وإن كان الخيار للمشتري فقد انتقل الملك إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك أخذه بعد لزوم البيع واستقرار الملك فلأن يملك ذلك قبل لزومه أولى وغاية ما يقدر ثبوت الخيار له وذلك الا يمنع الأخذ بالشفعة كما لو وجد به عيبا وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه مبيع فيه الخيار فلم تثبت الشفعة كما لو كان للبائع وذلك لأن الأخذ بالشفعة يلزم المشتري بالعقد بغير رضاه ويوجب العهدة عليه ويفوت حقه من الرجوع في عين الثمن فلم يجز كما لو كان الخيار للبائع فإننا إنما منعنا من الشفعة لما فيه من إبطال خيار البائع وتفويت حق الرجوع في عين ماله وهما في نظر الشرع على السواء، وفارق الرد بالعيب فإنه إنما تثبت لا ستدارك الظلامة وذلك يزول بأخذ الشفيع فإن باع الشفيع حصته في مدة الخيار عالماً ببيع الأول سقطت شفعته وقد ذكرنا ذلك فيما مضى
(فصل) وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه لأنه محجور عليه في حقه فلم يصح بيعه كالصبي ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شئ لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته، فإما بيعه بالمحاباة فلا
يخلو إما أن يكون لوارث أو لغيره فإن كان لوارث بطلت المحاباة لأنها في المرض بمنزلة محاباة الوصية في الوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح لأن المشتري أبرأ الضامن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال بعتك هذا الثوب بعشرة فقال قبلت البيع في نصفه أو قال قبلته بخمسة أو قبلت نصفه بخمسة ولأنه لا يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه فلم يصح لتفريق الصفقة (الثاني) أن يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى وللمشتري الخيار بين الأخذ والفسخ لأن الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح فيه البيع وإنما قلنا بالصحة لأن البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها (الثالث) أنه يصح في الجميع ويفف على إجازة الورثة لأن الوصية للوارث صحيحة في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك
المحاباة له فإن أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري ويملك الشفيع الأخذ به لأنه يأخذ بالثمن، وإن ردوا بطل البيع في قدر المحاباة وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الأخذ قبل إجازة الورثة وردهم لأن حقهم متعلق بالبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه فإن اختار المشتري الرد في هذه الصورة وفي التي قبلها واختار الشفيع الأخذ بالشفعة قدم الشفيع لأنه لا ضرر على المشتري وجرى مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه (فصل) إذا كان المشتري أجنبياً والشفيع أجنبي فن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع الأخذ بذلك الثمن لأن البيع حصل به فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصاً فإن زادت على الثلث فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وإن كان الشفيع وارثًا ففيه وجهان (أحدهما) له الأخذ بالشفعة لأن المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها كما لو وهب غريم وارثه مالاً فأخذه الوارث (والثاني) يصح البيع ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلاً إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة، ويفارق الهبة لغريم الوارث لأن استحقاق الوارث الأخذ بدينه لامن جهة الهبة وهذا استحاقه بالبيع الحاصل من موروثه فافترقا.
ولأصحاب الشافعي في هذا خمسة أوجه وجهان كهذين (والثالث) أن البيع باطل من أصله لا فضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث
وهذا فاسد لأن الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الأصل فرعه وعلى الوجه الأول ما حصلت للوارث المحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجبهة الأخذ من المشتري فأشبه هبة غريم الوارث (الوجه الرابع) أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بجميع الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لأن المحاباة بالنصف مثلاً هبة للنصف وهذا لا يصح لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل لأن الموهوب لا شفعة فيه (الخامس) أن البيع يبطل في قدر المحاباة وهو فاسد لأنها محاباة لأجنبي بما دون الثلث فلا يبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعاً (فصل) ويملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ يدل على أخذه بأن يقول قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن ونحو ذلك إذ كان الشقص والثمن معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي وابو الخطاب يملكه بالمطالبة لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع إذا نضم إليه القبول، وقال أبو حنيفة لا يحصل إلا بحكم حاكم لأنه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهراً فاقتقر إلى حكم حاكم كأخذ دينه ولنا أنه حق ثبت بالنص والإجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب وبهذا ينتقض ما ذكروه ويأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولأنه مال يتملكه قهراً فملكه بالأخذ كالغنائم والمباحات، ومكله باللفظ الدال على الأخذ لأنه بيع في الحقيقة لكن الشفيع يستقل به فاستقل باللفظ الدال عليه، وقولهم يملك المطالبة بمجردها لا يصح لأنه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد
المطالبة ولوجب إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه ولا يملك أخذ نصيب صاحبه.
إذ ثبت هذا فإنه إذا قال قد أخذت الشقص بالثمن الذي ثم عليه العقد وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الأخذ وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لأن الشقص يؤخذ قهراً والمقهور لا خيارن له والآخذ قهراً لا خيار له أيضاً كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه أو الثمن لعيب في الميبع وإن كان الثمن مجهولاً أو الشقص لم يملكه بذلك لأنه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوض كسائر البيوع
وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن له الأخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب (مسألة)(وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين (أحدهما) تجب الشفعة وهو قول أبي حنيفة والمزني (والثاني) لا تجب ونصره الشريف أبو جعفر في مسائله وهو قول مالك وابن شريح لأن الشفعة فرع للبيع ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولأن الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الأخذ منه، ووجه الأول أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حق المشتري بإنكاره ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما ولأنه أقر للشفيع أنه مستحق لأخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله كما لو أقر أنها ملكه، فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع لأن القبض منه ولم يثبت