الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الثاني فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم فانزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) والشركة كانت قبل ذلك ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أولم يبحها لهم فكيف يشتركون في شئ لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضاً لأنهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بضاعة وهو يمنع ذلك ولأن العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال وعلى أبي حنيفة أيضاً أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة ولا نسلم أن الوكالة لا تصح في المباحات فإنه يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا تبرع آخذها بذلك كالتوكيل في بيع ماله ومبناهما على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما
يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما
(مسألة) (وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان
(أحدهما) لا تصح اختاره أبو الخطاب وهو قول مالك لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمها ويطالب به كل واحد منهما فإذا تقبل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر إن يقوم به فكيف يلزمه عمله؟ أم كيف يطالب بما لا قدرة له عليه؟ (والثاني) تصح اختاره القاضي لأنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع ولأن الصنائع المتفقة قد يكون أحد الرجلين أحذق فيها من الآخر فربما يتقبل احدهما مالا يمكن الآخر عمله ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصنائع
وقولهم يلزم كل واحد منهما ما يتقبله صاحبه قال القاضي يحتمل أن لا يلزمه ذلك كالوكيلين بدليل صحتها في المباح ولا ضمان فيها وإن قلنا يلزمه أمكنه تحصيل ذلك بالأجرة أو بمن يتبرع له بعمله ويدل على صحة هذا أنه لو قال أحدهما أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة وعمل كل واحد منهما غير عمل صاحبه.
وقال زفر لا تصح الشركة إذا قال أحدهما أنا أتقبل وأنت تعمل ولا يستحق العامل المسمى وإنما له أجر المثل.
ولنا أن الضمان يستحق به الربح بدليل شركة الابدان وتقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة والعمل يستحق به العامل الربح كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة (فصل) والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان في المعل فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به ولكل واحد منهما المطالبة بالأجرة وللمستأجر دفعها إلى كل واحد منهما وأيهما دفعها إليه برئ منها، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما لأنهما كالوكيلين في المطالبة، وما يتفبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله لأن هذه الشركة لا تنعقد إلا على المضان ولا شئ فيها تنعقد عليه الشركة حال الضمان فكأن الشركة تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه
وقال القاضي يحتمل أن لا يلزم أحدهما ما لزم الآخر كما ذكرنا من قبل وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لان اليد له فيقبل إقراره بما فيها ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه لان لا يدله على ذلك (مسألة)(وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك) وجملة ذلك أنه إذا عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما قال ابن عقيل نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان فيأتي أحدهما بشئ ولا يأتي الآخر بشئ؟ فقال نعم هذا بمنزلة حديث سعد وعمار وابن مسعود يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران ولا ن العمل مضمون عليهما معاً وبضمانهما له وجبت الأجرة فتكون لهما كما كان الضمان عليهما ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته ولا يمنع ذلك استحقاقه كم استأجر رجلاً ليقصر له ثوباً فاستعان القاصر بإنسان فقصر معه كانت الأجرة للقصار المستأجر كذاههنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره فإن طالب أحدهما الآخران يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل فله ذلك فإن امتنع فللآخر الفسخ ويحتمل أنه إذا ترك العمل لغير عذر أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله