الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَرْسٌ]
(بَابٌ) فِي الْغَصْبِ، وَأَحْكَامِهِ
(الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ) أَيْ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهِ (قَهْرًا) عَلَى وَاضِعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (تَعَدِّيًا) أَيْ ظُلْمًا (بِلَا حِرَابَةٍ) فَأَخْذُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْغَصْبَ وَغَيْرَهُ كَأَخْذِ إنْسَانٍ مَالَهُ مِنْ مُودِعٍ، أَوْ مَدِينٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ مَالًا، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمَالِ الذَّوَاتُ فَخَرَجَ التَّعَدِّي، وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ مَثَلًا وَقَوْلُهُ قَهْرًا حَالٌ مُقَارِنَةٌ لِعَامِلِهَا خَرَجَ بِهِ السَّرِقَةُ وَنَحْوُهَا إذْ لَا قَهْرَ حَالَ الْأَخْذِ. وَإِنْ حَصَلَ الْقَهْرُ بَعْدَهُ كَمَا خَرَجَ الْمَأْخُوذُ اخْتِيَارًا كَعَارِيَّةٍ وَسَلَفٍ، وَهِبَةٍ وَقَوْلُهُ تَعَدِّيًا خَرَجَ بِهِ الْمَأْخُوذُ قَهَرَا بِحَقٍّ كَالدَّيْنِ مِنْ مَدِينٍ مُمَاطِلٍ، أَوْ مِنْ غَاصِبٍ، وَالزَّكَاةِ كُرْهًا مِنْ مُمْتَنِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ تَشْمَلُ الْحِرَابَةَ قَالَ بِلَا حِرَابَةٍ لِإِخْرَاجِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْحِرَابَةَ دُونَ الْغَصْبِ.
(وَأُدِّبَ) غَاصِبٌ (مُمَيِّزٌ) صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَمْ يُمَيِّزْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا أُدِّبَ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَإِصْلَاحِ حَالِهِ كَمَا تُضْرَبُ الدَّابَّةُ لِذَلِكَ (كَمُدَّعِيهِ) أَيْ كَمَا يُؤَدَّبُ مُدَّعِي الْغَصْبِ (عَلَى صَالِحٍ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ لَا خُصُوصُ الصَّالِحِ عُرْفًا، وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ عَلَى فَاسِقٍ، أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ فَلَا يُؤَدَّبُ وَحَلَفَ الْفَاسِقُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَإِلَّا ضَمِنَ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي (وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ)(قَوْلَانِ) قِيلَ يَحْلِفُ لِيَبْرَأَ مِنْ الْغُرْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
[بَابٌ فِي الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ]
بَابٌ فِي الْغَصْبِ) (قَوْلُهُ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهِ (قَوْلُهُ أَيْ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَيْسَ الْأَخْذُ الْحِسِّيُّ بِالْفِعْلِ لَازِمًا، بَلْ مَتَى حَالَ الظَّالِمُ بَيْنَ الْمَالِ وَرَبِّهِ وَلَوْ أَبْقَاهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَبُّهُ كَانَ غَاصِبًا وَاعْتِرَاضُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَخْذُ مَالٍ إلَخْ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَخْذَ الْمَنَافِعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مُتَمَوَّلَةٌ يُعَاوَضُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ تَعَدٍّ، وَالْغَصْبُ لِلذَّاتِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَخْذُ مَالٍ غَيْرَ مَنْفَعَةٍ لِأَجْلِ إخْرَاجِ التَّعَدِّي فَأَجَابَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَخْذِ آدَمِيٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ قَرِيبًا غَيْرَ، وَالِدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ بَالِغًا (قَوْلُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ وَخَرَجَ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَخْذِ الْأَبِ الْغَنِيِّ، وَالْجَدِّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ قَهْرًا عَنْهُ فَلَا يُسَمَّى غَصْبًا، وَإِنَّمَا خَرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ مَنْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْأَخْذِ شَرْعِيَّةً، وَالْأَبَ، وَالْجَدَّ لَهُمَا شُبْهَةٌ لِخَبَرِ:«أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْكَمُ لِذَلِكَ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَالْأَدَبُ.
(قَوْلُهُ وَأُدِّبَ) أَيْ وُجُوبًا بَعْدَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا غَصَبَهُ (قَوْلُهُ صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا، أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَقِيلَ غَيْرُ الْبَالِغِ لَا يُؤَدَّبُ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ شَعْبَانَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُؤَدَّبُ.
(قَوْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأُدِّبَ مُمَيِّزٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي الْبَالِغِ، وَالصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا إلَخْ عِلَّةٌ أُخْرَى لِتَأْدِيبِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُتَيْطِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا يُؤَدَّبُ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) أَيْ وَتَأْدِيبُ الْغَاصِبِ الْمُمَيِّزِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَلَا يُحَدُّ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْأَسْوَاطِ كَالْحُدُودِ (قَوْلُهُ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ) .
قَالَ فِي النَّوَادِرِ مَحَلُّ أَدَبِ مَنْ ادَّعَاهُ عَلَى صَالِحٍ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّظَلُّمِ نَقَلَهُ بْن فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ عَلَى وَجْهِ التَّظَلُّمِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، بَلْ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً غَرِمَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ) أَيْ وَلَوْ اُتُّهِمَ بِغَيْرِهِ كَزِنًا وَسُكْرٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّالِحِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَالدِّينِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُؤَدَّبُ مَنْ ادَّعَاهُ عَلَى مَنْ يُتَّهَمُ بِالزِّنَا، وَالسُّكْرِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ عَلَى فَاسِقٍ) أَيْ، وَهُوَ مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَكُنْ مُشْتَهِرًا بِهِ (قَوْلُهُ، أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ (قَوْلُهُ وَحَلَفَ الْفَاسِقُ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ أَنَّهُ غَصَبَ كَذَا وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْفَاسِقِ بِالْغَصْبِ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ) أَيْ، وَإِلَّا يَحْلِفُ الْفَاسِقُ ضَمِنَ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ (قَوْلُهُ وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ حَالُهُ) أَيْ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَصَبَ كَذَا أَيْ وَعُدِمَ حَلِفُهُ قَوْلَانِ، وَأَمَّا إذَا اُدُّعِيَ عَلَى مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُهَدَّدُ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُسْجَنُ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، فَظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ إمَّا صَالِحٌ، وَإِمَّا فَاسِقٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، وَإِمَّا مَجْهُولٌ حَالُهُ، وَإِمَّا مَشْهُورٌ بِالْغَصْبِ
وَقِيلَ لَا.
(وَضَمِنَ) الْغَاصِبُ الْمُمَيِّزُ (بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَى الْمَغْصُوبِ عَقَارًا، أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْ بِمُجَرَّدِهِ إلَى أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَهُ لَا يَوْمَ حُصُولِ الْمُفَوَّتِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي ضَمَانِ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَى غَاصِبِ الْمَنْفَعَةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْغَاصِبُ مُمَيِّزًا، بَلْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا الْجَانِي عَلَى نَفْسٍ، أَوْ مَالِ الْغَيْرِ الْمُمَيَّزِ (فَتَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى تَحْكِي الْخِلَافَ فِيمَا يَضْمَنُهُ هَلْ يَضْمَنُ الْمَالَ فِي مَالِهِ، وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَتِهِ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ أَوَّلًا يَضْمَنُ الْمَالَ، بَلْ الدِّيَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا يَضْمَنُ مَالًا وَلَا دِيَةَ، بَلْ فِعْلُهُ هَدَرٌ كَالْعَجْمَاءِ،، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي حَدِّ السِّنِّ الَّذِي يَضْمَنُ فِيهِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيلَ سَنَةٌ وَقِيلَ سَنَتَانِ وَقِيلَ سَنَةٌ وَنِصْفٌ وَقِيلَ شَهْرَانِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ إلَّا ابْنُ شَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْعَجْمَاءِ وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا بِأَنَّ مَعْنَاهُ، وَإِلَّا يَكُنْ الْغَاصِبُ مُمَيِّزًا وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ غَصْبٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ، وَهُوَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْغَصْبُ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الصَّبِيِّ فَاعْتُرِضَ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْغَيْرَ الْمُمَيِّزِ، وَالْمَجْنُونَ يَضْمَنَانِ الْمَالَ فِي مَالِهِمَا، وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِمَا، وَأَنَّ التَّمْيِيزَ لَا يُحَدُّ بِسِنٍّ فَقَدْ يَكُونُ ابْنَ سَنَةٍ وَقَدْ يَكُونُ ابْنَ أَكْثَرَ وَمَحَلُّ الْمُمَيِّزِ إذَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى مَالٍ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِرَاحِ أَنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ.
، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَأَنْ مَاتَ) الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ كَانْهِدَامِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قَبْلَ سُكْنَاهَا (أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ) مَغْصُوبٌ (قِصَاصًا) إنْ جَنَى بَعْدَ الْغَصْبِ، أَوْ لِحِرَابَتِهِ، أَوْ ارْتِدَادِهِ (أَوْ رَكِبَ) الدَّابَّةَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ وَقِيلَ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، بَلْ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ غَرِمَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ لِقَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا، وَالْغَصْبُ مِنْ بَابِ التَّجْرِيحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمُمَيِّزُ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ وَقَوْلُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْ بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ وَلَمْ نَقُلْ أَيْ ضَمِنَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الضَّمَانُ بِالْفِعْلِ إلَّا إذَا حَصَلَ مَفُوتٌ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ عَقَارًا، أَوْ غَيْرَهُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، بَلْ حَتَّى يُنْقَلَ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُ وَسَلَّمَهُ شَارِحُوهُ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَغْصُوبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ قَطْعًا كَانَ عَقَارًا، أَوْ غَيْرَهُ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ فَائِدَةَ تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ يَوْمَهُ إذَا حَصَلَ مَفُوتٌ لَا يَوْمَ الْفَوَاتِ (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَى غَاصِبِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِمُجَرَّدِ فَوَاتِهَا عَلَى رَبِّهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَاصِبَ الذَّاتِ يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهَا مِنْ يَوْمِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَيَضْمَنُ غَلَّةَ تِلْكَ الذَّاتِ مِنْ يَوْمِ اسْتِعْمَالِهَا، وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي، وَهُوَ غَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ فَيَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ بِمُجَرَّدِ فَوَاتِهَا عَلَى رَبِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ إلَّا غَاصِبَ الْبُضْعِ لِأَجْلِ وَطْئِهِ، وَالْحُرَّ لِأَجْلِ اسْتِخْدَامِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا وَطِئَ وَاسْتَخْدَمَ غَرِمَ صَدَاقَ الْأَوَّلِ وَأُجْرَةَ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى تَحْكِي الْخِلَافَ) أَيْ تَحْكِي ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِيمَا يَضْمَنُهُ وَمَا لَا يَضْمَنُهُ (قَوْلُهُ أَوَّلًا يَضْمَنُ الْمَالَ إلَخْ) أَيْ فَفِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ كَفِعْلِ الْعَجْمَاءِ.
وَأَمَّا الدِّيَةُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ (قَوْلُهُ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي حَدِّ السِّنِّ) أَيْ فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تَجْزِمُ بِضَمَانِهِ الْمَالَ، وَالدِّيَةَ وَلَكِنْ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي حَدِّ أَقَلِّ السِّنِّ الَّذِي يَضْمَنُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَقِيلَ سَنَةٌ) فَإِنْ كَانَ عُمْرُهُ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَنَتَانِ) فَإِنْ كَانَ عُمْرُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَنَةٌ وَنِصْفٌ) فَإِنْ كَانَ عُمْرُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَكُنْ الْغَاصِبُ مُمَيِّزًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَتَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ يَشْمَلُ إلَخْ، عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْغَصْبُ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ قَهْرًا مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، أَوْ يُتْلِفُهُ اهـ.
شب (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الصَّبِيِّ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الطَّرِيقَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إنَّمَا تَتَأَتَّيَانِ فِي الصَّغِيرِ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إلَّا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى، فَالْأَوْلَى قَصْرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الْغَيْرَ الْمُمَيِّزِ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْغَصْبُ كَمَا عَلِمْتَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالتَّرَدُّدُ ضَعِيفٌ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَضْمَنُهُ، أَوْ فِي السِّنِّ الَّذِي يَضْمَنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ جَعْلُ التَّرَدُّدِ فِي مَوْضُوعٍ مُتَعَدِّدٍ فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَحْسَنَ اهـ.
عبق وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي حَكَتْهَا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَقَدْ يَكُونُ) أَيْ الْمُمَيِّزُ الْمَفْهُومُ مِنْ التَّمْيِيزِ ابْنَ سَنَةٍ وَقَدْ يَكُونُ ابْنَ أَكْثَرَ فَالْمَدَارُ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى فَهْمِ الْخِطَابِ وَحُسْنِ الْجَوَابِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ ضَمَانِ الْمُمَيِّزِ) الْأَوْلَى وَمَحَلُّ ضَمَانِ الصَّغِيرِ لِمَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا، أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ، وَأَنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ) أَيْ فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ.
(قَوْلُهُ كَأَنْ مَاتَ) تَشْبِيهٌ فِي الضَّمَانِ فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ (قَوْلُهُ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ شَخْصًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَقُتِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ سَابِقًا
الْمَغْصُوبَةَ فَهَلَكَتْ، بَلْ وَلَوْ لَمْ يَرْكَبْ (أَوْ ذَبَحَ) الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي وَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً (أَوْ جَحَدَ) مُودَعٍ (وَدِيعَةً) ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ هَلَكَتْ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا صَارَ كَالْغَاصِبِ (أَوْ أَكَلَ) شَخْصٌ طَعَامًا مَغْصُوبًا (بِلَا عِلْمٍ) مِنْهُ بِأَنَّ الطَّعَامَ مَغْصُوبٌ وَبُدِئَ بِالْغَاصِبِ فَإِنْ أَعْسَرَ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَعَلَى الْآكِلِ بِقَدْرِ أَكْلِهِ، أَوْ مَا وُهِبَ لَهُ فَإِنْ أَعْسَرَ اتَّبَعَ أَوَّلَهُمَا يُسْرًا وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ.
وَأَمَّا بِعِلْمٍ فَهُوَ، وَالْغَاصِبُ سَوَاءٌ (أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ) فَإِنَّ الْمُكْرِهَ بِالْكَسْرِ يَضْمَنُ لَكِنْ يُبْدَأُ بِالْمُبَاشِرِ لِلتَّلَفِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ وَكَذَا مَنْ أَغْرَى ظَالِمًا عَلَى مَالٍ لَا يُتْبَعُ الْمُغْرِي بِالْكَسْرِ إلَّا بَعْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُغْرَى بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَمَفْهُومٌ عَلَى التَّلَفِ أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَأَتَى لَهُ بِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا) بِأَنْ حَفَرَهَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ فَتَرَدَّى فِيهَا شَيْءٌ ضَمِنَ.
وَأَمَّا بِمِلْكِهِ بِغَيْرِ قَصْدِ ضَرَرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَقُدِّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَافِرِ لَهَا فِي الضَّمَانِ (الْمُرْدِي) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالْحَافِرُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ فِي الضَّمَانِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ (إلَّا) أَنْ يَحْفِرَهَا (لِمُعَيَّنٍ) فَرَدَّاهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
عَلَى الْغَصْبِ وَقُتِلَ بِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّوَادِرِ وَقَرَّرَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، إذَا عَلِمْتَ هَذَا فَتَوَقُّفُ عبق تَبَعًا لعج، وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ فِي الْقَتْلِ السَّابِقِ عَلَى الْغَصْبِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبِهِ بَعْدَ الْغَصْبِ هَلْ يَكُونُ مُوجِبًا لِضَمَانِهِ، أَوْ لَا؟ قُصُورٌ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْكَبْ) أَيْ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وَضْعِ الْيَدِ يُوجِبُ الضَّمَانَ (قَوْلُهُ، أَوْ ذَبَحَ) أَيْ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ دَابَّةً، وَذَبَحَهَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْغَاصِبِ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ بِمُفِيتٍ وَلِرَبِّهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا، وَأَخْذِهَا مَذْبُوحَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهَا مَا نَقَصَهُ الذَّبْحُ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى.
وَقِيلَ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا، وَأَخْذِهَا مَذْبُوحَةً مَعَ مَا نَقَصَهُ الذَّبْحُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ اهـ بْن (قَوْلُهُ وَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الذَّبْحُ مُفِيتًا لِلدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ عَدَّهُ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَصْلُهُ لِابْنِ الْجَلَّابِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِمَّا يَذْبَحُهُ الْقَصَّابُ وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ (فَرْعٌ) لَا شَيْءَ عَلَى مُجْتَهِدٍ أَتْلَفَ شَيْئًا بِفَتْوَاهُ وَضَمِنَ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ إنْ نَصَّبَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ نَائِبُهُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا كَوَظِيفَةِ عَمَلٍ قَصَّرَ فِيهَا، وَإِلَّا يَكُنْ مُنْتَصِبًا لِلْفَتْوَى، وَهُوَ مُقَلِّدٌ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ هَلْ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَمْ لَا؟ ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَصَّرَ فِي مُرَاجَعَةِ النُّقُولِ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ صَادَفَ خَطَؤُهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَقْدُورِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ.
(قَوْلُهُ، ثُمَّ هَلَكَتْ) أَيْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَخْذِهَا مِنْهُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا إلَخْ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ، أَوْ أَكَلَ شَخْصٌ طَعَامًا مَغْصُوبًا) أَيْ أَهْدَاهُ لَهُ الْغَاصِبُ، أَوْ أَكَّلَهُ ضِيَافَةً عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِالْغَاصِبِ) أَيْ فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْآكِلُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ لَكِنْ يُبْدَأُ إلَخْ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا بِعِلْمٍ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا أَكَلَ الشَّخْصُ طَعَامًا مَغْصُوبًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ، وَالْغَاصِبُ سَوَاءٌ) فَلَا يُبْدَأُ بِوَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ، بَلْ يَغْرَمُ الْآكِلُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ وَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ لَكِنْ يُبْدَأُ إلَخْ) .
الْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ مَعًا هَذَا لِمُبَاشَرَتِهِ، وَهَذَا لِتَسَبُّبِهِ لَكِنَّ الْمُبَاشِرَ يُقَدَّمُ فِي الْغُرْمِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فَلَا يَتْبَعُ الْمُتَسَبِّبَ إلَّا إذَا أُعْدِمَ الْمُبَاشِرُ وَكُلُّ مَنْ غَرِمَ شَيْئًا مِنْهُمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَهُ، هَذَا هُوَ الَّذِي فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالتَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَبِهِ قَرَّرَ ح وَقَالَ إنَّهُ الْمَذْهَبُ فَحَمْلُ الْمُصَنِّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ فَقَطْ لَيْسَ بِصَوَابٍ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ فَأَتَى لَهُ بِهِ) أَيْ، ثُمَّ أَتْلَفَهُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ فَكُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أُخِذَ مِنْهُ الْجَمِيعُ وَمَنْ غَرِمَ شَيْئًا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ وَفَرَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ هَذِهِ قَدْ وَقَعَ مِنْ كُلِّ مِنْهُمَا مُبَاشَرَةٌ بِخِلَافِ الْأُولَى فَلَمْ يَقَعْ مِنْ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ إلَّا الْإِكْرَاهُ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُبَاشِرُ اهـ بْن (قَوْلُهُ، أَوْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ) أَيْ، أَوْ بِلَصْقِهَا بِلَا حَائِلٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِمِلْكِهِ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ أَيْ، أَوْ بِأَرْضٍ مَوَاتٍ فَتَرَدَّى فِيهَا شَيْءٌ فَلَا ضَمَانَ إذَا كَانَ حَفَرَهَا بِغَيْرِ قَصْدِ ضَرَرٍ أَمَّا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ بِقَصْدِ ضَرَرٍ كَوُقُوعِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ وُقُوعِ سَارِقٍ، أَوْ وُقُوعِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ هَلَاكَهُ فَقَدَّرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا حَيَوَانٌ، أَوْ شَخْصٌ آخَرُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ، وَالسَّارِقِ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي الْمُرْدِي بِمَعْنَى أَنَّ الضَّمَانَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَحْدَهُ دُونَ الْحَافِرِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْدِي مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ لَفْظُ قُدِّمَ مِنْ أَنَّهُ إنْ أُعْدِمَ الْمُرْدِي ضَمِنَ الْحَافِرُ فَلَيْسَ الْحَافِرُ كَالْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ تَسَبُّبَ الْحَافِرِ أَضْعَفُ مِنْ تَسَبُّبِ الْمُكْرِهِ
فِيهَا غَيْرُهُ (فَسِيَّانِ) الْحَافِرُ، وَالْمُرْدِي فِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا فِي الْإِنْسَانِ الْمُكَافِئِ وَضَمَانِ غَيْرِهِ (أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ) مَثَلًا قُيِّدَ (لِئَلَّا يَأْبَقَ) فَأَبَقَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ (أَوْ) فَتَحَ بَابًا مُغْلَقًا (عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ) فَذَهَبَ فَيَضْمَنُهُ (إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ) لَهُ حِينَ الْفَتْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاتِحِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَيْرًا، وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيعُهُ عَادَةً (أَوْ) فَتَحَ (حِرْزًا) فَسَالَ مَا فِيهِ إذَا كَانَ مَائِعًا، أَوْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ جَامِدًا (الْمِثْلِيَّ) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَ (وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ) وَرُدَّ بِلَوْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَصَبَهُ يَوْمَ الْغَلَاءِ فَرَخُصَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ رَبُّهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ (وَصَبَرَ) رَبُّهُ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْمِثْلِ كَفَاكِهَةٍ خَرَجَ أَبَانُهَا (لِوُجُودِهِ وَ) صَبَرَ (لِبَلَدِهِ) أَيْ لِبَلَدِ الْغَصْبِ إنْ وُجِدَ الْغَاصِبُ بِغَيْرِهِ (وَلَوْ صَاحَبَهُ) بِأَنْ كَانَ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ مَعَ الْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ فَوْتٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ لَا رَدَّ الْعَيْنِ وَجَازَ دَفْعُ ثَمَنٍ عَنْ الطَّعَامِ الْمِثْلِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْغَصْبِ يَجْرِي مَجْرَى طَعَامِ الْقَرْضِ وَيَجِبُ التَّعْجِيلُ لِئَلَّا يَكُونَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَرُدَّ بِلَوْ قَوْلُ أَشْهَبَ يُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ فِيهِ، أَوْ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ (وَمُنِعَ) الْغَاصِبُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ (لِلتَّوَثُّقِ) بِرَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ خَشْيَةَ ضَيَاعِ حَقِّ رَبِّهِ وَمِثْلُهُ الْمُقَوَّمُ حَيْثُ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ فَسِيَّانِ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَلِمَ الْمُرْدِي بِقَصْدِ الْحَافِرِ، وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْ الْمُرْدِي فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُمَا سِيَّانِ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ يُقْتَلُ الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ (قَوْلُهُ فِي الْإِنْسَانِ الْمُكَافِئِ) أَيْ لَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْمُكَافِئُ أَحَدَهُمَا فَقَطْ كَأَنْ حَفَرَهَا حُرٌّ مُسْلِمٌ لِأَجْلِ وُقُوعِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَرْدَاهُ فِيهَا عَبْدٌ مِثْلُهُ قُتِلَ الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَانْظُرْ هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَمْ لَا قَالَهُ عبق (قَوْلُهُ وَضَمَانِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْإِنْسَانِ الْمُكَافِئِ (قَوْلُهُ قَيْدَ عَبْدٍ مَثَلًا) أَيْ، أَوْ فَتَحَ قَيْدَ حُرٍّ قُيِّدَ لِئَلَّا يَأْبَقَ فَذَهَبَ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ دِيَةَ عَمْدٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ كَحُرٍّ بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِبَاعَهُ، بَلْ حَيْثُ أَدْخَلَهُ فِي أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ رُجُوعُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ (قَوْلُهُ قُيِّدَ لِئَلَّا يَأْبَقَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ قُيِّدَ لِنَكَالِهِ فَأَبَقَ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ تَنَازَعَ رَبُّهُ مَعَ الْفَاتِحِ فَادَّعَى رَبُّهُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَهُ لِخَوْفِ إبَاقِهِ وَقَالَ الْفَاتِحُ إنَّمَا قَيَّدْتَهُ لِنَكَالِهِ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
(قَوْلُهُ فَأَبَقَ) أَيْ عَقِبَ الْفَتْحِ، أَوْ بَعْدَهُ بِمُهْلَةٍ (قَوْلُهُ إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ) أَيْ إلَّا إذَا فَتَحَهُ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ وَلَوْ كَانَ رَبُّهُ نَائِمًا نَوْمًا خَفِيفًا بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَهُ شُعُورٌ، قَالَ عبق، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ بِمَكَانٍ هُوَ مَظِنَّةُ شُعُورِهِ بِخُرُوجِهِ، وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ يَسِيرًا لَا الْمُلَاصَقَةُ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا غَيْرَ نَائِمٍ (قَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيعُهُ عَادَةً) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَرْجِيعُهُ (قَوْلُهُ فَسَالَ مَا فِيهِ) أَشَارَ بِهَذَا لِدَفْعِ مَا يُقَالُ أَنَّ قَوْلَهُ، أَوْ فَتَحَ حِرْزًا مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا هُنَا فَتْحُ الْحِرْزِ عَلَى غَيْرِ حَيَوَانٍ وَمَا مَرَّ فَتْحُهُ عَلَى حَيَوَانٍ، أَوْ أَنَّ مَا مَرَّ فَتْحُ الْحِرْزِ فَذَهَبَ مَا فِي دَاخِله بِنَفْسِهِ وَمَا هُنَا فَتْحُ الْحِرْزِ، وَأَخْذُ آخَرَ مَا فِي دَاخِلِهِ.
(قَوْلُهُ، أَوْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ جَامِدًا) لَكِنْ فِي هَذِهِ يُقَدَّمُ الْآخِذُ لِمُبَاشَرَتِهِ عَلَى الْفَاتِحِ وَمَحَلُّ ضَمَانِ فَاتِحِ الْحِرْزِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ فَتَحَهُ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ فَقَدْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ وَذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَ) أَيْ ضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ الْمِثْلِيَّ إذَا تَعَيَّبَ، أَوْ تَلِفَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ غَصَبَهُ بِغَلَاءٍ وَحَكَمَ بِهِ زَمَنَ الرَّخَاءِ فَقَوْلُهُ بِمِثْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا إذَا تَعَيَّبَ، أَوْ تَلِفَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا بِبَلَدِ الْغَصْبِ، وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، وَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ شَيْئِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمِثْلِيَّاتُ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا لَكِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا، أَوْ كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ فَرَبُّ الْمَغْصُوبِ لَهُ غَرَضٌ فِي أَخْذِ عَيْنِ شَيْئِهِ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالَ الْغَاصِبِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ) أَيْ، وَهُوَ اللَّخْمِيُّ (قَوْلُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَصَبَرَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وُجُوبًا لِبَلَدِهِ أَيْ لِبَلَدِ الْغَصْبِ إنْ وُجِدَ الْغَاصِبُ بِغَيْرِهِ، مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْخَلَاصُ مِنْهُ إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ، وَإِلَّا غَرَّمَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي وَجَدَهُ فِيهِ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ كَمَا فِي ح عَنْ الْبُرْزُلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَإِنْ وُجِدَ غَاصِبُهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ فَوْتٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ فَوْتٌ بِخِلَافِ نَقْلِ الْمُقَوَّمِ إنَّمَا يَكُونُ فَوْتًا إذَا كَانَ فِي نَقْلِهِ كُلْفَةٌ وَاحْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فَوْتَ الْمِثْلِيِّ يُوجِبُ غُرْمَ مِثْلِهِ وَفَوْتَ الْمُقَوَّمِ لَا يُوجِبُ غُرْمَ قِيمَتِهِ، بَلْ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَخْذِهِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ بَيْنَ أَخْذِهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْغَاصِبُ (قَوْلُهُ وَمُنِعَ مِنْهُ) أَيْ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ الْغَاصِبَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمِثْلِيِّ الَّذِي صَاحَبَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ حَتَّى يَتَوَثَّقَ مِنْهُ رَبُّهُ بِرَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمِثْلِيِّ الْمَغْصُوبِ الَّذِي صَاحَبَ الْغَصْبَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمُقَوَّمُ) أَيْ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ الْمُقَوَّمُ فَيُمْنَعُ الْغَاصِبُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ إذَا وُجِدَ مَعَهُ بِبَلَدٍ أُخْرَى غَيْرَ بَلَدِ الْغَصْبِ
وَلَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لِلتَّوَثُّقِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ فَتَصَرُّفُهُ مَرْدُودٌ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَبُولُهُ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ مَثَلًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ وَبِهِ قَالَ بَعْضٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ حِينَئِذٍ وَرَجَحَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَجُوزُ قَبُولُهُ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا السُّكْنَى فِيهِ مَا لَمْ يَفُتْ عِنْدَ الظَّالِمِ وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَإِلَّا جَازَ عَلَى الْأَرْجَحِ وَمَنْ اتَّقَاهُ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرْضِهِ.
(وَلَا رَدَّ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ رَدَّ مَا صَاحَبَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ إلَى بَلَدِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ كَالْمُقَوَّمِ إنْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ لِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ (كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الرَّدِّ، وَالضَّمِيرُ فِي إجَازَتِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَفِي بَيْعِهِ يَعُودُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِمَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَبَيْعُهُ مَفْعُولُ إجَازَتِهِ وَمَعِيبًا مَفْعُولُ بَيْعِهِ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ يَعْنِي أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ مَا غَصَبَهُ مَعِيبًا فَأَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعَهُ (زَالَ) الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (وَقَالَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنَّمَا (أَجَزْتُ) الْبَيْعَ (لِظَنِّ بَقَائِهِ) أَيْ الْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ زَوَالُهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا، ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْتُ الْبَيْعَ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ بِزَوَالِ الْعَيْبِ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ اهـ.
وَلَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ سَلِيمًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْبِ فَأَجَازَهُ رَبُّهُ لِظَنِّهِ بَقَاءَهُ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَفْرِيطُهُ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَالِكُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى عَيْنِ الْمِثْلِيِّ إذَا وَجَدَهُ مَعَ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ أَشَارَ إلَى أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ مُشَبِّهًا لَهُ أَيْضًا بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ فَقَالَ (كَنُقْرَةٍ) أَيْ قِطْعَةِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَكَذَا قِطْعَةُ نُحَاسٍ، أَوْ حَدِيدٍ غُصِبَتْ وَ (صِيغَتْ) حُلِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا، بَلْ لَهُ مِثْلُ النُّقْرَةِ، وَالنُّحَاسِ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ (وَطِينٍ لُبِّنَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ ضُرِبَ لَبِنًا لَا يُرَدُّ لِرَبِّهِ، بَلْ مِثْلُهُ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (وَقَمْحٍ) مَثَلًا (طُحِنَ) وَدَقِيقٍ عُجِنَ وَعَجِينٍ خُبِزَ لِفَوَاتِهِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ نَاقِلًا فَمَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِلرِّبَا، وَهُنَا احْتَاطُوا لِلْغَاصِبِ فَلَمْ يُضَيِّعُوا كُلْفَةَ طَحْنِهِ، وَهُوَ، وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّ الطَّحْنَ غَيْرُ نَاقِلٍ هُنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَبَذْرٍ) أَيْ مَا يُبْذَرُ مِنْ الْحُبُوبِ (زُرِعَ) فَيَلْزَمُهُ لِرَبِّهِ مِثْلُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حَيْثُ احْتَاجَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ) أَيْ، بَلْ أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ فَتَصَرَّفَ فِيهِ) أَيْ فَخَالَفَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ.
(قَوْلُهُ، وَإِلَّا جَازَ عَلَى الْأَرْجَحِ) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ جَازَ أَكْلُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ نَاجِيٍّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمِعْيَارِ وَلَوْ عَلِمَ الْآكِلُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ خش خِلَافًا لِفَتْوَى النَّاصِرِ وَالْقَرَافِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ الْمَنْعِ إذْ عُلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ قِيمَةً
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَبِمُجَرَّدِ نَقْلِهِ صَارَ اللَّازِمُ لَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ إنْ احْتَاجَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَخْذُ رَبِّهِ لَهُ (قَوْلُهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَلِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ) وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَجِبُ الصَّبْرُ لِبَلَدِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَاحِبًا لِلْغَاصِبِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ قَدْ يَقُولُ لِلْغَاصِبِ أَنَا أَصْبِرُ لِبَلَدِهِ وَلَكِنْ رُدَّهُ أَنْتَ إلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى، أَوْ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِهِ الْمَحْذُوفِ أَيْ كَإِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِبَيْعِ الْغَاصِبِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ حَالَةَ كَوْنِهِ مَعِيبًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ بَيْعِهِ لِلْغَاصِبِ، وَالْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ مَعِيبًا الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ لَا الْغَاصِبُ (قَوْلُهُ إذَا بَاعَ مَا غَصَبَهُ مَعِيبًا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مَعِيبًا وَقْتَ بَيْعِ الْغَاصِبِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ طَارِئًا عِنْدَهُ، أَوْ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ قَبْلَ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ) أَيْ الَّذِي أَجَازَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَعَلُّلِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِظَنِّهِ دَوَامَ الْعَيْبِ لِتَفْرِيطِهِ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَرْجَحِ) هَذَا الْقَوْلُ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَظَاهِرُ ح تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَهُ الرَّدُّ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) أَيْ بَلَدِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ بِمَا تَضَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا تَضَمَّنَهُ (قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ) ، وَهُوَ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ لِقَوْلِ رَبِّ الْمَغْصُوبِ فَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ وَجْهُ الشَّبَهِ لَا الْمُشَبَّهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَصِيغَتْ) أَيْ صَاغَهَا الْغَاصِبُ حُلِيًّا، أَوْ سَبَكَهَا، أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، أَوْ ضَرَبَ النُّحَاسَ فُلُوسًا (قَوْلُهُ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ) أَيْ وَكَذَا بِالضَّرْبِ.
وَأَمَّا جَعْلُ النُّحَاسِ تَوْرًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَفُوتًا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ الْجُزَافَ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لِلْهُرُوبِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ وَلَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ طَعَامٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ الطِّينُ مِثْلِيًّا مَعَ أَنَّ ضَابِطَ الْمِثْلِيِّ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُكَالُ بِالْقُفَّةِ فَيَنْطَبِقُ الضَّابِطُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَقَمْحٍ مَثَلًا) أَيْ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ دَخَنٍ (قَوْلُهُ وَعَجِينٍ خُبِزَ) أَيْ فَلَا يُرَدُّ لِرَبِّهِ، بَلْ يُرَدُّ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّحْنِ، وَالْعَجْنِ، وَالْخُبْزِ نَاقِلًا فَمَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْقَمْحِ، وَالدَّقِيقِ وَبَيْنَ الدَّقِيقِ، وَالْعَجِينِ وَبَيْنَ الْعَجِينِ، وَالْخُبْزِ (قَوْلُهُ غَيْرُ نَاقِلٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلِرَبِّ الْقَمْحِ الْمَغْصُوبِ إذَا طَحَنَهُ الْغَاصِبُ أَخْذُهُ مَطْحُونًا وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الطَّحْنِ لِلْغَاصِبِ وَكَذَا إذَا عُجِنَ الدَّقِيقُ، أَوْ خُبِزَ الْعَجِينُ (قَوْلُهُ أَيْ مَا يُبْذَرُ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْبَذْرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ إذْ هُوَ مَصْدَرُ إلْقَاءِ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ لَا يُغْصَبُ، وَأَيْضًا هُوَ أَيْ الْبَذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الزَّرْعُ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ
وَمَعْنَى زُرِعَ بُذِرَ فَلَوْ قَالَ وَحَبِّ بَذْرٍ كَانَ أَبْيَنَ (وَبَيْضٍ أَفْرَخَ) فَلِرَبِّهِ مِثْلُ الْبَيْضِ، وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ (إلَّا) إنْ غُصِبَ (مَا بَاضَ) مِنْ طَيْرٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ، ثُمَّ أَفْرَخَ (إنْ حَضَنَ) بَيْضَ نَفْسِهِ، وَأَوْلَى إنْ بَاضَتْ عِنْدَ رَبِّهَا فَالْأُمُّ، وَالْفِرَاخُ لِرَبِّهَا (وَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ) فَلِرَبِّهِ مِثْلُ الْعَصِيرِ الْمَغْصُوبِ (وَإِنْ تَخَلَّلَ) الْعَصِيرُ الْمَغْصُوبُ (خُيِّرَ) رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ خَلًّا، وَأَخْذِ مِثْلِ عَصِيرِهِ إنْ عُلِمَ قَدْرُهُ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ (كَتَخَلُّلِهَا) أَيْ الْخَمْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ حَالَ كَوْنِهَا (لِذِمِّيٍّ) غُصِبَتْ مِنْهُ فَرَبُّهَا الذِّمِّيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِ الْخَمْرِ، أَوْ أَخْذِ الْخَلِّ، هَذَا ظَاهِرُهُ، لَكِنَّ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِ الْخَلِّ، أَوْ قِيمَةِ الْخَمْرِ يَوْمَ الْغَصْبِ (وَتَعَيَّنَ) أَخْذُ الْخَلِّ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ خَمْرٌ فَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ، بَلْ (وَإِنْ صُنِعَ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بِصَنْعَةٍ فَيُفِيدُ أَنَّ الرَّاجِحَ أَخْذُ الْخَلِّ مُطْلَقًا، وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ بِصَنْعَةٍ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ كَغَزْلٍ إلَخْ تَشْبِيهٌ فِيمَا لَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِصُنِعَ أَيْ أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَمَعْنَى صُنِعَ غُيِّرَ لِيَصِحَّ تَسْلِيطُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً وَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الْخَمْرَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ (كَغَزْلٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَتَغَيُّرِ غَزْلٍ مَغْصُوبٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِنَسْجٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَ) تَغَيُّرِ (حُلِيٍّ) بِتَكْسِيرٍ، أَوْ بِحُلِيٍّ آخَرَ.
(وَ) تَغَيُّرِ (غَيْرِ مِثْلِيٍّ) بِعَيْبٍ، أَوْ مَوْتٍ، وَأَوْلَى بِضَيَاعٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَاصِبِ وَحِينَئِذٍ (فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) لَازِمَةٌ لَهُ.
(وَإِنْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ، أَوْ كَلْبًا) مَأْذُونًا فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا ذُكِرَ (وَلَوْ قَتَلَهُ) الْغَاصِبُ (تَعَدِّيًا) وَفِي نُسْخَةٍ بِعَدَاءٍ أَيْ بِسَبَبِ عَدَاءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ (وَخُيِّرَ) رَبُّهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
زُرِعَ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى زُرِعَ بُذِرَ) أَيْ لَا بِمَعْنَى غَطَّى لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ فَوَاتَ الْمَبْذُورِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْفَوَاتُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ طَرْحِ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ غُطِّيَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَبَيْضٍ أَفْرَخَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ بَيْضًا فَحَضَنَهُ تَحْتَ دَجَاجَةٍ لَهُ فَأَفْرَخَ فَعَلَيْهِ بَيْضٌ مِثْلُهُ لِرَبِّهِ، وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ لِفَوَاتِ الْبَيْضِ بِخُرُوجِ الْفِرَاخِ مِنْهُ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ غُصِبَ) أَيْ إلَّا إنْ غَصَبَهُ طَيْرًا فَبَاضَ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَضَنَ ذَلِكَ الطَّيْرُ بَيْضَهُ، وَأَفْرَخَ (قَوْلُهُ، وَأَوْلَى إنْ بَاضَتْ عِنْدَ رَبِّهَا) أَيْ وَغَصَبَهَا الْغَاصِبُ مَعَ بَيْضِهَا وَحَضَنَتْ بَيْضَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَأَفْرَخَ ذَلِكَ الْبَيْضُ فَالْأُمُّ، وَالْفِرَاخُ لِرَبِّهَا وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ دَجَاجَةً وَبَيْضًا لَيْسَ مِنْهَا وَحَضَنَهُ تَحْتَهَا فَإِنَّ الْأُمَّ، وَالْفِرَاخَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَعَبِهِ فِيهَا فَإِنْ كَانَا لِشَخْصَيْنِ فَلِرَبِّ الْبَيْضِ مِثْلُهُ وَلِرَبِّ الدَّجَاجَةِ دَجَاجَتُهُ وَكِرَاءُ مِثْلِهَا فِي حَضْنِهَا، وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ اهـ.
(فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ حَامِلٌ فَأَخْرَجَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ الْحَمْلِ وَعَاشَ فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْحَيَوَانِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ عِلَاجِ الْمُخْرَجِ اهـ.
عبق (قَوْلُهُ وَعَصِيرٍ) أَيْ وَكَغَصْبِ عَصِيرٍ أَيْ مَاءِ عِنَبٍ وَقَوْلُهُ تَخَمَّرَ أَيْ بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَوْلُهُ فَلِرَبِّهِ مِثْلُ الْعَصِيرِ أَيْ إنْ عُلِمَ كَيْلُهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ الْعَصِيرُ لِذِمِّيٍّ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَمْرَ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْخَمْرَ، أَوْ مِثْلَ الْعَصِيرِ كَمَا إذَا تَخَلَّلَ الْخَمْرُ (قَوْلُهُ، وَإِنْ تَخَلَّلَ الْعَصِيرُ الْمَغْصُوبُ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ وَقَوْلُهُ خُيِّرَ رَبُّهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا (قَوْلُهُ لِذِمِّيٍّ) أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمُسْلِمِ فَيَدْخُلُ الْمُعَاهَدُ، وَالْمُؤَمَّنُ، وَالْحَرْبِيُّ (قَوْلُهُ، أَوْ قِيمَةِ الْخَمْرِ) أَيْ بِمَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ الذِّمِّيِّينَ (قَوْلُهُ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَحُلِيٍّ عَاطِفَةٌ لِعَامِلٍ حُذِفَ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ أَيْ، وَإِنْ صُنِعَ كَغَزْلٍ، أَوْ تَغَيُّرِ حُلِيٍّ (قَوْلُهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَإِنْ صُنِعَ كَغَزْلٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ.
وَأَمَّا عَلَى جَعْلِهِ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ وَتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ فَالْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الْغَزْلُ، وَالْحُلِيُّ وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ إذَا تَغَيَّرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ فَاللَّازِمُ لِلْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْقِيمَةُ فِي الْغَزْلِ، وَالْحُلِيِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَكِنَّهُ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ، وَالْمِثْلِيُّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ لَزِمَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ (قَوْلُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) أَيْ لَا يَوْمَ تَغَيُّرِهِ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ جِلْدَ مَيْتَةٍ إلَخْ) مُبَالَغَةٌ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ إذَا تَغَيَّرَ أَيْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ الَّذِي غَصَبَهُ وَتَغَيَّرَ عِنْدَهُ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِلَوْ بَدَلَ إنْ كَانَ، أَوْلَى لِرَدِّ الْخِلَافِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ دُبِغَ، أَوْ لَمْ يُدْبَغْ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ دُبِغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اهـ.
بْن (قَوْلُهُ أَوْ كَلْبًا مَأْذُونًا) أَيْ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ حِرَاسَةٍ، وَأَمَّا لَوْ قَتَلَ كَلْبًا لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِي اتِّخَاذِهِ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ شَخْصٌ جَهْلًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَاتِلَهُ فِيهِ شَيْءٌ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ قَهْرًا مِمَّنْ اتَّخَذَهُ، أَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً وَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْكَلْبَ بِالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ إلَخْ) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ أَيْ وَلَوْ قَتَلَ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ لَا يَوْمَ قَتْلِهِ فَلَيْسَ قَتْلُ الْغَاصِبِ كَقَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا قَتَلَ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَتْلِ كَالْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِغَاصِبٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَتْلِ فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِتْلَافِ كَابْنِ الْحَاجِبِ كَانَ أَشْمَلَ (قَوْلُهُ وَفِي نُسْخَةٍ بِعَدَاءٍ) أَيْ وَعَلَيْهَا فَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ فَقِيمَتُهُ أَيْ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ بِسَبَبِ عَدَائِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ
(فِي) قَتْلِ (الْأَجْنَبِيِّ) فِي اتِّبَاعِ الْأَجْنَبِيِّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَفِ، أَوْ الْغَاصِبِ بِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ (فَإِنْ تَبِعَهُ) أَيْ تَبِعَ الْغَاصِبَ (تَبِعَ هُوَ الْجَانِيَ) بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ (فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ) مِنْ الْجَانِي قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَكَانَتْ (أَقَلَّ) مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ (فَلَهُ الزَّائِدُ) أَيْ أَخْذُهُ (مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ) لَا مِنْ الْجَانِي.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَرْضٌ، أَوْ عَمُودٌ، أَوْ خَشْبٍ (هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ، وَأَخْذُهُ وَلَهُ إبْقَاؤُهُ، وَأَخْذُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ وَأُجْرَةُ الْهَدْمِ عَلَى الْغَاصِبِ (وَ) لَهُ (غَلَّةُ) مَغْصُوبٍ (مُسْتَعْمَلٍ) رُجِّحَ حَمْلُهُ عَلَى الْعَقَارِ مِنْ دُورٍ وَرَبَاعٍ، وَأَرْضٍ سَكَنَهَا، أَوْ زَرَعَهَا، أَوْ كَرَاهَا دُونَ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَعْمَلِ الَّذِي نَشَأَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ غَلَّةٌ كَكِرَاءِ الدَّابَّةِ، أَوْ الْعَبْدِ، أَوْ اسْتِعْمَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَيَضْمَنُ فِي الْعَقَارِ إذَا اُسْتُعْمِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَضْمَنُ فِي الْحَيَوَانِ إلَّا مَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ كَلَبَنٍ وَصُوفٍ، وَالْأَرْجَحُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَغَلَّةٌ مُسْتَعْمَلٌ وَلَوْ فَاتَ الْمَغْصُوبُ وَلَزِمَتْ الْقِيمَةُ فَيَأْخُذُ الْغَلَّةَ وَقِيمَةَ الذَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا كِرَاءَ لَهُ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ وَاحْتُرِزَ بِمُسْتَعْمَلٍ عَمَّا إذَا عُطِّلَ كَدَارٍ غَلَقَهَا، وَأَرْضٍ بَوَّرَهَا وَدَابَّةٍ حَبَسَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي وَمَنْفَعَةُ الْحُرِّ، وَالْبُضْعِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِظُلْمِهِ بِغَصْبِهِ فَهُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِي قَتْلِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لِلشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ تَبِعَهُ أَيْ فَإِنْ تَبِعَ رَبُّ الْمَغْصُوبِ الْغَاصِبَ وَقَوْلُهُ تَبِعَ هُوَ أَيْ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمَّا غَرِمَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْغَاصِبَ لَا يَرْبَحُ فَكَيْفَ رَبِحَ هُنَا، وَإِنَّمَا أُبْرِزَ الضَّمِيرُ لِجَرَيَانِ الْجَوَابِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ الشَّرْطِ لِرَبِّ الْمَغْصُوبِ وَضَمِيرَ الْجَوَابِ لِلْغَاصِبِ (قَوْلُهُ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ) أَيْ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الزَّائِدُ) أَيْ مَا زَادَتْهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ عَلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ أَرْضٌ، أَوْ عَمُودٌ، أَوْ خَشَبٌ) الْأَوْلَى قَصْرُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ عَمُودًا، أَوْ خَشَبًا فَإِدْخَالُ الْأَرْضِ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا مُخَالِفٌ لِلْعَمُودِ، وَالْخَشَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، أَوْ يَدْفَعَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا لِلْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ إلَخْ اهـ.
بْن وَقَوْلُهُ أَرْضٌ، أَوْ عَمُودٌ بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلِ الْمَغْصُوبِ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ إبْقَاؤُهُ، وَأَخْذُ قِيمَتِهِ) أَيْ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَدْمِ مَا عَلَيْهِ، وَأَخْذِ شَيْئِهِ وَبَيْنَ إبْقَائِهِ لِلْغَاصِبِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ الْغَاصِبِ حَيْثُ طَلَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْقِيمَةَ أَنَا أَهْدِمُ بِنَائِي وَلَا أَغْرَمُ الْقِيمَةَ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ حَيْثُ قَالَ يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَمُودًا وَاخْتَارَ الْمَالِكُ هَدْمَ مَا عَلَيْهِ، وَأَخْذَهُ فَتَلِفَ فِي حَالِ قَلْعِهِ فَهَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، أَوْ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ أَخْذَهُ فَقَدْ هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ خَطِّ عج وَقَوْلُهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ أَنْقَاضًا فَبَنَاهَا الْغَاصِبُ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ هَدْمُهَا وَلَهُ إبْقَاؤُهَا، وَأَخْذُ قِيمَتِهَا وَكَذَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَجَعَلَهَا بِطَانَةً لِجُبَّةٍ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَإِبْقَاؤُهُ وَتَضْمِينُهُ الْقِيمَةَ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ غَلَّةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ رَجَحَ إلَخْ) حَاصِلُ هَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْمَغْصُوبَ إنْ كَانَ عَقَارًا وَاسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ كَانَتْ غَلَّتْهُ لِرَبِّهِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ إنْ سَكَنَ فِيهِ، أَوْ أَسْكَنَهُ لِغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ ثَمَرَ النَّخْلِ الَّذِي أَثْمَرَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَإِنْ كَانَتْ غَلَّتُهُ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنْ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ كَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ فَهِيَ لِرَبِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ تَحْرِيكٍ كَالرُّكُوبِ، وَالْخِدْمَةِ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الرُّكُوبِ وَلَا اسْتِعْمَالُ الدَّابَّةِ فِي حَرْثٍ، أَوْ دَرْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ رَجَحَ حَمْلُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ) أَيْ بِأَنْ سُكِنَ، أَوْ زُرِعَ (قَوْلُهُ إلَّا مَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ) أَيْ.
وَأَمَّا مَا نَشَأَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْغَاصِبِ كَكِرَاءِ الدَّابَّةِ، أَوْ اسْتِعْمَالِهَا بِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ (قَوْلُهُ، وَالْأَرْجَحُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ ذَاتِهِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَقَارًا، أَوْ حَيَوَانًا كَانَتْ غَلَّةُ الْحَيَوَانِ نَاشِئَةً عَنْ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا، قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ ح قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ ابْنُ عَاشِرٍ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ إذْ لَوْ لَمْ تَلْزَمْ الْغَلَّةُ الْغَاصِبَ مَا صَحَّ قَوْلُهُ فِي الْغَلَّةِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاتَ الْمَغْصُوبُ) أَيْ مِنْ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ) أَيْ أَخْذُ الْغَلَّةِ وَقِيمَةِ الذَّاتِ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ) أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى قَوْلِهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَالْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وبن وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الِاسْتِيلَاءِ فَالْغَلَّةُ نَشَأَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ حَتَّى قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّلَفِ (قَوْلُهُ وَدَابَّةٍ حَبَسَهَا إلَخْ)
بِالتَّفْوِيتِ وَغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَصْبِ الْمَنْفَعَةِ وَمَا هُنَا فِي غَصْبِ الذَّاتِ فَإِذَا غَصَبَ أَرْضًا وَبَوَّرَهَا فَإِنْ قَصَدَ غَصْبَ الذَّاتِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ غَصْبَ الْمَنْفَعَةِ لَزِمَهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا.
(وَ) لَهُ (صَيْدُ عَبْدٍ وَجَارِحٍ) غُصِبَا مِنْهُ أَيْ مُصِيدِهِمَا وَلِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَلِرَبِّهِمَا تَرْكُ الصَّيْدِ، وَأَخْذُ أُجْرَتِهِمَا مِنْ الْغَاصِبِ (وَ) لَهُ (كِرَاءُ أَرْضٍ) مَغْصُوبَةٍ مِنْهُ (بُنِيَتْ) وَاسْتُعْمِلَتْ بِنَحْوِ سُكْنَى، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ إنْشَاءً، أَوْ تَرْمِيمًا فَيَشْمَلُ الدَّارَ الْخَرِبَةَ يُصْلِحُهَا الْغَاصِبُ فَيُقَوَّمُ الْأَصْلُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ الْإِصْلَاحِ بِمَا يُؤَاجَرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ، وَالزَّائِدُ لِلْغَاصِبِ (كَمَرْكَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْكَافِ (نَخِرٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَالٍ يَحْتَاجُ لِإِصْلَاحٍ غَصَبَهُ، أَوْ اخْتَلَسَهُ فَرَمَّهُ، وَأَصْلَحَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ فَيُنْظَرُ فِيمَا كَانَ يُؤَاجَرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ فَيَغْرَمُهُ الْغَاصِبُ، وَالزَّائِدُ لِلْغَاصِبِ بِأَنْ يُقَالَ كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهُ نَخِرًا لِمَنْ يُعَمِّرُهُ وَيَسْتَغِلُّهُ؟ فَمَا قِيلَ لَزِمَ الْغَاصِبَ.
(وَ) إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَرْكَبَ (أُخِذَ) أَيْ مُلِكَ مِمَّا أُصْلِحَتْ بِهِ (مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةً) يَعْنِي مَا لَا قِيمَةٌ لِعَيْنِهِ لَوْ انْفَصَلَ كَالزِّفْتِ، وَالْمُشَاقِّ، وَالْقُلْفُطَةِ.
وَأَمَّا مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَإِنْ كَانَ مُسَمَّرًا بِهَا، أَوْ هُوَ نَفْسُ الْمَسَامِيرِ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَالصَّوَارِي، وَالْمَجَاذِيفِ، وَالْحِبَالِ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا، وَأَخْذِ قِيمَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا غِنَى عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا لِمَحَلِّ أَمْنِهِ إلَّا بِهَا فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَرْكَبِ بَيْنَ دَفْعِهِ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِهِ كَيْفَ كَانَ، أَوْ يُسَلِّمُهُ لِلْغَاصِبِ (وَصَيْدِ شَبَكَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى أَرْضٍ وَصَيْدٌ هُنَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ أَيْ الْفِعْلِ وَفِي قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَصَيْدِ عَبْدٍ بِمَعْنَى الْمُصِيدِ كَمَا مَرَّ يَعْنِي أَنَّ لِرَبِّ الشَّبَكَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهَا كَالْفَخِّ، وَالشَّرَكِ، وَالرُّمْحِ، وَالسَّهْمِ، وَالْقَوْسِ كِرَاءُ الِاصْطِيَادِ بِهَا.
وَأَمَّا الْمَصِيدُ فَلِلْغَاصِبِ وَلَوْ قَالَ وَاصْطِيَادٌ بِكَشَبَكَةٍ لَكَانَ، أَوْضَحَ، وَأَشْمَلَ (وَمَا أُنْفِقَ فِي الْغَلَّةِ) يَعْنِي أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَمُؤْنَةِ الْعَبْدِ وَكُسْوَتِهِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ وَعِلَاجِهَا وَخِدْمَةِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ يَكُونُ فِي الْغَلَّةِ الَّتِي تَكُونُ لِرَبِّهِ كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْأَرْضِ يُقَاصِصُهُ بِهَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
هَذَا إنَّمَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ (قَوْلُهُ بِالتَّفْوِيتِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَجَارِحٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَازًا، أَوْ كَلْبًا وَقَوْلُهُ غُصِبَا مِنْهُ أَيْ وَاسْتَعْمَلَ الْغَاصِبُ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ، وَالْجَارِحِ فِي الصَّيْدِ فَيُرَدُّ ذَلِكَ الْمَصِيدُ مَعَهُمَا لِرَبِّهِمَا وَقَوْلُهُ وَلِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَيْ إذَا اصْطَادَ بِالْجَارِحِ وَرَدَّ الْمَصِيدَ مَعَ الْجَارِحِ لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ لِلْغَاصِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَرْكٍ (قَوْلُهُ وَلَهُ كِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ إلَخْ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كِرَاءُ أَرْضٍ بَنَاهَا الْغَاصِبُ وَاسْتَغَلَّهَا، أَوْ سَكَنَهَا فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ كِرَاؤُهَا بَرَاحًا لِمَنْ يَسْتَأْجِرُهَا.
وَأَمَّا كِرَاءُ الْبِنَاءِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الْقِيَامِ عَلَى الْغَاصِبِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، أَوْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَةَ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا وَيَأْخُذَهُ (قَوْلُهُ وَاسْتُعْمِلَتْ بِنَحْوِ سُكْنَى) أَيْ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ بِنَائِهَا فَلَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا مُوجِبًا لِلْأُجْرَةِ خِلَافًا لِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ بِمَا يُؤَاجَرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِلرَّبْعِ الْخَرَابِ فَهُوَ كَالْمَرْكَبِ النَّخِرِ الْآتِيَةِ فِي كَوْنِهِ يُقَوَّمُ بِمَا يُؤَاجَرُ بِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْبَرَاحُ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ بِمَا تُؤَاجَرُ بِهِ فِي ذَاتِهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ يُعَمِّرُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ يُنْتَفَعُ بِهَا بَرَاحًا بِدُونِ بِنَاءٍ فِيهَا.
وَأَمَّا الْمَرْكَبُ، وَالرَّبْعُ الْخَرِبُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا بَعْدَ الْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ، وَالزَّائِدُ لِلْغَاصِبِ) أَيْ وَمَا زَادَ مِنْ أُجْرَةِ الْبِنَاءِ عَلَى أُجْرَةِ الْأَرْضِ بَرَاحًا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ (قَوْلُهُ فَرَمَّهُ، وَأَصْلَحَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ كِرَاؤُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُنْظَرُ إلَخْ) .
حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهُ غَيْرَ مُصْلَحٍ مِمَّنْ يُصْلِحُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهُ مُصْلَحًا، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَاللَّخْمِيِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهُ مُصْلَحًا، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ فَمَا قِيلَ لَزِمَ الْغَاصِبَ) أَيْ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَتُهَا مُعَمَّرَةً تَزِيدُ عَلَى مَا قِيلَ كَانَ الزَّائِدُ لِلْغَاصِبِ (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَرْكَبَ) أَيْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ كَالزِّفْتِ إلَخْ) أَيْ وَكَالنَّقْشِ أَيْ.
وَأَمَّا لَوْ أَزَالَ الْغَاصِبُ نَقْشَ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي فِي الْفَرْعَيْنِ (قَوْلُهُ غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ مُسَمَّرٍ بِهَا وَغَيْرَ الْمَسَامِيرِ (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى أَرْضٍ) أَيْ فَالْمَعْنَى وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كِرَاءُ أَرْضٍ وَلَهُ كِرَاءُ صَيْدِ شَبَكَةٍ (قَوْلُهُ، وَالْقَوْسِ) هُوَ بِالْقَافِ، وَالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ، وَأَمَّا الْفَرَسُ بِالْفَاءِ، وَالرَّاءِ فَكَالْجَارِحِ، كَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ، وَفِي خش عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْفَرَسَ مِثْلُ الْآلَاتِ الَّتِي لَا تَصَرُّفَ لَهَا فَإِذَا غَصَبَ فَرَسًا وَصَادَ عَلَيْهِ صَيْدًا كَانَ الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْفَرَسِ لِرَبِّهَا، وَعَلَى ذَلِكَ اُقْتُصِرَ فِي المج (قَوْلُهُ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ) أَيْ وَمَا أَنْفَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ يُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ وَيُقَاصِصُ رَبَّهُ بِهِ مِنْ الْغَلَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ وَالْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ أَقَلَّ مِنْ الْغَلَّةِ غَرِمَ زَائِدَ الْغَلَّةِ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ أَكْثَرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا يَغْرَمُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا.
(قَوْلُهُ وَسَقْيِ الْأَرْضِ إلَخْ) فِي بْن أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْغَاصِبِ لَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ مَا أَنْفَقَهُ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بُدٌّ كَطَعَامِ الْعَبْدِ وَكُسْوَتِهِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ.
وَأَمَّا الرَّعْيُ وَسَقْيُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَسْتَأْجِرُ لَهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَكَذَلِكَ
نَقَصَتْ الْغَلَّةُ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ الطَّلَبُ بِالزَّائِدِ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِرَبِّهِ أَخْذُ مَا زَادَ فَقَوْلُهُ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ وَاَلَّذِي أَنْفَقَهُ كَائِنٌ فِي الْغَلَّةِ فَلَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا فِي رَقَبَةِ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّهِ فَالنَّفَقَةُ مَحْصُورَةٌ فِي الْغَلَّةِ وَلَيْسَتْ الْغَلَّةُ مَحْصُورَةً فِي النَّفَقَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْغَاصِبِ لِتَعَدِّيهِ وَلِرَبِّهِ أَخْذُ الْغَلَّةِ بِتَمَامِهَا مُطْلَقًا أُنْفِقَ، أَوْ لَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ كَالرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ وَأُجْرَةِ ذَلِكَ تَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ، وَالسَّمْنِ، وَالصُّوفِ وَبِخِلَافِ غَلَّةِ الْعَقَارِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَحْسُنُ جَعْلُ النَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالنَّفَقَةُ تَضِيعُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ،.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَتْلَفَ مُقَوَّمًا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ أَشَارَ هُنَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْطِ رَبَّ الْمَغْصُوبِ فِيمَا غُصِبَ مِنْهُ عَطَاءً مُتَّحِدًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ كَعَشَرَةٍ مِنْ إنْسَانٍ، وَأَمَّا إنْ أُعْطِيَ فِيهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ عَطَاءً وَاحِدًا فَفِيهِ خِلَافٌ بِقَوْلِهِ (وَهَلْ) يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْمُتْلِفَ لِمُقَوَّمٍ الثَّمَنُ الْمُعْطَى فِيهِ دُونَ الْقِيمَةِ (إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ إنْسَانٌ (مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً) وَاحِدًا كَعَشَرَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ (فَبِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ بِهِ (أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ) فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ يَلْزَمُهُ (تَرَدُّدٌ) الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِعِيسَى وَرُجِّحَ كُلٌّ فَالتَّرَدُّدُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَطَاءُ بِقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَالْقِيمَةُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ أَيْضًا فِيمَا إذَا أُتْلِفَ مُقَوَّمٌ وُقِفَ عَلَى ثَمَنٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَغْصُوبًا.
(وَإِنْ وَجَدَ) الْمَغْصُوبُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَإِنْ كَانَ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ زَادَتْ) أَيْ الْغَلَّةُ (قَوْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ) أَيْ الْغَاصِبُ بِالزَّائِدِ أَيْ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ فَالنَّفَقَةُ مَحْصُورَةٌ فِي الْغَلَّةِ) أَيْ لَا تَتَعَدَّاهَا لِذِمَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَا لِرَقَبَةِ الْمَغْصُوبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا فِي رَقَبَتِهِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْغَلَّةُ مَحْصُورَةً فِي النَّفَقَةِ) أَيْ، بَلْ تَتَعَدَّاهَا لِلْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا زَادَتْهُ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِزَائِدِ الْغَلَّةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْغَاصِبِ) هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ بْن وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ، وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ، وَلَمْ أَجِدْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحَ ذَلِكَ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا، لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، كَانَتْ غَلَّةُ الْحَيَوَانِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْرِيكٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ لَازِمَةً لِلْغَاصِبِ مَا صَحَّ قَوْلُهُ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ أَيْ تُحْسَبُ لِلْغَاصِبِ مِنْ أَصْلِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْغَلَّةِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ غَلَّةُ الْعَقَارِ إذَا اسْتَعْمَلَهُ وَكَذَا غَلَّةُ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْرِيكٍ، وَأَمَّا غَلَّةُ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى تَحْرِيكٍ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ فَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ لَا لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ غَلَّةِ الْعَقَارِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَا لِلْغَاصِبِ.
(قَوْلُهُ وَلَمَّا قَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ صُنِعَ كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْطِ رَبَّ الْمَغْصُوبِ فِيمَا غَصَبَ مِنْهُ عَطَاءً مُتَّحِدًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ) هَذَا صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ إذَا لَمْ يُعْطَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، أَوْ أُعْطِيَ فِيهِ عَطَاءٌ مُتَّحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ عَطَاءٌ مُخْتَلِفٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ، وَهَلْ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَوَّمَ الْمَغْصُوبَ الَّذِي أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ إذَا كَانَ أُعْطِيَ فِيهِ ثَمَنٌ وَاحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ كَأَنْ أَعْطَى فِيهِ زَيْدٌ عَشَرَةً وَكَذَلِكَ أَعْطَى فِيهِ عَمْرٌو عَشَرَةً فَهَلْ اللَّازِمُ لِذَلِكَ الْغَاصِبِ تِلْكَ الْعَشَرَةُ فَقَطْ، أَوْ اللَّازِمُ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ، وَالْقِيمَةِ؟ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ الْمُتْلِفَ لِمُقَوَّمٍ إلَخْ) أَيْ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْمُقَوَّمُ الَّذِي أُعْطِيَ فِيهِ عَطَاءٌ وَاحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ لَمْ يَتْلَفْ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا فَاتَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ التَّلَفِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَتُهُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِهِمْ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُصَنِّفِ فِيمَا أُتْلِفَ اُنْظُرْ عبق (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ طَرِيقَتَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُنَا وُجِدَ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ كَمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فِي كَوْنِ قَوْلِ عِيسَى مُقَابِلًا لِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ ضَعِيفًا، أَوْ هُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمَا، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أُعْطِيَ فِي الْمُقَوَّمِ الْمَغْصُوبِ عَطَاءٌ مُتَّحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَأَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْعَطَاءَ وَلَا يُنْظَرُ لِلْقِيمَةِ، وَقَالَ عِيسَى يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْعَطَاءِ، وَالْقِيمَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْقِيمَةِ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَطَاءِ فَتَكُونَ لَهُ الْقِيمَةُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ عِيسَى مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ عِيسَى مُقَابِلٌ فَظَهَرَ لَك أَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فِي فَهْمِ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى فَلَوْ قَالَ وَعَنْ مَالِكٍ إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ، وَهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ؟ تَرَدُّدٌ كَانَ وَاضِحًا، وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ لَا الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعَبَّرْ بِتَأْوِيلَانِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا الْكَلَامُ
مِنْهُ (غَاصِبَهُ بِغَيْرِهِ) أَيْ مُلْتَبِسًا بِغَيْرِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ (وَغَيْرِ مَحَلِّهِ) يَعْنِي وَفِي غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَالظَّرْفِيَّةِ فِي الثَّانِي (فَلَهُ تَضْمِينُهُ) قِيمَتَهُ ثَمَّ، وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الذَّهَابَ مَعَهُ لِمَحَلِّ الْغَصْبِ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ لِمَحَلِّهِ كَمَا مَرَّ.
(وَ) إنْ وَجَدَهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَ (مَعَهُ) الْمُقَوَّمُ الْمَغْصُوبُ (أَخَذَهُ) رَبُّهُ (إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ) ، وَإِلَّا خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِلَا أُجْرَةِ حَمْلٍ، وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ، بِأَنَّ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ صَيَّرَتْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَأَنْ مَاتَ قَوْلُهُ (لَا إنْ هُزِلَتْ) بِكَسْرِ الزَّايِ مَعَ ضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا (جَارِيَةٌ) أَيْ فَلَا تَفُوتُ بِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، بَلْ يَأْخُذُهَا رَبُّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ لَهَا السِّمَنُ.
(أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ) ، أَوْ جَارِيَةٌ (صَنْعَةً) عِنْدَ الْغَاصِبِ (ثُمَّ عَادَ) لِمَعْرِفَتِهَا فَلَا يَفُوتُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَاتَ (أَوْ خَصَاهُ) أَيْ خَصَى الْغَاصِبُ الْعَبْدَ (فَلَمْ يَنْقُصْ) عَنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ نَقَصَ خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ، وَأَخْذِهِ مَعَ أَرْشٍ لِنَقْصٍ (أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلَاةٍ) ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ يَجُوزُ فِيهِ الْجُلُوسُ مَعَهُ فَقَامَ رَبُّ الثَّوْبِ فَانْقَطَعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ بِخِلَافِ مَنْ وَطِئَ عَلَى نَعْلِ غَيْرِهِ فَمَشَى صَاحِبُهَا فَانْقَطَعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (أَوْ دَلَّ لِصًّا) ، أَوْ ظَالِمًا عَلَى شَيْءٍ فَأَخَذَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ، وَالْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ، بَلْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَإِنْ صُحِّحَ عَدَمُ التَّعْبِيرِ بِالتَّأْوِيلَيْنِ لَا يُصَحَّحُ تَعْبِيرُهُ بِالتَّرَدُّدِ إذْ لَا يُوَافِقُ اصْطِلَاحَهُ قُلْت يَتَكَلَّفُ بِجَعْلِهِ مُوَافِقًا لِاصْطِلَاحِهِ بِجَعْلِ أَنَّ مَنْ فَهِمَ فَهْمًا كَأَنَّهُ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَلَامِ الْمَفْهُومِ فَهُوَ مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ أَيْ مُلْتَبِسًا بِغَيْرِ الشَّيْءِ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ مَعَهُ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ، بَلْ مَعَ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِدُونِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ بِغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُصَاحِبٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَجَدَ الْغَاصِبَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ وَلَيْسَ مَعَهُ الْمَغْصُوبُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَا (قَوْلُهُ فَلَهُ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهُ) هَذَا فِي الْمُقَوَّمِ وَكَذَا فِي الْمِثْلِيِّ الَّذِي هُوَ جُزَافٌ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِقِيمَتِهِ لَا بِمِثْلِهِ وَكَذَا فِي الْمِثْلِيِّ إذَا عُلِمَ قَدْرُهُ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ لِبَلَدِ الْغَصْبِ عَلَى خِلَافٍ فِي هَذَا اُنْظُرْ كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ فِي ح اهـ.
بْن (قَوْلُهُ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُسَلِّمَهُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي يُغْرَمُ فِي الْمِثْلِيِّ هُوَ الْمِثْلُ وَرُبَّمَا كَانَ يَزِيدُ ثَمَنُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ وَاَلَّذِي يُغْرَمُ فِي الْمُقَوَّمِ هُوَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهَا فِي بَلَدِ الْغَصْبِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِيهَا (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ) الصَّوَابُ أَنَّ ضَمِيرَ لَمْ يَحْتَجْ رَاجِعٌ لِلْمَغْصُوبِ لَا لِرَبِّهِ كَمَا فِي عبق أَيْ أَخَذَهُ تَعْيِينًا إنْ لَمْ يَحْتَجْ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ لِكَبِيرِ حَمْلٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا، أَوْ مِنْ وَخْشِ الرَّقِيقِ فَإِنْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ بِأَنْ كَانَ عَرْضًا، أَوْ مِنْ عَلِيِّ الرَّقِيقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُهُ، بَلْ يُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي تَرْكِهِ لِلْغَاصِبِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِلَا أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ قَاسِمٍ أَنَّ النَّقْلَ فِي الْعُرُوضِ وَعَلِيِّ الرَّقِيقِ فَوْتٌ، لَا فِي الْوَخْشِ وَالْحَيَوَانِ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ حَيْثُ قَالَ إنَّ نَقْلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ بَلَدٍ لِأُخْرَى فَوْتٌ مُطْلَقًا أَيْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ أَوْ لَا، فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَخِلَافًا لِسَحْنُونٍ حَيْثُ قَالَ إنَّ نَقْلَ الْمَغْصُوبِ لِبَلَدٍ أُخْرَى غَيْرُ فَوْتٍ مُطْلَقًا فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَلَا تَنْظُرْ لِغَيْرِهِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ لَهَا السِّمَنُ) أَيْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْهُزَالِ.
(قَوْلُهُ فَلَمْ يَنْقُصْ عَنْ ثَمَنِهِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ زَادَ ثَمَنُهُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَقَصَ خُيِّرَ رَبُّهُ) أَيْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ زَادَ ثَمَنُهُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْخِصَاءَ نَقْصٌ عِنْدَ الْأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الَّذِينَ لَا رَغْبَةَ لَهُمْ فِي الْخِصَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَاسْتَحْسَنَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَاصِيًا بِهَا كَتَنَفُّلِ كُلٍّ، وَالْحَالُ أَنَّ عَلَيْهِ فَرِيضَةً ذَاكِرًا لَهَا، أَوْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا (قَوْلُهُ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُلُوسُ مَعَهُ، خَرَجَ الْمَجَالِسُ الْمُحَرَّمَةُ، وَالْمَكْرُوهَةُ فَيَضْمَنُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَجَالِسِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ وَطِئَ إلَخْ) مِثْلُ وَطْءِ النَّعْلِ قَطْعُ حَامِلِ حَطَبٍ ثِيَابَ مَارٍّ بِطَرِيقٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيَضْمَنُ الْخِيَاطَةَ، وَأَرْشَ النَّقْصِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْذَارِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ مَعَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ أَسْنَدَ جَرَّةَ زَيْتٍ مَثَلًا لِبَابِ رَجُلٍ فَفُتِحَ الْبَابُ فَانْكَسَرَتْ الْجَرَّةُ فَقِيلَ يَضْمَنُهَا فَاتِحُ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ، وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ.
وَقِيلَ يَضْمَنُهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ شَأْنُ الْبَابِ الْفَتْحَ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُهَا كَمَنْ أَحْرَقَ فُرْنُهُ دَارَ جَارِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) كَتَبَ شَيْخُنَا عَلَى عبق أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَقْطُوعَةِ مَعَ أَرْشِ الْأُخْرَى وَلَكِنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فِي رَفْوِ الثَّوْبِ أَنَّهُ يَضْمَنُ خِيَاطَةَ الْمَقْطُوعَةِ، وَأَرْشَ الْأُخْرَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّعْلِ، وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا يُطْلَبُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ دُونَ الطُّرُقِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ، كَذَا قِيلَ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَسْوَاقَ مَظِنَّةُ الْمُزَاحَمَةِ وَصُرِّحَ فِي حَاشِيَةِ خش أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ عَدَمُ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ ضَمَانِ الثَّوْبِ، وَهِيَ عُمُومُ الْبَلْوَى مَوْجُودَةٌ فِي النَّعْلِ وَكَذَا هُوَ فِي شب (قَوْلُهُ، أَوْ ظَالِمًا) أَيْ غَاصِبًا، أَوْ مُحَارِبًا (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ) هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ.
بْن
لَكِنْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى اللِّصِّ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُ الدَّلَالَةِ مَا لَوْ حَبَسَ شَيْئًا عَنْ رَبِّهِ حَتَّى أَخَذَهُ لِصٌّ، أَوْ ظَالِمٌ (أَوْ أَعَادَ) الْغَاصِبُ (مَصُوغًا) بَعْدَ أَنْ كَسَرَهُ (عَلَى حَالِهِ) فَلَا ضَمَانَ.
(وَ) إنْ أَعَادَهُ (عَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ) عَلَى الْغَاصِبِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ (كَكَسْرِهِ) فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِرَبِّهِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَأْخُذُهُ وَقِيمَةَ الصِّيَاغَةِ وَرَجَعَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِجَعْلِهِ تَشْبِيهًا فِي قَوْلِهِ لَا إنْ هُزِلَتْ أَيْ فَلَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، بَلْ يَأْخُذُهُ أَيْ مَعَ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ إنْ كَانَتْ مُبَاحَةً إذْ الصِّيَاغَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْعَدَمِ (أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً) لِذَاتٍ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا أَيْ قَصَدَ بِغَصْبِهِ لِذَاتٍ الِانْتِفَاعَ بِهَا فَقَطْ كَالرُّكُوبِ، وَالسُّكْنَى، وَاللُّبْسِ مُدَّةً، ثُمَّ يَرُدُّهَا لِرَبِّهَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّعَدِّي (فَتَلِفَتْ الذَّاتُ) بِسَمَاوِيٍّ فَلَا يَضْمَنُ الذَّاتَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ أَيْ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَعَدَّى عَلَيْهَا (، أَوْ) غَصَبَ طَعَامًا وَ (أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً) ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَاصِبِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمَالِكُ أَنَّهُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ رَبَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَهُ (أَوْ نَقَصَتْ) السِّلْعَةُ الْمَغْصُوبَةُ أَيْ قِيمَتُهَا (لِلسُّوقِ) أَيْ لِتَغَيُّرِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي ذَاتِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي نَقْصِ الْقِيمَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ لَكِنْ عِنْدَ إلَخْ) أَيْ لَكِنَّ ضَمَانَ الدَّالِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى اللِّصِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدِ لَا ضَمَانَ عَلَى اللِّصِّ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ إذْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، كَيْفَ وَاللِّصُّ مُبَاشِرٌ لِأَخْذِ الْمَالِ وَفِي بْن أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ يَكُونُ لِلْمَالِكِ غَرِيمَانِ يُخَيَّرُ فِي اتِّبَاعِ أَيِّهِمَا فَإِنْ تَبِعَ اللِّصَّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الدَّالِّ، وَإِنْ تَبِعَ الدَّالَّ رَجَعَ عَلَى اللِّصِّ (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ) أَيْ وَيَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الصِّيَاغَةِ.
وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ فَكَسَرَهُ الْمُشْتَرِي، وَأَعَادَهُ لِحَالِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مَالِكُهُ إلَّا بِدَفْعِ أُجْرَةِ الصِّيَاغَةِ لِذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَهَذَا فِي مُشْتَرٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ، وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ فِي كَوْنِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ فِي صِيَاغَتِهِ وَيَنْبَغِي فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ أَنْ يَرْجِعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ أُجْرَةِ الصِّيَاغَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْيِيرِهِ مَعَ الْفَوَاتِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ مَعَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمُقَوَّمَ قَدْ فَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا غَيْرُ شَيْئِهِ حُكْمًا وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْئِهِ اهـ.
عبق (قَوْلُهُ كَكَسْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِرَبِّهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ يُفَوِّتُهُ عَلَى رَبِّهِ (قَوْلُهُ يَأْخُذُهُ وَقِيمَةَ الصِّيَاغَةِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَسْرَ لَا يُفِيتُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَسْرَ الْمَصُوغِ، وَإِعَادَتَهُ لِحَالِهِ لَا يُفِيتُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَسْرَهُ، وَإِعَادَتَهُ عَلَى غَيْرِ حَالَتِهِ الْأُولَى يُفِيتُهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا كَسْرُهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ فَهَلْ يُفِيتُهُ عَلَى رَبِّهِ، أَوْ لَا يُفِيتُهُ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، فَالْفَوَاتُ هُوَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَدَمُ الْفَوَاتِ هُوَ مَا رَجَعَ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَكَسْرِهِ إنْ جُعِلَ تَشْبِيهًا فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ كَانَ مَاشِيًا عَلَى الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَإِنْ جُعِلَ تَشْبِيهًا فِي قَوْلِهِ لَا إنْ هُزِلَتْ جَارِيَةٌ كَانَ مَاشِيًا عَلَى الْمَرْجُوعِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ كَالْعَدَمِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ إذَا غَصَبَ الْحُلِيَّ الْمُحَرَّمَ وَكَسَرَهُ أَخَذَهُ رَبُّهُ مَكْسُورًا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ أُجْرَةٍ لِلصِّيَاغَةِ (قَوْلُهُ، أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً) تَعْبِيرُهُ بِغَصْبٍ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعَدٍّ (قَوْلُهُ فَتَلِفَتْ الذَّاتُ بِسَمَاوِيٍّ) أَيْ.
وَأَمَّا لَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الذَّاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا فَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ بَيْنَ غَصْبِ الذَّاتِ، وَالْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي تَلَفِ الذَّاتِ بِالسَّمَاوِيِّ (تَنْبِيهٌ) لَوْ تَلِفَتْ الذَّاتُ بِسَمَاوِيٍّ وَحَصَلَ تَنَازُعٌ هَلْ غَصَبَ الذَّاتَ فَيَضْمَنُ، أَوْ تَعَدَّى عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا يَضْمَنُ اُعْتُبِرَتْ الْقَرَائِنُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فَتَرَدُّدٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ كَانَ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ الزَّمَنِ (قَوْلُهُ، وَأَكَلَهُ مَالِكُهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِطَبْخٍ مَثَلًا، وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ الْفَوَاتِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ ضِيَافَةً فَإِنْ أَكَلَهُ رَبُّهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ الْقِيمَةَ فَالْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَقْتَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَرَبُّهُ يَضْمَنُ لِلْغَاصِبِ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْأَكْلِ (قَوْلُهُ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَاصِبِ) أَيْ، أَوْ أَكْرَهَهُ الْغَاصِبُ عَلَى أَكْلِهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ ضِيَافَةً (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَهُ) أَيْ، وَالْمُبَاشِرُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فِي الضَّمَانِ إذَا ضَعُفَ السَّبَبُ، وَالسَّبَبُ هُنَا ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِ الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مُنَاسِبًا لِحَالِ مَالِكِهِ كَمَا لَوْ هَيَّأَهُ لِلْأَكْلِ لَا لِلْبَيْعِ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ لِرَبِّهِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَتِهِ قِيمَةُ الَّذِي انْتَفَعَ بِهِ رَبُّهُ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي شَأْنُهُ أَكْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَكْفِي مَالِكَهُ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَغْرَمُ لَهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا، قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ إذَا كَانَ أَكْلُهُ مُكْرَهًا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ.
وَأَمَّا إنْ أَكَلَهُ طَائِعًا عَالِمًا بِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، بَلْ ضَمَانُهُ مِنْ الْمَالِكِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِحَالِهِ وَمُقَيَّدًا بِمَا إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ قَبْلَ فَوْتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَمَا قُلْنَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ، أَوْ نَقَصَتْ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ بَابِ، أَوْلَى مَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا لِتَغَيُّرِ السُّوقِ، وَهِيَ عِنْدَ الْغَاصِبِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَتِهَا لِتَغَيُّرِ السُّوقِ لَا يُفِيتُ الْمَغْصُوبَ عَلَى رَبِّهِ فَيَتَعَيَّنُ أَخْذُهُ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ لِأَجْلِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ
بَلْ يَأْخُذُهَا مَالِكُهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ إذْ لَا اعْتِبَارَ بِتَغَيُّرِ السُّوقِ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ التَّعَدِّي فَإِنَّ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا إنْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا يَوْمَ التَّعَدِّي (أَوْ رَجَعَ بِهَا) أَيْ بِالدَّابَّةِ (مِنْ سَفَرٍ وَلَوْ بَعُدَ) وَلَمْ تَتَغَيَّرْ فِي ذَاتِهَا فَلَا يَضْمَنُ قِيمَةً.
وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَيَضْمَنُهُ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ (كَسَارِقٍ) أَيْ لِدَابَّةٍ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى السَّارِقِ وَلَوْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (فِي تَعَدٍّ كَمُسْتَأْجِرٍ) ، أَوْ مُسْتَعِيرٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مَعْلُومًا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَتَعَدَّى وَزَادَ فِي الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ زِيَادَةً أَيْ يَسِيرَةً كَالْبَرِيدِ، وَالْيَوْمِ، أَوْ زَادَ قَدْرًا فِي الْمَحْمُولِ يَسِيرًا لَا تَعْطَبُ بِهِ عَادَةً (كِرَاءُ الزَّائِدِ إنْ سَلِمَتْ) بِأَنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً مِنْ عَيْبٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَسْلَمْ، أَوْ كَثُرَ الزَّائِدُ فِي الْمَسَافَةِ عَنْ بَرِيدٍ، أَوْ يَوْمٍ وَلَوْ سَلِمَتْ (خُيِّرَ) رَبُّهَا (فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ مَعَ أَخْذِهَا (وَفِي) أَخْذِ (قِيمَتِهَا) فَقَطْ (وَقِيمَتِهِ) أَيْ التَّعَدِّي دُونَ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَقَوْلُهُ وَلَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ أَيْ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَصْلِيِّ فِي الِاسْتِئْجَارِ وَمُجَرَّدًا فِي الِاسْتِعَارَةِ.
(وَإِنْ تَعَيَّبَ) الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِسَمَاوِيٍّ (وَإِنْ قَلَّ) الْعَيْبُ (كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا) .
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَخْذَهُ وَدَفْعَ الْقِيمَةِ، وَأَبَى رَبُّهُ أُجْبِرَ الْغَاصِبُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ (قَوْلُهُ، بَلْ يَأْخُذُهَا مَالِكُهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ) وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ غَصْبِ الذَّوَاتِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ شَيْئِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَيَضْمَنُهُ)
أَيْ كَمَا شَهَرَهُ الْمَازِرِيُّ فَالْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لتت أَيْ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ قِيمَةً وَلَا كِرَاءً أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَةً لِعَدَمِ الْفَوَاتِ وَلَا كِرَاءً؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ النَّاشِئَةَ عَنْ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ لَهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى السَّارِقِ وَلَوْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا) أَيْ فَإِذَا رَجَعَ السَّارِقُ بِهَا مِنْ سَفَرٍ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَسَارِقٍ تَشْبِيهٌ تَامٌّ أَيْ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْأَمْرَيْنِ أَيْ عَدَمِ الْفَوَاتِ بِتَغَيُّرِ السُّوقِ وَبِسَفَرِهِ عَلَيْهَا مَعَ بَقَائِهَا عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي ذَاتِهَا.
(قَوْلُهُ وَلَهُ فِي تَعَدٍّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ، أَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِحَمْلِ كَذَا، أَوْ يَرْكَبَهَا لِمَكَانِ كَذَا فَتَعَدَّى وَزَادَ فِي الْحَمْلِ، أَوْ فِي الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ زِيَادَةً يَسِيرَةً كَالْبَرِيدِ، وَالْيَوْمِ فَإِنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً لِرَبِّهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا عَلَيْهِ إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ الدَّابَّةُ، بَلْ عَطِبَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ، أَوْ زَادَ كَثِيرًا سَوَاءٌ عَطِبَتْ، أَوْ سَلِمَتْ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ، أَوْ يَأْخُذَ كِرَاءَ الزَّائِدِ فَقَطْ فِي الْعَارِيَّةِ، أَوْ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ اهـ.
، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْحَمْلِ كَزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقَةٌ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَطَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَسَافَةِ لَا يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ مَا تُعْطَبُ بِهِ وَمَا لَا تُعْطَبُ بِهِ فَإِنْ سَلِمَتْ كَانَ لَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ، وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ خُيِّرَ بَيْنَ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَقِيمَتِهَا بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ زِيَادَةِ مَا تُعْطَبُ بِهِ وَمَا لَا تُعْطَبُ بِهِ فَإِنْ زَادَ مَا تُعْطَبُ بِهِ فَإِنْ عَطِبَتْ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ قِيمَتِهَا وَكِرَاءِ الزَّائِدِ، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ كَانَ لِرَبِّهَا الْأَكْثَرُ مِنْ كِرَاءِ الزَّائِدِ، وَأَرْشِ الْعَيْبِ، وَإِنْ سَلِمَتْ كَانَ لَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَإِنْ زَادَ مَا لَا تُعْطَبُ بِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ عَطِبَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ، أَوْ سَلِمَتْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ وَزِيَادَةِ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ زَادَ فِي الْمَسَافَةِ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَى كُلِّ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَسَافَةِ مَحْضُ تَعَدٍّ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ لَهَا وَاَلَّذِي زَادَ فِي الْحَمْلِ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا تَعَدِّيًا مَحْضًا لِمُصَاحَبَةِ تَعَدِّيهِ لِلْمَأْذُونِ فِيهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ هَذِهِ هِيَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا شَارِحُنَا فِي الْعَارِيَّةِ وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا، وَقَدْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ عَبْدِ الْحَقِّ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ تَسْلَمْ) أَيْ بِأَنْ عَطِبَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ وَقَوْلُهُ، أَوْ كَثُرَ الزَّائِدُ فِي الْمَسَافَةِ أَيْ، أَوْ فِي الْحَمْلِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ، وَالْحَمْلِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكَهَا (قَوْلُهُ خُيِّرَ رَبُّهُ فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِ كِرَاءِ الزَّائِدِ مَعَ أَخْذِهَا أَيْ وَيَأْخُذُ أَيْضًا أَرْشَ الْعَيْبِ إذَا تَعَيَّبَتْ فِي زَائِدِ الْمَسَافَةِ، أَوْ الْحَمْلِ.
وَأَمَّا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلَا أَرْشَ كَمَا أَفَادَهُ بْن (قَوْلُهُ، أَوْ كَثُرَ الزَّائِدُ فِي الْمَسَافَةِ عَنْ بَرِيدٍ، أَوْ يَوْمٍ وَلَوْ سَلِمَتْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَخْيِيرِهِ فِي زَائِدِ الْمَسَافَةِ الْكَثِيرَةِ لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا سَلِمَتْ لَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً وَمَا هُنَا فِي الْكَثِيرَةِ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِسَمَاوِيٍّ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا إنْ تَعَيَّبَ بِغَيْرِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْغَيْبَةُ عَلَى الْعَلِيَّةِ مَعَ الشَّكِّ فِي وَطْئِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ يُوجِبُ لِرَبِّهَا الْخِيَارَ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عَيْبٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَضْمَنَهُ الْقِيمَةَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ، وَإِنْ قَلَّ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ كَثِيرًا كَالْعَمَى، وَالْعَوَرِ، بَلْ، وَإِنْ قَلَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ كَمَا حَقَّقَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ تَفْرِيعِ ابْنِ الْجَلَّابِ خِلَافًا لِنَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ التَّفْرِيعِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْقَلِيلِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ، وَالْكَثِيرِ فَيَضْمَنُهُ وَكَذَا نَسَبَ اللَّخْمِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ لِتَفْرِيعِ ابْنِ الْجَلَّابِ، قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ اللَّخْمِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْ التَّفْرِيعِ مَعَ أَنَّ
أَيْ انْكِسَارِهِمَا خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ مَعِيبًا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ وَلَوْ الْكَثِيرَ (أَوْ جَنَى هُوَ) أَيْ الْغَاصِبُ (أَوْ أَجْنَبِيٌّ) عَلَى الْمَغْصُوبِ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ مَثَلًا (خُيِّرَ) الْمَالِكُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَعِيبِ، وَهَذَا جَوَابُ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إلَّا أَنَّ كَيْفِيَّةَ التَّخْيِيرِ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي السَّمَاوِيِّ مَا تَقَدَّمَ وَفِي جِنَايَةِ الْغَاصِبِ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَأَخْذِ شَيْئِهِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَفِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ، وَأَخْذِ عَيْنِ شَيْئِهِ وَاتِّبَاعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ لَا الْغَاصِبِ (كَصَبْغِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ يَعْنِي لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا أَبْيَضَ وَصَبَغَهُ فَمَالِكُهُ يُخَيَّرُ (فِي) أَخْذِ (قِيمَتِهِ) أَبْيَضَ يَوْمَ الْغَصْبِ (وَأَخْذِ ثَوْبِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ الصِّبْغِ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ الْمَصْبُوغِ بِهِ، وَهَذَا إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَنْ قِيمَتِهِ أَبْيَضَ، أَوْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ قِيمَتِهِ أَبْيَضَ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ أَبْيَضَ، وَأَخْذِهِ مَصْبُوغًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَ) خُيِّرَ الْمَالِكُ (فِي بِنَائِهِ) أَيْ بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَرْصَةً، أَوْ فِي غَرْسِهِ (فِي أَخْذِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ وَكَذَا الْغَرْسُ (وَدَفْعِ قِيمَةَ نَقْضِهِ) بِضَمِّ النُّونِ بِمَعْنَى مَنْقُوضِهِ أَيْ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْهَدْمِ لَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَجِصٍّ وَجِيرٍ وَحُمْرَةٍ (بَعْدَ سُقُوطٍ) أَيْ إسْقَاطِ أُجْرَةِ (كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا) الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ أَيْ شَأْنُهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الْهَدْمَ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ وَرَدُّهَا لِمَا كَانَتْ قَبْلَ الْغَصْبِ فَيُقَالُ كَمْ يُسَاوِي نَقْضُ هَذَا الْبِنَاءِ لَوْ نُقِضَ؟ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قِيلَ وَمَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْهَدْمَ، وَالتَّسْوِيَةَ فَإِذَا قِيلَ أَرْبَعَةٌ غَرِمَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ سِتَّةً فَإِذَا كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ غَرِمَ الْمَالِكُ لَهُ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ الشِّقَّ الْآخَرَ مِنْ شِقَّيْ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِهَدْمِهِ، أَوْ قَلْعِهِ إنْ كَانَ شَجَرًا وَبِتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الزَّرْعِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْمَالِكِ أَيْضًا مُحَاسَبَةُ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ فَتَسْقُطُ مِنْ قِيمَةِ النَّقْضِ أَيْضًا وَيُرْجَعُ بِالزَّائِدِ (وَ) ضَمِنَ الْغَاصِبُ (مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ) بِالتَّفْوِيتِ فَعَلَيْهِ فِي وَطْءِ الْحُرَّةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَوْ ثَيِّبًا وَفِي وَطْءِ الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا وَلَوْ وَخْشًا.
(وَ) ضَمِنَ مَنْفَعَةَ بَدَنِ (الْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ) أَيْ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ وَطْءُ الْبُضْعِ وَاسْتِخْدَامُ الْحُرِّ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَصْوَبَ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيتَ يَشْمَلُ مَا لَوْ حَبَسَ الْمَرْأَةَ حَتَّى مَنَعَهَا التَّزْوِيجَ، أَوْ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجِهَا، أَوْ حَبَسَ الْحُرَّ حَتَّى فَاتَهُ عَمَلٌ مِنْ تِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ،.
، ثُمَّ شَبَّهَ فِي الضَّمَانِ قَوْلَهُ (كَحُرٍّ بَاعَهُ) الْغَاصِبُ لَهُ مَثَلًا (وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) فَيَلْزَمُهُ دِيَتُهُ لِأَهْلِهِ دِيَةَ عَمْدٍ وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَلَامَهُ مُطْلَقٌ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِعَيْبٍ حَدَثَ بِهِ فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ، نَعَمْ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ أَيْ انْكِسَارِهِمَا) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الْكَسْرُ، وَأَرَادَ الْحَاصِلَ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ فِعْلُ الْفَاعِلِ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا قَائِمًا بِالْمَغْصُوبَةِ، بَلْ الْعَيْبُ الْقَائِمُ بِهَا أَثَرُ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ الِانْكِسَارُ (قَوْلُهُ، أَوْ جَنَى هُوَ) أَيْ جِنَايَةً غَيْرَ مُتْلِفَةٍ لِلْمَغْصُوبِ، بَلْ عَيَّبَتْهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ كَصَبْغِهِ) أَيْ كَتَخْيِيرِهِ فِي مَسْأَلَةِ صَبْغِهِ وَقَوْلُهُ فِي قِيمَتِهِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ كَصَبْغِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُقَابِلُهُ لَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي الصَّبْغِ فَجَعَلَهُ كَتَجْصِيصِ الْبِنَاءِ وَتَزْوِيقِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ نَزْعِهِ، وَكَانَ وَجْهُ مَا فِيهَا أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّجْصِيصِ، وَالتَّزْوِيقِ مُفَارِقٌ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِخِلَافِ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ صَنْعَةٌ دَخَلَتْ فِي نَفْسِ ذَاتِ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الصَّبْغِ، هَذَا مَا فِي التَّوْضِيحِ خِلَافًا لِأَبِي عِمْرَانَ الْقَائِلِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ نَقَصَهُ الصَّبْغُ.
، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ، وَإِذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، أَوْ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الصَّبْغِ، وَأَطْلَقَتْ فِي ذَلِكَ وَلَمْ تُقَيِّدْ بِزِيَادَةٍ وَلَا مُسَاوَاةٍ، وَأَبْقَاهَا أَبُو عِمْرَانَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَقَيَّدَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِمَا إذَا كَانَ الصَّبْغُ لَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ.
(قَوْلُهُ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْأَرْضِ لِلْغَاصِبِ، وَأَخْذُ قِيمَتِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَمُودِ، وَالْأَنْقَاضِ الْمَغْصُوبَةِ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لِرَبِّهَا تَرْكَهَا لِلْغَاصِبِ، وَأَخْذَ قِيمَتِهَا مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ، وَأَخْذِهَا (قَوْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْهَدْمِ) أَيْ كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَمِسْمَارٍ (قَوْلُهُ لَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَدْفَعُ لِذَلِكَ قِيمَةً، بَلْ إذَا أَرَادَ أَخْذَ أَرْضِهِ أَخَذَ مَا ذُكِرَ مَجَّانًا فَلَوْ قَلَعَ ذَلِكَ الْغَاصِبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
وَأَمَّا إنْ قَلَعَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ، هَذَا هُوَ النَّقْلُ كَمَا فِي بْن خِلَافًا لِمَا فِي عبق (قَوْلُهُ عَلَى الزَّرْعِ) أَيْ عَلَى مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ الزَّرْعُ (قَوْلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ قَدْ اسْتَغَلَّ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَالْغَصْبِ، وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ فَتَسْقُطُ مِنْ قِيمَةِ النَّقْضِ) أَيْ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ النَّقْضِ بَعْد ذَلِكَ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْغَاصِبُ، وَإِنْ لَمْ تَفِ قِيمَةُ النَّقْضِ بِالْأُجْرَةِ الْمَاضِيَةِ وَأُجْرَةِ إصْلَاحِ الْأَرْضِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالزَّائِدِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ أَيْ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْبُضْعَ بِالْوَطْءِ وَلَا اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ بِالِاسْتِخْدَامِ، بَلْ عَطَّلَ كُلًّا عَنْ الْوَطْءِ، وَالِاسْتِخْدَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ، أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا غَيْرَ الْبَيْعِ تَعَذَّرَ بِسَبَبِهِ رُجُوعُهُ فَلَا مَفْهُومَ لِبَاعَهُ
أَمْ لَا قَالَ الْحَطَّابُ وَيُضْرَبُ أَلْفَ سَوْطٍ وَيُحْبَسُ سَنَةً فَإِنْ رَجَعَ الْمَغْصُوبُ رَجَعَ بَائِعُهُ بِمَا غَرِمَهُ (وَ) ضَمِنَ الْمُتَعَدِّي (مَنْفَعَةَ غَيْرِهِمَا) أَيْ مَنْفَعَةَ غَيْرِ الْبُضْعِ، وَالْحُرِّ (بِالْفَوَاتِ) ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَيُسْتَغَلَّ كَالدَّارِ يُغْلِقُهَا، وَالدَّابَّةُ يَحْبِسُهَا، وَالْعَبْدُ وَنَحْوُهُ لَا يَسْتَعْمِلُهُ، وَهَذَا فِي التَّعَدِّي عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ؛ لِأَنَّهُ فِي غَصْبِ الذَّاتِ (وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ) أَيْ الْغَاصِبِ، وَأَحْرَى غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ ظَلَمَ فِي شَكْوَاهُ الْغَاصِبَ، وَالْمَدِينَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّنْ لِلشَّاكِّي عَلَيْهِ حَقٌّ وَجْهُ كَوْنِهِ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ مَعَ أَنَّهُ لَهُ حَقٌّ عَلَى الْمَشْكُوِّ مِنْ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنْ غَرِيمِهِ بِدُونِ شَكْوَاهُ (لِمُغَرِّمٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ شَاكِيهِ لِظَالِمٍ يَتَجَاوَزُ فِي ظُلْمِهِ بِأَنْ يُغَرِّمَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (زَائِدًا) مَفْعُولُ يَضْمَنُ (عَلَى قَدْرِهِ) أُجْرَةَ (الرَّسُولِ) الْمُعْتَادِ عَلَى فَرْضِ أَنَّ الشَّاكِيَ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا أَرْسَلَهُ لِلْغَاصِبِ لِيُحْضِرَهُ عِنْدَ الظَّالِمِ سَوَاءٌ وُجِدَ رَسُولٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا (إنْ ظَلَمَ) الشَّاكِي فِي شَكْوَاهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ عَلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِحَاكِمٍ لَا يَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يَظْلِمْ لَمْ يَغْرَمْ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قَدْرَ أُجْرَةِ الرَّسُولِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الشَّاكِي أَصَالَةً يَرْجِعُ بِهَا الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا أَمْ لَا فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ ظَلَمَ غَرِمَ الْجَمِيعَ وَحِينَئِذٍ فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ (أَوْ) يَضْمَنُ (الْجَمِيعَ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرْقَ يَظْهَرُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَا يَضْمَنُ الزَّائِدَ، بَلْ قَدْرَ أُجْرَةِ الرَّسُولِ فَقَطْ وَمَفْهُومَ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا (أَوْ لَا) يَغْرَمُ الشَّاكِي شَيْئًا إنْ ظَلَمَ فَأَوْلَى إنْ لَمْ يَظْلِمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الظَّالِمَ الْإِثْمُ، وَالْأَدَبُ (أَقْوَالٌ) ثَلَاثَةٌ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الثَّالِثُ، وَالْمُفْتَى بِهِ بِمِصْرَ الثَّانِي، وَهُوَ فِي شَاكٍ لَهُ حَقٌّ مَالِيٌّ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ دَلَّ لِصًّا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ تَغْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ وَلَا حَقَّ لَهُ وَبَقِيَ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ غَيْرُ مَالِيٍّ بِأَنْ قَذَفَهُ الْمَشْكُوُّ، أَوْ سَبَّهُ، أَوْ ضَرَبَهُ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي تَعَطَّلَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَثُرَ فِيهِ تَعَدِّي النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَجَوْرُ الْأُمَرَاءِ، وَالْحُكَّامِ فَهَلْ يَضْمَنُ الشَّاكِي قَطْعًا، أَوْ تَجْرِي فِيهِ الْأَقْوَالُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ (وَمَلَكَهُ) الْغَاصِبُ (إنْ اشْتَرَاهُ) مِنْ رَبِّهِ، أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ (وَلَوْ غَابَ) الْمَغْصُوبُ بِبَلَدٍ آخَرَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ بِالْبَلَدِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ، وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ، وَهَلْ إنْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ أَمْ لَا) أَيْ بِأَنْ تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ، أَوْ شُكَّ فِيهِمَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَصْبِ الذَّاتِ إلَخْ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ غَاصِبَ الذَّاتِ يَضْمَنُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَلَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الذَّاتِ إلَّا إذَا اسْتَعْمَلَهَا وَغَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَضْمَنُ الذَّاتَ إذَا تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَيَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي قَصَدَ غَصْبَهَا بِمُجَرَّدِ فَوَاتِهَا عَلَى رَبِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ إلَّا غَاصِبُ الْحُرِّ، وَالْبُضْعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ فِيهِمَا بِالِاسْتِيفَاءِ (قَوْلُهُ، وَهَلْ يَضْمَنُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا شَكَا مَنْ غَصَبَهُ، أَوْ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِحَاكِمٍ ظَالِمٍ فَظَلَمَهُ وَغَرَّمَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَفِي ضَمَانِ الشَّاكِي مَا غَرِمَهُ الْمَشْكُوُّ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ إذَا كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِحَاكِمٍ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ جَمِيعَ مَا غَرِمَهُ الْمَشْكُوُّ أُجْرَةَ الرَّسُولِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الشَّاكِي مَظْلُومًا بِأَنْ كَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى خَلَاصِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ حَاكِمًا عَادِلًا يُخَلِّصُهُ فَإِنَّمَا يَغْرَمُ لِلْمَشْكُوِّ قَدْرَ أُجْرَةِ الرَّسُولِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُ إنْ كَانَ ظَالِمًا غَرِمَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ الشَّاكِي مَظْلُومًا فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ الشَّاكِيَ شَيْءٌ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ ظَالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ظَالِمًا فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ اهـ.
قَالَ ح وَانْظُرْ لَوْ شَكَا رَجُلًا لِظَالِمٍ جَائِرٍ لَا يَتَوَقَّى قَتْلَ النَّفْسِ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يَلْزَمُ الشَّاكِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ كَمَنْ فَعَلَ بِهِ مَا يَتَعَذَّرُ رُجُوعُهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ مِنْ الظَّالِمِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ، وَأَحْرَى غَيْرُهُ) أَيْ كَالْمَدِينِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِصِحَّةِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْغَاصِبِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَظْلِمْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَظْلُومًا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّخْلِيصِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمِ حَاكِمٍ عَادِلٍ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قَدْرَ أُجْرَةِ الرَّسُولِ) أَيْ أَنْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَسُولٌ أَحْضَرَ الْمَشْكُوَّ لِلْمَشْكُوِّ لَهُ (قَوْلُهُ أَصَالَةً) أَيْ؛ لِأَنَّ أُجْرَةَ الرَّسُولِ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ إذْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ إذَا كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَيَغْرَمُ أُجْرَةَ الرَّسُولِ أَيْضًا فَيُتَّجَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ الثَّالِثِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ كَمَا عَزَاهُ لَهُمْ ابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ، وَالْمُفْتَى بِهِ بِمِصْرَ) أَيْ، وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ غُرْمُ الْجَمِيعِ إنْ كَانَ ظَالِمًا، وَإِلَّا فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا (قَوْلُهُ، وَهِيَ) أَيْ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ.
(قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ شَكَا رَجُلٌ رَجُلًا لِظَالِمٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ الْحَقَّ فِي الْمَشْكُوِّ وَيُغَرِّمُهُ مَالًا، وَالْمَشْكُوُّ لَا تِبَاعَةَ لِلشَّاكِي عَلَيْهِ فَفِي ضَمَانِ الشَّاكِي مَا غَرِمَهُ الْمَشْكُوُّ وَثَالِثُهَا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا أَيْ بِأَنْ قَذَفَهُ الْمَشْكُوُّ، أَوْ سَبَّهُ (قَوْلُهُ وَمَلَكَهُ إنْ اشْتَرَاهُ) نَبَّهَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مَلَكَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ غَابَ وَرُدَّ بِلَوْ عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْمَغْصُوبِ قَدْ فَاتَتْ بِالْغَيْبَةِ عَلَيْهَا وَصَارَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ فَاَلَّذِي يَجُوزُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْغَاصِبِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ لَا ذَاتُ الْمَغْصُوبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَيْ الْبَائِعِ لَهَا، وَأَنْ يَبِيعَهَا بِمَا تُبَاعُ بِهِ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ بِالْبَلَدِ)
رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةَ تَرَدُّدٍ (أَوْ غَرِمَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) لِرَبِّهِ أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِغُرْمِهَا لِحُصُولِ مُفَوَّتٍ مِمَّا مَرَّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْرَمْهَا بِالْفِعْلِ وَمَحَلُّ مِلْكِهِ (إنْ لَمْ يُمَوِّهْ) الْغَاصِبُ أَيْ لَمْ يَكْذِبْ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ، أَوْ الضَّيَاعَ، أَوْ تَغَيُّرَ ذَاتِهِ فَإِنْ مَوَّهَ وَتَبَيَّنَ خِلَافُ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِعَيْنِ شَيْئِهِ إنْ شَاءَ (وَ) إنْ كَذَبَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ بِأَنْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ تَقْتَضِي نَقْصَ قِيمَتِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَالَ (رَجَعَ عَلَيْهِ) الْمَالِكُ (بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا) وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فَإِذَا لَمْ يُمَوِّهْ فِي الذَّاتِ وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَلَوْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ وَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِزَائِدِ مَا أَخْفَاهُ فَقَوْلُهُ وَمَلَكَهُ إنْ غَرِمَ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ أَيْ فِي الذَّاتِ بِأَنْ لَمْ يُمَوِّهْ أَصْلًا، أَوْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ مَوَّهَ فِي الذَّاتِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (فِي) دَعْوَى (تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ) وَخَالَفَهُ رَبُّهُ (وَحَلَفَ) أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ إنْ أَشْبَهَ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ إنْ أَشْبَهَ بِيَمِينٍ فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا مَعًا قُضِيَ بِأَوْسَطِ الْقِيَمِ إنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا مَعًا وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ (كَمُشْتَرٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ وَحَلَفَ.
(ثُمَّ غَرِمَ) الْمُشْتَرِي
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ (قَوْلُهُ، أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ) أَيْ، أَوْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَاضِي بِغُرْمِهَا إذْ لَا بُدَّ فِي مِلْكِهِ لَهُ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِهَا كَمَا فِي بْن خِلَافًا لِمَا فِي عبق.
(قَوْلُهُ وَمَحَلُّ مِلْكِهِ) أَيْ لِلْفَائِتِ بِغُرْمِ الْقِيمَةِ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ شَرْطٌ فِي مِلْكِ الْفَائِتِ بِالْقِيمَةِ فَقَطْ لَا فِيهِ وَفِي مِلْكِ الْغَائِبِ بِشِرَائِهِ كَمَا فِي عبق فَإِذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ وَادَّعَى أَنَّهُ غَائِبٌ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَوْ مَوَّهَ فِي دَعْوَاهُ الْغَيْبَةَ خِلَافًا لعبق وَنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ قَضَيْنَا عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَخْفَاهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَرَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْقِيمَةِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِعَيْنِ شَيْئِهِ) أَيْ وَيَرُدُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَذَبَ فِي الصِّفَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَتَلِفَ، أَوْ تَغَيَّرَ عِنْدَهُ، وَأَرَدْنَا تَغْرِيمَهُ الْقِيمَةَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ فَقُوِّمَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ أَسْوَدُ، ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ (قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) الْأَوْلَى وَلَا يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ إذْ لَا بَيْعَ هُنَا (قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ) أَيْ لِتَلَفِهِ، أَوْ ضَيَاعِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ) أَيْ هَذَا إذَا لَمْ يُمَوِّهْ أَصْلًا، بَلْ وَلَوْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَ التَّمْوِيهِ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ، أَوْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ) أَيْ فَالْمَنْطُوقُ صُورَتَانِ وَقَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا رَاجِعٌ لِإِحْدَى صُورَتَيْ الْمَنْطُوقِ قَالَ ح وَانْظُرْ لَوْ وَصَفَهُ الْغَاصِبُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَنْقَصُ مِمَّا قَالَ بَعْدَ أَنْ غَرِمَ الْقِيمَةَ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ .
وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ (قَوْلُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ مَوَّهَ فِي الذَّاتِ) أَيْ فَقَطْ، وَأَوْلَى فِي الذَّاتِ، وَالصِّفَةِ كَأَنْ يَقُولَ الْغَاصِبُ الْعَبْدُ الَّذِي غَصَبْتُهُ مِنْكَ الْأَسْوَدُ قَدْ أَبَقَ، ثُمَّ يَظْهَرُ بَعْدَ أَنْ غَرِمَ قِيمَتَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ، وَأَنَّهُ أَبْيَضُ (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) أَيْ وَرَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْقِيمَةِ.
(قَوْلُهُ وَنَعْتِهِ) أَيْ فَإِذَا غَصَبَ جَارِيَةً وَادَّعَى هَلَاكَهَا وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا مِنْ كَوْنِهَا بَيْضَاءَ، أَوْ سَوْدَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ إنْ انْفَرَدَ بِالشَّبَهِ فَإِنْ تَجَاهَلَا الصِّفَةَ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ يُجْعَلُ مِنْ أَدْنَى جِنْسِهِ وَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ قَالَ شَيْخُنَا، وَإِذَا تَجَاهَلَا الْقَدْرَ أَمَرَهُمَا الْحَاكِمُ بِالصُّلْحِ فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا تُرِكَا حَتَّى يَصْطَلِحَا (قَوْلُهُ وَقَدْرِهِ) أَيْ مِنْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ، قَالَ تت رُبَّمَا يَدْخُلُ فِي تَخَالُفِهِمَا فِي الْقَدْرِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى غَاصِبُ صُرَّةٍ، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الْبَحْرِ مَثَلًا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، ابْنُ نَاجِيٍّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا بِعِلْمٍ سَابِقٍ، أَوْ بِحَبْسِهَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ الْقَوْلُ لِرَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَحْقِيقًا، وَالْآخَرُ يَدَّعِي تَخْمِينًا.
وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي قَوْمٍ أَغَارُوا عَلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَنَهَبُوا مَا فِيهِ وَلَا يَشْهَدُونَ بِأَعْيَانِ الْمَغْصُوبِ، بَلْ بِالْإِغَارَةِ، وَالنَّهْبِ فَقَطْ فَلَا يُعْطَى الْمُنْتَهَبُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصُّرَّةِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُغَارِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَحَلَفَ) أَيْ فِي الْقَدْرِ، وَالنَّعْتِ كَمَا فِي عبق، بَلْ وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ أَيْضًا كَمَا فِي بْن نَقْلًا عَنْ ح وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ) أَيْ وَسَوَاءٌ أَشْبَهَ رَبَّهُ أَيْضًا أَمْ لَا وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ أَيْ، وَإِلَّا يَحْلِفُ بِأَنْ نَكَلَ، أَوْ لَمْ يَنْكُلْ وَلَكِنْ لَمْ يُشْبِهْ فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ كَمُشْتَرٍ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِغَصْبِ الْبَائِعِ لِذَلِكَ الْمَبِيعِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِغَصْبِهِ لَكِنْ إنْ عَلِمَ بِغَصْبِهِ فَحُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الْغَاصِبِ سَوَاءٌ تَلِفَ الْمَبِيعُ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَيَتْبَعُ الْمَالِكُ أَيَّهمَا شَاءَ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَإِنْ تَلِفَ مَا اشْتَرَاهُ عَمْدًا فَكَذَلِكَ
بَعْدَ حَلِفِهِ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ (لِآخِرِ رُؤْيَةٍ) عِنْدَهُ أَيْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي التَّقْوِيمِ بِآخِرِ رُؤْيَةٍ رُئِيَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ لَمْ يُرَ عِنْدَهُ فَيَوْمُ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ لِرَبِّهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ الْغَاصِبِ وَمَحَلُّ الْغُرْمِ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ كَذِبُهُ وَادَّعَى التَّلَفَ بِسَمَاوِيٍّ فِيهِمَا فَإِنْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا يَغْرَمُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْآتِي لَا سَمَاوِيٍّ، وَأَمَّا بِجِنَايَةٍ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَلِرَبِّهِ إمْضَاءُ بَيْعِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ وَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَيَتْبَعُ الْغَاصِبَ بِالثَّمَنِ إنْ قَبَضَهُ وَكَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا اتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ (وَ) لَهُ (نَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْغَاصِبِ (وَإِجَازَتُهُ) فَيَتِمُّ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الْمُشْتَرِي.
(وَضَمِنَ مُشْتَرٍ) مِنْ الْغَاصِبِ (لَمْ يَعْلَمْ) بِغَصْبِهِ (فِي عَمْدٍ) أَيْ فِي إتْلَافِهِ عَمْدًا كَمَا لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى أَبْلَاهُ، أَوْ قَتَلَ الْحَيَوَانَ، أَوْ ذَبَحَهُ، وَأَكَلَهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ فِي مَرْتَبَةِ الْغَاصِبِ فِي اتِّبَاعِ أَيِّهِمَا شَاءَ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ فَإِنْ اتَّبَعَ الْغَاصِبَ فَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ فَالْمُعْتَبَرُ يَوْمُ التَّعَدِّي وَرَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِثَمَنِهِ (لَا) يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ الْعَالِمِ فِي (سَمَاوِيٍّ وَ) لَا فِي (غَلَّةٍ) اسْتَغَلَّهَا؛ لِأَنَّهُ ذُو شُبْهَةٍ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْغَصْبِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ رُجُوعٌ فِي السَّمَاوِيِّ إلَّا عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ الْغَاصِبِ (وَهَلْ) التَّلَفُ، أَوْ التَّعْيِيبُ (الْخَطَأُ) مِنْ الْمُشْتَرِي الْغَيْرِ الْعَالِمِ (كَالْعَمْدِ) فَيَضْمَنُ لِلْمَالِكِ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ وَيَكُونُ غَرِيمًا ثَانِيًا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ، وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، أَوْ كَالسَّمَاوِيِّ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ (تَأْوِيلَانِ وَوَارِثُهُ وَمَوْهُوبُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (إنْ عَلِمَا) بِالْغَصْبِ (كَهُوَ) أَيْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يَكُونُ ضَامِنًا كَالْغَاصِبِ فَإِنْ اتَّبَعَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْغَاصِبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَإِنْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِآخِرِ رُؤْيَةٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ كَذِبُهُ، وَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَمَّا لَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فَلَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَغْرَمُ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ تَلِفَ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَقِيلَ كَالْعَمْدِ وَقِيلَ كَالسَّمَاوِيِّ.
هَذَا حَاصِلُ الْفِقْهِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ غَرِمَ إلَخْ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ وَكَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ (قَوْلُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ) أَيْ عَلَى التَّلَفِ (قَوْلُهُ فَيَوْمَ الْقَبْضِ) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ فَلَا يَغْرَمُ) أَيْ، وَالْغُرْمُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ الْبَائِعِ لَهُ (قَوْلُهُ وَلِرَبِّهِ إمْضَاءُ بَيْعِهِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، أَوْ لَا، عَلِمَ أَنَّ بَائِعَهُ غَاصِبٌ أَمْ لَا، حَضَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، أَوْ غَابَ غَيْبَةً قَرِيبَةً، أَوْ بَعِيدَةً، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْهِبَةُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا اتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ) أَيْ، وَإِلَّا يَقْبِضْهُ، أَوْ قَبَضَهُ وَكَانَ مُعْدَمًا اتَّبَعَ إلَخْ.
وَقِيلَ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ الْغَاصِبُ قَبَضَهُ وَلَوْ مُعْدَمًا وَرَجَحَ هَذَا الْقَوْلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ لِلْعَقْدِ، وَالْقَبْضِ مَعًا لَا لِلْعَقْدِ فَقَطْ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ نَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَيْ، وَأَخْذُ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ، وَإِجَازَتُهُ) ذُكِرَ هَذَا مَعَ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ نَقْضُ إلَخْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْغَاصِبُ، وَأَجَازَ الْمَالِكُ عِتْقَهُ فَإِمَّا أَنْ يُجِيزَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُجِيزَهُ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةً فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ الْعِتْقُ نَظَرًا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقَالُ هَذَا عِتْقُ فُضُولِيٍّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَعِتْقُ الْفُضُولِيِّ إذَا كَانَ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَلْزَمُ عِتْقُهُ إذْ الْعِتْقُ لَيْسَ بِفَوْتٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى رَبِّهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ الَّتِي وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا، بَلْ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ عَبْدِهِ (قَوْلُهُ فَيَتِمُّ عِتْقُهُ) أَيْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ) أَيْ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْ وَلَوْ مُعْسِرًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ لِلْعَقْدِ، وَالْقَبْضِ مَعًا كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ فَالْمُعْتَبَرُ يَوْمُ التَّعَدِّي) إنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ لِآخِرِ رُؤْيَةٍ فَلِمَ غَرِمَ هُنَا يَوْمَ التَّعَدِّي؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمَّا قَصَدَ التَّمَلُّكَ مِنْ يَوْمِ وَضْعِ الْيَدِ مَعَ ثُبُوتِ التَّلَفِ عَمْدًا اُعْتُبِرَ غُرْمُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي السَّابِقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَدِّيهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخْفَى الْمَبِيعَ فَلِذَلِكَ أُغْرِمَ مِنْ آخِرِ رُؤْيَةٍ رُئِيَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ فِي سَمَاوِيٍّ) أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَثَبَتَ التَّلَفُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّلَفُ بِبَيِّنَةٍ فِي الْأَوَّلِ، أَوْ ظَهَرَ كَذِبُهُ فِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِآخِرِ رُؤْيَةٍ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ سَابِقًا، ثُمَّ غَرِمَ لِآخِرِ رُؤْيَةٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ذُو شُبْهَةٍ) أَيْ فَيَفُوزُ بِالْغَلَّةِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ رُجُوعٌ فِي السَّمَاوِيِّ إلَّا عَلَى الْغَاصِبِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ السَّمَاوِيَّ مَعَ أَنَّهُ لَهُ الْغَلَّةُ وَمَنْ لَهُ النَّمَاءُ عَلَيْهِ التَّوَى، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْ الْمُشْتَرِي نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ ضَمَانُهُ لِلْمَالِكِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَضْمَنُ لِلْغَاصِبِ الثَّمَنَ فَيَدْفَعُهُ لَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ الْغَاصِبِ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ لَهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ
كَالْغَاصِبِ فِي الضَّمَانِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَحِقُّ أَيَّهمَا شَاءَ وَمِثْلُهُمَا الْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ (وَإِلَّا) يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ (بُدِئَ بِالْغَاصِبِ) فِي الْغُرْمِ فَيَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى التَّرِكَةِ فِي الْمَوْتِ وَعَلَى الْغَاصِبِ فِي الْهِبَةِ بِالْقِيمَةِ وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ (وَرَجَعَ) الْمَالِكُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ الْمَلِيءِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ) أَيْ بِالْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا مَوْهُوبُهُ وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ رُجُوعٌ عَلَى مَوْهُوبِهِ بِشَيْءٍ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ فَأَوْلَى مَا اسْتَغَلَّهُ هُوَ، ثُمَّ مَحَلُّ الرُّجُوعِ بِالْغَلَّةِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، أَوْ فَاتَتْ وَلَمْ يَخْتَرْ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْغَلَّةِ، وَالْقِيمَةِ (فَإِنْ أَعْسَرَ) الْغَاصِبُ (فَعَلَى الْمَوْهُوبِ) يَرْجِعُ بِمَا اسْتَغَلَّهُ دُونَ مَا اسْتَغَلَّهُ الْغَاصِبُ قَبْلَهُ، وَأَعْسَرَ فَإِنْ أَعْسَرَ أَيْضًا اتَّبَعَ أَوَّلَهُمَا يَسَارًا وَمَنْ غَرِمَ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ بِالْغَلَّةِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، أَوْ فَاتَتْ وَاخْتَارَ أَخْذَ الْغَلَّةِ فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ أَخَذَهَا فَقَطْ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلُفِّقَ شَاهِدٌ) شَهِدَ لِلْمُدَّعِي (بِالْغَصْبِ) أَيْ بِمُعَايَنَةِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَّعِي أَنَّ فُلَانًا غَصَبَهُ مِنِّي (لِآخَرَ) شَهِدَ لَهُ (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (بِالْغَصْبِ) مِنْ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِالْمَغْصُوبِ بِلَا يَمِينِ قَضَاءٍ (كَشَاهِدٍ بِمِلْكِك) أَيْ شَهِدَ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي (لِثَانٍ بِغَصْبِكَ) أَيْ بِغَصْبِهِ مِنْكَ أَيُّهَا الْمُدَّعِي فَيُقْضَى بِهِ لَكَ (وَجُعِلْتَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (ذَا يَدٍ) أَيْ حَائِزًا فَقَطْ (لَا مَالِكًا) فَلَكَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ، وَالْوَطْءِ، وَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقُّهَا بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَخَذَهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَقِيمَتَهَا إنْ فَاتَتْ، أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ إذْ قَدْ تُغْصَبُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَمُودِعٍ وَمُرْتَهِنٍ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ هُوَ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى يُحَازَ، أَوْ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى يُرَدَّ اهـ.
بْن (قَوْلُهُ كَالْغَاصِبِ فِي الضَّمَانِ) أَيْ فِي ضَمَانِ قِيمَةِ الذَّاتِ إذَا تَلِفَتْ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ بِسَمَاوِيٍّ وَضَمَانِ الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ فَيَتْبَعُ إلَخْ) أَيْ يُخَيَّرُ فِي اتِّبَاعِ تَرِكَةِ الْغَاصِبِ، وَالْوَارِثِ وَفِي اتِّبَاعِ الْغَاصِبِ، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُمَا الْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ) أَيْ بِأَنَّ بَائِعَهُ غَاصِبٌ لِمَا بَاعَهُ أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُمَا فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ كَانَ التَّلَفُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ بِسَمَاوِيٍّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ حَيْثُ كَانَ الْإِتْلَافُ عَمْدًا لَا بِسَمَاوِيٍّ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ) أَيْ، وَإِلَّا يَعْلَمْ الْوَارِثُ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْغَصْبِ بُدِئَ بِالْغَاصِبِ فِي غُرْمِ قِيمَةِ الذَّاتِ عَلَى وَارِثِهِ وَمَوْهُوبِهِ، كَذَا قَرَّرَ الشَّارِحُ، قَالَ بْن الْأَوْلَى رُجُوعُ قَوْلِهِ، وَإِلَّا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَطْ إذْ لَا غَاصِبَ مَعَ الْوَارِثِ يَبْدَأُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ الْغَاصِبَ مَاتَ وَقَسَمَ وَرَثَتُهُ الْمَغْصُوبَ وَاسْتَغَلُّوهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَيَضْمَنُ الْوَارِثُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ إذَا تَلِفَ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْغَصْبِ، أَوْ لَا لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ لَا يَضْمَنُ إلَّا جِنَايَةَ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْعِلْمِ يَضْمَنُ حَتَّى السَّمَاوِيِّ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ) أَيْ وَلَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بَغْلَة مَوْهُوبِهِ) الْفَرْقُ بَيْنَ غَلَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا مَرَّ وَبَيْنَ غَلَّةِ مَوْهُوبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا أَنَّ الْمَوْهُوبَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ بِخِلَافِ مَبِيعِهِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ غَلَّةَ الْمَوْهُوبِ لَا تَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، بَلْ يَرْجِعُ بِهَا الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَنَّ قِيمَةَ الْمَوْهُوبِ إذَا تَلِفَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا عُلِمَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْغَاصِبِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ يُخَيِّرُ الْمُسْتَحِقَّ فِي اتِّبَاعِهِ، أَوْ اتِّبَاعِ الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ.
وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَهِيَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَلَا يَغْرَمُهَا لَا هُوَ وَلَا الْغَاصِبُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ فَلَا غَلَّةَ لَهُ وَيَغْرَمُهَا كَقِيمَةِ الذَّاتِ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ وَارِثَ الْغَاصِبِ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ إذَا تَلِفَ، وَأَنَّهُ لَا غَلَّةَ لَهُ عَلِمَ أَنَّ مُورِثَهُ غَاصِبٌ، أَوْ لَا، مَاتَ مَلِيًّا، أَوْ لَا فَفِيهَا لَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ وَتَرَكَ الْأَشْيَاءَ الْمَغْصُوبَةَ وَاسْتَغَلَّهَا وَلَدُهُ فَالْأَشْيَاءُ وَغَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَمَحَلُّ كَوْنِ الْوَارِثِ يَغْرَمُ الْغَلَّةَ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً.
وَأَمَّا لَوْ فَاتَتْ وَضَمِنَ الْوَارِثُ قِيمَتَهَا كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ لَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْقِيمَةِ، وَالْغَلَّةِ وَفِي بْن لَوْ بَاعَ عَنْ الصَّغِيرِ قَرِيبُهُ كَالْأَخِ، وَالْعَمِّ بِلَا إيصَاءٍ وَلَا حَضَانَةٍ فَكَبِرَ الصَّغِيرُ، وَأَخَذَ شَيْأَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي غَلَّتَهُ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا يَوْمَ الْبَيْعِ بِتَعَدِّي الْبَائِعِ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي شُبْهَةً تُسَوِّغُ لَهُ الْغَلَّةَ وَكَذَا مَنْ بَاعَ مَا يَعْرِفُ لِغَيْرِهِ زَاعِمًا أَنَّ مَالِكَهُ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ فَلَمْ يُثْبِتْ التَّوْكِيلَ فَفَسَخَ الْبَيْعَ فَلَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ) أَيْ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ أَخْذَ الْغَلَّةِ وَقَوْلُهُ إذْ لَا يُجْمَعُ إلَخْ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ أَخَذَهَا فَقَطْ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ إذْ لَا يُجْمَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ الْبُدَاءَةِ بِالْغَاصِبِ عِنْدَ يُسْرِهِ وَصُورَةِ الْبُدَاءَةِ بِالْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَهُ عُسْرِ الْغَاصِبِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ غَرِمَ شَيْئًا لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَسِرَ الْغَاصِبُ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَيْسَرَ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إلَخْ) هَذَا التَّقْيِيدُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَالْغَلَّةِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ لِلشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمِلٍ (قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ قَرِيبًا فِي الْعِبَارَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.
(قَوْلُهُ فَيُقْضَى بِهِ لَك) أَيْ بِدُونِ يَمِينٍ مِنْكَ (قَوْلُهُ أَيْ حَائِزًا فَقَطْ) يَعْنِي لِلسِّلْعَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلِقِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَكَ التَّصَرُّفُ إلَخْ) هَذَا مُتَرَتِّبٌ
فَلِأَنَّ شَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ غَصْبًا وَشَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا (إلَّا أَنْ تَحْلِفَ) فِي الثَّانِيَةِ (مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ) الْيَمِينَ الْمُكَمِّلَةَ لِلنِّصَابِ (وَ) تَحْلِفَ أَيْضًا (يَمِينَ الْقَضَاءِ) أَنَّك مَا بِعْتَ وَلَا وَهَبْتَ وَلَا تَصَدَّقْتَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ جَمْعُهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
(وَإِنْ ادَّعَتْ) امْرَأَةٌ (اسْتِكْرَاهًا) عَلَى الزِّنَا (عَلَى) رَجُلٍ (غَيْرِ لَائِقٍ) بِهِ مَا ادَّعَتْ بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ ظَاهِرَ الصَّلَاحِ (بِلَا تَعَلُّقٍ) أَيْ بِأَذْيَالِهِ (حُدَّتْ لَهُ) أَيْ لِلزِّنَا الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا أَيْ لِإِقْرَارِهَا بِالزِّنَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ لَمْ تُحَدَّ لِلزِّنَا؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَتُحَدُّ لِقَذْفِهِ مُطْلَقًا وَمَفْهُومُ غَيْرِ لَائِقٍ أَمْرَانِ فَاسِقٌ فَلَا حَدَّ لِقَذْفِهِ مُطْلَقًا وَلَا لِلزِّنَا إلَّا إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ وَمَجْهُولُ حَالٍ فَحَدُّ الزِّنَا كَالصَّالِحِ إنْ تَعَلَّقَتْ سَقَطَ، وَإِلَّا لَزِمَهَا وَلَا تُحَدُّ لِلْقَذْفِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَإِلَّا حُدَّتْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِغَيْرِ اللَّائِقِ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْحَالِ.
، ثُمَّ أَعْقَبَ الْغَصْبَ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ غَصْبُ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَى شَيْءٍ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ ذَاتِهِ فَقَالَ (وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِبًا) أَيْ بَعْضِ السِّلْعَةِ كَخَرْقِ ثَوْبٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ صَحْفَةٍ أَيْ كَسْرِ بَعْضِهَا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَكُونُ التَّعَدِّي عَلَى جَمِيعِ السِّلْعَةِ كَحَرْقِ الثَّوْبِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ جَمِيعِ الصَّحْفَةِ وَقَتْلِ الدَّابَّةِ وَمِنْهُ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي، وَالْمُسْتَعِيرِ الْمَسَافَةَ الْمُشْتَرَطَةَ وَاسْتِعْمَالُ دَابَّةٍ مَثَلًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا وَرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الرُّكُوبُ، وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لِذَلِكَ لَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي فَلْيُتَأَمَّلْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
عَلَى جَعْلِهِ ذَا يَدٍ قَالَ بْن الَّذِي كَانَ يُقَرِّرُهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَلَا مِنْ الْوَطْءِ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ كَوْنِهِ ذَا يَدٍ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَثْبَتَتْ لَهُ الْحَوْزَ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ شَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ غَصْبًا) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْغَصْبِ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا فَتَدَبَّرْ اهـ.
بْن (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَحْلِفَ) أَيْ بِأَنَّهَا مِلْكُكَ (قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِيهَا شَاهِدُ الْمِلْكِ فَإِذَا حَلَفْتَ مَعَهُ الْيَمِينَ الْمُكَمِّلَةَ وَيَمِينَ الْقَضَاءِ كُنْتَ حِينَئِذٍ مَالِكًا لَا حَائِزًا (قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ أَيْضًا يَمِينَ الْقَضَاءِ) وَلَا يُكْتَفَى بِهَا عَنْ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُهَا كَمَا جَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُ جَمْعُهُمَا) أَيْ وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأُولَى فَلَهُ جَمْعُهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَكْفِي جَمْعُهُمَا.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا) أَيْ فَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا لَمْ تُحَدَّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ حُدَّتْ وَلَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهَا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تُحَدُّ لِلْقَذْفِ كَمَا فِي خش (قَوْلُهُ لَمْ تُحَدَّ لِلزِّنَا) أَيْ حَمَلَتْ أَمْ لَا (قَوْلُهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا) أَيْ وَلَا يَمِينَ لَهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَفِيفٍ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا، أَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَلَا تُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِلزِّنَا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَهَا) أَيْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا حُدَّتْ) أَيْ، وَإِلَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُدَّتْ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَتْهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا إذَا ادَّعَتْهُ عَلَى فَاسِقٍ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ فَأَوْلَى إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، وَأَوْلَى إذَا ادَّعَتْهُ عَلَى مَجْهُولِ حَالٍ، أَوْ صَالِحٍ (قَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْحَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ كَدَعْوَاهَا عَلَى الصَّالِحِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الزِّنَا الَّذِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ.
(قَوْلُهُ، ثُمَّ أَعْقَبَ الْغَصْبَ بِالتَّعَدِّي) أَيْ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَصَرُّفًا فِي الشَّيْءِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ (قَوْلُهُ غَالِبًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ، وَالْمُتَعَدِّي أَيْ، وَالْمُتَعَدِّي فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ هُوَ الَّذِي يَجْنِي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ التَّعَدِّي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْهُ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمُشْتَرَطَةَ أَيْ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعَدِّيهَا تَعَدِّيًا عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الرُّكُوبُ، وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعَدِّي كَالْجُزْءِ مِنْهَا.
وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ الْمُتَعَدِّي هُوَ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ فَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَعُمُّ صُوَرَ التَّعَدِّي إذْ لَا يَشْمَلُ مَنْ اكْتَرَى، أَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ زَادَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا فَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ عَلَى كُلِّ الدَّابَّةِ لَا عَلَى بَعْضِهَا وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلُوهُ مِنْ الْمُتَعَدِّي فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ غَالِبًا لِإِدْخَالِهِمَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ لِإِدْخَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الذَّاتُ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لَا؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعَدِّي كَالْجُزْءِ مِنْهَا، نَعَمْ يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِ غَالِبًا لِإِدْخَالِ حَرْقِ الثَّوْبِ وَقَتْلِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ إذْ لَا يَشْمَلُهُمَا التَّعْرِيفُ إلَّا بِزِيَادَةٍ غَالِبًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَدِّيَ، وَالْغَصْبَ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَاصِبِ يُوجِبُ لِرَبِّهِ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ إنْ شَاءَ، وَالْفَسَادَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمُتَعَدِّي لَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ، وَالْغَاصِبَ يَضْمَنُهُ
ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ يَضْمَنُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ دُونَ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهَا فَقَطْ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ) مِمَّا تَعَدَّى عَلَيْهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ أَفَاتَ الْعَمْدُ مَعَ أَنَّ الْخَطَأَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ الْهَمْزَةِ (كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ) وَحِشْمَةٍ كَأَمِيرٍ وَقَاضٍ وَدَابَّةٍ مُضَافٍ لِذِي، وَالْمُرَادُ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ لِذِي الْهَيْئَاتِ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا ذَا هَيْئَةٍ أَمْ لَا فَالْعِبْرَةُ بِحَالِهَا لَا حَالِ مَالِكِهَا فَقَطْعُ ذَنَبِهَا مُفِيتٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا بِخِلَافِ قَطْعِ بَعْضِهِ، أَوْ نَتْفِ شَعْرِهِ (أَوْ) قَطْعِ (أُذُنِهَا، أَوْ طَيْلَسَانِهِ) مُثَلَّثِ اللَّامِ (أَوْ) قَطْعِ (لَبَنِ شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ) الْأَعْظَمُ مِنْهَا (وَقَلْعِ عَيْنَيْ عَبْدٍ، أَوْ) قَطْعِ (يَدَيْهِ فَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (أَخْذُهُ وَنَقْصُهُ) أَيْ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ (، أَوْ قِيمَتُهُ) سَلِيمًا يَوْمَ التَّعَدِّي وَيَتْرُكُهُ لِلْمُتَعَدِّي (وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ) أَيْ لَمْ يُفِتْ الْمَقْصُودَ (فَنَقْصُهُ) فَقَطْ أَيْ يَأْخُذُ مَا نَقَصَهُ مَعَ أَخْذِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ، وَأَخْذُ قِيمَتِهِ، وَمَثَّلَ لِمَا لَمْ يَفُتْهُ بِقَوْلِهِ (كَلَبَنِ بَقَرَةٍ) ، أَوْ شَاةٍ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهَا.
(وَ) قَطْعِ (يَدِ عَبْدٍ، أَوْ عَيْنِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ صَانِعًا، أَوْ ذَا يَدٍ فَقَطْ، أَوْ عَيْنٍ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُتَعَدِّي (إنْ قُوِّمَ) عَلَيْهِ، وَأَخَذَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ لَا إنْ أَخَذَهُ وَنَقَصَهُ فَلَا يُعْتَقُ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ إنْ قُوِّمَ مَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى التَّقْوِيمِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ تَقْوِيمٌ كَجِنَايَةِ عَمْدٍ فِيهَا شَيْنُ قَصْدٍ وَلَمْ تُفِتْ الْمَقْصُودَ (وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ) مِنْ التَّقْوِيمِ أَيْ لَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَمْنَعَ الْجَانِيَ مِنْ تَقْوِيمِهِ وَيَخْتَارُ أَخْذَهُ مَعَ نَقْصِهِ (الْفَاحِشِ) أَيْ الْمُفِيتِ لِلْمَقْصُودِ حَتَّى يُحْرَمَ الْعَبْدُ مِنْ الْعِتْقِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ لِيَأْخُذَهُ الْجَانِي فَيُعْتَقَ عَلَيْهِ فَيُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ وَيُجْبَرُ الْجَانِي عَلَى دَفْعِهَا لِيُعْتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَنَقْصُهُ، أَوْ قِيمَتُهُ وَخَاصٌّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَنْ يُعْتَقُ بِالْمَثُلَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا عَطَّلَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إنَّمَا يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اسْتَعْمَلَ كَمَا مَرَّ وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا أَنَّ وَثِيقَةَ الْأَرْيَافِ أَقْرَبُ لِلتَّعَدِّي مِنْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ التَّمَلُّكَ الْمُطْلَقَ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ) أَيْ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ أَرْشَ النَّقْصِ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ الْهَمْزَةِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَالْمَقْصُودُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُهُ أَيْ فَإِنْ فَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ الْمُتَعَدِّي عَلَيْهِ كَقَطْعٍ إلَخْ (قَوْلُهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ شَأْنِهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَوْلُهُ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ مَفْهُومَةٍ أَنَّ قَطْعَ ذَنَبِ دَابَّةٍ غَيْرَ ذِي الْهَيْئَةِ لَا يُوجِبُ خِيَارَ رَبِّهَا وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ هِيَ ذَاتَ هَيْئَةٍ أَمْ لَا مَعَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ ثَبَتَ لِمَالِكِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا، وَأَخْذِهَا مَعَ الْأَرْشِ، وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ كَقَطْعِ دَابَّةٍ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ لِذِي هَيْئَةٍ كَانَ صَاحِبُهَا ذَا هَيْئَةٍ أَمْ لَا وَكُلُّ هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ دَابَّةٍ بِلَا تَنْوِينٍ بِالْإِضَافَةِ لِذِي، أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ دَابَّةٍ بِالتَّنْوِينِ وَذِي هَيْئَةٍ صِفَةٍ لَهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِصِدْقِهَا بِمَا إذَا كَانَ صَاحِبُهَا ذَا هَيْئَةٍ أَمْ لَا.
وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّنْوِينِ وَصْفُهَا بِذِي إذْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ ذَاتَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الدَّابَّةُ فِي مَعْنَى الْحَيَوَانِ فَيَجُوزُ فِي وَصْفِهَا مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِذَا بِدَابَّةٍ أَهْلَبَ طَوِيلِ شَعْرٍ» وَفِيهِ أَيْضًا: «فَأَتَى بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ» (قَوْلُهُ مُفِيتٌ لِلْمَقْصُودِ) أَيْ، وَهُوَ التَّجَمُّلُ بِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مُفِيتًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا النَّقْصَ فَقَطْ إلَّا لِعُرْفٍ فَإِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِتَخْيِيرِ الْمَالِكِ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَأَرْشِ النَّقْصِ فِي قَطْعِ بَعْضِ الذَّنَبِ، أَوْ نَتْفِ شَعْرِهِ عُمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمَقْصُودُ) إنْ قُلْت لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ، قُلْت الْأَوَّلُ ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ ضَابِطٌ كُلِّيٌّ، وَالثَّانِي ذُكِرَ فِي جُزْئِيٍّ مُثِّلَ بِهِ لِيَنْطَبِقَ عَلَى ذَلِكَ الْكُلِّيِّ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ تَكْرَارًا (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفِتْ الْمُتَعَدِّيَ بِجِنَايَتِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ، وَأَخْذُ قِيمَتِهِ) أَيْ قَهْرًا عَنْ الْمُتَعَدِّي، وَأَمَّا إذَا رَضِيَ الْمُتَعَدِّي بِذَلِكَ كَانَ لِرَبِّهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَلَبَنِ بَقَرَةٍ) أَيْ كَقَطْعِهِ، أَوْ تَقْلِيلِهِ (قَوْلُهُ وَقَطْعِ يَدِ عَبْدٍ) أَيْ.
وَأَمَّا قَطْعُ رِجْلِهِ فَمِنْ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَانِعًا إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ قِيمَةِ الصَّانِعِ بِمَا يُعَطِّلُهُ وَلَوْ أُنْمُلَةً كَمَا لعج (قَوْلُهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى عَلَى عَبْدٍ عَمْدًا قَاصِدًا شَيْنَهُ، وَأَفَاتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى ذَلِكَ الْجَانِي إنْ قُوِّمَ عَلَيْهِ أَيْ إنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ أَخْذَ قِيمَتِهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ إنْ قُوِّمَ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ قَوَّمَ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ التَّقْوِيمُ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَقَطْ فِي مُفِيتِ الْمَقْصُودِ، أَوْ بِرِضَاهُمَا مَعًا فِي غَيْرِ مُفِيتِهِ، وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِشَرَفِ الدِّينِ الطَّخِّيخِيِّ وَتَبِعَهُ عبق قَالَ بْن، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِيمَ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا مَنْعَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَمْنَعَ الْجَانِيَ مِنْ التَّقْوِيمِ بِحَيْثُ يَأْخُذُهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ إذَا كَانَ التَّعَدِّي فَاحِشًا مُفِيتًا لِلْمَقْصُودِ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ لِيَأْخُذَهُ الْجَانِي فَيُعْتَقَ عَلَيْهِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ، وَهَذَا مُقَابِلٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لِرَبِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارَ فِي التَّعَدِّي الْفَاحِشِ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَأَخْذِهِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَهُوَ عَامٌّ فِيمَنْ يُعْتَقُ بِالْمَثُلَةِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ فَيَقُولُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي غَيْرِ مَنْ يُعْتَقُ بِالْمَثُلَةِ، وَأَمَّا مَنْ يُعْتَقُ بِهَا فَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ اهـ. .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الرَّقِيقِ حُكْمُهُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ كَحُكْمِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَخْيِيرُ الْمَالِكِ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَأَخْذِهِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ ابْنِ يُونُسَ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ أَخْذُ السَّيِّدِ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مَعَ