الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالْحَمَّامِ
، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ) ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهِيَ وَالْكِرَاءُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى: هُوَ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ شَيْءٍ مُبَاحَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِعِوَضٍ، غَيْرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْعَقْدَ عَلَى مَنَافِعِ الْآدَمِيِّ، وَمَا يُنْقَلُ غَيْرَ السُّفُنِ وَالْحَيَوَانِ إجَارَةً، وَالْعَقْدَ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدُّورِ، وَمَا يَنْقُلُ مِنْ سَفِينَةٍ وَحَيَوَانٍ كَالرَّوَاحِلِ كِرَاءٌ فِي الْغَالِبِ فِيهِمَا.
، وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْعَاقِدُ وَالْأَجْرُ وَالْمَنْفَعَةُ وَالصِّيغَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْمُعَاطَاةَ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
[بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالْحَمَّامِ]
بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا) أَيْ، وَمِنْ فَتْحِهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُثَلَّثَةُ الْهَمْزَةِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ، وَهِيَ مَصْدَرُ أَجَرَ بِالْقَصْرِ كَكَتَبَ وَيُقَالُ أَيْضًا آجَرَ إيجَارًا كَأَكْرَمَ إكْرَامًا وَيُسْتَعْمَلُ الْمَمْدُودُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ فَيَكُونُ مَصْدَرُهُ الْمُؤَاجَرَةُ وَالْإِجَارُ بِالْقَصْرِ كَالْمُقَاتَلَةِ وَالْقِتَالِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ مِنْ السَّوْءِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ مِنْ أَجَارَ إجَارَةً كَأَعَاذَ إعَاذَةً، وَأَقَامَ إقَامَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَدْ يُقْضَى بِهَا شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عَقْدٌ وَذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يَعْمَلُهَا الشَّخْصُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يَأْخُذُ عَلَيْهَا أُجْرَةً، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْهَا تَخْلِيصُ دَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَأَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ (قَوْلُهُ: تَمْلِيكُ) هُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ الْإِجَارَةَ وَالْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالنِّكَاحَ وَالْجُعَلَ وَالْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ (قَوْلُهُ: مَنَافِعِ) خَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ ذَوَاتٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُبَاحَةٍ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ فَإِنَّ تَمْلِيكَ مَنْفَعَتِهَا، وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً وَقَوْلُهُ: مُدَّةً مَعْلُومَةً أَخْرَجَ النِّكَاحَ وَالْجُعَلَ وَقَوْلُهُ: بِعِوَضٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ، وَلَوْ قَالَ: بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْمَنْفَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَجْلِ إخْرَاجِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَ مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ لَكِنْ ذَلِكَ الْعِوَضُ نَاشِئٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَقَوْلُهُ: مَنَافِعِ شَيْءٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ أَوْ يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالسُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْأَوَانِي.
(قَوْلُهُ: وَمَا يُنْقَلُ) أَيْ كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي (قَوْلُهُ: فِي الْغَالِبِ فِيهِمَا) أَيْ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَتَسَمَّحُونَ بِإِطْلَاقِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْكِرَاءِ وَالْكِرَاءِ عَلَى الْإِجَارَةِ فَيُطْلِقُونَ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الْآدَمِيِّ، وَمَنَافِعِ مَا يُنْقَلُ غَيْرَ السُّفُنِ وَالْحَيَوَانِ كِرَاءً وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ، وَمَنَافِعِ السُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ إجَارَةً.
[أَرْكَان الْإِجَارَة]
(قَوْلُهُ: الْعَاقِدُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ، وَهُوَ دَافِعُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ، وَهُوَ الْآخِذُ لَهَا (قَوْلُهُ: وَالْأَجْرُ) هُوَ الْعِوَضُ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُؤَجِّرِ فِي مُقَابِلَةِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ غَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ فَلَا
(صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ) مُؤَجِّرٍ، وَمُسْتَأْجِرٍ كَالْبَيْعِ فَشَرْطُهُمَا التَّمْيِيزُ وَشَرْطُ اللُّزُومِ التَّكْلِيفُ فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ أَوْ سِلْعَتَهُ صَحَّ وَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَا وَلِيِّهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ إنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْأَجْرِ مُحَابَاةٌ فَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ، وَإِنْ عَقَدَ عَلَى سِلْعَةٍ فَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ فَالشَّرْطُ لُزُومٌ أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ (وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) فَيَكُونُ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا.
، وَلَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ الْإِمَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُلُولُ، وَأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى التَّأْجِيلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَيَجِبُ فِيهَا تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَعُجِّلَ) الْأَجْرُ وُجُوبًا فَلَا يُؤَخَّرُ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ (إنْ عَيَّنَ) أَيْ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَيْ وَشُرِطَ تَعْجِيلُهُ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَفَسَدَتْ إلَخْ (أَوْ) كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَوَقَعَ التَّعْجِيلُ (بِشَرْطٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إنْ عَيَّنَ أَيْ وَعَجَّلَ الْأَجْرَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ (أَوْ عَادَةٍ) بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ التَّعْجِيلَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ (أَوْ) كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَدَرَاهِمَ أَوْ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ لَكِنْ وَقَعَ (فِي) مَنَافِعَ (مَضْمُونَةٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى فِعْلِ كَذَا فِي ذِمَّتِك إنْ شِئْت عَمِلْتَهُ بِنَفْسِك أَوْ بِغَيْرِك أَوْ عَلَى أَنْ تَحْمِلَنِي عَلَى دَوَابِّك لِبَلَدِ كَذَا فَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ لِاسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ وَتَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِعَدَمِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ فَإِنْ شَرَعَ جَازَ التَّأْخِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ (إلَّا كَرْيَ حَجٍّ) وَنَحْوِهِ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ (فَالْيَسِيرُ) مِنْ الْأَجْرِ كَافٍ فِي التَّعْجِيلِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي إبَّانِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَلَا يَخْفَى شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْطُوقًا، وَمَفْهُومًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
تَنْعَقِدُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ سَحْنُونًا يَرَى انْعِقَادَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفُ الْوَاوِ مَعَ مَا عَطَفَتْ أَيْ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ وَلُزُومُهَا بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ اللُّزُومُ (قَوْلُهُ: فَشَرْطُهُمَا) أَيْ فَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِمَا وَقَوْلُهُ: وَشَرْطُ اللُّزُومِ أَيْ لُزُومُ عَقْدِهِمَا (قَوْلُهُ: النَّظَرُ مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ فِي الْأَجْرِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا لَكِنْ لُزُومُ إجَارَتِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِسِلْعَتِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا سَيِّدِهِ لِعَدَمِ رُشْدِهِ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ بِالنِّسْبَةِ لِإِجَارَتِهِ لِسِلْعَتِهِ مُطْلَقًا وَكَذَا لِنَفْسِهِ إنْ حَابَى فِي الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا كَانَتْ إجَارَتُهُ لَازِمَةً، وَلَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُهَا عَلَى رِضَا وَلِيِّهِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرُّشْدُ لَيْسَ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: وَعَجَّلَ الْأَجْرَ) أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْأَجْرَ فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالتَّعَجُّلِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي صِحَّتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ أَصْلًا أَوْ جَرَى بِالتَّأْجِيلِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَلَوْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ وَإِلَّا صَحَّتْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ تَعْجِيلُهُ إنْ كَانَ شَرْطٌ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ عَادَةٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً فِيهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عَادَةٌ، وَلَكِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً وَشَرَعَ فِيهَا فَلَا يَجِبُ التَّعْجِيلُ لِلْأَجْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، إذَا عَلِمَتْ هَذَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعُجِّلَ مُعَيَّنٌ إنْ جَرَى عُرْفٌ بِتَعْجِيلِهِ، وَإِلَّا فَسَدَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهُ وَأُجْبِرَ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَضْمُونِ إنْ كَانَ شَرْطٌ أَوْ عَادَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا الْوَفِيُّ بِهَذَا مَعَ الْإِيضَاحِ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفٌ بِتَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَعَنْ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ نَقَدَ، وَظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إنْ عَيَّنَ أَيْ وَعَجَّلَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَسَدَ) أَيْ، وَإِلَّا يَشْتَرِطُ تَعْجِيلَهُ، وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ فَسَدَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَشَرَطَ تَعْجِيلَهُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَيَقُولُ أَيْ وَكَانَتْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَجَّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِهِ) الْأَوْلَى جَعْلُ الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَوَقَعَ التَّعْجِيلُ مُلْتَبِسًا بِشَرْطٍ أَوْ مُلْتَبِسًا بِعَادَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً) كَ أَسْتَأْجِرُ دَابَّتَك هَذِهِ لِأُسَافِرَ عَلَيْهَا لِمَحَلِّ كَذَا وَقَوْلُهُ: أَوْ مَضْمُونَةً أَيْ كَ أَسْتَأْجِرُ مِنْك دَابَّةً أُسَافِرُ عَلَيْهَا لِمَحَلِّ كَذَا (قَوْلُهُ: فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ) أَيْ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا وَالْحَالُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَاشْتُرِطَ تَعْجِيلُهُ أَوْ اُعْتِيدَ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِتَعْجِيلِهِ، وَلَا اشْتِرَاطٌ (قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِك) لَيْسَ هَذَا التَّصْرِيحُ لَازِمًا بَلْ إنْ حَصَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَالْمَنَافِعُ مَضْمُونَةٌ فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ) أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْرِي بِالدَّابَّةِ مَثَلًا وَالْمُكْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ.
(قَوْلُهُ: وَتَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ) عَطَفَ عِلَّةً عَلَى مَعْلُولٍ (قَوْلُهُ: جَازَ التَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَعَدَمُ تَعْجِيلِهَا (قَوْلُهُ: كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ) أَيْ كَأَنَّهُ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَالْيَسِيرُ) أَيْ
لِثَمَانِ صُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْأَجْرِ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ شُرُوعٌ فِيهَا أَمْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ أَوْ يَكُونَ الْعُرْفُ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ.
فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ: أَرْبَعٌ مِنْهَا فَاسِدَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا انْتَفَى عُرْفُ التَّعْجِيلِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا، وَأَرْبَعٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّعْجِيلَ وَعَجَّلَ أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكُلُّ هَذَا إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ فَسَدَتْ فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى أَجْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَجَبَ التَّعْجِيلُ أَيْضًا فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً جَازَ تَعْجِيلُهُ وَتَأْخِيرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ كَالْحَجِّ فَالْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْأَجْرِ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ الْيَسِيرِ مِنْهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِمَّا الشُّرُوعُ فَقَوْلُهُ:(وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ، وَلَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ، وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً مَعْنَاهُ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ (فَمُيَاوَمَةً) كُلَّمَا اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ يَوْمٍ أَيْ قِطْعَةً مِنْ الزَّمَنِ مُعَيَّنَةً أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ وَتَأْخِيرُهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ عَجَّلَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ فَلَيْسَ لَهُمَا أُجْرَةٌ إلَّا بَعْدَ التَّمَامِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الشَّيْءِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةً لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِخَيَّاطٍ خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ أُجْرَتِهِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ حَتَّى يُتِمَّهُ. اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ أَنَّ بَائِعَ مَنْفَعَةِ يَدِهِ إنْ كَانَ لَا يَحُوزُ مَا فِيهِ عَمَلُهُ كَالْبَنَّاءِ وَالنَّجَّارِ فَهُوَ أَجِيرٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ كَافٍ فِي التَّعْجِيلِ أَيْ خَوْفَ أَخْذِ الْأَكْرِيَاءِ أَمْوَالَ النَّاسِ وَالْهُرُوبِ بِهَا، وَمَحَلُّ كِفَايَةِ تَعْجِيلِ الْيَسِيرِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ كَثِيرَةً وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِهَا كُلِّهَا (قَوْلُهُ: لِثَمَانِ صُوَرٍ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً: اثْنَتَا عَشَرَةَ فِي الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ وَاثْنَتَا عَشَرَةَ فِي الْأَجْرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ اعْتَبَرْت فِي كُلٍّ أَنَّ الْبَيْعَ إمَّا بَتًّا أَوْ عَلَى الْخِيَارِ كَانَتْ جُمْلَةُ الصُّوَرِ ثَمَانِيًا، وَأَرْبَعِينَ صُورَةً.
(قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) أَيْ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ) أَيْ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ أَصْلًا أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْجِيلَهُ (قَوْلُهُ: فَهَذَا ثَمَانُ صُوَرٍ) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَةَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ: إذَا انْتَفَى عُرْفُ التَّعْجِيلِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَ الدَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعٌ صَحِيحَةٌ) فِيهِ أَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً حَصَلَ شُرُوعٌ فِيهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ) الْأَوْلَى فِي الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ صُورَةً (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى أَجْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صُوَرَهُ أَيْضًا اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَجْرَ الْغَيْرَ الْمُعَيَّنَ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ شُرُوعٌ فِيهَا أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ يَكُونَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهَا أَوْ لَا يَكُونُ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ، فَهَذِهِ اثْنَا عَشَر حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ أَشَارَ الشَّارِحُ لِحُكْمِهَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ) أَيْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً حَصَلَ الشُّرُوعُ فِيهَا أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ: جَازَ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرُهُ، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ إلَخْ) صَوَابُهُ فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ فَالْوَاجِبُ تَعْجِيلُهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ الْيَسِيرَ مِنْهَا إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا كِرَاءَ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ أَوْ الشُّرُوعُ فِي تَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَمَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً) أَيْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ) أَيْ بَلْ فِي كِرَاءِ الْعَقَارِ وَالرَّوَاحِلِ وَالْآدَمِيِّ لِلْخِدْمَةِ وَالْأَوَانِي (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ إلَخْ) مَحَلُّ جَوَازِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُعَيَّنَةِ عِنْدَ التَّرَاضِي كَمَا قَالَ ح أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ يَتَأَخَّرَ الشُّرُوعُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَإِنْ طَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا الْمُفِيدُ لِذَلِكَ فَانْظُرْهُ. اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصُّنَّاعَ وَالْأُجَرَاءَ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مَحَلُّهُ إنْ بَقِيَ عَلَى التَّمَامِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ فَإِنْ تَقَايَلَا قَبْلَ تَمَامِهِ كَانَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ) أَيْ الْإِجَارَةِ عَلَى بَيْعِهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى السَّمْسَرَةِ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا بِدِينَارٍ (قَوْلُهُ: فَبِقَدْرِ مَا مَضَى) أَيْ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا.
وَإِنْ كَانَ يَحُوزُهُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالْحَدَّادِ وَالصَّائِغِ فَصَانِعٌ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ كَالصَّاعِ فَبَائِعٌ صَانِعٌ.
(وَفَسَدَتْ) إجَارَةٌ عُيِّنَتْ فِيهَا الْأُجْرَةُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعَجَّلَ إنْ عَيَّنَ (إنْ انْتَفَى) فِيهَا (عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ أَوْ لَا عُرْفَ وَعَلَّلَ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ كَشَرْطِ التَّأْجِيلِ فَيَلْزَمُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَعِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ كَمَا مَرَّ (كَمَعَ جُعْلٍ) أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِتَنَافُرِهِمَا لِمَا فِي الْجُعَلِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ بِالْعَقْدِ وَجَوَازِ الْغَرَرِ وَعَدَمِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ (لَا) مَعَ (بَيْعٍ) صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ أَوْ جِلْدًا عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ لَهُ آخَرَ وَيُشْتَرَطُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُرُوعُهُ أَوْ ضَرْبُ أَجَلِ الْإِجَارَةِ، وَمَعْرِفَةُ خُرُوجِهِ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا أَوْ إمْكَانُ إعَادَتِهِ كَالنُّحَاسِ عَلَى أَنْ يَصْنَعَهُ قَدَحًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي السَّلَمِ فَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ كَالزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ فَلَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَتَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ مَسَائِلَ تَفْسُدُ فِيهَا الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ فَقَالَ (وَكَجِلْدٍ) جُعِلَ أَجْرًا (لِسَلَّاخٍ) ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ اللَّحْمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقَدْ يَخْرُجُ صَحِيحًا أَوْ مَقْطُوعًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الْمُعَيَّنِ) أَيْ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّأْخِيرُ عُرْفَ بَلَدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا عُرْفَ) أَيْ بِأَنْ كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ بِالْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْعُرْفِ بِالتَّعْجِيلِ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ) أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْرِي بِالدَّابَّةِ مَثَلًا وَشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ: وَعِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ) عَطَفَ عِلَّةً عَلَى مَعْلُولٍ وَرُدَّ مَا قَالَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الذِّمَمَ لَا تَقْبَلُ الْمُعَيَّنَاتِ فَالْأَوْلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ فِيهِ بَيْعَ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَ الْمُعَيَّنِ أَوْ انْتَفَى الْعُرْفُ رَأْسًا (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ) أَيْ فَإِنْ اشْتَرَطَ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيلٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّعْجِيلِ بِمَثَابَةِ التَّعْجِيلِ بِالْفِعْلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ حَقٌّ لِلَّهِ وَكَذَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ شَرَعَ فِيهَا فَوَجَبَ التَّعْجِيلُ حَيْثُ الشَّرْطُ أَوْ الْعُرْفُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَحِينَئِذٍ فَانْتِفَاءُ التَّعْجِيلِ فِي الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّعْجِيلِ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُقْضَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ بِالتَّأْخِيرِ فَلَا ضَرَرَ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
(قَوْلُهُ: كَمَعَ جُعْلٍ) لَيْسَتْ الْكَافُ دَاخِلَةً عَلَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِلنَّصَبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بَلْ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ كَإِجَارَةٍ مَعَ جُعْلٍ (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلٍ صَفْقَةً) أَيْ كَخِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَائْتِنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، وَلَك دِينَارٌ (قَوْلُهُ: لِتَنَافُرِهِمَا) أَيْ لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ فِيهَا الْأَجَلُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَفْسُدُ) أَيْ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَيْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ صَحِيحًا فِي شَيْءٍ، وَفَاسِدًا فِي شَيْءٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) أَيْ وَاقِعَةٍ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الثَّوْبِ وَذَلِكَ بَيْعٌ وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَذَلِكَ إجَارَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ) أَيْ نِعَالًا أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: شُرُوعُهُ) أَيْ فِي الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْخَرَزِ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبُ أَجَلِ الْإِجَارَةِ) قَالَ شَيْخُنَا صَوَابُهُ الْوَاوُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الشُّرُوعِ، وَلَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَضَرْبِ الْأَجَلِ، وَفِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ يُكْمِلَهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ صِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَةُ خُرُوجِهِ) أَيْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ كَوْنِهِ رَدِيئًا أَوْ جَيِّدًا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُتْقِنًا فِي صَنْعَتِهِ فَيَخْرُجُ جَيِّدًا أَوْ لَا فَيَخْرُجُ رَدِيئًا (قَوْلُهُ: أَوْ إمْكَانُ إعَادَتِهِ) أَيْ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَ خُرُوجِهِ لَكِنْ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ كَالنُّحَاسِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ) أَيْ مَعْرِفَةُ وَجْهِ خُرُوجِهِ، وَإِمْكَانُ إعَادَتِهِ إنْ لَمْ يُعْجِبْهُ (قَوْلُهُ: كَالزَّيْتُونِ) أَيْ كَشِرَاءِ الزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ، بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الزَّيْتُونَ يَمْتَنِعُ بِهِ وَالِاسْتِئْجَارَ عَلَى عَصْرِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَالُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَامِلُ مُتْقِنًا لِلصَّنْعَةِ لَا يَخْتَلِفُ عَصْرُهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَحِينَئِذٍ فَالزَّيْتُونُ مِثْلُ غَيْرِهِ. اهـ عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَجِلْدٍ) أَيْ كَأَنْ يَسْتَأْجِرَ شَخْصًا عَلَى سَلْخِ حَيَوَانٍ بِجِلْدِهِ (قَوْلُهُ: وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ إلَخْ) عِبَارَةُ تت وَنَبَّهَ بِمَنْعِ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّلْخِ بِالْجِلْدِ عَلَى مَنْعِهَا بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَجْهُولٌ مُغَيَّبٌ بِالْجِلْدِ، وَلَا بُدَّ فِي عِوَضِ الْإِجَارَةِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا. اهـ. قَالَ عبق، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ اللَّحْمَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وح لِأَنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ فَهُوَ عَطْفُ تَشْبِيهٍ عَلَى تَشْبِيهٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْعَطْفِ وَالْكَافِ لِلتَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ الْجِلْدَ الَّذِي هُوَ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَخْرُجُ صَحِيحًا إلَخْ)
(أَوْ نُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ فَهِيَ كَالْجُزَافِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَطْحَنَ لَهُ قَدْرًا مِنْ الْحَبِّ فَيَجُوزُ (وَجُزْءِ ثَوْبٍ) جُعِلَ أُجْرَةً (لِنَسَّاجٍ) يَنْسِجُ ذَلِكَ الثَّوْبَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْجُلُودُ عَلَى دَبْغِهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا لِجَهْلِ صِفَةِ خُرُوجِهِ فَإِنْ وَقَعَ فَالثَّوْبُ لِرَبِّهِ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (أَوْ رَضِيعٍ) آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ جُزْؤُهُ كَرُبُعِهِ أَجْرًا لِمَنْ يُرْضِعُهُ عَلَى أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ الرَّضَاعِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ يَمْلِكُهُ (مِنْ الْآنَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَتَغَيَّرُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ رَضَاعُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ خَلَفُهُ فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهَا كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُودُ مِثْلِيًّا أَوْ مُقَوَّمًا كَمَا هُنَا. (وَ) فَسَدَتْ إذَا اسْتَأْجَرَهُ (بِمَا سَقَطَ) أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهُ كَثُلُثٍ (أَوْ) بِجُزْءٍ مِمَّا (خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ) رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ (أَوْ عَصْرِهِ) رَاجِعٌ لِلثَّانِي لِلْجَهْلِ بِالْكَمِّ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الشَّجَرِ مَا هُوَ قَاصِرٌ يَقِلُّ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِخِلَافِهِ.
(وَكَاحْصُدْ وَادْرُسْ) هَذَا الزَّرْعَ (وَلَك نِصْفُهُ) وَكَذَا اُدْرُسْهُ، وَلَك نِصْفُهُ فَفَاسِدَةٌ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَأَمَّا اُحْصُدْهُ فَقَطْ، وَلَك نِصْفُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْإِجَارَةُ عَلَى السَّلْخِ بِالْجِلْدِ فِيهَا غَرَرٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْإِجَارَةِ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) أَيْ أَوْ نُخَالَةٍ أُجْرَةً لِطَحَّانٍ أَجِيرٍ عَلَى طَحْنِ حَبٍّ كَأَنْ تَسْتَأْجِرَ شَخْصًا يَطْحَنُ لَك حَبًّا بِنُخَالَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ مِنْ دَفْعِ الزَّرْعِ لِمَنْ يَدْرُسُهُ بِنَوْرَجِهِ وَبَهَائِمِهِ وَيَأْخُذُ تِبْنَهُ فِي مُقَابَلَةِ دَرْسِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ اُدْرُسْهُ، وَلَك حِمْلَانِ تِبْنًا مِنْ تِبْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ تِبْنِهِ جَازَ ذَلِكَ، كَذَا كَتَبَ ابْن عبق (قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النُّخَالَةِ كَ اطْحَنْ لِي هَذَا الْحَبَّ، وَلَك صَاعٌ مِنْ النُّخَالَةِ سَوَاءٌ قَالَ مِنْ نُخَالَتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: وَجُزْءِ ثَوْبٍ) كَمَا لَوْ آجَرَهُ عَلَى نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَهَا وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ آجَرْته عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ أَوْ عَمَلِهَا نِعَالًا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَهَا إذَا فَرَغَ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ: فَالثَّوْبُ لِرَبِّهِ) أَيْ كَذَلِكَ الْجِلْدُ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الثَّوْبُ أَوْ الْجِلْدُ لَمْ تَفُتْ بِيَدِ الصَّانِعِ فَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِ الصَّانِعِ بَعْدَ الدَّبْغِ أَوْ النَّسْجِ بِبَيْعٍ أَوْ تَلَفٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ لَزِمَ صَاحِبَ الْجِلْدِ أَوْ الْغَزْلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي دِبَاغِ جَمِيعِ الْجِلْدِ وَنَسْجِ كُلِّ الْغَزْلِ لِلصَّانِعِ وَيَغْرَمُ الصَّانِعُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَوْ الْجِلْدِ قِيمَةَ النِّصْفِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ فَاسِدًا، وَقَدْ فَاتَ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَهُوَ مِلْكٌ لِرَبِّهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ بَعْدَ الْعَمَلِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ النِّصْفَ فِي الْغَزْلِ أَوْ فِي الْجِلْدِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْبُغَهَا أَوْ يَنْسُجَهَا مُجْتَمِعَةً فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ مِنْ أَخْذِ مَا جَعَلَهُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الدَّبْغِ أَوْ النَّسْجِ فَإِنْ أَفَاتَهَا بِالشُّرُوعِ فِي الدِّبَاغِ أَوْ النَّسْجِ فَعَلَى الصَّانِعِ قِيمَةُ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَقَدْ فَاتَ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَلِرَبِّهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ بِلَا حَجْرٍ عَلَيْهِ فِي دَبْغِهِ أَوْ نَسْجِهِ مَعَ نِصْفِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ خَلَفُهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهَا) أَيْ فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ الْجُزْءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي جَعَلَ فِيهَا الْجُزْءَ مِنْ الْآنِ وَقَوْلُهُ: كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمِلَةِ أَيْ لِلسَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَيْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ إذَا كَانَ الْمَنْقُودُ مِثْلِيًّا كَالدِّينَارِ وَلِلْغَرَرِ إذَا كَانَ مُقَوَّمًا كَمَا هُنَا إذْ لَا يُدْرَى مَا الَّذِي يَأْخُذُهُ الْأَجِيرُ، إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّضِيعَ يَسْلَمُ فَيَأْخُذُ نِصْفَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَهْلِكَ فَيَأْخُذَ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي رَضَعَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَيَصِيرُ إلَخْ بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمَنْعِ فِيمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ، وَأَمَّا عِلَّةُ الْمَنْعِ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الرَّضِيعُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ مَلَّكَ الْأَجِيرَ رَبُّهُ نِصْفَهُ مِنْ الْآنِ فَعَلَى الْأَجِيرِ قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ يَدْفَعُهَا لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ وَقَدْ فَاتَ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَلِرَبِّهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْأَجِيرِ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي رَضَعَهَا، وَأَمَّا إنْ مَلَّكَهُ نِصْفَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا أَرْضَعَهُ، وَمُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، هَذَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِطَامِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ سَوَاءٌ جَعَلَ لَهُ نِصْفَهُ مِنْ الْآنَ أَوْ بَعْدَ الْفِطَامِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِطَامِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ مِثْلِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا هُنَا) أَيْ فَإِنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ هُنَا نِصْفُ الرَّضِيعِ، وَهُوَ مُقَوَّمٌ (قَوْلُهُ: وَفَسَدَتْ إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِمَا سَقَطَ) أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَيْ بِأَنْ قَالَ أَسْتَأْجِرُك عَلَى نَفْضِ زَيْتُونِي فَمَا سَقَطَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَعِلَّةُ الْفَسَادِ الْجَهْلُ بِالْكَمِّ؛ لِأَنَّ مِنْ الشَّجَرِ مَا هُوَ قَاصِحٌ يَقِلُّ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِخِلَافِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِجُزْءٍ مِمَّا خَرَجَ أَيْ بِأَنْ قَالَ أَسْتَأْجِرُك عَلَى عَصْرِ زَيْتُونِي فَمَا عَصَرْتَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَعِلَّةُ الْفَسَادِ الْجَهْلُ بِالْكَمِّ وَبِصِفَةِ الْخَارِجِ بِالْعَصْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِلْجَهْلِ بِالْكَمِّ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ: وَالصِّفَةِ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ الْعَطَّارِ مَنْعَ الْإِجَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ النَّفْضِ بِمَا إذَا كَانَ النَّفْضُ بِيَدِهِ، وَأَمَّا بِعَصَا فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَصَا لَا تُبْقِي شَيْئًا وَالزَّيْتُونُ مَرْئِيٌّ وَاسْتَبْعَدَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا الْقَيْدَ بِأَنَّ النَّفْضَ بِالْيَدِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَالنَّفْضَ بِالْعَصَا هُوَ مُرَادُ مَنْ مَنَعَ
(قَوْلُهُ: كَاحْصُدْ وَادْرُسْ هَذَا الزَّرْعَ، وَلَك نِصْفُهُ وَكَذَا اُدْرُسْهُ، وَلَك نِصْفُهُ فَفَاسِدَةٌ) أَيْ لِلْجَهْلِ بِمَا يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ
فَسَيَأْتِي أَنَّهُ جَائِزٌ.
(وَكِرَاءِ أَرْضٍ) صَالِحَةٍ لِلزِّرَاعَةِ (بِطَعَامٍ) سَوَاءٌ أَنْبَتَتْهُ كَالْقَمْحِ أَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ لِأَجَلٍ مَعَ التَّفَاضُلِ وَالْغَرَرِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَأَمَّا بَيْعُهَا بِهِ فَيَجُوزُ (أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ) غَيْرَ طَعَامٍ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانٍ وَتِينٍ، وَأَمَّا كِرَاءُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِالطَّعَامِ فَجَائِزٌ إجْمَاعًا (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَا تُنْبِتُهُ (كَخَشَبٍ) وَحَطَبٍ وَقَصَبٍ فَارِسِيٍّ وَعُودٍ هِنْدِيٍّ وَصَنْدَلٍ مِنْ كُلِّ مَا يَطُولُ مُكْثُهُ فِيهَا حَتَّى يُعَدَّ كَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا فَيَجُوزُ.
(وَ) فَسَدَتْ إجَارَةٌ عَلَى (حَمْلِ طَعَامٍ) مَثَلًا (لِبَلَدٍ) بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ (بِنِصْفِهِ) مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَأَجْرُ مِثْلِهِ، وَالطَّعَامُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ (إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ) أَيْ الْجُزْءَ الْمُسْتَأْجَرَ بِهِ (الْآنَ) أَيْ حِينَ الْعَقْدِ بِالْفِعْلِ لِعُرْفٍ أَوْ يَشْتَرِطَ قَبْضَهُ الْآنَ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَضْ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجَارَةِ بِمُعَيَّنٍ فَيَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَتْ، وَالْعُرْفُ التَّعْجِيلُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ أَوْ لَا عُرْفَ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا فَسَدَتْ وَيُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ الْيَسِيرُ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ (وَكَإِنْ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ إنْ (خِطْتَهُ الْيَوْمَ) مَثَلًا فَهُوَ (بِكَذَا) مِنْ الْأَجْرِ كَعَشَرَةٍ (وَإِلَّا) تَخِطْهُ الْيَوْمَ بَلْ أَزْيَدَ (فَبِكَذَا) أَيْ بِأَجْرٍ أَقَلَّ كَثَمَانِيَةٍ فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ وَقَعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي أَكْثَرَ (وَاعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي) ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاحْتِطَابٍ، وَلَا غَيْرِهِ (فَمَا حَصَلَ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (فَلَكَ نِصْفُهُ) مَثَلًا فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَهُوَ مَغِيبٌ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَكَيْفَ يَخْرُجُ.
(قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي أَنَّهُ جَائِزٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الزَّرْعِ، وَهُوَ مَرْئِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَكِرَاءِ أَرْضٍ) أَيْ، وَفَسَدَ كِرَاءُ أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلزِّرَاعَةِ إذَا أُكْرِيَتْ لِلزِّرَاعَةِ أَمَّا إذَا أُكْرِيَتْ بِمَا ذَكَرَهُ لِبِنَاءٍ أَوْ جَرِينٍ فَيَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تُزْرَعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ شُيُوخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ مِنْ الْمَنْعِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ) كَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُرَادُ إلَّا لِلذَّبْحِ كَخَصِيِّ الْمَعْزِ وَالسَّمَكِ وَطَيْرِ الْمَاءِ وَالشَّاةِ اللَّبُونِ، وَأَمَّا شَاةٌ لَا لَبَنَ فِيهَا فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِهَا، وَلَوْ حَصَلَ فِيهَا لَبَنٌ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَجَوَازِهَا بِالْمَاءِ، وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ وَبِتَوَابِلِ الطَّعَامِ كَالْفُلْفُلِ وَالْمُصْطَكَا عِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُهَا مِنْ تَوَابِعِ الطَّعَامِ لَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ تَوَابِعِهِ كَالْمِلْحِ فَيُمْنَعُ (قَوْلُهُ: مَعَ التَّفَاضُلِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ الْمُؤَجَّرُ بِهِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ وَقَوْلُهُ: وَالْغَرَرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ قَدْرُ مَا أُكْرِيَ بِهِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَيْضًا قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ الْمُسْتَأْجَرُ بِهِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ (قَوْلُهُ: وَالْمُزَابَنَةِ) أَيْ حَيْثُ بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعْلُومًا وَهُوَ الْأَرْضُ بِمَجْهُولٍ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ) أَيْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَنْبَتَ، وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ كَالْقَمْحِ، وَمَا مَاثَلَهُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْبِرْسِيمِ وَكَالْقُطْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ بَلْ شَأْنُهُ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهِ وَذَلِكَ كَالْحَلْفَاءِ وَالْحَشِيشِ خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ فِيهِ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا لِلدَّوَابِّ وَكَسَمَرِ حَصِيرٍ، وَلَوْ اسْتُنِبْتَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ مِثْلُهُ مِثْلُ الْحَشِيشِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي جَوَازِ الْكِرَاءِ بِهِ، وَلَوْ اسْتُنِبْتَ (قَوْلُهُ: كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ) الْمُرَادُ بِهِمَا شَعْرُهُمَا، وَأَمَّا ثِيَابُهُمَا فَجَائِزٌ كَمَا فِي ح وَمُقْتَضَى آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْغَزْلِ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ هَيِّنَ الصَّنْعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعُودُ. اهـ عبق.
(قَوْلُهُ: إلَّا كَخَشَبٍ) رُبَّمَا أَدْخَلَتْ الْكَافُ جَوَازَ كِرَائِهَا بِشَجَرٍ لَيْسَ بِهِ ثَمَرٌ أَوْ بِهِ، وَهُوَ مُؤَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِرَبِّهَا لَا بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَا يَطُولُ مُكْثُهُ فِيهَا) هَذَا يَتَنَاوَلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالرَّصَاصَ وَالنُّحَاسَ وَالْكِبْرِيتَ وَالْمَغْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ سَائِرِ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تَنْبُتَ بِنَفْسِهَا فِي الْأَرْضِ وَيَطُولَ مُكْثُهَا فِيهَا
(قَوْلُهُ: لِبَلَدٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ فَأَجْرُ مِثْلِهِ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقِيلَ نِصْفُهُ لِلْحَمَّالِ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّذِي حَمَلَ مِنْهُ، وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي دَبْغِ الْجُلُودِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إذْ فَرَغَ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: لِعُرْفٍ) أَيْ أَوْ يَشْتَرِطَ قَبْضَهُ أَيْ، وَأَمَّا قَبْضُهُ بِالْفِعْلِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا عُرْفَ، وَلَا شَرْطَ فَلَا يَكْفِي فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَسَدَتْ) أَيْ، وَإِلَّا يَحْصُلُ تَعْجِيلٌ فَسَدَتْ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيلٌ بِالْفِعْلِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَسَدَتْ أَيْ، وَلَوْ حَصَلَ تَعْجِيلٌ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَيُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّعْجِيلَ (قَوْلُهُ: فَفَاسِدَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِلْزَامِ، وَلَوْ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جَازَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَمْرًا فَكَأَنَّهُ مَا عَقَدَ إلَّا عَلَيْهِ إذْ عَقْدُ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ.
وَأَمَّا دَفْعُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأُجْرَةِ لِيُسْرِعَ لَهُ بِالْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا فِي ح. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاحْتِطَابٍ، وَلَا غَيْرِهِ) بَلْ، وَلَوْ قَيَّدَ إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِبُ أَنَّ مَا هُنَا أُرِيدَ بِهِ قِسْمَةُ الْأَثْمَانِ، وَمَا يَأْتِي أُرِيدَ بِهِ قِسْمَةُ نَفْسِ الْحَطَبِ لَا أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ كَمَا نَقَلَهُ بْن عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: فَمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ) أَيْ فَمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِ الْمَحْمُولِ كَالْحَطَبِ وَالْمَاءِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أُجْرَةٍ أَيْ أُجْرَةِ
وَكَذَا فِي دَارِي أَوْ حَمَّامِي أَوْ سَفِينَتِي وَنَحْوِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْمَلْ فَإِنْ عَمِلَ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا حَصَلَ مِنْ عَمَلِهِ (لِلْعَامِلِ) وَحْدَهُ (وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا لِرَبِّهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ عَلَيْهَا فَأَكْرَاهَا عَلَى الْأَرْجَحِ أَوْ قَالَ لَهُ أَكْرِهَا، وَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ فَعَمِلَ عَلَيْهَا (عَكْسُ) خُذْهَا (لِتُكْرِيَهَا) ، وَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ فَأَكْرَاهَا فَمَا حَصَلَ فَلِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا الْأَجْرُ فِيهَا لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا وَالرَّابِعَةُ بِالْعَكْسِ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ فِيهَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا.
(وَكَبَيْعِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ (نِصْفًا) لِكَثَوْبٍ بِدِينَارٍ يَدْفَعُهُ الْأَجِيرُ لِرَبِّهِ (بِأَنْ) أَيْ عَلَى أَنْ (يَبِيعَ) لَهُ (نِصْفًا) ثَانِيًا أَيْ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ بِدِينَارٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ فَصَارَ ثَمَنُ النِّصْفِ الْمَبِيعِ لِلسِّمْسَارِ مَجْمُوعَ الدِّينَارِ وَالسَّمْسَرَةِ عَلَى بَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي إنْ أَبْهَمَ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ أَوْ عَيَّنَ غَيْرَ بَلَدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (إلَّا بِالْبَلَدِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْبَيْعِ بِالْبَلَدِ الَّذِي هُمَا بِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَبْضِ نَصِيبِهِ مِنْ الْآنَ وَيُلْحَقُ بِهِ بَلَدٌ قَرِيبٌ يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ لَهُ وَلِلْجَوَازِ شَرْطَانِ زِيَادَةً عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْبَلَدِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (إنْ أَجَّلَا) أَيْ ضَرَبَا لِبَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي أَجَلًا لِيَكُونَ إجَارَةً مَحْضَةً، وَهِيَ تُجَامِعُ الْبَيْعِ فَيَخْرُجَانِ عَنْ بَيْعٍ وَجُعْلٍ (وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ) أَيْ ثَمَنُ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ السَّمْسَرَةُ عَلَى بَيْعِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَهُوَ النِّصْفُ الْمَدْفُوعُ لِلسِّمْسَارِ (مِثْلِيًّا) وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمُثَمَّنِ أَوْ الْمَبِيعِ نَعَمْ التَّعْبِيرُ بِمَا ذَكَرَ أَوْضَحُ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ تَارَةً إجَارَةً وَسَلَفًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ إجَارَتَهُ، وَهِيَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيَصِيرُ سَلَفًا إنْ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمَحْمُولِ كَآدَمِيٍّ يَرْكَبُهَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي دَارِي أَوْ حَمَّامِي أَوْ سَفِينَتِي) تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ عبق قَالَ بْن، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ السَّفِينَةَ وَالدَّارَ وَالْحَمَّامَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَكْسِ أَعْنِي لِتُكْرِيَهَا كَمَا فِي ح قَالَ عِيَاضٌ مَا لَا يَذْهَبُ بِهِ، وَلَا عَمَلَ لَهُ كَالرَّبَّاعِ فَهُوَ فِيهَا أَجِيرٌ وَالْكَسْبُ لِرَبِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهَا اعْمَلْ، وَأَجِّرْ وَأَكْرِ وَنَقَلَ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَقَرَّهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ كَأَنَّهُ اكْتَرَى ذَلِكَ كِرَاءً فَاسِدًا ابْنُ يُونُسَ، وَلَوْ عَمِلَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا كَانَ مُطَالَبًا بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ إنْ عَاقَهُ عَنْ الْعَمَلِ عَائِقٌ وَعَرَفَ ذَلِكَ الْعَائِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي، وَمَا عَمِلْت بِهِ فَلَكَ نِصْفُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ دَابَّتِي أَكْرِهَا، وَلَك نِصْفُ كِرَائِهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يُكْرِيَهَا لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَكُلُّهَا فَاسِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعَةُ بِالْعَكْسِ) أَيْ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ الْأَجْرِ فَهُوَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوْلِيَةِ الْعَقْدِ فَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيُكْرِيَهَا، وَلَهُ نِصْفُ الْكِرَاءِ فَأَكْرَاهَا لِمَنْ يُسَافِرُ عَلَيْهَا وَسَافَرَ مَعَهَا لِيَسُوقَهَا كَانَ لَهُ أُجْرَةُ سَوْقِهِ وَتَوَلِّيهِ لِعَقْدِ الْكِرَاءِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ لِرَبِّهَا كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ (قَوْلُهُ: وَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ لِرَبِّهَا أُجْرَتُهَا وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْعَامِلِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ نِصْفًا) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] وَقَصَدَ بِذَلِكَ الْجَوَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَهُ نِصْفًا بِسَبَبِ بَيْعِهِ النِّصْفَ الثَّانِيَ أَيْ أَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ النِّصْفِ سَمْسَرَتَهُ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إجَارَةٌ إنْ أَجَّلَ وَجُعْلٌ إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ، وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزَةٌ فَكَيْفَ يَجْعَلُهَا الْمُصَنِّفُ مَمْنُوعَةً وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ الْجَوَازَ بِقَوْلِهِ إنْ أَجَّلَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالتَّأْجِيلِ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْعَقْدِ جَعَالَةً؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُفْسِدُهَا، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاكْتَفَى فِيهَا بِالتَّعْيِينِ بِالْعَمَلِ فَشَرْطُهُ التَّأْجِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مَسْأَلَةُ اجْتِمَاعِ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ لَا إجَارَةٍ فَقَطْ، وَلَا جَعَالَةٍ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَيَّنَ غَيْرَ بَلَدِ الْعَقْدِ) أَيْ أَوْ عَيَّنَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ غَيْرَ بَلَدِ الْعَقْدِ، وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِ الْعَقْدِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ إلَخْ) هَذَا عِلَّةُ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَبْضِ نَصِيبِهِ مِنْ الْآنَ) أَيْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِ رَبِّهِ (قَوْلُهُ: إنْ أَجَّلَا) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ بَعِيدًا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ فَإِنْ بَاعَ النِّصْفَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ الَّتِي هِيَ بَعْضُ نِصْفِ السِّلْعَةِ الَّتِي فِي مُقَابَلَةِ السَّمْسَرَةِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ السَّمْسَرَةِ، وَهُوَ إجَارَةٌ، وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَبِعْ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ مَجْعُولٌ عَلَى السَّمْسَرَةِ لَا عَلَى الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ ثَمَنَ الْعَمَلِ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمُثَمَّنِ وَبِالْمَبِيعِ أَيْ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السِّلْعَةِ مُثَمَّنٌ وَثَمَنُهُ الْعَمَلُ وَالدِّينَارُ، وَمَبِيعٌ بِالْعَمَلِ وَالدِّينَارِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا)