المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الردة وأحكامها) - الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي - جـ ٤

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالْحَمَّامِ

- ‌[أَرْكَان الْإِجَارَة]

- ‌[عَقْدِ الْإِجَارَة عَلَى دَابَّة بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِب عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيهِ كِرَاءَ الدَّوَابِّ]

- ‌[فَصْل كِرَاءَ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْأَرْض]

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْجَعَالَةِ]

- ‌[بَاب مَوَاتَ الْأَرْضِ وَإِحْيَاءَهَا]

- ‌(بَابٌ) فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ

- ‌(بَابٌ) (الْهِبَةُ)

- ‌[بَابٌ فِي اللُّقَطَةِ]

- ‌[أَحْكَام الِالْتِقَاط]

- ‌(بَابٌ) فِي الْقَضَاءِ وَأَحْكَامِهِ

- ‌بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

- ‌[مَرَاتِب الشَّهَادَة]

- ‌ شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَأَرْكَانه]

- ‌(بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ)

- ‌(بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌[بَابٌ حَدّ الزِّنَا وَأَحْكَامه]

- ‌(بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْقَذْفِ)

- ‌[بَابٌ أَحْكَام السَّرِقَةِ]

- ‌(بَابٌ) فِي الْحِرَابَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ

- ‌[بَابٌ حَدّ الشَّارِبِ]

- ‌[بَابٌ أَحْكَامَ الْعِتْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌(بَابٌ فِي التَّدْبِيرِ وَأَحْكَامِهِ

- ‌{بَابٌ} فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ

- ‌(بَابٌ) فِي أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَلَاءِ)

- ‌(بَابٌ ذُكَرِ فِيهِ أَحْكَامُ الْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا)

- ‌ مُبْطِلَاتِ الْوَصِيَّةِ

- ‌(بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ)

- ‌ الْعَوْلِ

- ‌ الْمُنَاسَخَةِ

- ‌ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ

الفصل: ‌(باب في الردة وأحكامها)

[دَرْسٌ]

(بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

(الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) الْمُتَقَرَّرِ إسْلَامُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا وَيَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ (بِصَرِيحٍ) مِنْ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ أُشْرِكُ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ (أَوْ لَفْظٍ) أَيْ قَوْلٍ (يَقْتَضِيهِ) كَقَوْلِهِ اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ وَكَجَحْدِهِ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا (أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَسْتَلْزِمُهُ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ كَلِمَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ تَرْكُهُ بِهِ أَيْ عَدَمُ رَفْعِهِ إنْ وَجَدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ فَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ التَّرْكَ إذْ هُوَ فِعْلٌ نَفْسِيٌّ وَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَسْمَاءُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحَرْقُ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ فَلَا ضَرَرَ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا (وَشَدِّ زُنَّارٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ حِزَامٌ ذُو خُيُوطٍ مُلَوَّنَةٍ يَشُدُّ بِهِ الذِّمِّيُّ وَسَطَهُ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصُّ بِهِ أَيْ إذَا فَعَلَهُ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ وَأَمَّا إنْ لَبِسَهُ لَعِبًا فَحَرَامٌ

ــ

[حاشية الدسوقي]

[بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا]

(قَوْلُهُ: الْمُتَقَرَّرِ إسْلَامُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَقَرَّرُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا، وَلَوْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الدَّعَائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِي تَقَرُّرِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ وَالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَمَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّعَائِمِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَحِينَئِذٍ فَيُؤَدَّبُ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحِ إلَخْ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مُسْتَأْنَفٍ أَيْ وَيَكُونُ بِصَرِيحِ إلَخْ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الشَّكَّ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَبَقَائِهِ مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشَّكَّ إمَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ قِدَمِ الْعَالَمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ عَطْفًا عَلَى إلْقَاءِ مُصْحَفٍ.

(قَوْلُهُ: بِصَرِيحٍ) أَيْ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ فِي الْكُفْرِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ) أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ أَيْ يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّلَالَةُ الْتِزَامِيَّةً كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ فَإِنَّ تَحَيُّزَهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ لِافْتِقَارِهِ لِلْحَيِّزِ، وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ تَضَمُّنِيَّةٌ كَمَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُرَكَّبٌ مِنْ كُفْرٍ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ زَيْدٌ خداي إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْإِلَهِ الْمَعْبُودِ بِحَقِّ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّعْمِيمِ عَبَّرَ بِيَقْتَضِيهِ دُونَ يَتَضَمَّنُهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ الْعُزَيْرُ أَوْ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) إسْنَادُ التَّضَمُّنِ لِلْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الِالْتِزَامُ لَا حَقِيقَةُ التَّضَمُّنِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْتَلْزِمُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى اللَّازِمِ الْخَفِيِّ.

(قَوْلُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) أَيْ فِيمَا يُسْتَقْذَرُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْإِلْقَاءُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا بِهِ فَإِذَا سَرَقَ مُصْحَفًا وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ بَقَائِهِ عِنْدَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْقَذَرِ فَيَكْفُرُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ خَوْفُهُ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا بِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ) أَيْ بِالْقَذَرِ وَلَوْ طَاهِرًا وَهَذَا مِنْ أَنَّ تَلْطِيخَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوْ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رِدَّةً، إلَّا إذَا كَانَ التَّلْطِيخُ بِالنَّجَاسَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَلْطِيخَ الْمُصْحَفِ بِالْقَذِرِ وَلَوْ طَاهِرًا رِدَّةٌ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَمَّا إنْ بَلَّ أَصَابِعَهُ بِرِيقِهِ بِقَصْدِ قَلْبِ أَوْرَاقِهِ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَجَاسَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّحْقِيرَ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلْكُفْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَمِثْلُ هَذَا مَنْ رَأَى وَرَقَةٌ مَكْتُوبَةٌ مَطْرُوحَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ لِتُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً كَمَا قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَمِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَذَرِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً تَرَكَهُ أَيْ الْمُصْحَفَ بِهِ أَيْ بِالْقَذَرِ (قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَهُ بِهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ وَلَوْ عَلَى الْجُنُبِ رَفْعُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْقُرْآنِ) أَيْ مِثْلُ إلْقَاءِ الْقُرْآنِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً إلْقَاءُ أَسْمَاءِ اللَّهِ إلَخْ وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهَا بِأَنْ يُلْقِيَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا اسْمُ نَبِيٍّ لَا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ: وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ عليه الصلاة والسلام لَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ حَرَقَهُ لِأَجْلِ مَرِيضٍ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ كَمَا فِي المج.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصُّ بِهِ) أَيْ فَيَشْمَلُ بُرْنِيطَةَ النَّصْرَانِيِّ وَطُرْطُورَ الْيَهُودِيِّ.

(قَوْلُهُ: إذَا فَعَلَهُ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ) أَيْ سَوَاءٌ سَعَى بِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا أَمْ لَا سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي بِلَادِهِمْ فَالْمَدَارُ فِي الرِّدَّةِ عَلَى فِعْلِهِ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ كَمَا فِي بْن عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالسَّعْيِ بِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَبِفِعْلِهِ

ص: 301

وَلَيْسَ بِكُفْرٍ (وَسِحْرٍ) عَرَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْإِمَامِ رضي الله عنه إنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ ظَاهِرٌ فِي الْغَايَةِ إذْ تَعْظِيمُ الشَّيَاطِينِ وَنِسْبَةُ الْكَائِنَاتِ إلَيْهَا لَا يَسْتَطِيعُ عَاقِلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَأَمَّا إبْطَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى إبْطَالِهِ حِينَئِذٍ، وَالسِّحْرُ يَقَعُ بِهِ تَغْيِيرُ أَحْوَالٍ وَصِفَاتٍ وَقَلْبُ حَقَائِقَ، فَإِنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ بِآيَاتٍ قُرْآنِيَّةٍ أَوْ أَسْمَاءٍ إلَهِيَّةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ إنْ أَدَّى إلَى عَدَاوَةٍ أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَفِيهِ الْأَدَبُ وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِ السَّاحِرِ، فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ قُتِلَ وَمَالُهُ فَيْءٌ مَا لَمْ يَتُبْ، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّهُ قُتِلَ مُطْلَقًا كَالزِّنْدِيقِ كَمَا يَأْتِي (وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ) وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ أَوْ أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ تَعَالَى عِلَّةٌ فِيهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ (أَوْ بَقَائِهِ) ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَادِثٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى شَكِّهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ (أَوْ) قَوْلٍ (بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ مَاتَ فَإِنَّ رُوحَهُ تَنْتَقِلُ إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ إنْ كَانَتْ مِنْ مُطِيعٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ انْتَقَلَتْ إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَدْنَى كَكَلْبٍ أَوْ هِرٍّ وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَقِيلَ إلَى أَنْ تَصِلَ الْأُولَى إلَى الْجَنَّةِ وَالثَّانِيَةُ إلَى النَّارِ فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ وَمَا ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ مِنْ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهَا (أَوْ) بِقَوْلِهِ (فِي كُلِّ جِنْسٍ) مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ أَيْ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ وَالدُّودُ (نَذِيرٌ) أَيْ نَبِيٌّ يُنْذِرُهُمْ فَيَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ أَجْنَاسَ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا

ــ

[حاشية الدسوقي]

فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كعبق.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِكُفْرٍ) أَيْ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَأَسِيرٍ عِنْدَهُمْ يَضْطَرُّ إلَى اسْتِعْمَالِ ثِيَابِهِمْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الرِّدَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ.

(قَوْلُهُ: وَسِحْرٍ) أَيْ وَمُبَاشَرَةِ سِحْرٍ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ جِهَةِ تَعَلُّمِهِ أَوْ تَعْلِيمِهِ أَوْ عَمَلِهِ.

(قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْغَايَةِ) أَيْ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ خِلَافًا لِاسْتِشْكَالِ عبق لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ إبْطَالُهُ بِسِحْرٍ بَلْ بِآيَاتٍ أَوْ دَعَوَاتٍ نَبَوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى إبْطَالِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ سِحْرٍ (قَوْلُهُ: تَغْيِيرُ أَحْوَالٍ) أَيْ كَتَغْيِيرِ حَالِ الشَّخْصِ مِنْ الصِّحَّةِ لِلْمَرَضِ (قَوْلُهُ: وَقَلْبُ حَقَائِقَ) أَيْ كَقَلْبِ الْإِنْسَانِ حِمَارًا أَوْ تِمْسَاحًا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ.

(قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ، وَإِنْ حَصَلَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالسِّحْرِ.

(قَوْلُهُ: إنْ أَدَّى إلَى عَدَاوَةٍ) أَيْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الصَّدِيقَيْنِ مَثَلًا وَفُرْقَةٍ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ) أَيْ كَتَسْلِيطِ حُمَّى أَوْ رَمَدٍ أَوْ ضَارِبٍ أَوْ رَبْطِ زَوْجٍ عَنْ زَوْجَتِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مَالٍ) أَيْ كَتَسْلِيطِ رَجْمٍ عَلَى الْبَيْتِ بِكَسْرِ أَوَانِيهِ مَثَلًا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ أَدَّى لِعَدَاوَةٍ إلَخْ أَنَّهُ إنْ أَدَّى لِعَطْفٍ وَمَحَبَّةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتُبْ) أَيْ فَإِنْ تَابَ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا يُؤْخَذُ مَالُهُ (قَوْلُهُ: كَالزِّنْدِيقِ) أَيْ فَإِنَّهُ تُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ أَوْ بِالزَّمَانِ كَمَا يَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِدَمَ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ قِسْمَانِ قِدَمٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَهَذَا لَا يَكُونُ، إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَقِدَمٌ زَمَانِيٌّ وَهُوَ عَدَمُ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ كَانَ هُنَاكَ اسْتِنَادٌ لِمُؤَثِّرٍ أَمْ لَا، فَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْمَوْلَى عِنْدَهُمْ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ وَالزَّمَانِ وَالْأَفْلَاكُ وَالْعَنَاصِرُ وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْمَعَادِنِ قَدِيمَةٌ بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُمْ غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ بِالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْوَاجِبِ أَثَّرَتْ فِيهَا بِالْعِلَّةِ فَلَا أَوَّلَ لَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ قِدَمَ الْعَالَمِ وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ أَيْ أَصْلًا إنْ كَانَ الْقِدَمُ ذَاتِيًّا وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنْ إلَخْ أَيْ أَوْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ صَانِعُهُ عِلَّةٌ فِيهِ أَيْ إنْ كَانَ الْقِدَمُ زَمَانِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ قِدَمًا زَمَانِيًّا، يَقُولُونَ: إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ عِلَّةٌ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ بِالْعِلَّةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ فَيَجِبُ وُجُودُ مَعْلُولِهِ مَعَ وُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَقَائِهِ) أَيْ أَوْ قَوْلٍ بِبَقَائِهِ وَأَنَّهُ لَا يَفْنَى كَمَا تَقُولُ الدَّهْرِيَّةُ وَإِنَّمَا عَطْفُ بَقَائِهِ بِأَوْ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ الْقِدَمُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ مُلَاحَظَتِهِ لِلْآخَرِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقِدَمُ مُسْتَلْزِمًا لِلْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَكُلُّ مَا اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَجَبَ بَقَاؤُهُ وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْقِدَمَ إذْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ بَاقِيَتَانِ مَعَ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْ مَاتَ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ) أَيْ فَيَسْتَوْفِي الرُّوحَ جَزَاءَهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فِي الْقَالِبِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَلَا حَشْرَ وَلَا نَشْرَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ فِي مَعْنَى تَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ تَصِلَ الْأُولَى) أَيْ رُوحُ الْمُطِيعِ أَيْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهَا لِمُمَاثِلٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ لِلْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ أَيْ رُوحُ الْعَاصِي تَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهَا لِمُمَاثِلٍ أَوْ أَدْنَى وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى النَّارِ وَقَوْلُهُ:

ص: 302

مُكَلَّفَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَإِلَى أَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِأَوْصَافِهِمْ الذَّمِيمَةِ وَفِيهِ ازْدِرَاءٌ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ (أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ عليه السلام) كَدَعْوَى مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا (أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ) أَيْ قَالَ بِجَوَازِهَا وَكُفْرُهُ ظَاهِرٌ (أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ وُقُوعِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَوْ)(ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ) بِجَسَدِهِ (لِلسَّمَاءِ) أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا (أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (يُعَانِقُ الْحُورَ) الْعِينِ يَقَظَةً فَكُفْرٌ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءُ الْجَنَّةِ فَلَا يَظْهَرْنَ فِي الدُّنْيَا إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ (أَوْ)(اسْتَحَلَّ) حَرَامًا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ أَوْ جَحْدِ حِلِّ مُجْمَعٍ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ وُجُوبِ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً فَلَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ فَخَرَجَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ إعْطَاءِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الْبِنْتِ وَمَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ قُرْآنٍ أَوْ نَبِيٍّ كَإِنْكَارِ قَتْلِ عُثْمَانَ أَوْ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَوْ وُجُودِ بَغْدَادَ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ فِرْعَوْنُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ.

(لَا) يَكْفُرُ (دَاعِيًا عَلَى غَيْرِهِ بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا)(عَلَى الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ مِنْ الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الشَّتْمِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

فَهُمْ أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ أَيْ وَلَا يُنْكِرُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ الْجُسْمَانِيَّ وَيُثْبِتُ الرُّوحَانِيَّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَهِيَ طَرِيقَةُ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ مِنْ أَصْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ رُوحَانِيًّا أَوْ جُسْمَانِيًّا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ) أَيْ أَنَّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنْ تُوصَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا فِي اللَّازِمِ غَيْرُ الْبَيِّنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ هُنَا بَيِّنٌ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: مَعَ نُبُوَّتِهِ) مَعَ بِمَعْنَى فِي أَوْ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا أَيْ ادَّعَى شَرِيكًا مُصَاحِبًا لِنُبُوَّتِهِ (قَوْلُهُ: كَدَعْوَى مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ) أَيْ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمَا بِمَثَابَةِ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا أَيْ ادَّعَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَبِيٌّ مُسْتَقِلٌّ جَمَعَهُمَا زَمَنٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: أَيْ قَالَ بِجَوَازِهَا) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ عَطْفٌ عَلَى بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ وَمِثْلُ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْمُحَارَبَةِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً اعْتِقَادُ جَوَازِهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) أَيْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ جَوَازَ اكْتِسَابِهَا بِالْبُلُوغِ لِمَرْتَبَتِهَا بِصَفَاءِ الْقَلْبِ بِالْمُجَاهَدَاتِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِانْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تُكْتَسَبُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَإِنَّهَا قَدْ تَحْصُلُ بِالْكَسْبِ وَقَدْ تَكُونُ وَهْبِيَّةً كَذَا قَالَ عج وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ الْوِلَايَةُ لَا تُكْتَسَبُ بِحَالٍ كَالنُّبُوَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ) أَيْ وَكَذَا إذَا ادَّعَى مُجَالَسَةَ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى أَوْ مُكَالَمَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا فِي الشِّفَاءِ وَهَذَا إذَا أَرَادَ بِالْمُكَالَمَةِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ الْمُجَالَسَةُ لَا الْمُكَالَمَةُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ مِنْ إلْقَاءِ النُّورِ فِي قُلُوبِهِمْ وَإِلْهَامِهِمْ سِرًّا لَا يَخْرُجُ عَنْ الشَّرْعِ فَدَعْوَى الْمُكَالَمَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الشَّاذِلِيُّ يَقُولُ: قِيلَ لِي كَذَا وَحُدِّثْتُ بِكَذَا أَيْ أُلْهِمْته، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُجَالَسَةِ التَّذَلُّلَ وَالْخُضُوعَ وَمُلَاحَظَةَ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّ.

(قَوْلُهُ: بِجَسَدِهِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى صُعُودَ رُوحِهِ لِلسَّمَاءِ فَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ أَوْ النَّارَ كَمَا بَحَثَهُ الشَّعْرَاوِيُّ.

(قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ) كَأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِكُفْرِ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ الْعَيْنَ لَكِنْ النَّقْلُ مُتَّبَعٌ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ) أَيْ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ حِلَّ كَالشُّرْبِ (قَوْلُهُ: مُجْمَعٍ عَلَى إبَاحَتِهِ) أَيْ كَأَكْلِ الْعِنَبِ وَقَوْلُهُ: مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ كَالزَّكَاةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا) الْأَوْلَى أَمْرًا عُلِمَ إلَخْ لِأَجْلِ الْمُخْرِجَاتِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ بَعْضَهَا حُكْمٌ وَبَعْضَهَا غَيْرُ حُكْمٍ.

(قَوْلُهُ: عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً) أَيْ عُلِمَ ضَرُورَةً حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ أَيْ عُلِمَ عِلْمًا يُشْبِهُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فِي مَعْرِفَةِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ لَهُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الدِّينِ نَظَرِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ لَا ضَرُورِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَضَمَّنُ) أَيْ جَحْدُهُ تَكْذِيبَ قُرْآنٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ وُجُودِ بَغْدَادَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ إذْ لَا يَتَضَمَّنُ جَحْدُهَا تَكْذِيبَ قُرْآنٍ وَلَا نَبِيٍّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فِرْعَوْنَ) أَيْ أَوْ غَزْوَةِ بَدْرٍ أَوْ أُحُدٍ أَوْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ) أَيْ فَوُجُودُ مَا ذُكِرَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّ إنْكَارَهُ يُؤَدِّي لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ لَا يُقَالُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي إنْكَارِ غَيْرِ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ لَا فِيهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ} [التوبة: 40] وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَقُّ أَنَّ إنْكَارَ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ رِدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُجُودِهِ إنْكَارُ صُحْبَتِهِ لُزُومًا بَيِّنًا وَقَدْ عَلِمْت

ص: 303

يَكُونُ كُفْرًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ.

(وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْكُفْرِ وُجُوبًا فَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِقَوْلِ الشَّاهِدِ أَنَّهُ كَفَرَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا كَفَرَ بِهِ بَيَانًا وَاضِحًا لَا إجْمَالَ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ كَفَرَ بِقَوْلِهِ كَذَا أَوْ فِعْلِهِ كَذَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ كُفْرٌ وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ.

(وَاسْتُتِيبَ) الْمُرْتَدُّ وُجُوبًا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا مِنْ يَوْمِ الثُّبُوتِ لَا مِنْ يَوْمِ الْكُفْرِ وَلَا يَوْمِ الرَّفْعِ وَيُلْغَى يَوْمُ الثُّبُوتِ إنْ سَبَقَ بِالْفَجْرِ (بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ) بَلْ يُطْعَمُ وَيُسْقَى مِنْ مَالِهِ وَلَا يُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُوقَفُ فَيَكُونُ مُعْسِرًا بِرِدَّتِهِ (وَ) بِلَا (مُعَاقَبَةٍ) بِكَضَرْبٍ (وَإِنْ لَمْ يَتُبْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعِدْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ (فَإِنْ تَابَ) تُرِكَ (وَإِلَّا) يَتُبْ (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ وَلَا يُتْرَكُ بِجِزْيَةٍ وَلَا يُسْتَرَقُّ (وَاسْتُبْرِئَتْ) ذَاتُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ (بِحَيْضَةٍ) قَبْلَ قَتْلِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَإِنْ حَاضَتْ أَيَّامَ الِاسْتِتَابَةِ اُنْتُظِرَ تَمَامُهَا فَيُنْتَظَرُ أَقْضَى الْأَجَلَيْنِ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أُخِّرَتْ حَتَّى تَضَعَ إنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا وَقَبِلَهَا الْوَلَدُ وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِتَمَامِ رَضَاعِهِ.

(وَمَالُ الْعَبْدِ) وَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا (لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا) يَكُنْ عَبْدًا بِأَنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ حُرًّا وَقُتِلَ بِرِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا قَبْلَ الْقَتْلِ (فَفَيْءٌ) مَحِلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ لِدِينِ وَارِثِهِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَنَّ قَوْلَهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ فِي اللَّازِمِ غَيْرُ الْبَيِّنِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا

(قَوْلُهُ: يَكُونُ كُفْرًا) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ لِرِضَاهُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِكُفْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ الْبِسَاطِيِّ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْعَلَمِيُّ أَنَّ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ كَدُعَائِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي المج لِارْتِضَائِهِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا دَعَا عَلَى نَفْسِهِ فِي غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفُرْ قَطْعًا كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ

(قَوْلُهُ: وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِكُفْرِ شَخْصٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَصِّلَ وَيُبَيِّنَ الْوَجْهَ الَّذِي كَفَرَ بِهِ وَلَا يُجْمِلْهُ بِأَنْ يَقُولَ كَفَرَ بِقَوْلِهِ كَذَا أَوْ بِفِعْلِهِ كَذَا فَقَوْلُهُ: وَفُصِّلَتْ أَيْ وُجُوبًا صَوْنًا لِلدِّمَاءِ

(قَوْلُهُ: وَاسْتُتِيبَ الْمُرْتَدُّ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ اسْتِتَابَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَتُوبُوا فِيهِ فَكَوْنُ أَيَّامِ الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةً وَاجِبٌ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ قَبْلَهَا مَضَى لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ كُلَّ يَوْمٍ يَطْلُبُ مِنْهُ التَّوْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ: مِنْ يَوْمِ الثُّبُوتِ) أَيْ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُلْغَى يَوْمُ الثُّبُوتِ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُلَفَّقُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ احْتِيَاطًا لِعِظَمِ الدِّمَاءِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ الْقَائِلِ: إنَّ يَوْمَ الثُّبُوتِ يَكْمُلُ مِنْ الرَّابِعِ وَلَا يُلْغَى إذَا كَانَ الثُّبُوتُ مَسْبُوقًا بِالْفَجْرِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُوقَفُ) أَيْ لِأَنَّ مَالَهُ يُوقَفُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ أَيْ هَذَا إذَا وَعَدَ بِالتَّوْبَةِ بَلْ وَإِنْ لَمْ يَعِدْ بِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا إذَا تَابَ حَقِيقَةً بَلْ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ تُطْلَبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ تَابَ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ) وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ الْمَنْفِيَّةِ التَّوْبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَابَ) أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ تُرِكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتُبْرِئَتْ ذَاتُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِحَيْضَةٍ) أَيْ إنْ مَضَى لِلْمَاءِ بِبَطْنِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ أَوْ لَمْ يَمْضِ لَهُ أَرْبَعُونَ وَلَكِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمَا، وَإِلَّا لَمْ تُؤَخَّرْ وَهَذَا التَّفْصِيلُ كَمَا يَجْرِي فِي ذَاتِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَلَوْ بَائِنًا كَمَا كَتَبَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ عَنْ شَيْخِهِ ابْن عبق وَكَانَ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ حَيْضَةً؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا تَعَبُّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا بِرِدَّتِهَا صَارَتْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ مَرَّةً، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِضَعْفٍ أَوْ إيَاسٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ اُسْتُبْرِئَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا، إلَّا أَنْ تَحِيضَ أَثْنَاءَهَا فَلَا تَكْمُلُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا قُتِلَتْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ بِأَنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَكَانَ مُدَّةً بَعُدَ عَنْهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ بِحَيْضَةٍ، إلَّا إنْ ادَّعَتْ حَمْلًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ أَوْ شَكُّوا فِيهِ فَتُسْتَبْرَأُ بِهَا (قَوْلُهُ: تَمَامُهَا) أَيْ تَمَامُ أَيَّامِ الِاسْتِتَابَةِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ

(قَوْلُهُ: وَمَالُ الْعَبْدِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ إذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ قِنًّا بَلْ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُبَعَّضٍ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَوْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَهَا فَهَلْ يَنْتَفِعُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي خَلَفَهُ أَبُوهُ فَيَخْرُجُ بِهِ حُرًّا أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَسْعَى فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى خَرَجَ حُرًّا، وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا قَوْلَانِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا قَوْلَانِ (قَوْلُهُ: لِسَيِّدِهِ) أَيْ مِلْكًا لَا إرْثًا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَكُنْ) أَيْ الْمُرْتَدُّ الْمَقْتُولُ أَوْ الْمَيِّتُ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ عَبْدًا.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقَتْلِ) أَيْ فِي زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ.

(قَوْلُهُ: فَفَيْءٌ) أَيْ فَمَالُهُ فَيْءٌ (قَوْلُهُ: مَحِلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) أَيْ وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا ارْتَدَّ لِدِينِهِمْ وَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ

ص: 304

(وَبَقِيَ وَلَدُهُ) الصَّغِيرُ (مُسْلِمًا) وَلَوْ وُلِدَ حَالَ رِدَّةِ أَبِيهِ أَيْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَتْبَعُهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إنْ أَظْهَرَ خِلَافَهُ (كَأَنْ تَرَكَ) وَلَدَهُ أَيْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ وَأَظْهَرَ خِلَافَ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالسَّيْفِ.

(وَأُخِذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ (مَا جَنَى) أَيْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ (عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ) وَكَذَا خَطَأً وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ (أَوْ) مَا جَنَى عَمْدًا عَلَى (ذِمِّيٍّ) لَا خَطَأً فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَبَيْتُ الْمَالِ لَا يَحْمِلُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا فَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ عَمْدًا بِالنِّسْبَةِ لِلذِّمِّيِّ فَقَطْ (لَا) إنْ جَنَى الْمُرْتَدُّ عَمْدًا عَلَى (حُرٍّ مُسْلِمٍ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَوَدُ وَهُوَ يَسْقُطُ بِقَتْلِهِ لِرِدَّتِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَدِيَةُ الْحُرِّ الذِّمِّيِّ إنْ جَنَى عَلَيْهِ عَمْدًا وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (كَأَنْ)(هَرَبَ) الْمُرْتَدُّ (لِدَارِ الْحَرْبِ) بَعْدَ أَنْ قَتَلَ حُرًّا مُسْلِمًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ رَجَعَ قُتِلَ لِرِدَّتِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ قُتِلَ قَوَدًا (إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ) أَيْ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ هَرَبَ لِبَلَدِ الْحَرْبِ أَمْ لَمْ يَهْرُبْ إنْ وَقَعَتْ مِنْهُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قَذَفَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ ثُمَّ أُسِرَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّهُ.

(وَالْخَطَأُ) مُبْتَدَأٌ أَيْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ مِنْ الْمُرْتَدِّ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) خَبَرُهُ (كَأَخْذِهِ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ (جِنَايَةً عَلَيْهِ) مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ فَكَمَا يَغْرَمُ عَنْهُ بِأَخْذِ مَالِهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَلَهُ مَالُهُ (وَإِنْ)(تَابَ) الْمُرْتَدُّ بِالرُّجُوعِ لِلْإِسْلَامِ (فَمَالُهُ) يَرْجِعُ (لَهُ) وَلَوْ عَبْدًا عَلَى الرَّاجِحِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَنَّهُ ارْتَدَّ لِئَلَّا يَرِثَهُ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ كَزَوْجَتِهِ أَوْ عَمِّهِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: وَبَقِيَ إلَخْ) أَيْ وَإِذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَلَدَهُ حَالَ إسْلَامِهِ أَوْ حَالَ رِدَّتِهِ بَقِيَ ذَلِكَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا أَيْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَظْهَرَ خِلَافَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَتْبَعُهُ) أَيْ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ إنَّمَا تَكُونُ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِتَبَعِيَّتِهِ لَهُ فِي الدِّينِ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ تَرَكَ وَلَدَهُ) أَيْ الْمَوْلُودَ لَهُ حَالَ رِدَّتِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ) أَيْ وَأَوْلَى إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَكَانَ مُظْهِرًا لِخِلَافِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالسَّيْفِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وِفَاقًا لِلْجَوَاهِرِ وَخِلَافًا لِقَوْلِ النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ إنْ وُلِدَ لَهُ حَالَ كُفْرِهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يُجْبَرْ بِخِلَافِ مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَيُجْبَرُ

(قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى إلَخْ) أَيْ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْشُ مَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ وَلَا كَافِرٍ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَفِي قَتْلِهِ بِهِمَا اضْطِرَابٌ اهـ بْن.

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ الْحُرَّ إذَا جَنَى عَلَى غَيْرِهِ وَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَتِلْكَ الْجِنَايَةُ إمَّا فِي مَالِهِ وَإِمَّا هَدَرٌ وَإِمَّا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ جَنَى عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى عَبْدٍ زَمَنَ رِدَّتِهِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَمْدًا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ لِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَوَدُ وَهُوَ يَسْقُطُ بِقَتْلِهِ لِرِدَّتِهِ وَأَمَّا لَوْ جَنَى خَطَأً عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ كَانَتْ دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى عَبْدٍ) أَيْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الذِّمِّيِّ وَفِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ.

(قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلذِّمِّيِّ) أَيْ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخَّرَ قَوْلُهُ: عَمْدًا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَوَدُ إلَخْ) فَلَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ الْجَانِي عَمْدًا عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا فِي بْن (قَوْلُهُ: كَأَنْ هَرَبَ الْمُرْتَدُّ لِدَارِ الْحَرْبِ) تَشْبِيهُ فِي عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ قَتَلَ حُرًّا مُسْلِمًا أَيْ وَبَقِيَ فِيهَا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُمْ إنْ عَفَوْا الدِّيَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ هُوَ هَلْ الْقَوَدُ فَقَطْ أَوْ التَّخَيُّرُ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ بْن: إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنَّ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَأَمَّا لَوْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ قَتْلِهِ حُرًّا مُسْلِمًا ثُمَّ أُسِرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ يُقْتَلُ بِرِدَّتِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَإِنْ أَسْلَمَ قُتِلَ قَوَدًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْقَذْفِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِرْيَةِ الْقَذْفُ وَالْفِرْيَةُ فِي الْأَصْلِ الْكَذِبُ سُمِّيَ الْقَذْفُ فِرْيَةً؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عِنْدَ الشَّارِعِ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ حَقًّا فِي نَفْسِهِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا قَذَفَ شَخْصًا فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَدِّهِ لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَمْ لَا، فَإِنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ حُدَّ ثُمَّ قُتِلَ هَذَا إذَا لَمْ يَهْرُبْ لِبَلَدِ الْحَرْبِ بَلْ وَلَوْ هَرَبَ لَهَا ثُمَّ أُسِرَ وَأَمَّا إنْ قَذَفَهُ وَهُوَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ أُسِرَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ) أَيْ لِمَا يَلْحَقُ الْمَقْذُوفَ مِنْ الْمَعَرَّةِ فَيُحَدُّ قَبْلَ قَتْلِهِ وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ ارْتِدَادُ الْمَقْذُوفِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ قَاذِفِهِ كَمَا فِي عج.

(قَوْلُهُ: هَرَبَ لِبَلَدِ الْحَرْبِ أَمْ لَمْ يَهْرُبْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ وَالْمَعْنَى لَا إنْ جَنَى عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، إلَّا حَدُّ الْفِرْيَةِ، وَإِنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، إلَّا حَدُّ الْفِرْيَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ إذَا أُسِرَ

(قَوْلُهُ: وَالْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ.

(قَوْلُهُ: كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ) أَيْ أَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْجَانِي عَبْدًا كَافِرًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِ الدِّمَاءِ وتَقَدَّمَ أَنَّ عَلَى قَاتِلِهِ الْأَدَبَ وَالدِّيَةَ وَهِيَ ثُلُثُ خُمْسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ قَتْلِ الْإِمَامِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ) أَيْ الْحُرُّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ نَزْعُ

ص: 305

مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ فَيُوقَفُ مَالُهُ لِيُنْظَرَ حَالُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ لَهُ (وَقَدَرَ) الْمُرْتَدُّ الْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَالَ رِدَّتِهِ ثُمَّ تَابَ (كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَإِنْ جَنَى حَالَ رِدَّتِهِ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا تَابَ وَخَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ تَابَ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ.

(وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ) لِلْكُفْرِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَيْ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ (بِلَا اسْتِتَابَةٍ) بَعْدِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ (إلَّا أَنْ يَجِئْ) قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (تَائِبًا) فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اطَّلَعْنَا عَلَى مَا كَانَ مَخْفِيًّا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قُبِلَ مِنْهُ (وَمَالُهُ) إنْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا أَوْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا مِنْهُ (لِوَارِثِهِ) ، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُنْكِرْ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ.

(وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ)(أَسْلَمَ) مِنْ الْكُفَّارِ ثُمَّ رَجَعَ (وَقَالَ) عِنْدَ إرَادَتِنَا قَتْلَهُ لِرِدَّتِهِ كُنْت (أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عَذَابٍ (إنْ ظَهَرَ) عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَإِلَّا قُتِلَ (كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى) ثُمَّ أَظْهَرَ الْكُفْرَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مِنْ عَذَابٍ فَيُقْبَلُ عُذْرُهُ إنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ صِدْقِهِ وَإِلَّا قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ (وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَبَدًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ.

(وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ) أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ) أَيْ لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا حِينَ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مَنْ عَلِمَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِهِ كَالذِّمِّيِّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ كَمَا تَقَدَّمَ (كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ) يُؤَدَّبُ (إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) وَإِلَّا قُتِلَ لِنَقْضِ عَهْدِهِ وَلِلْإِمَامِ اسْتِرْقَاقُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ فَيُقْتَلُ إذَا لَمْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

مَالِهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ) هَذَا بَيَانٌ لِلرَّاجِحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلرَّاجِحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ وَأَنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ مَالُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ وَقْفَ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَرْجِعُ لَهُ إذَا تَابَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ يَكُونُ فَيْئًا مُطْلَقًا كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَفَائِدَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ مُطْلَقًا احْتِمَالُ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا رَأَى مَالَهُ مَوْقُوفًا لَعَلَّهُ يَتَوَهَّمُ أَنَّنَا وَقَفْنَاهُ لَهُ فَيَعُودُ لِلْإِسْلَامِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: وَقُدِّرَ الْمُرْتَدُّ الْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَالَ رِدَّتِهِ كَالْمُسْلِمِ) أَيْ كَالْجَانِي الْمُسْلِمِ الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَيْ وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ حَالَ رِدَّتِهِ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا بَلْ مُرْتَدًّا فِيهِ ثُلُثُ خُمْسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ: إذَا تَابَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا فَمَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ جَنَى حَالَ رِدَّتِهِ وَتَابَ وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَمَوْضُوعُهُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ) أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مُنَافِقًا وَيُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ زِنْدِيقًا.

(قَوْلُهُ: بِلَا اسْتِتَابَةٍ) أَيْ بِلَا طَلَبِ تَوْبَةٍ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا) أَيْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ) أَيْ وَلَوْ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَوْبَتِهِ) أَيْ وَكَذَا إذْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِسْرَارِ الْكُفْرِ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ، فَإِنْكَارُهُ لَا يَدْفَعُ قَتْلَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَالُهُ لِوَارِثِهِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ عَنْهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ وَالْتِزَامِهِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) أَيْ ثُمَّ رَجَعْت بَعْدَ زَوَالِ ضِيقِي.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ ذَلِكَ الِاعْتِذَارُ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ تَوَضَّأَ) أَيْ شَخْصٌ كَافِرٌ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَيْ مَأْمُومَ مَنْ قَبِلَ عُذْرَهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَأْمُومَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَحَفِّظٍ عَلَى مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمَهُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَهُ وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا وَمِنْ لَوَازِمِ الْبُطْلَانِ طَلَبُ الْإِعَادَةِ

(قَوْلُهُ: وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ) أَيْ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) هَذَا الْحَلُّ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُوقَفْ أَيْ لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّعَائِمِ حِينَ التَّشَهُّدِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا وَرَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيُؤَدَّبُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ نُطْقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا يُعَدُّ الْتِزَامًا لَهَا كَمَا فِي بْن.

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) أَيْ إنْ سَحَرَ مُسْلِمًا وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْفَاقِهِ مَا لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي قَتْلِهِ، وَإِلَّا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَأَمَّا إنْ سَحَرَ كَافِرًا، فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَلَا أَدَبَ، وَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا أُدِّبَ مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بِسِحْرِهِ وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا قُتِلَ أَيْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِلْإِمَامِ اسْتِرْقَاقُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ أَيْ لِكَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ: فَيُقْتَلُ أَيْ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ

ص: 306

يُسْلِمْ، فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ أُدِّبَ مَا لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا بِسِحْرِهِ وَإِلَّا قُتِلَ.

(وَأَسْقَطَتْ) الرِّدَّةُ (صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً) كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا يُطْلَبُ بِهَا إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهَا سَقَطَ ثَوَابُهَا وَلَا إعَادَةَ إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ وَقْتِهَا (و) أَسْقَطَتْ بِمَعْنَى أَبْطَلَتْ (حَجًّا تَقَدَّمَ) مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا أَسْلَمَ لِبَقَاءِ وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى صَلَاةً فَارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا (وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً وَيَمِينًا بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَكَذَا يَسْقُطُ الظِّهَارُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ ارْتَدَّ وَكَذَا الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ كَإِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَوْ تَوْبَتِهِ (وَ) أَسْقَطَتْ (إحْصَانًا وَوَصِيَّةً) بِمَعْنَى أَبْطَلَتْهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَيُّدَ هَذِهِ الْأُمُورُ بِمَا إذْ الَمْ يَقْصِدْ بِالرِّدَّةِ إسْقَاطَهَا وَإِلَّا لَمْ تُسْقِطْ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

(لَا) تُسْقِطُ الرِّدَّةُ (طَلَاقًا) صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَهَا فَلَا تَحِلُّ مَبْتُوتَةٌ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ زَمَنَ رِدَّتِهِ وَهَذَا مَا لَمْ تَرْتَدَّ مَعَهُ وَإِلَّا حَلَّتْ بَعْدَ إسْلَامِهَا (وَ) لَا تُسْقِطُ (رِدَّةُ مُحَلِّلٍ) إحْلَالَهُ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَلَوْ قَالَ وَإِحْلَالُ مُحَلِّلٍ كَانَ أَوْضَحَ يَعْنِي إذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ لِلْمَبْتُوتَةِ فَرِدَّتُهُ لَا تُبْطِلُ إحْلَالَهُ لَهَا بَلْ إحْلَالُهَا لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُسْتَمِرٌّ فَلَهُ تَزْوِيجُهَا سَوَاءٌ قُتِلَ مُحَلِّلُهَا بِرِدَّتِهِ أَوْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ (بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ) فَإِنَّهَا تُبْطِلُ تَحْلِيلَهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا فَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إذَا أَسْلَمَتْ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِأَنَّهَا أَبْطَلَتْ فِعْلَهَا فِي نَفْسِهَا وَهُوَ نِكَاحُهَا الَّذِي أَحَلَّهَا كَمَا أَبْطَلَتْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ أُدِّبَ) أَيْ كَمَا يُؤَدَّبُ لَوْ سَحَرَ مُسْلِمًا وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا

(قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصَوْمًا وَزَكَاةً) أَيْ أَسْقَطَتْ قَضَاءَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهَا قَبْلَهَا لِعَدَمِ مُطَالَبَتِهِ بِهَا حِينَئِذٍ وَأَسْقَطَتْ ثَوَابَهَا إنْ كَانَ فَعَلَهَا قَبْلَهَا لِبُطْلَانِهَا حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: وَحَجًّا) أَيْ فَرْضًا فَلَوْ ارْتَدَّ فِي إحْرَامِ نَفْلٍ لَأَفْسَدَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إذَا رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَبْطَلَتْ) أَيْ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْإِسْقَاطَ فِي مَعْنَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَفِي مَعْنَى الْإِبْطَالِ وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ الثَّانِي بِالنَّظَرِ لِلْحَجِّ وَالْإِحْصَانِ وَالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَنَذْرًا) أَيْ فَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ ثُمَّ ارْتَدَّ سَقَطَ عَنْهُ النَّذْرُ فَلَا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ.

(قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةً) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ كَفَّارَةَ صَوْمٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ) أَيْ بِأَنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ أَوْ الظِّهَارَ أَوْ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا) أَيْ بِالْمَذْكُورَاتِ مِنْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا فَإِذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالظِّهَارِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَتَسْقُطُ نَفْسُ الْيَمِينِ إنْ كَانَ لَمْ يَحْنَثْ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَكَفَّارَتُهُ إنْ حَنِثَ قَبْلَهَا وَظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى أَمْرٍ وَفَعَلَهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ مُعَيَّنًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ حَمَلَهَا ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِحَمْلِ ابْنِ الْكَاتِبِ لَهَا عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ بِهِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا يَسْقُطُ الظِّهَارُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ تَمْثِيلًا لَلْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُعَلَّقٌ وَهَذَا مُنَجَّزٌ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ كَمَا قَالَ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ وَتَوْبَتِهِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَقَدْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُهُ كَمَا سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَتْ إحْصَانًا) أَيْ فَإِذَا عَقَدَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدًا صَحِيحًا وَوَطِئَهَا وَطْئًا مُبَاحًا ثُمَّ ارْتَدَّ فَقَدْ زَالَ إحْصَانُهُ فَإِذَا زَنَى فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ.

(قَوْلُهُ: وَوَصِيَّةً) أَيْ فَإِذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَلَوْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ كَمَا فِي ح وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَحَلَّ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لَا إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ وَأَقَرَّهُ بْن.

(قَوْلُهُ: أَنْ تُقَيَّدَ هَذِهِ الْأُمُورُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصَوْمًا إلَى هُنَا

(قَوْلُهُ: لَا طَلَاقًا) أَيْ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا عِتْقًا حَصَلَا بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ وَقَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَمِينًا بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَيْ أَوْ بِطَلَاقٍ فَفِيهِ احْتِبَاكٌ لَكِنْ بِتَعْلِيقٍ.

(تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ أَنَّ عِتْقَهُ الصَّادِرَ مِنْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لَا يَبْطُلُ بِهَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ كَانَ تَدْبِيرًا أَوْ مُنَجَّزًا أَوْ مُؤَجَّلًا عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِهِمَا الْهِبَةُ وَالْوَقْفُ إذَا حِيزَا قَبْلَهَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحَوْزُ حَتَّى ارْتَدَّ وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَا وَانْظُرْ لَوْ تَأَخَّرَ الْحَوْزُ بَعْدَهَا وَعَادَ لِلْإِسْلَامِ هَلْ يُحْكَمُ بِالْبُطْلَانِ أَوْ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَحِلُّ مَبْتُوتَةٌ) أَيْ بَتَّهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَمَنَ رِدَّتِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَّتْ بَعْدَ إسْلَامِهَا) وَلَا يُتَوَقَّفُ حِلُّهَا عَلَى نِكَاحِهَا لِزَوْجٍ آخَرَ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ قَالَ لَا تَحِلُّ، إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ عَادَا لِلْإِسْلَامِ وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الطَّلَاقَ نِسْبَةٌ بَيْنَهُمَا فَالزَّوْجُ مُطَلِّقٌ وَالزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةٌ فَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا زَالَ وَصْفُهُ وَبَقِيَ عَلَى الْآخَرِ وَصْفُهُ، فَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا زَالَ وَصْفُهُمَا مَعًا وَبَطَلَ بِالْمَرَّةِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِرِدَّتِهِمَا التَّحْلِيلَ، وَإِلَّا لَمْ تَحِلَّ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ فَتْوَى ابْنِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ تَحْلِيلَهَا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُبْطِلُ وَصْفَ مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا لَا وَصْفَ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَشَأَ عَنْ وَصْفِ مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا فَرِدَّةُ الزَّوْجِ إنَّمَا تُبْطِلُ إحْصَانَهُ لَا إحْصَانَهَا وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ وَرِدَّةُ الْمُحَلِّلِ إنَّمَا تُبْطِلُ وَصْفَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُحَلِّلًا وَلَا تُبْطِلُ وَصْفَهَا وَهُوَ كَوْنُهَا مُحَلَّلَةً بِالْفَتْحِ، وَإِنْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ وَصْفِهِ وَكَذَا الْعَكْسُ.

ص: 307

نِكَاحَهَا الَّذِي أَحْصَنَهَا.

(وَأَقَرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ) أَيْ فَلَا تَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الْكُفْرَ مِلَلٌ وَحَدِيثُ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَحْمُولٌ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ إذْ هُوَ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا (وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ) وَلَوْ بَالِغًا إذَا كَانَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ (بِإِسْلَامِ أَبِيهِ) دُنْيَةً (فَقَطْ) لَا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ (كَأَنْ مَيَّزَ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ أَيْ عَقَلَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَيْ عَقَلَ أَنَّهُ دِينٌ يُتَدَيَّنُ بِهِ وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ جُبِرَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ كَمُرْتَدٍّ بَعْدَ الْبُلُوغِ (إلَّا) الْمُمَيَّزَ (الْمُرَاهِقَ) حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ (وَ) إلَّا غَيْرَ الْمُرَاهِقِ (الْمَتْرُوكَ لَهَا) أَيْ لِلْمُرَاهَقَةِ بِأَنْ غُفِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْمُرَاهَقَةِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ لِإِسْلَامِ أَبِيهِ حَتَّى رَاهَقَ أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغَ كَابْنِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَنَةً فَلَا يُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِإِسْلَامِهِ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِهِ (فَلَا يُجْبَرُ) عَلَى الْإِسْلَامِ (بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ) مِنْهُ بَلْ بِالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْمُمَيِّزِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يُتْرَكْ حِينَ رَاهَقَ مُمَيِّزًا وَلَمْ يَكُنْ الْمُمَيِّزُ مُرَاهِقًا حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْقَتْلِ (وَ) إنْ مَاتَ أَبُو الْمُرَاهِقِ أَوْ الْمَتْرُوكِ لَهَا الَّذِي أَسْلَمَ (وُقِفَ إرْثُهُ) ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَمْ يَرِثْهُ وَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ.

(وَ) حُكِمَ بِإِسْلَامِ مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ (لِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ) الْمَجُوسِيُّ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فِي السَّبْيِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ بَلْ يُجْبَرُ أَبُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَجُوسِيٌّ كَبِيرٌ يُجْبَرُ عَلَى الرَّاجِحِ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ فِي الْجَنَائِزِ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ وَلَوْ نَوَى بِهِ سَابِيهِ الْإِسْلَامَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْكِتَابِيِّ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا الْكِتَابِيُّ الْكَبِيرُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: وَأَقَرَّ كَافِرٌ) أَيْ بِكُفْرٍ خَاصٍّ كَالْيَهُودِيَّةِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: انْتَقَلَ أَيْ عَلَانِيَةً أَوْ سِرًّا وَقَوْلُهُ: لِكُفْرٍ آخَرَ أَيْ كَالنَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ لِمَذْهَبِ الْمُعَطِّلَةِ أَوْ الدَّهْرِيَّةِ وَلَا مَفْهُومَ لِكُفْرٍ آخَرَ بَلْ لَوْ انْتَقَلَ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُقِرُّ بِالْأُولَى، فَالْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ وَمَفْهُومُ كَافِرٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ إذَا انْتَقَلَ لِلْكُفْرِ (قَوْلُهُ: وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُغْفَلْ عَنْهُ حَتَّى رَاهَقَ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ مَيَّزَ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ غَيْرُ مُمَيِّزٍ أَوْ مُمَيِّزٍ وَلَمْ يُرَاهِقْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ وَغُفِلَ عَنْ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ حَتَّى رَاهَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِالْقَتْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ بَلْ يُجْبَرُ بِغَيْرِهِ كَالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ) أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ جُنُونُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ إسْلَامُ ذَلِكَ الْأَبِ طَارِئًا.

(قَوْلُهُ: بِإِسْلَامِ أَبِيهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَأَمَّا الْبَاءُ الْأُولَى فَهِيَ لِلتَّعْدِيَةِ وَكِلَاهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَرْفَا جَرٍّ مُتَّحِدَا اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ مَيَّزَ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ غَيْرِ شَرْطٍ وَلِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَقَلَ أَنَّهُ دِينٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْقُرْبَةَ وَالْمَعْصِيَةَ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْمُرَاهِقُ) أَيْ الْمُقَارِبُ لِلْبُلُوغِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لِأَجْلِ إسْلَامِ أَبِيهِ كَالْمُرَاهِقِ حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) أَيْ بِإِسْلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُجْبَرُ إلَخْ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْمُمَيِّزِ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ كَأَنْ مَيَّزَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ أَوْ غَيْرُ مُرَاهِقٍ وَغُفِلَ عَنْ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ حَتَّى رَاهَقَ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْأَبُ الَّذِي أَسْلَمَ فَإِنَّ إرْثَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمُرَاهِقِ وَمَنْ تُرِكَ لِلْمُرَاهَقَةِ مِنْ أَبِيهِ يُوقَفُ لِبُلُوغِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْهُ وَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ أَلْغَوْا إسْلَامَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ هُنَا وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ الْمَتْرُوكِ لَهَا) أَيْ لِلْمُرَاهَقَةِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي أَسْلَمَ نَعْتٌ لِأَبِي الْمُرَاهِقِ. (قَوْلُهُ: وَقَفَ إرْثُهُ) أَيْ إرْثُ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمُرَاهِقِ وَالْمَتْرُوكِ لَهَا لِبُلُوغِهِ وَلَوْ قَالَ الْآنَ لَا أُسْلِمُ إذَا بَلَغْت

(قَوْلُهُ: مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ) أَيْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَمَا فِي عبق وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِسَابِيهِ مَالِكُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ سَابِيًا لَهُ أَوْ مُشْتَرِيًا لَهُ مَثَلًا وَإِنَّمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ مَالِكِهِ لِأَنَّ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا وَمَفْهُومُ صَغِيرٍ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْمَجُوسِيِّ الْكَبِيرِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ مَالِكِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ لَهُ جَبْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لَكِنْ الْأَوَّلُ اتِّفَاقًا وَالثَّانِي عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَفْهُومُ مَجُوسِيٍّ أَنَّ الْكِتَابِيَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ مَالِكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لَكِنْ الْأَوَّلُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالثَّانِي اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: لِحَمْلِهِ) أَيْ لِحَمْلِ مَا فِي الْجَنَائِزِ عَلَى الْكِتَابِيِّ الصَّغِيرِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ

ص: 308

فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ صَغِيرًا وَعَلَى الرَّاجِحِ إنْ كَانَ كَبِيرًا وَأَنَّ الْكِتَابِيَّ لَا يُجْبَرُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا فِي الْكَبِيرِ وَعَلَى الرَّاجِحِ فِي الصَّغِيرِ.

(وَالْمُتَنَصِّرُ) مَثَلًا (مِمَّنْ كَأَسِيرٍ) وَدَاخِلُ بَلَدِ الْحَرْبِ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا يُحْمَلُ (عَلَى التَّطَوُّعِ) فَلَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ) عَلَى الْكُفْرِ، فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرِثُ وَيُورَثُ.

(وَإِنْ)(سَبَّ) مُكَلَّفٌ (نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا) مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ (أَوْ عَرَّضَ) بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ إمَّا أَنَا أَوْ فُلَانٌ فَلَسْت بِزَانٍ أَوْ سَاحِرٍ (أَوْ لَعَنَهُ أَوْ عَابَهُ) أَيْ نَسَبَهُ لِعَيْبٍ (أَوْ قَذَفَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ) كَأَنْ قَالَ: لَا أُبَالِي بِأَمْرِهِ وَلَا نَهْيِهِ أَوْ وَلَوْ جَاءَنِي مَا قَبِلْته (أَوْ غَيْرِ) صِفَتِهِ كَأَسْوَدَ أَوْ قَصِيرٍ (أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا، وَإِنْ فِي بَدَنِهِ) كَأَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ (أَوْ خَصْلَتِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شِيمَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ كَبَخِيلٍ (أَوْ غَضَّ) أَيْ نَقَّصَ (مِنْ مَرْتَبَتِهِ) الْعَلِيَّةِ (أَوْ) مِنْ (وَفَوْرِ عِلْمِهِ أَوْ زُهْدِهِ أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ) كَعَدَمِ التَّبْلِيغِ (أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ) بِخِلَافِ تَرَبَّى يَتِيمًا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ كَالدُّرَّةِ الْيَتِيمَةِ الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ أَجْنَاسِهَا أَوْ رَعَى الْغَنَمَ لِيُعَلِّمَهُ اللَّهُ كَيْفَ يَسُوسُ النَّاسَ (أَوْ)(قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ) لَا تَفْعَلْ كَذَا أَوْ افْعَلْهُ (فَلَعَنَ وَقَالَ أَرَدْت) بِلَعْنِي (الْعَقْرَبَ) لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ لِمَنْ تَلْدَغُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ) أَيْ بِلَا طَلَبٍ أَوْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ مِنْهُ (حَدًّا) إنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كُفْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ يُغْنِي بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَكِنْ مُرَادُهُ التَّنْصِيصُ عَلَى أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي نَصُّوا عَلَيْهَا (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ) فَلَا يُقْتَلُ أَيْ أَنَّ السَّابَّ يُقْتَلُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

عَلَى الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ يُجْبِرُهُ مَالِكُهُ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى الرَّاجِحِ إنْ كَانَ كَبِيرًا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْمَجُوسِيِّ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الرَّاجِحِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى التَّطَوُّعِ) أَيْ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْإِكْرَاهُ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ: فَلَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ أَيْ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَمَالُهُ الَّذِي عِنْدَنَا يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ عَلَى الْكُفْرِ أَيْ بِأَنْ جُهِلَ الْحَالُ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَّ إلَخْ) السَّبُّ هُوَ الشَّتْمُ وَهُوَ كُلُّ كَلَامٍ قَبِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَالْقَذْفُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِحَقِّهِ وَإِلْحَاقُ النَّقْصِ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السَّبِّ وَمُكَرَّرٌ مَعَهُ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَقَوْلُهُ: مُكَلَّفٌ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَاحْتُرِزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ الْمَجْنُونِ وَعَنْ الصَّغِيرِ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُقْتَلَانِ بِسَبَبِ السَّبِّ وَكَذَا إنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا حَيْثُ تَابَ بَعْدَ بُلُوغِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَرَّضَ) أَيْ قَالَ قَوْلًا وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي الِانْتِقَالِ لِلْمُرَادِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ شَخْصٌ النَّبِيُّ أَمَرَ بِكَذَا فَقَالَ دَعْنِي مَا أَنَا بِسَاحِرٍ وَلَا كَاذِبٍ (قَوْلُهُ: أَيْ نَسَبَهُ لِعَيْبٍ) الْعَيْبُ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ عَقْلًا، وَقَوْلُهُ: أَيْ نَسَبَهُ لِعَيْبٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي خَلْقِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ أَعْوَرُ أَوْ فِي خُلُقِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ أَحْمَقُ أَوْ جَبَانٌ أَوْ بَخِيلٌ أَوْ فِي دِينِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ قَلِيلُ الدِّينِ تَارِكُ الصَّلَاةِ مَانِعُ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَذَفَهُ) أَيْ نَسَبَهُ لِلزِّنَا أَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ زَانٍ أَوْ ابْنُ زِنًا. (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ) أَيْ لِمَنْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ أَمَرَك بِكَذَا أَوْ نَهَاك عَنْ كَذَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِ صِفَتِهِ) الضَّمِيرُ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ. (قَوْلُهُ: كَأَسْوَدَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ فُلَانٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ كَانَ قَصِيرًا جِدًّا أَوْ جِبْرِيلُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى الْمُصْطَفَى فِي صِفَةِ عَبْدٍ أَسْوَدَ أَوْ فِي صِفَةِ شَخْصٍ قَصِيرٍ جِدًّا (قَوْلُهُ: أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ النَّقْصُ الَّذِي أَلْحَقَ بِهِ فِي دِينِهِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَلْ وَإِنْ كَانَ فِي بَدَنِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ تَرَبَّى يَتِيمًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ كَانَ خَادِمًا عِنْدَ النَّاسِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ وُفُورِ عِلْمِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الزُّهْدِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَضَافَ لَهُ) أَيْ نَسَبَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَعَبَّرَ أَوَّلًا بِأَضَافَ وَثَانِيًا بِنَسَبٍ تَفَنُّنًا وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ وَقَالَ أَوْ أَضَافَ إلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ أَوْ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ أَيْ كَالطَّمَعِ فِي الدُّنْيَا وَعَدَمِ الزُّهْدِ فِيهَا وَالطَّفَالَةِ وَشَرَاهَةِ النَّفْسِ كَانَ أَخْصَرَ (قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ) رَجَّعَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ أَوْ نَسَبَ لَهُ مَا لَا يَلِيقُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ بَلْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ بِأَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ غَيْرِ الشَّرْطِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ تَرَبَّى إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَرَبَّى يَتِيمًا لِلْإِشَارَةِ إلَخْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ تَرَبَّى يَتِيمًا فَقَطْ فَهَذَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي تَرَبَّى يَتِيمًا الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّهُ كَالدُّرَّةِ الْيَتِيمَةِ، فَقَدْ صَرَّحَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ الْبُلَيْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي مِسْكِينٍ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي حَدِيثِ:«اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» . وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاكِينِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاضِعُونَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ:) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَرَدْتُ الْعَقْرَبَ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِظُهُورِ لُحُوقِ السَّبِّ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ) أَيْ إذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ بِأَنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَابَ) أَيْ وَأَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فَلَا يُقْتَلُ)

ص: 309

مُطْلَقًا مَا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فَيُسْلِمُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَبَالَغَ عَلَى قَتْلِ السَّابِّ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ لِجَهْلٍ أَوْ مَكْرٍ أَوْ تَهَوُّرٍ) فِي الْكَلَامِ وَهُوَ كَثْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ إذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ أَوْ السُّكْرِ أَوْ التَّهَوُّرِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ (وَفِي مَنْ)(قَالَ) حِينَ غَضَبِهِ (لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ) أَيْ عَلَى شَخْصٍ (صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ (جَوَابًا لِصَلِّ) عَلَى النَّبِيِّ قَوْلَانِ بِالْقَتْلِ وَعَدَمِهِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ سَبًّا لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حِينَ غَضَبِهِ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا إلَّا نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ (أَوْ)(قَالَ) مُخَاطِبًا لِغَيْرِهِ (الْأَنْبِيَاءِ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمَنِي) أَيْ لِقَوْلِهِ لَهُ أَتَتَّهِمُنِي فَحَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ قَوْلَانِ هَلْ يُقْتَلُ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ لَكِنَّهُ يُعَاقَبُ (أَوْ) قَالَ (جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) هَلْ يُقْتَلُ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوَّلًا لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا قَالَهُ الْكُفَّارُ وَلَكِنَّهُ يُنَكَّلُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ (قَوْلَانِ) فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَوْ لَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ ذَكَرَ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُبْ بِقَوْلِهِ (وَاسْتُتِيبَ فِي) قَوْلِهِ النَّبِيُّ عليه السلام (هُزِمَ) أَيْ يَكُونُ مُرْتَدًّا يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ (أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ) فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَفْهُومُ أَعْلَنَ أَنَّهُ إنْ أَسَرَّ بِهِ فَزِنْدِيقٌ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِعْلَانَ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَعْظَمِ السَّبِّ فَيُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا (أَوْ تَنَبَّأَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ يُوحَى إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (إلَّا أَنْ يُسِرَّ) أَيْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ سِرًّا فَزِنْدِيقٌ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) فَالِاسْتِثْنَاءُ قَاصِرٌ عَلَى الْأَخِيرِ مِنْ حَيْثُ النِّسْبَةِ لِابْنِ رُشْدٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا تَوْبَةٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ لِأَجْلِ أَنْ لَا يُقْتَلَ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِذَلِكَ السَّبِّ إذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ مِنَّا فَلَوْ قَتَلَ أَحَدًا مِنَّا أَوْ سَبَّ نَبِيًّا قَتَلْنَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ اسْتِحْلَالُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ قَوْلِهِ قَبْلُ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ اهـ عبق (قَوْلُهُ: أَوْ سُكْرٍ) أَيْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُرَدُّ قَوْلُ حَمْزَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أُنْتَمَ إلَّا عَبِيدُ أَبِي كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرَةِ كَمَا فِي الشِّفَاءِ وَالسَّكْرَانِ إذْ ذَاكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَجْنُونِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي مَنْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا قَالَ وَهُوَ غَيْرُ غَضْبَانَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا، إلَّا نَفْسَهُ) أَيْ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ صَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ نَفْسَهُ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ نِسْبَةُ النَّقْصِ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَيْ قَصْدًا أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا ذَمَّهُمْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَا يُقْتَلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ الْإِخْبَارَ عَمَّا وَقَعَ مِنْ اتِّهَامِ الْكُفَّارِ لَهُمْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُعَاقَبُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَطُولِ السَّجْنِ.

(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لُحُوقُ النَّقْصِ لِلْأَنْبِيَاءِ عُمُومًا وَالنَّبِيِّ خُصُوصًا بِالْإِغْيَاءِ.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابًا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ بَعْدَ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ الْقَتْلُ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُنَكَّلُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَيُطَالُ سَجْنُهُ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ الْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا فِي المج

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَطُولِ السَّجْنِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتُتِيبَ فِي هَزْمٍ) هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُرَابِطِ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ الْمُرَابِطِ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ هُزِمَتْ بَعْضُ جُيُوشِهِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ كَانَ فِيهِمْ وَإِنَّمَا قُتِلَ قَائِلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَهَذَا نَادِرٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَغَالِبُ الْجَيْشِ لَمْ يَفِرَّ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الْمُرَابِطِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى قَائِلِهِ بِقَصْدِ التَّنْصِيصِ وَالْأَوَّلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْقِيصًا فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ هُزِمَ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَيْ قَصْدُ الْقَائِلِ بِذَلِكَ التَّنْقِيصُ أَمْ لَا وَإِنَّمَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنْ الْهَزِيمَةِ فَنِسْبَةُ الْهَزِيمَةِ إلَيْهِ فِيهِ إلْحَاقُ نَقْصٍ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِعْلَانَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ) أَيْ، وَإِلَّا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَنَ بِالتَّكْذِيبِ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْت وَإِنْ أُسِرَ بِهِ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا كَمَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْفَرْعِ)

ص: 310

كَمَا فِي الْأَوَّلِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ السَّبِّ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَرْجُ الثَّلَاثَةِ فِي مَسَائِلِ السَّبِّ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا لَهُمَا وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ رَاجِعٌ لِلثَّانِي إلَّا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

(وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا) أَيْ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ (فِي) قَوْلِ ظَالِمٍ كَعَشَّارٍ طَلَبَ أَخْذَ شَيْءٍ ظُلْمًا فَقَالَ لَهُ الْمَظْلُومُ إنْ أَخَذْت مِنِّي شَكَوْتُك لِلنَّبِيِّ (أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ) وَلَا يُقْتَلُ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ: إنْ سَأَلْت أَوْ جَهِلْت فَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ أَوْ جَهِلَ أَوْ قَالَ لَا أُبَالِي بِالنَّبِيِّ فَيُقْتَلُ (أَوْ) قَوْلِهِ (لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ) أَوْ نَبِيٌّ (لَسَبَبْته) فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ سَبٌّ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَقَعْ (أَوْ) قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) فَيُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَ نَبِيٍّ فِي نَسَبِهِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَا يَخْلُو مِنْ دُخُولِ نَبِيٍّ (أَوْ عَيَّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ) لِمَنْ عَيَّرَهُ بِهِ (تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ) مَا لَمْ يَقُلْهُ تَنْقِيصًا وَإِلَّا قُتِلَ (أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ كَأَنَّهُ وَجْهٌ مُنْكَرٌ أَوْ مَالِكٌ) خَازِنُ النَّارِ فَيُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا؛ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ لِمُخَاطِبِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَبِّ الْمَلَكِ وَكَذَا دَخَلَ عَلَيْنَا كَأَنَّهُ عِزْرَائِيلُ (أَوْ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ) شَيْءٍ (جَائِرٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فِي الدُّنْيَا) مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ الْبَشَرِيُّ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ (حُجَّةً لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْقَائِلِ (أَوْ لِغَيْرِهِ) وَلَمْ يُرِدْ تَنْقِيصًا وَلَا عَيْبًا وَلَا تَأَسِّيًا بَلْ لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ مِنْ لُحُوقِ النَّقْصِ كَقَوْلِهِ: إنْ قِيلَ فِي الْمَكْرُوهِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ أَوْ إنْ أَحْبَبْت النِّسَاءَ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يُحِبُّهُنَّ (أَوْ)(شَبَّهَ) نَفْسَهُ بِالنَّبِيِّ (لِنَقْصٍ لَحِقَهُ لَا عَلَى التَّأَسِّي) أَيْ التَّسَلِّي بِهِ صلى الله عليه وسلم (كَأَنْ كُذِّبْت فَقَدْ كُذِّبُوا) أَوْ إنْ أُوذِيت فَقَدْ أُوذُوا أَوْ لَأَصْبِرَنَّ عَلَى كَذَا كَمَا صَبَرُوا وَمَسْأَلَةُ الْحُجَّةِ وَمَسْأَلَةُ التَّشْبِيهِ يَرْجِعَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِحْدَاهُمَا تُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُدِّبَ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّأَسِّي فَلَا أَدَبَ أَوْ أَرَادَ التَّنْقِيصَ قُتِلَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ تَنَبَّأَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ قَوْلُهُ: أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: هُزِمَ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

(قَوْلُهُ: رَاجِعًا لَهُمَا) أَيْ لِقَوْلِهِ أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَوْ تَنَبَّأَ

(قَوْلُهُ: أَدِّ) أَيْ إلَى الْعَشَرَةِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَوْ قَالَ) أَيْ الْعَشَّارُ زِيَادَةً عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ: فَيُقْتَلُ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ لِأَجْلِ مَا زَادَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُهُ:) أَيْ الْقَائِلِ.

(قَوْلُهُ: فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ سَبٌّ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَقَعْ) يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِك مَا قَبِلْتُك أَنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ دُونَ قَوْلِهِ لَسَبَبْته فِي إيهَامِ التَّنْقِيصِ فَإِذَا كَانَ لَا يُقْتَلُ فِيمَا هُوَ أَشَدُّ فِي إيهَامِ التَّنْقِيصِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَا يُقْتَلُ فِيمَا هُوَ دُونَهُ فِي إيهَامِ التَّنْقِيصِ نَعَمْ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّنْقِيصِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِك مَا قَبِلْته فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فِيهِ تَنْقِيصٌ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ اُنْظُرْ عبق.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَ نَبِيٍّ فِي نَسَبِهِ) أَيْ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ الدُّخُولَ كَانَ سَابًّا فَيُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ لَا يَخْلُو مِنْ دُخُولِ نَبِيٍّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ الْمُبَالَغَةَ وَالْكَثْرَةَ لَا حَقِيقَةَ الْأَلْفِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ آبَاءَك إلَى آدَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ شَاسٍ؛ لِأَنَّ فِي آبَائِهِ نَبِيًّا وَهُوَ نُوحٌ إذْ هُوَ أَبٌ لِمَنْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا إرَادَةَ التَّخْصِيصِ فِي هَذَا الْفَرْعِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ الْأَمِيرِ عَلَى عبق.

(قَوْلُهُ: فَقَالَ لِمَنْ عَيَّرَهُ بِهِ) أَيْ قَالَ لَهُ بِقَصْدِ رَفْعِ نَفْسِهِ وَدَفْعِ النَّقْصِ عَنْهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ أَصْلًا وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّنْقِيصِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ) أَيْ وَشَأْنُ رَعْيِ الْغَنَمِ الْفَقْرُ وَمِثْلُ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ قَدْ رَعَى بِدُونِ ذِكْرِ الْغَنَمِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقُلْهُ تَنْقِيصًا، وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ أَوْ وُلِدَ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَإِنَّمَا قُتِلَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ كَذَلِكَ أَيْ وُلِدَ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ لِمَا فِي هَذَا اللَّفْظِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِحَقِّهِ قَالَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وِلَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ وِلَادَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ السُّرَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِقَوْمٍ جَبَّارِينَ كَأَنَّهُمْ الزَّبَانِيَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ لِمُخَاطِبِهِ) أَيْ بِتَهْوِيلِ أَمْرِهِ بِغَضَبِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَبِّ الْمَلَكِ) أَيْ وَإِنَّمَا السَّبُّ الْوَاقِعُ عَلَى الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَشْهَدَ) أَيْ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِبَعْضٍ جَائِزٍ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تَأَسِّيًا) أَيْ تَسَلِّيًا (قَوْلُهُ: لَا عَلَى التَّأَسِّي) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي بَلْ لِرَفْعِ نَفْسِهِ مِنْ لُحُوقِ النَّقْصِ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ كَذَبُوا) أَيْ الْأَنْبِيَاءُ وَكَقَوْلِهِ كَيْفَ أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ أَوْ إنْ قِيلَ فِي الْمَكْرُوهُ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ الْمَكْرُوهُ أَوْ أَنَا فِي قَوْمِي غَرِيبٌ كَصَالِحٍ أَوْ أَنَا صَبَرْت عَلَى الْبَلَاءِ كَأَيُّوبَ.

(قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةُ الْحُجَّةِ) أَيْ وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِشْهَادِ لِلْحُجَّةِ وَمَسْأَلَةُ التَّشْبِيهِ يَرْجِعَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ أَرَادَ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إلَى الِاحْتِجَاجِ يَكُونُ عَلَى خَصْمٍ مَثَلًا وَالتَّشْبِيهُ أَعَمُّ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: أُدِّبَ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ وَيُسْجَنُ أَيْضًا كَمَا فِي الشِّفَاءِ وَهَذَا إذَا أَرَادَ رِفْعَةَ نَفْسِهِ وَدَفْعَ النَّقْصِ عَنْهُ لَا تَنْقِيصَ النَّبِيِّ وَلَا التَّأَسِّي.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَرَادَ التَّنْقِيصَ قُتِلَ) قَدْ

ص: 311

وَإِنْ تَابَ.

(أَوْ)(لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَرَدْت الظَّالِمِينَ) مِنْهُمْ فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَرَدْتُ إلَخْ قُتِلَ وَقِيلَ قَوْلُهُ: وَقَالَ إلَخْ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُؤَدَّبُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مَا ذَكَرَ وَعُزِيَ لِلنَّوَادِرِ (وَشُدِّدَ عَلَيْهِ) بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَالْقُيُودِ وَلَمْ يُقْتَلْ (فِي) قَوْلِهِ (كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ) أَيْ خَانٍ (قَرْنَانُ) مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَزِيَادَةِ الْأَلْفِ وَالنُّونِ (وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا) فَلَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(وَ) شُدِّدَ عَلَيْهِ أَيْضًا (فِي) نِسْبَةِ شَيْءٍ (قَبِيحٍ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (لِأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ عليه السلام)(مَعَ الْعِلْمِ بِهِ) وَذُرِّيَّتُهُ عليه السلام انْحَصَرَتْ فِي أَوْلَادِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَأَمَّا آلُ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ (كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ عليه السلام بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ كَأَنْ يَتَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ (أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ:) الِانْتِسَابَ كَأَنْ يَقُولَ مُعَرِّضًا بِنَفْسِهِ مِنْ أَشْرَفِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عليه السلام وَقَالَ لِمَنْ آذَاهُ أَنْت شَأْنُك تُؤْذِي آلَ الْبَيْتِ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ) بِالسَّبِّ (عَدْلٌ) فَقَطْ (أَوْ لَفِيفٌ) مِنْ النَّاسِ أَيْ غَيْرِ مَقْبُولِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ (فَعُلِّقَ) بِسَبَبِ ذَلِكَ (عَنْ الْقَتْلِ) أَيْ لَمْ يُقْتَلْ لِعَدَمِ تَمَامِ الشَّهَادَةِ بِمَنْ ذُكِرَ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ.

(أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ) كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ (أَوْ) سَبَّ (صَحَابِيًّا) إلَّا عَائِشَةَ بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ بِهِ فَيُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ (وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ) أَيْ كَسَبِّ النَّبِيِّ صَرِيحُهُ كَصَرِيحِهِ وَمُحْتَمَلُهُ كَمُحْتَمَلِهِ فَيُقْتَلُ فِي الصَّرِيحِ وَيُؤَدَّبُ فِي الْمُحْتَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ كَانَ السَّابُّ ذِمِّيًّا قُتِلَ مَا لَمْ يُسْلِمْ.

(وَفِي)(اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ) أَيْ هَلْ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ أَوْ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ كَسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (خِلَافٌ) وَالرَّاجِحُ الِاسْتِتَابَةُ وَقَوْلُهُ:(كَمَنْ)(قَالَ) مُتَضَجِّرًا (لَقِيت فِي مَرَضِي مَا) أَيْ مَرَضًا (لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاسْتِشْهَادِ وَالتَّشْبِيهِ لَهُ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ رَفْعَ نَفْسِهِ وَدَفْعَ النَّقْصِ عَنْهَا وَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّأَسِّي وَالتَّسَلِّيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّنْقِيصَ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى يُؤَدَّبُ وَيُسْجَنُ وَفِي الثَّانِيَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ وَبَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي كَمَا فِي عبق أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَصْدِ تَرَفُّعِ نَفْسِهِ فَيُؤَدَّبُ كَمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَرَدْتُ إلَخْ قُتِلَ) أَيْ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قُتِلَ كَذَا فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ وَالشِّفَاءِ وَظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ يَكُونُ مُرْتَدًّا وَلَمْ يُدَعِّمْهُ بِنَقْلٍ.

(قَوْلُهُ: قَرْنَانُ) أَيْ مُعَرَّصٌ لِأَنَّهُ يَقْرُنُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: فِي نِسْبَةِ شَيْءٍ قَبِيحٍ إلَخْ) أَيْ كَمَا إذَا نَسَبَهُ لِلتَّعْرِيصِ أَوْ لِلْعَوَانَةِ عِنْدَ الظَّلَمَةِ أَوْ لِلْكَذِبِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ (قَوْلُهُ: بِالْقَوْلِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا شَرِيفٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عليه السلام.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ يَتَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ) فَإِذَا تَعَمَّمَ بِهَا غَيْرُ شَرِيفٍ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّهِ عليه السلام وَاعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ فِي الْأَصْلِ لِمَنْ كَانَ شَرِيفًا مِنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَصَرَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ شَرِيفٌ مِنْ أُمِّهِ لُبْسُهَا وَأُدِّبَ، إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ قَدْ جَرَى بِلُبْسِهِ لَهَا وَعَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ لُبْسُهَا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ: الِانْتِسَابَ) أَيْ لَهُ عليه السلام وَقَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ أَيْ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ شَرِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ مُحْتَمَلًا لَا صَرِيحًا فِي الِانْتِسَابِ لَهُ صلى الله عليه وسلم لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْقَائِلِ هَضْمَ نَفْسِهِ وَأَنَّ ذُرِّيَّتَهُ عليه السلام هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ مَزِيدُ الشَّرَفِ وَلَمْ يَقْصِدْ الِانْتِسَابَ لَهُ

(قَوْلُهُ: أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ) مِثْلُهُ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مِلْكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَرَافِيِّ يُقْتَلُ سَابُّهُمَا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي عبق.

(قَوْلُهُ: وَخَالِدُ بْنُ سِنَانٍ) الرَّاجِحُ نُبُوَّتُهُ وَكَذَلِكَ الْخَضِرُ وَأَمَّا لُقْمَانُ وَمَرْيَمُ فَالرَّاجِحُ عَدَمُ نُبُوَّتِهِمَا كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ) هُوَ اسْمُ بِئْرٍ كَانُوا قُعُودًا حَوْلَهَا فَانْهَارَتْ بِهِمْ وَبِمَنَازِلِهِمْ وَقَوْلُهُ: الَّذِي قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ أَيْ وَقِيلَ إنَّ نَبِيَّهُمْ شُعَيْبٌ وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ فَكَانَ نَبِيًّا غَيْرَ رَسُولٍ بَيْنَ عِيسَى وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(قَوْلُهُ: أَوْ سَبَّ صَحَابِيًّا) قَالَ عج أَيْ جِنْسَهُ فَيَشْمَلُ سَبَّ الْكُلِّ وَمِثْلُ السَّبِّ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ وَلَوْ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ كَلَامُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ لِمُسَمًّى بِالْإِكْمَالِ يُفِيدُ عَدَمَ كُفْرِ مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ وَأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَيُؤَدَّبُ فَقَطْ خِلَافًا لِقَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يَرْتَدُّ، وَأَمَّا مَنْ كَفَّرَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ كَمَا فِي الشَّامِلِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (قَوْلُهُ: بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ بِهِ) أَيْ مِنْهُ وَهُوَ الزِّنَا وَقَوْلُهُ: فَيُقْتَلُ أَيْ فَإِذَا سَبَّهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ زَنَتْ فَيُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ لِتَكْذِيبِهِ لِلْقُرْآنِ وَأَمَّا لَوْ سَبَّهَا بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ التَّشْبِيهِ أَيْ وَسَبُّ اللَّهِ كَسَبِّ النَّبِيِّ صَرِيحُهُ كَصَرِيحِهِ وَمُحْتَمَلُهُ كَمُحْتَمَلِهِ، إلَّا أَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لَهُ صَرِيحًا وَعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ قَبُولُهَا (قَوْلُهُ: كَمَنْ قَالَ لَقِيت إلَخْ) مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا قَالَ بَعْضٌ مَا لَوْ قَالَ لَوْ بَلِيَ نَبِيٌّ بِهَذَا

ص: 312