الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ فَإِنْ عَيَّنَ كَوَلَدِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَفَاطِمَةَ فَإِنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ) بِوَصْفِ اسْتِحْقَاقِ فَقْرٍ فَاسْتَغْنَى (لِغَيْرِهِ) وَلَوْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ الِاحْتِيَاجُ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا لَوْ سَكَنَ الْأَوَّلُ بِوَصْفِ طَلَبِ عِلْمٍ مَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ كَمَا لَوْ سَكَنَ بِوَصْفٍ، ثُمَّ زَالَ كَأَحْدَاثِ قَوْمِي أَوْ صِغَارِهِمْ (إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُحَبِّسِ أَنَّ مَنْ اسْتَغْنَى يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ (أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ) فَيَأْخُذُهُ غَيْرُهُ فَإِنْ سَافَرَ لِيَعُودَ فَلَا يُخْرَجُ أَيْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ حَبْسُ مِفْتَاحِهِ لَا كِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ انْتِفَاعٍ لَا مَنْفَعَةٍ وَقِيلَ: يُكْرِيهِ إلَى أَنْ يَعُودَ (أَوْ) سَفَرٍ (بَعِيدٍ) يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ عَوْدِهِ مِنْهُ
[دَرْسٌ]
(بَابٌ)(الْهِبَةُ)
بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ) أَيْ تَمْلِيكُ ذَاتٍ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَإِمَّا وَقْفٌ، وَإِمَّا عَارِيَّةٌ إنْ قُيِّدَ بِزَمَنٍ وَلَوْ عُرْفًا، وَإِمَّا عُمْرِيٌّ إنْ قُيِّدَ بِحَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فِي دَارٍ وَنَحْوِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ هِبَةُ الثَّوَابِ وَسَتَأْتِي فَالتَّعْرِيفُ لِهِبَةِ غَيْرِ الثَّوَابِ وَتُسَمَّى هَدِيَّةً وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَالتَّمْلِيكُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ سَوَاءٌ قَصَدَ الْمُعْطِي أَيْضًا أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَمْلِيكُ ذَاتٍ بِلَا عِوَضٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى فَقَطْ هِبَةٌ، وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ كَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْهِبَةَ مُقَسَّمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ قِسْمٌ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِعْطَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمْلِيكَ كَالْجِنْسِ لَهُمَا وَيَفْتَرِقَانِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَتَدْخُلُ الزَّكَاةُ فِي تَعْرِيفِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَشْمَلُ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الثَّانِيَ لِتَقَدُّمِ الْوَاجِبَةِ (وَصَحَّتْ) أَيْ الْهِبَةُ (فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ) لِلْوَاهِبِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يُفَضَّلُ الْأَعْلَى فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ أُعْطِيَ لِلْأَسْفَلِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَرَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ إنَّهُ أَحْسَنُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ أَقْرَبُ، لَكِنْ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ فِي الْمُعَقَّبِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُقْسَمُ مَا عَلَى غَيْرِ الْمُنْحَصِرِ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَهْلَ الْحَاجَةِ " وَعِبَارَةُ عبق وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلَ الْحَاجَةِ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُعْطَى شَيْئًا وَأَنَّهُمْ إنْ تَسَاوَوْا فَقْرًا، أَوْ غِنًى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ وَأُعْطِيَ الْفَضْلُ لِمَنْ يَلِيهِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَقْرًا، أَوْ غِنًى وَلَمْ يَكُنْ أَقْرَبُ وَلَمْ يَسَعْهُمْ أُكْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقُسِمَ كِرَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمْ بِمَا يَصِيرُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَسْكُنَ فِيهَا فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي ح. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُوَلَّى يُسَوِّي بَيْنَهُمْ أَيْ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْرَجْ) مِثْلُ السُّكْنَى فِي ذَلِكَ الْغَلَّةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُحْتَاجًا فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ، أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى الشَّبَابِ، أَوْ الصِّغَارِ أَوْ الْأَحْدَاثِ فَإِنَّ مَنْ زَالَ وَصْفُهُ بَعْدَ سُكْنَاهُ يُخْرَجُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا لَوْ سَكَنَ بِوَصْفٍ أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْوَقْفِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عُلِّقَ بِوَصْفٍ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ الِاسْتِحْقَاقُ بِزَوَالِهِ وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالِاسْتِحْقَاقُ لَمْ يُعَلَّقْ بِالْفَقْرِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَالْفُقَرَاءُ مُقْتَضٍ لِتَقْدِيمِهِ فَقَطْ وَالْمَعْنَى الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَدَمُ سُقُوطِ حَقِّهِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَأَخَذَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ سَافَرَ لِيَعُودَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُضُوءٍ مَثَلًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرِيهِ إلَى أَنْ يَعُودَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاجِيَّ وَغَيْرِهِ وَفِي حَمْلِ سَفَرِهِ مَعَ جَهْلِ حَالِهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ، أَوْ الرُّجُوعِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الثَّانِي.
[بَابٌ الْهِبَةُ]
ُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ ". (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ) أَيْ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَمْلِيكُ ذَاتٍ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لِلْهِبَةِ غَيْرُ مَانِعٍ لِصَدَقَةٍ بِتَمْلِيكِ الْإِنْكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَبِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلتَّصَرُّفِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَمْلِيكُ الذَّاتِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فَخَرَجَ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ) أَيْ وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَصَدَ إلَخْ) لَكِنْ إذَا قَصَدَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ بِالْعَطِيَّةِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَهِيَ صَدَقَةٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ فَصَدَقَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الْأَقَلِّ مَا أَعْطَى لَهُمَا مَعًا فَهُوَ هِبَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْهِبَةَ مُقَسَّمٌ) أَيْ أَنَّ الْهِبَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَوَجْهُ الْإِيهَامِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ: وَيَفْتَرِقَانِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ) أَيْ فَإِذَا قَصَدَ بِتَمْلِيكِ الذَّاتِ وَجْهَ الْمُعْطَى فَقَطْ كَانَ هِبَةً وَإِنْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ سَوَاءٌ قَصَدَ وَجْهَ الْمُعْطَى أَيْضًا أَمْ لَا فَهُوَ صَدَقَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الْهِبَةِ أَرْبَعَةٌ: الْمَوْهُوبُ لَهُ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِهِ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ
فَلَا تَصِحُّ فِي حُرٍّ وَلَا مِلْكِ غَيْرٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ (يُنْقَلُ) أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا خَرَجَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) وَهُوَ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَكِنَّ هِبَتَهُمَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ كَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالصَّغِيرُ فَبَاطِلَةٌ كَالْمُرْتَدِّ وَضَمِيرُ " بِهَا " عَائِدٌ عَلَى الْهِبَةِ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْهِبَةِ فِي غَيْرِ هِبَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ وَقْفًا، أَوْ صَدَقَةً أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ تِلْكَ الذَّاتَ وَمَنْ لَا فَلَا فَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ إذَا أَرَادَا هِبَةَ ثُلُثِهِمَا صَحَّ لَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَرَّعَا بِهِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِهَا لَوَرَدَ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِمَا ذُكِرَ.
وَبَالَغَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فِي الْوَقْفِ عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ هُنَا ذَلِكَ كَمَا حَذَفَ مِنْ الْوَقْفِ التَّصْرِيحَ بِالْوَقْفِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بَلْ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّتْ إلَخْ وَلِلرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْوَاهِبُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ بِصِيغَةٍ، أَوْ مُفْهِمِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ فِي حُرٍّ) أَيْ وَلَا فِي كَلْبٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُمْلَكُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مِلْكِ غَيْرٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ فَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهِبَتِهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ بَيْعَهُ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ يَعُودُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ هِبَتِهِ وَمِثْلُهَا وَقْفُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ فَمَتَى صَدَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ فُضُولِيٍّ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَمَا ذَكَرَهُ خش فِي أَوَّلِ الْوَقْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا هُنَا وَفِي الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ فِي الْوَقْفِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ وَقَالَ هُنَا وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ: وَقْفُهُ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَقْفَهُ وَهِبَتَهُ وَصَدَقَتَهُ وَعِتْقَهُ كَبَيْعِهِ فِي أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنْ أَمْضَاهُ الْمَالِكُ مَضَى وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إذَا أَجَازَهُ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ صَادِرًا مِنْهُ قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنْ يُرَادَ بِالصِّحَّةِ الصِّحَّةُ التَّامَّةُ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي بَابِ الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا) أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ لِمِلْكٍ آخَرَ شَرْعًا هَذَا إذَا قَبِلَ النَّقْلَ بِجَمِيعِ أَوْجُهِهِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ وَلَوْ قَبِلَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ فَدَخَلَ بِهَذَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَلْبُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا النَّقْلَ بِالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا يَقْبَلَانِهِ بِالتَّبَرُّعِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْهِبَةِ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِوَجْهٍ مِنْ الْأَوْجُهِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِ شَرْعًا.
(قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ " لِيَتَّصِلَ قَوْلُهُ: وَإِنْ مَجْهُولًا وَمَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ) أَيْ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْمُرْتَدُّ. (قَوْلُهُ: فِيمَا زَادَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ فَقَطْ وَأَمَّا هِبَتُهُمَا لِلثُّلُثِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هِبَتَهُمَا مَا زَادَ إلَخْ) هَذَا تَفْصِيلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانَ فِي الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ التَّبَرُّعِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَدِينًا، أَوْ مَرِيضًا، أَوْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ ثُلُثِهِمَا، أَوْ كَانَ غَيْرَهُمْ وَسَوَاءٌ أَجَازَ رَبُّ الدَّيْنِ وَالزَّوْجُ وَالْوَارِثُ مَا صَدَرَ مِنْ الْمَدِينِ وَالْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ. (قَوْلُهُ: كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ وَقَوْلُهُ: فَبَاطِلَةٌ أَيْ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ الْمَالِ لِحَقِّ أَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا هِبَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْمَالِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْهِبَةِ الْأَوْلَى بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ الذَّاتُ الَّتِي تُوهَبُ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ هِبَةٍ) أَيْ كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا أَيْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ) أَيْ بِالذَّاتِ الَّتِي تُوهَبُ وَقَوْلُهُ: أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ التَّبَرُّعُ بِالذَّاتِ الَّتِي تُوهَبُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا لَيْسَا لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا) أَيْ بَلْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِالثُّلُثِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) أَيْ التَّبَرُّعُ دَائِمًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِقَوْلِهِ بِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ لَخَرَجَ الْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ؛ إذْ
عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ الْقَابِلُ لِلنَّقْلِ شَرْعًا (مَجْهُولًا) أَيْ مَجْهُولَ الْعَيْنِ، أَوْ الْقَدْرِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَوْ خَالَفَ ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ عَلَى التَّحْقِيقِ (أَوْ) كَانَ (كَلْبًا) مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ؛ إذْ غَيْرُهُ لَا يُمْلَكُ.
(وَدَيْنًا) فَتَصِحُّ هِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ (إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ) هُوَ (عَلَيْهِ) فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ (وَإِلَّا) يَهَبْهُ لِمَنْ عَلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ (فَكَالرَّهْنِ) أَيْ فَكَرَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْإِشْهَادُ وَكَذَا دَفْعُ ذِكْرِ الْحَقِّ أَيْ الْوَثِيقَةِ عَلَى قَوْلٍ وَقِيلَ هُوَ شَرْطُ كَمَالٍ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَوْ قَالَ فَكَرَهْنِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ، وَشَبَّهَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي بَابِهِ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ.
(وَ) إنْ (رَهْنًا) أَيْ مَرْهُونًا يَصِحُّ هِبَتُهُ لِأَجْنَبِيٍّ حَيْثُ (لَمْ يُقْبَضْ) أَيْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ (وَ) قَدْ (أَيْسَرَ رَاهِنُهُ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ أَيْ دَائِمًا وَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ لَيْسَ لَهُمَا التَّبَرُّعُ دَائِمًا فَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِهَا لِإِدْخَالِهِمَا فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ضَمِيرَ بِهَا رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ فَيَلْزَمُ شَرْطِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا هِبَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا ذَاتٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ فَمَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، أَوْ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ) أَيْ هِبَةِ غَيْرِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَفَ ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ) أَيْ كَمَا إذَا وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ فُلَانٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَسِيرٌ فَإِذَا هُوَ كَثِيرٌ، أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا فِي جَيْبِهِ ظَانًّا أَنَّهُ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدَ فِيهِ عَشَرَةَ مَحَابِيبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَهُ رَدُّ عَطِيَّتِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ إذْ الصِّحَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا فِي بْن. (قَوْلُهُ: إذْ غَيْرُهُ لَا يُمْلَكُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْإِبْرَاءِ فَقِيلَ: إنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْهِبَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقِيلَ إنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ دُونَ الثَّانِي كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فِيهِمَا لِقَبُولِ الْعِصْمَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ صَرِيحُ نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ عَتَّابٍ وَمَنْ سَكَتَ عَنْ قَبُولِ صَدَقَتِهِ زَمَانًا فَلَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ غَلَّتَهَا حَلَفَ مَا سَكَتَ تَارِكًا لَهَا وَأَخَذَ الْغَلَّةَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ) أَيْ وَإِلَّا فَهِبَتُهُ كَرَهْنِ الدَّيْنِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ وَيَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا دَيْنَهُ الَّذِي لَهُ عَلَى خَالِدٍ فَيَجُوزَ إنْ أَشْهَدَ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَدَفَعَ لِلْبَائِعِ ذِكْرَ الدَّيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الدَّيْنَ وَقَامَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حُلِّفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يُحَلَّفُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ اُنْظُرْ ح وَإِنْ دَفَعَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْهِبَةِ ضَمِنَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَكَالرَّهْنِ صِحَّةُ التَّصْيِيرِ فِي الْوَظَائِفِ وَهُوَ أَنْ يَتَجَمَّدَ لِإِنْسَانٍ مَالٌ مَعْلُومٌ مِنْ وَظِيفَةٍ، أَوْ جَامَكِيَّةٍ فَيُصَيِّرَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصْيِيرُ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بَلْ هِبَةٌ أَمَّا إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْيِيرِ فَالْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ نَسِيئَةً. (قَوْلُهُ: الْإِشْهَادُ) أَيْ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ رَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّهْنِ وَاشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ عَلَى الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَ مَانِعٌ كَمَوْتِ الْوَاهِبِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَفْعُ ذِكْرِ الْحَقِّ) أَيْ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الدَّيْنِ وَرَهْنِهِ وَقَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ شَرْطُ كَمَالٍ هُوَ مَا فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْجَمْعِ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ قَدْ قِيلَ إنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ أَيْضًا فِيهِمَا كَمَا فِي بْن. (قَوْلُهُ: وَشَبَّهَ بِهِ) أَيْ بِرَهْنِ الدَّيْنِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ رَهْنَ الدَّيْنِ فِي بَابِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: فَكَالرَّهْنِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ.
(قَوْلُهُ: وَرَهْنًا) حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَةِ الرَّهْنِ لِذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ صَحَّتْ الْهِبَةُ مُطْلَقًا كَانَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ لَهُ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ، أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَةِ الرَّهْنِ لِذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا كَانَتْ بَاطِلَةً وَقَعَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ، أَوْ بَعْدَهُ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَإِنْ وَقَعَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ قُضِيَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَكِّ الرَّهْنِ وَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَدَفْعِ الرَّهْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ بَقِيَ الرَّهْنُ لِلْأَجَلِ فَإِذَا قُضِيَ الدَّيْنُ بَعْدَهُ دُفِعَ الرَّهْنُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ هِبَتُهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَيْسَرَ رَاهِنُهُ) أَيْ بِالدَّيْنِ الَّذِي
وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَتْ الْهِبَةُ الرَّهْنَ مَعَ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ لِأَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا لَذَهَبَ الْحَقُّ فِيهَا جُمْلَةً بِخِلَافِ الرَّهْنِ إذَا أَبْطَلْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ (أَوْ) أَعْسَرَ الرَّاهِنُ وَ (رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ) بِهِبَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذَا مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِأَوْ لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِالْهِبَةِ صَحَّتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ أَيْسَرَ الرَّاهِنُ أَوْ أَعْسَرَ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ كَالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ أَمْ لَا وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ وَهَبَهُ رَاهِنُهُ لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ قَبْضِ مُرْتَهِنِهِ لَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِبَتِهِ لَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّاهِنَ مُوسِرٌ (قُضِيَ) عَلَيْهِ (بِفَكِّهِ) أَيْ الرَّهْنِ وَيَتَعَجَّلُ الدَّيْنُ (إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ) كَعَرَضٍ حَالٍّ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ يَدْفَعُ الرَّهْنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَحَلُّ الْقَضَاءِ بِالْفَكِّ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ وَهَبَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِفَكِّهِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ وَيَبْقَى لِأَجَلِهِ إنْ حَلَفَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ كَعَرَضٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ (بَقِيَ) الرَّهْنُ (لِبَعْدِ الْأَجَلِ) وَلَمْ يُجْبَرْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ قَبْلَهُ وَلَا عَلَى قَبُولِ رَهْنٍ آخَرَ فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى الدَّيْنَ أَخَذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ.
(بِصِيغَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ وَمُرَادُهُ بِهَا مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ صَرِيحًا كَ وَهَبْتُ وَمَلَّكْتُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (أَوْ مُفْهِمِهَا) أَيْ مُفْهِمِ مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلٍ كَ خُذْ، أَوْ فِعْلٍ كَمَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُفْهِمُ (بِفِعْلٍ) أَيْ مُتَلَبِّسًا بِهِ وَالْأَوْضَحُ حَذْفُ الْبَاءِ أَيْ مَعَ قَرِينَةٍ عَلَى التَّمْلِيكِ (كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ اخْتَصَّ الْوَلَدُ بِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ التَّحْلِيَةَ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِمُجَرَّدِ الْإِمْتَاعِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
رَهَنَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ مَظِنَّةُ تَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِ قَبْلَ هِبَةِ الرَّاهِنِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَقَاءِ الدَّيْنِ بِلَا رَهْنٍ وَعَدَمِ تَعْجِيلِهِ هُوَ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَيْضًا أَنَّهُ يُعَجَّلُ لَهُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ لَهُ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: لَذَهَبَ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهَا جُمْلَةً. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ الرَّاهِنَ مُوسِرٌ فَيُعَجِّلُ الدَّيْنَ أَوْ يَأْتِي بِرَهْنٍ ثِقَةٍ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِرِضَاهُ بِهِبَتِهِ وَبَقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ وَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْ الرَّهْنِ فَضْلَةٌ زَائِدَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ التَّقْيِيدُ بِقَبْلِ الْقَبْضِ مُقْتَضَى الْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُقَيَّدِ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَطْفِ تَخْصِيصُ الرِّضَا بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ رَضِيَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ) أَيْ مِمَّا يُقْضَى بِتَعْجِيلِهِ وَقَوْلُهُ: كَالْعَيْنِ أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ وَقَوْلُهُ: وَالْعَرَضِ أَيْ إذَا كَانَ حَالًّا وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا أَيْ أَوْ كَانَ لَا يُقْضَى بِتَعْجِيلِهِ كَالْعَرَضِ الْمُؤَجَّلِ وَالطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِرِضَاهُ بِالْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُضِيَ بِفَكِّهِ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ يَقْبِضْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الرَّاهِنِ مُوسِرًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِفَكِّهِ فَلَا يُقْضَى بِفَكِّهِ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَبْقَى لِأَجَلِهِ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى دَيْنَهُ دَفَعَ الرَّهْنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ لِعُسْرٍ طَرَأَ لَهُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ فِي دَيْنِهِ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: لِبَعْدِ الْأَجَلِ) كَأَنَّهُ حَذَفَ الْمَوْصُولَ يَعْنِي لِمَا بَعْدَ الْأَجَلِ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46] أَيْ وَاَلَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكُمْ لِاخْتِلَافِ الْمُنَزَّلِ وَإِلَّا فَبَعْدُ لَا تُجَرُّ بِاللَّامِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى الدَّيْنَ إلَخْ) فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ لِعُسْرٍ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ.
(قَوْلُهُ: بِصِيغَةٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ) أَيْ تَمْلِيكٌ مُصَاحِبٌ لِصِيغَةٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُفْهِمٍ مَعْنَاهَا) أَيْ دَالٍّ عَلَى مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ وَإِنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ الْمُضَافَ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ إنَّ الَّذِي يُفْهِمُ الصِّيغَةَ صِيغَةٌ أُخْرَى وَحِينَئِذٍ فَلَا تَتَأَتَّى الْمُبَالَغَةُ وَقَدْ يُقَالُ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِفْهَامِ الصِّيغَةِ إلَّا إفْهَامُ مَعْنَاهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) أَيْ كَتَحْلِيَةِ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ وَلَدَهُ مُطْلَقًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَانَتْ التَّحْلِيَةُ جَائِزَةً أَوْ مُحَرَّمَةً وَتَقْيِيدُ خش وعبق بِالصَّغِيرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَالتَّحْلِيَةُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ وَالْمُرَادُ تَزْيِينُ وَلَدِهِ بِتَحْلِيَةٍ، أَوْ إلْبَاسِ ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ، أَوْ بِاشْتِرَاءِ دَابَّةٍ لَهُ يَرْكَبُهَا أَوْ اشْتِرَاءِ كُتُبٍ يُحَضِّرُ فِيهَا، أَوْ سِلَاحٍ يَحْتَرِسُ بِهِ، أَوْ يَتَزَيَّنُ بِهِ أَوْ يُقَاتِلُ بِهِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا قَالَ بْن وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ النِّكَاحُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ فِيهِ إنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شَأْنُهُ أَنْ يُعَارَ فِيهِ ذَلِكَ، وَغَيْرُهُ وَصَرَّحُوا فِي النِّكَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ فِي الْأَبِ بِابْنَتِهِ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ فَهُوَ مَحْمُولٌ فِيهَا عَلَى الْهِبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْلًى عَلَيْهَا وَإِلَّا كَانَتْ كَالْبِكْرِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُشْهِدْ بِمُجَرَّدِ الْإِمْتَاعِ) أَيْ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّ التَّحْلِيَةَ لِوَلَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَا تَكُونُ التَّحْلِيَةُ حِينَئِذٍ هِبَةً
بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ فَقَطْ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ (لَا بِ ابْنِ) عَطْفٌ عَلَى " مُفْهِمِهَا " إذْ الْمُفْهِمُ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ مِنْ الْبِنَاءِ أَيْ لَا تَكُونُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ ابْنِ هَذِهِ الْعَرْصَةَ دَارًا (مَعَ قَوْلِهِ) أَيْ الْوَالِدِ (دَارِهِ) أَيْ دَارَ وَلَدِي وَكَذَا قَوْلُهُ ارْكَبْ الدَّابَّةَ مَعَ قَوْلِهِ دَابَّتَهُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ لِلْأَبْنَاءِ مَعَ عَدَمِ إرَادَةِ التَّمْلِيكِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ تَقُولُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَقُولُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ دَارِهِ، أَوْ دَابَّتَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ، ثُمَّ لِلْوَلَدِ أَوْ الزَّوْجِ الْبَانِي قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَانْقَضَتْ بِمَوْتِ الْأَبِ أَوْ الزَّوْجَةِ.
(وَحِيزَ) الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ لِتَتِمَّ الْهِبَةُ أَيْ تَحْصُلَ الْحِيَازَةُ عَنْ الْوَاهِبِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي تَمَامِهَا (وَإِنْ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْوَاهِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّحْوِيزُ (وَأُجْبِرَ) الْوَاهِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَوْزِ أَيْ عَلَى تَمْكِينِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْهُ حَيْثُ طَلَبَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَهُ طَلَبُهَا مِنْهُ حَيْثُ امْتَنَعَ وَلَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ لِيُجْبِرَهُ عَلَى تَمْكِينِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَبُولُ وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ وَالْحِيَازَةَ شَرْطٌ.
(وَبَطَلَتْ) الْهِبَةُ (إنْ تَأَخَّرَ) حَوْزُهَا (لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) بِمَالِ الْوَاهِبِ وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِهَا فَقَوْلُهُ لِدَيْنٍ أَيْ لِثُبُوتِهِ، وَثُبُوتُهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِسَبْقِهِ، أَوْ لُحُوقِهِ وَاللَّامُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ فَهِيَ بِمَعْنَى إلَى وَأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِ بَطَلَتْ (أَوْ)(وَهَبَ لِثَانٍ وَحَازَ) قَبْلَ الْأَوَّلِ فَلِلثَّانِي لِتَقَوِّي جَانِبِهِ بِالْحِيَازَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ جَدَّ الْأَوَّلُ فِي الطَّلَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَلَا تَمْلِيكًا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ) أَيْ بِخِلَافِ تَحْلِيَةِ الزَّوْجَةِ إلَخْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَحْلِيَةَ الزَّوْجَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ خَاصٌّ بِتَحْلِيَتِهَا بِشَيْءٍ وَهِيَ عِنْدَهُ وَأَمَّا مَا يُرْسِلُهُ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا هَدِيَّةً مِنْ ثِيَابٍ، أَوْ حُلِيٍّ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّمْلِيكِ إلَّا إذَا سَمَّاهُ عَارِيَّةً وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُرْسِلُهُ لَهَا إنْ سَمَّاهُ هَدِيَّةً حُمِلَ عَلَى التَّمْلِيكِ أَوْ عَارِيَّةً حُمِلَ عَلَى عَدَمِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَالْأَصْلُ فِيهِ التَّمْلِيكُ فَالْمَدَارُ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالْعَادَةِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ) مَا ذَكَره مِنْ أَنَّ تَحْلِيَةَ أُمِّ الْوَلَدِ كَتَحْلِيَةِ الزَّوْجَةِ فِي كَوْنِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِمْتَاعِ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ هُوَ مَا ارْتَضَاهُ بْن نَاقِلًا لَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَرْتَضِ مَا فِي عبق مِنْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْوَلَدِ فِي أَنَّ تَحْلِيَةَ السَّيِّدِ لَهَا تُحْمَلُ عَلَى التَّمْلِيكِ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِالْإِمْتَاعِ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُفْهِمُ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِ) أَيْ لِصِدْقِهِ بِالْقَوْلِ كَ خُذْ هَذَا وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْعَطْفِ عَلَى مُفْهِمٍ أَيْ لِأَنَّ مُفْهِمًا يَشْمَلُ كُلَّ قَوْلٍ مُفْهِمٍ وَكُلَّ فِعْلٍ مُفْهِمٍ وَقَوْلُ الْأَبِ ابْنِ مَعَ قَوْلِهِ دَارِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُفْهِمِ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَمُخْرَجٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْبِنَاءِ) أَيْ لَا مِنْ الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ دَارِهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَوْلُهُ:) أَيْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ تَحْصُلَ الْحِيَازَةُ عَنْ الْوَاهِبِ) أَيْ وَتَحْصُلَ حِيَازَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إذَا حَصَلَ إذْنٌ مِنْ الْوَاهِبِ بَلْ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي تَمَامِهَا) أَيْ فَإِنْ عُدِمَ لَمْ تَلْزَمْ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ التَّحْوِيزُ) أَيْ تَسْلِيمُ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: تُمْلَكُ بِالْقَوْلِ) أَيْ وَيُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ لَا إنْ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْإِيمَانِ بِالتَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقِيلَ إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: الْقَبُولُ وَالْحِيَازَةُ) أَيْ قَبُولُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحِيَازَتُهُ. (قَوْلُهُ: رُكْنٌ) أَيْ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ بِعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: شَرْطٌ) أَيْ فِي تَمَامِهَا فَإِنْ عُدِمَ لَمْ تَلْزَمْ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً.
(قَوْلُهُ: لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) وَأَوْلَى إذَا تَأَخَّرَ لِقِيَامِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ لِفَلَسِهِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِهَا) أَيْ وَلَوْ طَرَأَ الدَّيْنُ بَعْدَ عَقْدِهَا. (قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِسَبْقِهِ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ سَابِقًا عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ أَوْ لَاحِقًا لَهَا وَالْبُطْلَانُ فِي الْأَوَّلِ بِاتِّفَاقٍ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ بِمَعْنَى إلَى) أَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِ تَأَخَّرَ. (قَوْلُهُ: فَلِلثَّانِي) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الْهِبَةِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إنْ كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هِبَةَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هِبَتَهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الْأَوَّلِ الْمُصَوَّرِ بِالْإِشْهَادِ وَدَفْعِ ذِكْرِ الْحَقِّ لَهُ إنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِتَصْيِيرِ الدَّيْنِ لَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا طَلَاقَ امْرَأَةٍ عَلَى بَرَاءَتِهَا لَهُ مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِآخَرَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ كَانَتْ أَشْهَدَتْ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَدَفَعَتْ لَهُ ذِكْرَ الصَّدَاقِ طَلُقَتْ بَائِنًا وَلَزِمَ الزَّوْجَ دَفْعُ مُؤَخَّرِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُشْهِدْ وَلَمْ تَدْفَعْ الذِّكْرَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمُؤَخَّرُ بِبَرَاءَتِهَا لَهُ مِنْهُ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَشْمَلُ قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبْت لِثَانٍ وَحَازَ قَبْلَ الْأَوَّلِ مَا إذَا وَهَبَ لِلثَّانِي الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ بِإِعَارَةٍ أَوْ إخْدَامٍ وَحَازَهُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُخْدَمُ بَعْدَ أَنْ وَهَبَ أَوَّلًا ذَاتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ لِشَخْصٍ فَإِنَّ الْحَقَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَنْفَعَةِ وَالذَّاتِ دُونَ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ حَوْزَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُخْدَمِ حَوْزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَحِينَئِذٍ لَا يُصَدَّقُ أَنَّ الثَّانِيَ حَازَ قَبْلَ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَدَّ الْأَوَّلُ فِي طَلَبٍ) أَيْ قَبْلَ هِبَتِهَا لِلثَّانِي وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ جَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوهَبْ لِثَانٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَلِلثَّانِي وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ
(أَوْ)(أَعْتَقَ الْوَاهِبُ) قَبْلَ الْحَوْزِ، أَوْ كَاتَبَ، أَوْ دَبَّرَ بَطَلَتْ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِعِتْقِ الْوَاهِبِ أَمْ لَا (أَوْ)(اسْتَوْلَدَ) الْوَاهِبُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ أَيْ حَمَلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْزِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْوَطْءِ فَلَا يُفِيتُ (وَلَا قِيمَةَ) عَلَى الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ.
(أَوْ)(اسْتَصْحَبَ) الْوَاهِبُ (هَدِيَّةً) لِشَخْصٍ فِي سَفَرِهِ لِمَحَلٍّ هُوَ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ (أَوْ أَرْسَلَهَا) لَهُ مَعَ شَخْصٍ (ثُمَّ مَاتَ) الْوَاهِبُ قَبْلَ وُصُولِهِ، أَوْ وُصُولِ رَسُولِهِ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ لِعَدَمِ الْحَوْزِ قَبْلَ الْمَانِعِ.
(أَوْ) مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ (الْمُعَيَّنَةُ لَهُ) أَيْ الَّذِي قُصِدَ بِهَا عَيْنُهُ دُونَ وَارِثِهِ سَوَاءٌ اسْتَصْحَبَ، أَوْ أَرْسَلَ فَتَبْطُلُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ (إنْ لَمْ يُشْهِدْ) وَمَفْهُومُ " الْمُعَيَّنَةُ لَهُ " أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُقْصَدْ عَيْنُهُ بَلْ هُوَ وَذُرِّيَّتُهُ كَطَعَامٍ حُمِلَ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ فَتَكُونُ لِذُرِّيَّتِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَيْضًا وَمَفْهُومُ " إنْ لَمْ يُشْهِدْ " أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ حِينَ الِاسْتِصْحَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ أَنَّهَا لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَلَا بِمَوْتِ الْوَاهِبِ بَلْ تَصِحُّ فِي الثَّمَانِيَةِ أَيْ اسْتَصْحَبَ الْوَاهِبُ أَوْ أَرْسَلَ قَصَدَ عَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِتَنْزِيلِهِمْ الْإِشْهَادَ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ فَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً.
وَشُبِّهَ فِي الْبُطْلَانِ لِعَدَمِ الْحَوْزِ قَوْلُهُ (كَأَنْ)(دَفَعْتَ) فِي صِحَّتِك، أَوْ مَرَضِك (لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْك بِمَالٍ) لِلْفُقَرَاءِ (وَلَمْ تُشْهِدْ) حِينَ الدَّفْعِ حَتَّى حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ إنْفَاذِهِ، أَوْ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَتَبْطُلُ وَيَرْجِعُ جَمِيعُهُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَك، أَوْ لِوَارِثِك بَعْدَ الْمَانِعِ فَإِنْ أَنْفَذَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنَهُ إنْ عَلِمَ بِالْمَوْتِ وَإِلَّا فَخِلَافٌ وَمَفْهُومُ " لَمْ تُشْهِدْ " أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ حِينَ الدَّفْعِ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ) أَيْ مَا وَهَبَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ نَاجِزًا، أَوْ لِأَجَلٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْوَطْءِ) أَيْ الْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْإِيلَادِ فَلَا يُفِيتُ وَمِثْلُ الْهِبَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَصِيَّةُ فَإِذَا أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِشَخْصٍ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَنَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي خِلَافًا لِمَا فِي عبق تَبَعًا لعج مِنْ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ. (قَوْلُهُ: وَلَا قِيمَةَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَدْ رَاعَوْا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَقَوِّي الثَّانِي بِالْقَبْضِ فَلِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ فِيهَا وَعَدَمِ الْقِيمَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ) أَيْ الْمُسْتَصْحِبُ أَوْ الْمُرْسِلُ وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ وُصُولِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ قَبْلَ وُصُولِ الْهِبَةِ لَهُ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ، أَوْ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ لَوْ قَالَ: ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُعَيَّنَةُ هِيَ لَهُ بِالْإِبْرَازِ فِيهِمَا لِعَطْفِ الظَّاهِرِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الْأَوَّلِ وَلِجَرَيَانِ الصِّلَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فِي الثَّانِي وَأَجَابَ الْبَدْرُ بِأَنَّ الْأَمْرَ سَهْلٌ فَلِغَرَضِ الِاخْتِصَارِ كَفَى الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ وَبِلَا فَصْلٍ يَرِدُ وَفِي الثَّانِي عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ لَا يَجِبُ الْإِبْرَازُ إذَا أُمِنَ اللَّبْسُ. (قَوْلُهُ: الْمُعَيَّنَةُ لَهُ) الْمُرَادُ الْمُعَيَّنُ لَهَا لِعِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ لَا هُوَ وَذُرِّيَّتُهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي قُصِدَ بِهَا عَيْنُهُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْوَاهِبُ هِيَ لِفُلَانٍ إنْ كَانَ حَيًّا. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ اسْتَصْحَبَ) أَيْ اسْتَصْحَبَهَا الْوَاهِبُ مَعَهُ أَوْ أَرْسَلَهَا مَعَ رَسُولٍ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ) الْأَوْلَى لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلًا إلَيْهِ، أَوْ مُسْتَصْحَبًا لَهُ. (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَيْضًا) أَيْ فِي مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَصْحِبَهَا الْوَاهِبُ مَعَهُ، أَوْ يُرْسِلَهَا مَعَ رَسُولٍ وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا وَتَصِحُّ فِي اثْنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَوْتِ الْوَاهِبِ) أَيْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُعَيَّنًا، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً) حَاصِلُهَا أَنَّ الْوَاهِبَ إمَّا أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْهَدِيَّةَ مَعَهُ، أَوْ يُرْسِلَهَا مَعَ رَسُولٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِالْهِبَةِ عَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُشْهِدَ حِينَ الِاسْتِصْحَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ أَمْ لَا فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الْبُطْلَانُ فِي سِتَّةٍ مِنْهَا وَهِيَ صُوَرُ الْمَنْطُوقِ الْأَرْبَعَةُ وَصُورَتَانِ مِنْ صُوَرِ مَنْطُوقِ الْمُعَيَّنِ لَهُ وَالصِّحَّةُ فِي عَشَرَةٍ وَهِيَ صُوَرُ الْمَفْهُومِ.
(قَوْلُهُ: فِي صِحَّتِك، أَوْ مَرَضِك) فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي بْن قَصْرُهُ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْإِشْهَادِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّحِيحِ لِتَوَقُّفِ صَدَقَاتِهِ عَلَى الْحِيَازَةِ وَالشَّهَادَةُ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَتَهَا وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَتَبَرُّعَاتُهُ نَافِذَةٌ مِنْ الثُّلُثِ مُطْلَقًا أَشْهَدَ أَمْ لَا فَلَا يَتَوَقَّفُ مُضِيُّ تَبَرُّعِهِ عَلَى حَوْزٍ وَلَا عَلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ صَدَقَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ عَطِيَّةٍ بَتَلَهَا الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ ثُلُثِهِ كَوَصَايَاهُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُشْهِدْ) أَيْ بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ حِينَ الدَّفْعِ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْبُطْلَانِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ الْبُطْلَانِ لَا بِقَيْدِ عَدَمِ الْإِشْهَادِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَفَلَسٍ، أَوْ جُنُونٍ. (قَوْلُهُ: فَتَبْطُلُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ الْمَانِعُ بَعْدَ تَفْرِقَةِ جَمِيعِهِ فَقَدْ مَضَتْ. (قَوْلُهُ: لَك) أَيْ إنْ كَانَ الْمَانِعُ غَيْرَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ بِالْمَوْتِ) وَإِلَّا فَخِلَافٌ فَإِنْ تَنَازَعَ الْوَرَثَةُ وَالْوَكِيلُ فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ فَرَّقَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْتِهِ وَادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّهُ فَرَّقَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ
وَمَاتَ الْمُتَصَدِّقُ لَمْ تَبْطُلْ وَتَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الصَّحِيحِ وَثُلُثِ الْمَرِيضِ.
(لَا إنْ)(بَاعَ وَاهِبٌ) هِبَتَهُ بَعْدَ عَقْدِهَا (قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ) بِالْهِبَةِ، أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي حَوْزِهَا فَلَا تَبْطُلُ وَيُخَيَّرُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ بَاعَ بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَتَفْرِيطِهِ مَضَى الْبَيْعُ، وَإِذَا مَضَى (فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطَى رُوِيَتْ) الْمُدَوَّنَةُ (بِفَتْحِ الطَّاءِ) وَالْمُعْطَى بِالْفَتْحِ هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَالثَّمَنُ لَهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ (وَكَسْرِهَا) فَالثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
(أَوْ)(جُنَّ) الْوَاهِبُ (أَوْ مَرِضَ) بِغَيْرِ جُنُونٍ عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَاتَّصَلَا بِمَوْتِهِ) فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَوْ حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَالَ الْمَانِعِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحَوْزِ حُصُولُهُ قَبْلَهُ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ لِوُقُوعِهَا فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلَا بِمَوْتِهِ بِأَنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَأْخُذُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تُوقَفُ حَتَّى يُعْلَمَ أَيُفِيقُ، أَوْ يَصِحُّ قَبْلَ الْمَوْتِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ.
(أَوْ)(وَهَبَ) الْوَاهِبُ وَدِيعَةً (لِمُودَعِ) بِالْفَتْحِ (وَلَمْ يَقْبَلْ) أَيْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ قَبُولٌ (لِمَوْتِهِ) أَيْ الْوَاهِبِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَهُ أَنَّهُ قَبِلَ وَنَازَعَهُ الْوَارِثُ فَتَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَوْزُهُ السَّابِقُ لِكَوْنِهِ كَانَ فِيهِ أَمِينًا فَيَدُهُ كَيَدِ صَاحِبِهَا فِيهِ فَكَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ رَبِّهَا لِمَوْتِهِ.
(وَصَحَّ) الْقَبُولُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ (إنْ قَبَضَ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ (لِيَتَرَوَّى) فِي أَمْرِهِ هَلْ يَقْبَلُ أَوْ لَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ (أَوْ جَدَّ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي قَبْضِ الْهِبَةِ وَالْوَاهِبُ يُسَوِّفُهُ حَتَّى مَاتَ (أَوْ) جَدَّ (فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ) أَيْ شَاهِدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ حِينَ أَنْكَرَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ شَاهِدَيْنِ وَاحْتَاجَا لِلتَّزْكِيَةِ فَجَدَّ فِي تَزْكِيَتِهِمَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَأْخُذُهَا إذَا زَكَّاهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَنْزِيلِ الْجِدِّ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ فَالْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ الْجِنْسُ.
(أَوْ)(أَعْتَقَ) الْمَوْهُوبُ لَهُ لِرَقِيقِ الْهِبَةِ وَلَوْ لِأَجَلٍ (أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ) الْهِبَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا تَبْطُلُ وَيُنَزَّلُ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ (إذَا أَشْهَدَ) عَلَى ذَلِكَ (وَأَعْلَنَ) عِنْدَ حَاكِمٍ بِمَا فَعَلَهُ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ لِلتَّشَوُّفِ لِلْحُرِّيَّةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
إلَّا لِبَيِّنَةٍ بِعِلْمِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَمَاتَ الْمُتَصَدِّقُ) أَيْ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْفُذُ إلَخْ) أَيْ وَتُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَيُصَدَّقُ الْمُفَرِّقُ فِي التَّصَدُّقِ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ. (قَوْلُهُ: مِنْ رَأْسِ مَالِ الصَّحِيحِ) أَيْ مَنْ كَانَ صَحِيحًا حِينَ الدَّفْعِ. (قَوْلُهُ: وَثُلُثِ الْمَرِيضِ) أَيْ مَنْ كَانَ مَرِيضًا حِينَ الدَّفْعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُفَرِّطْ) أَيْ بِأَنْ جَدَّ فِي طَلَبِهَا وَقَوْلُهُ: وَيُخَيَّرُ أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَوْلُهُ: فِي رَدِّ الْبَيْعِ أَيْ وَأَخْذِهِ الْهِبَةَ. (قَوْلُهُ: فَالثَّمَنُ لَهُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ، وَالْمُدَوَّنَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ خِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ؛ إذْ الْهِبَةُ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُخَيَّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَفِي رَدِّهِ إلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
(قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ) أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْمَرَضَ بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ الْجُنُونِ لِلتَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَاتَّصَلَا بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهَا فِي الصِّحَّةِ) هَذَا يُشِيرُ لِمَا قُلْنَاهُ لَك مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبَ لِمُودَعٍ) أَيْ أَوْ لِمُسْتَعِيرٍ فَحُكْمُ الْعَارِيَّةِ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَهُ أَنَّهُ قَبِلَ) أَيْ ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ أَنَّهُ قَبِلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَنْشَأَ الْقَبُولَ بَعْدِ الْمَوْتِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْحَوْزِ السَّابِقِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ جَعْلُ الْمُصَنِّفِ مَوْتَ الْوَاهِبِ غَايَةً لِعَدَمِ قَبُولِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ أَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَهُ وَأَوْلَى إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَصْلًا وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الَّذِي هُوَ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُعْذَرُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيمَنْ وَهَبَ شَيْئًا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَارِيَّةً، أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبِلَ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ صَحَّتْ الْهِبَةُ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: قَبِلْتُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَبِلَ بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ يَقْبَلْ بَطَلَتْ الْهِبَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَحَّتْ عِنْدَ أَشْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْوَصِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا حُلُولُو اهـ والقليشاني فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ وَهَبَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْحَوْزِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَدَا لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ فَأَنْشَأَ الْقَبُولَ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَدَّ فِيهِ) مِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمُنْتَقَى: مَنْ وَهَبَ آبِقًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ صَحَّ ذَلِكَ وَلَزِمَ. (قَوْلُهُ: إذَا زَكَّاهُمَا) أَيْ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الرَّقِيقَ الْهِبَةَ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْوَاهِبِ، ثُمَّ حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ) الضَّمِيرُ فِيهِمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَوْلُهُ: قَبْلَ قَبْضِهَا أَيْ مِنْ الْوَاهِبِ، ثُمَّ حَصَلَ لِذَلِكَ الْوَاهِبِ مَانِعٌ. (قَوْلُهُ: وَيُنَزَّلُ فِعْلُهُ) أَيْ فِعْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ فَكَأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا حَصَلَ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَقَوْلُهُ " وَأَعْلَنَ " قَيْدٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ فَالْمَعْنَى إذَا أَشْهَدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ وَأَعْلَنَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَا فَعَلَهُ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْهِبَةِ عَلَى إعْلَانِ الْمَوْهُوبِ
وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ رُجُوعُهُ لِلثَّلَاثَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَيْضًا وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ اخْتِصَاصَهُ بِالْهِبَةِ فَقَطْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ لَا يُعْتَبَرَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(أَوْ)(لَمْ يُعْلَمْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ (بِهَا) أَيْ بِالْهِبَةِ (إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَيْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَمَّا مَاتَ عَلِمَ وَارِثُهُ فَلَا تَبْطُلُ وَيَأْخُذُهَا الْوَارِثُ وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رَدٌّ حَتَّى مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.
(وَ) صَحَّ (حَوْزُ مُخْدَمٍ) عَبْدًا يَهَبُهُ سَيِّدُهُ لِغَيْرِ مَنْ أَخَدَمَهُ لَهُ (وَ) حَوْزُ (مُسْتَعِيرٍ) لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (مُطْلَقًا) عَلِمَا بِالْهِبَةِ أَمْ لَا تَقَدَّمَتْ الْخِدْمَةُ، أَوْ الِاسْتِعَارَةُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ صَاحَبَتْهَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا فَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْإِخْدَامِ، أَوْ الْإِعَارَةِ فَلَا كَلَامَ لِوَارِثِهِ وَأَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْهِبَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَنْفَعَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِلْأَخِيرَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ تَبِعَ فِيهِ الْبِسَاطِيَّ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ. (قَوْلُهُ: بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ اخْتِصَاصَهُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْعَلَّامَةُ طفى حَيْثُ قَالَ وَلَمْ أَرَ قَيْدَ الْإِعْلَانِ إلَّا فِي الْهِبَةِ فَقَطْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الْإِعْلَانُ فَيُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ اتِّفَاقًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعِتْقِ عِنْدَ الْبِسَاطِيِّ وطفى خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ مَا لِلْبِسَاطِيِّ وَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَهُوَ مَا لطفى فَالْهِبَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ اتِّفَاقًا وَالْعِتْقُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِعْلَانُ بَلْ الْإِشْهَادُ فَقَطْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِشْهَادُ عِنْدَ طفى وَيُعْتَبَرَانِ فِيهِ عِنْدَ الْبِسَاطِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ) أَرَادَ بِهِ عبق فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ " إنْ أَشْهَدَ " رَاجِعًا لِلثَّلَاثَةِ وَقَوْلَهُ " وَأَعْلَنَ " رَاجِعًا لِلْأَخِيرَيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي المج. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ لَا يُعْتَبَرَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ أَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْوَاهِبِ، ثُمَّ حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ فَلَيْسَ كَالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق وَفِيهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فَقِيلَ إنَّهَا عِتْقٌ وَقِيلَ إنَّهَا بَيْعٌ وَقِيلَ إنَّهَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا كَافٍ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ وَالتَّدْبِيرُ عِتْقٌ مُؤَجَّلٌ فَالْحَقُّ أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ كَذَلِكَ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عِلْمٌ بِهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَّصِفُ بِالْعِلْمِ هُوَ وَارِثُهُ لَا هُوَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَصِحُّ قِرَاءَةُ " يُعْلَمْ " بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيُجْعَلُ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَضَمِيرُ مَوْتِهِ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا الْبُطْلَانُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ وَيَأْخُذُهَا الْوَارِثُ) أَيْ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَارَةً تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةَ وَتَارَةً تَقُومُ عَلَى قَصْدِ عَيْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا كَلَامَ لِوَارِثِهِ وَعِنْدَ الشَّكِّ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ وَبِهَذَا قَرَّرَهُ الْمِسْنَاوِيُّ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ عَلِمَ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ، " أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا " وَقَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِهَا أَيْ وَكَذَا إنْ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْهِبَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رَدٌّ حَتَّى مَاتَ وَلَوْ كَانَ تَرَكَ قَبْضَهَا تَفْرِيطًا وَتَكَاسُلًا.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ حَوْزُ مُخْدَمٍ وَمُسْتَعِيرٍ) صُورَتُهُ أَخْدَمَ شَخْصٌ عَبْدَهُ، أَوْ أَعَارَهُ لِزَيْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَحَازَهُ زَيْدٌ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَذْكُورَ لِعَمْرٍو فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُ زَيْدٍ الْمُخْدَمِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ لِعَمْرٍو الْمَوْهُوبِ لَهُ بِحَيْثُ إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ وَالْعَبْدُ فِي حَوْزِ الْمُخْدَمِ، أَوْ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ وَإِنَّمَا صَحَّ حَوْزُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا حَازَهُ لِنَفْسِهِ وَحَوْزُهُ لِنَفْسِهِ خُرُوجٌ عَنْ حَوْزِ الْوَاهِبِ وَالْخُرُوجُ عَنْ حَوْزِ الْوَاهِبِ يَكْفِي فِي حَوْزِ الْمَوْهُوبِ وَمَحَلُّ صِحَّةِ حَوْزِ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا أَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَإِلَّا فَلَا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: أَوْ صَاحَبَتْهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ كَثِيرٍ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَشْهَدَ) أَيْ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ أَمْ لَا الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا التَّعْمِيمِ وَإِبْدَالُهُ بِقَوْلِهِ رَضِيَا بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ إشْهَادَ الْوَاهِبِ عَلَى الْهِبَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ حَوْزِهِمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا عَلِمْت.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَوْزَ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا عَلِمَا بِالْهِبَةِ أَمْ لَا تَقَدَّمَ الْإِخْدَامُ وَالْإِعَارَةُ عَلَى الْهِبَةِ بِقَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ، رَضِيَا بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لَا فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا لَا تَحَوُّزَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُشْهِدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ حَوْزُهُمَا لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ حَيْثُ قَيَّدَ صِحَّةَ حَوْزِهِمَا لَهُ بِمَا إذَا عَلِمَا بِالْهِبَةِ وَرَضِيَا بِالْحَوْزِ لَهُ وَنِسْبَةُ الْمَوَّاقِ هَذَا التَّقْيِيدَ لِلْمُدَوَّنَةِ سَهْوٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ طفى؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ وَلَا تَقْيِيدَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا كَلَامَ لِوَارِثِهِ) أَيْ لَا فِي بُطْلَانِ الْهِبَةِ وَلَا الْإِخْدَامِ وَلَا الْإِعَارَةِ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْعَبْدُ تَحْتَ يَدِ الْمُخْدَمِ بِالْفَتْحِ، أَوْ
فَلَا يَتَأَتَّى لِلْوَاهِبِ إخْدَامٌ وَلَا إعَارَةٌ.
(وَ) صَحَّ حَوْزُ (مُودَعٍ) بِالْفَتْحِ لِوَدِيعَةٍ وَهَبَهَا مَالِكُهَا لِغَيْرِهِ (إنْ عَلِمَ) بِالْهِبَةِ لِيَكُونَ حَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ حَافِظٌ لِلْوَاهِبِ وَبَعْدَهُ صَارَ حَافِظًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَغَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَشْتَرِطْ عِلْمَ الْمُودَعِ بَلْ قَالَ بِصِحَّةِ حَوْزِهِ مُطْلَقًا كَالْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَرُجِّحَ أَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ تَبْطُلْ.
(لَا) يَصِحُّ حَوْزُ (غَاصِبٍ) لِشَيْءٍ وَهَبَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِهِ عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَلَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ لَجَازَ أَيْ إنْ رَضِيَ الْغَاصِبُ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَصِيرُ كَالْمُودَعِ.
(وَ) لَا حَوْزُ (مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ) بِالْكَسْرِ فِيهِمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ فَالرَّهْنُ لِوَرَثَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَفْتَكُّوهُ وَأَنْ يَتْرُكُوهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَكَذَا الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي نَظِيرِ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلِذَا كَانَ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَيْضًا يَدُ الْمُؤَجِّرِ جَائِلَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ بِقَبْضِ أُجْرَتِهِ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ صَحَّ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ جَوَلَانِ يَدِ الْوَاهِبِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْمُؤَجِّرُ (الْإِجَارَةَ) أَيْ الْأُجْرَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَكُونُ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.
(وَلَا إنْ رَجَعَتْ) الْهِبَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَاهِبِهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ حَوْزِهَا الْمَوْهُوبَ لَهُ (بِقُرْبٍ) مِنْ حَوْزِهِ بِأَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَنَةٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ بَلْ تَبْطُلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِأَخْذِهَا بَلْ بِعَدَمِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ رُجُوعَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ آجَرَهَا) الْمَوْهُوبُ لَهُ لِوَاهِبِهَا (أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) أَيْ أَعْطَاهَا لِوَاهِبِهَا عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى وَالْإِخْدَامِ قُرْبَ حَوْزِهِ لَهَا وَحَصَلَ مَانِعٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ تِلْكَ الْحِيَازَةَ تَصِيرُ كَالْعَدَمِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُسْتَعِيرِ حَتَّى تَتِمَّ الْمُدَّةُ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى لِلْوَاهِبِ إخْدَامٌ وَلَا إعَارَةٌ) فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْوَاهِبَ أَعَارَ، أَوْ اسْتَخْدَمَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ الْهِبَةَ مِنْهُ صَحَّ حَوْزُ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لَهُ كَالْمُودَعِ.
(قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ بِالْهِبَةِ) أَيْ سَوَاءٌ رَضِيَ بِحَوْزِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ لَمْ يَرْضَ فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عِلْمُهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْهِبَةِ وَالرِّضَا بِالْحَوْزِ فِي صِحَّةِ حَوْزِ الْمُودَعِ اُنْظُرْ بْن وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُودَعِ وَبَيْنَ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا أَنَّ الْمُخْدَمَ وَالْمُسْتَعِيرَ حَازَا لِنَفْسِهِمَا وَلَوْ قَالَا لَا نَحُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَهُمَا غَيْرُ قَادِرَيْنِ عَلَى ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ قَبُولِهِمَا وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى رَدِّ مَا قَبِلَاهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمَا لِلْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا فَصَارَ حَوْزُهُمَا مُعْتَبَرًا مُعْتَدًّا بِهِ وَالْمُودَعُ لَوْ شَاءَ لَقَالَ خُذْ مَا أَوْدَعْتنِي لَا أَحُوزُهُ لَك. (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حَوْزِ الْمُودَعِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ حَوْزِ الْمُودَعِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ حَوْزُ غَاصِبٍ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ خَلَاصِهِ مِنْ الْغَاصِبِ كَانَ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ رَضِيَ الْغَاصِبُ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْحَوْزِ عِنْدَ أَمْرِ الْوَاهِبِ الْغَاصِبَ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَرِضَا الْغَاصِبِ بِالْحَوْزِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ غَائِبًا وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا رَشِيدًا فَفِيهِ خِلَافٌ اُنْظُرْهُ فِي بْن وَأَمَّا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ لِلْغَاصِبِ لَا تَدْفَعْهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ حَوْزًا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ كَالْمُودَعِ) أَيْ فِي كِفَايَةِ حَوْزِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ) أَيْ إذَا مَاتَ وَاهِبُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِبُطْلَانِ الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ) أَيْ حَيْثُ قِيلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ حَوْزِ الْأَوَّلِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَبِصِحَّةِ حَوْزِ الثَّانِي لَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ إلَخْ) إنْ قُلْت الْمُرْتَهِنُ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّ حَوْزَهُ يَكْفِي قُلْت الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الْعَارِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا قَبَضَ لِلتَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَا لِلتَّوَثُّقِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ حَوْزُ الْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ رَجَعَتْ الْهِبَةُ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقُرْبٍ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ غَلَّةٌ أَمْ لَا وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَقْيِيدُ الْمَوَّاقِ لَهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا غَلَّةٌ فَقَطْ رَدَّهُ طفى. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَانِعٌ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا لِيَصِحَّ حَوْزُهَا فَاَلَّذِي يَبْطُلُ فِي الْحَقِيقَةِ بِرُجُوعِهَا لِلْوَاهِبِ إنَّمَا هُوَ الْحَوْزُ فَقَطْ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَالْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمِيرًا مُسْتَتِرًا عَائِدًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: قُرْبٍ إلَخْ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ آجَرَهَا وَأَرْفَقَ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَحَصَلَ مَانِعٌ) أَيْ لِلْوَاهِبِ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَالْإِرْفَاقِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحِيَازَةَ) أَيْ الْحَاصِلَةَ
فَلَا تَبْطُلُ وَيَأْخُذُهَا مِنْ الْوَاهِبِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ وَذَكَرَ مَفْهُومَ بِقُرْبٍ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ) رُجُوعِهَا لَهُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ مُضِيِّ (سَنَةٍ) مِنْ حَوْزِهَا فَلَا تَبْطُلُ كَانَ لَهَا غَلَّةٌ أَمْ لَا لِطُولِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ (أَوْ)(رَجَعَ) الْوَاهِبُ لِدَارٍ مَثَلًا وَهَبَهَا (مُخْتَفِيًا) مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ حَوْزِهَا بِأَنْ وَجَدَ الدَّارَ خَالِيَةً فَسَكَنَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِذَلِكَ (أَوْ) رَجَعَ الْوَاهِبُ (ضَيْفًا) أَوْ زَائِرًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (فَمَاتَ) الْوَاهِبُ فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ فَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ.
(وَ) صَحَّ (هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا) وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ مَا عَدَا دَارَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ.
وَأَمَّا دَارُ السُّكْنَى فَفِيهَا تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا)(لَا الْعَكْسُ) وَهُوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ " لَا الْعَكْسُ " قَوْلَهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا مِنْ الْوَاهِبِ جَبْرًا عَلَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ حَوْزُهُ وَتَتِمَّ لَهُ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ رُجُوعِهَا لَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ وَقَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ أَيْ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إرْفَاقٍ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهَا فَلَا تَبْطُلُ) أَيْ إذَا حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَحْجُورِهِ وَأَمَّا الْهِبَةُ لِمَحْجُورِهِ فَتَبْطُلُ بِرُجُوعِهَا لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ارْتَضَاهَا ابْنُ رُشْدٍ، وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ عَامٍ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَبِهَا جَرَى الْعَمَلُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ اهـ بْن، وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيْ رُجُوعِهِمَا عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهِ وَأَمَّا الْوَقْفُ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِلْوَاقِفِ إنْ عَادَ لَهُ عَنْ قُرْبٍ لَا عَنْ بُعْدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ كَالْكُتُبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَقْفُ مَا عَادَ لَهُ بَعْدَ صَرْفِهِ وَلَوْ عَنْ قُرْبٍ وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَقْفُهُ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ) أَيْ إذَا حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ مُخْتَفِيًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مِنْهُ فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَ ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ، أَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةَ اهـ وَهَكَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ اهـ بْن وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَيْفًا، أَوْ زَائِرًا) الزَّائِرُ هُوَ الْقَاصِدُ لِلثَّوَابِ وَأَمَّا الضَّيْفُ فَهُوَ مَنْ نَزَلَ عِنْدَك لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ جُوعٍ فَلَيْسَ قَاصِدًا لَك ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الزَّائِرِ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ صَحَّ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَرْفُوعٌ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ صَحَّ وَقَوْلُهُ: مَتَاعًا أَيْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْفُرُشِ وَالنُّحَاسِ وَالْخَادِمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ) أَيْ بِشَرْطِ إشْهَادِهِ عَلَيْهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ هِبَةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لَا تَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ فَمَتَى أَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ وَهِيَ فِي حَوْزِهِ لَمْ يَضُرَّ وَأَمَّا هِبَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا غَيْرَ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَعَبِيدِ الْخَرَاجِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعَقَارِ غَيْرِ دَارِ السُّكْنَى فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحِيَازَةِ كَمَا فِي بْن وَهَبَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا وَأَلْحَقَ الْجَزِيرِيُّ الْحَيَوَانَ بِعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَأَلْحَقَ أَيْضًا بِالزَّوْجَيْنِ الْأَبَ يَهَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْأُمَّ كَذَلِكَ فَلَا يَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ فَمَتَى أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ وَهِيَ فِي حَوْزِهِ فَلَا يَضُرُّ وَكَذَلِكَ أَلْحَقَ بِالزَّوْجَيْنِ هِبَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا وَهِبَتَهُ لَهَا فَإِذَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ) أَيْ كَالْفُرُشِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَإِذَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَمَاتَ الْوَاهِبُ وَلَمْ يَحْصُلْ حَوْزٌ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ " وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ مَا عَدَا دَارَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَمِلَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَعَبِيدَ الْخَرَاجِ وَالْعَقَارَ غَيْرَ دَارِ السُّكْنَى وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا) أَيْ أَوْ لِبَنِيهِ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ سَاكِنَةً فِيهَا حَتَّى مَاتَتْ إذَا أَشْهَدَتْ وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْهَا وَأَنْ لَا يَبِيعَهَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ سُكْنَاهُ مَعَهَا فِيهَا حِيَازَةً لَهُ اهـ وَبِهَذَا يُرَدُّ مَا ذَكَرَهُ عج مِنْ صِحَّةِ الْهِبَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: لَا الْعَكْسُ) وَهُوَ هِبَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ دَارَ سُكْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا فِيهَا مَعَهَا حَتَّى مَاتَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مُجَرَّدَةً عَنْ شَائِبَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَمَّا لَوْ الْتَزَمَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ إنْ أَسْلَمَتْ فَالدَّارُ السَّاكِنُ فِيهَا مَعَهَا تَكُونُ لَهَا فَأَسْلَمَتْ فَهِيَ لَهَا وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا بُدَّ مِنْ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ قَالَهُ ح فِي الْتِزَامَاتِهِ
(وَلَا إنْ)(بَقِيَتْ) الْهِبَةُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وَاهِبِهَا حَتَّى حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ، أَوْ إحَاطَةِ دَيْنٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ، أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (إلَّا) أَنْ يَهَبَ وَلِيُّ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمِ قَاضٍ (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ، أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ فَلَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا صَرْفَ الْغَلَّةِ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ (إلَّا) أَنْ يَهَبَ لَهُ (مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) مِنْ مَعْدُودٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ مَكِيلٍ أَوْ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ، أَوْ دَارٍ مِنْ دُورٍ وَنَحْوِ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَحِيَازَتُهُ لِمَحْجُورِهِ (وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ) مَعَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْمَانِعِ.
(وَ) إلَّا (دَارَ سُكْنَاهُ) لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا لِمَحْجُورِهِ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا حَتَّى مَاتَ (إلَّا أَنْ يَسْكُنَ) الْوَاهِبُ (أَقَلَّهَا وَيُكْرِيَ لَهُ) أَيْ لِمَحْجُورِهِ (الْأَكْثَرَ) مِنْهَا فَتَصِحَّ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهَا فَتَكُونَ كُلُّهَا لِلْمَحْجُورِ (وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ) مِنْهَا وَأَكْرَى لِلْمَحْجُورِ النِّصْفَ الْآخَرَ (بَطَلَ) النِّصْفُ الَّذِي سَكَنَهُ (فَقَطْ) وَصَحَّ النِّصْفُ الَّذِي أَكْرَاهُ لَهُ ثُمَّ الرَّاجِحُ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِخْلَاءِ النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْكُنْهُ مِنْ شَوَاغِلِ الْوَاهِبِ، وَإِنْ لَمْ يُكْرِهِ لِلْمَحْجُورِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ (وَ) إنْ سَكَنَ (الْأَكْثَرَ) وَأَكْرَى لَهُ الْأَقَلَّ (بَطَلَ الْجَمِيعُ) وَمَوْضُوعُ تَفْصِيلِهِ فِي الْمَحْجُورِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَلَا إنْ بَقِيَتْ الْهِبَةُ) بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ. (قَوْلُهُ: فَتَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا، أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَجِدَّ فِي طَلَبِهَا حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ أَمَّا إنْ جَدَّ فَلَا بُطْلَانَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَحْجُورِهِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَخْصٍ مَوْهُوبٍ لَهُ إلَّا لِمَحْجُورِهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ) أَيْ قَبْلَ رُشْدِ الْمَحْجُورِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ شَرْطٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الْوَلِيُّ الْهِبَةَ لِلشُّهُودِ فَمَتَى قَالَ الْوَلِيُّ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا أَنِّي وَهَبْت كَذَا لِمَحْجُورِي كَفَى سَوَاءٌ أَحْضَرَهُ لَهُمْ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ أَمْ لَا فَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ لَهُمْ وَلَا مُعَايَنَتُهُمْ لِحَوْزِ الْوَلِيِّ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا صَرْفَ الْغَلَّةِ لَهُ) عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَلَا مُعَايَنَتُهُمْ لِلْحِيَازَةِ وَلَا صَرْفِ الْغَلَّةِ لَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ) مُقَابِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْبُطْلَانِ مُقَيَّدٌ بِصَرْفِ الْوَلِيِّ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ فَالْهِبَةُ كَالْحُبْسِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا وَهَذَا الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَابْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ كَمَا فِي بْن وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا حَازَ لِنَفْسِهِ فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْ لِنَفْسِهِ وَحَصَلَ مَانِعٌ لِلْوَاهِبِ بَطَلَتْ لَا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا، أَوْ حَصَلَ الْمَانِعُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ وَلَمْ يُدْرَ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا، أَوْ سَفِيهًا وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاهِبَ حَصَلَ لَهُ الْمَانِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَقَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ وَحِينَئِذٍ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَهَبَ لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْوَلِيُّ لِمَحْجُورِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَحْذُوفٍ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إلَّا لِمَحْجُورِهِ أَيْ فَيَحُوزُ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَعْدُودٍ، أَوْ مِنْ مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ كَكِتَابٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ إلَخْ) فَإِذَا قَالَ وَهَبْت لِمَحْجُورِي عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، أَوْ دَارًا مِنْ دُورِي، أَوْ بَقَرَةً مِنْ بَقَرِي وَاسْتَمَرَّ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا بَطَلَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْمَانِعِ) أَيْ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ مِنْ إخْرَاجِهِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ قَبْلَ الْمَانِعِ فَإِذَا جَعَلَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ قَبْلَ الْمَانِعِ صَحَّتْ الْهِبَةُ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَوْ مَخْتُومًا عَلَيْهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ عبق حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ خَتْمِهِ عَلَيْهِ وَتَحْوِيزِهِ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْخَتْمِ إذَا أَخْرَجَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا دَارَ سُكْنَاهُ) أَيْ إذَا سَكَنَهَا كُلَّهَا فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَسْكُنَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَامٌّ تَنَاوُلًا، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ لِقَوْلِهِ دَارَ سُكْنَاهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَكَنَ تِلْكَ الدَّارَ بَعْدَ الْهِبَةِ إلَى أَنْ حَصَلَ الْمَانِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُ بِالسُّكْنَى قَبْلَ الْهِبَةِ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خَاصٌّ بِدَارِ السُّكْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ جَارٍ فِي هِبَةِ الدَّارِ مُطْلَقًا بَلْ وَكَذَا الثِّيَابُ يَلْبَسُهَا، أَوْ بَعْضَهَا وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ الَّذِي حَازَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا حَتَّى مَاتَ) أَيْ أَوْ عَطَّلَهَا عَنْ السُّكْنَى مَعَ وُجُودِ مُكْتَرٍ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ الْمُقْتَضِي أَنَّ الْإِخْلَاءَ مِنْ شَوَاغِلِ الْوَاهِبِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاءٍ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ إكْرَائِهِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَدَارَ سُكْنَاهُ عَطْفٌ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ لِيَدِ أَجْنَبِيٍّ يَحُوزُهَا مِثْلُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى إخْلَائِهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ وَمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لَهَا كَذَلِكَ سَوَاءٌ بَقِيَتْ تَحْتَ يَدِهِ، أَوْ أَكْرَاهَا، أَوْ دَفَعَهَا لِأَجْنَبِيٍّ يَحُوزُهَا كَمَا لِلْمُتَيْطِيِّ وَالْجَزِيرِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي وَثَائِقِهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى تَفْتَرِقُ مِنْ غَيْرِهَا
وَلَوْ بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْ بَعْدَ رُشْدِهِ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ دَارَ سُكْنَاهُ لِوَلَدِهِ الرَّشِيدِ فَمَا حَازَهُ الْوَلَدُ وَلَوْ قَلَّ صَحَّ وَمَا لَا فَلَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْوَقْفُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ.
(وَجَازَتْ الْعُمْرَى) وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً، فَخَرَجَ تَمْلِيكُ الذَّاتِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَيَاةَ الْمُعْطَى أَيْ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْوَقْفُ الْمُؤَبَّدُ وَكَذَا الْمُؤَقَّتُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَا إذَا كَانَتْ بِعِوَضٍ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَبِقَوْلِهِ إنْشَاءً الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِهَا وَقَوْلُهُ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَيَاةَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ لَا تَكُونُ عُمْرَى حَقِيقَةً، وَإِنْ جَازَتْ أَيْضًا كَعُمْرِ زَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا كَانَتْ حَقِيقَةً فِي حَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يَنْصَرِفُ لَهَا الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ، أَوْ أَعْمَرْتُ زَيْدًا دَارِي حُمِلَ عَلَى عُمْرِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَعَبَّرَ بِالْجَوَازِ لِيَتَأَتَّى لَهُ الْإِخْرَاجُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ " لَا الرُّقْبَى " وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الْإِعْمَارِ بَلْ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمُعْطَى كَمَا أَشَارَ لَهُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ (كَ أَعْمَرْتُكَ) دَارِي، أَوْ ضَيْعَتِي أَوْ فَرَسِي، أَوْ سِلَاحِي، أَوْ أَسْكَنْتُك أَوْ أَعْطَيْت وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِحَيَاةِ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ لَكِنْ فِي نَحْوِ أَعْطَيْت لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِعْمَارِ، وَإِلَّا كَانَتْ هِبَةً (أَوْ) أَعْمَرْتُ (وَارِثَك) أَوْ أَعْمَرْتُكَ وَوَارِثَك فَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ يَجُوزُ مَعَهَا الْجَمْعُ فَيَصْدُقُ كَلَامُهُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ.
(وَرَجَعَتْ) الْعُمْرَى بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُعْمَرِ إذَا مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ مِلْكًا (لِلْمُعْمِرِ) بِالْكَسْرِ (أَوْ وَارِثِهِ) إنْ مَاتَ وَالْمُرَادُ وَارِثُهُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ لَا وَارِثُهُ يَوْمَ الْمَرْجُوعِ فَلَوْ مَاتَ عَنْ أَخٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَوَلَدٍ كَافِرٍ، أَوْ رَقِيقٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ، أَوْ تَحَرَّرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ رَجَعَتْ لِلْأَخِ لِأَنَّهُ الْوَارِثُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ لَا لِلِابْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْإِرْثِ يَوْمَ الْمَرْجُوعِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فِي هِبَةِ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ فَإِنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إخْلَاءِ الْوَلِيِّ لَهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ وَمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِتَخْلِيَتِهَا سَوَاءٌ أَكْرَاهَا أَمْ لَا وَمِثْلُهَا الْمَلْبُوسُ وَأَمَّا غَيْرُ دَارِ السُّكْنَى وَالْمَلْبُوسِ فَيَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْبَيِّنَةُ الْحِيَازَةَ فَالْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ فِيمَا لَا يَسْكُنُهُ الْوَلِيُّ وَلَا يَلْبَسُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْ بَعْدَ رُشْدِهِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ رُشْدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُوزَ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ حَوْزَ الْأَبِ لَهُ الْحَاصِلَ فِي صِغَرِهِ كَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْحَوْزِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَحُزْ لِنَفْسِهِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ لِلْوَلِيِّ بَطَلَتْ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْ بَعْدَ رُشْدِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَمَا حَازَهُ الْوَلَدُ وَلَوْ قَلَّ صَحَّ وَمَا لَا فَلَا) أَيْ وَمَا لَمْ يَحُزْهُ الْوَلَدُ بَلْ سَكَنَهُ الْأَبُ فَلَا يَصِحُّ قَالَ بْن وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ الْأَبُ الْأَقَلَّ صَحَّ جَمِيعُهَا وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَطَلَ مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ جَمِيعَهَا بَطَلَ الْجَمِيعُ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا وَإِنْ أَخْلَاهَا كُلَّهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ، أَوْ سَكَنَ أَقَلَّهَا صَحَّ جَمِيعُهَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَطَلَ مَا سَكَنَهُ فَقَطْ إنْ كَانَ كَبِيرًا فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ مَحَلُّ افْتِرَاقِ الْكَبِيرِ مِنْ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُؤَقَّتُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) إنَّمَا خَرَجَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُؤَقَّتًا بِحَيَاةِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ) أَيْ لِتَقْيِيدِهَا بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ حَيَاةُ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِهَا) أَيْ الْعُمْرَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إنْشَاءً وَإِحْدَاثًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ تَجْدِيدٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: لَا تَكُونُ عُمْرَى حَقِيقَةً) أَيْ اصْطِلَاحًا بَلْ عُمْرَى مَجَازًا أَيْ وَكَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُقَيَّدْ بِالْعُمْرِ بَلْ بِمُدَّةٍ كَإِلَى قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا لَا تَكُونُ عُمْرَى حَقِيقَةً وَإِنْ جَازَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِحَيَاتِهِ، أَوْ حَيَاةِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: بَلْ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ كَ أَسْكَنْتُكَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ كَ وَهَبْتُكَ سُكْنَاهَا أَوْ اسْتِغْلَالَهَا عُمْرَك. (قَوْلُهُ: فِي عَقَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كِتَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَحَيَوَانٍ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا، أَوْ حُلِيًّا قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ وَفِيهَا فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَهِيَ عِنْدِي عَلَى مَا أَعَارَهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الثَّوْبِ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ رُدَّ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِعْمَارِ) أَيْ كَ أَعْطَيْتُكَ سُكْنَى دَارِي، أَوْ غَلَّتَهَا مُدَّةَ عُمْرِك، أَوْ عُمْرِي. (قَوْلُهُ: فَيَصْدُقُ كَلَامُهُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ) إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعْمَرَهُ وَوَارِثَهُ مَعًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ كَوَقْفٍ عَلَيْك وَوَلَدِك عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ كَانَ الْوَالِدُ أَحْوَجَ وَلَكِنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي الْوَقْفِ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ مُسَاوَاةُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ أَحْوَجَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعُمْرَى لَا تَكُونُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَبَيْنَ الْوَقْفِ حَيْثُ سَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ مَدْلُولَ الْعُمْرَى الْعُمْرُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَعْمَرَ الْوَارِثَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَأَمَّا إذَا أَعْمَرَهُ فَقَطْ، أَوْ أَعْمَرَ وَارِثَهُ فَقَطْ فَإِنَّ الْمُعْمَرَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ حَالًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُمْرَى كَالْهِبَةِ فِي الْحَوْزِ بِمَعْنَى أَنَّ حَوْزَهَا قَبْلَ الْمَانِعِ شَرْطٌ فِي تَمَامِهَا فَتَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَيُجْبَرُ الْمُعْمِرُ بِالْكَسْرِ عَلَى دَفْعِهَا لِلْمُعْمَرِ لِيَحُوزَهَا فَإِنْ حَصَلَ الْمَانِعُ لِلْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهَا الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ بَطَلَتْ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ جِدٌّ فِي طَلَبِهَا قَبْلَ الْمَانِعِ.
(قَوْلُهُ: وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَارِثِهِ إنْ مَاتَ) وَلَوْ حَرَثَ الْمُعْمَرُ
وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ مِلْكًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَرْجُوعُ لَهُ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَالَ (كَحُبْسٍ عَلَيْكُمَا) أَيْ كَقَوْلِ مُحَبِّسٍ لِرَجُلَيْنِ هَذَا الشَّيْءُ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا (وَهُوَ لِآخِرِكُمَا) فَهُوَ حُبْسٌ عَلَيْهِمَا مَا دَامَا حَيَّيْنِ مَعًا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ لِلْآخَرِ (مِلْكًا) يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْآخَرِ حَبْسًا فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ وَقِيلَ يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ، أَوْ وَارِثِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَقْفِ فَقَوْلُهُ مِلْكًا مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ مُقَدَّرًا كَمَا عَلِمْتَ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَتْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَارِثِهِ فِي الْأُولَى وَتَرْجِعُ مِلْكًا لِلْآخَرِ مِنْهُمَا فِي الثَّانِيَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَتِهِ الْأَغْلَبِيَّةِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِلْكٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ أَيْ الرَّاجِعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِلْكٌ.
لَا (الرُّقْبَى) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَلَا تَجُوزُ فِي حُبْسٍ وَلَا مِلْكٍ وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَهَا بِالْمِثَالِ بِقَوْلِهِ (كَذَوِي دَارَيْنِ) أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ دَارٍ وَعَبْدٍ (قَالَا) أَيْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا) أَيْ دَارُك وَدَارِي (لِي، وَإِلَّا) بِأَنْ مِتُّ قَبْلَك (فَلَكَ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَارَ كُلٍّ مِلْكٌ لَهُ فَالْمُرَادُ إنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُك لِي مَضْمُومَةٌ لِدَارِي، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك فَدَارِي لَك مَضْمُومَةٌ لِدَارِك وَإِنَّمَا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إلَى الْمُخَاطَرَةِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ رَجَعَتْ لِوَارِثِهِ مِلْكًا وَلَا تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَشُبِّهَ فِي الْمَنْعِ قَوْلُهُ (كَهِبَةِ نَخْلٍ) لِشَخْصٍ (وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا) أَيْ اسْتَثْنَى الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا (سِنِينَ) مَعْلُومَةً، أَوْ سَنَةً فَلَا مَفْهُومَ لِلْجَمْعِ عَلَى الْأَصَحِّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِالْفَتْحِ أَرْضًا أُعْمِرَتْ لَهُ وَمَاتَ أَخَذَهَا رَبُّهَا وَدَفَعَ لِوَرَثَتِهِ أُجْرَةَ الْحَرْثِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَهَا لَهُمْ بِحَرْثِهَا تِلْكَ السَّنَةَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا فَإِنْ مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ وَبِهَا زَرْعٌ وَفَاتَ الْإِبَّانُ فَلِوَرَثَتِهِ الزَّرْعُ الْمَوْجُودُ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ زَرَعَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ) أَيْ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلِأَقْرَبِ امْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَتْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ مِنْهُمْ، بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا وَحُكْمُهَا كَالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَتَرْجِعُ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي حُبْسًا فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي فَهَلْ تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ، أَوْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ لِوَارِثِهِ قَوْلَانِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: صُورَةُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا الثَّانِيَةُ: حُبْسٌ عَلَيْكُمَا وَيَسْقُطُ قَوْلُهُ: وَهُوَ لِآخِرِكُمَا، الثَّالِثَةُ: حُبْسٌ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا فَفِي الْأُولَى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ لِلثَّانِي مِلْكًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ رَجَعَتْ لِلثَّانِي حُبْسًا فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي فَهَلْ تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ، أَوْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ قَوْلَانِ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَمُخَرَّجَانِ فِي الثَّالِثَةِ.
(قَوْلُهُ: مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ رَجَعَتْ رُجُوعَ مِلْكٍ لَا مَفْعُولٌ بِهِ؛ لِأَنَّ رَجَعَ لَازِمٌ وَقَوْلُهُ: مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ أَيْ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَبِّسِ. (قَوْلُهُ: حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَتْ) فِيهِ أَنَّ مِلْكًا مَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ وَمَجِيءُ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَالًا مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيُؤَوَّلُ هُنَا بِاسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ رَجَعَتْ فِي حَالِ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ فَاعِلَ رَجَعَ الْمَذْكُورَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْعُمْرَى وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مِلْكًا رَاجِعًا لِلْأُولَى فَقَطْ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الرَّاجِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ رَجَعَ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّشْبِيهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ فِي حُبْسٍ وَلَا مِلْكٍ) بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ إنْ مِتُّ فَدَارِي مِلْكٌ لَك أَوْ حُبْسٌ عَلَيْك. (قَوْلُهُ: فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إذَا وَقَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَيْ بِأَنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا بِفَوْرِ الْآخَرِ وَدَخَلَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً. (قَوْلُهُ: أَنَّ دَارَ كُلٍّ) أَيْ دَارَ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ لِلنَّصَارَى كُونُوا هُودًا مِثْلَنَا وَقَالَتْ النَّصَارَى لِلْيَهُودِ كُونُوا نَصَارَى مِثْلَنَا. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُخَاطَرَةِ) أَيْ الْغَرَرِ؛ إذْ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَمُوتُ قَبْلَ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ رَجَعَتْ أَيْ دَارُ مَنْ مَاتَ لِوَارِثِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُرَاقِبِ الْحَيِّ. (قَوْلُهُ: كَهِبَةِ نَخْلٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْآنَ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الْأَجَلِ الَّذِي يَقْبِضُ الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا فِيهِ وَالْعِلَاجُ فِيهِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا) أَيْ كُلِّهَا، أَوْ بَعْضِهَا لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ بْن خِلَافًا لعبق حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا مَفْهُومَ لِلْجَمْعِ) وَذَلِكَ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ وَهِيَ الْمُخَاطَرَةُ أَيْ الْغَرَرُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرَةِ سَنَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيمَا دُونَ الْجَمْعِ وَنُسِبَ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ
(وَ) الْحَالُ أَنَّ الْوَاهِبَ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ (السَّقْيُ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الْجَهْلُ بِعِوَضِ السَّقْيِ؛ إذْ لَا يُدْرَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ النَّخْلُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَعْوَامِ فِي نَظِيرِ سَقْيِهِ فَإِنْ وَقَعَ وَاطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فُسِخَ وَرُدَّتْ النَّخْلُ بِثَمَرَتِهَا لِرَبِّهَا وَرَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقِيمَةِ سَقْيِهِ وَعِلَاجِهِ، وَإِنْ فَاتَتْ بِتَغَيُّرِ مِلْكِهَا الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَرَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِمِثْلِ مَا أَكَلَ مِنْ الثَّمَرِ إنْ عُرِفَ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ.
(أَوْ) دَفْعِ (فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو) عَلَيْهَا (سِنِينَ) ، أَوْ سَنَةً (وَ) شَرَطَ أَنَّهُ (يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ عِنْدِهِ (وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) يَعْنِي وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ بَاعَ الْفَرَسَ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ تِلْكَ السِّنِينَ وَلَا يُدْرَى هَلْ يَسْلَمُ الْفَرَسُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا فَتَذْهَبَ النَّفَقَةُ بَاطِلًا فَهُوَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ.
(وَلِلْأَبِ) فَقَطْ لَا الْجَدِّ (اعْتِصَارُهَا) أَيْ الْهِبَةِ (مِنْ وَلَدِهِ) الْحُرِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا أَيْ أَخْذُهَا مِنْهُ جَبْرًا بِلَا عِوَضٍ وَلَوْ حَازَهَا الِابْنُ بِأَنْ يَقُولَ رَجَعْت فِيمَا وَهَبْته لَهُ، أَوْ أَخَذْتهَا، أَوْ اعْتَصَرْتهَا فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْعَامَّةِ لَهُ غَالِبًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ لَفْظِ الِاعْتِصَارِ (كَأُمٍّ) لَهَا الِاعْتِصَارُ لِمَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ (فَقَطْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ أَيْ لِلْأَبِ فَقَطْ دُونَ الْجَدِّ مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ الْهِبَةِ فَقَطْ أَيْ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالضَّمِيرِ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحُبْسِ كَأُمٍّ فَقَطْ دُونَ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْأُخْتِ.
لَكِنَّ مَحَلَّ جَوَازِ اعْتِصَارِ الْأُمِّ حَيْثُ (وَهَبَتْ) صَغِيرًا (ذَا أَبٍ) لَا يَتِيمًا فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُوسِرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ السَّقْيُ بِمَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ بِمَاءِ الْوَاهِبِ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ فِيهِمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ؛ لِأَنَّ عِلَاجَ السَّقْيِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُعَاوَضَةِ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَاءِ الْوَاهِبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: بِعِوَضِ السَّقْيِ) أَيْ وَهُوَ النَّخْلُ فَسَقْيُهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ بِالنَّخْلِ. (قَوْلُهُ: فِي نَظِيرِ) أَيْ الْكَائِنِ فِي نَظِيرِ سَقْيِهِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلنَّخْلِ. (قَوْلُهُ: وَاطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَوْلُهُ: قَبْلَ التَّغَيُّرِ أَيْ قَبْلَ تَغَيُّرِ النَّخْلِ سَوَاءٌ مَضَتْ سِنِينُ الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا. (قَوْلُهُ: وَرُدَّتْ النَّخْلُ بِثَمَرَتِهَا) أَيْ مَعَ ثَمَرَتِهَا حَيْثُ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الثَّمَرَةَ لِمُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا. (قَوْلُهُ: يَوْمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا) أَيْ فَصَارَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ مَلَكَهَا مِنْ يَوْمِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ دَفْعِ فَرَسٍ إلَخْ) لَا مَفْهُومَ لِفَرَسٍ وَلَا لِقَوْلِهِ لِمَنْ يَغْزُو عَلَيْهَا بَلْ كَذَلِكَ دَفْعُ فَرَسٍ لِمَنْ يَطْحَنُ عَلَيْهَا أَوْ حِمَارٍ لِمَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهِ أَوْ ثَوْرٍ لِمَنْ يَحْرُثُ عَلَيْهِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَنَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ) أَيْ وَتَكُونُ لَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَلَيْسَ التَّمَلُّكُ مِنْ الْآنَ وَإِنَّمَا اتَّفَقَا الْآنَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْأَجَلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) أَيْ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ بِالْهِبَةِ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ وَقَدْ اعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ الْبَيْعَ وَهُوَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّمْلِيكِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ مَنْفِيٌّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ قَالَ عبق وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَلَا يَبِيعُهُ إلَخْ أَنَّهُ يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ وَلَا يَبِيعُهُ. (قَوْلُهُ: بَاطِلًا) أَيْ ذَهَابًا بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: فَهُوَ غَرَرٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ نَقْلًا عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ: إنَّهُ إذَا اُطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالدَّافِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى عَطِيَّتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِنْ شَاءَ ارْتَجَعَ فَرَسَهُ وَغَرِمَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرَسُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ بَيْعًا فَاسِدًا فَيُفْسَخُ وَيَغْرَمُ رَبُّ الْفَرَسِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ غَرِمَ الْقَابِضُ قِيمَةَ الْفَرَسِ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمُخَاطَرَةٌ) عَطْفُ مُرَادِفٍ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ) أَيْ كَمَا فِي نَقْلِ بْن عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَقَدْ رَدَّهُ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» (قَوْلُهُ: بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ) الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اعْتِصَارَهَا مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا ذَا أَبٍ وَأَنْ لَا تُرِيدَ بِهِبَتِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: أَيْ لِلْأَبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَلَدٍ. (قَوْلُهُ: دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحُبْسِ) فِي بْن عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُبْسَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لَمْ يُعْتَصَرْ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ الْمُعْطَى جَازَ اعْتِصَارُهُ وَأَنَّ الْعُمْرَى يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ ضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ أَمْ لَا كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا.
(قَوْلُهُ: صَغِيرًا) قُدِّرَ الْمَوْصُوفُ صَغِيرًا لَا وَلَدًا لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَلَوْ تَيَتَّمَ. (قَوْلُهُ: لَا يَتِيمًا) أَيْ لَا إنْ وَهَبَتْ يَتِيمًا حِينَ هِبَتِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ
(وَإِنْ) كَانَ الْأَبُ (مَجْنُونًا) جُنُونًا مُطْبِقًا فَلَا يَمْنَعُ جُنُونُهُ الِاعْتِصَارَ.
(وَلَوْ تَيَتَّمَ) الْوَلَدُ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حِينَ الْهِبَةِ لِوُجُودِ أَبِيهِ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ وَلَدَهَا الْكَبِيرَ كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مُطْلَقًا، ثُمَّ إنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ مَا ذُكِرَ مِنْ نَفْسِهِ مُخَالِفًا فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ وَلِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ذَا أَبٍ، وَإِنْ مَجْنُونًا إلَّا أَنْ يَتَيَتَّمَ لَكَانَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ الْإِيضَاحِ.
(إلَّا فِيمَا) أَيْ فِي هِبَةٍ، أَوْ عَطِيَّةٍ، أَوْ مِنْحَةٍ أَوْ عُمْرَى، أَوْ إخْدَامٍ (أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ) أَيْ ثَوَابُهَا لَا مُجَرَّدُ ذَاتِ الْوَلَدِ فَلَا اعْتِصَارَ لَهُمَا وَكَذَا إنْ أُرِيدَ الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا أَوْ بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ، أَوْ خَامِلًا بَيْنَ النَّاسِ (كَصَدَقَةٍ) وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِلَا شَرْطٍ) لِلِاعْتِصَارِ فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ فِيمَا أَعْطَاهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ كَمَا أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِ عَدَمِهِ فِي الْهِبَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ تَفُتْ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ بِجَعْلِ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ) وَأَمَّا حَوَالَةُ السُّوقِ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ (بَلْ بِزَيْدٍ) أَيْ زِيَادَةٍ فِي الذَّاتِ مَعْنَوِيَّةً كَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ، أَوْ حِسِّيَّةً كَكِبَرِ صَغِيرٍ وَسِمَنِ هَزِيلٍ (أَوْ نَقْصٍ) كَذَلِكَ وَكَذَا يَفُوتُ الِاعْتِصَارُ بِخَلْطِ مِثْلِيٍّ بِغَيْرِهِ دَرَاهِمَ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ حِينَئِذٍ اعْتِصَارُهَا وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَلَدِ بِقَدْرِهَا (وَلَمْ يُنْكَحْ) الْوَلَدُ
(أَوْ يُدَايَنْ) بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حَيْثُ كَانَ يَتِيمًا حِينَ الْهِبَةِ فَتُعَدُّ تِلْكَ الْهِبَةُ كَالصَّدَقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا) أَيْ حِينَ الْهِبَةِ وَأَوْلَى إذَا جُنَّ بَعْدَهَا قَالَ عبق وَانْظُرْ لَوْ جُنَّ الْأَبُ بَعْدَ هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ هَلْ لِوَلِيِّهِ الِاعْتِصَارُ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَيَتَّمَ) رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهُ إذَا تَيَتَّمَ الْوَلَدُ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: فَلَهَا الِاعْتِصَارُ) أَيْ مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْهِبَةِ كَبِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَقْتَ الْهِبَةِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ وَقْتَ الْهِبَةِ صَغِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَقْتَ الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَبُ عَاقِلًا، أَوْ مَجْنُونًا مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ تَيَتَّمَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَهَلْ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ وَقْتَ الْهِبَةِ غَيْرُ يَتِيمٍ أَوْ لَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا لِيُتْمِهِ حَالَ الِاعْتِصَارِ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (قَوْلُهُ: وَلِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ) أَيْ وَمُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا لِلَّخْمِيِّ الثَّانِي أَنَّ الْمُطَابِقَ لِاصْطِلَاحِهِ التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ؛ إذْ قَوْلُهُ: فِي الْخُطْبَةِ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ قَوْلٌ يُقَابِلُ اخْتِيَارَهُ أَمْ لَا لَكِنْ فِي بْن عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا مَعَ اللَّخْمِيِّ فَلَمَّا كَانَ مُخْتَارُهُ ظَاهِرَهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضَانِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ، أَوْ أَنْحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ، أَوْ لِوَلَدِهَا الْكَبِيرِ إلَخْ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا الْعَامِلُ فِيهِ هَلْ قَوْلُهُ: تَعْتَصِرُ أَوْ وَهَبَتْ فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ " تَعْتَصِرُ " فَيَكُونُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ " وَهَبَتْ " فَمِثْلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ فَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلَانِ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ التَّعَلُّقُ بِأَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ وَهُوَ الثَّانِي اهـ بْن. (قَوْلُهُ: لَكَانَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ لَهُ الْيُتْمُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ أُرِيدَ الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ) أَيْ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ بِالْهِبَةِ الصِّلَةَ وَالْحَنَانَ عَلَى وَلَدِهِمَا فَلَا اعْتِصَارَ لَهُمَا فَإِرَادَةُ الصِّلَةِ وَالْحَنَانِ تَمْنَعُ مِنْ اعْتِصَارِهَا وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الْهِبَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اعْتِصَارِهَا خِلَافًا لِمَا فِي خش وعبق فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَتَيَا بِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: كَصَدَقَةٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ مِنْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا صَدَقَةٌ وَحِينَئِذٍ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ شَبَّهَ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَمَا مَعَهَا الصَّدَقَةَ الْوَاقِعَةَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْهِبَةِ بَلْ بِلَفْظِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ شَرَطَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ الرُّجُوعَ فِي صَدَقَتِهِمَا عَلَى وَلَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا لَوْ تَصَدَّقَ شَخْصٌ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، أَوْ وَهَبَهُ وَشَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ، أَوْ صَدَقَتِهِ إنْ شَاءَ فَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ وَاَلَّذِي فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَالْبَاجِيِّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي صَدَقَتِهِ الِاعْتِصَارَ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ قُلْت وَسُنَّةُ الْحُبْسِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَإِذَا اشْتَرَطَهُ الْمُحَبِّسُ فِي نَفْسِ الْحُبْسِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الِاعْتِصَارِ وَقَوْلُهُ: فِي الْهِبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِ يُعْمَلُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مُفَوِّتَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَتَغَيُّرِ الذَّاتِ بِزِيَادَتِهَا، أَوْ نَقْصِهَا. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ) أَيْ فِي الْقِيمَةِ وَقَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ) أَيْ لِعَدَمِ فَوَاتِهَا بِهَا لِبَقَاءِ الْمَوْهُوبِ بِحَالِهِ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ، أَوْ نَقْصُهَا عَارِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَسِمَنِ هَزِيلٍ) اُنْظُرْ هَلْ السِّمَنُ يَجْرِي فِي الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ، أَوْ خَاصٌّ بِالدَّوَابِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ حِسِّيٍّ كَهُزَالِ السَّمِينِ، أَوْ مَعْنَوِيٍّ
ضَمِيرُ الْمَوْهُوبِ وَقَوْلُهُ (لَهَا) قَيْدٌ فِيهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ وَاللَّامُ فِي لَهَا لِلْعِلَّةِ فَالْمَانِعُ مِنْ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ تَزْوِيجُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ عَقْدُهُ لِلذَّكَرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ عَلَى الْبِنْتِ الْمَوْهُوبَةِ لِأَجْلِ هِبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا إعْطَاءُ الدَّيْنِ لَهُمَا لِأَجْلِ يُسْرِهِمَا بِالْهِبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ ذَاتَهُمَا فَقَطْ لَمْ يُمْنَعْ الْأَبَوَانِ مِنْ الِاعْتِصَارِ.
(أَوْ)(يَطَأْ) بَالِغٌ أَمَةً (ثَيِّبًا) مَوْهُوبَةً لَهُ وَأَمَّا الْبِكْرُ الْمَوْهُوبَةُ فَيَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِافْتِضَاضِهِ وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ لِنَقْصِهَا إنْ كَانَتْ عَلِيَّةً وَزِيَادَتِهَا إنْ كَانَتْ وَخْشًا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بَلْ بِزَيْدٍ، أَوْ نَقْصٍ وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْبَالِغِ ثَيِّبًا فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَلَوْ مُرَاهِقًا.
(أَوْ)(يَمْرَضْ) الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَيَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِالْهِبَةِ (كَوَاهِبٍ) أَيْ كَمَرَضِهِ الْمَخُوفِ؛ لِأَنَّ اعْتِصَارَهَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ وَارِثُهُ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْوَالِدُ حَالَ كَوْنِ وَلَدِهِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ) أَيْ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، أَوْ مَدِينٌ، أَوْ مَرِيضٌ كَمَرَضِ الْوَاهِبِ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ (أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ) الْحَاصِلُ بَعْدَ الْهِبَةِ مِنْ مَوْهُوبٍ، أَوْ وَاهِبٍ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ بَعْدَ زَوَالِهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) وَتَخْصِيصُهُ بِالْمَرَضِ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ كَزَوَالِ الْمَرَضِ.
(وَكُرِهَ) لِلْمُتَصَدِّقِ (تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ) بِهِبَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ، أَوْ بِبَيْعٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ، أَوْ مِمَّنْ وَصَلَّتْ لَهُ مِنْهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ " تَمَلُّكُ " بِقَصْدِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ مِيرَاثٍ) لَيْسَ بِدَاخِلٍ حَتَّى يُخْرِجَهُ لَكِنَّهُ قَصَدَ مَزِيدَ الْإِيضَاحِ بِالتَّصْرِيحِ وَاحْتَرَزَ بِالصَّدَقَةِ عَنْ الْهِبَةِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَهَا بَالٌ.
(قَوْلُهُ: ضَمِيرُ الْمَوْهُوبِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالْمُدَايَنَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا لِأَجَلِهَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ وَالرِّسَالَةِ وَسَمَاعِ عِيسَى لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ خِلَافُ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَنَصُّهَا وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ، أَوْ نَحَلَ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَكَذَا إنْ بَلَغَ الصِّغَارُ مَا لَمْ يُنْكَحُوا أَوْ يُحْدِثُوا دَيْنًا اهـ فَفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ التَّقْيِيدَ نَظَرٌ اهـ طفى قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ حَمْلُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: أَيْ عَقْدُهُ) أَيْ عَقْدُ الْأَجْنَبِيِّ لِلذَّكَرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى بِنْتِهِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ هِبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ لِأَجْلِ يُسْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ إلَخْ) تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ قَصْدُ الْأَجْنَبِيِّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَالْمُدَايَنَةَ لِأَجْلِ يُسْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْهِبَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ضَبْطُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَأَمَّا قَصْدُ الْوَلَدِ ذَلِكَ وَحْدَهُ فَلَا يَمْنَعُ وَقِيلَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَنْعِ الِاعْتِصَارِ قَصْدُ الْوَلَدِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَيُضْبَطُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: بَالِغٌ) أَيْ وَلَدٌ مَوْهُوبٌ لَهُ بَالِغٌ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَرُمَ الْوَطْءُ كَوَطْءِ حَائِضٍ وَيُصَدَّقُ الْوَلَدُ فِي أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ الْوَطْءُ لِتِلْكَ الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا عُلِمَتْ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا، أَوْ بِكْرًا وَالْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إمَّا بَالِغٌ، أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَفَاتَ اعْتِصَارَهَا وَطْءُ الْوَلَدِ الْبَالِغِ لَا وَطْءُ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَيَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِافْتِضَاضِهَا مُطْلَقًا مِنْ بَالِغٍ، أَوْ صَبِيٍّ. (قَوْلُهُ: بِافْتِضَاضِهِ) أَيْ بِافْتِضَاضِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَمْرَضْ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ مَرَضًا مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ الِاعْتِصَارُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَهَبَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَرِيضٍ وَمَدِينٍ وَمُتَزَوِّجٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَثْنَى. (قَوْلُهُ: وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ وَتَخْصِيصُ الزَّوَالِ بِالْمَرَضِ. (قَوْلُهُ: لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ) أَيْ بَلْ يَمْنَعُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) أَيْ فَارِقًا بَيْنَ زَوَالِ الْمَرَضِ وَزَوَالِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ) أَيْ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِذَا زَالَ عَادَ الِاعْتِصَارُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ) أَيْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْرٌ عَامَلَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْهِبَةِ عَلَيْهِ فَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِهِ لِانْفِتَاحِ بَابِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الِاعْتِصَارِ. (قَوْلُهُ: كَزَوَالِ الْمَرَضِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبَاجِيَّ وَجَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِتَشْبِيهِهِ بِأَقْبَحِ شَيْءٍ وَهُوَ الْكَلْبُ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَلَمَّا «أَرَادَ عُمَرُ شِرَاءَ فَرَسٍ تَصَدَّقَ بِهَا نَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ» وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ مَثَّلَ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ شَنَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ التَّشْبِيهَ بِالْكَلْبِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ بَلْ الذَّمُّ وَزِيَادَةُ التَّنْفِيرِ وَالذَّمُّ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّنْفِيرُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ اهـ بْن وَقَوْلُهُ: تَمَلُّكُ صَدَقَتِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً كَالزَّكَاةِ وَالْمَنْذُورَةِ، أَوْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَدَّدَ) أَيْ مَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ تَمَلُّكِ الْمُتَصَدِّقِ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ.
(قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِالصَّدَقَةِ عَنْ الْهِبَةِ إلَخْ) أَيْ وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ عَنْ مِلْكِهَا بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ الْعَرِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ وَالْغَلَّةِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا دُونَ الذَّاتِ فَلَهُ شِرَاؤُهَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ مَالِكٍ فَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ شَهْرًا
فَيَجُوزُ تَمَلُّكُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَكَمَا يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الذَّاتِ يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الْغَلَّةِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَرْكَبُهَا) إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ (أَوْ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهَا) كَثَمَرَتِهَا وَلَبَنِهَا وَيُلْحَقُ بِالرُّكُوبِ مُطْلَقُ الِاسْتِعْمَالِ وَبِالْأَكْلِ مِنْ الْغَلَّةِ الشُّرْبُ وَالِانْتِفَاعُ بِالصُّوفِ (وَهَلْ) الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ رَضِيَ الْكَبِيرُ أَوْ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ) الرَّشِيدُ (بِشُرْبِ اللَّبَنِ) ، أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْغَلَّاتِ لِوَالِدِهِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَجُوزَ (تَأْوِيلَانِ) وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُ بَلْ تَبْقَى الْكَرَاهَةُ مَعَهُ كَالسَّفِيهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْوَلَدِ تَبْقَى مَعَهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ رَضِيَ اتِّفَاقًا وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَكْلِ ثَمَرَتِهَا، أَوْ شُرْبِ لَبَنِهَا، أَوْ رُكُوبِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهَا الْمَنْعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِغَيْرِ رِضَا الْأَجْنَبِيِّ وَأَمَّا بِرِضَاهُ فَيُحْمَلُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَفِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَحُمِلَ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ وَعَلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهِ.
(وَيُنْفَقُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى)(أَبٍ) أَوْ أُمٍّ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ (افْتَقَرَ) نَعْتٌ لِأَبٍ (مِنْهَا) نَائِبُ فَاعِلِ يُنْفَقُ أَيْ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ حِينَئِذٍ أَيْ يَجُوزُ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَلَدِ مَالٌ غَيْرُهَا، وَإِلَّا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلِذَا جَعَلْنَا " يُنْفَقُ " مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ.
(وَ) لِلْأَبِ (تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ) مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ (أَوْ عَبْدٍ) تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ (لِلضَّرُورَةِ) وَهِيَ تَعَلُّقُ نَفْسِهِ بِهَا لِلْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ، وَاحْتِيَاجُهُ لِلْعَبْدِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مَثَلًا فَلَهُ شِرَاءُ تِلْكَ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَيْ كُلِّهِمْ أَنْ يَبْتَاعُوا مِنْ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ مَا أُعْمِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَيَاةَ الْمُعْمَرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَقَّبَةً فَيُمْنَعَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا لَا أَكْثَرَ اهـ وَلَا يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الْغَلَّةِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا يُعَارِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ " وَلَا يَرْكَبُهَا الْمُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي هِبَةِ الذَّاتِ وَكَلَامُنَا فِي هِبَةِ الْغَلَّةِ فَقَطْ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا التَّصَدُّقُ بِالْمَاءِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفُقَرَاءَ فَقَطْ بَلْ هُمْ وَالْأَغْنِيَاءَ كَمَا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ وَفِي ح نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ إذَا خَرَجْت لِلسَّائِلِ بِالْكِسْرَةِ، أَوْ بِالدِّرْهَمِ فَلَمْ تَجِدْهُ أَرَى أَنْ تُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ تَكْمِيلًا لِلْمَعْرُوفِ وَإِنْ وَجَدْته وَلَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِتَأْكِيدِ الْعَزْمِ بِالدَّفْعِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَكْلُهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا مُطْلَقًا وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ وَقَبِلَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ مِنْ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِهَا وَعَدَمِ جَوَازِ أَكْلِ مُخْرِجِهَا لَهَا. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَمَلُّكُهَا) أَيْ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشِرَاءٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَيْ وَأَمَّا الْعَوْدُ فِيهَا مَجَّانًا قَهْرًا عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِغَيْرِ الْأَبِ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْعَوْدُ فِي الْهِبَةِ مَجَّانًا مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لُزُومُهَا بِالْقَوْلِ؟ قُلْت يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ الْوَاهِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَجْنَبِيِّ الِاعْتِصَارَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ) أَيْ هَذَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ بَلْ وَلَوْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ عَبَّرَتْ بِالْمَنْعِ لَكِنْ فَرَضَتْهُ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَقَالَتْ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا، وَلَا يَرْكَبُهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَعَبَّرَ فِي الرِّسَالَةِ بِالْجَوَازِ حَيْثُ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنٍ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فَقِيلَ إنَّ كَلَامَ الرِّسَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا لَهُ ثَمَنٌ لَهُ بَالٌ وَقِيلَ الرِّسَالَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ رَضِيَ، أَوْ لَا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا أَيْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ: أَوْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الْوِفَاقِ فَقَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ أَيْ بِالْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ الرِّسَالَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَا مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَتُهَا لِلْمُدَوَّنَةِ وَمُخَالَفَتُهَا لَهَا كَانَ لَهُمَا ارْتِبَاطٌ بِالْمُدَوَّنَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِتَأْوِيلَيْنِ تَسَاهُلًا اهـ اُنْظُرْ بْن وَالظَّاهِرُ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ رَشِيدًا وَأَذِنَ لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فِي الِانْتِفَاعِ بِاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهَا) أَيْ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَجَمَاعَةٌ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ) أَيْ وَأَمَّا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَهُ ثَمَنٌ غَيْرُ تَافِهٍ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ) أَيْ إذَا رَضِيَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فِيهِمَا، أَوْ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَرْضَ،.
(قَوْلُهُ: وَيُنْفِقُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى) أَبٍ أَيْ وَكَذَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَةٍ مِنْ صَدَقَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ لَا لِلْفَقْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ) أَيْ فِي شُمُولِ مَا إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا جَائِزًا، أَوْ وَاجِبًا.
(قَوْلُهُ: وَلِلْأَبِ تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ)
لِلْخِدْمَةِ بِحَيْثُ تَتَعَسَّرُ بِدُونِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَوِّمْهُ لَتَعَدَّى عَلَيْهِ وَاسْتَخْدَمَهُ وَارْتَكَبَ الْحَرَامَ فَالضَّرُورَةُ فِي الْأَمَةِ غَيْرُ الضَّرُورَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ لَهَا التَّقْوِيمُ حَتَّى فِي الْأَمَةِ لِضَرُورَةِ الْخِدْمَةِ (وَيُسْتَقْصَى) فِي الْقِيمَةِ بِأَنْ تَكُونَ سَدَادًا كَمَا فِي النَّصِّ فَالْمُرَادُ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ، نَعَمْ إنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّقْوِيمِ اُعْتُبِرَ الْأَعْلَى كَمَا يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَيَّدْنَاهُ بِالصَّغِيرِ وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ الرَّشِيدَ لَيْسَ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي الصَّدَقَةِ وَمِثْلُهَا الْهِبَةُ الَّتِي لَا تُعْتَصَرُ.
(وَجَازَ) لِلْوَاهِبِ (شَرْطُ الثَّوَابِ) أَيْ الْعِوَضِ عَلَى هِبَتِهِ عَيَّنَ الثَّوَابَ أَمْ لَا نَحْوُ وَهَبْتُك هَذَا بِمِائَةٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي (وَلَزِمَ) الثَّوَابُ (بِتَعْيِينِهِ) إنْ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا عُيِّنَ وَأَمَّا عَقْدُ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ فَلَازِمٌ لِلْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ كَمَا يَأْتِي عُيِّنَ الثَّوَابُ أَمْ لَا.
(وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ) أَيْ فِي قَصْدِهِ الثَّوَابَ عِنْدَ التَّنَازُعِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِأَنْ قَالَ الْوَاهِبُ وَهَبْت لِقَصْدِ الثَّوَابِ وَخَالَفَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ (إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ) أَوْ قَرِينَةٌ بِضِدِّهِ فَإِنْ شَهِدَ (بِضِدِّهِ) أَيْ الثَّوَابِ بِأَنْ كَانَ مِثْلُ الْوَاهِبِ لَا يَطْلُبُ فِي هِبَتِهِ ثَوَابًا فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَوْلُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا التَّنَازُعُ قَبْلَهُ فَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ مُطْلَقًا، وَإِنْ شَهِدَ عُرْفٌ بِضِدِّهِ (وَإِنْ) كَانَتْ الْهِبَةُ (لِعُرْسٍ) فَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ هِبَتِهِ مُعَجِّلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ لِحُدُوثِ عُرْسِ مِثْلِهِ وَلِرَبِّ الْعُرْسِ أَنْ يُحَاسِبَهُ بِمَا أَكَلَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْوَلِيمَةِ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ (وَهَلْ يُحَلَّفُ) الْوَاهِبُ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَ لِلثَّوَابِ مُطْلَقًا أَشْكَلَ الْأَمْرُ أَمْ لَا (أَوْ) يُحَلَّفُ (إنْ أَشْكَلَ) الْأَمْرُ فَقَطْ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّضَحَ الْأَمْرُ بِأَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (تَأْوِيلَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ كَشَاهِدٍ فَيُحَلَّفَ مَعَهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ شِرَاؤُهَا لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ تَقْوِيمُهَا بِالْعُدُولِ فَهُوَ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِالسَّدَادِ اهـ بْن وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ " لِلْأَبِ " إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ " عَطْفٌ عَلَى " اعْتِصَارُهَا " مِنْ قَوْلِهِ وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ إلَخْ) أَيْ فَالشِّرَاءُ بِالْقِيمَةِ سَدَادٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَيُسْتَقْصَى فِي التَّقْوِيمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الشِّرَاءُ بِالْقِيمَةِ غَيْرَ سَدَادٍ. (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تُعْتَصَرُ) أَيْ إمَّا لِاشْتِرَاطِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ عَدَمَ اعْتِصَارِهَا، أَوْ لِفَوَاتِهَا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِتَغْيِيرِ ذَاتٍ أَوْ لِمُدَايَنَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ إنْكَاحِهِ لِأَجْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ تُعْتَصَرُ وَلَمْ يَعْتَصِرْهَا الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ وَطَلَبَ أَخْذَهَا بِالْعِوَضِ فَانْظُرْ هَلْ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهَا، أَوْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَقَلَّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: شَرْطُ الثَّوَابِ) أَيْ اشْتِرَاطُ الثَّوَابِ حَالَةَ كَوْنِ الِاشْتِرَاطِ مُقَارِنًا لِلَفْظِهَا. (قَوْلُهُ: عَيَّنَ الثَّوَابَ أَمْ لَا) أَيْ فَتَعْيِينُهُ غَيْرُ لَازِمٍ قِيَاسًا عَلَى نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ إنْ اشْتَرَطَ الْعِوَضَ فِي عَقْدِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الثَّوَابُ) أَيْ لَزِمَ دَفْعُهُ. (قَوْلُهُ: بِتَعْيِينِهِ) أَيْ بِتَعْيِينِ قَدْرِهِ وَنَوْعِهِ كَانَ التَّعْيِينُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ وَرَضِيَ الْآخَرُ بِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الثَّوَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَرَضِيَ الْآخَرُ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُهُ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الثَّوَابِ بَعْدَ تَعْيِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِتَعْيِينِهِ، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ. (قَوْلُهُ: إنْ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ الْهِبَةَ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الثَّوَابِ الْمُعَيَّنِ. (قَوْلُهُ: فَلَازِمٌ لِلْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ) أَيْ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْفَوَاتِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ لُزُومِهَا بِالْقَبْضِ لِلْوَاهِبِ عَيَّنَ الثَّوَابَ أَمْ لَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ تَوَقُّفَ لُزُومِ الْعَقْدِ عَلَى الْقَبْضِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الثَّوَابُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الثَّوَابَ عِنْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَرَضِيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ اللُّزُومُ عَلَى قَبْضٍ بَلْ يَلْزَمُ الْعَقْدُ كُلًّا مِنْهُمَا بِسَبَبِ تَعْيِينِهِ كَالْبَيْعِ فَتَدَبَّرْ، وَلِذَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي حَلِّ الْمَتْنِ وَلَزِمَ الْعَقْدُ بِتَعْيِينِهِ أَيْ الثَّوَابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّوَابَ إذَا عَيَّنَهُ أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ بِهِ الْآخَرُ كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ الْوَاهِبَ إلَّا بِقَبْضِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ إلَّا بِفَوَاتِهَا بِزِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ فِي قَصْدِهِ الثَّوَابَ) أَيْ لَا فِي شَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْوَاهِبُ اشْتِرَاطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ وَلَا يُنْظَرُ لِعُرْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَشْهَدْ إلَخْ) أَيْ إنْ انْتَفَتْ شَهَادَةُ الْعُرْفِ بِضِدِّهِ بِأَنْ شَهِدَ الْعُرْفُ لَهُ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ عُرْفٌ) أَيْ هَذَا إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ بِضِدِّهِ بَلْ وَإِنْ شَهِدَ بِضِدِّهِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لِعُرْسٍ) مُبَالَغَةٌ عَلَى تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَ لِثَوَابٍ مَعَ قَيْدِهِ. (قَوْلُهُ: فَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ) أَيْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِبَتِهِ الثَّوَابَ، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَمَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ وَلِمَنْ وَهَبَ لِعُرْسٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِالتَّأْخِيرِ لِحُدُوثِ عُرْسِ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا عَزَاهُ الْمُتَيْطِيُّ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ الْجَارِي بِالتَّأْخِيرِ لِحُدُوثِ عُرْسِ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ: أَشْكَلَ الْأَمْرُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ أَمْ لَا أَيْ بِأَنْ شَهِدَ الْعُرْفُ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُحَلَّفُ إنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَقَطْ) هَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي المج
أَوْ كَشَاهِدَيْنِ فَلَا، وَمَحَلُّ تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ فِي دَعْوَى الثَّوَابِ (فِي غَيْرِ) هِبَةِ النَّقْدِ (الْمَسْكُوكِ) وَأَمَّا هُوَ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ (إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْوَاهِبِ حَالَ الْهِبَةِ، أَوْ عُرْفٍ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ الْعِوَضُ عَرَضًا، أَوْ طَعَامًا وَمِثْلُ الْمَسْكُوكِ السَّبَائِكُ وَالتِّبْرُ وَمَا تَكَسَّرَ مِنْ حُلِيٍّ بِخِلَافِ الْحُلِيِّ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ كَالْعُرُوضِ يُصَدَّقُ فِيهِ الْوَاهِبُ (وَ) فِي غَيْرِ (هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) شَيْئًا مِنْ عَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ إلَّا لِشَرْطٍ، أَوْ قَرِينَةٍ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا لِشَرْطٍ وَلَا تَكْفِي الْقَرِينَةُ وَمِثْلُ الزَّوْجَيْنِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الصِّلَةُ (وَ) فِي غَيْرِ هِبَةٍ (لِقَادِمٍ عِنْدَ قُدُومِهِ) مِنْ سَفَرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الثَّوَابَ (وَإِنْ) كَانَ الْوَاهِبُ (فَقِيرًا) وَهَبَ (لِغَنِيٍّ) قَادِمٍ إلَّا لِشَرْطٍ، أَوْ عُرْفٍ كَمَا بِمِصْرَ.
(وَلَا يَأْخُذُ) الْوَاهِبُ لِلْقَادِمِ (هِبَتَهُ) حَيْثُ لَمْ يُصَدَّقْ (وَإِنْ) كَانَتْ (قَائِمَةً) وَتَضِيعُ مَجَّانًا عَلَى صَاحِبِهَا وَقَيَّدَهُ الْحَطَّابُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لَطِيفَةً كَالْفَوَاكِهِ وَالثَّمَرِ بِخِلَافِ نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْقَمْحِ وَالْغَنَمِ.
(وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ)" الْقِيمَةُ " فَاعِلُ لَزِمَ " وَوَاهِبَهَا " مَفْعُولُهُ " وَالْمَوْهُوبَ " عَطْفٌ عَلَيْهِ بِلَا، يَعْنِي يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْقِيمَةِ إذَا دَفَعَهَا لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْهِبَةَ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ الْقِيمَةِ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا بِأَضْعَافٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ أَيْ دَفْعُهَا لِلْوَاهِبِ بَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: أَوْ كَشَاهِدَيْنِ فَلَا) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحَلَّفُ إلَّا إذَا أَشْكَلَ وَمُفَادُ كَلَامِهِ اتِّفَاقُ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى حَلِفِهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ شَهَادَةِ الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ فِي دَعْوَى الثَّوَابِ إلَخْ) أَيْ فِي دَعْوَى قَصْدِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " فِي غَيْرِ مَسْكُوكٍ " مُتَعَلِّقٌ بِ صُدِّقَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّانِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ، نَحْوُ جَلَسْت فِي الْمَسْجِدِ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ جَائِزٌ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُوَ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَهَبُونَ لِلثَّوَابِ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ وَالْمَسْكُوكُ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ فَهِبَتُهُ لِلثَّوَابِ خِلَافُ الْعُرْفِ فَلِذَا لَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِي قَصْدِ الثَّوَابَ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْمَسْكُوكِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ إلَّا لِشَرْطٍ السَّبَائِكُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَالْعُرُوضِ) أَيْ لِأَنَّ صَنْعَتَهُ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةً نَقَلَتْهُ عَنْ أَصْلِهِ فَصَارَ مُقَوَّمًا بِخِلَافِ الْمَسْكُوكِ فَإِنَّ صَنْعَتَهُ وَهِيَ السِّكَّةُ لَمَّا كَانَتْ يَسِيرَةً لَمْ تَنْقُلْهُ عَنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الْمِثْلِيَّةُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّأْنَ قَصْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِبَتِهِ لِلْآخَرِ التَّعَاطُفَ وَالتَّوَاصُلَ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ قَرِينَةٍ) أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْهِبَةِ لِلْآخَرِ الْإِثَابَةَ، أَوْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِهَا أَيْ أَوْ يَجْرِيَ الْعُرْفُ بِهَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا لِشَرْطٍ) أَيْ أَوْ عُرْفٍ فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: الْأَقَارِبُ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الصِّلَةُ) أَيْ مِثْلُ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَدَّقُ) أَيْ الْوَاهِبُ لِلْقَادِمِ فِي دَعْوَاهُ قَصْدَ الثَّوَابِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَدِمَ شَخْصٌ مِنْ سَفَرِهِ وَأَهْدَى لَهُ شَخْصٌ هَدِيَّةً مِنْ فَاكِهَةٍ، أَوْ رُطَبٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ وَادَّعَى قَصْدَ الثَّوَابِ وَادَّعَى الْقَادِمُ عَدَمَهُ فَالْقَوْلُ لِلْقَادِمِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَأْخُذُ الْوَاهِبُ لِلْقَادِمِ هِبَتَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ ح إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ لِلْقَادِمِ لَا يُصَدَّقُ وَاهِبُهَا فِي دَعْوَاهُ قَصْدَ الثَّوَابِ وَتَضِيعُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ لَطِيفَةً كَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَالْغَنَمُ وَالدَّجَاجُ وَشِبْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاهِبِ فِي دَعْوَاهُ قَصْدَ الثَّوَابِ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَمْ يُشَبِّهْ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَيْهَا كَانَ لِلْوَاهِبِ أَخْذُهَا وَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ قِيمَتِهَا. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ عَنْ سَعْدٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَلْزَمُهُ ضِيَافَةٌ لِمَنْ ضَافَهُ وَلَا مُكَافَأَةٌ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ وَلَا أَدَاءُ شَهَادَةٍ تَحَمَّلَهَا اهـ وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ مَا يَشْمَلُ مَنْ شَغَلَ أَوْقَاتَهُ بِالْمُطَالَعَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْفَتْوَى وَإِنْ اقْتَصَرَ عَنْ الِاجْتِهَادِ كَمَا فِي بْن لَا خُصُوصُ الْمُجْتَهِدِ كَمَا فِي عبق وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الشَّهَادَةِ لَهُ مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَيُؤْخَذُ مِنْ نَقْلِ تت أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ لُزُومِ مُكَافَأَتِهِ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِمُكَافَأَتِهِ، أَوْ يَكُونُ الَّذِي أَهْدَاهُ فَقِيهًا مِثْلَهُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ) أَيْ وَلَزِمَ وَاهِبَ الْهِبَةِ قَبُولُ الْقِيمَةِ إذَا دَفَعَهَا لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْهِبَةَ وَقَوْلُهُ: لَا الْمَوْهُوبَ أَيْ لَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ أَيْ دَفْعُهَا لِلْوَاهِبِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الثَّوَابَ لَمْ يُعَيَّنْ وَأَمَّا إذَا عُيِّنَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ قَبَضَهَا أَمْ لَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: الْقِيمَةُ) فَاعِلُ لَزِمَ أَيْ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْأَخْذُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاهِبِ وَمِنْ حَيْثُ الدَّفْعُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ صَرْفِ الْكَلَامِ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ، وَقَوْلُهُ: فَلَهُ أَيْ
(إلَّا لِفَوْتٍ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ (بِزَيْدٍ) فِي ذَاتِهَا كَكِبَرٍ وَسِمَنٍ وَأَوْلَى بِعِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ (أَوْ نَقْصٍ) كَعَمًى وَعَرَجٍ فَيَتَعَيَّنُ دَفْعُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَحَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ لَا تُعْتَبَرُ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (مَنْعُهَا) أَيْ حَبْسُ هِبَتِهِ عِنْدَهُ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) أَيْ ثَوَابَهَا الْمُشْتَرَطَ أَوْ مَا رَضِيَ بِهِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَضَمَانُهَا مِنْ الْوَاهِبِ.
(وَأُثِيبَ) الْوَاهِبُ أَيْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ (مَا) أَيْ شَيْئًا (يُقْضَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ (بِبَيْعٍ) أَيْ فِي الْبَيْعِ بِأَنْ يُرَاعَى فِيهِ شُرُوطُ بَيْعِ السَّلَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الرِّبَا فَإِذَا أَثَابَهُ مَا يُعَاوِضُ النَّاسُ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ لَزِمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ (وَإِنْ) كَانَ الثَّوَابُ (مَعِيبًا) أَيْ فِيهِ عَيْبٌ حَيْثُ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ أَوْ يُكْمِلُهَا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْعَيْبِ فَيُثَابُ عَنْ الْعَرَضِ طَعَامٌ وَدَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ، أَوْ عَرَضٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَا مِنْ جِنْسِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَلَمِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُثَابُ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةٌ وَلَا ذَهَبٌ وَلَا عَنْ الْفِضَّةِ كَذَلِكَ لِتَأْدِيَتِهِ لِصَرْفٍ أَوْ بَدَلٍ مُؤَخَّرٍ وَلَا عَنْ اللَّحْمِ حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسِهِ، وَعَكْسُهُ وَيُثَابُ عَنْ الطَّعَامِ عَرَضٌ، أَوْ نَقْدٌ لَا طَعَامٌ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ مَعَ الْفَضْلِ وَلَوْ شَكًّا فَهِبَةُ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَتُخَالِفُهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّهَا تَجُوزُ مَعَ جَهْلِ عِوَضِهَا وَجَهْلِ أَجَلِهِ وَلَا تُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَلَا يَلْزَمُ عَاقِدَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ،.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ لُزُومِ الْوَاهِبِ قَوْلُهُ (إلَّا) أَنْ يُثِيبَهُ (كَحَطَبٍ) وَتِبْنٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِدَفْعِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْهِبَةِ (فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ) فَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِإِثَابَتِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ.
(وَلِلْمَأْذُونِ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ مِنْ مَالِهِ.
(وَلِلْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ) الْمَحْجُورِ (الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ) لَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْرَاءٌ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَجَّانًا وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الثَّوَابِ.
(وَإِنْ)(قَالَ) قَائِلٌ (دَارِي صَدَقَةٌ) ، أَوْ حَبْسٌ وَوَقَعَ ذَلِكَ (بِيَمِينٍ) أَيْ الْتِزَامٍ وَتَعْلِيقٍ كَأَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَدَارِي صَدَقَةٌ (مُطْلَقًا)
ــ
[حاشية الدسوقي]
فَلِلْوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِفَوَاتٍ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ " احْتِرَازًا مِمَّا إذَا فَاتَ بِيَدِ الْوَاهِبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الْقَبُولُ وَلَوْ بَذَلَ لَهُ أَضْعَافَ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: يَوْمَ الْقَبْضِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ يَوْمَ الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: لَا تُعْتَبَرُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تُفِيتُ رَدَّ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَهَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ ثَوَابَهَا الْمُشْتَرَطَ) أَيْ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا رَضِيَ بِهِ أَيْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَضَمَانُهَا مِنْ الْوَاهِبِ) أَيْ وَضَمَانُهَا إذَا تَلِفَتْ فِي حَالِ حَبْسِهَا مِنْ الْوَاهِبِ فَإِنْ حَبَسَهَا وَمَاتَ الْوَاهِبُ وَهِيَ بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ مُعَيَّنًا كَانَتْ نَافِذَةً لِلُزُومِهَا بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَلَزِمَ الْمَوْهُوبَ لَهُ قَبْضُهَا وَدَفْعُ الْعِوَضِ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ وَأَخْذُهَا بَلْ إنْ شَاءَ وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ قَبْلَ إثَابَتِهِ عَلَيْهَا كَانَ لِوَرَثَتِهِ مَا كَانَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ مُعَيَّنًا حِينَ عَقْدِهَا لَزِمَهُمْ دَفْعُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ دَفْعُهُ بَلْ لَهُمْ رَدُّ الْهِبَةِ، لَكِنْ إنْ دَفَعُوهُ وَكَانَ قَدْرَ الْقِيمَةِ لَزِمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ.
(قَوْلُهُ: وَأُثِيبَ مَا يُقْضَى عَنْهُ) أَيْ مَا يَصِحُّ دَفْعُهُ قَضَاءً عَنْهُ فِي بَيْعِ السَّلَمِ، فَعَنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِ يُقْضَى لَا بِقَوْلِهِ أُثِيبَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِثَابَةِ بِمَا لَمْ يَجْزِ قَضَاؤُهُ عَنْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَأُثِيبَ عَنْهُ مَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ أَيْ مَا يَصِحُّ دَفْعُهُ قَضَاءً فِي بَيْعِ السَّلَمِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَصِحُّ دَفْعُهُ قَضَاءً عَنْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْبَيْعِ) أَيْ بَيْعِ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرَاعَى فِيهِ) أَيْ فِي الثَّوَابِ شُرُوطُ بَيْعِ السَّلَمِ أَيْ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَبِيعٌ لَا مُقْرَضٌ وَقَوْلُهُ: شُرُوطُ السَّلَمِ مَا عَدَا الْأَجَلَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا فَالْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ) أَيْ فِي الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ مَعِيبًا) مَحَلُّ لُزُومِ قَبُولِ الثَّوَابِ الْمَعِيبِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ فَادِحًا كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ وَلَوْ كَمَّلَ لَهُ الْقِيمَةَ اُنْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُكْمِلُهَا لَهُ) أَيْ أَوْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنْ يُكْمِلُهَا لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ) أَيْ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّ الثَّوَابَ الْمَعِيبَ وَيَأْخُذَ غَيْرَهُ سَالِمًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُثَابُ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةٌ إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَجَازَ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَيُفِيدُهُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَهِبَةُ الثَّوَابِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِعِوَضِهَا وَقَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ أَيْ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَقَلِّ) أَيْ فِي أَقَلِّ الْأَحْوَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ عَاقِدَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا الْقَبْضُ وَالْمُعَاطَاةُ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يَكْفِي أَيْضًا فِي الْبَيْعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْفَوْرِيَّةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْمَأْذُونِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَلِلْأَبِ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ اللَّامَ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَهَبُ مِنْ مَالِهِ، وَالْأَبَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، " وَالْهِبَةُ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ.
(قَوْلُهُ: الْمَحْجُورِ) أَيْ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ، أَوْ سَفَهٍ لَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَشِيدًا فَلَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَا لِغَيْرِهِ) أَيْ لَا لِغَيْرِ الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ) أَيْ وَلَا مُقَدَّمُ الْقَاضِي بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْتِزَامٍ وَتَعْلِيقٍ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَمِينِ الِالْتِزَامُ وَالتَّعْلِيقُ بِقَصْدِ التَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالْيَمِينِ