المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب موات الأرض وإحياءها] - الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي - جـ ٤

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابٌ فِي الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالْحَمَّامِ

- ‌[أَرْكَان الْإِجَارَة]

- ‌[عَقْدِ الْإِجَارَة عَلَى دَابَّة بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِب عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيهِ كِرَاءَ الدَّوَابِّ]

- ‌[فَصْل كِرَاءَ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْأَرْض]

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْجَعَالَةِ]

- ‌[بَاب مَوَاتَ الْأَرْضِ وَإِحْيَاءَهَا]

- ‌(بَابٌ) فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ

- ‌(بَابٌ) (الْهِبَةُ)

- ‌[بَابٌ فِي اللُّقَطَةِ]

- ‌[أَحْكَام الِالْتِقَاط]

- ‌(بَابٌ) فِي الْقَضَاءِ وَأَحْكَامِهِ

- ‌بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

- ‌[مَرَاتِب الشَّهَادَة]

- ‌ شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَأَرْكَانه]

- ‌(بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ)

- ‌(بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا)

- ‌[بَابٌ حَدّ الزِّنَا وَأَحْكَامه]

- ‌(بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْقَذْفِ)

- ‌[بَابٌ أَحْكَام السَّرِقَةِ]

- ‌(بَابٌ) فِي الْحِرَابَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ

- ‌[بَابٌ حَدّ الشَّارِبِ]

- ‌[بَابٌ أَحْكَامَ الْعِتْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌(بَابٌ فِي التَّدْبِيرِ وَأَحْكَامِهِ

- ‌{بَابٌ} فِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ

- ‌(بَابٌ) فِي أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَلَاءِ)

- ‌(بَابٌ ذُكَرِ فِيهِ أَحْكَامُ الْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا)

- ‌ مُبْطِلَاتِ الْوَصِيَّةِ

- ‌(بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ)

- ‌ الْعَوْلِ

- ‌ الْمُنَاسَخَةِ

- ‌ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ

الفصل: ‌[باب موات الأرض وإحياءها]

دَرْسٌ (بَابٌ)

ذَكَرَ فِيهِ مَوَاتَ الْأَرْضِ، وَإِحْيَاءَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ (مَوَاتُ الْأَرْضِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (مَا سَلِمَ) أَيْ أَرْضٌ سَلِمَتْ أَيْ خَلَتْ (عَنْ الِاخْتِصَاصِ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ وَهُنَا تَمَّ التَّعْرِيفُ وَقَوْلُهُ (بِعِمَارَةٍ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالِاخْتِصَاصُ كَائِنٌ بِسَبَبِ عِمَارَةٍ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ، أَوْ تَفْجِيرِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ انْدَرَسَتْ) تِلْكَ الْعِمَارَةُ فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ لِمَنْ عَمَّرَهَا بَاقٍ (إلَّا لِإِحْيَاءٍ) مِنْ آخَرَ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا أَيْ مَعَ طُولِ زَمَانِهِ كَمَا فِي النَّقْلِ فَإِحْيَاؤُهَا مِنْ ثَانٍ قَبْلَ الطُّولِ لَا تَكُونُ لَهُ بَلْ لِلْأَوَّلِ كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ مِمَّنْ أَحْيَاهَا وَانْدَرَسَتْ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ إلَّا الْحِيَازَةَ بِشُرُوطِهَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَفْهُومُ إلَّا لِإِحْيَاءٍ أَنَّهُ إنْ أَحْيَاهَا ثَانٍ بَعْدَ طُولٍ اخْتَصَّ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا فَإِنْ عَمَّرَهَا جَاهِلًا بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ، وَإِلَّا فَمَنْقُوضًا وَهَذَا مَا لَمْ يَسْكُتْ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَعْمِيرِ الثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى تَسْلِيمِهِ الْأَرْضَ لِمُعَمِّرِهَا (وَبِحَرِيمِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

الَّذِي يَأْخُذُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ لَيْسَ جُعْلًا حَقِيقَةً بَلْ نَفَقَةً بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنَّهُ جُعْلٌ حَقِيقَةً فَغَلَبَتْ حَالَةُ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى حَالَةِ الْإِتْيَانِ بِهِ إذْ لَيْسَ الْعِوَضُ فِيهَا جُعْلًا حَقِيقَةً وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ مَتَى قَالُوا جُعْلُ الْمِثْلِ تَوَقَّفَ عَلَى التَّمَامِ بِخِلَافِ أُجْرَتِهِ.

[بَاب مَوَاتَ الْأَرْضِ وَإِحْيَاءَهَا]

. (بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) . (قَوْلُهُ: مَوَاتُ الْأَرْضِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَاتَ - بِضَمِّ الْمِيمِ - الْمَوْتُ وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا انْتِفَاعَ بِهَا فَهُوَ بِالْفَتْحِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ. (قَوْلُهُ: مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ) اسْتَغْنَى بِالِاسْمِ الْمُحَلَّى بِأَلْ عَنْ أَنْ يَقُولَ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ لِإِفَادَةِ الِاسْمِ الْمُحَلَّى الْعُمُومَ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَرْضٌ سَلِمَتْ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَرْضٍ وَحِينَئِذٍ فَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي سَلِمَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مَا. (قَوْلُهُ: وَهُنَا تَمَّ التَّعْرِيفُ) اُعْتُرِضَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَا يُسَمَّى مَوَاتًا لِعَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ حَرِيمَ الْعِمَارَةِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَوَاتٌ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَوَاتَ قِسْمَانِ قَرِيبٌ مِنْ الْعُمْرَانِ وَبَعِيدٌ مِنْهُ فَالْقَرِيبُ يَفْتَقِرُ فِي إحْيَائِهِ لِإِذْنِ الْإِمَامِ دُونَ الْبَعِيدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ " بِعِمَارَةِ " مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَدْخُلَ بِهِ فِي التَّعْرِيفِ كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ بِغَيْرِ الْعِمَارَةِ كَالْحَرِيمِ وَالْحِمَى وَيَكُونَ قَوْلُهُ " وَلَوْ انْدَرَسَتْ " مُبَالَغَةً فِيمَا فُهِمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَمَّرَ لَيْسَ بِمَوَاتٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَالْمُعَمَّرُ لَيْسَ بِمَوَاتٍ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ مُعَمِّرُهُ وَلَوْ انْدَرَسَتْ عِمَارَتُهُ. (قَوْلُهُ: بِعِمَارَةٍ وَلَوْ انْدَرَسَتْ إلَّا لِإِحْيَاءٍ) حَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ نَقْلًا عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْعِمَارَةَ تَارَةً تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ وَتَارَةً تَكُونُ لِإِحْيَاءٍ وَيَحْصُلُ الِاخْتِصَاصُ بِهَا إذَا لَمْ تَنْدَرِسْ فِي الْقِسْمَيْنِ وَأَمَّا إذَا انْدَرَسَتْ فَإِنْ كَانَتْ عَنْ مِلْكٍ كَإِرْثٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ فَالِاخْتِصَاصُ بَاقٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ لِإِحْيَاءٍ فَهَلْ الِاخْتِصَاصُ بَاقٍ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ فَالْأَوَّلُ يَقُولُ إنَّ انْدِرَاسَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَهَا وَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَعْمَرَهَا غَيْرُهُ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ انْدِرَاسِهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي يَقُولُ إنَّ انْدِرَاسَهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ إحْيَاؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الثَّانِي دَرَجَ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالِاخْتِصَاصُ بِعِمَارَةٍ أَيْ إذَا كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ أَوْ لِإِحْيَاءٍ " وَلَوْ " فِي قَوْلِهِ " وَلَوْ انْدَرَسَتْ " لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ لَا لِلْخِلَافِ وَلَوْ عَبَّرَ بِإِنْ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: إلَّا لِإِحْيَاءٍ أَيْ إلَّا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ إحْيَاءٍ فَانْدِرَاسُهَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا كَمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَيُقَيَّدُ ذَلِكَ بِالطُّولِ كَمَا عَلِمْت وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ بِعِمَارَةٍ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِكَوْنِ الْعِمَارَةِ نَاشِئَةً عَنْ مِلْكٍ أَوْ لِإِحْيَاءٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ النَّاشِئَةَ عَنْ الْمِلْكِ مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ كَافٍ فِي الِاخْتِصَاصِ وَلَا يَفْتَقِرُ لِلْعِمَارَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لَأَجْلِ تَقْسِيمِ الْعِمَارَةِ فَتَأَمَّلْ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ طُولِ زَمَانِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْآخَرِ الَّذِي أَحْيَاهَا بَعْدَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا) هَذَا تَنْظِيرٌ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ لِإِحْيَاءٍ. (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ " إلَّا لِإِحْيَاءٍ " أَنَّهُ إنْ أَحْيَاهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَنْطُوقُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا مَفْهُومُهُ فَالْأَوْلَى إبْدَالُ مَفْهُومٍ بِمَنْطُوقٍ، وَإِنَّمَا أَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ ذِكْرِهِ لَهُ أَوَّلًا لِأَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ عَمَّرَهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الطُّولِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَمَّرَهَا أَيْ قَبْلَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ جَاهِلًا بَلْ عَالِمًا بِمُعَمِّرِهَا الْأَوَّلِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ كَوْنِهَا لِمَنْ أَحْيَاهَا قَبْلَ طُولِ زَمَنِ الِانْدِرَاسِ وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَسْكُت إلَخْ أَيْ وَحَلَفَ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا لَيْسَ إعْرَاضًا عَنْهَا وَأَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ فَوَاتِهَا عَلَى مُحْيِيهَا

ص: 66

فَيَخْتَصُّ بِالْعِمَارَةِ وَبِحَرِيمِهَا فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَصَّلَ الْحَرِيمَ بِقَوْلِهِ (كَمُحْتَطَبٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مَكَان يُقْطَعُ مِنْهُ الْحَطَبُ (وَمَرْعًى) مَكَانِ الرَّعْيِ (يُلْحَقُ) ذَلِكَ الْمُحْتَطَبُ وَالْمَرْعَى (غُدُوًّا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ (وَرَوَاحًا) مَا بَعْدَهُ حَالَ كَوْنِ الْمُحْتَطَبِ وَالْمَرْعَى (لِبَلَدٍ) يَعْنِي إذَا عَمَّرَ جَمَاعَةٌ بَلَدًا فَإِنَّهُمْ يَخْتَصُّونَ بِهَا وَبِحَرِيمِهَا مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى لِدَوَابِّهِمْ يُلْحَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى عَادَةِ الْحَاطِبِينَ وَالرُّعَاةِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِمْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ وَحَلْبِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ غُدُوًّا وَرَوَاحًا فَلَا مُشَارَكَةَ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُمْ وَمَنْ أَتَى مِنْهُمْ بِحَطَبٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ لَهُ مِلْكٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ (وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ) مِنْ عَاقِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ حَرِيمٌ لِبِئْرِ مَاشِيَةٍ أَوْ شُرْبٍ (وَ) مَا (لَا يَضُرُّ بِمَاءٍ) حَرِيمٌ (لِبِئْرٍ) أَيْ بِئْرِ الزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي وَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَمُرَادُهُ أَنَّ مُنْتَهَى مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يُضَيِّقُ هُوَ مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ وَمَا يُضَيِّقُ إلَخْ بِدُونِ نَفْيٍ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْحَرِيمِ الَّذِي لِرَبِّ الْبِئْرِ الْمَنْعُ مِنْهُ (وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ) عُرْفًا حَرِيمٌ (لِنَخْلَةٍ) وَشَجَرَةٍ (وَمَطْرَحِ تُرَابٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

الْأَوَّلِ بِإِحْيَاءِ الثَّانِي قَبْلَ طُولِ الِانْدِرَاسِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ عَدَمِ سُكُوتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَعْمِيرِ الثَّانِي وَحَلِفِهِ فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِهَا الثَّانِي وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِالْعِمَارَةِ) أَيْ فَيَخْتَصُّ الْمُعَمِّرُ بِالْعِمَارَةِ وَبِحَرِيمِهَا فَإِذَا جَاءَ شَخْصٌ آخَرُ وَبَنَى فِي حَرِيمِ الْعِمَارَةِ وَأَحْيَاهُ بِالْعِمَارَةِ، أَوْ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا لِجَمِيعِ الْبَلَدِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، نَعَمْ إذَا أَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يُحْيِيَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ " عَلَيْهِ "؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَمِّرِ وَمَقْصُورٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: يَلْحَقُ غُدُوًّا) أَيْ يَلْحَقُ الشَّخْصَ الْمَوْصُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَرْجِعُ الشَّخْصُ مِنْهُمَا لِقَوْمِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ الزَّوَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي يَذْهَبُ فِيهِ وَيَرْجِعُ بِالْحَطَبِ الَّذِي يَحْتَطِبُهُ فِي طَبْخٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْتَفِعُ بِالدَّوَابِّ فِي حَلْبِ وَطَبْخِ مَا يَحْلُبُ لَا مُجَرَّدُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ) أَيْ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُجِيبَهُ بِعِمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُضَيِّقُ) عَطْفٌ عَلَى " مُحْتَطَبٍ ". (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَبَهِيمَةٍ. (قَوْلُهُ: حَرِيمٌ لِبِئْرِ مَاشِيَةٍ) مِثْلُهُ النَّهْرُ فَحَرِيمُهُ مَا ذُكِرَ أَيْ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَرِدُهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَقِيلَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفَتْوَى قَدِيمًا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِشَاطِئِ النَّهْرِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إنْ كَانَ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْمَدْخَلِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا انْكَشَفَ عَنْ أَرْضٍ وَانْتَقَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ لَا لِمَنْ يَلِيهِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ سَحْنُونٍ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ الْآبَارِ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّرْبِ وَقَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي أَيْ وَهُوَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَيْ وَهُوَ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ حَرِيمٌ لِكُلِّ بِئْرٍ وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّرْبِ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ حَرِيمُ الْبِئْرِ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يُحْدِثَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِهَا ظَاهِرًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، أَوْ بَاطِنًا كَحَفْرِ بِئْرٍ يُنَشِّفُ مَاءَهَا، أَوْ يُذْهِبُهُ، أَوْ حَفْرِ مِرْحَاضٍ تُطْرَحُ النَّجَاسَاتُ فِيهِ يَصِلُ إلَيْهَا وَسَخُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ أَنَّ مُنْتَهَى إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ فِي عَطْفِ " مَا لَا يُضَيِّقُ " عَلَى " مُحْتَطَبٍ " شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَرِيمِ الَّذِي لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَكَذَا مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفًا مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْآخِرِ، وَالْأَصْلُ وَغَايَةُ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءٍ مُنْتَهَى الْحَرِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِبِئْرٍ فَإِذَا كَانَ حَوْلَ بِئْرِ مَاشِيَةٍ نَحْوُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسَعُ الْوَارِدِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ حَرِيمُهُ فَيَكُونُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبِئْرِ مُخْتَصِّينَ بِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ عِمَارَةً فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَرِيمٍ لَهَا. (قَوْلُهُ: حَرِيمٌ لِنَخْلَةٍ وَشَجَرَةٍ) فَحَرِيمُهُمَا مَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا عُرْفًا كَمَدِّ جَرِيدِهَا وَسَقْيِهَا وَسَعْيِ جَذْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَطْرَحِ تُرَابٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى جَمَاعَةٌ بَلَدًا فِي الْفَيَافِي مَثَلًا فَمَا كَانَ مُجَاوِرًا لِدَارِ زَيْدِ مَثَلًا فَهُوَ حَرِيمٌ لَهَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالْفُسْحَةِ الْمُجَاوِرَةِ لَهَا الَّتِي يُطْرَحُ فِيهَا التُّرَابُ وَمَاءُ الْمِيزَابِ وَالْمِرْحَاضِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْفُسْحَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلدَّارِ حَرِيمًا لَهَا وَيَخْتَصُّ بِهَا صَاحِبُهَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لَيْسَتْ مَحْفُوفَةً بِأَمْلَاكٍ بِأَنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ تَكُونُ الْفُسْحَةُ الْمُجَاوِرَةُ لَهَا غَيْرَ مُجَاوِرَةٍ لِغَيْرِهَا مِنْ الدُّورِ فَإِنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِغَيْرِهَا بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَبْوَابِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِيرَانِ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا التُّرَابَ وَيَصُبَّ مَاءَ الْمِيزَابِ

ص: 67

وَمَصَبِّ مِيزَابٍ) حَرِيمٌ (لِدَارٍ) لَيْسَتْ مَحْفُوفَةً بِأَمْلَاكٍ (وَلَا تَخْتَصُّ) دَارٌ (مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلَاكٍ) بِحَرِيمٍ (وَلِكُلٍّ) مِنْ ذَوِي الْأَمْلَاكِ الَّتِي بَيْنَهَا فُسْحَةٌ (الِانْتِفَاعُ) بِتِلْكَ الْفُسْحَةِ مِنْ جُلُوسٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ مَنْعُ آخَرَ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ) فَإِنْ ضَرَّ مُنِعَ (وَبِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ) عَطْفٌ عَلَى بِعِمَارَةٍ أَيْ وَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ بِسَبَبِ إقْطَاعِ الْإِمَامِ أَرْضًا مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ أَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا لِكَوْنِهَا فَضَلَتْ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَلَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا غَرْسَ وَمِنْ الْمَوَاتِ مَا عُمِّرَتْ، ثُمَّ دَرَسَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثْلُ الْإِمَامِ نَائِبُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ، ثُمَّ إقْطَاعُ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَهُ نَعَمْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إنْ حَازَهُ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ قَبْلَ الْمَانِعِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا، وَرُجِّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ وَلَوْ اقْتَطَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ كُلَّ عَامٍ كَذَا عُمِلَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْمَأْخُوذِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا اقْتَطَعَهُ إنْ مَلَكَهُ الْمَقْطُوعُ لَهُ بِاقْتِطَاعِهِ (وَلَا يُقْطِعُ) الْإِمَامُ (مَعْمُورَ) أَرْضِ (الْعَنْوَةِ) كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ الصَّالِحَةِ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ (مِلْكًا) بَلْ إمْتَاعًا وَانْتِفَاعًا وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَلَيْسَ عَقَارًا لِلْكُفَّارِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاتِ يُقْطِعُهُ مِلْكًا، أَوْ مَتَاعًا، وَإِنْ صَلَحَ لِغَرْسِ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطِعْ الْمَعْمُورَ مِلْكًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا مُطْلَقًا، ثُمَّ مَا اقْتَطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْعَنْوَةِ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ انْحَلَّ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَاحْتَاجَ لِإِقْطَاعٍ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لِشَخْصٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ اسْتَحَقَّهُ الذُّرِّيَّةُ بَعْدَهُ لِلْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِبَيَانِ تَفْصِيلٍ كَالْوَقْفِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الِالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا هَلْ هُوَ مِنْ الْإِقْطَاعِ فَلِلْمُلْتَزِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَنْ سَبَقَ، أَوْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْطَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُلْتَزِمُ جَابٍ لِمَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَنْقِيصٌ لِمَا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّلْطَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ كَمَا يَزْعُمُونَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (وَ) الِاخْتِصَاصُ يَكُونُ (بِحِمَى إمَامٍ) أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي خُصُوصِ الْحِمَى بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي خُصُوصِهِ وَالْحِمَى بِالْقَصْرِ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَأَصْلُ مَحْمِيٍّ مَحْمُوِيٌ وَتَثْنِيَتُهُ مَحْمِيَّانِ فَهُوَ يَائِيٌّ وَأَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ إذَا نَزَلَ بِأَرْضٍ مُخَصَّبَةٍ اسْتَعْوَى كَلْبًا بِمَحَلٍّ عَالٍ فَحَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ صَوْتُهُ حَمَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ مَعَهُ وَيَرْعَى هُوَ فِي غَيْرِهِ مَعَ غَيْرِهِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَالْمِرْحَاضِ لَكِنْ بِجِوَارِ جِدَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِجَارِهِ، وَإِلَّا مُنِعَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَخْتَصُّ إلَخْ أَيْ أَنَّ الدَّارَ الْمَحْفُوفَةَ بِالْأَمْلَاكِ لَا تَخْتَصُّ بِحَرِيمٍ يَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ غَيْرَ صَاحِبِهَا وَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْجِيرَانِ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَجْلِ تَقَيُّدِهِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَمَصَبِّ مِيزَابٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ كَمِرْحَاضٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ أَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا) أَيْ الْكُفَّارُ اخْتِيَارًا لَا لِخَوْفٍ، وَإِلَّا كَانَتْ أَرْضَ عَنْوَةٍ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا تَمْلِيكًا وَمِثْلُ مَا إذَا تَرَكَهَا أَهْلُهَا مَا إذَا مَاتُوا عَنْهَا. (قَوْلُهُ: وَطَالَ الزَّمَانُ) أَيْ فَإِذَا أَقْطَعهَا الْإِمَامُ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ طُولِ انْدِرَاسِهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَاخْتَصَّ بِهَا. (قَوْلُهُ: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَنْ يُقْطِعُ لَهُ. (قَوْلُهُ: بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِقْطَاعِ فَالِاخْتِصَاصُ يَكُونُ بِوَاحِدٍ مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ جُمْلَتِهَا التَّعْمِيرُ وَهُوَ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْإِقْطَاعِ وَالْحِمَى فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ دُونَ الْإِحْيَاءِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ) أَيْ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ أَيْ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى عِمَارَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُجَرَّدٌ عَنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِيَّةِ بِإِحْيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ابْنُ شَاسٍ الْإِحْيَاءُ إذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْ مِنْهَا شَيْئًا فَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا وَتُورَثُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بَلْ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ. (قَوْلُهُ: إنْ حَازَهُ) أَيْ فَإِنْ مَاتَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ مَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ كَانَ الْإِقْطَاعُ بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْإِقْطَاعِ وَالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْإِرْثُ إذَا مَاتَ الْمُحْيِي أَوْ الْمُقْطِعُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ) أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِقْطَاعَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ لَا مِنْ بَابِ الْعَطِيَّةِ وَفِي بْن هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْطِعُ الْإِمَامُ مَعْمُورَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ) أَيْ وَلَا يُقْطِعُ أَيْضًا عَقَارَهَا مِلْكًا. (قَوْلُهُ: الصَّالِحَةِ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ) تَفْسِيرٌ لِمَعْمُورِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الصَّالِحَةَ لِزِرَاعَةِ النَّخْلِ فَقَطْ لَهُ إقْطَاعُهَا مِلْكًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوَاتٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ إمْتَاعًا) أَيْ بَلْ يُقْطِعُهَا إمْتَاعًا أَيْ انْتِفَاعًا مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَثَلًا أَوْ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطِعْ الْمَعْمُورَ مِلْكًا) أَيْ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَوَاتِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فَلِذَا جَازَ إقْطَاعُهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا) أَيْ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ أَهْلِهَا لَا عُلْقَةَ لِلْإِمَامِ بِهَا وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَتْ مَعْمُورَةً، أَوْ مَوَاتًا. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمُصَنِّفَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاخْتِصَاصِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْحِمَى الْحِمَايَةُ وَالتَّحْجِيرُ. (قَوْلُهُ: مَحْمُوِيٌ) أَيْ بِزِنَةِ مَفْعُولٍ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ

ص: 68

وَهُوَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَالْحِمَى الشَّرْعِيُّ أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَكَانًا خَاصًّا لِحَاجَةِ غَيْرِهِ فَيَجُوزَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ مَكَانًا (مُحْتَاجًا إلَيْهِ) أَيْ دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ (قَلَّ) بِأَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ لَا إنْ كَثُرَ بِأَنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ (مِنْ) مَرْعَى (بَلَدٍ عَفَا) أَيْ خَلَا عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (لِكَغَزْوٍ) أَيْ لِدَوَابِّ الْغُزَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَافْتَقَرَ) أَيْ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ (لِإِذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُحْيِي (مُسْلِمًا) وَالْوَاوُ لِلْمُبَالَغَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْكَافِرِ الْإِحْيَاءَ فِيمَا قَرُبَ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَالْوَاوُ لِلْحَالِ (إنْ قَرُبَ) لِعِمَارَةِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ فِي حَرِيمِهَا (وَإِلَّا) يَسْتَأْذِنْ فِي الْقَرِيبِ بِأَنْ أَحْيَا فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ) لِلْمُحْيِي (أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا) فَيُعْطِيهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ أَوَغَرْسِهِ مَنْقُوضًا وَيُبْقِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اغْتَلَّهُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ (مُبَاحٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ) عَنْ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ حَرِيمِهَا فَلَا يَفْتَقِرُ إحْيَاؤُهُ لِلْإِذْنِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُحْيِي فِيهِ (ذِمِّيًّا) حَيْثُ أَحْيَا الذِّمِّيُّ فِي الْبَعِيدِ (بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَمَا وَالَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ، وَالْجَزِيرَةُ - مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ الْحَيَوَانَ - فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَقْطُوعَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا إلَى أَجْنَابِهَا.

(وَالْإِحْيَاءُ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِصَاصِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ (بِتَفْجِيرِ مَاءٍ) بِأَرْضٍ كَأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَفْتُقَ عَيْنًا فَيَخْتَصَّ بِهَا وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَيْهَا (وَبِإِخْرَاجِهِ) أَيْ إزَالَةِ الْمَاءِ عَنْهَا حَيْثُ كَانَتْ غَامِرَةً بِهِ (وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ) فِيهَا (وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ) تَفْسِيرٌ لِلْحَرْثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْثِ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ لَا خُصُوصُ الشَّقِّ بِالْآلَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (وَبِقَطْعِ شَجَرٍ) فِيهَا

ــ

[حاشية الدسوقي]

إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَالضَّمَّةُ الَّتِي قَبْلَهَا كَسْرَةً، وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ الْكَلَأَ النَّابِتَ فِي الْفَيَافِي مُبَاحٌ لِكُلِّ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَكَانًا خَاصًّا) أَيْ أَنْ يَمْنَعَ رَعْيَ كَلَئِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَفَّرَ لِدَوَابِّ الصَّدَقَةِ وَالْغَزْوِ وَضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزَ) أَيْ الْحِمَى لِلْأَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَازَ الْحِمَى بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إحْيَاءٌ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حِمَاهُ. (قَوْلُهُ: دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ نَفْعِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَلَدٍ) أَيْ مِنْ مَحَلٍّ وَقَوْلُهُ: عَفَا أَيْ عَافٍ وَخَالٍ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. (قَوْلُهُ: لِكَغَزْوٍ) أَيْ لِدَوَابِّ كَغَزْوٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبِحِمَى إمَامٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ) جَعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا لِلْإِحْيَاءِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْبَابِ مَعْقُودًا لَهُ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ الْمَقَامِ عَلَى حَدِّ. {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] وَيَصِحُّ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلْمَوَاتِ الْمُحْدَثِ عَنْهُ سَابِقًا أَيْ وَافْتَقَرَ الْمَوَاتُ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إحْيَاؤُهُ. (قَوْلُهُ: لِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَذِنَ، وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْكَافِرِ الْإِحْيَاءَ فِيمَا قَرُبَ) أَيْ وَهُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ الْبَاجِيَّ حَيْثُ قَالَ لَوْ قِيلَ حُكْمُ الذِّمِّيِّ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فِي جَوَازِ إحْيَاءِ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ إنْ كَانَ بِإِذْنٍ لَمْ يَبْعُدْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ الْإِحْيَاءُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرُبَ) أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْإِحْيَاءُ لِعِمَارَةِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ مِنْ حَرِيمِهَا. (قَوْلُهُ: وَيُبْقِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِأَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ، أَوْ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ، كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اغْتَلَّهُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ زَرَعَهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَفْتَقِرُ إحْيَاؤُهُ لِلْإِذْنِ) بَلْ يَخْتَصُّ الْمُحْيِي بِمَا أَحْيَاهُ وَلَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافًا لِمَا فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ الْجَزْرِ الْجَزَّارُ وَقَوْلُهُ: لِقَطْعِهِ أَيْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَطْعِهِ. (قَوْلُهُ: فَعِيلَةٌ) أَيْ فَهِيَ أَيْ الْجَزِيرَةُ فَعِيلَةٌ وَقَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَفْعُولٍ عَنْهَا وَقَوْلُهُ: أَيْ مَقْطُوعَةٍ الْأَوْلَى أَيْ مَقْطُوعٍ عَنْهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا إلَى أَجْنَابِهَا) أَيْ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ وَالْجَنُوبُ وَالْمَشْرِقُ فَفِي مَغْرِبِهَا جِدَّةُ وَالْقُلْزُمُ وَفِي جَنُوبِهَا الْهِنْدُ وَفِي مَشْرِقِهَا خَلِيجُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَالْبَصْرَةُ وَالْبَحْرَيْنِ اسْمُ بَلْدَةٍ وَالْجَنُوبُ يُمْنَى الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمَشْرِقِ وَهُوَ مَحَلُّ شُرُوقِ الْكَوَاكِبِ أَيْ طُلُوعِهَا وَيُقَابِلُهُ الْمَغْرِبُ وَيُقَابِلُ الْجَنُوبَ الشَّمَالُ.

(قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِهَا وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَيْهَا) أَيْ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ الْفِيشِيُّ وَارْتَضَاهُ بْن. (قَوْلُهُ: أَيْ إزَالَةِ الْمَاءِ عَنْهَا) أَيْ لِأَجْلِ زِرَاعَةٍ أَوْ غَرْسٍ، أَوْ بِنَاءٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِخْرَاجِ الْمَاءِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَتَّحِدُ حِينَئِذٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْجَوَاهِرِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِمَا عَظِيمَيْهِمَا وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج. (قَوْلُهُ: وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ) أَيْ وَأَمَّا زَرْعُهَا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءٌ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِ زَارِعُهُ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْثِ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ) أَيْ بِحَرْثٍ، أَوْ حَفْرٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ) أَيْ لِأَنَّ تَحْرِيكَ الْأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْلِيبِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمِحْرَاثٍ، أَوْ بِفَأْسٍ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ فَالظَّاهِرُ

ص: 69

يَعْنِي إزَالَتَهُ عَنْهَا وَلَوْ بِحَرْقٍ لِإِصْلَاحِهَا (وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا) أَيْ تَعْدِيلِهَا (لَا) يَكُونُ الْإِحْيَاءُ (بِتَحْوِيطٍ) إلَّا أَنْ تَجْرِيَ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ إحْيَاءٌ أَوْ يُقْطِعَهُ لَهُ الْإِمَامُ فَيُحَوِّطَهُ وَالتَّحْوِيطُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّحْجِيرِ (وَ) لَا (رَعْيِ كَلَأٍ) أَيْ عُشْبٍ فِيهَا وَكَذَا إزَالَةُ شَوْكٍ أَوْ حَلْفَاءَ (وَ) لَا (حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) أَوْ لِشُرْبِ النَّاسِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا فَإِحْيَاءٌ.

وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِذِكْرِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلنَّاسِ كَالْمَوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ) لَا لِمَرْأَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا، أَوْ يُكْرَهُ (تَجَرَّدَ) بِالسُّكْنَى فِيهِ (لِلْعِبَادَةِ) مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا كُرِهَ (وَعَقْدُ نِكَاحٍ) أَيْ مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شُرُوطٍ وَلَا رَفْعِ صَوْتٍ، أَوْ تَكْثِيرِ كَلَامٍ، وَإِلَّا كُرِهَ (وَقَضَاءُ دَيْنٍ) يَسِيرٍ يَخِفُّ مَعَهُ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ وَإِلَّا كُرِهَ (وَقَتْلُ عَقْرَبٍ) أَوْ فَأْرٍ، أَوْ حَيَّةٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ وَجَازَ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَتْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ) أَيْ نَهَارٍ وَكَذَا بِلَيْلٍ لِمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ، أَوْ عَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ (وَتَضْيِيفٌ) لِضَيْفٍ (بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ)(وَ) جَازَ (إنَاءٌ) أَيْ إعْدَادُهُ (لِبَوْلٍ) أَوْ غَائِطٍ (إنْ خَافَ) بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ (سَبُعًا) أَوْ لِصَائِمٍ يُخْرِجُهُ بَعْدَ الْأَمْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ بِالنَّجَاسَةِ فِيهِ (كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ (وَمُنِعَ عَكْسُهُ) أَيْ سُكْنَى الْمَنْزِلِ بِأَهْلِهِ فَوْقَهُ إذَا حَدَثَ بِنَاؤُهُ بَعْدَ تَحْبِيسِهِ لَا بِغَيْرِ أَهْلِهِ، أَوْ بِنَاؤُهُ قَبْلَ جَعْلِهِ مَسْجِدًا

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ تَبَعًا لِرِوَايَةِ عِيَاضٍ. (قَوْلُهُ: إزَالَتَهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ حَفْرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَكَذَا حَفْرُ بِئْرِ الشُّرْبِ قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ) رَاجِعٌ لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ الشُّرْبِ يَعْنِي أَنَّ حَفْرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ الشُّرْبِ فِي أَرْضٍ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ الْمِلْكِيَّةَ عِنْدَ حَفْرِهَا فَإِنْ بَيَّنَهَا حَصَلَ إحْيَاءُ الْأَرْضِ بِحَفْرِهَا.

(قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَهُوَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " بِذِكْرِ مَسَائِلَ " أَيْ وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِذِكْرِهِمْ هُنَا مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا هُنَا نَظَرًا وَقَوْلُهُ كَالْمَوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ بِالنَّظَرِ لِبَعْضِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَوَاتُ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ مُحْيِيهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَإِنْ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي ذِكْرِهَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُحَجِّرْ فِيهِ وَيُضَيِّقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَإِلَّا مُنِعَ. (قَوْلُهُ: لَا لِمَرْأَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) أَيْ السُّكْنَى فِيهِ وَلَوْ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحِيضُ وَقَدْ يَلْتَذُّ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَتَنْقَلِبُ الْعِبَادَةُ مَعْصِيَةً وَظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُكْرَهُ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِكَرَاهَةِ سُكْنَاهَا حَيْثُ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ الَّذِي عُلِّلَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا) أَيْ كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ مُتَجَرِّدًا لِلْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ سُكْنَاهُ فِيهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ سَكَنًا إلَّا لِمُتَجَرِّدٍ لِلْعِبَادَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَنْبَغِيَ هُنَا لِلْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِيدِ لِلْعِبَادَةِ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَغَيُّرٌ لَهُ عَمَّا حُبِّسَ لَهُ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ هَدْمُ الْمَقَاصِيرِ الَّتِي اُتُّخِذَتْ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ لِلسُّكْنَى مَا لَمْ يَكُنْ الْبَانِي لَهَا هُوَ الْوَاقِفَ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَعَقْدُ نِكَاحٍ) قَدْ اسْتَحَبَّهُ بَعْضُهُمْ لِلْبَرَكَةِ وَلِأَجْلِ شُهْرَةِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِيرًا بَلْ كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ قَضَاؤُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِجَوَازِ نَوْمِ اللَّيْلِ وَأَمَّا نَوْمُ النَّهَارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَتَضْيِيفٌ) أَيْ إنْزَالُ الضَّيْفِ بِمَسْجِدِ الْبَادِيَةِ، وَإِطْعَامُهُ فِيهِ الطَّعَامَ النَّاشِفَ كَالتَّمْرِ لَا إنْ كَانَ مُقَذِّرًا كَالْبِطِّيخِ، أَوْ طَبِيخٍ فَيَحْرُمُ إلَّا بِنَحْوِ سُفْرَةٍ تُجْعَلُ تَحْتَ الْإِنَاءِ فَيُكْرَهُ وَمِثْلُ مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ مَسْجِدُ الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَأَمَّا التَّضْيِيفُ فِي مَسْجِدِ الْحَاضِرَةِ فَيُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ نَاشِفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ) رَجَّحَهُ عبق لِلْأَمْرَيْنِ قَبْلَهُ وَاعْتَرَضَهُ بْن بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّقَيُّدَ بِالْبَادِيَةِ يَرْجِعُ لِنَوْمِ الْقَائِلَةِ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ النَّوْمُ فِي الْقَائِلَةِ جَائِزٌ فِي أَيْ مَسْجِدٍ كَانَ مَسْجِدَ بَادِيَةٍ، أَوْ حَاضِرَةٍ، وَإِنَّمَا التَّقَيُّدُ بِالْبَادِيَةِ فِي التَّضْيِيفِ وَالْمَبِيتِ لَيْلًا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ إنَاءٌ) أَيْ وَجَازَ لِمَنْ بَاتَ فِيهِ إعْدَادُ إنَاءٍ وَاِتِّخَاذُهُ لِبَوْلٍ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ كَالْفَخَّارِ أَمْ لَا كَالزُّجَاجِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ مَا لَا يُرَشِّحُ تَعَيَّنَ وَلَا يُعْدَلُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ مَا لَا يُرَشِّحُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ إنَاءً وَالْحَالُ أَنَّهُ يَخَافُ سَبُعًا إنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ بَالَ فِيهِ وَتَغَوَّطَ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ لِلنَّوْمِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَكَذَا الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُدْخِلُ عِنْدَهُ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ السُّكْنَى بِمَنْزِلٍ تَحْتَهُ وَلَوْ بِأَهْلِهِ وَأَمَّا قَبْرٌ فِي أَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنَبْشِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى عبق وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَلَا الْغَرْسُ فِيهِ وَإِنْ

ص: 70

(فَلَا يُمْنَعُ)(كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) فِي مَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ لِحُرْمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ (وَمُكْثٌ بِنَجِسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فَيُمْنَعُ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ وَلَوْ سُتِرَ بِطَاهِرٍ وَقِيلَ إنْ سُتِرَ بِهِ جَازَ فَيُوضَعُ النَّعْلُ الْمُتَنَجِّسُ فِي شَيْءٍ يُكِنُّهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلضَّرُورَةِ (وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وَ) إنْ فَعَلَ (حَكَّهُ) وَهَذَا فِي الْمُبَلَّطِ وَالْمَفْرُوشِ فَوْقَ فُرُشِهِ وَكَذَا الْمُحَصَّبُ فَوْقَ الْحَصْبَاءِ وَأَمَّا الْمُتَرَّبُ فَيَجُوزُ كَتَحْتِ فُرُشِهِ وَفُرُشِ الْمُحَصَّبِ أَوْ خِلَالَ الْحَصْبَاءِ وَهَذَا مَا لَمْ يُكْثِرْ حَتَّى يُقَذِّرَهُ، وَإِلَّا مُنِعَ.

(وَ) كُرِهَ فِيهِ (تَعْلِيمُ صَبِيٍّ) قُرْآنًا، أَوْ غَيْرَهُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ وَلَوْ كَانَ لَا يَعْبَثُ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَ) كُرِهَ فِيهِ (بَيْعٌ وَشِرَاءٌ) بِغَيْرِ سَمْسَرَةٍ، وَإِلَّا مُنِعَ (وَسَلُّ سَيْفٍ) وَنَحْوِهِ (وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) فِيهِ أَيْ تَعْرِيفُهَا وَكَذَا نَشْدُهَا وَهُوَ سُؤَالُ رَبِّهَا عَنْهَا (وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ) أَيْ صِيَاحٌ فِيهِ، أَوْ بِبَابِهِ لِلْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِغَيْرِ صِيَاحٍ فَجَائِزٌ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ (وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ) فِيهِ وَلَوْ بِذِكْرٍ وَقُرْآنٍ (كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ) فَوْقَ إسْمَاعِ الْمُخَاطَبِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ (وَوَقِيدُ نَارٍ) فِيهِ لِغَيْرِ تَبْخِيرِهِ وَاسْتِصْبَاحِهِ (وَدُخُولُ كَخَيْلٍ) فِيهِ مِمَّا فَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ (لِنَقْلٍ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَقَعَ قُلِعَ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُمْنَعُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ مُعَدًّا لِلْكِرَاءِ، أَوْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) أَيْ كَمَا يُمْنَعُ إخْرَاجُ رِيحٍ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَعُدُولُهُ عَنْ خُرُوجٍ لِإِخْرَاجٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ تَعَمُّدُ إخْرَاجِهِ وَأَمَّا خُرُوجُهُ غَلَبَةً فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ يَجُوزُ إرْسَالُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ اخْتِيَارًا كَمَا يُرْسِلُهُ فِي بَيْتِهِ إذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ أَيْ بِأَنْ كَانَ إبْقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِهِ يُؤْذِيهِ اهـ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إخْرَاجِهِ أَذِيَّةُ حَاضِرٍ، وَإِلَّا حَرُمَ؛ لِأَنَّ الْأَذِيَّةَ حَرَامٌ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: لِحُرْمَتِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَإِخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ يُنَافِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمُكْثٌ بِنَجِسٍ) أَيْ مُنِعَ مُكْثٌ وَكَذَا مُرُورٌ فِيهِ بِنَجِسٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي هُوَ كَالنَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا لَوْ أُزِيلَ عَيْنُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا فَلَا يُمْنَعُ الْمُكْثُ بِهِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ سُتِرَ) أَيْ النَّجِسُ، أَوْ الْمُتَنَجِّسُ بِطَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ سُتِرَ بِهِ) أَيْ وَقِيلَ يَجُوزُ الْمُكْثُ وَالْمُرُورُ بِالنَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ إذَا سُتِرَ بِطَاهِرٍ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ) أَيْ أَوْ يَمْخُطَ وَقَوْلُهُ بِأَرْضِهِ أَيْ أَوْ حَائِطِهِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا إذَا قَلَّ، وَإِلَّا حَرُمَ لِلتَّقْدِيرِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَلَّطًا أَوْ مُحَصَّبًا، أَوْ مُتَرَّبًا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَبْصُقَ فَوْقَ فُرُشِهِ، أَوْ تَحْتَهُ أَوْ بِأَرْضِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا فُرُشَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْبَصْقُ فَوْقَ الْفُرُشِ كَانَ مَكْرُوهًا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ مُتَرَّبًا، أَوْ مُحَصَّبًا وَكُرِهَ إنْ كَانَ مُبَلَّطًا، وَإِنْ كَانَ الْبَصْقُ بِأَرْضِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْرُوشٍ فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ مُبَلَّطًا وَيَجُوزُ إنْ كَانَ مُتَرَّبًا، أَوْ مُحَصَّبًا لِلشَّارِحِ تَفْصِيلٌ آخَرُ فِي الْمُحَصَّبِ فَجَعَلَ الْبَصْقَ فَوْقَ الْحَصْبَاءِ مَكْرُوهًا وَفِي خِلَالِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْرُوشٍ جَائِزًا وَهُوَ خِلَافُ النَّقْلِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ حَكَّهُ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَحَكَّهُ اسْتِئْنَافٌ وَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ عَطْفًا عَلَى أَنْ يَبْصُقَ مُقَدِّرًا فِيهِ الْمُتَعَلِّقَ وَالْمَعْنَى وَكُرِهَ حَكُّهُ بِأَرْضِهِ وَالْمَطْلُوبُ مَسْحُهُ بِكَخِرْقَةٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَكَّ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ مَطْلُوبٌ لِإِزَالَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَعَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً ثَانِيَةً غَيْرَ كَرَاهَةِ الْبَصْقِ وَالنَّقْلُ مُسَاعِدٌ لِمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَفْرُوشِ فَوْقَ فُرُشِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُبَلَّطًا، أَوْ مُحَصَّبًا، أَوْ مُتَرَّبًا. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) أَيْ الْبَصْقُ فِيهِ فَوْقَ التُّرَابِ وَقَوْلُهُ: كَتَحْتِ فُرُشِهِ أَيْ الْمُتَرَّبِ وَقَوْلُهُ: وَفُرُشِ الْمُحَصَّبِ أَيْ وَتَحْتَ فُرُشِ الْمُحَصَّبِ وَأَمَّا تَحْتَ فُرُشِ الْمُبَلَّطِ فَيُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ خِلَالَ الْحَصْبَاءِ) قَالَ بْن لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا التَّفْرِيقَ فِي الْمُحَصَّبِ بَلْ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ فِيهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ، أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقُ.

(قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ) أَيْ مُرَاهِقٍ أَوْ صَغِيرٍ لَا يَعْبَثُ، أَوْ يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَالْحُرْمَةُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهِ مُطْلَقًا كَانَ مَظِنَّةً لِلْعَبَثِ وَالتَّقْدِيرُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَحَفُّظِهِمْ مِنْ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ سَمْسَرَةٍ) أَيْ بِأَنْ جَلَسَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَتَى الْمُشْتَرِي لَهَا يُقَلِّبُهَا وَيَنْظُرُ فِيهَا وَيُعْطِي فِيهَا مَا يُرِيدُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا مُنِعَ أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِسَمْسَرَةٍ أَيْ مُنَادَاةٍ عَلَى السِّلْعَةِ حَرُمَ لِجَعْلِ الْمَسْجِدِ سُوقًا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا جُعِلَ الْمَسْجِدُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ أَظْهَرَ السِّلْعَةَ فِيهِ مُعَرِّضًا لَهَا لِلْبَيْعِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ عَقْدِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَيْعِ الْإِيجَابَ وَبِالشِّرَاءِ الْقَبُولَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْبَيْعِ الْعَقْدَ الْمُحْتَوِيَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِلَّا لَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْبَيْعِ عَنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ لَوَازِمِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَسَلُّ سَيْفٍ) أَيْ لِغَيْرِ إخَافَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ بَلْ فِي فَتَاوَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ رِدَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَعْرِيفُهَا) أَيْ تَعْرِيفُ الْمُلْتَقِطِ لَهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ صِيَاحٌ فِيهِ أَوْ بِبَابِهِ لِلْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى بَابِهِ: أَخُوكُمْ فُلَانٌ قَدْ مَاتَ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ صِيَاحٍ) أَيْ بِغَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ وَقَوْلُهُ: فَجَائِزٌ أَيْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى بَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِذِكْرٍ وَقُرْآنٍ) أَيْ إلَّا التَّلْبِيَةَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى فَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِهَا فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْلِطْ عَلَى مُصَلٍّ، وَإِلَّا حَرُمَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ)

ص: 71

لِتُرَابٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ إبِلٍ فَيَجُوزُ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ (وَفَرْشٌ) فِيهِ (أَوْ مُتَّكَأٌ) لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِ أَوْ الِاتِّكَاءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُعَ الْمَشْرُوعَ فِي الْمَسَاجِدِ.

وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا هُنَا أَحْكَامَ الْمِيَاهِ وَالْكَلَإِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (وَلِذِي مَأْجَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ كَمَقْعَدٍ، وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ كَمُعْظَمٍ مَا يُعَدُّ لِخَزْنِ الْمَاءِ كَالصِّهْرِيجِ (وَ) لِذِي (بِئْرٍ وَمِرْسَالِ مَطَرٍ) أَيْ مَحَلِّ جَرْيِهِ وَهُوَ مَنْ حَلَّ الْمَطَرُ بِأَرْضِهِ الْخَاصَّةِ بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ) فِي آنِيَةٍ، أَوْ حُفْرَةٍ أَيْ كَكُلِّ مَاءٍ يَمْلِكُهُ أَعَمُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ (مَنْعُهُ) مِنْ غَيْرِهِ (وَبَيْعُهُ) وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ وَخَصَّ الْمَنْعَ وَالْبَيْعَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ (إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ) هَلَاكًا، أَوْ ضَرَرًا شَدِيدًا مِنْ عَاقِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ) حِينَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ مَثَلًا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْعُهُ وَلَا بَيْعُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ مَلِيًّا بِمَحَلٍّ آخَرَ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ فَبِالثَّمَنِ بِاتِّفَاقٍ فَقَوْلُهُ (وَإِلَّا رُجِّحَ بِالثَّمَنِ) وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ كَانَ فَاسِدًا لِاتِّفَاقِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ نَقْلِهِ.

(كَفَضْلِ) مَاءِ (بِئْرِ زَرْعٍ) تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ مَجَّانًا الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ كَوُجُوبِ دَفْعِ مَا فَضَلَ عَنْ الْحَاجَةِ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ، أَوْ عَيْنٍ لِجَارِهِ حَيْثُ (خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ) أَوْ شَجَرِهِ التَّالِفِ مِنْ الْعَطَشِ (بِهَدْمِ بِئْرِهِ) أَيْ وَالْأَرْجَحُ بِسَبَبِ هَدْمِ بِئْرِ الْجَارِ (وَأَخَذَ) الْجَارُ (يُصْلِحُ) بِئْرَهُ الْمُنْهَدِمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ مَعَهُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ وَجَارُهُ مَعْذُورٌ بِهَدْمِ بِئْرِهِ مَعَ أَخْذِهِ فِي الْإِصْلَاحِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ بِالسَّفَرِ مَعَ كَوْنِهِ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِاسْتِعْدَادِ الثَّمَنِ لِمِثْلِ ذَلِكَ (وَأُجْبِرَ) رَبُّ الْمَاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دَفْعِ الْفَضْلِ لِجَارِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْهَا لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهُ عَلَى الدَّفْعِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ فَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ مَكْرُوهٌ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ حَيْثُ جَوَّزَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: لِتُرَابٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ أَوْ حَجَرٍ مِنْهُ أَوْ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنَّقْلِ لَا لِغَيْرِهِ فَيُمْنَعُ وَأَمَّا طَوَافُهُ عليه السلام عَلَى بَعِيرٍ فَهُوَ لِأَجْلِ أَنْ يَرْتَفِعَ لِلنَّاسِ فَيَأْخُذُوا عَنْهُ الْمَنَاسِكَ فَكَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْحَاجِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفَرْشٌ) أَيْ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِ فِيهِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ اتِّقَاءِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ مُتَّكَأٌ أَيْ اتِّخَاذُ مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَلِذِي مَأْجَلٍ) أَيْ لِصَاحِبِ مَاءِ مَأْجَلٍ وَمَاءِ بِئْرٍ وَمَاءِ مِرْسَالِ مَطَرٍ أَيْ مَحَلِّ جَرْيِهِ مَنْعُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَبَيْعُهُ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ الْعَطْفِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَنْقُصُ بِالِاغْتِرَافِ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْبِئْرِ وَمَا يَنْقُصُ وَلَا يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْبَاقِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ حَلَّ إلَخْ) الضَّمِيرُ لِذِي الْمِرْسَالِ أَيْ فَلِصَاحِبِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي مَاءُ الْمَطَرِ فِيهِ مَنْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ تَعْبِيرُهُ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ فِي آنِيَةٍ) أَيْ كَجَرَّةٍ، أَوْ قِرْبَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ حُفْرَةٍ أَيْ كَبِرْكَةٍ فِيهَا مَاءٌ. (قَوْلُهُ: مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى لَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ الْحَطَبَ وَالْمَاءَ وَالنَّارَ وَالْكَلَأَ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْخِلَافَ بِمَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ، أَوْ الْعَيْنُ فِي أَرْضِهِ الَّتِي لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ فِيهَا لِلِاسْتِقَاءِ مِنْهَا وَأَمَّا الْبِئْرُ الَّتِي فِي دَارِ رَجُلٍ، أَوْ فِي حَائِطِهِ الَّتِي حَظَرَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا وَيُقَيَّدُ الْمَنْعُ بِغَيْرِ مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْمَنْعُ اتِّفَاقًا وَالْمُرَادُ بِالْحَطَبِ وَالْكَلَإِ اللَّذَانِ فِي الصَّحْرَاءِ لَا فِي مَنْزِلِهِ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ مَنْعُهُمَا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ وَأَوْلَى الْجَزْمُ أَيْ إلَّا مَنْ ظَنَّ هَلَاكَهُ أَوْ حُصُولَ الضَّرَرِ الشَّدِيدِ لَهُ لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُوجَدَ مَاءٌ آخَرُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ وَالْكَلَامُ فِي الزَّائِدِ عَلَى مَا يُحْيِي بِهِ صَاحِبُ الْمَاءِ نَفْسَهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ قَدْرَ مَا يُحْيِي نَفْسَهُ فَقَطْ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ وَيُقَدَّمُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُ ذَلِكَ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَلِيًّا بِمَحَلٍّ آخَرَ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ يَتْبَعُهُ بِهِ وَلَوْ أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي لَأَبْدَلَ التَّرْجِيحَ بِالِاخْتِيَارِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ فَبِالثَّمَنِ بِاتِّفَاقٍ) أَيْ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذَّكَاةِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وُجِدَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَ قَوْلُهُ: وَإِلَّا رُجِّحَ إنْ شَرْطِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مَعَ لَا أَيْ وَإِلَّا يَنْتَفِ الثَّمَنُ بِأَنْ وُجِدَ رُجِّحَ بِالثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِ مَاءِ بِئْرِ زَرْعٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ بِئْرٌ يَسْقِي مِنْهَا زَرْعَهُ فَفَضَلَ عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَاءِ وَلَهُ جَارٌ لَهُ زَرْعٌ أَنْشَأَهُ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ وَانْهَدَمَتْ بِئْرُ زَرْعِهِ وَخِيفَ عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكُ مِنْ الْعَطَشِ وَشَرَعَ فِي إصْلَاحِ بِئْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْفَضْلِ لِجَارِهِ بِالثَّمَنِ إنْ وُجِدَ مَعَهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالْمُعْتَمَدُ - وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ - أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ مَجَّانًا وَلَوْ وُجِدَ مَعَهُ الثَّمَنُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَإِلَّا رُجِّحَ بِالثَّمَنِ " مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرِ مَحَلِّهِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَأَخَذَ يُصْلِحُ " قَدَّمَهُ مُخَرِّجُ الْمُبْيَضَّةِ سَهْوًا وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ تَشْبِيهًا فِي الْأَخْذِ مَجَّانًا الْمُفَادِ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُعْتَمَدَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ بِقَوْلِهِ

ص: 72

بِأَنْ زَرَعَ لَا عَلَى أَصْلِ مَاءٍ، أَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ بِئْرُهُ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْإِصْلَاحِ، ثُمَّ شُبِّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَبْرِ قَوْلُهُ،

(كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) حَفَرَهَا (بِصَحْرَاءَ) أَيْ بِمَوَاتٍ فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ (هَدَرًا) أَيْ بِلَا ثَمَنٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ هَذَا (إنْ لَمْ يُبَيِّنْ) حِينَ حَفَرَهَا (الْمِلْكِيَّةَ) لِعَدَمِ الْإِحْيَاءِ بِمُجَرَّدِ الْحَفْرِ وَلِأَنَّ نِيَّتَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ فَقَطْ فَإِنْ بَيَّنَهُمَا بِإِشْهَادٍ عِنْدَ الْحَفْرِ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ إنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ حِينَئِذٍ (وَ) إذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مُسْتَحِقُّونَ (بُدِئَ) وُجُوبًا بَعْدَ رَيِّ رَبِّهَا (بِمُسَافِرٍ) لِاحْتِيَاجِهِ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ (وَلَهُ) بِالْقَضَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَاءِ أَوْ عَلَى حَاضِرِهِ (عَارِيَّةُ آلَةٍ) وَعَلَيْهِمْ إعَارَتُهَا لَهُ وَهَذَا مَا لَمْ تُجْعَلْ الْآلَةُ لِلْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَبِالْأُجْرَةِ وَاتُّبِعَ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ (ثُمَّ حَاضِرٍ) إلَى أَنْ يَرْوِيَ (ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا) أَيْ الْبِئْرِ، ثُمَّ دَابَّةِ الْمُسَافِرِ، ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّهَا ثُمَّ مَوَاشِي النَّاسِ.

(بِجَمِيعِ الرَّيِّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ يُقَدَّمُ بِجَمِيعِ الرَّيِّ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ الْمَوَاشِي عَنْ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ بِخِلَافِ الدَّوَابِّ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا جَهْدَ (وَإِلَّا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) مِنْ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَقَطَ التَّرْتِيبُ اُنْظُرْ الشُّرَّاحَ.

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ، وَالظَّنُّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا هَكَذَا وَإِنَّمَا وَقَعَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِشُرُوطِ وُجُوبِ بَذْلِ الْمَاءِ لِزَرْعِ الْجَارِ الْأَرْبَعَةِ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: فَضْلٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ زَرْعِ رَبِّهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ بَذْلِهِ إذَا خِيفَ تَلَفُ بَعْضِ زَرْعِ رَبِّهِ وَهَلَاكُ جَمِيعِ زَرْعِ الْجَارِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ مَعَ غُرْمِ قِيمَةِ بَعْضِ الزَّرْعِ الَّذِي يَتْلَفُ لِرَبِّ الْمَاءِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ ثَانِيهَا قَوْلُهُ: خِيفَ أَيْ ظُنَّ فَإِنْ لَمْ يُظَنَّ هَلَاكُهُ عَادَةً بَلْ شُكَّ فَقَطْ لَمْ يَجِبْ، ثَالِثُهَا مُفَادُ قَوْلِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ أَنَّهُ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ فَلَوْ زَرَعَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى جَارِهِ الْبَذْلُ لِمُخَاطَرَتِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، رَابِعُهَا قَوْلُهُ: وَأَخَذَ يُصْلِحُ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْإِصْلَاحِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْجَارِ بَذْلُ فَضْلِ مَائِهِ.

(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْجَارِ مَنْ يُمْكِنُهُ سَقْيُ زَرْعِهِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْجَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلَاصِقًا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّاذِلِيُّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ زَرَعَ) أَيْ أَوْ لَمْ يَظُنَّ هَلَاكَ زَرْعِ الْجَارِ بَلْ شَكَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شُبِّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَبْرِ) أَيْ فِي الْجَبْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِالْقُيُودِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) أَيْ كَبَذْلِهِ فَضْلَ بِئْرِ مَاشِيَةٍ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَةٍ، أَوْ لِشُرْبٍ وَفَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ فَضْلَةٌ وَطَلَبَهَا شَخْصٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ تِلْكَ الْفَضْلَةِ لِمَنْ طَلَبَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِمَّنْ طَلَبَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَلَا صَاحِبَ زَرْعٍ وَيَأْخُذُهُ الطَّالِبُ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ، هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ حِينَ حَفَرَهَا، وَإِلَّا كَانَ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ عَنْهَا فَالتَّشْبِيهُ فِي الْجَبْرِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ التَّشْبِيهَ تَامًّا لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُضْطَرِّ، وَلِذِي الزَّرْعِ الَّذِي انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ. (قَوْلُهُ: بِصَحْرَاءَ) أَيْ وَأَمَّا بِئْرُ الرَّجُلِ الَّذِي فِي حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِالدُّخُولِ لَهَا فَلَهُ الْمَنْعُ كَاَلَّتِي فِي دَارِهِ كَمَا نَقَلَهُ بْن عَنْ ابْنِ رُشْدٍ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ حِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مُسْتَحِقُّونَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِيهَا يَكْفِيهِمْ. (قَوْلُهُ: بُدِئَ وُجُوبًا بَعْدَ رَيِّ رَبِّهَا) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ بُدَاءَةٌ إضَافِيَّةٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَبَّ الْبِئْرِ هُوَ الْمُقَدَّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْمُسَافِرُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَضْلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَاعِيَ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ) أَيْ وَحَقَّ لَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ وَأَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى " وَعَارِيَّةُ " بِمَعْنَى إعَارَةٍ وَضَمِيرُ لَهُ لِرَبِّ الْمَاءِ، أَوْ الْحَاضِرِ، أَيْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيرَ لِلْمُسَافِرِ الْآلَةَ كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا لَمْ تُجْعَلْ الْآلَةُ لِلْإِجَارَةِ إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ لِأَنَّ شَأْنَ الْآلَةِ أَنْ لَا تُتَّخَذَ لِلْكِرَاءِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَوَاشِي النَّاسِ) أَيْ الْمُسَافِرِينَ وَالْحَاضِرِينَ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَوَاشِيَ الْمُسَافِرِينَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ دَوَابِّهِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِهِ مِنْ احْتِيَاجِهِ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، إذْ تَقَدُّمُ دَوَابِّهِ وَتَأْخِيرُ مَوَاشِيهِ يُوجِبُ انْتِظَارَهُ فَالْوَجْهُ اسْتِوَاءُ دَوَابِّهِ مَعَ مَوَاشِيهِ فَفِي الْكَلَامِ تَسَاهُلٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَوَاشِي الْمُسَافِرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا مَوَاشِيَ مَعَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ دَوَابِّهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ ثَمَّ مَوَاشِي النَّاسِ يَعْنِي الْحَاضِرِينَ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ كَالْأَقْفَهْسِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِتَأْجِيرِ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَوَابِّهِ وَأَنَّهَا بَعْدَ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ التَّالِيَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ لِدَوَابِّ الْمُسَافِرِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ الرَّيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِ بُدِئَ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ صِنَاعَةً فَالْأَوْلَى جَعْلُهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ بِمُسَافِرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَإِفَادَتُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لَا تَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعَلُّقَ التَّبْدِئَةِ بِالْمُسَافِرِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ رَيُّهُ بِالْمَاءِ فَالْمُبْدَلُ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْطِئَةٌ لِلْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا) أَيْ مَصْدَرُ رَوِيَ بِالْكَسْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا جَهْدَ أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ فِي مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ

ص: 73

(وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ) أَيْ بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَيَلِيهَا جِنَانٌ، أَوْ زَرْعٌ لِنَاسٍ شَتَّى (سُقِيَ الْأَعْلَى) أَوَّلًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلْمَاءِ الْمَذْكُورِ (إنْ تَقَدَّمَ) فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَسْفَلِ أَيْ أَوْ تَسَاوَيَا فِي الْإِحْيَاءِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَسْفَلُ (لِلْكَعْبِ) أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ فِيهِ الْكَعْبَ ثُمَّ يُرْسَلُ لِلْآخَرِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ (وَأُمِرَ) الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ (بِالتَّسْوِيَةِ) لِأَرْضِهِ إنْ أَمْكَنَ (وَإِلَّا) تُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ وَكَانَ لَا يَبْلُغُ الْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْمُرْتَفِعِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْمُنْخَفِضِ أَكْثَرَ (فَكَحَائِطَيْنِ) فَيُسْقَى الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ مِنْهَا أَيْ يَصِيرُ هَذَا الْحَائِطُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى أَعْلَى وَأَسْفَلَ كَحَائِطَيْنِ فَتُسْقَى كُلُّ جِهَةٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهَا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِغَيْرِهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ الْأَعْلَى أَيْ الْأَقْرَبِ بِقَوْلِهِ (وَقُسِمَ) الْمَاءُ الْمُبَاحُ (لِلْمُتَقَابَلَيْنِ) أَيْ لِلْحَائِطَيْنِ مَثَلًا الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُرْبِ لِلْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَا فِي جِهَةٍ أَوْ إحْدَاهُمَا فِي جِهَةٍ وَالْأُخْرَى فِي جِهَةٍ أُخْرَى وَسَوَاءٌ اسْتَوَى زَمَنُ إحْيَائِهِمَا، أَوْ اخْتَلَفَتْ وَقَوْلُهُ (كَالنِّيلِ) تَشْبِيهٌ تَامٌّ فِي مَاءِ الْمَطَرِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ سَقْيِ الْأَعْلَى إنْ تَقَدَّمَ إلَخْ.

وَذَكَرَ مَفْهُومَ " بِمُبَاحٍ " بِقَوْلِهِ (وَإِنْ)(مُلِكَ) الْمَاءُ (أَوَّلًا) بِأَنْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى إجْرَائِهِ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ أَرْضِهِمْ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ، أَوْ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ، أَوْ عَيْنٍ فِيمَا ذُكِرَ (قُسِمَ بَيْنَهُمْ) عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ (بِقِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ) وَالْقِلْدُ بِالْكَسْرِ الَّذِي عِبَارَةٌ عَنْ الْآلَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا لِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْهُ السَّاعَاتُ الرَّمْلِيَّةُ وَغَيْرُهَا، وَمُرَادُهُ بِغَيْرِ الْقَسْمِ بِالْأَيَّامِ (وَأُقْرِعَ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

مَا يَكْفِي الْجَمِيعَ، أَوْ كَانَ فِيهَا مَا يَكْفِيهِمْ لَكِنْ يَحْصُلُ الْجَهْدُ لِبَعْضِهِمْ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بُدِئَ بِالذَّاتِ الْمَجْهُودَةِ عَاقِلَةً، أَوْ لَا وَلَوْ غَيْرَ رَبِّهِ وَغَيْرَ دَابَّتِهِ فَإِنْ كَانَ مَاءُ الْبِئْرِ يَكْفِي الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الرَّيِّ وَكَانَ بِتَقْدِيمِ أَرْبَابِهَا يَحْصُلُ الْجَهْدُ لِغَيْرِهِمْ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبِتَقْدِيمِ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ جَهْدٌ أَوْ بِعَكْسِ ذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ بِتَقْدِيمِ أَرْبَابِهَا لَا يَحْصُلُ الْجَهْدُ لِغَيْرِهِمْ وَبِتَقْدِيمِ غَيْرِهِمْ يَحْصُلُ الْجَهْدُ لَهُمْ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْجَهْدُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الرَّيِّ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي بِئْرٍ مَا يَحْصُلُ بِهِ رَيُّ الْجَمِيعِ وَكَانَ يَحْصُلُ بِتَقْدِيمِ رَبِّهِ جَهْدٌ لِلْمُسَافِرِينَ دُونَ الْعَكْسِ أَوْ كَانَ يَحْصُلُ بِتَقْدِيمِ الْمُسَافِرِينَ عَلَى الْحَاضِرِينَ جَهْدٌ لِلْحَاضِرِينَ دُونَ الْعَكْسِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي قُدِّمَ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْجَهْدُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِمَا يُزِيلُ بِهِ الْهَلَاكَ لَا بِجَمِيعِ الرَّيِّ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ جَهْدًا قُدِّمَ فَإِنْ اسْتَوَيَا قَالَ أَشْهَبُ يَتَوَاسَوْنَ أَيْ يَشْرَبُ كُلٌّ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْجَهْدَ لَا أَنَّهُمْ يَرْوَوْنَ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ يُقَدَّمُ أَهْلُ الْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَتُقَدَّمُ دَوَابُّهُمْ عَلَى دَوَابِّ غَيْرِهِمْ وَالْقَوْلَانِ مُسْتَوِيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ) احْتَرَزَ بِالْمُبَاحِ مِنْ السَّائِلِ بِمَكَانٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي مِرْسَالِ مَطَرٍ فَمَا هُنَا مَفْهُومُ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَيَلِيهَا جِنَانٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ تَتَّصِلْ كُلُّهَا بِالْمَاءِ بَلْ بَعْضُهَا مُتَّصِلٌ بِهِ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا لَوْ وَلِيَهَا بُسْتَانٌ وَرَحًا، أَوْ زَرْعٌ وَرَحًا قُدِّمَ غَيْرُ الرَّحَا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ الْبُسْتَانِ عَلَيْهَا وَلَوْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَنْ الرَّحَا فِي الْإِحْيَاءِ وَكَانَتْ أَقْرَبَ لِلْمَاءِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْأَصْلِيَّةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْمَاءِ النَّبَاتُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَا الرَّحَا وَلَا غَيْرُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَسْفَلُ) مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأَسْفَلِ السَّابِقُ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَعْلَى الْمُتَأَخِّرِ فِي الْإِحْيَاءِ إذَا خِيفَ عَلَى زَرْعِ الْأَسْفَلِ الْهَلَاكُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي السَّقْيِ، وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَعْلَى الْمُتَأَخِّرُ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَسْفَلِ كَذَا قَيَّدَ سَحْنُونٌ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ طفى أَنَّ الْأَسْفَلَ يُقَدَّمُ إذَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ وَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَى زَرْعٍ بِتَقْدِيمِ الْأَعْلَى. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُرْسِلُ لِلْآخَرِ) أَيْ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ كُلُّهُ لِلْآخَرِ إلَى الْكَعْبَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ يُرْسَلُ الْبَاقِي وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ نَصُّهَا: ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يُرْسَلُ لِلْأَسْفَلِ جَمِيعُ الْمَاءِ وَلَا يَبْقَى مِنْهُ لِلْأَعْلَى شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ يُرْسَلُ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ وَمَعْنَاهُ فِي الثَّانِي أَنْ يُرْسَلَ الْمَاءُ مِنْ وَرَاءِ جِنَانِ الْأَعْلَى وَيَبْقَى مِنْهُ مَا وَصَلَ لِلْكَعْبَيْنِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَأُمِرَ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ فِي السَّقْيِ وَهُوَ صَاحِبُ الْأَعْلَى إنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ، أَوْ سَاوَى غَيْرَهُ وَصَاحِبُ الْأَسْفَلِ إنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَوْلُهُ: وَأُمِرَ الْمُقَدَّمُ أَيْ بِالْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا رَاجِعٌ لِصِفَةٍ مُقَدَّرَةٍ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ كَمَا قَدَّرَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِلْعِلْمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرْ بِالتَّسْوِيَةِ إلَّا وَهِيَ مُمْكِنَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَسَمَ لِلْمُتَقَابَلَيْنِ) اُنْظُرْ هَلْ يُقْسَمُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مِسَاحَتُهُمَا، أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مِسَاحَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ اسْتَوَى زَمَنُ إحْيَائِهِمَا، أَوْ اخْتَلَفَ) قَالَ بْن فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّبْقَ فِي الْإِحْيَاءِ يَقْتَضِي التَّقَدُّمَ وَلَوْ فِي الْأَسْفَلِ وَأَحْرَى فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا اسْتَوَى زَمَنُ إحْيَائِهِمَا.

(قَوْلُهُ: قُسِمَ بَيْنَهُمْ عَلَيَّ حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبْدِئَةٍ لِأَعْلَى عَلَى أَسْفَلَ لِمِلْكِهِمْ لَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لِأَرْضِهِمْ، ثُمَّ إنَّهُ إذَا قُسِمَ بِالْقِلْدِ وَنَحْوِهِ يُرَاعَى اخْتِلَافُ كَثْرَةِ الْجَرْيِ وَقِلَّتِهِ فَإِنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ أَقْوَى مِنْ جَرْيِهِ عِنْدَ قِلَّتِهِ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ قَالُوا: جَرْيُهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ خَمْسُ دَرَجٍ يَعْدِلُ جَرْيُهُ عِنْدَ قِلَّتِهِ ثَمَانِيَ دَرَجٍ عُمِلَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالْقِلْدُ بِالْكَسْرِ عِبَارَةٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْقِلْدُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْقِدْرُ

ص: 74