الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتركبن سنن من كان قبلكم» ، رواه الترمذي وصححه (1) .
فقد دل هذا الحديث على أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار ونحوها من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك، ولهذا أخبر في الحديث أن طلبهم كطلب بني إسرائيل لما قالوا لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فهؤلاء طلبوا سدرة يتبركون بها كما يتبرك المشركون، وأولئك طلبوا إلها كما لهم آلهة، فيكون في كلا الطلبين منافاة للتوحيد؛ لأن التبرك بالشجر نوع من الشرك، واتخاذ إله غير الله شرك واضح.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لتركبن سنن من كان قبلكم» إشارة إلى أن شيئا من ذلك سيقع في أمته صلى الله عليه وسلم، وقد قال ذلك عليه الصلاة والسلام ناهيا ومحذرا.
[المطلب الخامس النهي عن أعمال تتعلق بالقبور]
المطلب الخامس: النهي عن أعمال تتعلق بالقبور. لقد كان الأمر في صدر الإسلام على منع زيارة القبور لقرب عهدهم بالجاهلية حماية لحمى التوحيد وصيانة لجنابه، ولما حسن الإيمان وعظم شأنه في الناس ورسخ في القلوب واتضحت براهين التوحيد وانكشفت شبهة الشرك جاءت مشروعية زيارة القبور محددة أهدافها موضحة مقاصدها.
فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» ، رواه مسلم (2) .
(1) سنن الترمذي برقم (2180) .
(2)
صحيح مسلم برقم (977) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكر الموت» (1) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة» (2) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا» (3) .
وعن بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» ، رواه مسلم (4) .
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن مشروعية زيارة القبور بعد المنع من ذلك إنما كانت لهدفين عظيمين وغايتين جليلتين:
الأولى: التزهيد في الدنيا بتذكر الآخرة والموت والبلى، والاعتبار بأهل القبور مما يزيد في إيمان الشخص ويقوي يقينه ويعظم صلته بالله، ويذهب عنه الإعراض والغفلة.
الثانية: الإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم وطلب المغفرة لهم وسؤال الله العفو عنهم.
(1) صحيح مسلم برقم (975) .
(2)
مسند أحمد (3 / 38) ، ومستدرك الحاكم (1 / 531) .
(3)
مستدرك الحاكم (1 / 532) .
(4)
صحيح مسلم برقم (975) .
هذا الذي دل عليه الدليل، ومن ادعى غير ذلك طولب بالحجة والبرهان.
ثم إن السنة قد جاءت بالنهي عن أمور عديدة متعلقة بالقبور وزيارتها، صيانة للتوحيد وحماية لجنابه، يجب على كل مسلم تعلمها ليكون في أمنة من الباطل وسلامة من الضلال، ومن ذلك:
1 -
النهي عن قول الهجر عند زيارة القبور. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تقولوا هجرا» ، والمراد بالهجر كل أمر محظور شرعا، ويأتي في مقدمة ذلك الشرك بالله بدعاء المقبورين وسؤالهم من دون الله والاستغاثة بهم وطلب المدد والعافية منهم، فكل ذلك من الشرك البواح والكفر الصراح، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة صريحة في المنع من ذلك والنهي عنه ولعن فاعله، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: «ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنِّي أنهاكم عن ذلك» (1) . فدعاء الأموات وسؤالهم الحاجات وصرف شيء من العبادة لهم شرك أكبر، أما العكوف عند القبور وتحري إجابة الدعاء عندها ومثله الصلاة في المساجد التي فيها القبور فهو من البدع المنكرة.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي
(1) صحيح مسلم برقم (532) .
لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1) .
2 -
الذبح والنحر عند القبور. فإن كان ذلك تقربا إلى المقبورين ليقضوا حاجة للشخص فهو شرك أكبر وإن كان لغير ذلك فهو من البدع الخطيرة التي هي من أعظم وسائل الشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام» ، قال عبد الرزاق:«كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة» (2) .
3 -
، 4، 5، 6، 7- رفعها زيادة على التراب الخارج منها، وتجصيصها، والكتابة عليها، والبناء عليها، والقعود عليها. فكل ذلك من البدع التي ضلت بها اليهود والنصارى وكانت من أعظم ذرائع الشرك، فعن جابر رضي الله عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وأن يزاد عليه، أو يكتب عليه» . رواه مسلم، وأبو داود، والحاكم (3) .
8 -
الصلاة إلى القبور وعندها. فعن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) ، رواه مسلم (4) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها
(1) صحيح البخاري برقم (1330) ، وصحيح مسلم برقم (531) .
(2)
سنن أبي داود لرقم (3222) .
(3)
صحيح مسلم برقم (970) ، وسنن أبي داود برقم (3225) ، ورقم (3226) ، ومستدرك الحاكم (1 / 525) .
(4)
صحيح مسلم برقم (972) .
مسجد، إلا المقبرة والحمام» . رواه أبو داود والترمذي (1) .
9 -
بناء المساجد عليها. وهو بدعة من ضلالات اليهود والنصارى وتقدم حديث عائشة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
10 -
اتخاذها عيدا. وهو من البدع التي جاء النهي الصريح عنها لعظم ضررها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا (2) ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني» ، رواه أبو داود وأحمد (3) .
11 -
شد الرحال إليها. وهو أمر منهي عنه لأنه من وسائل الشرك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» . رواه البخاري ومسلم (4) .
(1) سنن أبي داود برقم (492) ، وسنن الترمذي برقم (317) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2)
العيد هو الذي يعود ويتكرر مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، فكون الإنسان يكرر الزيارة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم كل يوم من أجل السلام فكأنه يتخذه عيدا، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أمر المسلم أن يصلي ويسلم عليه وهو في أي مكان كان لأن لله ملائكة سياحين يبلغون الرسول السلام وهذا من يسر هذا الدين إذ ليس باستطاعة كل مسلم أن يأتي إلى المدينة.
(3)
سنن أبي داود برقم (2042) ، ومسند أحمد (2 / 367) .
(4)
صحيح البخاري برقم (1189) ، وصحيح مسلم (1397) .