الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني الإيمان وأركانه]
وبيان حكم مرتكب الكبيرة تعريفه: الإيمان لغة: التصديق والإقرار.
وشرعًا: اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.
أركانه وأدلته: أركان الإيمان ستة يدل عليها قول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177](البقرة: 177) .
ومن السنة ما جاء في حديث جبريل عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت» . . . إلخ) (1) .
زيادة الإيمان ونقصانه: دل الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فالدليل من الكتاب قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17](محمد: 17) . وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2](الأنفال: 2) .
(1) متفق عليه: صحيح البخاري حديث برقم (50) ، وصحيح مسلم حديث برقم (8) .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4](الفتح: 4) .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» (1) . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» (2) .
حكم مرتكب الكبيرة: كبائر الذنوب نوعان: مكفّر وغير مكفر. فأما المكفر فهو الشرك بالله لأنه أعظم ذنبا عُصي به الله والنفاق الاعتقادي وسب الله ورسوله ونحو ذلك.
والنوع الثاني كبائر غير مكفّرة ولا يخرج مرتكبها من الملة إلا إذا استحلها. وهي سائر الذنوب التي دون الكفر كالربا والقتل والزنا ونحو ذلك.
وقد دل الكتاب والسنة على أن مرتكب الكبيرة غير المكفّرة مؤمن ناقص الإيمان، ويسمى فاسقًا وعاصيًا.
وحكمه في الآخرة أنه تحت المشيئة فإن شاء الله غفر له برحمته وإن شاء عذبه بعدله وهو مع هذا لا يخلد في النار إذا عُذب بل مآله إلى الجنة بما معه من التوحيد والإيمان. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116](النساء: 116) .
(1) صحيح البخاري حديث برقم (7510) ، صحيح مسلم حديث برقم (193) .
(2)
صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث رقم (57) .
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير» (1) .
وهذا الذي دلت عليه النصوص هنا هو الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم على الخير والهدى في حكم مرتكب الكبيرة وهو المنهج الوسط بين الغلو في هذا الباب وهو مذهب الخوارج قديمًا وحديثًا الذين يكفرون مرتكب الكبيرة ويخرجونه من الملة ويستبيحون دمه ويعتقدون أنه يوم القيامة خالد مخلد في النار، وبين أهل التقصير الذين يرون أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يفرقون بين مرتكب الكبيرة وبين المؤمن الكامل الذي أدى الطاعات وتجنب المحرمات كما هو مذهب غلاة المرجئة.
الأدلة على أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر: دل القرآن والسنة على أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر.
فمن القرآن قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9 - 10](الحجرات: 9، 10) . ووجه الدلالة من الآيتين هو أن الله أثبت الإيمان لمرتكبي معصية الاقتتال من المؤمنين والباغي من
(1) صحيح البخاري برقم (44) ، وصحيح مسلم برقم (192) .
بعض الطوائف على بعض وهي من الكبائر وجعلهم إخوة وأمر تعالى المؤمنين بالإصلاح بين إخوتهم في الإيمان.
ومن السنة ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه» . .) (1) .
ووجه الدلالة من الحديث هو عدم تخليد مرتكبي الكبائر في النار حيث يخرج منها من كان في قلبه أدنى شيء من الإيمان كما يدل الحديث على تفاوت أهل الإيمان على حسب أعمالهم وأنه يزيد وينقص بحسب ما يترك المؤمن من واجبات أو يرتكب من محظورات.
(1) صحيح مسلم كتاب الإيمان باب الشفاعة وإخراج الموحدين من النار حديث رقم 184.